الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ***
{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)} عبّر سبحانه بالإنزال عن الخلق، أي خلقنا لكم لباساً يواري سوآتكم التي أظهرها إبليس من أبويكم، والسوأة العورة كما سلف، والكلام في قدرها وما يجب ستره منها مبين في كتب الفروع. قوله: {وَرِيشًا} قرأ الحسن وعاصم، من رواية المفضل الضبي، وأبو عمرو، من رواية الحسن بن عليّ الجعفي «ورياشاً» وقرأ الباقون {وريشاً} والرياش جمع ريش: وهو اللباس. قال الفراء: ريش ورياش كما يقال لبس ولباس، وريش الطائر ما ستره الله به. وقيل المراد بالريش هنا: الخصب ورفاهية العيش. قال القرطبي: والذي عليه أكثر أهل اللغة: أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة. وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة: وهبت له دابة وريشها، أي وما عليها من اللباس. وقيل: المراد بالريش هنا لباس الزينة لذكره بعد قوله: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} وعطفه عليه. قوله: {وَلِبَاسُ التقوى} قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي بنصب لباس. وقرأ الباقون بالرفع؛ فالنصب على أنه معطوف على لباس الأوّل، والرفع على أنه مبتدأ، وجملة {ذلك خَيْرٌ} خبره، والمراد بلباس التقوى: لباس الورع، واتقاء معاصي الله، وهو الورع نفسه والخشية من الله، فذلك خير لباس وأجمل زينة. وقيل: لباس التقوى الحياء. وقيل: العمل الصالح، وقيل: هو لباس الصوف والخشن من الثياب لما فيه من التواضع لله. وقيل: هو الدرع والمغفر الذي يلبسه من يجاهد في سبيل الله، والأوّل أولى. وهو يصدق على كل ما فيه تقوى لله فيندرج تحته جميع ما ذكر من الأقوال، ومثل هذه الاستعارة كثيرة الوقوع في كلام العرب، ومنه: إذ المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تقلب عرياناً وإن كان كاسيا ومثله: تغطّ بأثواب السخاء فإنني *** أرى كل عيب والسخاء غطاؤه والإشارة بقوله: {ذلك} إلى لباس التقوى، أي هو خير لباس، وقرأ الأعمش: " وَلِبَاسُ التقوى خَيْرٌ " والإشارة بقوله {ذلك مِنْ آيات الله} إلى الإنزال المدلول عليه بأنزلنا، أي ذلك الإنزال من آيات الله الدالة على أن له خالقاً. ثم كرّر الله سبحانه النداء لبني آدم تحذيراً لهم من الشيطان، فقال: {يابنى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان} أي لا يوقعنكم في الفتنة، فالنهي وإن كان للشيطان، فهو في الحقيقة لبني آدم بأن لا يفتتنوا بفتنته ويتأثروا لذلك، والكاف في {كَمَا أَخْرَجَ} نعت مصدر محذوف، أي لا يفتننكم فتنة مثل إخراج أبويكم من الجنة، وجملة: {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} في محل نصب على الحال، وقد تقدّم تفسيره، واللام في {لِيُرِيَهُمَا سوآتهِما} لام كي، أي لكي يريهما، وقد تقدّم تفسيره أيضاً. قوله: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} هذه الجملة تعليل لما قبلها، مع ما تتضمنه من المبالغة في تحذريهم منه، لأن من كان بهذه المثابة يرى بني آدم من حيث لا يرونه، كان عظيم الكيد، وكان حقيقاً بأن يحترس منه أبلغ احتراس {وَقَبِيلُهُ} أعوانه من الشياطين وجنوده. وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على أن رؤية الشياطين غير ممكنة، وليس في الآية ما يدل على ذلك، وغاية ما فيها أنه يرانا من حيث لا نراه، وليس فيها أنا لا نراه أبداً، فإن انتفاء الرؤية منا له في وقت رؤيته لنا لا يستلزم انتفاءها مطلقاً، ثم أخبر الله سبحانه بأنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون من عباده وهم الكفار. وقد أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم} قال: كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة، وفي قوله: {وَرِيشًا} قال: المال. وأخرج ابن جرير، عن عروة بن الزبير، في قوله: {لِبَاسًا يوارى سوآتكم} قال: الثياب {وَرِيشًا} قال: المال {وَلِبَاسُ التقوى} قال: خشية الله. وأخرج ابن أبي حاتم، عن زيد بن عليّ، في قوله: {لِبَاسًا يوارى سواتِكم} قال: لباس العامة {وَرِيشًا} قال: لباس الزينة {وَلِبَاسُ التقوى} قال: الإسلام. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، من طرق عن ابن عباس، في قوله: {وَرِيشًا} قال: المال واللباس والعيش والنعيم، وفي قوله: {وَلِبَاسُ التقوى} قال: الإيمان والعمل الصالح {ذلك خَيْرٌ} قال: الإيمان والعمل خير من الريش واللباس، وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه، في قوله: «ورياشاً} يقول: المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} قال: التقوى، وفي قوله: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} قال: الجن والشياطين.
{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)} الفاحشة: ما تبالغ في فحشه وقبحه من الذنوب. قال أكثر المفسرين: هي طواف المشركين بالبيت عراة. وقيل هي الشرك، والظاهر أنها تصدق على ما هو أعم من الأمرين جميعاً، والمعنى: أنهم إذا فعلوا ذنباً قبيحاً متبالغاً في القبح، اعتذروا عن ذلك بعذرين: الأوّل: أنهم فعلوا ذلك اقتداء بآبائهم لما وجدوهم مستمرين على فعل تلك الفاحشة، والثاني: أنهم مأمورون بذلك من جهة الله سبحانه. وكلا العذرين في غاية البطلان والفساد، لأن وجود آبائهم على القبح لا يسوّغ لهم فعله، والأمر من الله سبحانه لهم لم يكن بالفحشاء، بل أمرهم باتباع الأنبياء والعمل بالكتب المنزلة ونهاهم عن مخالفتهما، ومما نهاهم عنه فعل الفواحش، ولهذا ردّ الله سبحانه عليهم بأن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: {إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشاء} فكيف تدّعون ذلك عليه سبحانه، ثم أنكر عليهم ما أضافوه إليه، فقال: {أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وهو من تمام ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقوله لهم، وفيه من التقريع والتوبيخ أمر عظيم، فإن القول بالجهل إذا كان قبيحاً في كل شيء، فكيف إذا كان في التقوّل على الله؟ وإن في هذه الآية الشريفة لأعظم زاجر، وأبلغ واعظ، للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق، فإنهم القائلون: {إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] والقائلون {وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا والله أَمَرَنَا بِهَا} والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب، مع اعتقاده بأنه الذي أمر الله به، وأنه الحق لم يبق عليه، وهذه الخصلة هي التي بقي بها اليهودي على اليهودية، والنصراني على النصرانية، والمبتدع على بدعته، فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية، والنصرانية، أو البدعية، وأحسنوا الظنّ بهم، بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به، ولم ينظروا لأنفسهم، ولا طلبوا الحق كما يجب، وبحثوا عن دين الله كما ينبغي، وهذا هو التقليد البحت والقصور الخالص، فيا من نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية أنا لك النذير المبالغ في التحذير، من أن تقول هذه المقالة وتستمر على الضلالة، فقد اختلط الشرّ بالخير، والصحيح بالسقيم، وفاسد الرأي بصحيح الرواية، ولم يبعث الله إلى هذه الأمة إلا نبياً واحداً أمرهم باتباعه ونهى عن مخالفته فقال: {وَمَا آتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7] ولو كان محض رأى أئمة المذاهب وأتباعهم حجة على العباد، لكان لهذه الأمة رسل كثيرون متعدّدون بعدد أهل الرأي المكلفين للناس بما لم يكلفهم الله به. وإن من أعجب الغفلة، وأعظم الذهول عن الحق، اختيار المقلدة لآراء الرجال مع وجود كتاب الله، ووجود سنة رسوله، ووجود من يأخذونهما عنه، ووجود آلة الفهم لديهم، وملكة العقل عندهم. قوله: {قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط} القسط: العدل، وفيه أن الله سبحانه يأمر بالعدل، لا كما زعموه من أن الله أمرهم بالفحشاء. وقيل القسط هنا هو: لا إله إلا الله، وفي الكلام حذف، أي قل أمر ربي بالقسط فأطيعوه. قوله: {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} معطوف على المحذوف المقدّر، أي توجهوا إليه في صلاتكم إلى القبلة في أي مسجد كنتم، أو في كل وقت سجود، أو في كل مكان سجود، على أن المراد بالسجود: الصلاة {وادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي ادعوه أو اعبدوه حال كونكم مخلصين الدعاء، أو العبادة له. وقيل: وحدوه ولا تشركوا به. قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} الكاف: نعت مصدر محذوف. وقال الزجاج: هو متعلق بما قبله. والمعنى: كما أنشأكم في ابتداء الخلق يعيدكم، فيكون المقصود الاحتجاج على منكري البعث، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. وقيل: كما أخرجكم من بطون أمهاتكم تعودون إليه كذلك ليس معكم شيء، فيكون مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 94]. وقيل: كما بدأكم من تراب تعودون إلى التراب {فَرِيقًا هدى} منتصب بفعل يفسره ما بعده. وقيل: منتصب على الحال من المضمر في تعودون، أي تعودون فريقين: سعداء وأشقياء، ويقويه قراءة أبيّ «فريقين فريقا هدى»، والفريق الذي هداه الله هم: المؤمنون بالله المتبعون لأنبيائه، والفريق الذي حقت عليه الضلالة: هم الكفار. قوله: {إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله} تعليل لقوله: {وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} أي ذلك بسبب أنهم أطاعوا الشياطين في معصية الله، ومع هذا فإنهم {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُّهْتَدُونَ}، ولم يعترفوا على أنفسهم بالضلالة، وهذا أشدّ في تمرّدهم وعنادهم. وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {إِذَا فَعَلُواْ فاحشة} قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فنهوا عن ذلك. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدي مثله. وأخرج ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب نحوه. وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة في الآية قال: والله ما أكرم الله عبداً قط على معصيته، ولا رضيها له ولا أمر بها، ولكن رضي لكم بطاعته، ونهاكم عن معصيته، وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد، في قوله: {أَمَرَ رَبّي بالقسط} قال: بالعدل {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} قال: إلى الكعبة حيثت صليتم في كنيسة أو غيرها {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} قال: شقي وسعيد. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} الآية قال: إن الله بدأ خلق بني آدم مؤمناً وكافراً كما قال: {هُوَ الذى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِن} [التغابن: 2] ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمناً وكافراً. وأخرج ابن جرير، عن جابر في الآية قال: يبعثون على ما كانوا عليه المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، عنه أنه ذكر القدرية فقال: قاتلهم الله، أليس قد قال الله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة}. وأخرج ابن أبي حاتم، عنه، أيضاً في الآية: يقول كما خلقناكم أوّل مرّة كذلك تعودون.
