الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب قوله لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) سقط " باب قوله " لغير أبي ذر، وقد تعلق بهذا النهي من كره السؤال عما لم يقع. وقد أسنده الدارمي في مقدمة كتابه عن جماعة من الصحابة والتابعين. وقال ابن العربي: اعتقد قوم من الغافلين منع أسئلة النوازل حتى تقع تعلقا بهذه الآية، وليس كذلك، لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المساءة في جوابه، ومسائل النوازل ليست كذلك. وهو كما قال، إلا أنه أساء في قوله الغافلين على عادته كما نبه عليه القرطبي. وقد روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رفعه " أعظم المسلمين بالمسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته " وهذا يبين المراد من الآية، ليس مما أشار إليه ابن العربي في شيء. الحديث: حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَارُودِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ قَالَ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا قَالَ فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ فَقَالَ رَجُلٌ مَنْ أَبِي قَالَ فُلَانٌ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ رَوَاهُ النَّضْرُ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ الشرح: قوله: (حدثنا منذر بن الوليد بن عبد الرحمن) أي ابن حبيب بن علياء بن حبيب بن الجارود العبدي البصري الجارودي نسبة إلى جده الأعلى، وهو ثقة، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في كفارات الأيمان، وأبوه ما له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع، ولا رأيت عنه راويا إلا ولده، وحديثه هذا في المتابعات، فإن المصنف أورده في الاعتصام من رواية غيره كما سأبينه. (تنبيه) : وقع في كلام أبي علي الغساني فيما حكاه الكرماني أن البخاري روى هذا الحديث عن محمد غير منسوب عن منذر هذا وأن محمدا المذكور هو ابن يحيى الذهلي، ولم أر ذلك في شيء من الروايات التي عندنا من البخاري، وأظنه وقع في بعض النسخ " حدثنا محمد " غير منسوب والمراد به البخاري المصنف والقائل ذلك الراوي عنه وظنوه شيخا للبخاري، وليس كذلك، والله أعلم. قوله: (عن أنس) في رواية روح بن عبادة عن شعبة في الاعتصام " أخبرني موسى قال سمعت أنس بن مالك يقول". قوله: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط قال: لو تعلمون ما أعلم) وقع عند مسلم من طريق النضر بن شميل عن شعبة في أوله زيادة يظهر منها سبب الخطبة ولفظه " بلغ صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء، فخطب فقال: عرضت على الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولن تعلمون ما أعلم". قوله: (لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، قال فغطى) في رواية النضر بن شميل " قال فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كان أشد من ذلك، غطوا رءوسهم". قوله: (لهم حنين) بالحاء المهملة للأكثر، وللكشهميني بالخاء المعجمة، والأول الصوت الذي يرتفع بالبكاء من الصدر، والثاني من الأنف. وقال الخطابي: الحنين بكاء دون الانتحاب، وقد يجعلون الحنين والخنين واحدا إلا أن الحنين من الصدر أي المهملة والحنين من الأنف بالمعجمة. وقال عياض قوله: (فقال رجل من أبي؟ قال: أبوك فلان) تقدم في العلم أنه عبد الله بن حذافة. وفي رواية للعسكري " نزلت في قيس بن حذافة " وفي رواية للإسماعيلي يأتي التنبيه عليها في كتاب الفتن " خارجة بن حذافة " والأول أشهر، وكلهم له صحبة، وتقدم فيه أيضا زيادة من حديث أبي موسى وأحدث بشرحه على كتاب الاعتصام، وسيأتي إن شاء الله تعالى، فاقتصر هنا على بيان الاختلاف في سبب نزول الآية. قوله: (فنزلت هذه الآية) هكذا أطلق ولم يقع ذلك في سياق الزهري عن أنس مع أنه أشبع سياقا من رواية موسى بن أنس كما تقدم في أوائل المواقيت، ولذا لم يذكر ذلك هلال بن علي عن أنس كما سيأتي في كتاب الرقاق. ووقع في الفتن من طريق قتادة عن أنس في آخر هذا الحديث بعد أن ساقه مطولا قال " فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية فقام آخر فقال: من أبي؟ فقال: حذافة. فقام عمر - فذكر كلامه وزاد فيه - وبالقرآن إماما، قال فسكن غضبه ونزلت هذه الآية " وهذا شاهد جيد لحديث موسى بن أنس والمذكور. وأما ما روى الترمذي من حديث علي قال " لما نزلت ثم قالوا: يا رسول الله في كل عام؟ فقال: لا، ولو قلت نعم لوجبت. فأنزل الله وقد روى أحمد من حديث أبي هريرة والطبري من حديث أبي أمامة نحو حديث على هذا، وكذا أخرجه من وجه ضعيف ومن آخر منقطع عن ابن عباس، وجاء في سبب نزولها قول ثالث وهو ما يدل عليه حديث ابن عباس في الباب عقب هذا وهو أصح إسنادا، لكن لا مانع أن يكون الجميع سبب نزولها والله أعلم. وجاء في سبب نزولها قولان آخران، فأخرج الطبري وسعيد بن منصور من طريق خصيف عن مجاهد عن ابن عباس: أن المراد بالأشياء البحيرة والوصيلة والسائبة والحام. قال فكان عكرمة يقول: إنهم كانوا يسألون عن الآيات، فنهوا عن ذلك. قال: والمراد بالآيات نحو سؤال قريش أن يجعل الصفا لهم ذهبا، وسؤال اليهود أن ينزل عليهم كتابا من السماء ونحو ذلك. أخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الكريم عن عكرمة قال " نزلت في الذي سأل عن أبيه. وعن سعيد بن جبير في الذين سألوا عن البحيرة وغيرها، وعن مقسم فيما سأل الأمم أنبياءها عن الآيات. قلت: وهذا الذي قاله محتمل، وكذا ما أخرج ابن أبي حاتم من طريق عطية قال " نهوا أن يسألوا مثل ما سأل النصارى من المائدة فأصبحوا بها كافرين " وقد رجحه الماوردي، وكأنه من حيث المعنى، لوقوع قصة المائدة في السورة بعد ذلك، واستبعد نزولها في قصة من سأل عن أبيه أو عن الحج كل عام، وهو إغفال منه لما في الصحيح، ورجح ابن المنير نزولها في النهي عن كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن، واستند إلى