الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* كَرَّمْنَا وَأَكْرَمْنَا وَاحِدٌ ضِعْفَ الْحَيَاةِ عَذَابَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ عَذَابَ الْمَمَاتِ خِلَافَكَ وَخَلْفَكَ سَوَاءٌ وَنَأَى تَبَاعَدَ شَاكِلَتِهِ نَاحِيَتِهِ وَهِيَ مِنْ شَكْلِهِ صَرَّفْنَا وَجَّهْنَا قَبِيلًا مُعَايَنَةً وَمُقَابَلَةً وَقِيلَ الْقَابِلَةُ لِأَنَّهَا مُقَابِلَتُهَا وَتَقْبَلُ وَلَدَهَا خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ أَنْفَقَ الرَّجُلُ أَمْلَقَ وَنَفِقَ الشَّيْءُ ذَهَبَ قَتُورًا مُقَتِّرًا لِلْأَذْقَانِ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ وَالْوَاحِدُ ذَقَنٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَوْفُورًا وَافِرًا تَبِيعًا ثَائِرًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَصِيرًا خَبَتْ طَفِئَتْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تُبَذِّرْ لَا تُنْفِقْ فِي الْبَاطِلِ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ رِزْقٍ مَثْبُورًا مَلْعُونًا لَا تَقْفُ لَا تَقُلْ فَجَاسُوا تَيَمَّمُوا يُزْجِي الْفُلْكَ يُجْرِي الْفُلْكَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ لِلْوُجُوهِ الشرح: قوله: باب قوله تعالى: وهي من كرم بضم الراء مثل شرف وليس من الكرم الذي هو في المال. قوله: (ضعف الحياة وضعف الممات عذاب الحياة وعذاب الممات) قال أبو عبيدة في قوله: (ضعف الحياة) مختصر، والتقدير ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات. وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ضعف عذاب الدنيا والآخرة. ومن طريق سعيد عن قتادة مثله. وتوجيه ذلك أن عذاب النار يوصف بالضعف، قال: لقوله تعالى: قوله: (خلافك وخلفك سواء) قال أبو عبيدة في قوله: (وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا) أي بعدك قال: خلافك وخلقك سواء، وهما لغتان بمعنى؛ وقرئ بهما. قلت: والقراءتان مشهورتان، فقرأ خلفك الجمهور، وقرأ خلافك ابن عامر والإخوان، وهي رواية حفص عن عاصم. قوله: (ونأى تباعد) هو قول أبي عبيدة، قال في قوله: (ونأى بجانبه) أي تباعد. قوله: (شاكلته ناحيته وهي من شكلته) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (على شاكلته) قال: على ناحيته، ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: على طبيعته وعلى حدته، ومن طريق سعيد عن قتادة قال: يقول على ناحيته وعلى ما ينوي. وقال أبو عبيدة: قوله: (صرفنا وجهنا) قال أبو عبيدة في قوله: قوله: (حصيرا محبسا) هو قول أبي عبيدة أيضا، وهو بفتح الميم وكسر الموحدة، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (حصيرا) أي سجنا. قوله: (قبيلا معاينة ومقابلة. وقيل القابلة لأنها مقابلتها وتقبل ولدها) قال أبو عبيدة: (والملائكة قبيلا) مجاز مقابلة أي معاينة، قال الأعشى: " كصرخة حبلى بشرتها قبيلها " أي قابلتها. وقال ابن التين: ضبط بعضهم تقبل ولدها بضم الموحدة وليس بشيء، وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة " قبيلا أي جندا تعاينهم معاينة". قوله: (خشية الإنفاق، يقال أنفق الرجل أملق ونفق الشيء ذهب) كذا ذكره هنا، والذي قاله أبو عبيدة في قوله: وفي قوله: قوله: (قتورا مقترا) هو قول أبي عبيدة أيضا. قوله: (للأذقان مجتمع اللحيين، الواحد ذقن) هو قول أبي عبيدة أيضا، وسيأتي له تفسير آخر قريبا، واللحيين بفتح اللام ويجوز كسرها تثنية لحية. قوله: (وقال مجاهد: موفورا وافرا) وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه سواء. قوله: (تبيعا ثائرا. وقال ابن عباس: نصيرا) أما قول مجاهد فوصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله: (ثم لا تجد لك علينا به تبيعا) أي ثائرا؛ وهو اسم فاعل من الثأر، يقال لكل طالب ثأر وغيره تبيع وتابع، ومن طريق سعيد عن قتادة أي لا تخاف أن تتبع بشيء من ذلك. وأما قول ابن عباس فوصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله: (تبيعا) قال: نصيرا. قوله: (لا تبذر لا تنفق في الباطل) وصله الطبري من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله: (ولا تبذر) : لا تنفق في الباطل، والتبذير السرف في غير حق. ومن طريق عكرمة قال: المبذر المنفق في غير حق، ومن طرق متعددة عن أبي العبيدين - وهو بلفظ التصغير والتثنية - عن ابن مسعود مثله وزاد في بعضها " كنا أصحاب محمد نتحدث أن التبذير النفقة في غير حق". قوله: (ابتغاء رحمة رزق) وصله الطبري من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى: قوله: (مثبورا ملعونا) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ومن وجه آخر عن سعيد بن جبير عنه، ومن طريق العوفي عنه قال: مغلوبا، ومن طريق الضحاك مثله، ومن طريق مجاهد قال: هالكا، ومن طريق قتادة قال: مهلكا، ومن طريق عطية قال: مغيرا مبدلا؛ ومن طريق ابن زيد بن أسلم قال: مخبولا لا عقل له. قوله: (فجاسوا تيمموا) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: وقال أبو عبيدة: جاس يجوس أي نقب، وقيل: نزل وقيل قتل وقيل تردد وقيل هو طلب الشيء باستقصاء وهو بمعني نقب. قوله: (يزجي الفلك يجري الفلك) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه به، ومن طريق سعيد عن قتادة (يزجي الفلك) أي يسيرها في البحر. قوله: (يخرون للأذقان للوجوه) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله. وعن معمر عن الحسن للحي، وهذا يوافق قول أبي عبيدة الماضي، والأول على المجاز. *3* الشرح: قوله: (باب (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا متر فيها) الآية) الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نَقُولُ لِلْحَيِّ إِذَا كَثُرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَمِرَ بَنُو فُلَانٍ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَقَالَ أَمَرَ الشرح: حديث عبد الله وهو ابن مسعود " كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية: أمر بنو فلان " ثم ذكره عن شيخ آخر عن سفيان يعني بسنده قال: أمر، فالأولى بكسر الميم والثانية بفتحها وكلاهما لغتان. وأنكر ابن التين فتح الميم في أمر بمعني كثر، وغفل في ذلك ومن حفظه حجة عليه كما سأوضحه، وضبط الكرماني أحدهما بضم الهمزة وهو غلط منه، وقراءة الجمهور بفتح الميم. وحكى أبو جعفر عن ابن عباس أنه قرأها بكسر الميم وأثبتها أبو زيد لغة وأنكرها الفراء، وقرأ أبو رجاء في آخرين بالمد وفتح الميم، ورويت عن أبي عمرو وابن كثير وغيرهما واختارها يعقوب ووجهها الفراء بما ورد من تفسير ابن مسعود وزعم أنه لا يقال أمرنا بمعنى كثرنا إلا بالمد، واعتذر عن حديث " أفضل المال مهرة مأمورة " فإنها ذكرت للمزاوجة لقوله فيه: " أو سكة مأبورة " وقرأ أبو عثمان النهدي كالأول لكن بتشديد الميم بمعنى الإمارة، واستشهد الطبري بما أسنده من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (أمرنا مترفيها) قال: سلطنا شرارها. ثم ساق عن أبي عثمان وأبي العالية ومجاهد أنهم قرءوا بالتشديد، وقيل التضعيف للتعدية والأصل أمرنا بالتخفيف أي كثرنا كما وقع في هذا الحديث الصحيح، ومنه حديث " خير المال مهرة مأمورة " أي كثيرة النتاج أخرجه أحمد، ويقال أمر بنو فلان أي كثروا وأمرهم الله كثرهم وأمروا أي كثروا، وقد تقدم قول أبي سفيان في أول هذا الشرح في قصة هرقل حيث قال: " لقد أمر أمر ابن أبي كبشة " أي عظم، واختار الطبري قراءة الجمهور، واختار في تأويلها حملها على الظاهر وقال: المعنى أمرنا مترفيها بالطاعة فعصوا، ثم أسنده عن ابن عباس ثم سعيد بن جبير. وقد أنكر الزمخشري هذا التأويل وبالغ كعادته، وعمدة إنكاره أن حذف ما لا دليل عليه غير جائز، وتعقب بأن السياق يدل عليه، وهو كقولك أمرته فعصاني أي أمرته بطاعتي فعصاني وكذا أمرته فامتثل. *3* الشرح: قوله: باب وفي الحديث رد على من زعم أن الضمير في قوله: وقوله: " ينفذهم البصر " بفتح أوله وضم الفاء من الثلاثي أي يخرقهم وبضم أوله وكسر الفاء من الرباعي أي يحيط بهم، والذال معجمة في الرواية. وقال أبو حاتم السجستاني: أصحاب الحديث يقولونه بالمعجمة، وإنما هو بالمهملة، ومعناه يبلغ أولهم وآخرهم. وأجيب بأن المعني يحيط بهم الرائي لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض، فلا يكون فيها ما يستتر به أحد من الرائي، وهذا أولى من قول أبي عبيدة " يأتي عليهم بصر الرحمن " إذ رؤية الله تعالى محيطة بجميعهم في كل حال سواء الصعيد المستوى وغيره، ويقال نفذه البصر إذا بلغه وجاوزه، والنفاذ الجواز والخلوص من الشيء، ومنه نفذ السهم إذا خرق الرمية وخرج منها. *3* الشرح: قوله: (باب قوله: وآتينا داود زبورا) الحديث: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقِرَاءَةُ فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ لِتُسْرَجَ فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ يَعْنِي الْقُرْآنَ الشرح: حديث أبي هريرة " خفف على داود القرآن " ووقع في رواية لأبي ذر " القراءة " والمراد بالقرآن مصدر القراءة لا القرآن المعهود لهذه الأمة، وقد تقدم إشباع القول فيه في ترجمة داود عليه السلام من أحاديث الأنبياء. *3* الشرح: قوله: باب الحديث: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَاسًا مِنْ الْجِنِّ فَأَسْلَمَ الْجِنُّ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِدِينِهِمْ زَادَ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ الشرح: قوله: (يحيي) هو القطان، وسفيان هو الثوري، وسليمان هو الأعمش، وإبراهيم هو النخعي، وأبو معمر هو عبد الله الأزدي، وعبد الله هو ابن مسعود. قوله: (عن عبد الله قوله: (فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم) أي استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن، والجن لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا، وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة. وروى الطبري من وجه آخر عن ابن مسعود فزاد فيه " والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم " وهذا هو المعتمد في تفسير هذه الآية، وأما ما أخرجه الطبري من وجه آخر عن ابن مسعود قال: " كان قبائل العرب يعبدون صنفا من الملائكة يقال لهم الجن، ويقولون هم بنات الله، فنزلت هذه الآية " فإن ثبت فهو محمول على أنها نزلت في الفريقين، وإلا فالسياق يدل على أنهم قبل الإسلام كانوا راضين بعبادتهم، وليست هذه من صفات الملائكة. وفي رواية سعيد بن منصور عن ابن مسعود في حديث الباب " فعيرهم الله بذلك " وكذا ما أخرجه من طريق أخرى ضعيفة عن ابن عباس أن المراد من كان يعبد الملائكة والمسيح وعزيرا. (تنبيه) : استشكل ابن التين قوله: " ناسا من الجن " من حيث أن الناس ضد الجن، وأجيب بأنه على قول من قال: إنه من ناس إذا تحرك أو ذكر للتقابل حيث قال: ناس من الإنس وناسا من الجن، ويا ليت شعري على من يعترض. قوله: (زاد الأشجعي) هو عبيد الله بن عبيد الرحمن بالتصغير فيهما. قوله: (عن سفيان عن الأعمش قل ادعوا الذين زعمتم) أي روى الحديث بإسناده وزاد في أوله من أول الآية التي قبلها، وروى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: قال: كان أهل الشرك يقولون نعبد الملائكة وهم الذين يدعون. *3* الشرح: قوله: باب قوله: وقال أبو البقاء: مبتدأ والخبر أقرب، وهو استفهام في موضع نصب يدعون، ويجوز أن يكون بمعنى الذين وهو بدل من الضمير في يدعون. كذا قال، وكأنه ذهب إلى أن فاعل يدعون ويبتغون واحد، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنْ الْجِنِّ يُعْبَدُونَ فَأَسْلَمُوا الشرح: قوله: باب قوله: وقال أبو البقاء: مبتدأ والخبر أقرب، وهو استفهام في موضع نصب يدعون، ويجوز أن يكون بمعنى الذين وهو بدل من الضمير في يدعون. كذا قال، وكأنه ذهب إلى أن فاعل يدعون ويبتغون واحد، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) سقط " باب " لغير أبي ذر. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ قَالَ هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ الشرح: قوله: (عن عمرو) هو ابن دينار. قوله: (هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به) لم يصرح بالمرئي، وعند سعيد بن منصور من طريق أبي مالك قال: هو ما أري في طريقه إلى بيت المقدس. قلت: وقد بينت ذلك واضحا في الكلام على حديث الإسراء في السيرة النبوية من هذا الكتاب. قوله: (أريها ليلة أسري به) زاد سعيد بن منصور عن سفيان في آخر الحديث " وليست رؤيا منام " وقوله: " ليلة أسري به " جاء فيه قول آخر، فروى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس قال: أري أنه دخل مكة هو وأصحابه، فلما رده المشركون كان لبعض الناس بذلك فتنة، وجاء فيه قول آخر: فروى ابن مردويه من حديث الحسين بن علي رفعه " إني أريت كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا، فقيل هي دنيا تنالهم، ونزلت هذه الآية " وأخرجه ابن أبي حاتم من حديث عمرو بن العاص ومن حديث يعلى بن مرة ومن مرسل ابن المسيب نحوه وأسانيد الكل ضعيفة واستدل به على إطلاق لفظ الرؤيا على ما يرى بالعين في اليقظة، وقد أنكره الحريري تبعا لغيره وقالوا: إنما يقال رؤيا في المنام، وأما التي في اليقظة فيقال رؤية. وممن استعمل الرؤيا في اليقظة المتنبي في قوله: " ورؤياك أحلى في العيون من الغمض " وهذا التفسير يرد على من خطأه. قوله: (والشجرة الملعونة في القرآن قال: شجرة الزقوم) هذا هو الصحيح، وذكره ابن أبي حاتم عن بضعة عشر نفسا من التابعين، ثم روى من حديث عبد الله بن عمرو أن الشجرة الملعونة الحكم بن أبي العاص وولده وإسناده ضعيف وأما الزقوم فقال أبو حنيفة الدينوري في " كتاب النبات ": الزقوم شجرة غبراء تنبت في السهل صغيرة الورق مدورته لا شوك لها زفرة مرة ولها نور أبيض ضعيف تجرسه النحل ورءوسها قباح جدا. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: قال المشركون يخبرنا محمد أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر، فكان ذلك فتنة لهم. وقال السهيلي: الزقوم فعول من الزقم وهو اللقم الشديد، وفي لغة تميمية: كل طعام يتقيأ منه يقال له زقوم، وقيل: هو كل طعام ثقيل. *3* الشرح: قوله: باب قوله: ومن طريق العوفي عن ابن عباس نحوه. الحديث: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الْوَاحِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا الشرح: حديث أبي هريرة وقد تقدم شرحه في صفة الصلاة. *3* الشرح: قوله: (باب قوله: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) روى النسائي بإسناد صحيح من حديث حذيفة قال: " يجتمع الناس في صعيد واحد، فأول مدعو محمد فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك؛ المهدي من هديت عبدك وابن عبديك، وبك وإليك، ولا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركت وتعاليت " فهذا قوله: وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن المقام المحمود الذي ذكره الله أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون يوم القيامة بين الجبار وبين جبريل، فيغبطه لمقامه ذلك أهل الجمع. ورجاله ثقات، لكنه مرسل ومن طريق علي بن الحسين بن علي: أخبرني رجل من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تمد الأرض مد الأديم " الحديث وفيه " ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول: أي رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض. قال: فذلك المقام المحمود " ورجاله ثقات وهو صحيح إن كان الرجل صحابيا. وقد تقدم في كتاب الزكاة أن المراد بالمقام المحمود أخذه بحلقة باب الجنة، وقيل إعطاؤه لواء الحمد، وقيل جلوسه على العرش أخرجه عبد بن حميد وغيره عن مجاهد، وقيل شفاعته رابع أربعة، وسيأتي بيانه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا يَقُولُونَ يَا فُلَانُ اشْفَعْ يَا فُلَانُ اشْفَعْ حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الشرح: قوله: (حدثنا أبو الأحوص) بمهملتين هو سلام بن سليم. قوله: (عن آدم بن علي) هو العجلي بصري ثقة، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث، وقد تقدم في الزكاة من وجه آخر عن ابن عمر، وفيه تسمية بعض من أبهم هنا بقوله: " حدثنا فلان " وقوله: " جثا " بضم أوله والتنوين جمع جثوة كخطوة وخطأ، وحكى ابن الأثير أنه روى " جثي " بكسر المثلثة وتشديد التحتانية جمع جاث وهو الذي يجلس على ركبته. وقال ابن الجوزي عن ابن الخشاب: إنما هو " جثي " بفتح المثلثة وتشديدها جمع جاث مثل غاز وغزي. قوله: (حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم) زاد في الرواية المعلقة في الزكاة فيشفع ليقضي بين الخلق، ويأتي شرح حديث الشفاعة مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (رواه حمزة بن عبد الله) أي ابن عمر (عن أبيه) تقدم ذكر من وصله في كتاب الزكاة. ثم ذكر المصنف حديث جابر في الدعاء بعد الأذان وقد تقدم شرحه في أبواب الأذان. *3* الشرح: قوله: باب يزهق يهلك) قال أبو عبيدة في قوله: (تزهق أنفسهم وهم كارهون) أي تخرج وتموت وتهلك، ويقال: زهق ما عندك أي ذهب كله. وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومن طريق سعيد عن قتادة (زهق الباطل) أي هلك. الحديث: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِائَةِ نُصُبٍ فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ الشرح: قوله: (عن ابن أبي نجيح) كذا لهم، وفي بعض النسخ " حدثنا ابن أبي نجيح". قوله: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) في حديث أبي هريرة عند مسلم والنسائي أن ذلك كان في فتح مكة وأوله في قصة فتح مكة إلى أن قال: " فجاء رسول الله حتى طاف