الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَفَخَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُجُودِهِ فِي كُسُوفٍ الشرح: قوله: (باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة) وجه التسوية بينهما أنه ربما ظهر من كل منهما حرفان وهما أقل ما يتألف منه الكلام، وأشار المصنف إلى أن بعض ذلك يجوز وبعضه لا يجوز، فيحتمل أنه يرى التفرقة بين ما إذا حصل من كل منهما كلام مفهوم أم لا، أو الفرق ما إذا كان حصول ذلك محققا ففعله يضر وإلا فلا. قوله: (ويذكر عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص (نفخ النبي صلى الله عليه وسلم في سجوده في كسوف) هذا طرف من حديث أخرجه أحمد وصححه ابن خزيمة والطبري وابن حبان من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال " كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام وقمنا معه " الحديث بطوله، وفيه " وجعل ينفخ في الأرض ويبكي وهو ساجد " وذلك في الركعة الثانية، وإنما ذكره البخاري بصيغة التمريض لأن عطاء بن السائب مختلف في الاحتجاج به وقد اختلط في آخر عمره، لكن أخرجه ابن خزيمة من رواية سفيان الثوري عنه وهو ممن سمع منه قبل اختلاطه، وأبوه وثقه العجلي وابن حبان وليس هو من شرط البخاري، ثم أورد البخاري في الباب حديث ابن عمر وحديث أنس في النهي عن البزاق في القبلة، فأما حديث ابن عمر فقوله فيه " إن الله قبل أحدكم " بكسر القاف وفتح الموحدة أي مواجهة، وقد تقدم في " باب حك البزاق باليد من المسجد " من أبواب المساجد مع الكلام عليه، وزاد في هذه الرواية " فتغيظ على أهل المسجد " ففيه جواز معاتبة المجموع على الأمر الذي ينكر وإن كان الفعل صدر من بعضهم لأجل التحذير من معاودة ذلك. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَتَغَيَّظَ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قِبَلَ أَحَدِكُمْ فَإِذَا كَانَ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَبْزُقَنَّ أَوْ قَالَ لَا يَتَنَخَّمَنَّ ثُمَّ نَزَلَ فَحَتَّهَا بِيَدِهِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا بَزَقَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْزُقْ عَلَى يَسَارِهِ الشرح: قوله: (فلا يبزقن أو قال لا يتنخمن) في رواية الإسماعيلي " لا يبزقن أحدكم بين يديه". قوله فيه (وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إذا بزق أحدكم فليبزق على يساره) في رواية الكشميهني " عن يساره " هكذا ذكره موقوفا ولم تتقدم هذه الزيادة من حديث ابن عمر، لكن وقع عند الإسماعيلي من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل عن حماد بن زيد بلفظ " لا يبزقن أحدكم بين يديه، ولكن ليبزق خلفه أو عن شماله أو تحت قدمه " فساقه كله معطوفا بعضه على بعض، وقد بينت رواية البخاري أن المرفوع منه انتهى إلى قوله " فلا يبزقن بين يديه " والباقي موقوف. وقد اقتصر مسلم وأبو داود وغيرهما على المرفوع منه مع أن هذا الموقوف عن ابن عمر قد ثبت مثله من حديث أنس مرفوعا، وقد تقدم الكلام على فوائد الحديث في الباب الذي أشرت إليه قبل وفيما بعده، قال ابن بطال: وروي عن مالك كراهة النفخ في الصلاة، ولا يقطعها كما يقطعها الكلام، هو قول أبي يوسف وأشهب وأحمد وإسحاق، وفي المدونة: النفخ بمنزلة الكلام يقطع الصلاة. وعن أبي حنيفة ومحمد: إن كان يسمع فهو بمنزلة الكلام وإلا فلا، قال والقول الأول أولى، وليس في النفخ من النطق بالهمزة والفاء أكثر مما في البصاق من النطق بالتاء والفاء، قال وقد اتفقوا على جواز البصاق في الصلاة فدل على جواز النفخ فيها إذ لا فرق بينهما، ولذلك ذكره البخاري معه في الترجمة انتهى كلامه، ولم يذكر قول الشافعية في ذلك والمصحح عندهم أنه إن ظهر من النفخ أو التنخم أو البكاء أو الأنين أو التأوه أو التنفس أو الضحك أو التنحنح حرفان بطلت الصلاة وإلا فلا، قال ابن دقيق العيد: ولقائل أن يقول لا يلزم من كون الحرفين يتألف منهما الكلام أن يكون كل حرفين كلاما، وإن لم يكن كذلك فالإبطال به لا يكون بالنص بل بالقياس فليراع شرطه في مساواة الفرع للأصل، قال: والأقرب أن ينظر إلى مواقع الإجماع والخلاف حيث لا يسمى الملفوظ به كلاما فما أجمع على إلحاقه بالكلام ألحق به وما لا فلا. قال: ومن ضعيف التعليل قولهم إبطال الصلاة بالنفخ بأنه يشبه الكلام فإنه مردود لثبوت السنة الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم نفخ في الكسوف انتهى. وأجيب بأن نفخه صلى الله عليه وسلم محمول على أنه لم يظهر منه شيء من الحروف، ورد بما ثبت في أبي داود من حديث عبد الله بن عمرو فإن فيه " ثم نفخ في آخر سجوده فقال أف أف " فصرح بظهور الحرفين. وفي الحديث أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال " وعرضت علي النار فجعلت أنفخ خشية أن يغشاكم حرها " والنفخ لهذا الغرض لا يقع إلا بالقصد إليه فانتفى قول من حمله على الغلبة، والزيادة المذكورة من رواية حماد بن سلمة عن عطاء وقد سمع منه قبل الاختلاط في قول يحيى بن معين وأبي داود والطحاوي وغيرهم. وأجاب الخطابي أن أف لا تكون كلاما حتى يشدد الفاء، قال: والنافخ في نفخه لا يخرج الفاء صادقة من مخرجها، وتعقبه ابن الصلاح بأنه لا يستقيم على قول الشافعية أن الحرفين كلام مبطل أفهما أو لم يفهما، وأشار البيهقي إلى أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ورد بأن الخصائص لا تثبت إلا بدليل. (تنبيهان) : الأول: نقل ابن المنذر الإجماع على أن الضحك يبطل الصلاة ولم يقيده بحرف ولا حرفين، وكأن الفرق ببن الضحك والبكاء أن الضحك يهتك حرمة الصلاة بخلاف البكاء ونحوه، ومن ثم قال الحنفية وغيرهم إن كان البكاء من أجل الخوف من الله تعالى لا تبطل به الصلاة مطلقا. (الثاني) ورد في كراهة النفخ في الصلاة حديث مرفوع أخرجه الترمذي من حديث أم سلمة قالت " رأى النبي صلى الله عليه وسلم غلاما لنا يقال له أفلح إذا سجد نفخ، فقال: يا أفلح ترب وجهك " رواه الترمذي وقال: ضعيف الإسناد. قلت: ولو صح لم يكن فيه حجة على إبطال الصلاة بالنفخ لأنه لم بأمره بإعادة الصلاة، إنما يستفاد من قوله ترب وجهك استحباب السجود على الأرض فهو نحو النهي عن مسح الحصى. وفي الباب عن أبي هريرة في الأوسط للطبراني وعن زيد بن ثابت عند البيهقي وعن أنس وبريدة عند البزار وأسانيد الجميع ضعيفة جدا، وثبت كراهة النفخ عن ابن عباس كما رواه ابن أبي شيبة، والرخصة فيه عن قدامة بن عبد الله أخرجه البيهقي. *3* فِيهِ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (باب من صفق جاهلا من الرجال في صلاته لم تفسد صلاته، فيه سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم) يشير بذلك إلى حديثه الآتي بعد بابين، لكنه بلفظ " ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم بالتصفيح"، وسيأتي في آخر باب من أبواب السهو، بلفظ " التصفيق"، ومناسبته للترجمة من جهة أنه لم يأمرهم بالإعادة. *3* الشرح: قوله: (باب إذا قيل للمصلي تقدم أو انتظر فانتظر فلا بأس) قال الإسماعيلي: كأنه ظن المخاطبة للنساء وقعت بذلك وهن في الصلاة، وليس كما ظن، بل هو شيء قيل لهن قبل أن يدخلن في الصلاة انتهى. والجواب عن البخاري أنه لم يصرح بكون ذلك قيل لهن وهن داخل الصلاة بل مقصوده بقول ذلك لهن داخل الصلاة أو خارجها. والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم وصاهن بنفسه أو بغيره بالانتظار المذكور قبل أن يدخلن في الصلاة ليدخلن فيها على علم ويحصل المقصود من حيث انتظارهن الذي أمرن به فإن فيه انتظارهن للرجال ومن لازمه تقدم الرجال عليهن، ومحصل مراد البخاري أن الانتظار إن كان شرعيا جاز وإلا فلا. قال ابن بطال: قوله " تقدم " أي قبل رفيقك وقوله " انتظر " أي تأخر عنه. استنبط ذلك من قوله للنساء " لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا " فيقتضي امتثال ذلك تقدم الرجال عليهن وتأخرهن عنهم. وفيه من الفقه جواز وقوع فعل المأموم بعد الإمام، وجواز سبق المأمومين بعضهم بعضا في الأفعال، وجواز التربص في أثناء الصلاة لحق الغير ولغير مقصود الصلاة. ويستفاد منه جواز انتظار الإمام في الركوع لمن يدرك الركعة وفي التشهد لمن يدرك الجماعة. وفرع ابن المنير على أنه قيل ذلك للنساء داخل الصلاة فقال: فيه جواز إصغاء المصلي في الصلاة لمن يخاطبه المخاطبة الخفيفة. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ عَاقِدُو أُزْرِهِمْ مِنْ الصِّغَرِ عَلَى رِقَابِهِمْ فَقِيلَ لِلنِّسَاءِ لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا الشرح: قوله: (حدثنا محمد بن كثير) هو العبدي البصري، ولم يخرج البخاري للكوفي ولا للشامي ولا للصغاني شيئا. وسفيان هو الثوري. وقد تقدم الكلام على المتن في أوائل كتاب الصلاة. *3* الشرح: قوله: (باب لا يرد السلام في الصلاة) أي باللفظ المتعارف، لأنه خطاب آدمي. واختلف فيما إذا رده بلفظ الدعاء كأن يقول: اللهم اجعل على من سلم علي السلام. ثم أورد المصنف حديث عبد الله وهو ابن مسعود في ذلك، وقد تقدم قريبا في باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة. ثم أورد حديث جابر، وهو دال على أن الممتنع الرد باللفظ. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ لَهُ فَانْطَلَقْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ قَضَيْتُهَا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَيَّ أَنِّي أَبْطَأْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَشَدُّ مِنْ الْمَرَّةِ الْأُولَى ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ فَقَالَ إِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي وَكَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ الشرح: قوله: (شنظير) بكسر المعجمة وسكون النون بعدها ظاء معجمة مكسورة وهو علم على والد كثير، وهو في اللغة السيئ الخلق. قوله: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة) بين مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر أن ذلك كان في غزوة بني المصطلق. قوله: (فلم يرد علي) في رواية مسلم المذكورة " فقال لي بيده هكذا " وفي رواية له أخرى " فأشار إلي " فيحمل قوله في حديث الباب " فلم يرد علي " أي باللفظ. وكأن جابرا لم يعرف أولا أن المراد بالإشارة الرد عليه فلذلك قال " فوقع في قلبي ما الله أعلم به " أي من الحزن. وكأنه أبهم ذلك إشعارا بأنه لا يدخل من شدته تحت العبارة. قوله: (وجد) بفتح أوله والجيم أي غضب. قوله: (أني أبطأت) في رواية الكشميهني " أن أبطأت " بنون خفيفة. قوله: (ثم سلمت عليه فرد علي) أي بعد أن فرغ من صلاته. قوله: (وقال: ما منعني أن أرد عليك) أي السلام (إلا أني كنت أصلي) ولمسلم " فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه على غير القبلة " وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم كراهة ابتداء السلام على المصلي لكونه ربما شغل بذلك فكره واستدعى منه الرد وهو ممنوع منه، وبذلك قال جابر راوي الحديث، وكرهه عطاء والشعبي ومالك في رواية ابن وهب. وقال في المدونة: لا يكره، وبه قال أحمد والجمهور وقالوا: يرد إذا فرغ من الصلاة - أو وهو فيها - بالإشارة. وسيأتي اختلافهم في الإشارة في أواخر أبواب سجود السهو. *3* الشرح: قوله: (باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به) ذكر فيه حديث سهل بن سعد من رواية عبد العزيز عن أبي حازم، وعبد العزيز هذا هو ابن أبي حازم. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ فَخَرَجَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَحُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ بِلَالٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حُبِسَ وَقَدْ حَانَتْ الصَّلَاةُ فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ قَالَ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ فَأَقَامَ بِلَالٌ الصَّلَاةَ وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيحِ قَالَ سَهْلٌ التَّصْفِيحُ هُوَ التَّصْفِيقُ قَالَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ الْتَفَتَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ أَخَذْتُمْ بِالتَّصْفِيحِ إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ يَنْبَغِي لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (وحانت الصلاة) الواو فيه حالية. وفي رواية الكشميهني " وقد حانت الصلاة". قوله: (إن شئت) في رواية الحموي " إن شئتم". قوله: (من الصف) في رواية الكشميهني " في الصف". قوله: (فرفع أبو بكر يده) في رواية الكشميهني " يديه " بالتثنية، وهذا موضع الترجمة. ويؤخذ منه أن رفع اليدين للدعاء ونحوه في الصلاة لا يبطلها ولو كان في غير موضع الرفع لأنها هيئة استسلام وخضوع، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على ذلك. قوله: (حيث أشرت عليك) وفي رواية الكشميهني " حين أشرت إليك " وقد تقدم الكلام على فوائده كما أشرت إليه قريبا. *3* الشرح: قوله: (باب الخصر في الصلاة) بفتح المعجمة وسكون المهملة أي حكم الخصر، والمراد وضع اليدين عليه في الصلاة. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نُهِيَ عَنْ الْخَصْرِ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ هِشَامٌ وَأَبُو هِلَالٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (حدثنا حماد) هو ابن زيد ومحمد هو ابن سيرين. قوله: (نهي) بضم النون على البناء للمجهول وفاعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في رواية هشام. قوله: (وقال هشام) يعني ابن حسان (وأبو هلال) يعني الراسبي (عن ابن سيرين إلخ) أما رواية هشام وهو ابن حسان فوصلها المؤلف في الباب، لكن وقع في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي " نهى " على البناء للفاعل ولم يسمه، وسماه الكشميهني في روايته، وقد رواه مسلم والترمذي من طريق أبي أسامة عن هشام بلفظ " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصرا " وكذا رواه أبو داود من طريق محمد بن سلمة عن هشام كذلك، وبلفظ " عن الخصر في الصلاة " وأما رواية أبي هلال فوصلها الدارقطني في " الأفراد " من طريق عمرو بن مرزوق عنه بلفظ " عن الاختصار في الصلاة". قوله: (نهي) بالضم على البناء للمفعول. وفي رواية الكشميهني " نهى النبي صلى الله عليه وسلم" الحديث: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا الشرح: قوله: (متخصرا) في رواية الكشميهني " مخصرا " بتشديد الصاد، وللنسائي " مختصرا " بزيادة المثناة، وللإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب " حدثنا حماد بن زيد قال: قيل لأيوب إن هشاما روى عن محمد عن أبي هريرة قال: نهي عن الاختصار في الصلاة، فقال: إنما قال التخصر. وكأن سبب إنكار أيوب لفظ الاختصار لكونه يفهم معنى آخر غير التخصر كما سيأتي، وقد فسره ابن أبي شيبة عن أبي أسامة بالسند المذكور فقال فيه: قال ابن سيرين هو أن يضع يده على خاصرته وهو يصلي، وبذلك جزم أبو داود ونقله الترمذي عن بعض أهل العلم، وهذا هو المشهور من تفسيره. وحكى الهروي في الغريبين أن المراد بالاختصار قراءة آية أو آيتين من آخر السورة، وقيل أن يحذف الطمأنينة. وهذان القولان وإن كان أحدهما من الاختصار ممكنا لكن رواية التخصر والخصر تأباهما، وقيل الاختصار أن يحذف الآية التي فيها السجدة إذا مر بها في قراءته حتى لا يسجد في الصلاة لتلاوتها حكاه الغزالي. وحكى الخطابي أن معناه أن يمسك بيده مخصرة أي عصا يتوكأ عليها في الصلاة، وأنكر هذا ابن العربي في شرح الترمذي فأبلغ، ويؤيد الأول ما روى أبو داود والنسائي من طريق سعيد بن زياد قال: صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي، فلما صلى قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه. واختلف في حكمة النهي عن ذلك فقيل: لأن إبليس أهبط متخصرا أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال موقوفا. وقيل: لأن اليهود تكثر من فعله فنهي عنه كراهة للتشبه بهم أخرجه المصنف في ذكر بني إسرائيل عن عائشة، زد ابن أبي شيبة فيه " في الصلاة " وفي رواية له " لا تشبهوا باليهود " وقيل: لأنه راحة أهل النار أخرجه ابن أبي شيبة أيضا عن مجاهد قال " وضع اليد على الحقو استراحة أهل النار " وقيل لأنها صفة الراجز حين ينشد رواة سعيد بن منصور من طريق قيس بن عباد بإسناد حسن، وقيل لأنه فعل المتكبرين حكاه المهلب، وقيل لأنه فعل أهل المصائب حكاه الخطابي، وقول عائشة أعلى ما ورد في ذلك ولا منافاة بين