{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} هذا خطاب لجميع بني آدم، وإن كان وارداً على سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والزينة ما يتزين به الناس من الملبوس، أمروا بالتزين عند الحضور إلى المساجد للصلاة والطواف. وقد استدلّ بالآية على وجوب ستر العورة في الصلاة، وإليه ذهب جمهور أهل العلم، بل سترها واجب في كل حال من الأحوال، وإن كان الرجل خالياً كما دلّت عليه الأحاديث الصحيحة، والكلام على العورة وما يجب ستره منها مفصل في كتب الفروع. قوله: {كُلُواْ واشربوا * وَلاَ تُسْرِفُواْ} أمر الله سبحانه عباده بالأكل والشرب، ونهاهم عن الإسراف، فلا زهد في ترك مطعم ولا مشرب، وتاركه بالمرّة قاتل لنفسه، وهو من أهل النار، كما صح في الأحاديث الصحيحة، والمقلل منه على وجه يضعف به بدنه ويعجز عن القيام بما يجب عليه القيام به من طاعة أو سعي على نفسه، وعلى من يعول مخالفاً لما أمر الله به وأرشد إليه، والمسرف في إنفاقه على وجه لا يفعله إلا أهل السفه، والتبذير مخالف لما شرعه الله لعباده واقع في النهي القرآني؛ وهكذا من حرّم حلالاً أو حلل حراماً، فإنه يدخل في المسرفين ويخرج عن المقتصدين. ومن الإسراف الأكل لا لحاجة، وفي وقت شبع. قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} الزينة: ما يتزين به الإنسان، من ملبوس أو غيره من الأشياء المباحة، كالمعادن التي لم يرد نهي عن التزين بها، والجواهر ونحوها؛ وقيل الملبوس خاصة، ولا وجه له، بل هو من جملة ما تشمله الآية، فلا حرج على من لبس الثياب الجيدة الغالية القيمة إذا لم يكن مما حرّمه الله، ولا حرج على من تزين بشيء من الأشياء التي لها مدخل في الزينة، ولم يمنع منها مانع شرعي، ومن زعم أن ذلك يخالف الزهد فقد غلط غلطاً بيناً. وقد قدّمنا في هذا ما يكفي، وهكذا الطيبات من المطاعم والمشارب ونحوهما، مما يأكله الناس، فإنه لا زهد في ترك الطيب منها، ولهذا جاءت الآية هذه معنونة بالاستفهام المتضمن للإنكار على من حرّم ذلك على نفسه، أو حرّمه على غيره. وما أحسن ما قال ابن جرير الطبري: ولقد أخطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان، مع وجود السبيل إليه من حله، ومن أكل البقول والعدس، واختاره على خبز البرّ، ومن ترك أكل اللحم خوفاً من عارض الشهوة. وقد قدّمنا نقل مثل هذا عنه مطوّلاً. والطيبات المستلذات من الطعام؛ وقيل هو اسم عام لما طاب كسباً ومطعماً. قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ} أي: أنها لهم بالأصالة، وإن شاركهم الكفار فيها ما داموا في الحياة {خَالِصَةً يَوْمَ القيامة} أي: مختصة بهم يوم القيامة، لا يشاركهم فيها الكفار. وقرأ نافع «خالصة» بالرفع، وهي قراءة ابن عباس، على أنها خبر بعد خبر. وقرأ الباقون بالنصب على الحال. قال أبو علي الفارسي: ولا يجوز الوقف على الدنيا؛ لأن ما بعدها متعلق بقوله: {لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} حال منه بتقدير: قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها لهم يوم القيامة، قوله: {كَذَلِكَ نُفَصِلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي: مثل هذا التفصيل نفصل الآيات المشتملة على التحليل والتحريم. قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش} جمع فاحشة. وقد تقدّم تفسيرها {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} أي: ما أعلن منها وما أسرّ، وقيل: هي خاصة بفواحش الزنا، ولا وجه لذلك؛ والإثم يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم؛ وقيل: هو الخمر خاصة؛ ومنه قول الشاعر: شربت الإثم حتى ضلّ عقلي *** كذاك الإثم تذهب بالعقول ومثله قول الآخر: يشرب الإثم بالصواع جهارا *** وقد أنكر جماعة من أهل العلم على من جعل الإثم خاصاً بالخمر. قال النحاس: فأما أن يكون الإثم الخمر فلا يعرف ذلك، وحقيقته أنه جميع المعاصي، كما قال الشاعر: إني وجدت الأمر أرشده *** تقوى الإله وشرّه الإثم قال الفراء: الإثم ما دون الحق والاستطالة على الناس انتهى. وليس في إطلاق الإثم على الخمر ما يدل على اختصاصه به، فهو أحد المعاصي التي يصدق عليها. قال في الصحاح: وقد يسمى الخمر إثماً، وأنشد: شربت الإثم *** البيت، وكذا أنشده الهروي قبله في غريبته. قوله: {والبغى بِغَيْرِ الحق} أي: الظلم المجاوز للحد، وأفرده بالذكر بعد دخوله فيما قبله لكونه ذنباً عظيماً كقوله: {وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغى} [النحل: 90] {وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا} أي: وأن تجعلوا لله شريكاً لم ينزل عليكم به حجة. والمراد التهكم بالمشركين، لأن الله لا ينزل برهاناً بأن يكون غيره شريكاً له: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} بحقيقته وأن الله قاله، وهذا مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها. وقد أخرج ابن أبي شيبة، ومسلم، والنسائي، وغيرهم، عن ابن عباس، أن النساء كنّ يطفن عراة إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله *** وما بدا منه فلا أحله فنزلت: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ}. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عنه، في الآية قال: كان الرجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة. والزينة: اللباس وما يواري السوءة، وما سوى ذلك من جيد البرّ والمتاع. وأخرج ابن عدي، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا زينة الصلاة، قالوا: وما زينة الصلاة؟ قال: البسوا نعالكم فصلوا فيها» وأخرج العقيلي، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قول الله: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} قال: صلوا في نعالكم. والأحاديث في مشروعية الصلاة في النعل كثيرة جداً، وأما كون ذلك هو تفسير الآية كما روي في هذين الحديثين فلا أدري كيف إسنادهما. وقد ورد النهي عن أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، وهو في الصحيحين وغيرهما، من حديث أبي هريرة. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب، عن ابن عباس، قال: أحلّ الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفاً أو مخيلة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه، في قوله: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} قال: في الطعام والشراب. وأخرج عبد بن حميد، والنسائي، وابن ماجه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا سرف، فإن الله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس، قال: كانت قريش تطوف بالبيت، وهم عراة يصفرون ويصفقون، فأنزل الله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله} فأمروا بالثياب أن يلبسوها. {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطيبات مِنَ} قال: ينتفعون بها في الدنيا لا يتبعهم فيها مأثم يوم القيامة. وأخرج عبد بن حميد، وأبو الشيخ، عن الضحاك {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ} قال: المشركون يشاركون المؤمنين في زهرة الدنيا، وهي خالصة يوم القيامة للمؤمنين دون المشركين. وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس {والطيبات مِنَ الرزق} قال: الودك، واللحم، والسمن. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه، قال: كان أهل الجاهلية يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ الله لَكُمْ مّن رّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً} [يونس: 59] وهذا هذا، فأنزل الله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطيبات مِنَ الرزق قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى الحياة الدنيا} يعني: شارك المسلمون الكفار في الطيبات في الحياة الدنيا، فأكلوا من طيبات طعامها، ولبسوا من جياد ثيابها ونكحوا من صالحي نسائها، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا، وليس للمشركين فيها شيء. وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس، قال: ما ظهر منها العرية، وما بطن الزنا، وكانوا يطوفون بالبيت عراة. وأخرج ابن جرير، عن مجاهد، في الآية قال: ما ظهر منها طواف الجاهلية عراة، وما بطن الزنا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ، في قوله: {والإثم} قال المعصية {والبغى} قال: أن يبغي على الناس بغير حق.