بالبيت، فجعل يمر بتلك الأصنام فجعل يطعنها بسية القوس ويقول: جاء الحق وزهق الباطل " الحديث بطوله. وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في غزوة الفتح بحمد الله تعالى. وقوله: " وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب " كذا للأكثر هنا بغير ألف، وكذا وقع في رواية سعيد بن منصور لكن بلفظ " صنم " والأوجه نصبه على التمييز إذ لو كان مرفوعا لكان صفة، والواحد لا يقع صفة للجمع. ويحتمل أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف والجملة صفة، أو هو منصوب لكنه كتب بغير ألف على بعض اللغات. *3* الشرح: قوله: (باب ويسألونك عن الروح) ذكر فيه حديث إبراهيم - وهو النخعي - عن علقمة عن عبد الله وهو ابن مسعود. الحديث: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَقَالَ مَا رَأْيُكُمْ إِلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالُوا سَلُوهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقُمْتُ مَقَامِي فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا الشرح: قوله: (في حرث) بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة، ووقع في كتاب العلم من وجه آخر بخاء معجمه وموحدة، وضبطوه بفتح أوله وكسر ثانيه وبالعكس، والأول أصوب فقد أخرجه مسلم من طريق مسروق عن ابن مسعود بلفظ " كان في نخل " وزاد في رواية العلم " بالمدينة " ولابن مردويه من وجه آخر عن الأعمش " في حرث للأنصار " وهذا يدل على أن نزول الآية وقع بالمدينة، لكن روى الترمذي من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: " قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه فأنزل الله تعالى: قوله: (يتوكأ) أي يعتمد. قوله: (على عسيب) بمهملتين وآخره موحدة بوزن عظيم وهي الجريدة التي لا خوص فيها، ووقع في رواية ابن حبان " ومعه جريدة " قال ابن فارس: العسبان من النخل كالقضبان من غيرها. قوله: (إذ مر اليهود) كذا فيه اليهود بالرفع على الفاعلية، وفي بقية الروايات في العلم والاعتصام والتوحيد وكذا عند مسلم " إذ مر بنفر من اليهود " وعند الطبري من وجه آخر عن الأعمش " إذ مررنا على يهود " ويحمل هذا الاختلاف على أن الفريقين تلاقوا فيصدق أن كلا مر بالآخر، وقوله: " يهود " هذا اللفظ معرفة تدخله اللام تارة وتارة يتجرد، وحذفوا منه ياء النسبة ففرقوا بين مفرده وجمعه كما قالوا زنج وزنجي، ولم أقف في شيء من الطرق على تسمية أحد من هؤلاء اليهود. قوله: (ما رأيكم إليه) كذا للأكثر بصيغة الفعل الماضي من الريب، ويقال فيه رابه كذا وأرابه كذا بمعنى. وقال أبو زيد: رابه إذا علم منه الريب، وأرابه إذا ظن ذلك به. ولأبي ذر عن الحموي وحده بهمزة وضم الموحدة من الرأب وهو الإصلاح، يقال فيه رأب بين القوم إذا أصلح بينهم. وفي توجيهه هنا بعد. وقال الخطابي: الصواب ما أربكم بتقديم الهمزة وفتحتين من الأرب وهو الحاجة، وهذا واضح المعنى لو ساعدته الرواية. نعم رأيته في رواية المسعودي عن الأعمش عند الطبري كذلك. وذكر ابن التين أن رواية القابسي كرواية الحموي، لكن بتحتانية بدل الموحدة من الرأي. والله أعلم. قوله: (وقال بعضهم: لا يستقبلكم بشيء تكرهونه) في رواية العلم " لا يجيء فيه بشيء تكرهونه " وفي الاعتصام " لا يسمعكم ها تكرهون " وهي بمعني، وكلها بالرفع على الاستئناف، ويجوز السكون وكذا النصب أيضا. قوله: (فقالوا سلوه) في رواية التوحيد " فقال بعضهم لنسألنه " واللام جواب قسم محذوف. قوله: (فسألوه عن الروح) في رواية التوحيد " فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح "؟ وفي رواية العوفي عن ابن عباس عند الطبري " فقالوا: أخبرنا عن الروح " قال ابن التين: اختلف الناس في المراد بالروح المسئول عنه في هذا الخبر على أقوال: الأول روح الإنسان، الثاني روح الحيوان، الثالث جبريل، الرابع عيسى، الخامس القرآن، السادس الوحي، السابع ملك يقوم وحده صفا يوم القيامة، الثامن ملك له أحد عشر ألف جناح ووجه وقيل ملك له سبعون ألف لسان، وقيل له سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان ألف لغة يسبح الله تعالى يخلق الله بكل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة، وقيل ملك رجلاه في الأرض السفلي ورأسه عند قائمة العرش، التاسع خلق كخلق بني آدم يقال لهم الروح يأكلون ويشربون، لا ينزل ملك من السماء إلا نزل معه، وقيل بل هم صنف من الملائكة يأكلون ويشربون، انتهى كلامه ملخصا بزيادات من كلام غيره. وهذا إنما اجتمع من كلام أهل التفسير في معنى لفظ الروح الوارد في القرآن، لا خصوص هذه الآية. فمن الذي في القرآن ووقع إطلاق روح الله على عيسى. وقد روى ابن إسحاق في تفسيره بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: الروح من الله، وخلق من خلق الله وصور كبني آدم، لا ينزل ملك إلا ومعه واحد من الروح. وثبت عن ابن عباس أنه كان لا يفسر الروح، أي لا يعين المراد به في الآية وقال الخطابي: حكوا في المراد بالروح في الآية أقوالا: قيل سألوه عن جبريل، وقيل عن ملك له ألسنة. وقال الأكثر: سألوه عن الروح التي تكون بها الحياة في الجسد. وقال أهل النظر: سألوه عن كيفية مسلك الروح في البدن وامتزاجه به، وهذا هو الذي استأثر الله بعلمه. وقال القرطبي: الراجح أنهم سألوه عن روح الإنسان لأن اليهود لا تعترف بأن عيسى روح الله ولا تجهل أن جبريل ملك وأن الملائكة أرواح. وقال الإمام فخر الدين الرازي: المختار أنهم سألوه عن الروح الذي هو سبب الحياة، وأن الجواب وقع على أحسن الوجوه، وبيانه أن السؤال عن الروح يحتمل عن ماهيته وهل هي متحيزة أم لا، وهل هي حالة في متحيز أم لا، وهل هي قديمة أو حادثة، وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى، وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها، وغير ذلك من متعلقاتها. قال: وليس في السؤال ما يخصص أحد هذه المعاني، إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن الماهية، وهل الروح قديمة أو حادثة والجواب يدل على أنها شيء موجود مغاير للطبائع والأخلاط وتركيبها، فهو جوهر بسيط مجرد لا يحدث إلا بمحدث وهو قوله تعالى: " كن " فكأنه قال: هي موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه، ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد، ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه. قال: ويحتمل أن يكون المراد بالأمر في قوله: إلى أن قال: وقد سكت السلف عن البحث في هذه الأشياء والتعمق فيها ا ه. وقد تنطع قوم فتباينت أقوالهم، فقيل: هي النفس الداخل والخارج، وقيل الحياة، وقيل جسم لطيف يحل في جميع البدن، وقيل هي الدم، وقيل هي عرض، حني قيل إن الأقوال فيها بلغت مائة. ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين أن لكل نبي خمسة أرواح، وأن لكل مؤمن ثلاثة، ولكل حي واحدة. وقال ابن العربي: اختلفوا في الروح والنفس، فقيل متغايران وهو الحق، وقيل هما شيء واحد، قال: وقد يعبر بالروح عن النفس وبالعكس، كما يعبر عن الروح وعن النفس بالقلب وبالعكس، وقد يعبر عن الروح بالحياة حتى يتعدى ذلك إلى غير العقلاء بل إلى الجماد مجازا. وقال السهيلي: يدل على مغايرة الروح والنفس قوله تعالى: قوله: (فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم) في رواية الكشميهني عليه بالإفراد. وفي رواية العلم " فقام متوكئا على العسيب وأنا خلفه". قوله: (فعلمت أنه يوحي إليه) في رواية التوحيد " فظننت أنه يوحي إليه " وفي الاعتصام " فقلت: إنه يوحى إليه " وهي متقاربة، وإطلاق العلم على الظن مشهور، وكذا إطلاق القول على ما يقع في النفس. ووقع عند ابن مردويه من طريق ابن إدريس عن الأعمش " فقام وحنى من رأسه، فظننت أنه يوحي إليه". قوله: (فقمت مقامي) في رواية الاعتصام " فتأخرت عنه " أي أدبا معه لئلا يتشوش بقربي منه. قوله: (فلما نزل الوحي قال) في رواية الاعتصام " حتى صعد الوحي فقال " وفي رواية العلم " فقمت فلما انجلى". قوله: وقال ابن القيم: ليس المراد هنا بالأمر الطلب اتفاقا، وإنما المراد به المأمور، والأمر يطلق على المأمور كالخلق على المخلوق، ومنه وقال القرطبي: الحكمة في ذلك إظهار عجز المرء، لأنه إذا لم يعلم حقيقة نفسه مع القطع بوجوده كان عجزه عن إدراك حقيقة الحق من باب الأولى. وجنح ابن القيم في " كتاب الروح " إلى ترجيح أن المراد بالروح المسئول عنها في الآية ما وقع في قوله تعالى: كذا قال، ولا دلالة في ذلك لما رجحه، بل الراجح الأول، فقد أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه القصة أنهم قالوا عن الروح: وكيف يعذب الروح الذي في الجسد، وإنما الروح من الله؟ فنزلت الآية. وقال بعضهم: ليس في الآية دلالة على أن الله لم يطلع نبيه على حقيقة الروح، بل يحتمل أن يكون أطلعه ولم يأمره أنه يطلعهم، وقد قالوا في علم الساعة نحو هذا والله أعلم. وممن رأى الإمساك عن الكلام في الروح أستاذ الطائفة أبو القاسم فقال فيما نقله في " عوارف المعارف " عنه بعد أن نقل كلام الناس في الروح: وكان الأولى الإمساك عن ذلك والتأدب بأدب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقل عن الجنيد أنه قال: الروح استأثر الله تعالى بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه، فلا تجوز العبارة عنه بأكثر من موجود. وعلى ذلك جرى ابن عطية وجمع من أهل التفسير. وأجاب من خاض في ذلك بأن اليهود سألوا عنها سؤال تعجيز وتغليط لكونه يطلق على أشياء فأضمروا أنه بأي شيء أجاب قالوا: ليس هذا المراد، فرد الله كيدهم، وأجابهم جوابا مجملا مطابقا لسؤالهم المجمل. وقال السهروردي في " العوارف ": يجوز أن يكون من خاض فيها سلك سبيل التأويل لا التفسير، إذ لا يسوغ التفسير إلا نقلا، وأما التأويل فتمتد العقول إليه بالباع الطويل، وهو ذكر ما لا يحتمل إلا به من غير قطع بأنه المراد، فمن ثم يكون القول فيه، قال: وظاهر الآية المنع من القول فيها لختم الآية بقوله: وقيل: المراد بقوله: (أمر ربي) كون الروح من عالم الأمر الذي هو عالم الملكوت، لا عالم الخلق الذي هو عالم الغيب والشهادة. وقد خالف الجنيد ومن تبعه من الأئمة جماعة من متأخري الصوفية فأكثروا من القول في الروح، وصرح بعضهم بمعرفة حقيقتها، وعاب من أمسك عنها. ونقل ابن منده في " كتاب الروح " له عن محمد بن نصر المروزي الإمام المطلع على اختلاف الأحكام من عهد الصحابة إلى عهد فقهاء الأمصار أنه نقل الإجماع على أن الروح مخلوقة، وإنما ينقل القول بقدمها عن بعض غلاة الرافضة والمتصوفة. واختلف هل تفني عند فناء العالم قبل البعث أو تستمر باقية؟ على قولين، والله أعلم. ووقع في بعض التفاسير أن الحكمة في سؤال اليهود عن الروح أن عندهم في التوراة أن روح بني آدم لا يعلمها إلا الله، فقالوا: نسأله، فإن فسرها فهو نبي، وهو معنى قولهم: لا يجيء بشيء تكرهونه وروى الطبري من طريق مغيرة عن إبراهيم في هذه القصة " فنزلت الآية فقالوا: هكذا نجده عندنا " ورجاله ثقات، إلا أنه سقط من الإسناد علقمة. قوله: نعم وهي تتناول جميع علم الخلق بالنسبة إلى علم الله. " ووقع في حديث ابن عباس الذي أشرت إليه أول الباب " أن اليهود لما سمعوا ما قالوا: أوتينا علما كثيرا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا " فنزلت: قال الترمذي: حسن صحيح. قوله: (إلا قليلا) هو استثناء من العلم أي إلا علما قليلا، أو من الإعطاء أي الإعطاء قليلا، أو من ضمير المخاطب أو الغائب على القراءتين أي إلا قليلا منهم أو منكم. وفي الحديث من الفوائد غير ما سبق جواز سؤال العالم في حال قيامه ومشيه إذا كان لا يثقل ذلك عليه. وأدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل بما يغلب على الظن، والتوقف عن الجواب بالاجتهاد لمن يتوقع النص، وأن بعض المعلومات قد استأثر الله بعلمه حقيقة، وأن الأمر يرد لغير الطلب، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) سقط " باب " لغير أبي