الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه) أي إذا أشعر ذلك بالإعراض عن العبادة. الحديث: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَقَالَ هِشَامٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْعِشْرِينَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ مِثْلَهُ وَتَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ الشرح: قوله: (حدثنا عباس بن حسين) هو بموحدة ومهملة بغدادي يقال له القنطري أخرجه عنه البخاري هنا وفي الجهاد فقط. ومبشر بوزن مؤذن من البشارة، وعبد الله المذكور في الإسناد الثاني هو ابن المبارك، وقد صرح في سياقه بالتحديث في جميع الإسناد فأمن تدليس الأوزاعي وشيخه. قوله: (مثل فلان) م أقف على تسميته في شيء من الطرق، وكأن إبهام مثل هذا لقصد السترة عليه كالذي تقدم قريبا في الذي نام حتى أصبح، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد شخصا معينا، وإنما أراد تنفير عبد الله بن عمرو من الصنيع المذكور. قوله: (من الليل) أي بعض الليل وسقط لفظ " من " من رواية الأكثر وهي مرادة. قال ابن العربي: في هذا الحديث دليل على أن قيام الليل ليس بواجب، إذ لو كان واجبا لم يكتف لتاركه بهذا القدر بل كان يذمه أبلغ الذم. وقال ابن حيان: فيه جواز ذكر الشخص بما فيه من عيب إذا قصد بذلك التحذير من صنيعه. وفيه استحباب الدوام على ما اعتاده المرء من الخير من غير تفريط، ويستنبط منه كراهة قطع العبادة وإن لم تكن واجبة، وما أحسن ما عقب المصنف هذه الترجمة بالتي قبلها لأن الحاصل منهما الترغيب في ملازمة العبادة والطريق الموصل إلى ذلك الاقتصاد فيها، لأن التشديد فيها قد يؤدي إلى تركها وهو مذموم. قوله: (وقال هشام) هو ابن عمار، وابن أبي العشرين بلفظ العدد وهو عبد الحميد بن حبيب كاتب الأوزاعي، وأراد المصنف بإيراد هذا التعليق التنبيه على أن عمر بن الحكم أي ابن ثوبان بين يحيى وأبي سلمة من المزيد في متصل الأسانيد، لأن يحيى قد صرح بسماعه من أبي سلمة، ولو كان بينهما واسطة لم يصرح بالتحديث، ورواية هشام المذكورة وصلها الإسماعيلي وغيره. قوله: (بهذا) في رواية كريمة والأصيلي مثله. قوله: (وتابعه عمرو بن أبي سلمة) أي تابع ابن أبي العشرين على زيادة عمر بن الحكم، ورواية عمر المذكورة وصلها مسلم عن أحمد بن يونس عنه، وظاهر صنيع البخاري ترجيح رواية يحيى عن أبي سلمة بغير واسطة، وظاهر صنيع مسلم يخالفه لأنه اقتصر على الرواية الزائدة، والراجح عند أبي حاتم والدارقطني وغيرهما صنيع البخاري، وقد تابع كلا من الروايتين جماعة من أصحاب الأوزاعي فالاختلاف منه، وكأنه كان يحدث به على الوجهين فيحمل على أن يحيى حمله عن أبي سلمة بواسطة ثم لقيه فحدثه به فكان يرويه عنه على الوجهين والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ قُلْتُ إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ الشرح: قوله: (باب) كذا في الأصل بغير ترجمة، وهو كالفصل من الذي قبله وتعلقه به ظاهر، وكأنه أومأ إلى أن المتن الذي قبله طرف من قصة عبد الله بن عمرو في مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم له في قيام الليل وصيام النهار. قوله: (عن عمرو عن أبي العباس) في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان " حدثنا عمرو سمعت أبا العباس " وعمرو هو ابن دينار، وأبو العباس هو السائب بن فروخ ويعرف بالشاعر. قوله: (ألم أخبر) فيه أن الحكم لا ينبغي إلا بعد التثبت، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكتف بما نقل له عن عبد الله حتى لقيه واستثبته فيه، لاحتمال أن يكون قال ذلك بغير عزم. أو عقله بشرط لم يطلع عليه لناقل ونحو ذلك. قوله: (هجمت عينك) بفتح الجيم أي غارت أو ضعفت لكثرة السهر. قوله: (نفهت) بنون ثم فاء مكسورة أي كلت، وحكى الإسماعيلي أن أبا يعلى رواه له " تفهت " بالتاء بدل النون واستضعفه. قوله: (وإن لنفسك عليك حقا) أي تعطيها ما تحتاج إليه ضرورة البشرية مما أباحه الله للإنسان من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها بدنه ليكون أعون على عبادة ربه، ومن حقوق النفس قطعها عما سوى الله تعالى، لكن ذلك يختص بالتعلقات القلبية. قوله: (ولأهلك عليك حقا) أي تنظر لهم فيما لا بد لهم منه من أمور الدنيا والآخرة، والمراد بالأهل الزوجة أو أعم من ذلك ممن تلزمه نفقته. وسيأتي بيان سبب ذكر ذلك له في الصيام. (تنبيه) : قوله " حقا " في الموضعين للأكثر بالنصب على أنه اسم إن وفي رواية كريمة بالرفع فيهما على أنه الخبر والاسم ضمير الشأن. قوله: (فصم) أي فإذا عرفت ذلك فصم تارة (وأفطر) تارة لتجمع بين المصلحتين. وفيه إيماء إلى ما تقدم في أوائل أبواب التهجد أنه ذكر له صوم داود، وقد تقدم الكلام على قوله " قم ونم " وسيأتي في الصيام فيه زيادة من وجه آخر نحو قوله " وإن لعينك عليك حقا " وفي رواية " فإن لزورك عليك حقا " أي للضيف. وفي الحديث جواز تحدث المرء بما عزم عليه من فعل الخير، وتفقد الإمام لأمور رعيته كلياتها وجزئياتها، وتعليمهم ما يصلحهم. وفيه تعليل الحكم لمن فيه أهلية ذلك، وأن الأولى في العبادة تقديم الواجبات على المندوبات، وأن من تكلف الزيادة علي ما طبع عليه يقع له الخلل في الغالب. وفيه الحض على ملازمة العبادة لأنه صلى الله عليه وسلم مع كراهته له التشديد على نفسه حضه على الاقتصاد كأنه قال له ولا يمنعك اشتغالك بحقوق من ذكر أن تضيع حق العبادة وتترك المندوب جملة، ولكن أجمع بينهما. *3* الشرح: قوله: (باب فضل من تعار من الليل فصلى) عار بمهملة وراء مشددة. قال في المحكم: تعار الظليم معارة صاح، والتعار أيضا السهر والتمطي والتقلب على الفراش ليلا مع كلام. وقال ثعلب: اختلف في تعار فقيل: انتبه، وقيل تكلم، وقيل علم، وقيل تمطى وأن انتهى. وقال الأكثر: التعار اليقظة مع صوت. وقال ابن التين: ظاهر الحديث أن معنى تعار استيقظ لأنه قال " من تعار فقال " فعطف القول على التعار انتهى. ويحتمل أن تكون الفاء تفسيرية لما صوت به المستيقظ، لأنه قد يصوت بغير ذكر، فخص الفضل المذكور بمن صوت بما ذكر من ذكر الله تعالى، وهذا هو السر في اختيار لفظ تعار دون استيقظ أو انتبه، وإنما يتفق ذلك لمن تعود الذكر واستأنس به وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته، فأكرم من اتصف بذلك بإجابة دعوته وقبول صلاته. الحديث: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ الشرح: قوله: (حدثنا صدقة) هو ابن الفضل المروزي، وجميع الإسناد كله شاميون، وجنادة بضم الجيم وتخفيف النون مختلف في صحبته. قوله: (عن الأوزاعي قال حدثنا عمير بن هانئ) كذا لمعظم الرواة عن الوليد بن مسلم، وأخرجه الطبراني في الدعاء من رواية صفوان بن صالح عن الوليد عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن عمير بن هانئ، وأخرجه الطبراني فيه أيضا عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي - وهو الحافظ الذي يقال له دحيم - عن أبيه عن الوليد مقرونا برواية صفوان بن صالح، وما أظنه إلا وهما فإنه أخرجه في المعجم الكبير عن إبراهيم عن أبيه عن الوليد عن الأوزاعي كالجادة، وكذا أخرجه أبو داود وابن ماجه وجعفر الفريابي في الذكر عن دحيم، وكذا أخرجه ابن حبان عن عبد الله بن سليم عن دحيم، ورواية صفوان شاذة فإن كان حفظها عن الوليد احتمل أن يكون عند الوليد فيه شيخان، ويؤيده ما في آخر الحديث من اختلاف اللفظ حيث جاء في جميع الروايات عن الأوزاعي فإنه قال " اللهم اغفر لي إلخ " ووقع في هذه الرواية " كان من خطاياه كيوم ولدته أمه " ولم