الجميع. (تنبيه) : وقع في نسخة الصغاني في " باب الخصر في الصلاة ": وروي أنه استراحة أهل النار، وما أظن أن قوله روي إلخ إلا من كلامه لا من كلام البخاري، وقد ذكرت من رواه ولله الحمد، والله أعلم. *3* وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ الشرح: قوله: (باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة) الشيء بالنصب على المفعولية. والتقييد بالرجل لا مفهوم له لأن بقية المكلفين في حكم ذلك سواء، قال المهلب: التفكر أمر غالب لا يمكن الاحتراز منه في الصلاة ولا في غيرها لما جعل الله للشيطان من السبيل على الإنسان، ولكن يفترق الحال في ذلك، فإن كان في أمر الآخرة والدين كان أخف مما يكون في أمر الدنيا. قوله: (وقال عمر: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة) وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي عنه بهذا سواء، قال ابن التين: إنما هذا فيما يقل فيه التفكر كأن يقول: أجهز فلانا، أقدم فلانا، أخرج من العدد كذا وكذا، فيأتي على ما يريد في أقل شيء من الفكرة. فأما أن يتابع التفكر ويكثر حتى لا يدري كم صلى بهذا اللاهي في صلاته فيجب عليه الإعادة انتهى. وليس هذا الإطلاق على وجهه، وقد جاء عن عمر ما يأباه، فروى ابن أبي شيبة من طريق عروة بن الزبير قال: قال عمر " إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة " وروى صالح بن أحمد بن حنبل في " كتاب المسائل " عن أبيه من طريق همام بن الحارث أن عمر صلى المغرب فلم يقرأ، فلما انصرف قالوا: يا أمير المؤمنين إنك لم تقرأ، فقال: إني حدثت نفسي وأنا في الصلاة بعير جهزتها من المدينة حتى دخلت الشام، ثم أعاد وأعاد القراءة. ومن طريق عياض الأشعري قال " صلى عمر المغرب فلم يقرأ، فقال له أبو موسى: إنك لم تقرأ، فأقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال: صدق، فأعاد. فلما فرغ قال: لا صلاة ليست فيها قراءة، إنما شغلني عير جهزتها إلى الشام فجعلت أتفكر فيها". وهذا يدل على أنه إنما أعاد لترك القراءة لا لكونه كان مستغرقا في الفكرة. ويؤيده ما روى الطحاوي من طريق ضمضم بن جوس عن عبد الرحمن بن حنظلة بن الراهب " إن عمر صلى المغرب فلم يقرأ في الركعة الأولى فلما كانت الثانية قرأ بفاتحة الكتاب مرتين فلما فرغ وسلم سجد سجدتي السهو " ورجال هذه الآثار ثقات، وهي محمولة على أحوال مختلفة، والأخير كأنه مذهب لعمر. ولهذه المسألة التفات إلى مسألة الخشوع في الصلاة، وقد تقدم البحث فيه في مكانه. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا عُمَرُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ فَقَالَ ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ الشرح: قوله: (حدثنا روح) هو ابن عبادة، وعمر بن سعيد هو ابن أبي حسين المكي، وقد تقدم هذا الحديث وشيء من فوائده في أواخر صفة الصلاة، وهو ظاهر فيما ترجم له لأنه صلى الله عليه وسلم تفكر في أمر التبر المذكور ثم لم يعد الصلاة. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ الْأَعْرَجِ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُذِّنَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ أَدْبَرَ فَإِذَا سَكَتَ أَقْبَلَ فَلَا يَزَالُ بِالْمَرْءِ يَقُولُ لَهُ اذْكُرْ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا فَعَلَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَسَمِعَهُ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشرح: قوله: (عن جعفر) هو ابن ربيعة المصري، وقد تقدم الكلام على المتن في أوائل أبواب الأذان مستوفى، وشاهد الترجمة قوله " حتى لا يدري كم صلى " فإنه يدل على أن التفكر لا يقدح في صحة الصلاة ما لم يترك شيئا من أركانها. قوله: (قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: إذا فعل أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو قاعد، وسمعه أبو سلمة من أبي هريرة) هذا التعليق طرف من الحديث الذي قبله في رواية أبي سلمة كما سيأتي في خامس ترجمة من أبواب السهو، لكنه من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، وربما تبادر إلى الذهن من سياق المصنف أن هذه الزيادة من رواية جعفر بن ربيعة عن أبي سلمة، وليس كذلك، وسيأتي في سادس ترجمة أيضا من طريق الزهري عن أبي سلمة لكن باختصار ذكر الأذان وهو من طريق هذين عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا بخلاف ما يوهمه سياقه هنا، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى هناك. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ النَّاسُ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَلَقِيتُ رَجُلًا فَقُلْتُ بِمَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَارِحَةَ فِي الْعَتَمَةِ فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقُلْتُ لَمْ تَشْهَدْهَا قَالَ بَلَى قُلْتُ لَكِنْ أَنَا أَدْرِي قَرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا الشرح: قوله: (قال قال أبو هريرة) في رواية الإسماعيلي " عن أبي هريرة " قوله: (يقول الناس أكثر أبو هريرة) أخرجه البيهقي في المدخل من طريق أبي مصعب عن محمد بن إبراهيم بن دينار عن ابن أبي ذئب بلفظ " إن الناس قالوا قد أكثر أبو هريرة من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني كنت ألزمه لشبع بطني، فلقيت رجلا فقلت له: بأي سورة " فذكر الحديث وقال في آخره: أخرجه البخاري عن أبي مصعب انتهى. ولم أر هذه الطريق في صحيح البخاري، وكأن البيهقي تبع أطراف خلف فإنه ذكرها، وقد قال ابن عساكر: لم أجدها ولا ذكرها أبو مسعود انتهى. ثم وجدت في مناقب جعفر صدر هذا الحديث، لكن قال بعد قوله " لشبع بطني " حين لا آكل الخمير ولا ألبس الحرير؛ فذكر قصة جعفر بن أبي طالب، فلعل البيهقي أراد هذا، وكأن المقبري وغيره من رواته كان يحدث به تاما تارة ومختصرا أخرى. وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب في أول هذا الحديث " حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءين " الحديث وفيه " إن الناس قالوا: أكثر أبو هريرة " فذكره، وقوله "حفظت إلخ " تقدم في العلم مع الكلام عليه، وتقدم في العلم أيضا من طريق الأعرج عن أبي هريرة " إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، والله لولا آيتان في كتاب الله تعالى ما حدثت " الحديث وسيأتي في أوائل البيوع من طريق سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال " إنكم تقولون إن أبا هريرة أكثر " الحديث وفيه الإشارة إلى سبب إكثاره وأن المهاجرين والأنصار كانوا يشغلهم المعاش، وهذا يدل على أنه كان يقول هذه المقالة أمام ما يريد أن يحدث به مما يدل على صحة إكثاره وعلى السبب في ذلك وعلى سبب استمراره على التحديث. قوله: (فلقيت رجلا) لم أقف على تسميته ولا على تسمية السورة، وقوله "بم " بكسر الموحدة بغير ألف لأبي ذر وهو المعروف، وللأكثر بإثبات الألف وهو قليل، أي بأي شيء. قوله: (البارحة) أي أقرب ليلة مضت. وفي هذه القصة إشارة إلى سبب إكثار أبي هريرة وشدة إتقانه وضبطه، بخلاف غيره. وشاهد الترجمة دلالة الحديث على عدم ضبط ذلك الرجل كأنه اشتغل بغير أمر الصلاة حتى نسي السورة التي قرئت، أو دلالته على ضبط أبي هريرة كأنه شغل فكره بأفعال الصلاة حتى ضبطها وأتقنها، كذا ذكر الكرماني هذين الاحتمالين، وبالأول جزم غيره والله أعلم. (خاتمة) اشتملت أبواب العمل في الصلاة من الأحاديث المرفوعة على اثنين وثلاثين حديثا، المعلق من ذلك ستة والبقية موصولة. المكرر منها فيها وفيما مضى ثلاثة وعشرون حديثا والبقية خالصة، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي برزة في قصة انفلات دابته، وحديث عبد الله بن عمرو المعلق في النفخ في السجود، وحديث أبي هريرة في التخصر، وحديثه في القراءة في العتمة. وفيه من الآثار عن الصحابة وغيرهم ستة آثار. والله أعلم. *3* بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الشرح: قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم - باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة) وللكشميهني والأصيلي وأبي الوقت " ركعتي الفرض " وسقط لفظ " باب " من رواية أبي ذر. والسهو الغفلة عن الشيء