الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
استنبط السبكي من هذا الحديث أن الإمام ليس له تقديم غير الأحوج عليه لأن التمليك والإعطاء إنما هو من اللّه لا من الإمام فليس للإمام أن يملك أحداً إلا ما ملكه اللّه وإنما وظيفته القسمة وهي يجب كونها بالعدل ومنه تقديم الأحوج والتسوية بين متساوي الحاجة فإذا قسم بينهما ودفع لهما علمنا أن اللّه ملكه لهما قبل الدفع وأن القسمة إنما هي معينة فإن لم يكن إمام وبرز أحدهما واستأثر كان كما لو استأثر بعض الشركاء بمال مشتركاً فلا يجوز. أخذ ابن الحاج من الحديث أنه ليس للعالم أن يخص قوماً دون آخرين بإلقاء الأحكام عليهم لأن المسلمين قد تساووا في الأحكام وبقيت المواهب من اللّه يخص بها من يشاء. - (طب عن معاوية) قال الهيثمي رواه بإسنادين أحدهما حسن. 2583 - (إنما أنا رحمة) أي ذو رحمة أو مبالغ في الرحمة حتى كأني عينها لأن الرحمة ما يترتب عليه النفع ونحوه وذاته كذلك وإن كانت ذاته رحمة فصفاته التابعة لذاته كذلك (مهداة) بضم الميم أي ما أنا إلا ذو رحمة للعالمين أهداها اللّه إليهم فمن قبل هديته أفلح ونجا ومن أبى خاب وخسر وذلك لأنه الواسطة لكل فيض فمن خالف فعذابه من نفسه كعين انفجرت فانتفع قوم وأهمل قوم فهي رحمة لها ولا يشكل على الحصر وقوع الغضب منه كثيراً لأن الغضب لم يقصد من بعثه بل القصد بالذات الرحمة والغضب بالتبعية بل في حكم العدم فانحصر فيها مبالغة أو المعنى أنه رحمة على الكل لا غضب على الكل أو أنه رحمة في الجملة فلا ينافي الغضب في الجملة أنه رحمة في الجملة ويكفي في المطلب إثبات الرحمة. - (ابن سعد) في الطبقات (والحكيم) في النوادر (عن أبي صالح مرسلاً) أبو صالح في التابعين كثير فكان ينبغي تمييزه (ك) في الإيمان (عنه) أي عن أبي صالح (عن أبي هريرة) يرفعه قال الحاكم على شرطهما وتفرد الثقة مقبول انتهى وأقرّه عليه الذهبي. 2584 - (إنما بعثت) أي أرسلت (لأتمم) أي لأجل أن أكمل (صالح) وفي رواية بدله مكارم (الأخلاق) بعد ما كانت ناقصة وأجمعها بعد التفرقة قال الحكيم: أنبأنا به أن الرسل قد مضت ولم تتم هذه الأخلاق فبعث بإتمام ما بقي عليهم وقال بعضهم: أشار إلى أن الأنبياء عليهم السلام قبله بعثوا بمكارم الأخلاق وبقيت بقية فبعث المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بما كان معهم وبتمامها وقال الحرالي: صالح الأخلاق هي صلاح الدنيا والدين والمعاد التي جمعها في قوله اللّهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي وقال العارف ابن عربي: معنى الحديث أنه لما قسمت الأخلاق إلى مكارم وإلى سفساف وظهرت مكارم الأخلاق كلها في شرائع الرسل وتبين سفسافها من مكارمها عندهم وما في العالم إلا أخلاق اللّه وكلها مكارم فما ثم سفساف أخلاق فبعث نبينا صلى اللّه عليه وسلم بالكلمة الجامعة إلى الناس كافة وأوتي جوامع الكلم وكل شيء يقدمه على شرع خاص فأخبر عليه الصلاة والسلام أنه بعث لتتم صالح الأخلاق فصار للكل مكارم أخلاق فما ترك في العلم سفساف أخلاق جملة واحدة لمن عرف مقصد الشرع فأبان لنا مصارفه لهذا المسمى سفسافاً من نحو حرص وشره وحسد وبخل وكل صفة مذمومة فأعطانا لها مصارف إذا