يذكر رب اغفر لي ولا دعاء. وقال في أوله " ما من عبد يتعارض من الليل " بدل قوله " من تعار " لكن تخالف اللفظ في هذه أخف من التي قبلها. قوله: قوله: (الحمد لله وسبحان الله) زاد في رواية كريمة " ولا إله إلا الله " وكذا عند الإسماعيلي والنسائي والترمذي وابن ماجه وأبي نعيم في الحلية، ولم تختلف الروايات في البخاري على تقديم الحمد على التسبيح، لكن عند الإسماعيلي بالعكس، والظاهر أنه من تصرف الرواة لأن الواو لا تستلزم الترتيب. قوله: (ولا حول ولا قوة إلا بالله) زاد النسائي وابن ماجه وابن السني " العلي العظيم". قوله: (ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا) كذا فيه بالشك ويحتمل أن تكون للتنويع، ويؤيد الأول ما عند الإسماعيلي بلفظ " ثم قال: رب اغفر لي، غفر له. أو قال: فدعا استجيب له " شك الوليد، وكذا عند أبي داود وابن ماجه بلفظ " غفر له " قال الوليد " أو قال دعا استجيب له " وفي رواية علي بن المديني " ثم قال: رب اغفر لي، أو قال: ثم دعا " واقتصر في رواية النسائي على الشق الأول. قوله: (استجيب) زاد الأصيلي " له " وكذا في الروايات الأخرى. قوله: (فإن توضأ قبلت) أي إن صلى. وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت " فإن توضأ وصلى " وكذا عند الإسماعيلي وزاد في أوله " فإن هو عزم فقام وتوضأ وصلى " وكذا في رواية علي بن المديني. قال ابن بطال: وعد الله على لسان نبيه أن من استيقظ من نومه لهجا لسانه بتوحيد ربه والإذعان له بالملك والاعتراف بنعمة يحمده عليها وينزهه عما لا يليق به تسبيحه والخضوع له بالتكبير والتسليم له بالعجز عن القدرة إلا بعونه أنه إذا دعاه أجابه، وإذا صلى قبلت صلاته، فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى. قوله: (قبلت صلاته) قال ابن المنير في الحاشية: وجه ترجمة البخاري بفضل الصلاة، وليس في الحديث إلا القبول، وهو من لوازم الصحة سواء كانت فاضلة أم مفضولة لأن القبول في هذا الموطن أرجى منه في غيره، ولولا ذلك لم يكن في الكلام فائدة، فلأجل قرب الرجاء فيه من اليقين تميز على غيره وثبت له الفضل انتهى. والذي يظهر أن المراد بالقبول هنا قدر زائد على الصحة، ومن ثم قال الداودي ما محصله: من قبل الله له حسنة لم يعذبه لأنه يعلم عواقب الأمور فلا يقبل شيئا ثم يحبطه، وإذا أمن الإحباط أمن التعذيب، ولهذا قال الحسن: وددت أني أعلم أن الله قبل لي سجدة واحدة. (فائدة) : قال أبو عبد الله الفربري الراوي عن البخاري: أجريت هذا الذكر على لساني عند انتباهي ثم نمت فأتاني آت فقرأ الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقُصُّ فِي قَصَصِهِ وَهُوَ يَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَخًا لَكُمْ لَا يَقُولُ الرَّفَثَ يَعْنِي بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنْ الْفَجْرِ سَاطِعُ أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدٍ وَالْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشرح: قوله: (الهيثم) بفتح الهاء وسكون التحتانية بعدها مثلثة مفتوحة، وسنان بكسر المهملة ونونين الأولى خفيفة. قوله: (أنه سمع أبا هريرة وهو يقص في قصصه) أي مواعظه التي كان أبو هريرة يذكر أصحابه بها. قوله: (وهو يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخا لكم) معناه أن أبا هريرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطرد إلى حكاية ما قيل في وصفه فذكر كلام عبد الله بن رواحة بما وصف به من هذه الأبيات. قوله: (إن أخا لكم) هو المسموع للهيثم، والرفث الباطل أو الفحش من القول، والقائل يعني هو الهيثم، ويحتمل أن يكون الزهري. قوله: (إذا انشق) كذا للأكثر وفي رواية أبي الوقت " كما انشق " والمعنى مختلف وكلاهما واضح. قوله: (من الفجر) بيان للمعروف الساطع، يقال الساطع إذا ارتفع. قوله: (العمى) أي الضلالة. قوله: (يجافي جنبه) أي يرفعه عن الفراش، وهو كناية عن صلاته بالليل، وفي هذا البيت الأخير معنى الترجمة لأن التعار هو السهر والتقلب على الفراش كما تقدم، وكأن الشاعر أشار إلى قوله تعالى في صفة المؤمنين (فائدة) : وقعت لعبد الله بن رواحة في هذه الأبيات قصة أخرجها الدارقطني من طريق سلمة بن وهران عن عكرمة قال: كان عبد الله بن رواحة في مضطجعا إلى جنب امرأته، فقام إلى جاريته فذكر القصة في رؤيتها إياه على الجارية وجحده ذلك والتماسها منه القراءة لأن الجنب لا يقرأ، فقال هذه الأبيات، فقالت: آمنت بالله وكذبت بصري، فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه. قال ابن بطال: إن قوله صلى الله عليه وسلم "إن أخا لكم لا يقول الرفث " فيه أن حسن الشعر محمود كحسن الكلام انتهى. وليس في سياق الحديث ما يفصح بأن ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم، بل هو ظاهر في أنه من كلام أبي هريرة، وبيان ذلك سيأتي في سياق رواية الزبيدي المعلقة. وسيأتي بقية ما يتعلق بالشعر في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى. قوله: (تابعه عقيل) أي عن ابن شهاب، فالضمير ليونس، ورواية عقيل هذه أخرجها الطبراني في الكبير من طريق سلامة بن روح عن عمه عقيل بن خالد عن ابن شهاب فذكر مثل رواية يونس. قوله: (وقال الزبيدي إلخ) فيه إشارة إلى أنه اختلف عن الزهري في هذا الإسناد، فاتفق يونس وعقيل على أن شيخه فيه الهيثم، وخالفهما الزبيدي فأبدله بسعيد أي ابن المسيب والأعرج أي عبد الرحمن بن هرمز، ولا يبعد أن يكون الطريقان صحيحين فإنهم حفاظ أثبات، والزهري صاحب حديث مكثر، ولكن ظاهر صنيع البخاري ترجيح رواية يونس لمتابعة عقيل له، بخلاف الزبيدي ورواية الزبيدي هذه المعلقة وصلها البخاري في التاريخ الصغير والطبراني في الكبير أيضا من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه ولفظه " أن أبا هريرة كان يقول في قصصه ": إن أخا لكم كان يقول شعرا ليس بالرفث " وهو عبد الله بن رواحة فذكر الأبيات، وهو يبين أن قوله في الرواية الأولى من كلام أبي هريرة موقوفا بخلاف ما جزم به ابن بطال والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ فَكَأَنِّي لَا أُرِيدُ مَكَانًا مِنْ الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ إِلَيْهِ وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى رُؤْيَايَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ وَكَانُوا لَا يَزَالُونَ يَقُصُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا أَنَّهَا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ الشرح: قوله: (حدثنا أبو النعمان) هو السدوسي. قوله: (إلا طارت إليه) سيأتي في التعبير بلفظ إلا طارت بي إليه ويأتي بقية فوائده هناك إن شاء الله تعالى. وقد تقدم في أوائل أبواب التهجد من وجه آخر عن ابن عمر دون القصة الأولى. قوله: (وكان عبد الله) أي ابن عمر (يصلي من الليل) هو كلام نافع، وقد تقدم نحوه عن سالم. قوله: (وكانوا) أي الصحابة. و قوله: (أنها) أي ليلة القدر. قوله: (فليتحرها في العشر الأواخر) كذا للكشميهني، ولغيره " من العشر الأواخر " وسيأتي الكلام عليه مستوفى في أواخر الصيام. (تنبيه) : أغفل المزي في الأطراف هذا الحديث المتعلق بليلة القدر فلم يذكره في ترجمة أيوب عن نافع عن ابن عمر، وهو وارد عليه. وبالله التوفيق. *3* الشرح: قوله: (باب المداومة على ركعتي الفجر) أي سفرا وحضرا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا وَرَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ يَدَعْهُمَا أَبَدًا الشرح: قوله: (حدثنا عبد الله بن