وذهاب القلب إلى غيره، وفرق بعضهم بين السهو والنسيان، وليس بشيء. واختلف في حكمه فقال الشافعية: مسنون كله، وعن المالكية السجود للنقص واجب دون الزيادة، وعن الحنابلة التفصيل بين الواجبات غير الأركان فيجب لتركها سهوا، وبين السنن القولية فلا يجب، وكذا يجب إذا سها بزيادة فعل أو قول يبطلها عمده. وعن الحنفية واجب كله وحجتهم قوله في حديث ابن مسعود الماضي في أبواب القبلة " ثم ليسجد سجدتين " ومثله لمسلم من حديث أبي سعيد والأمر للوجوب. وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم، وأفعاله في الصلاة محمولة على البيان وبيان الواجب واجب ولا سيما مع قوله " صلوا كما رأيتموني أصلي". الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ سَلَّمَ الشرح: قوله: (عن عبد الرحمن الأعرج) كذا في رواية كريمة، ولم يسم في رواية الباقين. قوله: (عن عبد الله ابن بحينة) تقدم في التشهد أن بحينة اسم أمه أو أم أبيه، وعلى هذا فينبغي أن يكتب ابن بحينة بألف. قوله: (صلى لنا) أي بنا أو لأجلنا، وقد تقدم في أبواب التشهد من رواية شعيب عن ابن شهاب بلفظ " صلى بهم " ويأتي في الأيمان والنذور من رواية ابن أبي ذئب عن ابن شهاب بلفظ " صلى بنا". قوله: (من بعض الصلوات) بين في الرواية التي تليها أنها الظهر. قوله: (ثم قام) زاد الضحاك بن عثمان عن الأعرج " فسبحوا به فمضى حتى فرغ من صلاته " أخرجه ابن خزيمة. وفي حديث معاوية عند النسائي وعقبة بن عامر عند الحاكم جميعا نحو هذه القصة بهذه الزيادة. قوله: (فلما قضى صلاته) أي فرغ منها كذا رواه مالك عن شيخه، وقد استدل به لمن زعم أن السلام ليس من الصلاة حتى لو أحدث بعد أن جلس وقبل أن يسلم تمت صلاته وهو قول بعض الصحابة والتابعين وبه قال أبو حنيفة، وتعقب بأن السلام لما كان للتحليل من الصلاة كان المصلي إذا انتهى إليه كمن فرغ من صلاته ويدل على ذلك قوله في رواية ابن ماجه من طريق جماعة من الثقات عن يحيى بن سعيد عن الأعرج " حتى إذا فرغ من الصلاة إلا أن يسلم " فدل على أن بعض الرواة حذف الاستثناء لوضوحه، والزيادة من الحافظ مقبولة. قوله: (ونظرنا تسليمه) : أي انتظرنا، وتقدم في رواية شعيب بلفظ " وانتظر الناس تسليمه " وفي هذه الجملة رد على من زعم أنه صلى الله عليه وسلم سجد في قصة ابن بحينة قبل السلام سهوا، أو أن المراد بالسجدتين سجدتا الصلاة، أو المراد بالتسليم التسليمة الثانية، ولا يخفى ضعف ذلك وبعده. قوله: (كبر قبل التسليم فسجد سجدتين) فيه مشروعية سجود السهو وأنه سجدتان فلو اقتصر على سجدة واحدة ساهيا لم يلزمه شيء أو عامدا بطلت صلاته لأنه تعمد الإتيان بسجدة زائدة ليست مشروعة، وأنه يكبر لهما كما يكبر في غيرهما من السجود. وفي رواية الليث عن ابن شهاب كما سيأتي بعد ثلاثة أبواب " يكبر في كل سجدة " وفي رواية الأوزاعي " فكبر ثم سجد ثم كبر فرفع رأسه ثم كبر فسجد ثم كبر فرفع رأسه ثم سلم " أخرجه ابن ماجه، ونحوه في رواية ابن جريج كما سيأتي بيانه عقب حديث الليث. واستدل به على مشروعية التكبير فيهما والجهر به كما في الصلاة وأن بينهما جلسة فاصلة، واستدل به بعض الشافعية على الاكتفاء بالسجدتين للسهو في الصلاة، ولو تكرر من جهة أن الذي فات في هذه القصة الجلوس والتشهد فيه وكل منهما لو سها المصلي عنه على انفراده سجد لأجله ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم سجد في هذه الحالة غير سجدتين، وتعقب بأنه ينبني على ثبوت مشروعية السجود لترك ما ذكر، ولم يستدلوا على مشروعية ذلك بغير هذا الحديث فيستلزم إثبات الشيء بنفسه وفيه ما فيه، وقد صرح في بقية الحديث بأن السجود مكان ما نسي من الجلوس كما سيأتي من رواية الليث، نعم حديث ذي اليدين دال لذلك كما سيأتي. قوله: (وهو جالس) جملة حالية متعلقة بقوله " سجد " أي أنشأ السجود جالسا. قوله: (ثم سلم) زاد في رواية يحيى بن سعيد ثم سلم بعد ذلك وزاد في رواية الليث الآتية " وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس " واستدل به على أن سجود السهو قبل السلام ولا حجة فيه في كون جميعه كذلك، نعم يرد على من زعم أن جميعه بعد السلام كالحنفية وسيأتي ذكر مستندهم في الباب الذي بعده، واستدل بزيادة الليث المذكورة على أن السجود خاص بالسهو فلو تعمد ترك شيء مما يجبر بسجود السهو لا يسجد وهو قول الجمهور، ورجحه الغزالي وناس من الشافعية، واستدل به أيضا على أن المأموم يسجد مع الإمام إذا سها الإمام وإن لم يسه المأموم، ونقل ابن حزم فيه الإجماع، لكن استثنى غيره ما إذا ظن الإمام أنه سها فسجد وتحقق المأموم أن الإمام لم يسه فيما سجد له وفي تصويرها عسر، وما إذا تبين أن الإمام محدث، ونقل أبو الطيب الطبري أن ابن سيرين استثنى المسبوق أيضا، وفي هذا الحديث أن سجود السهو لا تشهد بعده إذا كان قبل السلام وقد ترجم له المصنف قريبا وأن التشهد الأول غير واجب وقد تقدم في أواخر صفة الصلاة، وأن من سها عن التشهد الأول حتى قام إلى الركعة ثم ذكر لا يرجع فقد سبحوا به صلى الله عليه وسلم فلم يرجع، فلو تعمد المصلي الرجوع بعد تلبسه بالركن بطلت صلاته عند الشافعي خلافا للجمهور، وأن السهو والنسيان جائزان على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما طريقه التشريع، وأن محل سجود السهو آخر الصلاة فلو سجد للسهو قبل أن يتشهد ساهيا أعاد عند من يوجب التشهد الأخير وهم الجمهور. الشرح: قوله: (باب إذا صلى خمسا) قيل أراد البخاري التفرقة بين ما إذا كان السهو بالنقصان أو الزيادة، ففي الأول يسجد قبل السلام كما في الترجمة الماضية وفي الزيادة يسجد بعده، وبالتفرقة هكذا قال مالك والمزني وأبو ثور من الشافعية، وزعم ابن عبد البر أنه أولى من قول غيره للجمع بين الخبرين قال: وهو موافق للنظر لأنه في النقص جبر فينبغي أن يكون من أصل الصلاة، وفي الزيادة ترغيم للشيطان فيكون خارجها. وقال ابن دقيق العيد: لا شك أن الجمع أولى من الترجيح وادعاء النسخ، ويترجح الجمع المذكور بالمناسبة المذكورة، وإذا كانت المناسبة ظاهرة وكان الحكم على وفقها. كانت علة فيعم الحكم جميع محالها فلا تخصص إلا بنص، وتعقب بأن كون السجود في الزيادة ترغيما للشيطان فقط ممنوع، بل هو جبر أيضا لما وقع من الخلل، فإنه وإن كان زيادة فهو نقص في المعنى، وإنما سمى النبي صلى الله عليه وسلم سجود السهو ترغيما للشيطان في حالة الشك كما في حديث أبي سعد عند مسلم. وقال الخطابي: لم يرجع من فرق بين الزيادة والنقصان إلى فرق صحيح. وأيضا فقصة ذي اليدين وقع السجود فيها بعد السلام وهي عن نقصان، وأما قول النووي: أقوى المذاهب فيها قول مالك ثم أحمد، فقد قال غيره: بل طريق أحمد أقوى لأنه قال يستعمل كل حديث فيما ورد فيه، وما لم يرد فيه شيء يسجد قبل السلام، قال: ولولا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لرأيته كله قبل السلام، لأنه من شأن الصلاة فيفعله قبل السلام. وقال إسحاق مثله، إلا أنه قال: ما لم يرد فيه شيء يفرق فيه بين الزيادة والنقصان، فحرر مذهبه من قولي أحمد ومالك، وهو أعدل المذاهب فيما يظهر. وأما داود فجرى على ظاهريته فقال: لا يشرع سجود السهود إلا في المواضع التي سجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقط. وعند الشافعي سجود السهو كله قبل السلام. وعند الحنفية كله بعد السلام، واعتمد الحنفية على حديث الباب. وتعقب بأنه لم يعلم بزيادة الركعة إلا بعد السلام حين سألوه: هل زيد في الصلاة؟ وقد اتفق العلماء في هذه الصورة على أن سجود السهو بعد السلام لتعذره قبله لعدم علمه بالسهو، وإنما تابعه الصحابة لتجويزهم الزيادة في الصلاة لأنه كان زمان توقع النسخ. وأجاب بعضهم بما وقع في حديث ابن مسعود من الزيادة وهي " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين " وقد تقدم في أبواب القبلة، وأجيب بأنه معارض بحديث أبي سعيد عند مسلم ولفظه " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم " وبه تمسك الشافعية. وجمع بعضهم بينهما بحمل الصورتين على حالتين. ورجح البيهقي طريقة التخيير في سجود السهو قبل السلام أو بعده. ونقل الماوردي وغيره الإجماع على الجواز وإنما الخلاف في الأفضل. وكذا أطلق النووي. وتعقب بأن إمام الحرمين نقل في " النهاية " الخلاف في الإجزاء عن المذهب واستبعد القول بالجواز، وكذا نقل القرطبي الخلاف في مذهبهم، وهو مخالف لما قاله ابن عبد البر إنه لا خلاف عن مالك أنه لو سجد للسهو كله قبل السلام أو بعده أن لا شيء عليه، فيجمع بأن الخلاف بين أصحابه، والخلاف عند الحنفية قال القدوري: لو سجد للسهو قبل السلام روي عن بعض أصحابنا لا يجوز لأنه أداء قبل وقته، وصرح صاحب الهداية بأن الخلاف عندهم في الأولوية. وقال ابن قدامة في " المقنع " من ترك سجود السهو الذي قبل السلام بطلت صلاته إن تعمد، وإلا فيتداركه ما لم يطل الفصل. ويمكن أن يقال: الإجماع الذي نقله الماوردي وغيره قبل هذه الآراء في المذاهب المذكورة. وقال ابن خزيمة: لا حجة للعراقيين في حديث ابن مسعود لأنهم خالفوه فقالوا: إن جلس المصلي في الرابعة مقدار التشهد أضاف إلى الخامسة سادسة ثم سلم وسجد للسهو، وإن لم يجلس في الرابعة لم تصح صلاته. ولم ينقل في حديث ابن مسعود إضافة سادسة ولا إعادة ولا بد من أحدهما عندهم. قال: ويحرم على العالم أن يخالف السنة بعد علمه بها. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الشرح: قوله: (عن الحكم) هو ابن عتيبة الفقيه الكوفي. قوله: (عن إبراهيم) هو ابن يزيد النخعي. قوله: (صلى الظهر خمسا) كذا جزم به الحكم، وقد تقدم في أبواب القبلة من رواية منصور عن إبراهيم أتم من هذا السياق وفيه قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص. قوله: (فقيل له أزيد في الصلاة؟ فقال: وما ذاك؟) أخرجه مسلم وأبو داود من طريق إبراهيم بن سويد النخعي عن ابن مسعود بلفظ " فلما انفتل توشوش القوم بينهم فقال: ما شأنكم؟ قالوا: يا رسول الله هل زيد في الصلاة؟ قال: لا " فتبين أن سؤالهم لذلك كان بعد استفساره لهم عن مساررتهم، وهو دال على عظيم أدبهم معه صلى الله عليه وسلم، وقولهم " هل زيد في الصلاة " يفسر الرواية الماضية في أبواب القبلة بلفظ " هل حدث في الصلاة شيء". (تنبيه) : روى الأعمش عن إبراهيم هذا الحديث مختصرا ولفظه " إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن خزيمة وغيرهم، قال ابن خزيمة: إن كان المراد بالكلام قوله " وما ذاك " في جواب قولهم " أزيد في الصلاة " فهذا نظير ما وقع في قصة ذي اليدين وسيأتي البحث فيه فيها، وإن كان المراد به قوله " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون " فقد اختلف الرواة في الموضع الذي قالها فيه، ففي رواية منصور أن ذلك كان بعد سلامه من سجدتي السهو. وفي رواية غيره أن ذلك كان قبل، ورواية منصور أرجح. والله أعلم. قوله: (فسجد سجدتين بعدما سلم) يأتي في خبر الواحد من طريق شعبة أيضا بلفظ " فثني رجليه وسجد سجدتين " وتقدم في رواية منصور " واستقبل القبلة " وفيه الزيادة المشار إليها وهي " إذا شك أحدكم في صلاة فليتحر الصواب فليتم عليه " ولمسلم من طريق مسعر عن منصور " فأيكم شك في صلاة فلينتظر أحرى ذلك إلى الصواب " وله من طريق شعبة عن منصور " فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب " وله من طريق فضيل بن عياض عن منصور " فليتحر الذي يرى أنه الصواب " زاد ابن حبان من طريق مسعر " فليتم عليه " واختلف في المراد بالتحري فقال الشافعية: هو البناء على اليقين لا على الأغلب، لأن الصلاة في الذمة بيقين فلا تسقط إلا بيقين. وقال ابن حزم: التحري في حديث ابن مسعود يفسره حديث أبي سعيد، يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ " وإذا لم يدر أصلى ثلاثا أو أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن " وروى سفيان في جامعه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال " إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخ حتى يعلم أنه قد أتم " انتهى. وفي كلام الشافعي نحوه ولفظه: قوله " فليتحر " أي في الذي يظن أنه نقصه فليتمه، فيكون التحري أن يعيد ما شك فيه ويبني على ما استيقن، وهو كلام عربي مطابق لحديث أبي سعيد، إلا أن الألفاظ تختلف. وقيل: التحري الأخذ بغالب الظن، وهو ظاهر الروايات التي عند مسلم. وقال ابن حبان في صحيحه: البناء غير التحري، فالبناء أن يشك في الثلاث أو الأربع مثلا فعليه أن يلغي الشك، والتحري أن يشك في صلاته فلا يدري ما صلى فعليه أن يبني على الأغلب عنده. وقال غيره: التحري لمن اعتراه الشك مرة بعد أخرى فيبني على غلبة ظنه، وبه قال مالك وأحمد، وعن أحمد في المشهور: التحري يتعلق بالإمام فهو الذي يبني على ما غلب على ظنه، وأما المنفرد فيبني على اليقين دائما. وعن أحمد رواية أخرى كالشافعية، وأخرى كالحنفية. وقال أبو حنيفة: إن طرأ الشك أولا استأنف، وإن كثر بنى على غالب ظنه، وإلا فعلى اليقين. ونقل النووي أن الجمهور مع الشافعي، وأن التحري هو القصد قال الله تعالى وأبعد من زعم أن لفظ التحري في الخبر مدرج من كلام ابن مسعود أو ممن دونه لتفرد منصور بذلك عن إبراهيم دون رفقته، لأن الإدراج لا يثبت بالاحتمال، واستدل به على أن من صلى خمسا ساهيا ولم يجلس في الرابعة أن صلاته لا تفسد خلافا للكوفيين، وقولهم يحمل على أنه قعد في الرابعة يحتاج إلى دليل بل السياق يرشد إلى خلافه، وعلى أن الزيادة في الصلاة على سبيل السهو لا تبطلها خلافا لبعض المالكية إذا كثرت، وقيد بعضهم الزيادة بما يزيد على نصف الصلاة، وعلى أن من لم يعلم بسهوه إلا بعد السلام يسجد للسهو، فإن طال الفصل فالأصح عند الشافعية أنه يفوت محله، واحتج له بعضهم من هذا الحديث بتعقيب إعلامهم لذلك بالفاء، وتعقيبه السجود أيضا بالفاء، وفيه نظر لا يخفى. وعلى أن الكلام العمد فيما يصلح به الصلاة لا يفسدها، وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده، وأن من تحول عن القبلة ساهيا لا إعادة عليه، وفيه إقبال الإمام على الجماعة بعد الصلاة. واستدل البيهقي على أن عزوب النية بعد الإحرام بالصلاة لا يبطلها. وقد تقدمت بقية مباحثه في أبواب القبلة. *3* الشرح: قوله: (باب إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث سجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول) في رواية لغير أبي ذر " فسجد " والأول أوجه، وعلى الثاني يكون الجواب محذوفا تقديره ما يكون الحكم في نظائره. أورد فيه حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، وليس في شيء من طرقه إلا التسليم في ثنتين، نعم ورد التسليم في ثلاث في حديث عمران بن حصين عند مسلم، وسيأتي البحث في كونهما قصتين أولا في الكلام على تسمية ذي اليدين، وأما قوله " مثل سجود الصلاة أو أطول " فهو في بعض طرق حديث أبي هريرة كما في الباب الذي بعده. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَقَصَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ أَحَقٌّ مَا يَقُولُ قَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَالَ سَعْدٌ وَرَأَيْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ صَلَّى مِنْ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فَسَلَّمَ وَتَكَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ظاهر في أن أبا هريرة حضر القصة، وحمله الطحاوي على المجاز فقال إن المراد به صلى بالمسلمين وسبب ذلك قول الزهري: إن صاحب القصة استشهد ببدر، فإن مقتضاه أن تكون القصة وقعت قبل بدر وهي قبل إسلام أبي هريرة بأكثر من خمس سنين لكن اتفق أئمة الحديث - كما نقله ابن عبد البر وغيره - على أن الزهري وهم في ذلك، وسببه أنه حمل القصة لذي الشمالين، وذو الشمالين هو الذي قتل ببدر وهو خزاعي واسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة، وأما ذو اليدين فتأخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة لأنه حدث بهذا الحديث بعد النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه الطبراني وغيره، وهو سلمي واسمه الخرباق على ما سيأتي البحث فيه. وقد وقع عند مسلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة " فقام رجل من بني سليم " فلما وقع عند الزهري بلفظ " فقام ذو الشمالين " وهو يعرف أنه قتل ببدر قال لأجل ذلك أن القصة وقعت قبل بدر، وقد جوز بعض الأئمة أن تكون القصة وقعت لكل من ذي الشمالين وذي اليدين وأن أبا هريرة روى الحديثين فأرسل أحدهما وهو قصة ذي الشمالين وشاهد الآخر وهي قصة ذي اليدين، وهذا محتمل من طريق الجمع، وقيل يحمل على أن ذا الشمالين كان يقال له أيضا ذو اليدين وبالعكس فكان ذلك سببا للاشتباه. ويدفع المجاز الذي ارتكبه