أجريناها عليها عادت مكارم أخلاق وزال عنها اسم الذمّ فكانت محمودة فتمم اللّه به مكارم الأخلاق فلا ضد لها كما أنه لا ضد للحق لكن منا من عرف المصارف ومنا من جهلها. - (ابن سعد) [ص 573] في الطبقات (خد ك هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضاً باللفظ المزبور قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح انتهى فكأن المصنف أغفله ذهولاً وقال ابن عبد البر حديث متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره. 2585 - (إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذاباً) لأنه حشي بالرحمة والرأفة فاستنار قلبه بنور اللّه فرقت الدنيا في عينه فبذل نفسه في جنب اللّه فكان رحمة ومفزعاً ومأمناً وغياثاً وأماناً فالعذاب لم يقصد من بعثه. - (تخ عن أبي هريرة) وفي الباب نحوه عن جمع صحابيين. 2586 - (إنما بعثتم) أيها المؤمنون (ميسرين) نصب على الحال من الضمير في بعثتم وكذا قوله الآتي معسرين قال الحرالي: والتيسير تحمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم والعسر بما يجتهد النفس ويضر الجسم ثم أكد التيسير بنفي ضدّه وهو التعسير فقال (ولم تبعثوا معسرين) إسناد البعث إليهم مجاز لأنه المبعوث بما ذكر، لكن لما نابوا عنه في التبليغ أطلق عليهم ذلك إذ هم مبعوثون من قبله أي مأمورون وكان ذا شأنه مع كل من بعثه لجهة يقول يسروا ولا تعسروا وهذا قاله لما بال ذو الخويصرة اليماني أو الأقرع بن جايس بالمسجد. - (ت عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضاً. 2587 - (إنما بعثني اللّه مبلغاً) للأحكام عن اللّه معرفاً به داعياً إليه وإلى جنته مبيناً مواقع رضاه وآمراً بها ومواقع سخطه وناهياً عنها ومخبراً بأخبار الرسل مع أممهم وأمر المبدأ والمعاد وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها وأسباب ذلك (ولم يبعثني متعنتاً) أي مشدداً قاله لعائشة لما أمر بتخيير نسائه فبدأ بها فاختارته وقالت لا تقل أني اخترتك فذكره وفي إفهامه إشعار بأن من دقائق صناعة التعليم أن يزجر المعلم المتعلم عن سوء الأخلاق باللطف والتعريض ما أمكن من غير تصريح وبطريق الرحمة من غير توبيخ فإن التصريح يهتك حجاب الهيبة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف وتهبيج الحرص على الإصرار ذكره الغزالي. - (ت عن عائشة) ورواه عنه أيضاً البيهقي في السنن لكن قال الذهبي في المهذب هو منقطع. 2588 - (إنما جزاء السلف) أي القرض (الحمد والوفاء) أي حمد المقترض للمقرض والثناء عليه وأداء حقه له قال الغزالي: فيستحب للمدين عند قضاء الدين أن يحمد المقضي له بأن يقول بارك اللّه لك في أهلك ومالك انتهى وما اقتضاه وضع إنما من ثبوت الحكم المذكور ونفيه عما عداه من أن الزيادة على الدين زيادة غير جائزة غير مراد وإنما هو على سبيل الوجوب لأن شكر المنعم وأداء حقه واجبان والزيادة فضل ذكره الطيبي. - (حم ن ه عن عبد اللّه بن أبي ربيعة) المخزومي قال: استسلف النبي صلى اللّه عليه وسلم مني حين غزا حنيناً أربعين ألفاً فجاءه مال فقضاها وقال بارك اللّه في أهلك ومالك ثم ذكره وفيه إبراهيم بن إسماعيل وإسماعيل بن إبراهيم على اختلاف