يزيد) هو المقري قوله: (عن عراك بن مالك عن أبي سلمة) خالفه الليث عن يزيد بن أبي حبيب فرواه عن جعفر بن ربيعة عن أبي سلمة لم يذكر بينهما أحدا. أخرجه أحمد والنسائي، وكأن جعفرا أخذه عن أبي سلمة بواسطة ثم حمله عنه. وليزيد فيه إسناد آخر رواه عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة أخرجه مسلم، وكأن لعراك فيه شيخين، والله أعلم. قوله: (وصلى) في رواية الكشميهني " ثم صلى " وليس فيه ذكر الوتر، وهو في رواية الليث ولفظه " كان يصلي بثلاث عشرة ركعة تسعا قائما وركعتين وهو جالس". قوله: (وركعتين بين النداءين) أي بين الأذان والإقامة. وفي رواية الليث " ثم يمهل حتى يؤذن بالأولى من الصبح فيركع ركعتين"، ولمسلم من رواية يحيي بن أبي كثير عن أبي سلمة " يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح". قوله: (ولم يكن يدعهما أبدا) استدل به لمن قال بالوجوب، وهو منقول عن الحسن البصري أخرجه ابن أبي شيبة عنه بلفظ " كان الحسن يرى الركعتين قبل الفجر واجبتين " والمراد بالفجر هنا صلاة الصبح. ونقل المرغيناني مثله عن أبي حنيفة. وفي جامع المحبوبي عن الحسن ابن زياد عن أبي حنيفة " لو صلاهما قاعدا من غير عذر لم يجز " واستدل به بعض الشافعية للقديم في أن ركعتي الفجر أفضل التطوعات. وقال الشافعي في الجديد: أفضلها الوتر. وقال بعض أصحابه: أفضلها صلاة الليل لما تقدم ذكره في أول أبواب التهجد من حديث أبي هريرة عند مسلم. (تنبيه) : قوله " أبدا " تقرر في كتب العربية أنها تستعمل للمستقبل. وأما الماضي فيؤكد بقط. ويجاب عن الحديث المذكور بأنها ذكرت على سبيل المبالغة إجراء للماضي مجرى المستقبل كأن ذلك دأبه لا يتركه. *3* الشرح: قوله: (باب الضجعة) بكسر الضاد المعجمة لأن المراد الهيئة، وبفتحها على إرادة المرة. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ الشرح: قوله: (أبو الأسود) هو النوفلي يتيم عروة. قوله: (على شقه الأيمن) قيل الحكمة فيه أن القلب في جهة اليسار فلو اضطجع عليه لاستغرق نوما لكونه أبلغ في الراحة، بخلاف اليمين فيكون القلب معلقا فلا يستغرق. وفيه أن الاضطجاع إنما يتم إذا كان على الشق الأيمن، وأما إنكار ابن مسعود الاضطجاع، وقول إبراهيم النخعي هي ضجعة الشيطان كما أخرجهما ابن أبي شيبة، فهو محمول على أنه لم يبلغهما الأمر بفعله، وكلام ابن مسعود يدل على أنه إنما أنكر تحتمه فإنه قال في آخر كلامه: إذا سلم فقد فصل، وكذا ما حكى عن ابن عمر أنه بدعة فإنه شذ بذلك حتى روي عنه أنه أمر بحصب من اضطجع كما تقدم. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كان لا يعجبه الاضطجاع، وأرجح الأقوال مشروعيته للفصل لكن لا بعينه كما تقدم. والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع) أشار بهذه الترجمة إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم عليها، وبذلك احتج الأئمة على عدم الوجوب، وحملوا الأمر الوارد بذلك في حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره على الاستحباب، وفائدة ذلك الراحة والنشاط لصلاة الصبح، وعلى هذا فلا يستحب ذلك إلا للتهجد وبه جزم ابن العربي، ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق أن عائشة كانت تقول " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضطجع لسنة، ولكنه كان يدأب ليلته فيستريح " في إسناده راو لم يسم. وقيل إن فائدتها الفصل بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح، وعلى هذا فلا اختصاص، ومن ثم قال الشافعي: تتأدى السنة بكل ما يحصل به الفصل من مشي وكلام وغيره حكاه البيهقي. وقال النووي: المختار أنه سنة لظاهر حديث أبي هريرة، وقد قال أبو هريرة راوي الحديث: إن الفصل بالمشي إلى المسجد لا يكفي، وأفرط ابن حزم فقال يحب عن كل أحد، وجعله شرطا لصحة صلاة الصبح، ورده عليه العلماء بعده حتى طعن ابن تيمية ومن تبعه في صحة الحديث لتفرد عبد الواحد ابن زياد به وفي حفظه مقال، والحق أنه تقوم به الحجة. ومن ذهب إلى أن المراد به الفصل لا يتقيد بالأيمن، ومن أطلق قال: يختص ذلك: بالقادر، وأما غيره فهل يسقط الطلب أو يومئ بالاضطجاع أو يضطجع على الأيسر؟ لم أقف فيه على نقل، إلا أن ابن حزم قال: يومي ولا يضطجع على الأيسر أصلا، ويحمل الأمر به على الندب كما سيأتي في الباب الذي بعده. وذهب بعض السلف إلى استحبابها في البيت دون المسجد وهو محكي عن ابن عمر، وقواه بعض شيوخنا بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد، وصح عن ابن عمر أنه كان يحصب من يفعله في المسجد أخرجه ابن أبي شيبة. الحديث: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤْذَنَ بِالصَّلَاةِ الشرح: قوله: (كان إذا صلى ركعتين الفجر) وسنذكر مستند ذلك في الباب الذي بعده. قوله: (حدثني وإلا اضطجع) ظاهره أنه كان يضطجع إذا لم يحدثها، وإذا حدثها لم يضطجع، وإلى هذا جنح المصنف في الترجمة، وكذا ترجم له ابن خزيمة " الرخصة في ترك الاضطجاع بعد ركعتي الفجر " ويعكر على ذلك ما وقع عند أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن أبي النضر في هذا الحديث " كان يصلي من الليل، فإذا فرغ من صلاته اضطجع، فإن كنت يقظى تحدث معي، وإن كنت نائمة نام حتى يأتيه المؤذن " فقد يقال إنه كان يضطجع على كل حال، فإما أن يحدثها وإما أن ينام، لكن المراد بقولها نام أي اضطجع، وبينه ما أخرجه المصنف قبل أبواب التهجد من رواية مالك عن أبي النضر وعبد الله بن يزيد جميعا عن أبي سلمة بلفظ " فإن كنت يقظى تحدث معي، وإن كنت نائمة اضطجع". قوله: (حتى يؤذن) بضم أوله وفتح المعجمة الثقيلة. وفي رواية الكشميهني " حتى نودي " واستدل به على عدم استحباب الضجعة، ورد بأنه لا يلزم من كونه ربما تركها عدم الاستحباب، بل يدل تركه لها أحيانا على عدم الوجوب كما تقدم أول الباب. (تنبيه) : تقدم في أول أبواب الوتر في حديث ابن عباس أن اضطجاعه صلى الله عليه وسلم وقع بعد الوتر قبل صلاة الفجر، ولا يعارض ذلك حديث عائشة لأن المراد به نومه صلى الله عليه وسلم بين صلاة الليل وصلاة الفجر، وغايته أنه تلك الليلة لم يضطجع بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح فيستفاد منه عدم الوجوب أيضا، وأما ما رواه مسلم من طريق مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم اضطجع بعد الوتر فقد خالفه أصحاب الزهري عن عروة فذكروا الاضطجاع بعد الفجر وهو المحفوظ، ولم يصب من احتج به على ترك استحباب الاضطجاع. والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب الحديث بعد ركعتي الفجر) أعاد فيه الحديث المذكور ولفظه " كان يصلي ركعتين " وفي آخره: قلت لسفيان فإن بعضهم يرويه " ركعتي الفجر " قال سفيان: هو ذاك. والقائل " قلت لسفيان " هو علي بن المديني شيخ البخاري فيه، ومراده بقوله " بعضهم " مالك كذا أخرجه الدارقطني من طريق بشر بن عمر عن مالك أنه سأله عن الرجل يتكلم بعد طلوع الفجر فحدثني عن سالم فذكره، وقد أخرجه ابن خزيمة عن سعيد بن عبد الرحمن المحزومي عن ابن عيينة بلفظ " كان يصلي ركعتي الفجر " واستدل به على جواز الكلام بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح خلافا لمن كره ذلك، وقد نقله ابن أبي شيبة عن ابن مسعود ولا يثبت عنه وأخرجه صحيحا عن إبراهيم وأبي الشعثاء وغيرهما. (تنبيه) : وقع هنا في بعض النسخ عن سفيان " قال سالم أبو النضر حدثني أبي " وقوله " أبي " زيادة لا أصل لها: بل هي غلط محض حمل عليها تقديم الاسم على الصفة فظن بعض من لا خبرة له أن فاعل حدثني راو غير سالم فزاد في السند لفظ أبي، وقد تقدم الحديث بهذا السند قريبا عن بشر بن الحكم عن سفيان عن أبي النضر عن أبي سلمة ليس بينهما أحد، وكذا في الذي قبله من رواية مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة، وقد أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا أبو النضر عن أبي سلمة، وليس لوالد أبي النضر مع ذلك رواية أصلا لا في الصحيح ولا في غيره فمن زادها فقد أخطأ. وبالله التوفيق. *3* الشرح: قوله: (باب تعاهد ركعتي الفجر ومن سماهما) في رواية الحموي والمستملي " ومن سماها " أي سنة الفجر. قوله: (تطوعا) أورد في الباب بلفظ النوافل، وأشار بلفظ التطوع إلى ما ورد في بعض طرقه، ففي رواية أبي عاصم عن ابن جريج عند البيهقي " قلت لعطاء أواجبة ركعتا الفجر أو هي من التطوع؟ فقال: حدثني عبيد بن عمير " فذكر الحديث. وجاء عن عائشة أيضا تسميتها تطوعا من وجه آخر، فعند مسلم من طريق عبد الله بن شقيق " سألت عائشة عن تطوع النبي صلى الله عليه وسلم " فذكر الحديث وفيه " وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين". الحديث: حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ الشرح: قوله: (بيان) بفتح الموحدة والتحتانية الخفيفة. ويحيى بن سعيد هو القطان. قوله: (عن عطاء) في رواية مسلم عن زهير بن حرب عن يحيي عن ابن جريج " حدثني عطاء". قوله: (عن عبيد بن عمير) في رواية ابن خزيمة عن يحيي بن حكيم عن يحيي بن سعيد بسنده " أخبرني عبيد بن عمير". قوله: (أشد تعاهدا) في رواية ابن خزيمة " أشد معاهدة " ولمسلم من طريق حفص عن ابن جريج " ما رأيته إلى شيء من الخير أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر " زاد ابن خزيمة من هذا الوجه " ولا إلى غنيمة". *3* الشرح: قوله: (باب ما يقرأ في ركعتي الفجر) هو بضم " يقرأ " على البناء للمجهول. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ الشرح: قوله: (ثلاث عشرة ركعة) مخالف لما مضى قريبا من طريق أبي سلمة عن عائشة " لم يكن يزيد على إحدى عشرة " وقد تقدم طريق الجمع بينهما هناك. قوله: (خفيفتين) قال الإسماعيلي: كان حق هذه الترجمة أن تكون تخفيف ركعتي الفجر. قلت: ولما ترجم به المصنف وجه وجيه وهو أنه أشار إلى خلاف من زعم أنه لا يقرأ في ركعتي الفجر أصلا، وهو قول محكي عن أبي بكر الأصم وإبراهيم بن علية، فنبه على أنه لا بد من القراءة، ولو وصفت الصلاة بكونها خفيفة فكأنها أرادت قراءة الفاتحة فقط مسرعا، أو قرأها مع شيء يسير غيرها، واقتصر على ذلك لأنه لم يثبت عنده على شرطه تعيين ما يقرأ به فيهما، وسنذكر ما ورد من ذلك بعد. واختلف في حكمة تخفيفهما فقيل: ليبادر إلى صلاة الصبح في أول الوقت وبه جزم القرطبي، وقيل: ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين كما كان يصنع في صلاة الليل ليدخل في الفرض أو ما شابهه في الفضل بنشاط واستعداد تام. والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمَّتِهِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ الشرح: قوله: (عن محمد بن عبد الرحمن) أي ابن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، ويقال اسم جده عبد الله. وقوله "عن عمته عمرة " هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، وعلى هذا فهي عمة أبيه. وزعم أبو مسعود وتبعه الحميدي أنه محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان الأنصاري أبو الرجال، ووهمه الخطيب في ذلك وقال: إن شعبة لم يرو عن أبي الرجال شيئا، ويؤيد ذلك أن عمرة أم أبي الرجال لا عمته، وقد رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة فقال: عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة، ووهموه فيه أيضا. ويحتمل إن كان حفظه أن يكون لشعبة فيه شيخان. قوله: (ح وحدثنا أحمد بن يونس) في رواية أبي ذر " قال وحدثنا " وفاعل قال هو المصنف أبو عبد الله البخاري، وزهير هو ابن معاوية الجعفي. قوله: (حدثنا يحيى) هو ابن سعيد كذا في الأصل وهو الأنصاري. قوله: (عن محمد بن عبد الرحمن) كذا في الأصل غير منسوب والظاهر أنه هو الذي قبله وهو ابن أخي عمرة. وبذلك جزم أبو الأحوص عن يحيى بن سعيد عند الإسماعيلي، وتابعه آخرون عن يحيي. وذكر الدارقطني في العلل أن سليمان بن بلال رواه عن يحيى بن سعيد قال حدثني أبو الرجال، وكذا رواه عبد العزيز بن مسلم ومعاوية بن صالح عن يحيى بن محمد بن عمرة وهو أبو الرجال، وقد تقدم أنه محمد بن عبد الرحمن فيحتمل أن يكون ليحيى فيه شيخان، لكن رجح الدارقطني الأول، وحكى فيه اختلافات أخرى عن يحيى موهمة، وقد رواه مالك عن يحيى بن سعيد عن عائشة فأسقط من الإسناد اثنين. قوله: (هل قرأ بأم الكتاب) في رواية الحموي " بأم القرآن " زاد مالك في الرواية المذكورة: أم لا؟ (تنبيه) : ساق البخاري المتن على لفظ يحيى بن سعيد، وأما لفظ شعبة فأخرجه أحمد عن محمد بن جعفر شيخ البخاري فيه بلفظ " إذا طلع الفجر صلى ركعتين أو لم يصل إلا ركعتين، أقول: لم يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب " وكذا رواه مسلم من طريق معاذ عن شعبة لكن لم يقل: أو لم يصل إلا ركعتين. ورواه أحمد أيضا عن يحيى القطان عن شعبه بلفظ " كان إذا طلع الفجر لم يصل إلا ركعتين فأقول: هل قرأ فيهما بفاتحة الكتاب " وقد تمسك به من زعم أنه لا قراءة في ركعتي الفجر أصلا، وتعقب بما ثبت في الأحاديث الآتية. قال القرطبي: ليس معنى هذا أنها شكت في قراءته صلى الله عليه وسلم الفاتحة وإنما معناه أنه كان يطيل في النوافل، فلما خفف في قراءة ركعتي الفجر صار كأنه لم يقرأ بالنسبة إلى غيرها من الصلوات. قلت: وفي تخصيصها أم القرآن بالذكر إشارة إلى مواظبته لقراءتها في غيرها من صلاته. وقد روى ابن ماجة بإسناد قوي عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين قبل الفجر وكان يقول: نعم السورتان يقرأ بهما في ركعتي الفجر: قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد " ولابن أبي شيبة من طريق محمد بن سيرين عن عائشة " كان يقرأ فيهما بهما " ولمسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم " قرأ فيهما بهما " وللترمذي والنسائي من حديث ابن عمر " رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا فكان يقرأ فيهما بهما " وللترمذي من حديث ابن مسعود مثله بغير تقييد، وكذا للبزار عن أنس، ولابن حبان عن جابر ما يدل على الترغيب في قراءتهما فيهما. واستدل بحديث الباب على أنه لا يزيد فيهما على أم القرآن وهو قول مالك، وفي البويطي عن الشافعي استحباب قراءة السورتين المذكورتين فيهما مع الفاتحة عملا بالحديث المذكور، وبذلك قال الجمهور. وقالوا: معني قول عائشة " هل قرأ فيهما بأم القرآن " أي مقتصرا عليها أو ضم إليها غيرها، وذلك لإسراعه بقراءتها، وكان من عادته أن يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها كما تقدمت الإشارة إليه. وذهب بعضهم إلى إطالة القراءة فيهما وهو قول أكثر الحنفية، ونقل عن النخعي، وأورد البيهقي فيه حديثا مرفوعا من مرسل سعيد بن جبير وفي سنده راو لم يسم، وخص بعضهم ذلك بمن فاته شيء من قراءته في صلاة الليل فيستدركها في ركعتي الفجر، ونقل ذلك عن أبي حنيفة. وأخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحسن البصري، واستدل به على الجهر بالقراءة في ركعتي الفجر، ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون ذلك عرف بقراءته بعض السورة كما تقدم في صفة الصلاة من حديث أبى قتادة في صلاة الظهر " يسمعنا الآية أحيانا " ويدل على ذلك أن في رواية ابن سيرين المذكورة " يسر