الطحاوي ما رواه مسلم وأحمد وغيرهما من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة في هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ " بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين ونص على ذلك الشافعي رحمه الله في " اختلاف الحديث". قوله: (الظهر أو العصر) كذا في هذه الطريق عن آدم عن شعبة بالشك، وتقدم في أبواب الإمامة عن أبي الوليد عن شعبة بلفظ " الظهر " بغير الشك، ولمسلم من طريق أبي سلمة المذكور " صلاة الظهر " وله من طريق أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة " العصر " بغير شك، وسيأتي بعد باب للمصنف من طريق ابن سيرين أنه قال: وأكثر ظني أنها العصر، وقد تقدم في " باب تشبيك الأصابع في المسجد " من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ " إحدى صلاتي العشي " قال ابن سيرين: سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا، ولمسلم " إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر " والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة. وأبعد من قال: يحمل على أن القصة وقعت مرتين، بل روى النسائي من طريق ابن عون عن ابن سيرين أن الشك فيه من أبي هريرة ولفظه " صلى صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي - قال أبو هريرة - ولكني نسيتها " فالظاهر أن أبا هريرة رواه كثيرا على الشك، وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها، وتارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها، وطرأ الشك في تعيينها أيضا على ابن سيرين وكان السبب في ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعية، ولم تختلف الرواة في حديث عمران في قصة الخرباق أنها العصر، فإن قلنا أنهما قصة واحدة فيترجح رواية من عين العصر في حديث أبي هريرة. قوله: (فسلم) زاد أبو داود من طريق معاذ عن شعبة " في الركعتين " وسيأتي في الباب الذي بعده من طريق أيوب عن ابن سيرين وفي الذي يليه من طريق أخرى عن ابن سيرين بأتم من هذا السياق ونستوفي الكلام عليه ثم. قوله: (قال سعد) يعني ابن إبراهيم راوي الحديث، وهو بالإسناد المصدر به الحديث، وقد أخرجه ابن أبي شيبة عن غندر عن شعبة مفردا. وهذا الأثر يقوي قول من قال: إن الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها، لكن يحتمل أن يكون عروة تكلم ساهيا أو ظانا أن الصلاة تمت، ومرسل عروة هذا مما يقوي طريق أبي سلمة الموصولة، ويحتمل أن يكون عروة حمله عن أبي هريرة، فقد رواه عن أبي هريرة جماعة من رفقة عروة من أهل المدينة كابن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وغيرهم من الفقهاء. *3* وَقَالَ قَتَادَةُ لَا يَتَشَهَّدُ الشرح: قوله: (باب من لم يتشهد في سجدتي السهو) أي إذا سجدهما بعد السلام من الصلاة، وأما قبل السلام فالجمهور على أنه لا يعيد التشهد، وحكى ابن عبد البر عن الليث أنه يعيده، وعن البويطي عن الشافعي مثله وخطؤوه في هذا النقل فإنه لا يعرف، وعن عطاء يتخير، واختلف فيه عند المالكية، وأما من سجد بعد السلام فحكى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنه يتشهد، وهو قول بعض المالكية والشافعية، ونقله أبو حامد الإسفرايني عن القديم، لكن وقع في " مختصر المزني " سمعت الشافعي يقول: إذا سجد بعد السلام تشهد، أو قبل السلام أجزأه التشهد الأول، وتأول بعضهم هذا النص على أنه تفريع على القول القديم وفيه ما لا يخفى. قوله: (وسلم أنس والحسن ولم يتشهدا) وصله ابن أبي شيبة وغيره من طريق قتادة عنهما. قوله: (وقال قتادة لا يتشهد) كذا في الأصول التي وقفت عليها من البخاري، وفيه نظر فقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: يتشهد في سجدتي السهو ويسلم، فلعل " لا " في الترجمة زائدة ويكون قتادة اختلف عليه في ذلك. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ تَشَهُّدٌ قَالَ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الشرح: قوله: (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين) لم يقع في غير هذه الرواية لفظ القيام، وقد استشكل لأنه صلى الله عليه وسلم كان قائما. وأجيب بأن المراد بقوله فقام أي اعتدل، لأنه كان مستندا إلى الخشبة كما سيأتي، أو هو كناية عن الدخول في الصلاة. وقال ابن المنير في الحاشية: فيه إيماء إلى أنه أحرم ثم جلس ثم قام، كذا قال وهو بعيد جدا. قوله في آخره (ثم رفع) زاد في " باب خبر الواحد " من هذا الوجه " ثم كبر ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده ثم رفع " وسيأتي الكلام على التكبير في الباب الذي يليه. قوله: (حدثنا حماد) هو ابن زيد، وكذا ثبت في رواية الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب. قوله: (عن سلمة بن علقمة) هو التميمي أبو بشر، وربما اشتبه بمسلمة بن علقمة المزني وكنيته أبو محمد لكونهما بصريين متقاربي الطبقة، لكن الثاني بزيادة ميم في أوله ولم يخرج له البخاري شيئا. قوله: (قلت لمحمد) هو ابن سيرين. وفي رواية أبي نعيم في المستخرج " سألت محمد بن سيرين". قوله: (قال ليس في حديث أبي هريرة) في رواية أبي نعيم " فقال لم أحفظ فيه عن أبي هريرة شيئا وأحب إلي أن يتشهد " وقد يفهم من قوله " ليس في حديث أبي هريرة " أنه ورد في حديث غيره وهو كذلك. فقد رواه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم من طريق أشعث بن عبد الملك " عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم " قال الترمذي: حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن حبان: ما روى ابن سيرين عن خالد غير هذا الحديث انتهى. وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر. وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين، فإن المحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد. وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة أيضا في هذه القصة " قلت لابن سيرين: فالتشهد؟ قال: لم أسمع في التشهد شيئا " وقد تقدم في " باب تشبيك الأصابع " من طريق ابن عون عن ابن سيرين قال: " نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم " وكذا المحفوظ عن خالد بهذا الإسناد في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد كما أخرجه مسلم، فصارت زيادة أشعث شاذة، ولهذا قال ابن المنذر: لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت. لكن قد ورد في التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود والنسائي، وعن المغيرة عند البيهقي وفي إسنادهما ضعف، فقد يقال إن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن، قال العلائي: وليس ذلك ببعيد، وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله أخرجه ابن أبي شيبة. *3* الشرح: قوله: (باب يكبر في سجدتي السهو) اختلف في سجود السهو بعد السلام هل يشترط له تكبيرة إحرام أو يكتفى بتكبير السجود؟ فالجمهور على الاكتفاء، وهو ظاهر غالب الأحاديث. وحكى القرطبي أن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام بعد سجدتي السهو، قال: وما يتحلل منه بسلام لا بد له من تكبيرة إحرام، ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن ابن سيرين في هذا الحديث قال " فكبر ثم كبر وسجد للسهو " قال أبو داود: لم يقل أحد فكبر ثم كبر إلا حماد بن زيد، فأشار إلى شذوذ هذه الزيادة. وقال القرطبي أيضا: قوله يعني في رواية مالك الماضية " فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر ثم سجد " يدل على أن التكبيرة للإحرام لأنه أتى بثم التي تقتضي التراخي، فلو كان التكبير للسجود لكان معه، وتعقب بأن ذلك من تصرف الرواة، فقد تقدم من طريق ابن عون عن ابن سيرين بلفظ " فصلى ما ترك ثم سلم ثم كبر وسجد " فأتى بواو المصاحبة التي تقتضي المعية. والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ فَقَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ قَالَ بَلَى قَدْ نَسِيتَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ الشرح: قوله: (حدثنا يزيد بن إبراهيم) هو التستري، ومحمد هو ابن سيرين، والإسناد كله بصريون. قوله: (وأكثر ظني أنها العصر) هو قول ابن سيرين بالإسناد المذكور، وإنما رجح ذلك عنده لأن في حديث عمران الجزم بأنها