الروايتين ابن عبد اللّه بن أبي ربيعة قال في المنار: لا يعرف حاله ولم تثبت عدالته انتهى، لكن قال الحافظ العراقي الحديث حسن وعبد اللّه بن أبي ربيعة اسم أبيه عمرو بن المغيرة ولاه المصطفى صلى اللّه عليه وسلم الجند فبقي عليها إلى أواخر أيام عثمان ومات بقرب مكة ومن لطائف إسناده أنه من رواية إسماعيل عن أبيه عن جده. 2589 - (إنما جعل الطواف بالبيت) الكعبة (وبين الصفا والمروة) أي وإنما جعل السعي بينهما (ورمي الجمار) إلى [ص 574] العقبة (لإقامة ذكر اللّه) يعني إنما شرع ذلك لإقامة شعار النسك وتمامه في رواية الحاكم لا لغيره وكأنه سقط من كلام المصنف. - (د ك) في الحج (عن عائشة) وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم واعترض بأن فيه عبد اللّه بن أبي زياد الصراح ضعفه ابن معين وكذا النسائي مرة وظاهر صنيع المصنف تفرّد به أبي داود عن الستة والأمر بخلافه فقد رواه منهم أيضاً الترمذي وقال حسن صحيح. 2590 - (إنما جعل الاستئذان) أي إنما شرع الاستئذان في دخول الغير (من أجل) وفي رواية من قبل (البصر) أي جهته أي إنما احتيج إليه لئلا يقع نظر من في الخارج على من هو داخل البيت ولولاه لم يشرع وهذا قاله لما اطلع الحكم ابن العاص أو غيره في بابه وكان بيد النبي صلى اللّه عليه وسلم مدراً يحك بها رأسه فقال لو أعلم أنك تنظر لطلقت به في عينك ثم ذكره قال في المنضد وإذا كان هذا في النظر إلى الرجال فإلى النساء آكد وأشد وفيه دليل على صحة التعليل القياسي فهو حجة الجمهور على نفاة القياس وفيه أن من اطلع في بيت غيره يجوز طعنه في عينه إذا لم يندفع إلا به ولا يختص ذلك ببيت المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بدليل خبر: من اطلع على بيت قوم بغير إذنهم فقد حلّ لهم أن يفقأوا عينه ولا ضمان ولا دية عند الشافعي لأنه عقوبة على جناية سابقة. - (حم ق ت) كلهم في الاستئذان (عن سهل بن سعد) الساعدي ورواه عنه أيضاً النسائي في الديات. 2591 - (إنما حرّ جهنم على أمّتي) أمة الإجابة إذا دخلها العصاة منهم للتطهير (كحرّ الحمام) أي كحرارته اللطيفة التي لا تؤذي الجسم ولا توهنه فإن قلت: هذا قد يناقضه ما مرّ أنهم إذا دخلوها ماتوا فلا يحسون بألم العذاب قلت: قد يقال إنها تكون عليهم عند إحيائهم الأمر بإخراجهم منها كحرّ الحمام. - (طس عن أبي بكر) الصدّيق رضي اللّه تعالى عنه قال الهيثمي فيه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف انتهى وفيه أيضاً شعيب بن طلحة نقل السخاوي عن الدارقطني أنه متروك والأكثر على قبوله. 2592 - (إنما سماهم اللّه تعالى الأبرار) أي إنما سمى اللّه تعالى الأبرار أبراراً في القرآن (لأنهم بروا الآباء والأمهات والأبناء) أي أحسنوا إلى آبائهم وأمهاتهم وأبنائهم ورفقوا بهم وتحرّوا محابهم وتوقوا مكارههم ولم يوقعوا الضغائن بينهم بتفضيل بعضهم على بعض بنحو عطية أو إكرام بلا موجب شرعي (كما أن لوالديك عليك حقاً كذلك لولدك) عليك حقاً أي حقوقاً كثيرة منها تعليمهم الفروض العينية وتأدّبهم بالآداب الشرعية والعدل بينهم في العطية سواء كانت هبة أم هدية أم وقفاً أم تبرعاً آخر فإن فضل بلا عذر بطل عند بعض العلماء وكره عند