كثير مما أورده المصنف في " باب ما يكره من كثرة السؤال " في كتاب الاعتصام وهو متجه، لكن لا مانع أن تتعدد الأسباب، وما في الصحيح أصح. وفي الحديث إيثار الستر على المسلمين، وكراهة التشديد عليهم، وكراهة التنقيب عما لم يقع، وتكلف الأجوبة لمن يقصد بذلك التمرن على التفقه، فالله أعلم. وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى. قوله: (رواه النضر) هو ابن شميل (وروح بن عبادة عن شعبة) أي بإسناده، ورواية النضر وصلها مسلم، ورواية روح بن عبادة وصلها المؤلف في كتاب الاعتصام. الحديث: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِهْزَاءً فَيَقُولُ الرَّجُلُ مَنْ أَبِي وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ أَيْنَ نَاقَتِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْآيَةِ كُلِّهَا الشرح: قوله: (حدثني الفضل بن سهل) هو البغدادي، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وشيء تقدم الصلاة وأبو النضر هاشم بن القاسم، وأبو خيثمة هو زهير بن معاوية، وأبو الجويرية بالجيم مصغر اسمه حطان بكسر المهملة وتشديد الطاء ابن خفاف بضم المعجمة وفاءين الأولى خفيفة، ثقة ما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في الزكاة ويأتي في الأشربة له ثالث. قوله: (عن ابن عباس) في رواية ابن أبي حاتم من طريق أبي النضر عن أبي خيثمة حدثنا أبو الجويرية سمعت أعرابيا من بني سليم سأله يعني ابن عباس. قوله: (كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء) قد تقدم طريق الجمع بينه وبين الذي قبله، والحاصل أنها نزلت بسبب كثرة المسائل إما على سبيل الاستهزاء أو الامتحان وإما على سبيل التعنت عن الشيء الذي لو لم تسأل عنه لكان على الإباحة، وفي أول رواية الطبري من طريق حفص بن نفيل عن أبي خيثمة عن أبي الجويرية " قال ابن عباس: قال أعرابي من بني سليم: هل تدري فيم أنزلت هذه الآية " فذكره ووقع عند أبي نعيم في " المستخرج " من وجه آخر عن أبي خيثمة عن أبي الجويرية عن ابن عباس أنه سئل عن الضالة فقال ابن عباس: " من أكل الضالة فهو ضال". *3* وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ وَإِذْ هَا هُنَا صِلَةٌ الْمَائِدَةُ أَصْلُهَا مَفْعُولَةٌ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ وَالْمَعْنَى مِيدَ بِهَا صَاحِبُهَا مِنْ خَيْرٍ يُقَالُ مَادَنِي يَمِيدُنِي وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُتَوَفِّيكَ مُمِيتُكَ الشرح: قوله: (باب ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) أي ما حرم، ولم يرد حقيقة الجعل لأن الكل خلقه وتقديره، ولكن المراد بيان ابتداعهم ما صنعوه من ذلك. قوله: (وإذ قال الله، يقول قال الله، وإذ هاهنا صلة) كذا ثبت هذا وما بعده هنا، وليس بخاص به وهو على ما قدمنا من ترتيب بعض الرواة، وهذا الكلام ذكره أبو عبيدة في قوله تعالى قوله: (المائدة أصلها مفعولة كعيشة راضية وتطليقة بائنة، والمعنى ميد بها صاحبها من خير يقال مادني يميدني) قال ابن التين: هو قول أبي عبيدة. وقال غيره: هي من ماد يمتد إذا تحرك، وقيل من ماد يمتد إذا أطعم. قال ابن التين: وقوله تطليقة بائنة غير واضح إلا أن يريد أن الزوج أبان المرأة بها، وإلا فالظاهر أنها فرقت بين الزوجين فهي فاعل على بابها. قوله: (وقال ابن عباس: متوفيك مميتك) هكذا ثبت هذا هنا، وهذه اللفظة إنما هي في سورة آل عمران، فكأن بعض الرواة ظنها من سورة المائدة فكتبها فيها، أو ذكرها المصنف هنا لمناسبة قوله في هذه السورة الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ الْبَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ وَالسَّائِبَةُ كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ قَالَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ وَالْوَصِيلَةُ النَّاقَةُ الْبِكْرُ تُبَكِّرُ فِي أَوَّلِ نِتَاجِ الْإِبِلِ ثُمَّ تُثَنِّي بَعْدُ بِأُنْثَى وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ إِنْ وَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ وَالْحَامِ فَحْلُ الْإِبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ فَإِذَا قَضَى ضِرَابَهُ وَدَعُوهُ لِلطَّوَاغِيتِ وَأَعْفَوْهُ مِنْ الْحَمْلِ فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَسَمَّوْهُ الْحَامِيَ و قَالَ لِي أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ سَمِعْتُ سَعِيدًا قَالَ يُخْبِرُهُ بِهَذَا قَالَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْهَادِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (البحيرة التي يمنع درها للطواغيت) وهي الأصنام، فلا يحلبها أحد من الناس، والبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة، وهي التي بحرت أذنها أي حرمت. قال أبو عبيدة: جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها أي شقوها وتركت فلا يمسها أحد. وقال آخرون: بل البحيرة الناقة كذلك، وخلوا عنها فلم تركب ولم يضربها فحل، وأما قوله " فلا يحلبها أحد من الناس " فهكذا أطلق نفي الحلب، وكلام أبي عبيدة يدل على أن المنفي إنما هو الشرب الخاص، قال أبو عبيدة: كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء ويحلون ذلك للرجال، وما ولدت فهو بمنزلتها، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: البحيرة من الإبل كانت الناقة إذا نتجت خمس بطون فإن كان الخامس ذكرا كان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى بتكت أذنها ثم أرسلت فلم يجزوا لها وبرا ولم يشربوا لها لبنا ولم يركبوا لها ظهرا، وإن تكن ميتة فهم فيه شركاء الرجال والنساء. ونقل أهل اللغة في تفسير البحيرة هيأت أخرى تزيد بما ذكرت على العشر. وهي فعيلة بمعنى مفعولة، والبحر شق الأذن، كان ذلك علامة لها. قوله: (والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء) قال أبو عبيدة: كانت السائبة من جميع الأنعام، وتكون من النذور للأصنام فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا عن ماء ولا يركبها أحد، قال: وقيل السائبة لا تكون إلا من الإبل، كان الرجل ينذر إن برئ من مرضه أو قدم من سفره ليسيبن بعيرا. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: السائبة كانوا يسيبون بعض إبلهم فلا تمنع حوضا أن تشرب فيه. قوله: (قال وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت عمر بن عامر الخزاعي إلخ) هكذا وقع في الرواية إيراد القدر المرفوع من الحديث في أثناء الموقوف، وسأبين ما فيه بعد. قوله: (والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى) هكذا أورده متصلا بالحديث المرفوع، وهو يوهم أنه من جملة المرفوع، وليس كذلك، بل هو بقية تفسير سعيد بن المسيب، والمرفوع من الحديث إنما هو ذكر عمرو بن عامر فقط، وتفسير البحيرة وسائر الأربعة المذكورة في الآية عن سعيد بن المسيب ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد مثل رواية الباب، إلا أنه بعد إيراد المرفوع قال " وقال ابن المسيب: والوصيلة الناقة إلخ " فأوضح أن التفسير جميعه موقوف، وهذا هو المعتمد، وهكذا أخرجه ابن مردويه من طريق يحيى بن سعيد وعبيد الله بن زياد عن ابن شهاب مفصلا. قوله: (أن وصلت) أي من أجل. وقال أبو عبيدة: كانت السائبة مهما ولدته فهو بمنزلة أمها إلى ستة أولاد، فإن ولدت السابع أنثيين تركتا فلم تذبحا، وإن ولدت ذكرا ذبح وأكله الرجال دون النساء، وكذا إذا ولدت ذكرين، وإن أتت بتوأم ذكر وأنثى سموا الذكر وصيلة فلا يذبح لأجل أخته، وهذا كله إن لم تلد ميتا، فإن ولدت بعد البطن السابع ميتا أكله النساء دون الرجال. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: الوصيلة الشاة كانت إذا ولدت سبعة فإن كان السابع ذكرا ذبح وأكل وإن كان أنثى تركت وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فترك ولم يذبح. قوله: (والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود إلخ) وكلام أبي عبيدة يدل على أن الحام إنما يكون من ولد السائبة. وقال أيضا: كانوا إذا ضرب فحل من ولد البحيرة فهو عندهم حام. وقال أيضا: الحام من فحول الإبل خاصة إذا نتجوا منه عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره، فأحموا ظهره ووبره وكل شيء منه فلم يركب ولم يطرق. وعرف بهذا بيان العدد المبهم في رواية سعيد. وقيل الحام فحل الإبل إذا ركب ولد ولده، قال الشاعر: حماها أبو قابوس في غير ملكه كما قد حمى أولاد أولاده الفحلا وقال الفراء: اختلف في السائبة فقيل كان الرجل يسيب من ماله ما شاء يذهب به إلى السدنة وهم الذين يقومون على الأصنام. وقيل: السائبة الناقة إذا ولدت عشرة أبطن كلهن إناث سيبت فلم تركب ولم يجز لها وبر ولم يشرب لها لبن. وإذا ولدت بنتها بحرت أي شقت أذنها، فالبحيرة ابنة السائبة وهي بمنزلة أمها. والوصيلة من الشاة إذا ولدت سبعة أبطن إذا ولدت في آخرها ذكرا وأنثى قيل وصلت أخاه فلا تشرب النساء لبن الأم وتشربه الرجال وجرت مجرى السائبة إلا في هذا. وأما الحام فهو فحل الإبل كان إذا لقح ولد ولده قيل حمى ظهره فلا يركب ولا يجز له وبر ولا يمنع من مرعى. قوله: (وقال لي أبو اليمان) عند غير أبي ذر " وقال أبو اليمان " بغير مجاورة. قوله: (سمعت سعيدا يخبره بهذا قال وقال أبو هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) هكذا للأكثر يخبر بصيغة الفعل المضارع من الخبر متصل بهاء الضمير، ووقع لأبي ذر عن الحموي والمستملي بحيرة بفتح الموحدة وكسر المهملة، وكأنه أشار إلى تفسير البحيرة وغيرها كما في رواية إبراهيم بن سعد، وأن المرفوع منه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عمرو ابن عامر حسب، وهذا هو المعتمد، فإن المصنف أخرجه في مناقب قريش قال حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري سمعت سعيد بن المسيب قال: البحيرة التي يمنع درها إلخ، لكنه أورده باختصار قال " وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر إلخ". قوله: (ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) أما طريق ابن الهاد فأخرجها ابن مردويه من طريق خالد بن حميد المهري عن ابن الهاد - وهو يزيد بن عبد الله ابن أسامة بن الهاد الليثي - بهذا الإسناد، ولفظ المتن " رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار " وكان أول من سيب السوائب، والسائبة التي كانت تسيب فلا يحمل عليها شيء إلى آخر التفسير المذكور، وقد أخرجه أبو عوانة وابن أبي عاصم في " الأوائل " والبيهقي والطبراني من طريق عن الليث عن ابن الهاد بالمرفوع فقط، وظهر أن في رواية خالد بن حميد إدراجا وأن التفسير من كلام سعيد بن المسيب والله أعلم. قوله في المرفوع " وهو أول من سيب السوائب " زاد في رواية أبي صالح عن أبي هريرة عند مسلم " وبحر البحيرة وغير دين إسماعيل " وروى عبد الرزاق عن معمر عن يزيد بن أسلم مرسلا " أول من سيب السوائب عمرو بن لحي، وأول من بحر البحائر رجل من بني مدلج جدع أذن ناقته وحرم شرب ألبانها " والأول أصح، والله أعلم. ثم ذكر المصنف حديث عائشة " رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، ورأيت عمرا يجر قصبه في النار، وهو أول من سيب السوائب " هكذا وقع هنا مختصرا، وتقدم في أبواب العمل في الصلاة من وجه آخر عن يونس عن زيد مطولا وأوله " خسفت الشمس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة طويلة " الحديث وفيه " لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء " وفيه القدر المذكور هنا، وأورده في أبواب الكسوف من وجه آخر عن يونس بدون الزيادة، وكذا من طريق عقيل عن الزهيري، وقد تقدم بيان نسب عمرو الخزاعي في مناقب قريش، وكذا بيان كيفية تغييره لملة إبراهيم عليه السلام ونصبه الأصنام وغير ذلك الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَرْمَانِيُّ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَرَأَيْتُ عَمْرًا يَجُرُّ قُصْبَهُ وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ الشرح: قوله: (البحيرة التي يمنع درها للطواغيت) وهي الأصنام، فلا يحلبها أحد من الناس، والبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة، وهي التي بحرت أذنها أي حرمت. قال أبو عبيدة: جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها أي شقوها وتركت فلا يمسها أحد. وقال آخرون: بل البحيرة الناقة كذلك، وخلوا عنها فلم تركب ولم يضربها فحل، وأما قوله " فلا يحلبها أحد من الناس " فهكذا أطلق نفي الحلب، وكلام أبي عبيدة يدل على أن المنفي إنما هو الشرب الخاص، قال أبو عبيدة: كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء ويحلون ذلك للرجال، وما ولدت فهو بمنزلتها، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: البحيرة من الإبل كانت الناقة إذا نتجت خمس بطون فإن كان الخامس ذكرا كان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى بتكت أذنها ثم أرسلت فلم يجزوا لها وبرا ولم يشربوا لها لبنا ولم يركبوا لها ظهرا، وإن تكن ميتة فهم فيه شركاء الرجال والنساء. ونقل أهل اللغة في تفسير البحيرة هيأت أخرى تزيد بما ذكرت على العشر. وهي فعيلة بمعنى مفعولة، والبحر شق الأذن، كان ذلك علامة لها. قوله: (والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء) قال أبو عبيدة: كانت السائبة من جميع الأنعام، وتكون من النذور للأصنام فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا عن ماء ولا يركبها أحد، قال: وقيل السائبة لا تكون إلا من الإبل، كان الرجل ينذر إن برئ من مرضه أو قدم من سفره ليسيبن بعيرا. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: السائبة كانوا يسيبون بعض إبلهم فلا تمنع حوضا أن تشرب فيه. قوله: (قال وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت عمر بن عامر الخزاعي إلخ) هكذا وقع في الرواية إيراد القدر المرفوع من الحديث في أثناء الموقوف، وسأبين ما فيه بعد. قوله: (والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى) هكذا أورده متصلا بالحديث المرفوع، وهو يوهم أنه من جملة المرفوع، وليس كذلك، بل هو بقية تفسير سعيد بن المسيب، والمرفوع من الحديث إنما هو ذكر عمرو بن عامر فقط، وتفسير البحيرة وسائر الأربعة المذكورة في الآية عن سعيد بن المسيب ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد مثل رواية الباب، إلا أنه بعد إيراد المرفوع قال " وقال ابن المسيب: والوصيلة الناقة إلخ " فأوضح أن التفسير جميعه موقوف، وهذا هو المعتمد، وهكذا أخرجه ابن مردويه من طريق يحيى بن سعيد وعبيد الله بن زياد عن ابن شهاب مفصلا. قوله: (أن وصلت) أي من أجل. وقال أبو عبيدة: كانت السائبة مهما ولدته فهو بمنزلة أمها إلى ستة أولاد، فإن ولدت السابع أنثيين تركتا فلم تذبحا، وإن ولدت ذكرا ذبح وأكله الرجال دون النساء، وكذا إذا ولدت ذكرين، وإن أتت بتوأم ذكر وأنثى سموا الذكر وصيلة فلا يذبح لأجل أخته، وهذا كله إن لم تلد ميتا، فإن ولدت بعد البطن السابع ميتا أكله النساء دون الرجال. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: الوصيلة الشاة كانت إذا ولدت سبعة فإن كان السابع ذكرا ذبح وأكل وإن كان أنثى تركت وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فترك ولم يذبح. قوله: (والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود إلخ) وكلام أبي عبيدة يدل على أن الحام إنما يكون من ولد السائبة. وقال أيضا: كانوا إذا ضرب فحل من ولد البحيرة فهو عندهم حام. وقال أيضا: الحام من فحول الإبل خاصة إذا نتجوا منه عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره، فأحموا ظهره ووبره وكل شيء منه فلم يركب ولم يطرق. وعرف بهذا بيان العدد المبهم في رواية سعيد. وقيل الحام فحل الإبل إذا ركب ولد ولده، قال الشاعر: حماها أبو قابوس في غير ملكه كما قد حمى أولاد أولاده الفحلا وقال الفراء: اختلف في السائبة فقيل كان الرجل يسيب من ماله ما شاء يذهب به إلى السدنة وهم الذين يقومون على الأصنام. وقيل: السائبة الناقة إذا ولدت عشرة أبطن كلهن إناث سيبت فلم تركب ولم يجز لها وبر ولم يشرب لها لبن. وإذا ولدت بنتها بحرت أي شقت أذنها، فالبحيرة ابنة السائبة وهي بمنزلة أمها. والوصيلة من الشاة إذا ولدت سبعة أبطن إذا ولدت في آخرها ذكرا وأنثى قيل وصلت أخاه فلا تشرب النساء لبن الأم وتشربه الرجال وجرت مجرى السائبة إلا في هذا. وأما الحام فهو فحل الإبل كان إذا لقح ولد ولده قيل حمى ظهره فلا يركب ولا يجز له وبر ولا يمنع من مرعى. قوله: (وقال لي أبو اليمان) عند غير أبي ذر " وقال أبو اليمان " بغير مجاورة. قوله: (سمعت سعيدا يخبره بهذا قال وقال أبو هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) هكذا للأكثر يخبر بصيغة الفعل المضارع من الخبر متصل بهاء الضمير، ووقع لأبي ذر عن الحموي والمستملي بحيرة بفتح الموحدة وكسر المهملة، وكأنه أشار إلى تفسير البحيرة وغيرها كما في رواية إبراهيم بن سعد، وأن المرفوع منه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عمرو ابن عامر حسب، وهذا هو المعتمد، فإن المصنف أخرجه في مناقب قريش قال حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري سمعت سعيد بن المسيب قال: البحيرة التي يمنع درها إلخ، لكنه أورده باختصار قال " وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر إلخ". قوله: (ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) أما طريق ابن الهاد فأخرجها ابن مردويه من طريق خالد بن حميد المهري عن ابن الهاد - وهو يزيد بن عبد الله ابن أسامة بن الهاد الليثي - بهذا الإسناد، ولفظ المتن " رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار " وكان أول من سيب السوائب، والسائبة التي كانت تسيب فلا يحمل