العصر كما تقدمت الإشارة إليه قبل. قوله: (ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد) أي في جهة القبلة. قوله: (فوضع يده عليها) تقدم في رواية ابن عون عن ابن سيرين بلفظ " فقام إلى خشبة معروضة في المسجد " أي موضوعة بالعرض، ولمسلم من طريق ابن عيينة عن أيوب " ثم أتى جذعا في قبلة المسجد فاستند إليها مغضبا " ولا تنافي بين هذه الروايات لأنها تحمل على أن الجذع قبل اتخاذ المنبر كان ممتدا بالعرض، وكأنه الجذع الذي كان صلى الله عليه وسلم يستند إليه قبل اتخاذ المنبر، وبذلك جزم بعض الشراح. قوله: (فهابا أن يكلماه) في رواية ابن عون " فهاباه " بزيادة الضمير، والمعنى أنهما غلب عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه. وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم العلم. قوله: (وخرج سرعان) بفتح المهملات، ومنهم من سكن الراء وحكى عياض أن الأصيلي ضبطه بضم ثم إسكان كأنه جمع سريع ككثيب وكثبان والمراد بهم أوائل الناس خروجا من المسجد وهم أصحاب الحاجات غالبا. قوله: (فقالوا أقصرت الصلاة) كذا هنا بهمزة الاستفهام، وتقدم في رواية ابن عون بحذفها فتحمل تلك على هذه، وفيه دليل على ورعهم إذ لم يجزموا بوقوع شيء بغير علم وهابوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألوه، وإنما استفهموه لأن الزمان زمان النسخ. وقصرت بضم القاف وكسر المهملة على البناء للمفعول أي أن الله قصرها، وبفتح ثم ضم على البناء للفاعل أي صارت قصيرة. قال النووي: هذا أكثر وأرجح. قوله: (ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم) أي يسميه (ذا اليدين) والتقدير وهناك رجل. وفي رواية ابن عون " وفي القوم رجل في يده طول يقال له ذو اليدين " وهو محمول على الحقيقة، ويحتمل أن يكون كناية عن طولها بالعمل أو بالبذل قاله القرطبي، وجزم ابن قتيبة بأنه كان يعمل بيديه جميعا، وحكي عن بعض شراح " التنبيه " أنه قال: كان قصير اليدين فكأنه ظن أنه حميد الطويل فهو الذي فيه الخلاف، وقد تقدم أن الصواب التفرقة بين ذي اليدين وذي الشمالين، وذهب الأكثر إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وآخره قاف اعتمادا على ما وقع في حديث عمران بن حصين عند مسلم ولفظه " فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يده طول " وهذا صنيع من يوحد حديث أبي هريرة بحديث عمران وهو الراجح في نظري، وإن كان ابن خزيمة ومن تبعه جنحوا إلى التعدد، والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياقين، ففي حديث أبي هريرة أن السلام وقع من اثنتين وأنه صلى الله عليه وسلم قام إلى خشبة في المسجد، وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات وأنه دخل منزله لما فرغ من الصلاة، فأما الأول فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد به أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة واستبعده، ولكن طريق الجمع يكتفى فيها بأدنى مناسبة، وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك واستفهم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن صحة قوله، وأما الثاني فلعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله، فإن كان كذلك وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة ابن عمر له على سياقه كما أخرجه الشافعي وأبو دواد وابن ماجه وابن خزيمة، ولموافقة ذي اليدين نفسه له على سياقه كما أخرجه أبو بكر الأثرم وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند وأبو بكر بن أبي خيثمة وغيرهم وقد تقدم في " باب تشبيك الأصابع " ما يدل على أن محمد بن سيرين راوي الحديث عن أبي هريرة كان يرى التوحيد بينهما، وذلك أنه قال في آخر حديث أبي هريرة " نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم". قوله: (فقال: لم أنس ولم تقصر) كذا في أكثر الطرق، وهو صريح في نفي النسيان ونفي القصر، وفيه تفسير للمراد بقوله في رواية أبي سفيان عن أبي هريرة عند مسلم " كل ذلك لم يكن " وتأييد لما قاله أصحاب المعاني: إن لفظ كل إذا تقدم وعقبها النفي كان نفيا لكل فرد لا للمجموع، بخلاف ما إذا تأخرت كأن يقول لم يكن كل ذلك، ولهذا أجاب ذو اليدين في رواية أبي سفيان بقوله " قد كان بعض ذلك " وأجابه في هذه الرواية بقوله " بلى قد نسيت " لأنه لما نفى الأمرين وكان مقررا عند الصحابي أن السهو غير جائز عليه في الأمور البلاغية جزم بوقوع النسيان لا بالقصر، وهو حجة لمن قال: إن السهو جائز على الأنبياء فيما طريقه التشريع، وإن كان عياض نقل الإجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال التبليغية وخص الخلاف بالأفعال، لكنهم تعقبوه. نعم اتفق من جوز ذلك على أنه لا يقر عليه بل يقع له بيان ذلك إما متصلا بالفعل أو بعده كما وقع في هذا الحديث من قوله " لم أنس ولم تقصر " ثم تبين أنه نسي، ومعنى قوله لم أنس أي في اعتقادي لا في نفس الأمر، ويستفاد منه أن الاعتقاد عند فقد اليقين يقوم مقام اليقين، وفائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره، وأما من منع السهو مطلقا فأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة فقيل: قوله لم أنس نفي للنسيان، ولا يلزم منه نفي السهو. وهذا قول من فرق بينهما، وقد تقدم رده. ويكفي فيه قوله في هذه الرواية " بلى قد نسيت " وأقره على ذلك. وقيل: قوله لم أنس على ظاهره وحقيقته وكان يتعمد ما يقع منه من ذلك ليقع التشريع منه بالفعل لكونه أبلغ من القول، وتعقب بحديث ابن مسعود الماضي في " باب التوجه نحو القبلة " ففيه " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون " فأثبت العلة قبل الحكم وقيد الحكم بقوله " إنما أنا بشر " ولم يكتف بإثبات وصف النسيان حتى دفع قول من عساه يقول ليس نسيانه كنسياننا فقال: " كما تنسون " وبهذا الحديث يرد أيضا قول من قال معنى قوله لم أنس إنكار اللفظ الذي نفاه عن نفسه حيث قال إني لا أنسى ولكن أنسى، وإنكار اللفظ الذي أنكره على غيره حيث قال " بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا وكذا " وقد تعقبوا هذا أيضا بأن حديث إني لا أنسى لا أصل له فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد، وأما الآخر فلا يلزم من ذم إضافة نسيان الآية ذم إضافة نسيان كل شيء فإن الفرق بينهما واضح جدا، وقيل إن قوله لم أنس راجع إلى السلام أي سلمت قصدا بانيا على ما في اعتقادي أني صليت أربعا وهذا جيد، وكأن ذا اليدين فهم العموم فقال " بلى قد نسيت " وكأن هذا القول أوقع شكا احتاج معه إلى استثبات الحاضرين. وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل كون ذي اليدين عدلا ولم يقبل خبره بمفرده، فسبب التوقف فيه كونه أخبر عن أمر يتعلق بفعل المسئول مغاير لما في اعتقاده. وبهذا يجاب من قال إن من أخبر بأمر حسي بحضرة جمع لا يخفى عليهم ولا يجوز عليهم التواطؤ ولا حامل لهم على السكوت عنه ثم لم يكذبوه أنه لا يقطع بصدقه، فإن سبب عدم القطع كون خبره معارضا باعتقاد المسئول خلاف ما أخبر به. وفيه أن الثقة إذا انفرد بزيادة خبر وكان المجلس متحدا أو منعت العادة غفلتهم عن ذلك أن لا يقبل خبره. وفيه العمل بالاستصحاب لأن ذا اليدين استصحب حكم الإتمام فسأل، مع كون أفعال النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع، والأصل عدم السهو والوقت قابل للنسخ، وبقية الصحابة ترددوا بين الاستصحاب وتجويز النسخ فسكتوا، والسرعان هم الذين بنوا على النسخ فجزموا بأن الصلاة قصرت فيؤخذ منه جواز الاجتهاد في الأحكام. وفيه جواز البناء على الصلاة لمن أتى بالمنافي سهوا، قال سحنون: إنما يبني من سلم من ركعتين كما في قصة ذي اليدين لأن ذلك أوقع على غير القياس فيقتصر به على مورد النص وألزم بقصر ذلك على إحدى صلاتي العشي فيمنعه مثلا في الصبح، والذين قالوا يجوز البناء مطلقا قيدوه بما إذا لم يطل الفصل، واختلفوا في قدر الطول فحده الشافعي في " الأم " بالعرف، وفي البويطي بقدر ركعة، وعن أبي هريرة قدر الصلاة التي يقع السهو فيها. وفيه أن الباني لا يحتاج إلى تكبيرة الإحرام، وأن السلام ونية الخروج من الصلاة سهوا لا يقطع الصلاة، وأن سجود السهو بعد السلام وقد تقدم البحث فيه، وأن الكلام سهوا لا يقطع الصلاة خلافا للحنفية. وأما قول بعضهم إن قصة ذي اليدين كانت قبل نسخ الكلام