بعضهم. - (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه عبد اللّه بن الوليد الصافي وهو ضعيف انتهى ونقل في الميزان تضعيفه عن الدارقطني وغيره وعن ابن حبان والنسائي والفلاس أنه متروك ثم ساق له أخباراً أنكرت عليه هذا منها وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلا من الطبراني وهو قصور فقد رواه سلطان المحدّثين باللفظ المذكور عن ابن عمر المزبور في الأدب المفرد وترجم عليه باب برّ الأب لولده فالضرب عنه صفعاً والعدول عنه للطبراني من سوء التصرف. [ص 575] 2593 - (إنما سمي البيت) الذي هو الكعبة المعظمة البيت (العتيق لأن اللّه) لفظ رواية الحاكم إنما يسمي البيت العتيق لأنه (أعتقه) أي حماه (من الجبابرة) جمع جبار وهو الذي يقتل على الغضب (فلم يظهر عليه جبار قط) وفي رواية لم ينله جبار قط وفي أخرى لم يقدر عليه جبار قط وأراد بنفي الظهور نفي الغلبة والاستيلاء. قال في المصباح: ظهرت على الحائط علوت ومنه قيل ظهر على عدوه إذا غلبه والمراد جبار من الكفار وقصة الفيل مشهورة. - (ت ك) في التفسير (هب) كلهم عن أمير المؤمنين عبد اللّه (ابن الزبير) ابن العوام قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وأقول فيه عبد اللّه بن صالح كاتب الليث ضعفه الأئمة وبقية رجاله ثقات. 2594 - (إنما سمي الخضر) وفي نسخة حذف هذه وهي ثابتة في خط المصنف نعم هي رواية، والخضر بفتح السكون أو فكسر أو بكسر فسكون، قال ابن حجر: ثبتت بهما الرواية بالرفع قائم مقام الفاعل ومفعوله الثاني قوله (خضراً لأنه جلس على فروة) بالفاء أرض يابسة (بيضاء) لا نبات فيها فإذا هي أي الفروة تهتز أي تتحرك تحته خضراً بالتنوين أي نباتاً أخضر ناعماً بعد ما كانت جرداء وروى خضراء كحمراء. قال النووي: واسمه بلياء أو إيلياء وكنيته أبو العباس والخضر لقبه وإطلاق الاسم على اللقب شائع وهو صاحب موسى عليه السلام الذي أخبر عنه بالقرآن العظيم بتلك الأعاجيب وأبوه ملكان بفتح فسكون ابن قالع ابن عابر ابن شالخ ابن أرفخشد ابن سام ابن نوح وقيل هو ابن حلقيا وقيل ابن قابيل ابن آدم وقيل ابن فرعون صاحب موسى وهو غريب وقيل أمه رومية وأبوه فارسي وقيل هو ابن آدم عليه السلام لصلبه وقيل الرابع من أولاده وقيل عيصو وقيل من سبط هارون عليه السلام وقيل هو ابن خالة ذي القرنين ووزيره، ومن أعجب ما قيل أنه من الملائكة والأصح عند الجمهور أنه نبي معمر محجوب عن الأبصار وهو حي عند عامة العلماء وعامة الصلحاء وقيل لا يموت إلا في آخر الزمان حتى يرتفع القرآن. قال إبراهيم بن سفيان راوي صحيح مسلم وهو الذي يقتله الدجال ثم يحييه وإنما طالت حياته لأنه شرب من ماء الحياة وليكذب الدجال قال العارف ابن عربي: حدثني شيخنا العزيني بشيء فتوقفت فيه فتأذى الشيخ ولم أشعر فانصرفت فلقيني في الطريق رجل لا أعرفه فسلم عليَّ ثم قال صدق الشيخ فيما قال فرجعت إلى الشيخ فلما رآني قال: تحتاج في كل مسألة إلى أن يلقاك الخضر فيخبرك بصدقها وقال ابن عربي أيضاً كنت في مركب بساحل تونس فأخذتني بطني والناس نيام فقمت إلى جنب السفينة وتطلعت في البحر فرأيت رجلاً على بعد في ضوء القمر يمشي على الماء حتى وصل إليَّ فرفع قدمه الواحدة