عليها شيء إلى آخر التفسير المذكور، وقد أخرجه أبو عوانة وابن أبي عاصم في " الأوائل " والبيهقي والطبراني من طريق عن الليث عن ابن الهاد بالمرفوع فقط، وظهر أن في رواية خالد بن حميد إدراجا وأن التفسير من كلام سعيد بن المسيب والله أعلم. قوله في المرفوع " وهو أول من سيب السوائب " زاد في رواية أبي صالح عن أبي هريرة عند مسلم " وبحر البحيرة وغير دين إسماعيل " وروى عبد الرزاق عن معمر عن يزيد بن أسلم مرسلا " أول من سيب السوائب عمرو بن لحي، وأول من بحر البحائر رجل من بني مدلج جدع أذن ناقته وحرم شرب ألبانها " والأول أصح، والله أعلم. ثم ذكر المصنف حديث عائشة " رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، ورأيت عمرا يجر قصبه في النار، وهو أول من سيب السوائب " هكذا وقع هنا مختصرا، وتقدم في أبواب العمل في الصلاة من وجه آخر عن يونس عن زيد مطولا وأوله " خسفت الشمس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة طويلة " الحديث وفيه " لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء " وفيه القدر المذكور هنا، وأورده في أبواب الكسوف من وجه آخر عن يونس بدون الزيادة، وكذا من طريق عقيل عن الزهيري، وقد تقدم بيان نسب عمرو الخزاعي في مناقب قريش، وكذا بيان كيفية تغييره لملة إبراهيم عليه السلام ونصبه الأصنام وغير ذلك *3* الشرح: قوله: (باب وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) ذكر فيه حديث ابن عباس " إنكم محشورون إلى الله حفاة " الحديث، وسيأتي شرحه في الرقاق، والغرض منه " فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم " وقوله أصيحابي كذا للأكثر بالتصغير، وللكشميهني بغير تصغير، قال الخطابي: فيه إشارة إلى قلة عدد من وقع لهم ذلك، وإنما وقع لبعض جفاة العرب، ولم يقع من أحد الصحابة المشهورين. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ثُمَّ قَالَ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ أَلَا وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ فَيُقَالُ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ الشرح: قوله: (باب وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) ذكر فيه حديث ابن عباس " إنكم محشورون إلى الله حفاة " الحديث، وسيأتي شرحه في الرقاق، والغرض منه " فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم " وقوله أصيحابي كذا للأكثر بالتصغير، وللكشميهني بغير تصغير، قال الخطابي: فيه إشارة إلى قلة عدد من وقع لهم ذلك، وإنما وقع لبعض جفاة العرب، ولم يقع من أحد الصحابة المشهورين. *3* الشرح: قوله: (باب قوله: الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ وَإِنَّ نَاسًا يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ إِلَى قَوْلِهِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الشرح: قوله: (باب قوله: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ مَعْذِرَتُهُمْ مَعْرُوشَاتٍ مَا يُعْرَشُ مِنْ الْكَرْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَمُولَةً مَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَلَلَبَسْنَا لَشَبَّهْنَا لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ أَهْلَ مَكَّةَ يَنْأَوْنَ يَتَبَاعَدُونَ تُبْسَلُ تُفْضَحُ أُبْسِلُوا أُفْضِحُوا بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ الْبَسْطُ الضَّرْبُ وَقَوْلُهُ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنْسِ أَضْلَلْتُمْ كَثِيرًا مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْ ثَمَرَاتِهِمْ وَمَالِهِمْ نَصِيبًا وَلِلشَّيْطَانِ وَالْأَوْثَانِ نَصِيبًا أَكِنَّةً وَاحِدُهَا كِنَانٌ أَمَّا اشْتَمَلَتْ يَعْنِي هَلْ تَشْتَمِلُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَلِمَ تُحَرِّمُونَ بَعْضًا وَتُحِلُّونَ بَعْضًا مَسْفُوحًا مُهْرَاقًا صَدَفَ أَعْرَضَ أُبْلِسُوا أُويِسُوا وَ أُبْسِلُوا أُسْلِمُوا سَرْمَدًا دَائِمًا اسْتَهْوَتْهُ أَضَلَّتْهُ تَمْتَرُونَ تَشُكُّونَ وَقْرٌ صَمَمٌ وَأَمَّا الْوِقْرُ فَإِنَّهُ الْحِمْلُ أَسَاطِيرُ وَاحِدُهَا أُسْطُورَةٌ وَإِسْطَارَةٌ وَهْيَ التُّرَّهَاتُ الْبَأْسَاءُ مِنْ الْبَأْسِ وَيَكُونُ مِنْ الْبُؤْسِ جَهْرَةً مُعَايَنَةً الصُّوَرُ جَمَاعَةُ صُورَةٍ كَقَوْلِهِ سُورَةٌ وَسُوَرٌ مَلَكُوتٌ مُلْكٌ مِثْلُ رَهَبُوتٍ خَيْرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ وَيَقُولُ تُرْهَبُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُرْحَمَ وَإِنْ تَعْدِلْ تُقْسِطْ لَا يُقْبَلْ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ جَنَّ أَظْلَمَ تَعَالَى عَلَا يُقَالُ عَلَى اللَّهِ حُسْبَانُهُ أَيْ حِسَابُهُ وَيُقَالُ حُسْبَانًا مَرَامِيَ وَ رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ مُسْتَقِرٌّ فِي الصُّلْبِ وَمُسْتَوْدَعٌ فِي الرَّحِمِ الْقِنْوُ الْعِذْقُ وَالِاثْنَانِ قِنْوَانِ وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا قِنْوَانٌ مِثْلُ صِنْوٍ وَ صِنْوَانٍ الشرح: قوله: (قال ابن عباس: ثم لم تكن فتنتهم معذرتهم) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عنه. وقال معمر عن قتادة فتنتهم مقالتهم، قال وسمعت من يقول " معذرتهم " أخرجه عبد الرزاق. وأخرج عبد بن حميد عن يونس عن شيبان عن قتادة في قوله: قوله: (معروشات ما يعرش من الكرم وغير ذلك) كذا ثبت لغير أبي ذر، وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله: قوله: (حمولة ما يحمل عليها) وصله ابن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (حمولة وفرشا) فأما الحمولة فالإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه. وقال أبو عبيدة الفرش صغار الإبل التي لم تدر ولم يحمل عليها. وقال معمر عن قتادة عن الحسن: الحمولة ما حمل عليه منها، والفرش حواشيها يعني صغارها. قال قتادة: وكان غير الحسن يقول: الحمولة الإبل والبقر والفرش الغنم، أحسبه ذكره عن عكرمة أخرجه عبد الرزاق، وعن ابن مسعود: الحمولة ما حمل من الإبل، والفرش الصغار أخرجه الطبري وصححه الحاكم. قوله: (وللبسنا لشبهنا) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: قوله: (لأنذركم به أهل مكة) هكذا رأيته في " مستخرج أبي نعيم " في هذا الموضع، وكذا ثبت عند النسفي، وصله ابن أبي حاتم من طريق علي ابن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى (وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به) يعني أهل مكة، وقوله: (ومن بلغ) قال ومن بلغه هذا القرآن من الناس فهو له نذير. قوله: (وينأون يتباعدون) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله وصححه الحاكم من هذا الوجه. قوله: (تبسل تفضح) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: وروى عبد بن حميد من طريق مجاهد (أن تبسل) أي تسلم، ومن طريق قتادة تحبس. قوله: (أبسلوا أفضحوا) كذا فيه من الرباعي وهي لغة، يقال فضح وأفضح، وروى ابن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: قوله: (باسطو أيديهم، البسط الضرب) وصله ابن أبي حاتم أيضا من هذا الوجه عن ابن عباس في قوله (والملائكة باسطو أيديهم) قال: هذا عند الموت، والبسط الضرب. صلى الله عليه وسلم (استكثرتم أضللتم كثيرا) وصله ابن أبي حاتم أيضا كذلك. قوله: (مما ذرأ من الحرث جعلوا لله من ثمراتهم ومالهم نصيبا، وللشيطان والأوثان نصيبا) وصله ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس في قوله: والأنعام التي سمى الله هي البحيرة والسائبة كما تقدم تفسيرها في المائدة، وقد تقدم في أخبار الجاهلية قول ابن عباس: إن سرك أن تعلم جهل العرب فأشار إلى هذه الآية. قوله: (أكنة واحدها كنان) ثبت هذا لأبي ذر عن المستملي، وهو قول أبي عبيدة، قال في قوله تعالى قوله: (سرمدا دائما) كذا وقع هنا، وليس هذا في الأنعام وإنما هو في سورة القصص، قال أبو عبيدة في قوله تعالى وقال الكرماني كأنه ذكره هنا لمناسبة قوله تعالى في هذه السورة (وجاعل الليل سكنا) . قوله: (وقرا صمم) قال أبو عبيدة في قوله تعالى وقال معمر عن قتادة في قوله: قوله: (وأما الوقر) أي بكسر الواو (فإنه الحمل) هو قول أبي عبيدة قاله متصلا بكلامه الذي قبله فقال: الوقر الحمل إذا كسرته. وأفاد الراغب الوقر حمل الحمار، والرسق حمل الجمل، والمعنى على قراءة الكسر أن في آذانهم شيئا يسدها عن استماع القول ثقيلا كوقو البعير. قوله: (أساطير واحدها أسطورة وأسطارة وهي الترهات) هو كلام أبي عبيدة أيضا، قال في قوله والترهات بضم أوله وتشديد الراء أصلها بنيات الطريى، وقيل إن تاءها منقلبة من واو وأصلها الوره وهو الحمق. قوله: (البأساء من البأس ويكون من البؤس) هو معنى كلام أبي عبيدة، قال في قوله تعالى (فأخذناهم بالبأساء) هي البأس من الخير والشر، والبؤس انتهى. والبأس الشدة والبؤس الفقر، وقيل البأس القتل والبؤس الضر. قوله: (جهرة معاينة) قال أبو عبيدة في قوله: قوله: (الصور جماعة صورة كقولك سورة وسور) بالصاد أولا وبالسين ثانيا كذا للجميع إلا في رواية أبي أحمد الجرجاني ففيها كقوله " صورة وصور " بالصاد في الموضعين، والاختلاف في سكون الواو وفتحها، قال أبو عبيدة في قوله تعالى والثابت في الحديث أن الصور قرن ينفخ فيه، وهو واحد لا اسم جمع، وحكى الفراء الوجهين وقال في الأول: فعلى هذا فالمراد النفخ في الموتى، وذكر الجوهري في الصحاح أن الحسن قرأها بفتح الواو، وسبق النحاس فقال: ليست بقراءة، وأثبتها أبو البقاء العكبري قراءة في كتابه " إعراب الشواذ " وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى. قوله: (يقال على الله حسبانه) أي حسابه، تقدم هذا في بدء الخلق، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وعن الأخفش قال: حسبان جمع حساب مثل شهبان جمع شهاب. قوله: (تعالى علا) وقع في " مستخرج أبي نعيم " تعالى الله علا الله، وهو في رواية النسفي أيضا. قوله: (حسبانا مرامى ورجوما للشياطين) تقدم الكلام عليه في بدء الخلق. قوله: (جن أظلم) قال أبو عبيدة في قوله تعالى قوله: (مستقر في الصلب ومستودع في الرحم) هكذا وقع هنا، وقد قال معمر عن قتادة في قوله (فمستقر ومستودع) قال مستقر في الرحم ومستودع في الصلب، أخرجه عبد الرزاق. وأخرج سعيد ابن منصور من حديث ابن عباس مثله بإسناد صحيح وصححه الحاكم. وقال أبو عبيدة: مستقر في صلب الأب ومستودع في رحم الأم، وكذا أخرج عبد بن حميد من حديث محمد بن الحنفية، وهذا موافق لما عند المصنف مخالف لما تقدم. وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال: مستقرها في الدنيا ومستودعها في الآخرة، وللطبراني من حديثه: المستقر الرحم والمستودع الأرض. (تنبيه) : قرأ أبو عمرو وابن كثير (فمستقر) بكسر القاف والباقون بفتحها، وقرأ الجميع (مستودع) بفتح الدال إلا رواية عن أبي عمرو فبكسرها. قوله: (القنو العذق، والاثنان قنوان، والجماعة أيضا مثل صنوان وصنوان) كذا وقع لأبي ذر تكرير صنوان الأولى مجرورة النون والثانية مرفوعة، وسقطت الثانية لغير أبي ذر. ويوضح المراد كلام أبي عبيدة الذي هو منقول منه، قال أبو عبيدة في قوله تعالى وحاصله أن من وقف على قنوان وصنوان وقع الاشتراك اللفظي في إرادة التثنية والجمع، فإذا وصل ظهر الفرق، فيقع الإعراب على النون في الجمع دون التثنية فإنها مكسورة النون خاصة، ويقع الفرق أيضا بانقلاب الألف في التثنية حال الجر والنصب بخلافها في الجمع، وكذا بحذف نون التثنية في الإضافة بخلاف الجمع. (تنبيه) : قرأ الجمهور (قنوان) بكسر القاف، وقرأ الأعمش والأعرج - وهي رواية عن أبي عمرو - بضمها وهي لغة قيس، وعن أبي عمرو رواية أيضا بفتح القاف، وخرجها ابن جني على أنها اسم لقنو لا جمع، وفي الشواذ قراءة أخرى. قوله: (ملكوت وملك رهبوت رحموت، وتقول ترهب خير