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)} قوله: {وَلِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} أي وقت معين محدود ينزل فيه عذابهم من الله أو يميتهم فيه، ويجوز أن تحمل الآية على ما هو أعم من الأمرين جميعاً. والضمير في {أَجَلُهُمْ} لكل أمة أي إذا جاء أجل كل أمة من الأمم كان ما قدّره عليهم واقعاً في ذلك الأجل، لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون عنه ساعة. قال أبو السعود ما معناه: إن قوله: {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} عطف على {يستأخرون} لكن «لا» لبيان انتفاء التقدّم، مع إمكانه في نفسه كالتأخر، بل للمبالغة في انتفاء التأخر بنظمه في سلك المستحيل عقلاً. وقيل المراد بالمجيء الدنوّ بحيث يمكن التقدّم في الجملة كمجيء اليوم الذي ضرب لهلاكهم ساعة منه وليس بذاك. وقرأ ابن سيرين «آجالهم» بالجمع، وخصّ الساعة بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات. وقد استدل بالآية الجمهور على أن كل ميت يموت بأجله، وإن كان موته بالقتل أو التردي أو نحو ذلك، والبحث في ذلك طويل جدّاً، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتأخِرُونَ} [الحجر: 5، المؤمنون: 43]. قوله: {يابنى آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ} الآية: «إن» هي الشرطية، و«ما» زائدة للتوكيد، ولهذا لزمت الفعل النون المؤكدة. والقصص قد تقدّم معناه، والمعنى: إن أتاكم رسل كائنون منكم يخبرونكم بأحكامي ويبينونها لكم، {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ} أي اتقى معاصي الله، وأصلح حال نفسه باتباع الرسل وإجابتهم {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} وهذه الجملة الشرطية هي الجواب للشرط الأوّل. وقيل جوابه ما دلّ عليه الكلام، أي إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي، فأطيعوهم. والأوّل أولى، وبه قال الزجاج. {والذين كَذَّبُواْ بئاياتنا} التي يقصها عليهم رسلنا {واستكبروا} عن إجابتها، والعمل بما فيها {فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} لا يخرجون منها، بسبب كفرهم بتكذيب الآيات والرسل. {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بئاياته} أي لا أحد أظلم منه. وقد تقدّم تحقيقه. والإشارة بقوله: {أولئك} إلى المكذبين المستكبرين {يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} أي مما كتب الله لهم من خير وشرّ. وقيل: ينالهم من العذاب بقدر كفرهم. وقيل: الكتاب هنا القرآن لأن عذاب الكفار مذكور فيه. وقيل هو اللوح المحفوظ. قوله: {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا} أي إلى غاية هي هذه. وجملة {يَتَوَفَّوْنَهُمْ} في محل نصب على الحال. والمراد بالرسل هنا: ملك الموت وأعوانه. وقيل: {حتى} هنا هي التي للابتداء. ولكن لا يخفى أن كونها لابتداء الكلام بعدها لا ينافي كونها غاية لما قبلها. والاستفهام في قوله {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} للتقريع والتوبيخ، أي أين الآلهة التي كنتم تدعونها من دون الله وتعبدونها؟ وجملة {قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} استئنافية بتقدير سؤال وقعت هي جواباً عنه، أي ذهبوا عنا وغابوا فلا ندري أي هم؟ {وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كافرين} أي أقرّوا بالكفر على أنفسهم. قوله: {قَالَ ادخلوا فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم} القائل: هو الله عزّ وجلّ، «وفي» بمعنى " مع "، أي مع أمم. وقيل: هي على بابها. والمعنى: ادخلوا في جملتهم. وقيل: هو قول مالك خازن النار. والمراد بالأمم التي قد خلت من قبلهم من الجن والإنس: هم الكفار من الطائفتين من الأمم الماضية {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ} من الأمم الماضية {لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} أي الأمة الأخرى التي سبقتها إلى النار، وجعلت أختاً لها باعتبار الدين، أو الضلالة، أو الكون في النار {حَتَّى إِذَا اداركوا فِيهَا} أي تداركوا. والتدارك: التلاحق والتتابع، والاجتماع في النار. وقرأ الأعمش «تداركوا» على الأصل من دون إدغام. وقرأ ابن مسعود " حتى إِذَا ادركوا " أي: أدرك بعضهم بعضاً. وروي عن أبي عمرو أنه قرأ بقطع ألف الوصل، فكأنه سكت على " إذا " للتذكر، فلما طال سكوته، قطع ألف الوصل كالمبتدئ بها. وهو مثل قول الشاعر: يا نفس صبراً كل حيّ لاقى *** وكل اثنين إلى افتراق {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولاهم} أي أخراهم دخولاً لأولاهم دخولاً. وقيل {أخراهم}: أي سفلتهم وأتباعهم {لأولاهم} لرؤسائهم وكبارهم. وهذا أولى كما يدل عليه {رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا} فإن المضلين هم الرؤساء. ويجوز أن يراد أنهم أضلوهم لأنهم تبعوهم واقتدوا بدينهم من بعدهم، فيصح الوجه الأوّل، لأن أخراهم تبعت دين أولاهم. قوله: {فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار} الضعف الزائد على مثله مرة أو مرات. ومثله قوله تعالى: {رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب والعنهم لَعْناً كبيرا} [الأحزاب: 68] وقيل: الضعف هنا الأفاعي والحيات، وجملة {قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ} استئنافية جواباً لسؤال مقدّر، والمعنى لكل طائفة منكم ضعف من العذاب، أي الطائفة الأولى والطائفة الأخرى {ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ} بما لكل نوع من العذاب {وَقَالَتْ أولاهم لأخْرَاهُمْ} أي قال السابقون للاحقين، أو المَّتَبعُونَ للتابعين {فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} بل نحن سواء في الكفر بالله واستحقاق عذابه. {فَذُوقُواْ} عذاب النار، كما ذقناه {بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} من معاصي الله والكفر به. وقد أخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والخطيب، وابن النجار، عن أبي الدرداء قال: تذاكرنا زيادة العمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا من وصل رحمه أنسئ في أجله فقال: " إنه ليس بزائد في عمره، قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} ولكن الرجل يكون له الذرية الصالحة، فيدعون الله من بعده، فيبلغه ذلك، فذلك الذي ينسأ في أجله " وفي لفظ: «فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة العمر» وهذا الحديث ينبغي أن يكشف عن إسناده، ففيه نكارة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما بخلافه. وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن أبي عروبة، قال: كان الحسن يقول: ما أحمق هؤلاء القوم يقولون اللهم أطل عمره، والله يقول: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}. وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، من طريق الزهري، عن ابن المسيب قال: لما طعن عمر قال كعب: لو دعا الله لأخر في أجله، فقيل له: أليس قد قال الله: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} فقال كعب: وقد قال الله: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِى كتاب} [فاطر: 11]. وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} قال: ما قدر لهم من خير وشرّ. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه، في الآية قال: من الأعمال، من عمل خيراً جزى به، ومن عمل شرّاً جزى به. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عنه، أيضاً قال: نصيبهم من الشقاوة والسعادة. وأخرج عبد ابن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد، في الآية قال: ما سبق من الكتاب. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في الآية قال: رزقه وأجله وعمله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن أبي صالح، في الآية قال: من العذاب. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ، في قوله: {قَدْ خَلَتْ} قال: قد مضت {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} قال: كلما دخلت أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك، يلعن المشركون المشركين، واليهود اليهود، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوس المجوس، تلعن الآخرة الأولى {حَتَّى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ} الذين كانوا في آخر الزمان {لأولاهم} الذين شرعوا لهم ذلك الدين {رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مّنَ النار قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ} الأولى والآخرة {وَقَالَتْ أولاهم لأخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} وقد ضللتم كما ضللنا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {عَذَاباً ضِعْفاً} قال: مضاعفاً {قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ} قال: مضاعف، وفي قوله: {فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} قال: تخفيف من العذاب.