واعتمد الأخرى فرأيت باطنها وما أصابها بلل ثم اعتمد الأخرى ورفع صاحبتها فكانت كذلك ثم تكلم معي بكلام وانصرف فأصبحت جئت المدينة فلقيني رجل صالح فقال: كيف كانت ليلتك مع الخضر عليه السلام قال: وخرجت إلى السياحة بساحل البحر المحيط ومعي رجل ينكر خرق العوائد فدخلنا مسجداً خراباً لصلاة الظهر فإذا بجماعة من السياحين المنقطعين دخلوا يريدون ما نريده وفيهم ذلك الرجل الذي كلمني في البحر ورجل أكبر منزلة منه فصلينا ثم خرجنا فأخذ الخضر عليه السلام حصيراً من محراب المسجد فبسطه في الهواء على قدر علو سبعة أذرع ثم صلى عليها فقلت لصاحبي أما تنظر ما فعل؟ قال اسأله فلما فرغ من صلاته أنشدته هذه الأبيات: شغل المحب عن الهواء بسره * في حب من خلق الهواء وسخره * والعارفون عقولهم معقولة عن كل كون ترتضيه مطهره * فهم لديه مكرمون وفي الورى * أحوالهم مجهولة ومستره [ص 576] فقال ما فعلت ما رأيت إلا لهذا المنكر الذي معك فهذا ما جرى لنا مع هذا الوتد وله من العلم اللدني والرحمة بالعالم ما يليق بمن هو في رتبته واجتمع به شيخنا علي بن عبد اللّه بن جامع وكان الخضر عليه السلام ألبسه الخرقة بحضور العارف قضيب البان وألبسنيها المسيح عليه الصلاة والسلام بالموضع الذي ألبسه فيه الخضر عليه السلام ومن ذلك الوقت قلت بلباس الخرقة وألبستها الناس لما رأيت الخضر عليه السلام اعتبرها وكنت قبل ذلك لا أقول بالخرقة المعروفة الآن فإن الخرقة عندنا عبارة عن الصحبة والآداب والتخلق ولهذا لا يوجد لباسها متصلاً برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجرت عادة أصحاب الأحوال أنهم إذا رأوا واحداً من أصحابهم عنده نقص في أمر ما وأرادوا تكميله يتجذبه الشيخ فإذا تجذبه أخذ ذلك الثوب الذي عليه في ذلك الحال ونزعه وأفرغه عليه فيسري فيه ذلك الحال فيكمل به ذلك الرجل فذلك هو الإلباس عندنا المعروف عند شيوخنا المحققين رضي اللّه تعالى عنهم-وذكره صاحب العروة الوثقى فقال أبو العباس الخضر عليه السلام أعني بليان بن ملكان بن سمعان وأورد حديثين سمعهما من النبي صلى اللّه عليه وسلم أحدهما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما من مؤمن قال صلى اللّه على محمد إلا نضر اللّه قلبه ونور بصيرته والثاني قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا رأيت الرجل لجوجاً معجباً برأيه فقد تمت خسارته وكل عام يلتقي مع إلياس في الموسم فيحلق كل منهما رأس صاحبه ويفترقان على هذه الكلمات بسم اللّه ما شاء اللّه لا يسوق الخير إلا اللّه بسم اللّه ما شاء اللّه لا يصرف السوء إلا اللّه بسم اللّه ما شاء اللّه ما كان من نعمة فمن اللّه بسم اللّه ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلا باللّه فمن قالها حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات عوفي من السرق والحرق والغرق وأحسبه قال ومن السلطان والشيطان والحية والعقرب- - (حم ق ت د عن أبي هريرة طب عن ابن عباس) ما ذكره من أن الشيخين معاً خرَّجاه هو ما جرى عليه فتبعه لكن الصدر المناوي قال لم يخرجه مسلم فليحرَّر.