في الصلاة فضعيف لأنه اعتمد على قول الزهري، إنها كانت قبل بدر، وقد قدمنا أنه إما وهم في ذلك أو تعددت القصة لذي الشمالين المقتول ببدر ولذي اليدين الذي تأخرت وفاته بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت شهود أبي هريرة للقصة كما تقدم وشهدها عمران بن حصين وإسلامه متأخر أيضا، وروى معاوية بن حديج بمهملة وجيم مصغرا قصة أخرى في السهو ووقع فيها الكلام ثم البناء أخرجها أبو داود وابن خزيمة وغيرهما وكان إسلامه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين. وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون قول زيد بن أرقم " ونهينا عن الكلام " أي إلا إذا وقع سهوا، أو عمدا لمصلحة الصلاة، فلا يعارض قصة ذي اليدين انتهى. وسيأتي البحث في الكلام العمد لمصلحة الصلاة بعد هذا. واستدل به على أن المقدر في حديث " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " أي إثمهما وحكمهما خلافا لمن قصره على الإثم، واستدل به على أن تعمد الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها، وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتكلم إلا ناسيا، وأما قول ذي اليدين له " بلى قد نسيت " وقول الصحابة له " صدق ذو اليدين " فإنهم تكلموا معتقدين النسخ في وقت يمكن وقوعه فيه فتكلموا ظنا أنهم ليسوا في صلاة، كذا قيل وهو فاسد، لأنهم كلموه بعد قوله صلى الله عليه وسلم "لم تقصر " وأجيب بأنهم لم ينطقوا وإنما أومئوا كما عند أبي داود في رواية ساق مسلم إسنادها، وهذا اعتمده الخطابي وقال: حمل القول على الإشارة مجاز سائغ بخلاف عكسه فينبني رد الروايات التي فيها التصريح بالقول إلى هذه، وهو قوي، وهو أقوى من قول غيره: يحمل على أن بعضهم قال بالنطق وبعضهم بالإشارة، لكن يبقى قول ذي اليدين " بلى قد نسيت " ويجاب عنه وعن البقية على تقدير ترجيح أنهم نطقوا بأن كلامهم كان جوابا للنبي صلى الله عليه وسلم وجوابه لا يقطع الصلاة كما سيأتي البحث فيه في تفسير سورة الأنفال، وتعقب بأنه لا يلزم من وجوب الإجابة عدم قطع الصلاة، وأجيب بأنه ثبت مخاطبته في التشهد وهو حي بقولهم " السلام عليك أيها النبي " ولم تفسد الصلاة، والظاهر أن ذلك من خصائصه، ويحتمل أن يقال ما دام النبي صلى الله عليه وسلم يراجع المصلي فجائز له جوابه حتى تنقضي المراجعة فلا يختص الجواز بالجواب لقول ذي اليدين " بلى قد نسيت " ولم تبطل صلاته والله أعلم. وفيه أن سجود السهو لا يتكرر بتكرر السهو - ولو اختلف الجنس - خلافا للأوزاعي، وروى ابن أبي شيبة عن النخعي والشعبي أن لكل سهو سجدتين، وورد على وفقه حديث ثوبان عند أحمد وإسناده منقطع، وحمل على أن معناه أن من سها بأي سهو كان شرع له السجود أي لا يختص بما سجد فيه الشارع، وروى البيهقي من حديث عائشة " سجدتا السهو تجزئان من كل زيادة ونقصان". وفيه أن اليقين لا يترك إلا باليقين، لأن ذا اليدين كان على يقين أن فرضهم الأربع، فلما اقتصر فيها على اثنتين سأل عن ذلك ولم ينكر عليه سؤاله. وفيه أن الظن قد يصير يقينا بخبر أهل الصدق، وهذا مبني على أنه صلى الله عليه وسلم رجع لخبر الجماعة، واستدل به على أن الإمام يرجع لقول المأمومين في أفعال الصلاة ولو لم يتذكر وبه قال مالك وأحمد وغيرهما، ومنهم من قيده بما إذا كان الإمام مجوزا لوقوع السهو منه، بخلاف ما إذا كان متحققا لخلاف ذلك أخذا من ترك رجوعه صلى الله عليه وسلم لذي اليدين ورجوعه للصحابة، ومن حجتهم قوله في حديث ابن مسعود الماضي " فإذا نسيت فذكروني " وقال الشافعي: معنى قوله " فذكروني " أي لأتذكر، ولا يلزم منه أن يرجع لمجرد إخبارهم، واحتمال كونه تذكر عند إخبارهم لا يدفع، وقد تقدم في " باب هل يأخذ الإمام بقول الناس " من أبواب الإمامة ما يقوي ذلك. وفرق بعض المالكية والشافعية أيضا بين ما إذا كان المخبرون ممن يحصل العلم بخبرهم فيقبل ويقدم على ظن الإمام أنه قد كمل الصلاة بخلاف غيرهم، واستنبط منه بعض العلماء القائلين بالرجوع اشتراط العدد في مثل هذا وألحقوه بالشهادة، وفرعوا عليه أن الحاكم إذا نسي حكمه وشهد به شاهدان أنه يعتمد عليهما، واستدل به الحنفية على أن الهلال لا يقبل بشهادة الآحاد إذا كانت السماء مصحية بل لا بد فيه من عدد الاستفاضة، وتعقب بأن سبب الاستثبات كونه أخبر عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف رؤية الهلال فإن الأبصار ليست متساوية في رؤيته بل متفاوتة قطعا، وعلى أن من سلم معتقدا أنه أتم ثم طرأ عليه شك هل أتم أو نقص أنه يكتفي باعتقاده الأول ولا يجب عليه الأخذ باليقين، ووجهه أن ذا اليدين لما أخبر أثار خبره شكا، ومع ذلك لم يرجع النبي صلى الله عليه وسلم حتى استثبت. واستدل به البخاري على جواز تشبيك الأصابع في المسجد وقد تقدم في أبواب المساجد، وعلى أن الإمام يرجع لقول المأمومين إذا شك وقد تقدم في الإمامة، وعلى جواز التعريف باللقب وسيأتي في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى، وعلى الترجيح بكثرة الرواة وتعقبه ابن دقيق العيد بأن المقصود كان تقوية الأمر المسئول عنه لا ترجيح خبر على خبر. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ الْأَسْدِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَكَبَّرَ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنْ الْجُلُوسِ تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي التَّكْبِيرِ الشرح: قوله: (الأسدي) بسكون المهملة وقد تقدم الكلام على حديثه في أول أبواب السهو وأنه يشرع التكبير لسجود السهو كتكبير الصلاة وهو مطابق لهذه الترجمة، وقد تقدم في " باب من لم ير التشهد الأول واجبا " أن قول من قال فيه " حليف بني عبد المطلب " وهم وأن الصواب حليف بني المطلب بإسقاط " عبد". قوله: (تابعه ابن جريج عن ابن شهاب في التكبير) وصله عبد الرزاق عنه ومن طريقه الطبراني ولفظه " يكبر في كل سجدة " وأخرجه أحمد عن عبد الرزاق ومحمد بن بكر كلاهما عن ابن جريج بلفظ " فكبر فسجد ثم كبر فسجد ثم سلم". *3* الشرح: قوله: (باب إذا لم يدر كم صلى: ثلاثا أو أربعا سجد سجدتين وهو جالس) تقدم الكلام على ما يتعلق بأول المتن في أبواب الأذان. الحديث: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الْأَذَانَ فَإِذَا قُضِيَ الْأَذَانُ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ الشرح: وأما قوله " حتى يظل الرجل إن يدري " فقوله " إن " بكسر الهمزة وهي نافية، وقوله "فإذا لم يدر أحدكم كم صلى إلخ " مساو للترجمة من غير مزيد وظاهره أنه لا يبني على اليقين لأنه أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها، وقد تقدم الكلام على خارجها في أواخر الباب الذي قبله، وأما داخلها فهو معارض بحديث أبي سعيد الذي عند مسلم فإنه صريح في الأمر بطرح الشك والبناء على اليقين، فقيل يجمع بينهما بحمل حديث أبي هريرة على من طرأ عليه الشك وقد فرغ قبل أن يسلم فإنه لا يلتفت إلى ذلك الشك ويسجد للسهو كمن طرأ عليه بعد أن سلم، فلو طرأ عليه قبل ذلك بنى على اليقين كما في حديث أبي سعيد. وعلى هذا فقوله فيه " وهو جالس " يتعلق بقوله إذا شك لا بقوله سجد، وهذا أولى من قول من سلك طريق الترجيح فقال حديث أبي سعيد اختلف في وصله وإرساله بخلاف حديث أبي هريرة وقد وافقه حديث ابن مسعود فهو أرجح، لأن لمخالفه أن يقول: بل حديث أبي سعيد صححه مسلم والذي وصله حافظ فزيادته مقبولة وقد وافقه حديث أبي هريرة الآتي قريبا فيتعارض الترجيح، وقيل يجمع بينهما بحمل حديث أبي هريرة على حكم ما يجبر به الساهي صلاته وحديث أبي سعيد على ما يصنعه من الإتمام وعدمه. (تنبيه) : لم يقع في هذه الرواية تعيين محل السجود ولا في رواية الزهري التي في الباب الذي يليه، وقد روى الدارقطني من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد مرفوعا " إذا سها أحدكم فلم يدر أزاد أو نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ثم يسلم " إسناده قوي، ولأبي داود من طريق ابن أخي الزهري عن عمه نحوه بلفظ " وهو جالس قبل التسليم " وله من طريق ابن إسحاق قال حدثني الزهري بإسناده وقال فيه " فليسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم يسلم " قال العلائي: هذه الزيادة في هذا الحديث بمجموع هذه الطرق لا تنزل عن درجة الحسن المحتج به. والله أعلم.
|