من أن ترحم) كذا لأبي ذر، وفيه تشويش، ولغيره ملكوت ملك، مثل رهبوت خير من رحموت، وتقول ترهب خير من أن ترحم، وهذا هو الصواب. فسر معنى ملكوت بملك وأشار إلى أن وزنه رهبوت ورحموت، ويوضحه كلام أبي عبيدة فإنه قال في قوله تعالى (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) أي ملك السماوات، خرج مخرج قوله في المثل رهبوت خير من رحموت، أي رهبة خير من رحمة، انتهى. وقرأ الجمهور ملكوت بفتح اللام، وقرأ أبو السماك بسكونها، وروي عن بن حميد والطبري عن عكرمة قال قوله: (وإن تعدل تقسط لا يقبل منها في ذلك اليوم) وقع هذا في رواية أبي ذر وحده، وقد حكاه الطبري واستنكره، وفسر أبو عبيدة العدل بالتوبة قال: لأن التوبة إنما تنفع في حال الحياة، والمشهور ما روى معمر عن قتادة في قوله تعالى قوله: (أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين، يعني هل تشمل إلا على ذكر أو أنثى، فلم تحرمون بعضا وتحلون بعضا) كذا وقع لأبي ذر هنا، ولغيره في أوائل التفاسير وهو أصوب، وهو إردافه على تفاسير ابن عباس، فقد وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله، ووقع عند كثير من الرواة " فلم تحرموا ولم تحللوا " بغير نون فيهما، وحذف النون بغير ناصب ولا جازم لغة. وقال الفراء قوله: قوله: (مسفوحا مهراقا) وقع هذا للكشميهني، وهو تفسير أبي عبيدة في قوله تعالى قوله: (صدف أعرض) قال أبو عبيدة في قوله تعالى قوله: (أبلسوا أويسوا) كذا للكشميهني، ولغيره أيسوا بغير واو، قال أبو عبيدة في قوله تعالى وقال الفراء: قوله: قوله: (أبسلوا أسلموا) قال أبو عبيدة في قوله تعالى قوله: (استهوته أضلته) هو تفسير قتادة أخرجه عبد الرزاق. وقال أبو عبيدة في قوله تعالى قوله: (تمترون تشكون) قال أبو عبيدة في قوله تعالى وكذا أخرجه الطبري من طريق أسباط عن السدي. قوله: (يقال على الله حسبانه) أي حسابه، كذا لأبي ذر، أعاده هنا وقد تقدم قبل. *3* الشرح: قوله: (باب وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) المفاتح جمع مفتح بكسر الميم الآلة التي يفتح بها، مثل منجل ومناجل، وهي لغة قليلة في الآلة، والمشهور مفتاح بإثبات الألف وجمعه مفاتيح بإثبات الياء، وقد قرئ بها في الشواذ، قرأ ابن السميع (وعنده مفاتيح الغيب) وقيل بل هو جمع مفتح بفتح الميم وهو المكان. ويؤيده تفسير السدي فيما رواه الطبري قال: مفاتح الغيب خزائن الغيب، وجوز الواحدي أنه جمع مفتح بفتح الميم على أنه مصدر بمعنى الفتح، أي وعنده فتوح الغيب أي يفتح الغيب على من يشاء من عباده، ولا يخفى بعد هذا التأويل للحديث المذكور في الباب، وأن مفاتح الغيب لا يعلمها أحد إلا الله سبحانه وتعالى. وروى الطبري من طريق ابن مسعود قال: أعطي نبيكم صلى الله عليه وسلم علم كل شيء إلا مفاتح الغيب، ويطلق المفتاح على ما كان محسوسا مما يحل غلقا كالقفل، وعلى ما كان معنويا كما جاء في الحديث " إن من الناس مفاتيح للخير " الحديث صححه ابن حبان من حديث أنس ثم ذكر المصنف في الباب حديث ابن عمر " مفاتح الغيب خمس " أورده مختصرا، وساقه في تفسير سورة لقمان مطولا، وسيأتي شرحه هناك مستوفى إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنْزِلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الشرح: قوله: (باب وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) المفاتح جمع مفتح بكسر الميم الآلة التي يفتح بها، مثل منجل ومناجل، وهي لغة قليلة في الآلة، والمشهور مفتاح بإثبات الألف وجمعه مفاتيح بإثبات الياء، وقد قرئ بها في الشواذ، قرأ ابن السميع (وعنده مفاتيح الغيب) وقيل بل هو جمع مفتح بفتح الميم وهو المكان. ويؤيده تفسير السدي فيما رواه الطبري قال: مفاتح الغيب خزائن الغيب، وجوز الواحدي أنه جمع مفتح بفتح الميم على أنه مصدر بمعنى الفتح، أي وعنده فتوح الغيب أي يفتح الغيب على من يشاء من عباده، ولا يخفى بعد هذا التأويل للحديث المذكور في الباب، وأن مفاتح الغيب لا يعلمها أحد إلا الله سبحانه وتعالى. وروى الطبري من طريق ابن مسعود قال: أعطي نبيكم صلى الله عليه وسلم علم كل شيء إلا مفاتح الغيب، ويطلق المفتاح على ما كان محسوسا مما يحل غلقا كالقفل، وعلى ما كان معنويا كما جاء في الحديث " إن من الناس مفاتيح للخير " الحديث صححه ابن حبان من حديث أنس ثم ذكر المصنف في الباب حديث ابن عمر " مفاتح الغيب خمس " أورده مختصرا، وساقه في تفسير سورة لقمان مطولا، وسيأتي شرحه هناك مستوفى إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله: (باب قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم الآية، يلبسكم يخلطكم من الالتباس يلبسوا يخلطوا) هو من كلام أبي عبيدة في الموضعين " وعند ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي مثله. قوله: (شيعا فرقا) هو كلام أبي عبيدة أيضا وزاد: واحدتها شيعة، وللطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (شيعا) قال الأهواء المختلفة. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعُوذُ بِوَجْهِكَ قَالَ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قَالَ أَعُوذُ بِوَجْهِكَ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا أَهْوَنُ أَوْ هَذَا أَيْسَرُ الشرح: قوله: (عن جابر) وقع في الاعتصام من وجه آخر عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت جابرا، وكذا للنسائي من طريق معمر عن عمرو بن دينار. قوله: (عذابا من فوقكم قال أعوذ بوجهك) زاد الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد عن عمرو " الكريم " في الموضعين. قوله: (هذا أهون أو هذا أيسر) هو شك من الراوي، والضمير يعود على الكلام الأخير. ووقع في الاعتصام " هاتان أهون أو أيسر " أي خصلة الالتباس وخصلة إذاقة بعضهم بأس بعض، وقد روى ابن مردويه من حديث ابن عباس ما يفسر به حديث جابر ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعا، فرفع عنهم ثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين: دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض وأن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الخسف والرجم، وأبى أن يرفع عنهم الأخريين " فيستفاد من هذه الرواية المراد بقوله: وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي عن شيوخه أيضا أن المراد بالعذاب من فوق الرجم ومن تحت الخسف. وأخرج من طريق ابن عباس أن المراد بالفوق أئمة السوء وبالتحت خدم السوء. وقيل المراد بالفوق حبس المطر وبالتحت منع الثمرات. والأول هو المعتمد. وفي الحديث دليل على أن الخسف والرجم لا يقعان في هذه الأمة، وفيه نظر روى أحمد والطبري من حديث أبي ابن كعب في هذه الآية وأجيب بأن طريق الجمع أن الإعادة المذكورة في حديث جابر وغيره مقيدة بزمان مخصوص وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة، وأما بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم، وقد روى أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية وعند أحمد بإسناد صحيح حديث صحار - بالمهملتين أوله مضموم مع التخفيف - العبدي رفعه قال " لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل " الحديث، وسيأتي في كتاب الأشربة في الكلام على حديث أبي مالك الأشعري ذكر الخسف والمسخ أيضا، وللترمذي من حديث عائشة مرفوعا " يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف " ولابن أبي خيثمة من طريق هشام بن الغازي بن ربيعة الجرشي عن أبيه عن جده رفعه " يكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف " الحديث. وورد فيه أيضا عنه عن علي وعن أبي هريرة عند وعن عثمان عند وعن ابن مسعود وابن عمر وابن عمرو وسهل بن سعد عند ابن ماجه، وعن أبي أمامة عند أحمد، وعن عبادة عند ولده، وعن أنس عند البزار، وعن عبد الله بن بسر وسعيد بن أبي راشد عند الطبراني في الكبير، وعن ابن عباس وأبي سعيد عنده في الصغير، وفي أسانيدها مقال غالبا لكن يدل مجموعها على أن لذلك أصلا، ويحتمل في طريق الجمع أيضا أن يكون المراد أن ذلك لا يقع لجميعهم وإن وقع لأفراد منهم غير مقيد بزمان كما في خصلة العدو الكافر والسنة العامة فإنه ثبت في صحيح مسلم من حديث ثوبان رفعه في حديث بأوله " إن الله زوي لي مشارق الأرض ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها " الحديث، وفيه " وإني سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من غير أنفسهم. أن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض، فقال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من غيرهم يستبيح بيضتهم حتى يكون بعضهم يهلك بعضا " وأخرج الطبري من حديث شداد نحوه بإسناد صحيح. فلما كان تسليط العدو الكافر قد يقع على بعض المؤمنين لكنه لا يقع عموما فكذلك الخسف والقذف، ويؤيد هذا الجمع ما روى الطبراني من مرسل الحسن قال " لما نزلت وكأن من قوله " وهذان إلخ " من كلام الحسن. وقد وردت الاستعاذة من خصال أخرى: منها عن ابن عباس عند ابن مردويه مرفوعا " سألت ربي لأمتي أربعا فأعطاني اثنتين ومنعني اثنتين: سألته أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض فرفعهما " الحديث، ومنها حديث سعد بن أبي وقاص عند مسلم مرفوعا " سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " وعند الطبري من حديث جابر بن سمرة نحوه لكن بلفظ " أن لا يهلكوا جوعا " وهذا مما يقوي أيضا الجمع المذكور، فإن الغرق والجوع قد يقع لبعض دون بعض، لكن الذي حصل منه الأمان أن يقع عاما، وعند الترمذي وابن مردويه من حديث خباب نحوه وفيه " وأن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا " وكذا في حديث نافع بن خالد الخزاعي عن أبيه عند الطبراني وعند أحمد من حديث أبي بصرة بالباء والصاد المهملة نحوه، لكن قال بدل خصلة الإهلاك " أن لا يجمعهم على ضلالة " وكذا للطبري من مرسل الحسن، ولابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة رفعه " سألت ربي لأمتي أربعا فأعطاني ثلاثا ومنعني واحدة: سألته أن لا يكفر أمتي جملة فأعطانيها، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " وللطبراني من طريق السدي مرسلا نحوه، ودخل في قوله " بما عذب به الأمم قبلهم " الغرق كقوم نوح وفرعون، والهلاك بالريح كعاد، والخسف كقوم لوط وقارون، والصيحة كثمود وأصحاب مدين، والرجم كأصحاب الفيل وغير ذلك مما عذبت به الأمم عموما. وإذا جمعت الخصال المستعاذ منها من هذه الأحاديث التي سقتها بلغت نحو العشرة. وفي حديث الباب أيضا أنه صلى الله عليه وسلم سأل رفع الخصلتين الأخيرتين فأخبر بأن ذلك قد قدر من قضاء الله وأنه لا يرد، وأما ما زاده الطبراني من طريق أبي الزبير عن جابر في حديث الباب بعد قوله قال ليس هذا قال " ولو استعاذه لأعاذه " فهو محمول على أن جابرا لم يسمع بقية الحديث وحفظه سعد بن أبي وقاص وغيره، ويحتمل أن يكون قائل " ولو استعاذه إلخ " بعض رواته دون جابر والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) ذكر فيه حديث سليمان وهو الأعمش عن إبراهيم وهو النخعي عن علقمة وهو ابن قيس عن عبد الله وهو ابن مسعود قال " لما نزلت الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالَ أَصْحَابُهُ وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ فَنَزَلَتْ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ الشرح: وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإيمان بما أغنى عن إعادته. *3* الشرح: قوله: (باب قوله ويونس ولوط) ذكر فيه حديثي ابن عباس وأبي هريرة " ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى الشرح: قوله: (باب قوله ويونس ولوط) ذكر فيه حديثي ابن عباس وأبي هريرة " ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى الشرح: قوله: (باب قوله ويونس ولوط) ذكر فيه حديثي ابن عباس وأبي هريرة " ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء.
|