*1* الجزء الثالث 2595 - [ص 2] (إنما سمي القلب) قلباً (من تقلبه) فإن القلب في الأصل مشترك بين كوكب معروف والخالص واللب ومنه قلب النخل ومصدر قلبت الشيء رددته على بدئه والإناء قلبته على وجهه وقلبت الرجل عن رأيه صرفته عنه والمراد العضو الرئيس المعلق بالجانب الأيسر المثلث الشكل المحدد الرأس سمي به لسرعة الخواطر وترددها عليه كما أشار إليه بقوله (إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة) أي ملقاة بأرض واسعة عديمة البناء (تعلقت في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن). وما سمي الإنسان إلا لنسيه * ولا القلب إلا أنه ينقلب ومن ثم قيل: ينبغي للعاقل الحذر من تقلب قلبه فإنه ليس بين القلب والكلب إلا التفخيم قال الغزالي: القلب غرض للخواطر لا يقدر على منعها والتحفظ عنها بحال ولا هي تنقطع عنك بوقت ثم النفس متسارعة إلى اتباعه والامتناع عن ذلك في مجهود الطاعة أمر شديد ومحنة عظيمة وعلاجه عسير إذ هو غيب عنك فلا يكاد يشعر به حتى تدب فيه آفة وتحدث له حالة ولذلك قيل: ما سمي القلب إلا من تقلبه * والرأي يضرب بالإنسان أطوارا قال النظار وذوو الاعتبار: وفي الحديث رد على الصوفية في قولهم إن الطريق لا ينال بتعليم بل هو تطهير للنفس عن الصفات المذمومة أو تصفيتها ثم الاستعداد وانتظار الفتح ما ذاك إلا لأن القلب ترد عليه وساوس وخواطر تشوش القلب فيتقلب وإذا لم يتقدم رياضة النفس وتهذيبها بحقائق العلوم تشبث بالقلب خيالات فائدة تطمئن النفوس إليها مدة طويلة وربما انقضى العمر بغير نجاح. - (طب عن أبي موسى) الأشعري قال العراقي: إسناده حسن وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو ذهول فقد خرجه منهم بعضهم باللفظ المزبور. 2596 - (إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب) أي يحرقها ويذيبها لما يقع فيه من العبادة يقال رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء شدة الحر ورمضت قدمه احترقت من الرمضاء ورمضت الفصال إذا وجدت حر الرمضاء فاحترقت أخفافها ورمض الرجل أحرقت قدميه الرمضاء وخرج يترمض الظباء يسوقها في الرمضاء حتى تنفسخ أظلافها فيأخذها ذكره الزمخشري وغيره. - (محمد بن منصور) بن عبد الجبار التميمي صاحب التصانيف في الفقه وأصوله والحديث وغير ذلك، الإمام في ذلك (السمعاني) بفتح السين وسكون الميم نسبة إلى سمعان بطن من تميم (وأبو زكريا يحيى بن منده في أماليهما عن أنس) ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] أيضا. 2597 - (إنما سمي شعبان لأنه يتشعب) أي يتفرع (فيه خير كثير للصائم) أي لصائمه (حتى يدخل الجنة) يعني [ص 3] يكون صومه وما تفرع عليه سببا لادخاله الجنة مع السابقين الأولين أو بغير عذاب أو نحو ذلك والمقصود به بيان فضل صوم شعبان وعظم قدر الشهر. - (الرافعي) إمام الشافعية (في تاريخه) تاريخ قزوين (عن أنس) ورواه عنه أيضاً أبو الشيخ [ابن حبان] بلفظ تدرون لم سمي شعبان والباقي سواء. 2598 - (إنما سميت الجمعة) أي إنما سمي يوم الجمعة يوم جمعة (لأن آدم) عليه السلام (جمع) بالبناء للمفعول أي جمع اللّه (فيها خلقه) أي صوره أكمل تصوير على هذا الهيكل العجيب البديع وإلى هذا الحديث أشار النووي في تهذيبه بقوله: روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما سميت جمعة لاجتماع خلق آدم عليه السلام فيها. اهـ وخفي هذا على الحافظ العراقي فلم يحضره مع سعة اطلاعه وعلو كعبه في هذا الفن فاعترض النووي حيث قال عقبه: لم أجد لهذا الحديث أصلاً ومما قيل في سبب تسميتها به أيضاً إنه لاجتماع الناس فيها أو لأن المخلوقات اجتمع خلقها وفرغ منها يوم الجمعة أو لاجتماع آدم مع حواء عليهما السلام في الأرض فيها أو لأن قريشا كانت تجتمع فيه إلى قصي في دار الندوة. - (خط) في ترجمة أبي جعفر الأفواهي (عن سلمان) الفارسي وفيه عبد اللّه بن عمر بن أبي أمية قال الذهبي: فيه جهالة وقرشع الصبي ذكره ابن حبان في الضعفاء. 2599 - (إنما مثل المؤمن حين يصيبه الوعك) بالتحريك مغث الحمى كما في الصحاح وغيره أي شدتها (أو الحمى) التي هي حرارة غريبة بين الجلد واللحم فكأنه يقول حين تصيبه الحمى شديدة أو كانت أو حقيقة فكما أن الشديدة مكفرة فالخفيفة مكفرة أيضاً كرماً منه تعالى وفضلاً (كمثل حديدة تدخل النار فتذهب خبثها) بمعجمة فموحدة مفنوحتين ما تبرزه النار من الوسخ والقذر (ويبقى طيبها) بكسر الطاء وسكون التحتية فكذا الوعك أو الحمى يذهب بالخطايا والذنوب وضرب المثل بذلك زيادة في التوضيح والتقرير لأنه أوقع في القلب ويريك المتخيل متحققاً والمعقول محسوساً ولذلك أكثر اللّه تعالى في كتبه للأمثال ولا يضرب المثل إلا لما فيه غرابة. - (طب ك) في الإيمان (عن عبد الرحمن بن أزهر) بفتح الهمزة وزاي ساكنة الزهري المدني شهد حنيناً قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال في المهذب مرسل جيد. 2600 - (إنما مثل صاحب القرآن) أي مع القرآن والمراد بصاحبه من ألف تلاوته نظراً أو عن ظهر قلب فإن من داوم ذلك ذل له لسانه وسهلت عليه قراءته فإذا هجره ثقلت عليه القراءة وشقت عليه (كمثل صاحب الإبل المعقلة) أي مع الإبل المعقلة بضم الميم وفتح العين وشد القاف أي المشدودة بعقال أي حبل شبه درس القرآن ولزوم تلاوته بربط بعير يخاف شراده (إن عاهد عليها) أي احتفظ بها ولازمها (أمسكها) أي استمر إمساكه لها (وإن أطلقها ذهبت) أي انفلتت شبه القرآن بالإبل المقيدة بالعقل فما دام تعهده موجوداً فحفظه موجود كما أن الإبل ما دامت مشدودة بالعقال فهي محفوظة وخص الإبل لأنها أشد الحيوان الأهلي نفوراً والمراد بالحصر حصر مخصوص بالنسبة لأمر مخصوص وهو دوام حفظه بالدرس كحافظ البعير بالعقل أما بالنسبة لأمور أخرى فله أمثلة أخرى. ألا ترى قد ضرب له [ص 4] أمثالاً أخر كقوله مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة أفاده الحافظ العراقي دافعاً به ما عساه يقال إن قضيته دلالة إنما على الحصر أنه لا مثل له سوى ذلك وهو أوضح من قول ابن حجر المراد حصر مخصوص بالنسبة للحفظ والنسيان بالتلاوة والترك. - (مالك) في الموطأ (حم ق ن ه عن ابن عمر) بن الخطاب. 