ذر. الحديث: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا قَالَ نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا الشرح: قوله: (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) هو الدورقي. قوله: (أخبرنا أبو بشر) في رواية غير أبي ذر " حدثنا أبو بشر " وهو جعفر بن أبي وحشية، وذكر الكرماني أنه وقع في نسخته " يونس " بدل قوله أبو بشر وهو تصحيف. قال الفربري: أنبأنا محمد بن عياش قال: لم يخرج محمد بن إسماعيل البخاري في هذا الكتاب من حديث هشيم إلا ما صرح فيه بالإخبار. قلت: يريد في الأصول، وسبب ذلك أن هشيما مذكور بتدليس الإسناد. قوله: (عن ابن عباس) كذا وصله هشيم وأرسله شعبة أخرجه الترمذي من طريق الطيالسي عن شعبة وهشيم مفصلا. قوله: (نزلت ورسول الله مختف بمكة) يعني في أول الإسلام. قوله: (رفع صوته بالقرآن) في رواية الطبري من وجه آخر عن ابن عباس " فكان إذا صلى بأصحابه وأسمع المشركين فآذوه " وفسرت رواية الباب الأذى بقوله: سبوا القرآن. وللطبري من وجه آخر عن سعيد بن جبير " فقالوا له: لا تجهر فتؤذي آلهتنا فنهجو إلهك " ومن طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرق عنه أصحابه، وإذا خفض صوته لم يسمعه من يريد أن يسمع قراءته فنزلت". قوله: (ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك) وفي رواية الطبري " لا تجهر بصلاتك " أي لا تعلن بقراءة القرآن إعلانا شديدا فيسمعك المشركون فيؤذونك، " ولا تخافت بها " أي لا تخفض صوتك حتى لا تسمع أذنيك " وابتغ بين ذلك سبيلا " أي طريقا وسطا. الحديث: حَدَّثَنِي طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أُنْزِلَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ الشرح: قوله: (حدثنا طلق) بفتح المهملة وسكون اللام (ابن غنام) بالمعجمة والنون وهو النخعي، من كبار شيوخ البخاري، وروايته عنه في هذا الكتاب قليلة. وشيخه زائدة هو ابن قدامة. قوله: (عن عائشة) تابعه الثوري عن هشام، وأرسله سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحيم الإسكندراني عن هشام، وكذلك أرسله مالك. قوله: (أنزل ذلك في الدعاء) هكذا أطلقت عائشة، وهو أعم من أن يكون ذلك داخل الصلاة أو خارجها. وقد أخرجه الطبري وابن خزيمة والعمري والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام فزاد في الحديث " في التشهد " ومن طريق عبد الله بن شداد قال: " كان أعرابي من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم ارزقنا مالا وولدا " ورجح الطبري حديث ابن عباس قال: لأنه أصح مخرجا. ثم أسند عن عطاء قال: " يقول قوم: إنها في الصلاة، وقوم إنها في الدعاء " وقد جاء عن ابن عباس نحو تأويل عائشة أخرجه الطبري من طريق أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس قال: " نزلت في الدعاء " ومن وجه آخر عن ابن عباس مثله، ومن طريق عطاء ومجاهد وسعيد ومكحول مثله، ورجح النووي وغيره قول ابن عباس كما رجحه الطبري، لكن يحتمل الجمع بينهما بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد روى ابن مردويه من حديث أبي هريرة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء، فنزلت " وجاء عن أهل التفسير في ذلك أقوال أخر، منها ما روى سعيد بن منصور من طريق صحابي لم يسم رفعه في هذه الآية " لا ترفع صوتك في دعائك فتذكر ذنوبك فتعير بها " ومنها ما روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومن طرق عن الحسن البصري نحوه. وقال الطبري: لولا أننا لا نستجيز مخالفة أهل التفسير فيما جاء عنهم لاحتمل أن يكون المراد وقد أثبته بعض المتأخرين قولا. وقيل: الآية في الدعاء، وهي منسوخة بقوله: وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَقْرِضُهُمْ تَتْرُكُهُمْ وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ جَمَاعَةُ الثَّمَرِ بَاخِعٌ مُهْلِكٌ أَسَفًا نَدَمًا الْكَهْفُ الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ وَالرَّقِيمُ الْكِتَابُ مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مِنْ الرَّقْمِ رَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا شَطَطًا إِفْرَاطًا الْوَصِيدُ الْفِنَاءُ جَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ وَيُقَالُ الْوَصِيدُ الْبَابُ مُؤْصَدَةٌ مُطْبَقَةٌ آصَدَ الْبَابَ وَأَوْصَدَ بَعَثْنَاهُمْ أَحْيَيْنَاهُمْ أَزْكَى أَكْثَرُ وَيُقَالُ أَحَلُّ وَيُقَالُ أَكْثَرُ رَيْعًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أُكْلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ لَمْ تَنْقُصْ وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الرَّقِيمُ اللَّوْحُ مِنْ رَصَاصٍ كَتَبَ عَامِلُهُمْ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ طَرَحَهُ فِي خِزَانَتِهِ فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ فَنَامُوا وَقَالَ غَيْرُهُ وَأَلَتْ تَئِلُ تَنْجُو وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَوْئِلًا مَحْرِزًا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا لَا يَعْقِلُونَ الشرح: قوله: (وقال مجاهد (تقرضهم) تتركهم) وصله الفريابي عنه، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة نحوه، وسقط هنا لأبي ذر. قوله: (وقال مجاهد: وأخرج الفراء من وجه آخر عن مجاهد قال: ما كان في القرآن ثمر بالضم فهو المال، وما كان بالفتح فهو النبات. قوله: (وقال غيره: جماعة الثمر) كأنه عنى به قتادة فقد أخرج الطبري من طريق أبي سفيان المعمري عن معمر عن قتادة قال: الثمر المال كله، وكل مال إذا اجتمع فهو ثمر إذا كان من لون الثمرة وغيرها من المال كله. وروى ابن المنذر من وجه آخر عن قتادة قال: قرأ ابن عباس (ثمر) يعني بفتحتين وقال: يريد أنواع المال، انتهى. والذي قرأ هنا بفتحتين عاصم، وبضم ثم سكون أبو عمرو، والباقون بضمتين. قال ابن