{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} قوله: {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أبواب السماء} قرأ ابن عباس، وحمزة، والكسائي بفتح التحتية، لكون تأنيث الجمع غير حقيقي فجاز تذكيره. وقرأ الباقون بالفوقية على التأنيث. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، " تفتح " بالتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد، والمعنى: أنها لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم إذا ماتوا. وقد دلّ على هذا المعنى، وأنه المراد من الآية ما جاء في الأحاديث الصحيحة، أن الملائكة إذا انتهوا بروح الكافر إلى السماء الدنيا يستفتحون فلا تفتح لهم أبواب السماء. وقيل: لا تفتح أبواب السماء لأدعيتهم إذا دعوا، قاله مجاهد والنخعي. وقيل لأعمالهم، أي لا تقبل، بل تردّ عليهم فيضرب بها في وجوههم. وقيل المعنى: أنها لا تفتح لهم أبواب الجنة يدخلونها، لأن الجنة في السماء، فيكون على هذا القول العطف لجملة {وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة} من عطف التفسير، ولا مانع من حمل الآية على ما يعم الأرواح والدعاء والأعمال، ولا ينافيه ورود ما ورد من أنها لا تفتح أبواب السماء لواحد من هذه، فإن ذلك لا يدل على فتحها لغيره، مما يدخل تحت عموم الآية. قوله: {وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِى سَمّ الخياط} أي أن هؤلاء الكفار المكذبين المستكبرين، لا يدخلون الجنة بحال من الأحوال، ولهذا علقه بالمستحيل، فقال: {حتى يَلِجَ الجمل فِى سَمّ الخياط} وهو لا يلج أبداً، وخص الجمل بالذكر، لكونه يضرب به المثل في كبر الذات، وخص سمّ الخياط، وهو ثقب الإبرة بالذكر، لكونه غاية في الضيق. والجمل: الذكر من الإبل، والجمع جمال وأجمال وجمالات. وإنما يسمى جملاً إذا أربع. وقرأ ابن عباس «الجُمَّل» بضم الجيم وفتح الميم مشدّدة. وهو حبل السفينة الذي يقال له القلس. وهو حبال مجموعة قاله ثعلب. وقيل الحبل الغليظ من القنب. وقيل الحبل الذي يصعد به في النخل. وقرأ سعيد بن جبير «الجُمَل» بضم الجيم وتخفيف الميم: وهو القلس أيضاً. وقرأ أبو السماك «الجُمْل» بضم الجيم وسكون الميم. وقرئ أيضاً بضمهما. وقرأ عبد الله بن مسعود «حتى يلج الجمل الأصغر في سم الخياط» وقرئ " فِى سَمّ " بالحركات الثلاث. والسم: كل ثقب لطيف، ومنه ثقب الإبرة. والخياط ما يخاط به يقال خياط ومخيط. {وكذلك نَجْزِى المجرمين} أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي المجرمين، أي جنس من أجرم وقد تقدّم تحقيقه. والمهاد: الفراش، والغواش جمع غاشية، أي نيران تغشاهم من فوقهم كالأغطية {وكذلك نَجْزِى الظالمين} أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزى من اتصف بصفة الظلم. قوله: {لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} أي لا نكلف العباد إلا بما يدخل تحت وسعهم ويقدرون عليه. ولا نكلفهم ما لا يدخل تحت وسعهم. وهذه الجملة معترضة بين المبتدأ والخبر. ومثله: {لاَ يُكَلّفُ الله نَفْساً إِلاَّ مَا ءاتَاهَا} [الطلاق: 7] وقرأ الأعمش «تكلف» بالفوقية ورفع «نفس»، والإشارة بقوله: {أولئك} إلى الموصول، وخبره {أصحاب الجنة} والجملة خبر الموصول. وجملة {هُمْ فِيهَا خالدون} في محل نصب على الحال. قوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ} هذا من جملة ما ينعم الله به على أهل الجنة، أن ينزع الله ما في قلوبهم من الغلّ على بعضهم بعضاً، حتى تصفو قلوبهم ويودّ بعضهم بعضاً، فإن الغلّ لو بقي في صدورهم كما كان في الدنيا، لكان في ذلك تنغيص لنعيم الجنة، لأن المتشاحنين لا يطيب لأحدهم عيش مع وجود الآخر. والغلّ: الحقد الكامن في الصدور. وقيل: نزع الغلّ في الجنة، أن لا يحسد بعضهم بعضاً في تفاضل المنازل {وَقَالُواْ الحمد لِلَّهِ الذى هَدَانَا لهذا} أي لهذا الجزاء العظيم، وهو الخلود في الجنة، ونزع الغلّ من صدورهم، والهداية هذه {لهذا} هي الهداية لسببه من الإيمان والعمل الصالح في الدنيا {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ} قرأ ابن عامر بإسقاط الواو، وقرأ الباقون بإثباتها، وما كنا نطيق أن نهتدي بهذا الأمر لولا هداية الله لنا، والجملة مستأنفة أو حالية، وجواب {لولا} محذوف يدل عليه ما قبله، أي لولا هداية الله لنا ما كنا لنهتدي. قوله: {لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق} اللام لام القسم، قالوا هذا لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الجزاء العظيم، اغتباطاً بما صاروا فيه بسبب ما تقدّم منهم من تصديق الرسل وظهور صدق ما أخبروهم به في الدنيا من أن جزاء الإيمان والعمل الصالح هو هذا الذي صاروا فيه. قوله: {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي وقع النداء لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فقيل لهم تلكم الجنة أورثتموها، أي ورثتم منازلها بعملكم. قال في الكشاف: بسبب أعمالكم لا بالتفضل كما تقوله المبطلة انتهى. أقول: يا مسكين هذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه «سدّدوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» والتصريح بسبب لا يستلزم نفي سبب آخر. ولولا التفضل من الله سبحانه وتعالى على العامل باقداره على العمل، لم يكن عمل أصلاً، فلو لم يكن التفضل إلا بهذا الإقدار، لكان القائلون به محقة لا مبطلة، وفي التنزيل: {ذلك الفضل مِنَ الله} [النساء: 70] وفيه: {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ} [النساء: 175]. وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أبواب السماء} يعني: لا يصعد إلى الله من عملهم شيء. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه، قال: لا تفتح لهم لعمل ولا لدعاء. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه، أيضاً في الآية قال: لا تفتح لأرواحهم، وهي تفتح لأرواح المؤمنين. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عنه أيضاً {حتى يَلِجَ الجمل} قال: ذو القوائم {فِى سَمّ الخياط} قال: في خرت الإبرة. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني في الكبير، وأبو الشيخ، عن ابن مسعود، في قوله: {حتى يَلِجَ الجمل} قال: زوج الناقة. وأخرج أبو عبيد، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، من طرق عن ابن عباس، أنه كان يقرأ «الجُمّل» بضم الجيم وتشديد الميم. وقال: هو الحبل الغليظ أو هو من حبال السفن. وأخرج عبد بن حميد، عن ابن عمر، أنه سئل عن سم الخياط فقال: الجمل في ثقب الإبرة. وأخرج ابن المنذر، عن ابن عباس قال: المهاد الفراش، والغواش اللحف. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن محمد بن كعب مثله. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن علي بن أبي طالب، قال: فينا والله أهل بدر نزلت هذه الآية {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ}. وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن مردويه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أهل النار يرى منزله من الجنة يقول لو هدانا الله. فيكون حسرة عليهم، وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقول لولا أن هدانا الله. فهذا شكرهم» وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد وعبد بن حميد، والدارمي، ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن أبي سعيد، وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} قال: «نودوا أن صحوا فلا تسقموا، وانعموا فلا تبأسوا، وشبوا فلا تهرموا، واخلدوا فلا تموتوا».