2601 - (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك) أي وإن لم يكن صاحبه (ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يجذيك) بجيم وذال معجمة أي يعطيك (وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة) أي أنك إن لم تظفر منه بحاجتك جميعاً لم تعدم واحدة منها إما الإعطاء وإما الشراء وإما الاقتباس للرائحة وكذا يقال في قوله (ونافخ الكير) بعكس ذلك وذلك أنه (إما أن يحرق ثيابك) بما تطاير من شرار الكير (وإما أن تجد) منه (ريحاً خبيثة) والمقصود منه النهي عن مجالسة من تؤذي مجالسته في دين أو دنيا والترغيب في مجالسة من تنفع مجالسته فيهما وفيه إيذان بطهارة المسك وحل بيعه وضرب المثل والعمل في الحكم بالأشياء والنظائر وأنشد بعضهم: تجنب قرين السوء واصرم حباله * فإن لم تجد منه محيصا فداره والزم حبيب الصدق واترك مراءه * تنل منه صفو الود ما لم تماره ومن يزرع المعروف مع غير أهله * يجده وراء البحر أو في قراره وللّه في عرض السماوات جنة * ولكنها محفوفة بالمكاره - (ق عن أبي موسى) الأشعري. 2602 - (إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل) الذي (يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها) فيصح النفل بنية من أول النهار أي قبل الزوال وتناول مفطر عند الشافعية ويثاب من طلوع الفجر لأن الصوم لا يتجزأ. - (ن ه عن عائشة) قلت: يا رسول اللّه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه فقال: أدنيه أما إني أصبحت وأنا صائم فأكل ثم ذكره قال عبد الحق: فيه انقطاع وذلك لأنه في طريق النساء من رواية أبي جعفر الأحوص عن طلحة بن يحيى عن مجاهد عن عائشة ومجاهد لم يسمعه منها كما في علل الترمذي. 2603 - (إنما مثل الذي) أي إنما مثل الإنسان الذي (يصلي ورأسه) أي والحال أن شعر رأسه (معقوص) أي مجموع شعره عليه (مثل الذي يصلي وهو مكتوف) أي مشدود اليدين إلى كتفيه في الكراهة لأن شعره إذا لم يكن منتشراً لا يسقط على الأرض فلا يصير في معنى الشاهد بجميع أجزائه كما أن يدي المكتوف لا يقعان على الأرض في السجود. قال أبو شامة: وهذا محمول على العقص بعد الضفر كما تفعل النساء. - (حم م طب عن ابن عباس). 2604 - (إنما هلك من كان قبلكم من الأمم) أي تسببوا في إهلاك أنفسهم بالكفر والإبتداع (باختلافهم في الكتاب) [ص 5] يعني أن الأمم السابقة اختلفوا في الكتب المنزلة فكفر بعضهم بكتاب بعض فهلكوا فلا تختلفوا أنتم في هذا الكتاب والمراد بالاختلاف ما أوقع في شك أو شبهة أو فتنة أو شحناء ونحو ذلك الاختلاف في وجوه المعاني واستنباط الأحكام والمناظرة لإظهار الحق فإنه مأمور به فضلاً عن كونه منهياً عنه. قال الحرالي: والاختلاف انتقال من الخلاف وهو تقابل بين اثنين فيما ينبغي انفراد الرأي فيه. - (م) في كتاب العلم (عن ابن عمرو) بن العاص قال: هاجرت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج يعرف في وجهه الغضب فذكره وفي رواية للترمذي خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى كأنما فقيء في وجهه حب الرمان حمرة من الغضب فقال: أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم ثم ذكره وقضية كلام المؤلف أن ذا مما تفرد به مسلم عن البخاري وهو ذهول بل خرجه عن النزال بن سبرة عن ابن مسعود وليس بينهما إلا اختلاف قليل ومن ثم أطلق عزوه إليهما أئمة كالديلمي. 2605 - (إنما هما قبضتان) تثنية قبضة والقبضة بمعنى المقبوض كالغرفة بمعنى المغروف وهو بالضم الاسم وبالفتح المرة والقبض الآخذ بجميع الكف.
|