التين: معني قوله: " جماعة الثمر " أن ثمرة يجمع على ثمار، وثمار على ثمر. قوله: (باخع مهلك) هو قول أبي عبيدة، وأنشد لذي الرمة " ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه " وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (باخع نفسك) أي قاتل نفسك. قوله: (أسفا ندما) هو قول أبي عبيدة. وقال قتادة: حزنا. قوله: (الكهف الفتح في الجبل، والرقيم الكتاب، مرقوم مكتوب من الرقم) تقدم جميع ذلك في أحاديث الأنبياء مشروحا. قوله: (أمدا غاية، طال عليهم الأمد) سقط هذا لأبي ذر وهو قول أبي عبيدة، وروى عبد بن حميد من طريق مجاهد في قوله: (أمدا) قال: عددا. قوله: (وقال سعيد - يعني ابن جبير - عن ابن عباس: الرقيم لوح من رصاص كتب عاملهم أسماءهم ثم طرحه في خزانته، فضرب الله على آذانهم) وصله عبد بن حميد من طريق يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير مطولا، وقد لخصته في أحاديث الأنبياء، وإسناده صحيح على شرط البخاري. وقد روى ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه قال: ما كنت أعرف الرقيم، ثم سألت عنه فقيل لي هي القرية التي خرجوا منها. وإسناده ضعيف. قوله: (وقال غيره: ربطنا على قلوبهم ألهمناهم صبرا) تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء. قوله: وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: لولا أن ربطنا على قلبها بالإيمان. قوله: (مرفقا كل شيء ارتفقت به) هو قول أبي عبيدة وزاد: ويقرأه قوم بفتح الميم وكسر الفاء انتهى. وهي قراءة نافع وابن عامر. واختلف هل هما بمعنى أم لا؟ فقيل: هو بكسر الميم للجارحة وبفتحها للأمر، وقد يستعمل أحدهما موضع الآخر، وقيل لغتان فيما يرتفق به وأما الجارحة فبالكسر فقط وقيل لغتان في الجارحة أيضا. وقال أبو حاتم: هو بفتح الميم الموضع كالمسجد، وبكسرها الجارحة. قوله: (تزاور من الزور، والأزور الأميل) هو قول أبي عبيدة، قوله: (فجوة متسع والجمع فجوات وفجى، كقولك زكوات وزكاة) هو قول أبي عبيدة أيضا، قوله: (شططا إفراطا، الوصيد الفناء إلخ) تقدم كله في أحاديث الأنبياء، قوله: (بعثناهم أحييناهم) هو قول أبي عبيدة، وروى عبد الرزاق من طريق عكرمة قال: كان أصحاب الكهف أولاد ملوك اعتزلوا قومهم في الكهف فاختلفوا في بعث الروح والجسد فقال قائل يبعثان. وقال قائل: تبعث الروح فقط وأما الجسد فتأكله الأرض، فأماتهم الله ثم أحياهم، فذكر القصة. قوله: (أزكى أكثر، ويقال أحل، ويقال أكثر ريعا) تقدم أيضا. وروى سعيد بن منصور من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أحل ذبيحة، وكانوا يذبحون للطواغيت. (تنبيه) : سقط من قوله: " الكهف الفتح " إلى هنا من رواية أبي ذر هنا، وكأنه استغنى بتقديم جل ذلك هناك. قوله: (وقال غيره: لم يظلم لم ينقص) كذا لأبي ذر، ولغيره: وقال ابن عباس، فذكره، وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وكذا الطبري من طريق سعيد عن قتادة. قوله: (وقال مجاهد: موئلا محرزا) وصله الفريابي. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: (موئلا) قال: ملجأ، ورجحه ابن قتيبة وقال: هو من وأل إذا لجأ إليه، وهو هنا مصدر، وأصل الموئل المرجع. قوله: (وألت تئل تنجو) قال أبو عبيدة في قوله: (موئلا) : ملجأ منجأ، قال الشاعر: " فلا وألت نفس عليها تحاذر " أي لا نجت. قوله: *3* الشرح: قوله: (باب وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) ذكر فيه حديث علي مختصرا، ولم يذكر مقصود الباب على عادته في التعمية، وقد تقدم شرحه مستوفى في صلاة الليل، وفيه ذكر الآية المذكورة، وقوله في آخره: " ألا تصليان " زاد في نسخة الصغاني " وذكر الحديث والآية إلى قوله أكثر بشيء جدلا". الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ قَالَ أَلَا تُصَلِّيَانِ رَجْمًا بِالْغَيْبِ لَمْ يَسْتَبِنْ فُرُطًا يُقَالُ نَدَمًا سُرَادِقُهَا مِثْلُ السُّرَادِقِ وَالْحُجْرَةِ الَّتِي تُطِيفُ بِالْفَسَاطِيطِ يُحَاوِرُهُ مِنْ الْمُحَاوَرَةِ لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي أَيْ لَكِنْ أَنَا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ثُمَّ حَذَفَ الْأَلِفَ وَأَدْغَمَ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الْأُخْرَى وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا يَقُولُ بَيْنَهُمَا زَلَقًا لَا يَثْبُتُ فِيهِ قَدَمٌ هُنَالِكَ الْوِلَايَةُ مَصْدَرُ الْوَلِيِّ عُقُبًا عَاقِبَةً وَعُقْبَى وَعُقْبَةً وَاحِدٌ وَهِيَ الْآخِرَةُ قِبَلًا وَقُبُلًا وَقَبَلًا اسْتِئْنَافًا لِيُدْحِضُوا لِيُزِيلُوا الدَّحْضُ الزَّلَقُ الشرح: قوله: (رجما بالغيب: لم يستبن) سقط هذا لأبي ذر هنا، وقد تقدم في أحاديث الأنبياء. ولقتادة عند عبد الرزاق (رجما بالغيب) قال: قذفا بالظن. قوله: (فرطا ندما) وصله الطبري من طريق داود بن أبي هند في قوله: (فرطا) قال: ندامة. وقال أبو عبيدة في قوله: وللطبري عن مجاهد قال: ضياعا. وعن السدي قال: إهلاكا. وعن ابن جريج: نزلت في عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري قبل أن يسلم. قوله: (سرادقها مثل السرادق والحجرة التي تطيف بالفساطيط) هو قول أبي عبيدة لكنه تصرف فيه، قال أبو عبيدة في قوله: قوله: (لكنا هو الله ربي أي لكن أنا هو الله ربي، ثم حذف الألف وأدغم إحدى النونين في الأخرى) هو قول أبي عبيدة. وقال الفراء: ترك الألف من أنا كثير في الكلام ثم أدغمت نون أنا في نون لكن، وأنشد: وترمقني بالطرف أي أنت مذنب وتقلينني لكن إياك لا أقلي أي لكن أنا إياك لا أقلي. قال: ومن العرب من يشبع ألف أنا فجاءت القراءة على تلك اللغة. قوله: (وفجرنا خلالهما نهرا تقول بينهما) ثبت لأبي ذر، وهو قول أبي عبيدة، وقراءة الجمهور بالتشديد، ويعقوب وعيسى بن عمر بالتخفيف. قوله: (هنالك الولاية مصدر ولي الولي ولاء) كذا لأبي ذر وللباقين " مصدر الولي " وهو أصوب، وهو قول أبي عبيدة