{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)} مناداة أصحاب الجنة لأصحاب النار لم تكن لقصد الإخبار لهم بما نادوهم به، بل لقصد تبكيتهم وإيقاع الحسرة في قلوبهم، و{أَن قَدْ وَجَدْنَا} هو نفس النداء، أي إنا قد وصلنا إلى ما وعدنا الله به من النعيم، فهل وصلتم إلى ما وعدكم الله به من العذاب الأليم؟ والاستفهام هو للتقريع والتوبيخ. وحذف مفعول وعد الثاني لكون الوعد لم يكن لهم بخصوصهم، بل لكل الناس كالبعث والحساب والعقاب. وقيل حذف لإسقاط الكفار عن رتبة التشريف بالخطاب عند الوعد: {قَالُواْ نَعَمْ} أي وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً. وقرأ الأعمش والكسائي «نعم» بكسر العين. قال مكي: من قال " نعم " بكسر العين فكأنه أراد أن يفرّق بين نعم التي جواب وبين نعم التي هي اسم للبقر والغنم والإبل. والمؤذن: المنادي، أي فنادي مناد بينهم أي بين الفريقين؛ قيل: هو من الملائكة {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، والبزي، بتشديد " أن " وهو الأصل. وقرأ الباقون بالتخفيف على أنها المخففة من الثقيلة أو المفسرة. وقرأ الأعمش بكسر همزة " إن " على إضمار القول، وجملة: {الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} صفة للظالمين، ويجوز الرفع والنصب على إضمارهم، أو أعني. والصدّ: المنع، أي يمنعون الناس عن سلوك سبيل الحق {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} أي يطلبون اعوجاجها، أي ينفرون الناس عنها ويقدحون في استقامتها، بقولهم إنها غير حق وإن الحق ما هم فيه، والعوج بالكسر في المعاني والأعيان، ما لم يكن منتصباً، وبالفتح ما كان في المنتصب كالرمح، وجملة: {وَهُم بالآخرة كافرون} في محل نصب على الحال. قوله: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} أي بين الفريقين، أو بين الجنة والنار. والحجاب هو السور المذكور في قوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} [الحديد: 13]. قوله: {وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ} الأعراف: جمع عرف، وهي شرفات السور المضروب بينهم، ومنه عرف الفرس وعرف الديك والأعراف في اللغة: المكان المرتفع، وهذا الكلام خارج مخرج المدح كما في قوله: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تجارة وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله} [النور: 37]. وقد اختلف العلماء في أصحاب الأعراف من هم؟ فقيل هم الشهداء، ذكره القشيري وشرحبيل بن سعد. وقيل: هم فضلاء المؤمنين، فرغوا من شغل أنفسهم وتفرّغوا لمطالعة أحوال الناس ذكره مجاهد. وقيل: هم قوم أنبياء، ذكره الزجاج. وقيل: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، قاله ابن مسعود وحذيفة بن اليمان، وابن عباس والشعبي، والضحاك وسعيد بن جبير. وقيل هم العباس وحمزة وعلي وجعفر الطيار، يعرفون محبيهم ببياض الوجوه، ومبغضيهم بسوادها، حكي ذلك عن ابن عباس؛ وقيل: هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم وهم في كل أمة، واختار هذا القول النحاس. وقيل هم أولاد الزنا، روي ذلك عن ابن عباس. وقيل: هم ملائكة موكلون بهذا السور، يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار، ذكره أبو مجلز. وجملة: {يَعْرِفُونَ كُلاًّ بسيماهم} صفة لرجال والسيما العلامة، أي يعرفون كلاً من أهل الجنة والنار بعلاماتهم كبياض الوجوه وسوادها، أو مواضع الوضوء من المؤمنين، أو علامة يجعلها الله لكل فريق في ذلك الموقف، يعرف رجال الأعراف بها السعداء من الأشقياء. {وَنَادَوْاْ أصحاب الجنة} أي نادى رجال الأعراف أصحاب الجنة حين رأوهم {أَن سلام عَلَيْكُمْ} أي نادوهم بقولهم سلام عليكم، تحية لهم وإكراماً وتبشيراً، أو أخبروهم بسلامتهم من العذاب. قوله: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} أي لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف، والحال أنهم يطمعون في دخولها. وقيل معنى: {يَطْمَعُونَ} يعلمون أنهم يدخلونها، وذلك معروف عند أهل اللغة، أي طمع بمعنى علم. ذكره النحاس. وهذا القول أعني كونهم أهل الأعراف مرويّ عن جماعة منهم ابن عباس وابن مسعود. وقال أبو مجلز: هم أهل الجنة، أي أن أهل الأعراف قالوا لهم {سلام عليكم}، حال كون أهل الجنة لم يدخلوها والحال أنهم يطمعون في دخولها. قوله: {وَإِذَا صُرِفَتْ أبصارهم تِلْقَاء أصحاب النار} أي إذا صرفت أبصار أهل الأعراف تلقاء أصحاب النار أي جهة أصحاب، وأصل معنى {تِلْقَاء} جهة اللقاء، وهي جهة المقابلة، ولم يأت مصدر على تفعال بكسر أوّله غير مصدرين، أحدهما هذا، والآخر تبيان. وما عداهما بالفتح {قَالُواْ} أي قال أهل الأعراف {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القوم الظالمين} سألوا الله أن لا يجعلهم منهم {ونادى أصحاب الأعراف رِجَالاً} من الكفار {يَعْرِفُونَهُمْ بسيماهم} أي بعلاماتهم {قَالُواْ} بدل من نادى {مَا أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ} الذي كنتم تجمعون للصدّ عن سبيل الله، والاستفهام للتقريع والتوبيخ. قوله: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ}. «ما» مصدرية، أي وما أغنى عنكم استكباركم {أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ} هذا من كلام أصحاب الأعراف، أي قالوا للكفار مشيرين إلى المسلمين الذين صاروا إلى الجنة هذه المقالة. وقد كان الكفار يقسمون في الدنيا عند رؤيتهم لضعفاء المسلمين بهذا القسم. وهذا تبكيت للكفار وتحسير لهم. قوله: {ادخلوا الجنة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} هذا تمام كلام أصحاب الأعراف، أي قالوا للمسلمين ادخلوا الجنة، فقد انتفى عنكم الخوف والحزن بعد الدخول. وقرأ طلحة بن مصرف «أدخلوا» بكسر الخاء. وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا} قال: من النعيم والكرامة {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّا} قال: من الخزي والهوان والعذاب. وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف على قليب بدر تلا هذه الآية. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن السديّ، في قوله: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} قال: هو السور، وهو الأعراف، وإنما سمي الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، عن حذيفة قال: الأعراف سور بين الجنة والنار. وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في البعث والنشور، عن ابن عباس قال: الأعراف هو الشيء المشرف. وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، عنه، قال: الأعراف سور له عرف كعرف الديك. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن سعيد بن جبير، قال: الأعراف جبال بين الجنة والنار، فهم على أعرافها، يقول على ذراها. وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس، أنها تلّ بين الجنة والنار حبس عليه ناس من أهل الذنوب وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن جرير، قال: زعموا أنه الصراط. وأخرج ابن جرير، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار، وهم آخر من يدخل الجنة، قد عرفوا أهل الجنة وأهل النار. وأخرج ابن جرير، عن ابن مسعود: أنهم من استوت حسناتهم وسيئاتهم يقفون على الصراط. وأخرج ابن جرير عن حذيفة نحوه. وكذا أخرج نحوه عنه عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ. وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر، عن جابر بن عبد الله نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف؟ فقال: «هم آخر من يفصل بينهم من العباد، فإذا فرغ ربّ العالمين من الفصل بين العباد، قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلوا الجنة فأنتم عتقائي، فارعوا من الجنة حيث شئتم» قال ابن كثير: وهذا مرسل حسن. وأخرج البيهقي في البعث عن حذيفة أراه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجمع الناس يوم القيامة، فيؤمر بأهل الجنة إلى الجنة، ويؤمر بأهل النار إلى النار، ثم يقال لأصحاب الأعراف ما تنتظرون؟ قالوا: ننتظر أمرك، فيقال لهم: إن حسناتكم تجاوزت بكم النار أن تدخلوها، وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم، فادخلوا بمغفرتي ورحمتي» وأخرج سعيد بن منصور، وابن منيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ وابن مردويه، والبيهقي في البعث، عن عبد الرحمن المزني قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف؟ فقال: «هم قوم قتلوا في سبيل الله في معصية آبائهم، فمنعهم من النار قتلهم في سبيل الله، ومنعهم من الجنة معصيتهم آباءهم» وأخرج الطبراني، وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن مردويه، والبيهقي في البعث، عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وابن جرير، وابن مردويه، عن عبد الله بن مالك الهلالي، عن أبيه مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس مرفوعاً نحوه. وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن رجل من مزينة مرفوعاً نحوه. وأخرج أبو الشيخ، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار، أنه سئل عن قوله: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} قال: سلمت عليهم الملائكة وهم لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها حين سلمت. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن السديّ قال: أصحاب الأعراف يعرفون الناس بسيماهم، أهل النار بسواد وجوههم، وأهل الجنة ببياض وجوههم، فإذا مرّوا بزمرة يذهب بهم إلى الجنة، قالوا سلام عليكم، وإذا مرّوا بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {ونادى أصحاب الأعراف رِجَالاً} قال: في النار {يَعْرِفُونَهُمْ بسيماهم قَالُواْ مَا أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} قال الله لأهل التكبر {أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ}؟ يعني أصحاب الأعراف {ادخلوا الجنة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}.
{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} قوله: {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء} الإفاضة: التوسعة، يقال أفاض عليه نعمه، طلبوا منهم أن يواسوهم بشيء من الماء، أو بشيء مما رزقهم الله من غيره من الأشربة أو الأطعمة، فأجابوا بقولهم: {إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا} أي الماء وما رزقهم الله من غيره {عَلَى الكافرين} فلا نواسيكم بشيء مما حرّمه الله عليكم. وقيل: إن هذا النداء من أهل النار كان بعد دخول أهل الأعراف الجنة، وجملة {الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} في محل جر صفة الكافرين، وقد تقدّم تفسير اللهو واللعب والغرر. قوله: {فاليوم ننساهم} أي نتركهم في النار {كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هذا} " الكاف " نعت مصدر محذوف، و" ما " مصدرية، أي نسياناً كنسيانهم لقاء يومهم هذا. قوله: {وَمَا كَانُواْ بئاياتنا يَجْحَدُونَ} معطوف على ما نسوا، أي كما نسوا، وكما كانوا بآياتنا يجحدون، أي ينكرونها. واللام في {وَلَقَدْ جئناهم} جواب القسم. والمراد بالكتاب الجنس، إن كان الضمير للكفار جميعاً، وإن كان للمعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم، فالمراد بالكتاب: القرآن، والتفصيل التبيين، و{على عِلْمٍ} في محل نصب على الحال، أي عالمين حال كونه {هُدًى} للمؤمنين {وَرَحْمَةً} لهم. قال الكسائي والفراء: ويجوز «هدى ورحمة» بالخفض على النعت لكتاب. قوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} بالهمز من آل، وأهل المدينة يخفون الهمزة. والنظر الانتظار، أي هل ينتظرون إلا ما وعدوا به في الكتاب من العقاب الذي يؤول الأمر إليه. وقيل: تأويله جزاؤه. وقيل عاقبته. والمعنى متقارب. و{يوم} ظرف ل {يقول} أي يوم يأتي تأويله، وهو يوم القيامة {يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ} أي تركوه من قبل أن يأتي تأويله {قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق} الذي أرسلهم الله به إلينا، {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء} استفهام منهم، ومعناه التمني {فَيَشْفَعُواْ لَنَا} منصوب لكونه جواباً للاستفهام. قوله: {أَوْ نُرَدُّ} قال الفراء: المعنى أو هل نردّ {فَنَعْمَلَ غَيْرَ الذى كُنَّا نَعْمَلُ} وقال الزجاج: {نردّ} عطف على المعنى، أي هل يشفع لنا أحد، أو نردّ. وقرأ ابن أبي إسحاق «أو نردّ فنعمل» بنصبهما، كقول امرئ القيس: فقلت له لا تبك عيناً إنما *** نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا وقرأ الحسن برفعهما. ومعنى الآية: هل لنا شفعاء يخلصونا مما نحن فيه من العذاب، أو هل نُردُّ إلى الدنيا فنعمل صالحاً غير ما كنا نعمل من المعاصي {قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ} أي لم ينتفعوا بها، فكانت أنفسهم بلاء عليهم ومحنة لهم، فكأنهم خسروها كما يخسر التاجر رأس ماله. وقيل خسروا النعيم وحظ الأنفس {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي افتراؤهم أو الذي كانوا يفترونه. والمعنى أنه بطل كذبهم الذي كانوا يقولونه في الدنيا، أو غاب عنهم ما كانوا يجعلونه شريكاً لله، فلم ينفعهم ولا حضر معهم. قوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذى خَلَقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} هذا نوع من بديع صنع الله وجليل قدرته، وتفرّده بالإيجاد، الذي يوجب على العباد توحيده وعبادته. وأصل ستة سدسة، أبدلت التاء من أحد السينين، وأدغم فيها الدال، والدليل على هذا أنك تقول في التصغير سديسة، وفي الجمع أسداس، وتقول جاء فلان سادساً. واليوم من طلوع الشمس إلى غروبها، قيل: هذه الأيام من أيام الدنيا. وقيل: من أيام الآخرة، وهذه الأيام الست أولها الأحد وآخرها الجمعة، وهو سبحانه قادر على خلقها في لحظة واحدة، يقول لها كوني فتكون، ولكنه أراد أن يعلم عباده الرفق والتأني في الأمور، أو خلقها في ستة أيام لكون لكل شيء عنده أجلاً، وفي آية أخرى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق: 38]. قوله: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} قد اختلف العلماء في معنى هذا على أربعة عشر قولاً، وأحقها وأولاها بالصواب مذهب السلف الصالح أنه: استوى سبحانه عليه بلا كيف، بل على الوجه الذي يليق به مع تنزهه عما لا يجوز عليه، والاستواء في لغة العرب هو العلوّ والاستقرار. قال الجوهري: استوى على ظهر دابته، أي استقرّ. واستوى إلى السماء: أي صعد. واستوى: أي استولى وظهر، ومنه قول الشاعر: قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق واستوى الرجل: أي انتهى شبابه. واستوى: أي انتسق واعتدل. وحكي عن أبي عبيدة أن معنى {استوى} هنا: علا، ومثله قول الشاعر: فأورد بهم ماء ثقيفاً بقفرة *** وقد حلق النجم اليماني فاستوى أي علا وارتفع. {والعرش}. قال الجوهري: هو سرير الملك. ويطلق العرش على معان أخر، منها عرش البيت: سقفه، وعرش البئر: طيها بالخشب، وعرش السماك: أربعة كواكب صغار. ويطلق على الملك والسلطان والعزّ، ومنه قول زهير: تداركتما عبساً وقد ثلّ عرشها *** وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل وقول الآخر: إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم *** بعتيبة بن الحارث بن شهاب وقول الآخر: رأوا عرشي تثلم جانباه *** فلما أن تثلم أفردوني وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة صفة عرش الرحمن، وإحاطته بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما، وهو المراد هنا. قوله: {يُغْشِي الليل النهار} أي يجعل الليل كالغشاء للنهار، فيغطى بظلمته ضياءه. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «يغشي» بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف وهما لغتان، يقال أغشى يغشي، وغشي يغشي، والتغشية في الأصل: إلباس الشيء الشيء. ولم يذكر في هذه الآية يغشي الليل بالنهار اكتفاء بأحد الأمرين عن الآخركقوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 8]. وقرأ حميد بن قيس «يغشي الليل النهار» على إسناد الفعل إلى الليل، ومحل هذه الجملة النصب على الحال، والتقدير: استوى على العرش مغشياً الليل والنهار، وهكذا قوله: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} حال من الليل، أي حال كون الليل طالباً للنهار طلباً حثيثاً لا يفتر عنه بحال، وحثيثاً صفة مصدر محذوف، أي يطلبه طلباً حثيثاً، أو حال من فاعل يطلب. والحث: الاستعجال والسرعة، يقال ولى حثيثاً: أي مسرعاً. قوله: {والشمس والقمر والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ} قال الأخفش: معطوف على السموات، وقرأ ابن عامر برفعها كلها على الابتداء والخبر. والمعنى على الأوّل: وخلق الشمس والقمر والنجوم حال كونها مسخرات، وعلى الثاني: الإخبار عن هذه بالتسخير. قوله: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} إخبار منه سبحانه لعباده بأنهما له، والخلق: المخلوق، والأمر: كلامه، وهو " كن " في قوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَئ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40]، أو المراد بالأمر ما يأمر به على التفصيل، أو التصرّف في مخلوقاته. ولما ذكر سبحانه في هذه الآية خلق السموات والأرض في ذلك الأمد اليسير، ثم ذكر استواءه على عرشه وتسخير الشمس والقمر والنجوم، وأن له الخلق والأمر. قال: {تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} أي كثرت بركته واتسعت، ومنه بورك الشيء وبورك فيه، كذا قال ابن عرفة. وقال الأزهري في {تبارك} معناه تعالى وتعاظم. وقد تقدم تفسير {رَبّ العالمين} في الفاتحة مستكملاً. وقد أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة} الآية قال: ينادي الرجل أخاه فيقول: يا أخي أغثني، فإني قد احترقت، فأفض عليّ من الماء، فيقال أجبه، فيقول: {إن الله حرّمهما على الكافرين}. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ في قوله: {أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} قال: من الطعام. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن زيد، في الآية قال: يستسقونهم ويستطعمونهم. وفي قوله: {إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين} قال: طعام الجنة وشرابها. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس، في قوله: {فاليوم ننساهم كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هذا} يقول: نتركهم في النار كما تركوا لقاء يومهم هذا. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد، في قوله: {فاليوم ننساهم} قال: نؤخرهم. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} قال: عاقبته. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، قال: {يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ} جزاؤه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس: {يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ} قال: يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} قال: ما كانوا يكذبون في الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس، في قوله: {خَلَقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} قال: كل يوم مقداره ألف سنة. وأخرج ابن مردويه، عن أم سلمة، قالت في قوله: {استوى عَلَى العرش} الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به إيمان، والجحود كفر. وأخرج اللالكائي عن مالك أن رجلاً سأله كيف استوى على العرش؟ فقال: الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء والخطيب في تاريخه، عن الحسن بن عليّ، قال: أنا ضامن لمن قرأ هذه العشرين آية في كل ليلة أن يعصمه الله من كل سلطان ظالم، ومن كل شيطان مريد، ومن كل سبع ضاري، ومن كل لص عادي: آية الكرسي، وثلاث آيات من الأعراف {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذى خَلَقَ السموات والأرض} [الأعراف: 54] وعشراً من أوّل سورة الصافات، وثلاث آيات من الرحمن. أوّلها {يامعشر الجن والإنس} [الرحمن: 33]، وخاتمة الحشر. وأخرج أبو الشيخ عن عبيد بن أبي مرزوق قال: من قرأ عند نومه {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذى خَلَقَ السموات والأرض} الآية، بسط عليه ملك جناحه حتى يصبح، وعوفي من السرق. وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن قيس صاحب عمر بن عبد العزيز قال: مرض رجل من أهل المدينة فجاءه زمرة من أصحابه يعودونه، فقرأ رجل منهم: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذى خَلَقَ السموات والأرض} الآية كلها، وقد أصمت الرجل فتحرّك ثم استوى جالساً، ثم سجد يومه وليلته حتى كان من الغد من الساعة التي سجد فيها، قال له أهله، الحمد لله الذي عافاك، قال: بعث إلى نفسي ملك يتوفاها، فلما قرأ صاحبكم الآية التي قرأ، سجد الملك وسجدت بسجوده، فهذا حين رفع رأسه، ثم مال فقضى. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن السديّ، في قوله: {يُغْشِي الليل النهار} قال: يغشى الليل النهار فيذهب بضوئه، ويطلبه سريعاً حتى يدركه. وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة، قال: يلبس الليل النهار. وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {حَثِيثًا} قال: سريعاً. وأخرج ابن أبي حاتم، عن سفيان بن عيينة، في قوله: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} قال: الخلق ما دون العرش، والأمر ما فوق ذلك. وأخرج ابن أبي حاتم، والبيهقي، عنه، قال: الخلق هو الخلق، والأمر هو الكلام.