قاله في تفسير سورة البقرة، وقرأ الجمهور بفتح الواو، والأخوان بكسرها، وأنكره أبو عمرو والأصمعي لأن الذي بالكسر الإمارة ولا معنى له هنا. وقال غيرهما: الكسر لغة بمعني الفتح كالدلالة بفتح دالها وكسرها بمعنى. (تنبيه) : يأتي قوله: (خير عقبا) في الدعوات. قوله: (قبلا وقبلا وقبل استثنافا) قال أبو عبيدة في قوله: والمؤتنف قريب من المقبل فلا معنى لا دعاء تفسيره. قوله: (ليدحضوا ليزيلوا، الدحض الزلق) قال أبو عبيدة في قوله: *3* الشرح: قوله: (باب قوله: وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين) اختلف في مكان مجمع البحرين، فروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: بحر فارس والروم، وعن الربيع بن أنس مثله أخرجه عبد بن حميد، وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال: هما الكر والرس حيث يصبان في البحر. قال ابن عطية: مجمع البحرين ذراع في أرض فارس من جهة أذربيجان يخرج من البحر المحيط من شماليه إلى جنوبيه وطرفيه مما يلي بر الشام. وقيل هما بحر الأردن والقلزم. وقال محمد بن كعب القرظي: مجمع البحرين بطنجة. وعن ابن المبارك قال: قال بعضهم: بحر أرمينية. وعن أبي بن كعب قال: بإفريقية أخرجهما ابن أبي حاتم لكن السند إلى أبي بن كعب ضعيف. وهذا اختلاف شديد. وأغرب من ذلك ما نقله القرطبي عن ابن عباس قال: المراد بمجمع البحرين اجتماع موسى والخضر لأنهما بحرا علم، وهذا غير ثابت ولا يقتضيه اللفظ، وإنما يحسن أن يذكر في مناسبة اجتماعهما بهذا المكان المخصوص، كما قال السهيلي: اجتمع البحران بمجمع البحرين. قوله: (أو أمضى حقبا زمانا، وجمعه أحقاب) هو قول أبي عبيدة قال: ويقال فيه أيضا حقبة أي بكسر أوله والجمع حقب. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: الحقب الزمان. وعن ابن: عباس: الحقب الدهر. وعن سعيد بن جبير: الحقب الحين أخرجهما ابن المنذر. وجاء تقديره عن غيرهم، فروى ابن المنذر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ثمانون سنة، وروى عبد بن حميد عن مجاهد أنه سبعون. ثم ذكر المصنف قصة موسى والخضر، وسأذكر شرح ذلك في الباب الذي يليه. الحديث: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ مُوسَى يَا رَبِّ فَكَيْفَ لِي بِهِ قَالَ تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَنَامَا وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ فَخَرَجَ مِنْهُ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نَسِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْحُوتِ فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَا الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَالَ فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَبًا فَقَالَ مُوسَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا قَالَ رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى ثَوْبًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى فَقَالَ الْخَضِرُ وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ قَالَ أَنَا مُوسَى قَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ فَقَالَ مُوسَى سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَمَرَّتْ سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَفْجَأْ إِلَّا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُومِ فَقَالَ لَهُ مُوسَى قَوْمٌ قَدْ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا قَالَ وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ ثُمَّ خَرَجَا مِنْ السَّفِينَةِ فَبَيْنَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذْ أَبْصَرَ الْخَضِرُ غُلَامًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا قَالَ وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنْ الْأُولَى قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ قَالَ مَائِلٌ فَقَامَ الْخَضِرُ فَأَقَامَهُ بِيَدِهِ فَقَالَ مُوسَى قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ إِلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَكَانَ يَقْرَأُ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ الشرح: قوله: (باب قوله: وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين) اختلف في مكان مجمع البحرين، فروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: بحر فارس والروم، وعن الربيع بن أنس مثله أخرجه عبد بن حميد، وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال: هما الكر والرس حيث يصبان في البحر. قال ابن عطية: مجمع البحرين ذراع في أرض فارس من جهة أذربيجان يخرج من البحر المحيط من شماليه إلى جنوبيه وطرفيه مما يلي بر الشام. وقيل هما بحر الأردن والقلزم. وقال محمد بن كعب القرظي: مجمع البحرين بطنجة. وعن ابن المبارك قال: قال بعضهم: بحر أرمينية. وعن أبي بن كعب قال: بإفريقية أخرجهما ابن أبي حاتم لكن السند إلى أبي بن كعب ضعيف. وهذا اختلاف شديد. وأغرب من ذلك ما نقله القرطبي عن ابن عباس قال: المراد بمجمع البحرين اجتماع موسى والخضر لأنهما بحرا علم، وهذا غير ثابت ولا يقتضيه اللفظ، وإنما يحسن أن يذكر في مناسبة اجتماعهما بهذا المكان المخصوص، كما قال السهيلي: اجتمع البحران بمجمع البحرين. قوله: (أو أمضى حقبا زمانا، وجمعه أحقاب) هو قول أبي عبيدة قال: ويقال فيه أيضا حقبة أي بكسر أوله والجمع حقب. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: الحقب الزمان. وعن ابن: عباس: الحقب الدهر. وعن سعيد بن جبير: الحقب الحين أخرجهما ابن المنذر. وجاء تقديره عن غيرهم، فروى ابن المنذر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ثمانون سنة، وروى عبد بن حميد عن مجاهد أنه سبعون. ثم ذكر المصنف قصة موسى والخضر، وسأذكر شرح ذلك في الباب الذي يليه.
|