{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)} أمرهم الله سبحانه بالدعاء، وقيد ذلك بكون الداعي متضرّعاً بدعائه مخفياً له. وانتصاب {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} على الحال، أي متضرّعين بالدعاء مخفين له، أو صفة مصدر محذوف، أي ادعوه دعاء تضرّع ودعاء خفية. والتضرّع من الضراعة، وهي الذلة والخشوع والاستكانة. والخفية: الإسرار به، فإن ذلك أقطع لعرق الرياء، وأحسم لباب ما يخالف الإخلاص. ثم علل ذلك بقوله: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين} أي المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وفي كل شيء. فمن جاوز ما أمره الله به في شيء من الأشياء فقد اعتدى، والله لا يحب المعتدين. وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولاً أولياً. ومن الاعتداء في الدعاء أن يسأل الداعي ما ليس له، كالخلود في الدنيا، أو إدراك ما هو محال في نفسه، أو يطلب الوصول إلى منازل الأنبياء في الآخرة، أو يرفع صوته بالدعاء صارخاً به. قوله: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأرض بَعْدَ إصلاحها} نهاهم الله سبحانه عن الفساد في الأرض بوجه من الوجوه، قليلاً كان أو كثيراً، ومنه قتل الناس، وتخريب منازلهم، وقطع أشجارهم، وتغوير أنهارهم. ومن الفساد في الأرض: الكفر بالله، والوقوع في معاصيه، ومعنى {بَعْدَ إصلاحها}: بعد أن أصلحها الله بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وتقرير الشرائع. قوله: {وادعوه خَوْفًا وَطَمَعًا} إعرابهما يحتمل الوجهين المتقدمين في {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}. وفيه أنه يشرع للداعي أن يكون عند دعائه خائفاً وجلاً طامعاً في إجابة الله لدعائه. فإنه إذا كان عند الدعاء جامعاً بين الخوف والرجاء، ظفر بمطلوبه. والخوف: الانزعاج من المضارّ التي لا يؤمن من وقوعها. والطمع: توقع حصول الأمور المحبوبة. قوله: {إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مّنَ المحسنين} هذا إخبار من الله سبحانه بأن رحمته قريبة من عباده المحسنين، بأيّ نوع من الأنواع كان إحسانهم. وفي هذا ترغيب للعباد إلى الخير وتنشيط لهم، فإن قرب هذه الرحمة التي يكون بها الفوز بكل مطلب مقصود لكل عبد من عباد الله. وقد اختلف أئمة اللغة والإعراب في وجه تذكير خبر رحمة الله، حيث قال {قريب} ولم يقل قريبة، فقال الزجاج: إن الرحمة مؤولة بالرحم، لكونها بمعنى العفو والغفران. ورجح هذا التأويل النحاس. وقال النضر بن شميل: الرحمة مصدر بمعنى الترحم، وحق المصدر التذكير. وقال الأخفش سعيد: أراد بالرحمة هنا المطر، وتذكير بعض المؤنث جائز، وأنشد: فلا مزنة ودقت ودقها *** ولا أرض أبقل أبقالها وقال أبو عبيدة: تذكير قريب على تذكير المكان: أي مكان قريب. قال علي بن سليمان الأخفش: وهذا خطأ، ولو كان كما قال لكان قريب منصوباً كما تقول: إن زيداً قريباً منك. وقال الفراء: إن القريب إذا كان بمعنى المسافة، فيذكر ويؤنث، وإن كان بمعنى النسب فيؤنث بلا اختلاف بينهم. وروي عن الفراء أنه قال: يقال في النسب قريبة فلان، وفي غير النسب يجوز التذكير والتأنيث فيقال: دارك عنا قريب، وفلانة منا قريب قال الله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب: 63] ومنه قول امرئ القيس: لك الويل أن أمسني ولا أمّ هاشم *** قريب ولا البسباسة ابنة يشكر وروي عن الزجاج أنه خطأ الفراء فيما قاله وقال: إن سبيل المذكر والمؤنث، أن يجريا على أفعالهما. وقيل: إنه لما كان تأنيث الرحمة غير حقيقي، جاز في خبرها التذكير، ذكر معناه الجوهري. قوله: {وَهُوَ الذى يُرْسِلُ الرياح بشرا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} عطف على قوله: {يُغْشِي الليل النهار} يتضمن ذكر نعمة من النعم التي أنعم بها على عباده، مع ما في ذلك من الدلالة على وحدانيته وثبوت إلهيته. ورياح جمع ريح، وأصل ريح روح، وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو «نشراً» بضم النون والشين، جمع ناشر على معنى النسب. أي ذات نشر. وقرأ الحسن وقتادة، وابن عامر «نُشْراً» بضم النون وإسكان الشين من نُشْر. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي «نشراً» بفتح النون، وإسكان الشين على المصدر، ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال. ومعنى هذه القراءات يرجع إلى النشر، الذي هو خلاف الطيّ، فكأن الريح مع سكونها كانت مطوية، ثم ترسل من طيها فتصير كالمنفتحة. وقال أبو عبيدة: معناه متفرقة في وجوهها، على معنى ننشرها هاهنا وهاهنا. وقرأ عاصم {بَشَرًا} بالباء الموحدة، وإسكان الشين جمع بشير، أي الرياح تبشر بالمطر، ومثله قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلُ الرياح مبشرات} [الروم: 46]. قوله: {بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} أراد بالرحمة هنا المطر، أي قدّام رحمته، والمعنى: أنه سبحانه يرسل الرياح ناشرات أو مبشرات بين يدي المطر. قوله: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً} أقلّ فلان الشيء: حمله ورفعه. والسحاب يذكر ويؤنث، والمعنى: حتى إذا حملت الرياح سحاباً ثقالاً بالماء الذي صارت تحمله {سقناه} أي السحاب {لِبَلَدٍ مَّيّتٍ} أي مجدب ليس فيه نبات. يقال سقته لبلد كذا، وإلى بلد كذا. وقيل اللام هنا لام العلة، أي لأجل بلد ميت. والبلد: هو الموضع العامر من الأرض {فَأَنزَلْنَا بِهِ الماء} أي بالبلد الذي سقناه لأجله، أو بالسحاب أي أنزلنا بالسحاب الماء الذي تحمله، أو بالريح أي فأنزلنا بالريح المرسلة بين يدي المطر الماء. وقيل إن " الباء " هنا بمعنى " من " أي فأنزلنا معه الماء {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} أي بالماء {مِن كُلّ الثمرات} أي من جميع أنواعها. قوله: {كذلك نُخْرِجُ الموتى} أي مثل ذلك الإخراج، وهو إخراج الثمرات نخرج الموتى من القبور يوم حشرهم {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي تتذكرون، فتعلمون بعظيم قدرة الله وبديع صنعته، وأنه قادر على بعثكم كما قدر على إخراج الثمرات التي تشاهدونها. قوله: {والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ} أي التربة الطيبة يخرج نباتها بإذن الله وتيسيره إخراجاً حسناً تاماً وافياً {والذى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا} أي والتربة الخبيثة لا يخرج نباتها إلا نكداً أي لا خير فيه. وقرأ طلحة بن مصرف «نكداً» بسكون الكاف. وقرأ ابن القعقاع «نكداً» بفتح الكاف أي ذا نكد. وقرأ الباقون «نكداً» بفتح النون وكسر الكاف. وقرئ " يَخْرُج " أي يخرجه البلد؛ قيل: ومعنى الآية التشبيه، شبه تعالى السريع الفهم بالبلد الطيب، والبليد بالبلد الخبيث، ذكره النحاس؛ وقيل هذا مثل للقلوب، فشبه القلب القابل للوعظ بالبلد الطيب، والنائي عنه بالبلد الخبيث، قاله الحسن. وقيل: هو مثل لقلب المؤمن والمنافق قاله قتادة. وقيل هو مثل للطيب والخبيث من بني آدم، قاله مجاهد، {كذلك نُصَرّفُ الآيات} أي: مثل ذلك التصريف {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} الله، ويعترفون بنعمته. وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن ابن عباس {ادعوا ربكم تضرّعاً وخفية} قال: السرّ {إنه لا يحبّ المعتدين} في الدعاء ولا في غيره. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة، قال: التضرّع علانية. والخفية سرّ. وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، في قوله: {ادعوا ربكم تضرّعاً وخفية} يعني: مستكيناً. وخفية: يعني في خفض وسكون في حاجاتكم من أمر الدنيا والآخرة، {إنه لا يحب المعتدين} يقول: لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشرّ: اللهم اخزه والعنه ونحو ذلك، فإن ذلك عدوان. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن أبي مجلز، في قوله: {إنه لا يحب المعتدين} قال: لا تسألوا منازل الأنبياء. وأخرج ابن المبارك، وابن جرير، وأبو الشيخ، عن الحسن قال: لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول {ادعوا ربكم تضرّعاً وخفية} وذلك أن الله ذكر عبداً صالحاً فرضي قوله فقال: {إذ نادى ربه نداء خفياً} [مريم: 3]. وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي صالح، في قوله: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} قال: بعدما أصلحها الأنبياء وأصحابهم. وأخرج أبو الشيخ، عن أبي سنان، في الآية قال: أحللت حلالي، وحرّمت حرامي، وحدّدت حدودي، فلا تفسدوها. وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {ادعوه خوفاً وطمعاً} قال: خوفاً منه، وطمعاً لما عنده {إن رحمة الله قريب من المحسنين} يعني المؤمنين، ومن لم يؤمن بالله فهو من المفسدين. وأخرج ابن جريج، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السدي في قوله: {وهو الذي يرسل الرياح} قال: إن الله يرسل الريح، فيأتي بالسحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض، من حيث يلتقيان، فيخرجه من ثم، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء، فيسيل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {بشرا بين يدي رحمته} قال: يستبشر بها الناس. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السديّ في قوله: {بين دي رحمته} قال: هو المطر، وفي قوله: {كذلك نخرج الموتى} قال: كذلك تخرجون، وكذلك النشور، كما يخرج الزرع بالماء. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد ابن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {كذلك نخرج الموتى} قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى أمطر السماء حتى يشقق عنهم الأرض، ثم يرسل الأرواح فيهوي كل روح إلى جسده، فكذلك يحيي الله الموتى بالمطر، كإحيائه الأرض. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {والبلد الطيب} الآية قال: هو مثل ضربه الله للمؤمن، يقول هو طيب وعمله طيب، كما أن البلد الطيب ثمرها طيب {والذي خبث} ضرب مثلاً للكافر، كالبلد السبخة المالحة التي لا تخرج منها البركة، فالكافر هو الخبيث وعمله خبيث، وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين.
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)} لما بيّن سبحانه كمال قدرته، وبديع صنعته في الآيات السابقة، ذكر هنا أقاصيص الأمم وما فيها من تحذير الكفار ووعيدهم، لتنبيه هذه الأمة على الصواب، وأن لا يقتدوا بمن خالف الحق من الأمم السالفة. واللام جواب قسم محذوف. وهو أول الرسل إلى أهل الأرض بعد آدم. وقد تقدّم ذكر نوح في آل عمران، فأغني عن الإعادة هنا. وما قيل من أن إدريس قبل نوح، فقال ابن العربي: إنه وهم. قال المازري: فإن صح ما ذكره المؤرخون كان محمولاً على أن إدريس كان نبياً غير مرسل. وجملة: {فقال يا قوم اعبدوا الله} استئنافية جواب سؤال مقدر. قوله: {ما لكم من إله غيره} هذه الجملة في حكم العلة، لقوله: {اعبدوا} أي اعبدوه، لأنه لم يكن لكم إله غيره، حتى يستحق منكم أن يكون معبوداً. قرأ نافع، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، وابن كثير، وابن عامر برفع {غيره} على أنه نعت لإله على الموضع. وقرأ الكسائي بالخفض في جميع القرآن، على أنه نعت على اللفظ. وأجاز الفراء والكسائي النصب على الاستثناء. يعني ما لكم من إله إلا إياه. وقال أبو عمرو: ما أعرف الجرّ ولا النصب. ويردّه أن بعض بني أسد ينصبون «غير» في جميع الأحوال، ومنه قول الشاعر: لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت *** حمامة في غصون ذات أو قال وجملة: {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} جملة متضمنة لتعليل الأمر بالعبادة، أي إن لم تعبدوه، فإني أخاف عليكم عذاب يوم القيامة، أو عذاب يوم الطوفان. قوله: {قال الملأ من قومه} جملة استئنافية جواب سؤال مقدّر. والملأ أشراف القوم ورؤساؤهم. وقيل: هم الرجال، وقد تقدّم بيانه في البقرة. والضلال: العدول عن طريق الحق والذهاب عنه، أي إنا لنراك في دعائك إلى عبادة الله وحده في ضلال عن طريق الحق. وجملة {قال يا قوم} استئنافية أيضاً، جواب سؤال مقدّر. {ليس بي ضلالة} كما تزعمون {ولكني رسول من رب العالمين} أرسلني إليكم لسوق الخير إليكم، ودفع الشرّ عنكم، نفي عن نفسه الضلالة، وأثبت لها ما هو أعلى منصباً وأشرف رفعة، وهو أنه رسول الله إليهم. وجملة {أبلغكم رسالات ربي} في محل رفع، على أنها صفة لرسول، أو هي مستأنفة مبينة لحال الرسول. والرسالات: ما أرسله الله به إليهم مما أوحاه إليه {وأنصح لكم} عطف على {أبلغكم} يقال: نصحته ونصحت له، وفي زيادة اللام دلالة على المبالغة في إمحاض النصح. قال الأصمعي: الناصح: الخالص من الغلّ، وكل شيء خلص فقد نصح، فمعنى أنصح هنا: أخلص النية لكم عن شوائب الفساد، والاسم النصيحة. وجملة: {وأعلم من الله ما لا تعلمون} معطوفة على الجملة التي قبلها، مقررة لرسالته، ومبينة لمزيد علمه، وأنه يختص بعلم الأشياء التي لا يعلمونها بإخبار الله له بذلك. قوله: {أو عجبتم} فتحت الواو لكونها العاطفة، ودخلت عليها همزة الاستفهام للإنكار عليهم. والمعطوف عليه مقدّر، كأنه قيل: استبعدتم وعجبتم، أو أكذبتم وعجبتم، أو أنكرتم وعجبتم {أن جاءكم ذكر من ربكم} أي وحي وموعظة {على رجل منكم} أي على لسان رجل منكم تعرفونه. ولم يكن ذلك على لسان من لا تعرفونه، أو لا تعرفون لغته. وقيل «على» بمعنى «مع»: أي مع رجل منكم لأجل ينذركم به. {ولتتقوا} ما يخالفه {ولعلكم ترحمون} بسبب ما يفيده الإنذار لكم، والتقوى منكم من التعرّض لرحمة الله سبحانه لكم ورضوانه عنكم. {فكذبوه} أي فبعد ذلك كذبوه، ولم يعملوا بما جاء به من الإنذار {فأنجيناه والذين معه} من المؤمنين به المستقرّين معه {في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا} واستمرّوا على ذلك، ولم يرجعوا إلى التوبة. وجملة {إنهم كانوا قوماً عمين} علة لقوله: {وأغرقنا} أي أغرقنا المكذبين، لكونهم عمي القلوب، لا تنجع فيهم الموعظة، ولا يفيدهم التذكير. وقد أخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول نبيّ أرسل نوح» وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وأبو نعيم، وابن عساكر، عن يزيد الرقاشي قال: إنما سمي نوح عليه السلام نوحاً لطول ما ناح على نفسه. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق. وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي مالك قال: الملأ يعني الأشراف من قومه. وأخرج أبو الشيخ، عن السديّ {أن جاءكم ذكر من ربكم} يقول: بيان من ربكم. وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {إنهم كانوا قوماً عمين} قال: كفاراً. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد {إنهم كانوا قوماً عمين} قال: عن الحق.
|