فيهما القراءة " وقد صححه ابن عبد البر، واستدل بالأحاديث المذكورة على أنه لا يتعين قراءة الفاتحة في الصلاة لأنه لم يذكرها مع سورتي الإخلاص. وروى مسلم من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر وأجيب بأنه ترك ذكر الفاتحة لوضوح الأمر فيها. ويؤيده أن قول عائشة " لا أدري أقرأ الفاتحة أم لا " فدل على أن الفاتحة كان مقررا عندهم أنه لا بد من قراءتها. والله أعلم. (تنبيه) : هذه الأبواب الستة المتعلقة بركعتي الفجر وقع في أكثر الأصول بينها بالباب الآتي بعد وهو " باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى " والصواب ما وقع في بعض الأصول من تأخيره عنها وإيرادها يتلو بعضها بعضا، قال ابن رشيد: الظاهر أن ذلك وقع من بعض الرواة عند ضم الأبواب إلى بعض. ويدل على ذلك أنه أتبع هذا الباب بقوله " باب الحديث بعد ركعتي الفجر " كالمبين للحديث الذي أدخل تحت قوله " باب من تحدث بعد الركعتين " إذ المراد بهما ركعتا الفجر، وبهذا تتبين فائدة إعادة الحديث انتهى. وإنما ضم المصنف ركعتي الفجر إلى التهجد لقربهما منه كما ورد أن المغرب وتر النهار، وإنما المغرب في التحقيق من صلاة الليل كما أن الفجر في الشرع، من صلاتها النهار. والله أعلم. *3* وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عَمَّارٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَنَسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ مَا أَدْرَكْتُ فُقَهَاءَ أَرْضِنَا إِلَّا يُسَلِّمُونَ فِي كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنْ النَّهَارِ الشرح: قوله: (باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى) أي في صلاة الليل والنهار، قال ابن رشيد: مقصوده أن يبين بالأحاديث والآثار التي أوردها أن المراد بقوله في الحديث " مثنى مثنى " أن يسلم من كل ثنتين. قوله: (قال محمد) هو المصنف. قوله: (ويذكر ذلك عن عمار وأبي ذر وأنس وجابر بن زيد وعكرمة والزهري) أما عمار فكأنه أشار إلى ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عمار بن ياسر " أنه دخل المسجد فصلى ركعتين خفيفتين " إسناده حسن. وأما أبو ذر فكأنه أشار إلى ما رواه ابن أبي شيبة أيضا من طريق مالك بن أوس عن أبي ذر " أنه دخل المسجد فأتى سارية وصلى عندها ركعتين". وأما أنس فكأنه أشار إلى حديثه المشهور في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بهم في بيتهم ركعتين وقد تقدم في الصفوف، وذكره في هذا الباب مختصرا. وأما جابر بن زيد وهو أبو الشعثاء البصري فلم أقف عليه بعد، وأما عكرمة فروى ابن أبي شيبة عن حرمي بن عمارة عن أبي خلدة قال: " رأيت عكرمة دخل المسجد فصلى فيه ركعتين " وأما الزهري فلم أقف على ذلك عنه موصولا. قوله: (وقال يحيى بن سعيد الأنصاري إلخ) لم أقف عليه موصولا أيضا. قوله: (فقهاء أرضنا) أي المدينة، وقد أدرك كبار التابعين بها كسعيد بن المسيب، ولحق قليلا من صغار الصحابة كأنس بن مالك ثم أورد المصنف في الباب ثمانية أحاديث مرفوعة ستة منها موصولة واثنان معلقان. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ الشرح: حديث جابر في صلاة الاستخارة سيأتي الكلام عليه في الدعوات. الحديث: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ الْأنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ الشرح: حديث أبي قتادة في تحية المسجد وقد تقدم الكلام عليه في أوائل الصلاة. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ الشرح: حديث أنس في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم وقد تقدم في الصفوف. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الشرح: حديث ابن عمر في رواتب الفرائض وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ الشرح: حديث جابر في صلاة التحية والإمام يخطب وسبق الكلام عليه في كتاب الجمعة. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي مَنْزِلِهِ فَقِيلَ لَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ قَالَ فَأَقْبَلْتُ فَأَجِدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ وَأَجِدُ بِلَالًا عِنْدَ الْبَابِ قَائِمًا فَقُلْتُ يَا بِلَالُ أَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَأَيْنَ قَالَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَقَالَ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ غَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ مَا امْتَدَّ النَّهَارُ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ الشرح: حديث ابن عمر عن بلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة وقد تقدم في أبواب القبلة وسيأتي الكلام عليه في الحج، قوله " وقال أبو هريرة أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بركعتي الضحى " هذا طرف من حديث سيأتي في كتاب الصيام بتمامه، ثامنها قوله " وقال عتبان بن مالك " هو طرف من حديث تقدم في مواضع مطولا ومختصرا: منها في " باب المساجد في البيوت " وسيأتي قريبا في " باب صلاة النوافل جماعة". ومراد المصنف بهذه الأحاديث الرد على من زعم أن التطوع في النهار يكون أربعا موصولة، واختار الجمهور التسليم من كل ركعتين في صلاة الليل والنهار. وقال أبو حنيفة وصاحباه: يخير في صلاة النهار بين الثنتين والأربع وكرهوا الزيادة على ذلك، وقد تقدم في أوائل أبواب الوتر حكاية استدلال من استدل بقوله صلى الله عليه وسلم "صلاة الليل مثنى " على أن صلاة النهار بخلاف ذلك. وقال ابن المنير في الحاشية: إنما خص الليل بذلك لأن فيه الوتر فلا يقاس على الوتر غيره فيتنفل المصلي بالليل أوتارا، فبين أن الوتر لا يعاد وأن بقية صلاة الليل مثني، وإذا ظهرت فائدة تخصيص الليل صار حاصل الكلام صلاة النافلة سوى الوتر مثنى فيعم الليل والنهار. والله أعلم. (خاتمة) : اشتملت أبواب التهجد وما انضم إليها على ستة وستين حديثا، المعلق اثنا عشر حديثا، والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة وأربعون حديثا، والخالص ثلاثة وعشرون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة في صلاة الليل سبع وتسع وإحدى عشرة، وحديث أنس كان يفطر حتى نظن أن لا يصوم وحديث سمرة في الرؤيا، وحديث سلمان وأبي الدرداء، وحديث عبادة " من تعار من الليل " وحديث أبي هريرة في شعر ابن رواحة، وحديث جابر في الاستخارة. وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين عشرة آثار. والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب التطوع بعد المكتوبة) ترجم أولا بما بعد المكتوبة ثم ترجم بعد ذلك بما قبل المكتوبة. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ وَحَدَّثَتْنِي أُخْتِي حَفْصَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَكَانَتْ سَاعَةً لَا أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي أَهْلِهِ تَابَعَهُ كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ وَأَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ الشرح: قوله: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين) أي ركعتين، والمراد بقوله " مع " التبعية أي أنهما اشتركا في كون كل منهما صلاة إلا التجميع فلا حجة فيه لمن قال يجمع في رواتب الفرائض، وسيأتي بعد أربعة أبواب من رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر قال " حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات " فذكرها. قوله: (قبل الظهر) سيأتي الكلام عليه بعد أربعة أبواب. قوله: (فأما المغرب والعشاء ففي بيته) استدل به على أن فعل النوافل الليلية في البيوت أفضل من المسجد بخلاف رواتب النهار، وحكى ذلك عن مالك والثوري، وفي الاستدلال به لذلك نظر، والظاهر أن ذلك لم يقع عن عمد وإنما كان صلى الله عليه وسلم يتشاغل بالناس في النهار غالبا وبالليل يكون في بيته غالبا، وتقدم في الجمعة من طريق مالك عن نافع بلفظ " وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف " والحكمة في ذلك أنه كان يبادر إلى الجمعة ثم ينصرف إلى القائلة، بخلاف الظهر فإنه كان يبرد بها وكان يقيل قبلها، وأغرب ابن أبي ليلى فقال: لا تجزئ سنة المغرب في المسجد حكاه عبد الله بن أحمد عنه عقب روايته لحديث محمود بن لبيد رفعه " إن الركعتين بعد المغرب من صلاة البيوت " وقال إنه حكى ذلك لأبيه عن ابن أبي ليلى فاستحسنه. قوله: (وحدثتني أختي حفصة) أي بنت عمر، وقائل ذلك هو عبد الله بن عمر. قوله: (سجدتين) في رواية الكشميهني " ركعتين". قوله: (وكانت ساعة) قائل ذلك هو ابن عمر، وسيأتي من رواية أيوب بلفظ " ركعتين قبل صلاة الصبح وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وحدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين " وهذا يدل على أنه إنما أخذ عن حفصة وقت إيقاع الركعتين قبل الصبح لا أصل مشروعيتهما، وقد تقدم في أواخر الجمعة من رواية مالك عن نافع وليس فيه ذكر الركعتين اللتين قبل الصبح أصلا. قوله: (وقال ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن نافع) أي عن ابن عمر (بعد العشاء في أهله) أي بدل قوله في " بيته". قوله: (تابعه كثير بن فرقد وأيوب عن نافع) أما رواية كثير فلم تقع لي موصولة، وأما رواية أيوب فتقدمت الإشارة إليها قريبا، وفيه حجة لمن ذهب إلى أن للفرائض رواتب تستحب المواظبة عليها وهو قول الجمهور، وذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه لا توقيت في ذلك حماية للفرائض، لكن لا يمنع من تطوع بما شاء إذا أمن ذلك، وذهب العراقيون من أصحابه إلى موافقة الجمهور. *3* الشرح: قوله: (باب من لم يتطوع بعد المكتوبة) أورد فيه حديث ابن عباس في الجمع بين الصلاتين، وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت، ومطابقته للترجمة أن الجمع يقتضي عدم التخلل بين الصلاتين بصلاة راتبة أو غيرها فيدل على ترك التطوع بعد الأولى وهو المراد، وأما التطوع بعد الثانية فمسكوت عنه، وكذا التطوع قبل الأولى محتمل. *3* الشرح: قوله: (باب صلاة الضحى في السفر) ذكر فيه حديث مورق " قلت لابن عمر أتصلي الضحى؟ قال: لا. قلت: فعمر؟ قال: لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا. قلت: فالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا إخاله " وحديث أم هانئ في صلاة الضحى يوم فتح مكة. وقد أشكل دخول هذا الحديث في هذه الترجمة. وقال ابن بطال: ليس هو من هذا الباب وإنما يصلح في " باب من لم يصل الضحى " وأظنه من غلط الناسخ. وقال ابن المنير: الذي يظهر لي أن البخاري لما تعارضت عنده الأحاديث نفيا كحديث ابن عمر هذا وإثباتا كحديث أبي هريرة في الوصية له أنه يصلي الضحى نزل حديث النفي على السفر وحديث الإثبات على الحضر، ويؤيد ذلك أنه ترجم لحديث أبي هريرة " صلاه الضحى في الحضر " وتقدم عن ابن عمر أنه كان يقول " لو كنت مسبحا لا تممت في السفر " وأما حديث أم هانئ ففيه إشارة إلى أنها تصلي، في السفر بحسب السهولة لفعلها. وقال ابن رشيد: ليس في حديث أبي هريرة التصريح بالحضر، لكن استند ابن المنير إلى قوله فيه " ونم على وتر " فإنه يفهم منه كون ذلك في الحضر لأن المسافر غالب حاله الاستيفاز وسهر الليل فلا يفتقر لإيصاء أن لا ينام إلا على وتر، وكذا الترغيب في صيام ثلاثة أيام. قال ابن رشيد: والذي يظهر لي أن المراد باب صلاة الضحى في السفر نفيا وإثباتا، وحديث ابن عمر ظاهره نفي ذلك حضرا وسفرا، وأقل ما يحمل عليه نفي ذلك في السفر لما تقدم في " باب من لم يتطوع في السفر " عن ابن عمر قال " صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد على ركعتين". قال ويحتمل أن يقال: لما نفى صلاتها مطلقا من غير تقييد بحضر ولا سفر - وأقل ما يتحقق حمل اللفظ عليه السفر ويبعد حمله على الحضر دون السفر - فحمل على السفر لأنه المناسب للتخفيف، لما عرف من عادة ابن عمر أنه كان لا يتنفل في السفر نهارا. قال: وأورد حديث أم هانئ ليبين أنها إذا كانت في السفر حال طمأنينة تشبه حالة الحضر كالحلول بالبلد شرعت الضحى وإلا فلا. قلت: ويظهر لي أيضا أن البخاري أشار بالترجمة المذكورة إلى ما رواه أحمد من طريق الضحاك بن عبد الله القرشي عن أنس بن مالك قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في السفر سبحة الضحى ثمان ركعات " فأراد أن تردد ابن عمر في كونه صلاها أولا لا يقتضي رد ما جزم به أنس، بل يؤيد حديث أم هانئ في ذلك، وحديث أنس المذكور صححه ابن خزيمة والحاكم. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ تَوْبَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَتُصَلِّي الضُّحَى قَالَ لَا قُلْتُ فَعُمَرُ قَالَ لَا قُلْتُ فَأَبُو بَكْرٍ قَالَ لَا قُلْتُ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا إِخَالُهُ الشرح: قوله: (عن توبة) بمثناة مفتوحة وواو ساكنة ثم موحدة مفتوحة. هو ابن كيسان العنبري البصري، تابعي صغير ما له عند البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر. قوله: (عن مورق) بفتح الواو وكسر الراء الثقيلة. وفي رواية غندر عن شعبة عند الإسماعيلي سمعت مورقا العجلي وهو بصري ثقة، وكذا من دونه في الإسناد، وليس لمورق في البخاري عن ابن عمر سوى هذا الحديث. قوله: (لا إخاله) بكسر الهمزة وتفتح أيضا والخاء معجمة أي لا أظنه. وكأن سبب توقف ابن عمر في ذلك أنه بلغه عن غيره أنه صلاها ولم يثق بذلك عمن ذكره، وقد جاء عنه الجزم بكونها محدثة فروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال: إنها محدثة وإنها لمن أحسن ما أحدثوا، وسيأتي في أول أبواب العمرة من وجه آخر عن مجاهد قال " دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة وإذا ناس يصلون الضحى، فسألناه عن صلاتهم فقال: بدعة". وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى فقال: بدعة ونعمت البدعة. وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سالم عن أبيه قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئا أحب إلي منها وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الشعبي عن ابن عمر قال: ما صليت الضحى منذ أسلمت، إلا أن أطوف بالبيت. أي فأصلي في ذلك الوقت لا على نية صلاة الضحى، بل على نية الطواف. ويحتمل أنه كان ينويهما معا. وقد جاء عن ابن عمر أنه كان يفعل ذلك في وقت خاص كما سيأتي بعد سبعة أبواب من طريق نافع أن ابن عمر كان لا يصلي الضحى إلا يوم يقدم مكة، فإنه كان يقدمها ضحى فيطوف بالبيت ثم يصلي ركعتين. ويوم يأتي مسجد قباء. وروى ابن خزيمة من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر " كان النبي لا يصلي الضحى إلا أن يقدم من غيبة " فأما مسجد قباء فقال سعيد بن منصور: حدثنا ابن عيينة عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر كان لا يصلي الضحى إلا أن يأتي قباء. وهذا يحتمل أيضا أن يريد به صلاة تحية المسجد في وقت الضحى لا صلاة الضحى. ويحتمل أن يكون ينويهما معا كما قلناه في الطواف. وفي الجملة ليس في أحاديث ابن عمر هذه ما يدفع مشروعية صلاة الضحى، لأن نفيه محمول على عدم رؤيته لا على عدم الوقوع في نفس الأمر، أو الذي نفاه صفة مخصوصة كما سيأتي نحوه في الكلام على حديث عائشة. قال عياض وغيره: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المساجد وصلاتها جماعة، لا أنها مخالفة للسنة. ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه رأى قوما يصلونها فأنكر عليهم وقال: إن كان ولا بد ففي بيوتكم. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ مَا حَدَّثَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ فَإِنَّهَا قَالَتْ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فَلَمْ أَرَ صَلَاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ الشرح: قوله: (ما حدثنا أحد) في رواية ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن أبي ليلى " أدركت الناس وهم متوافرون فلم يخبرني أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى، إلا أم هانئ " ولمسلم من طريق عبد الله بن الحارث الهاشمي قال " سألت وحرصت على أن أجد أحدا من الناس يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح سبحة الضحى فلم أجد غير أم هانئ بنت أبي طالب حدثتني " فذكر الحديث. وعبد الله بن الحارث هذا هو ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب مذكور في الصحابة لكونه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وبين ابن ماجة في روايته وقت سؤال عبد الله بن الحارث عن ذلك ولفظه " سألت في زمن عثمان والناس متوافرون". قوله: (غير) بالرفع لأنه بدل من قوله أحد. قوله: (أم هانئ) هي بنت أبي طالب أخت علي شقيقته، وليس لها في البخاري سوى هذا وحديث آخر تقدم في الطهارة. قوله: (دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى) ظاهره أن الاغتسال وقع في بيتها، ووقع في الموطأ ومسلم من طريق أبي مرة عن أم هانئ أنها ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة فوجدته يغتسل، وجمع بينهما بأن ذلك تكرر منه. ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد عن أم هانئ وفيه أن أبا ذر ستره لما اغتسل. وفي رواية أبي مرة عنها أن فاطمة بنته هي التي سترته. ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكة وكانت هي في بيت آخر بمكة فجاءت إليه فوجدته يغتسل فيصح القولان. وأما الستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره في ابتداء الغسل والآخر في أثنائه والله أعلم. قوله: (ثمان ركعات) زاد كريب عن أم هانئ " فسلم من كل ركعتين " أخرجه ابن خزيمة. وفيه رد على من تمسك به في صلاتها موصولة سواء صلى ثمان ركعات أو أقل. وفي الطبراني من حديث ابن أبي أوفى أنه صلى الضحى ركعتين، فسألته امرأته فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ركعتين، وهو محمول على أنه رأى من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ورأت أم هانئ بقية الثمان، وهذا يقوي أنه صلاها مفصولة والله أعلم. قوله: (فلم أر صلاة قط أخف منها) يعني من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم في أواخر أبواب التقصير بلفظ " فما رأيته صلى صلاة قط أخف منها". وفي رواية عبد الله بن الحارث المذكورة " لا أدري أقيامه فيها أطول أم ركوعه أم سجوده كل ذلك متقارب " واستدل به على استحباب تخفيف صلاة الضحى، وفيه نظر لاحتمال أن يكون السبب فيه التفرغ لمهمات الفتح لكثرة شغله به، وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الضحى فطول فيها أخرجه ابن أبي شيبة من حديث حذيفة. واستدل بهذا الحديث على إثبات سنة الضحى، وحكى عياض عن قوم أنه ليس في حديث أم هانئ دلالة على ذلك، قالوا: وإنما هي سنة الفتح، وقد صلاها خالد بن الوليد في بعض فتوحه كذلك. وقال عياض أيضا: ليس حديث أم هانئ بظاهر في أنه قصد صلى الله عليه وسلم بها سنة الضحى وإنما فيه أنها أخبرت عن وقت صلاته فقط وقد قيل إنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه فيه. وتعقبه النووي بأن الصواب صحة الاستدلال به لما رواه أبو داود وغيره من طريق كريب عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى سبحة الضحى، ولمسلم في كتاب الطهارة من طريق أبي مرة عن أم هانئ في قصة اغتساله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح " ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى " وروى ابن عبد البر في التمهيد من طريق عكرمة بن خالد عن أم هانئ قالت " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فصلى ثمان ركعات، فقلت ما هذه؟ قال: هذه صلاة الضحى " واستدل به على أن أكثر صلاة الضحى ثمان ركعات. واستبعده السبكي ووجه بأن الأصل في العبادة التوقف، وهذا أكثر ما ورد في ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، وقد ورد من فعله دون ذلك كحديث ابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ركعتين أخرجه ابن عدي، وسيأتي من حديث عتبان قريبا مثله، وحديث عائشة عند مسلم " كان يصلي الضحى أربعا " وحديث جابر عند الطبراني في الأوسط أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ست ركعات، وأما ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم ففيه زيادة على ذلك كحديث أنس مرفوعا " من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا في الجنة " أخرجه الترمذي واستغربه. وليس في إسناده من أطلق عليه الضعف. وعند الطبراني من حديث أبي الدرداء مرفوعا " من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين، ومن صلى أربعا كتب من التائبين، ومن صلى ستا كفي ذلك اليوم، ومن صلى ثمانيا كتب من العابدين، ومن صلى ثنتي عشرة بنى الله له بيتا في الجنة " وفي إسناده ضعيف أيضا، وله شاهد من حديث أبي ذر رواه البزار وفي إسناده ضعف أيضا، ومن ثم قال الروياني ومن تبعه: أكثرها ثنتا عشرة. وقال النووي في شرح المهذب: فيه حديث ضعيف، كأنه يشير إلى حديث أنس، لكن إذا ضم إليه حديث أبي ذر وأبي الدرداء قوي وصلح للاحتجاج به. ونقل الترمذي عن أحمد: أن أصح شيء ورد في الباب حديث أم هانئ. وهو كما قال، ولهذا قال النووي في الروضة: أفضلها ثمان وأكثرها ثنتا عشرة، ففرق بين الأكثر والأفضل. ولا يتصور ذلك إلا فيمن صلى الاثنتي عشرة بتسليمة واحدة فإنها تقع نفلا مطلقا عند من يقول إن أكثر سنة الضحى ثمان ركعات فأما من فصل فإنه يكون صلى الضحى، وما زاد على الثمان يكون له نفلا مطلقا فتكون صلاته اثنتي عشرة في حقه أفضل من ثمان لكونه أتى بالأفضل وزاد، وقد ذهب قوم منهم أبو جعفر الطبري وبه حزم الحليمي والروياني من الشافعية إلى أنه لا حد لأكثرها. وروى من طريق إبراهيم النخعي قال: سأل رجل الأسود بن يزيد كم أصلي الضحى؟ قال: كم شئت. وفي حديث عائشة عند مسلم " كان يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله " وهذا الإطلاق قد يحمل على التقييد فيؤكد أن أكثرها اثنتا عشرة ركعة والله أعلم. وذهب آخرون إلى أن أفضلها أربع ركعات فحكى الحاكم في كتابه المفرد في صلاة الضحى عن جماعة من أئمة الحديث أنهم كانوا يختارون أن تصلى الضحى أربعا لكثرة الأحاديث الواردة في ذلك كحديث أبي الدرداء وأبي ذر عند الترمذي مرفوعا عن الله تعالى " ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " وحديث نعيم بن حماد عند النسائي، وحديث أبي أمامة وعبد الله بن عمرو والنواس بن سمعان كلهم بنحوه عند الطبراني، وحديث عقبة بن عامر وأبي مرة الطائفي كلاهما عند أحمد بنحوه، وحديث عائشة عند مسلم كما تقدم، وحديث أبي موسى رفعه " من صلى الضحى أربعا بنى الله له بيتا في الجنة " أخرجه الطبراني في الأوسط، وحديث أبي أمامة مرفوعا " أتدرون قوله تعالى القول الثاني لا تشرع إلا لسبب، واحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا بسبب، واتفق وقوعها وقت الضحى، وتعددت الأسباب: فحديث أم هانئ في صلاته يوم الفتح كان بسبب الفتح وأن سنة الفتح أن يصلي ثمان ركعات، ونقله الطبري من فعل خالد بن الوليد لما فتح الحيرة، وفي حديث عبد الله بن أبي أوفى أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى حين بشر برأس أبي جهل، وهذه صلاة شكر كصلاته يوم الفتح، وصلاته في بيت عتبان إجابة لسؤاله أن يصلي في بيته مكانا يتخذه مصلى فاتفق أنه جاءه وقت الضحى فاختصره الراوي فقال " صلى في بيته الضحى " وكذلك حديث بنحو قصة عتبان مختصرا قال أنس " ما رأيته صلى الضحى إلا يومئذ " وحديث عائشة لم يكن يصلي الضحى إلا أن يجيء من مغيبه لأنه كان ينهي عن الطروق ليلا فيقدم في أول النهار فيبدأ بالمسجد فيصلي وقت الضحى. القول الثالث لا تستحب أصلا، وصح عن عبد الرحمن بن عوف أنه لم يصلها وكذلك ابن مسعود. القول الرابع يستحب فعلها تارة وتركها تارة بحيث لا يواظب عليها، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد. والحجة فيه حديث أبي سعيد " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها " أخرجه الحاكم. وعن عكرمة " كان ابن عباس يصليها عشرا ويدعها عشرا " وقال الثوري عن منصور " كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة " وعن سعيد بن جبير إني لأدعها وأنا أحبها مخافة أن أراها حتما علي. الخامس تستحب صلاتها والمواظبة عليها في البيوت، أي للأمن من الخشية المذكورة. السادس أنها بدعة صح ذلك من رواية عروة عن ابن عمر، وسئل أنس عن صلاة الضحى فقال " الصلوات خمس " وعن أبي بكرة أنه رأى ناسا يصلون الضحى فقال " ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عامة أصحابه " وقد جمع الحاكم الأحاديث الواردة في صلاة الضحى في جزء مفرد وذكر لغالب هذه الأقوال مستندا وبلغ عدد رواة الحديث في إثباتها نحو العشرين نفسا من الصحابة. (لطيفة) : روى الحاكم من طريق أبي الخير عن عقبة بن عامر قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي الضحى بسور منها والشمس وضحاها الضحى " انتهى. ومناسبة ذلك ظاهرة جدا. *3* الشرح: قوله: (باب من لم يصل الضحى ورآه) أي الترك (واسعا) أي مباحا. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا الشرح: قوله: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح سبحة الضحى) تقدم أن المراد بقوله السبحة النافلة، وأصلها من التسبيح، وخصت النافلة بذلك لأن التسبيح الذي في الفريضة نافلة فقيل لصلاة النافلة سبحة لأنها كالتسبيح في الفريضة. قوله: (وإني لأسبحها) كذا هنا من السبحة، وتقدم في " باب التحريض على قيام الليل " بلفظ " وإني لأستحبها " من الاستحباب، وهو من رواية مالك عن ابن شهاب ولكل منهما وجه، لكن الأول يقتضي الفعل والثاني لا يستلزمه، وجاء عن عائشة في ذلك أشياء مختلفة أوردها مسلم: فعنده من طريق عبد الله بن شقيق " قلت لعائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجيء من مغيبه"، وعنده من طريق معاذة عنها " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله " ففي الأول نفي رؤيتها لذلك مطلقا، وفي الثاني تقييد النفي بغير المجيء من مغيبه، وفي الثالث الإثبات مطلقا. وقد اختلف العلماء في: ذلك: فذهب ابن عبد البر وجماعة إلى ترجيح ما اتفق الشيخان عليه دون ما انفرد به مسلم وقالوا: إن عدم رؤيتها لذلك لا يستلزم عدم الوقوع، فيقدم من روي عنه من الصحابة الإثبات، وذهب آخرون إلى الجمع بينهما. قال البيهقي: عندي أن المراد بقولها " ما رأيته سبحها " أي داوم عليها. وقولها " وإني لأسبحها " أي أداوم عليها، وكذا قولها " وما أحدث الناس شيئا " تعني المداومة عليها. قال: وفي بقية الحديث - أي الذي تقدم من رواية مالك - إشارة إلى ذلك حيث قالت " وإن كان ليدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم " انتهى. وحكى المحب الطبري أنه جمع بين قولها " ما كان يصلي إلا أن يجيء من مغيبه " وقولها " كان يصلي أربعا ويزيد ما شاء الله " بأن الأول محمول على صلاته إياها في المسجد، والثاني على البيت. قال: ويعكر عليه حديثها الثالث - يعني حديث الباب - ويجاب عنه بأن المنفي صفة مخصوصة، وأخذ الجمع المذكور من كلام ابن حبان. وقال عياض وغيره: قوله " ما صلاها " معناها ما رأيته يصليها، والجمع بينه وبين قولها " كان يصليها " أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها وفي الإثبات عن غيرها. وقيل في الجمع أيضا: يحتمل أن تكون نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ من هيئة مخصوصة بعدد مخصوص في وقت مخصوص، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يصليها إذا قدم من سفر لا بعدد مخصوص ولا بغيره كما قالت " يصلي أربعا ويزيد ما شاء الله". (تنبيه) : حديث عائشة يدل على ضعف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة الضحى كانت واجبة عليه، وعدها لذلك جماعة من العلماء من خصائصه، ولم يثبت ذلك في خبر صحيح. وقول الماوردي في الحاوي إنه صلى الله عليه وسلم واظب عليها بعد يوم الفتح إلى أن مات يعكر عليه ما رواه مسلم من حديث أم هانئ أنه لم يصلها قبل ولا بعد. ولا يقال إن نفي أم هانئ لذلك يلزم منه العدم لأنا نقول: يحتاج من أثبته إلى دليل، ولو وجد لم يكن حجة، لأن عائشة ذكرت أنه كان إذا عمل عملا أثبته، فلا تستلزم المواظبة على هذا الوجوب عليه. *3* قَالَهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (باب صلاة الضحى في الحضر، قاله عتبان بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم) كأنه يشير إلى ما رواه أحمد من طريق الزهري عن محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيته سبحة الضحى فقاموا وراءه فصلوا بصلاته " أخرجه عن عثمان بن عمر عن يونس عنه، وقد أخرجه مسلم من رواية ابن وهب عن يونس مطولا لكن ليس فيه ذكر السبحة، وكذلك أخرجه المصنف مطولا ومختصرا في مواضع وسيأتي بعد بابين. الحديث: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْجُرَيْرِيُّ هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةِ الضُّحَى وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ الشرح: قوله: (حدثنا عباس) بالموحدة والمهملة، والجريري بضم الجيم. قوله: (أوصاني خليلي) الخليل الصديق الخالص الذي تخللت محبته القلب فصارت في خلاله أي في باطنه، واختلف هل الخلة أرفع من المحبة أو العكس، وقول أبى هريرة هذا لا يعارضه ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر " لأن الممتنع أن يتخذ هو صلى الله عليه وسلم غيره خليلا لا العكس، ولا يقال إن المخاللة لا تتم حني تكون من الجانبين لأنا نقول: إنما نظر الصحابي إلى أحد الجانبين فأطلق ذلك، أو لعله أراد مجرد الصحبة أو المحبة. قوله: (بثلاث لا أدعهن حتى أموت) يحتمل أن يكون قوله " لا أدعهن إلخ " من جملة الوصية، أي أوصاني أن لا أدعهن، ويحتمل أن يكون من إخبار الصحابي بذلك عن نفسه. قوله: (صوم ثلاثة أيام) بالخفض بدل من قوله " بثلاث"، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. قوله: (من كل شهر) الذي يظهر أن المراد بها البيض، وسيأتي تفسيرها في كتاب الصوم. قوله: (وصلاة الضحى) زاد أحمد في روايته " كل يوم " وسيأتي في الصيام من طريق أبي التياح عن أبي عثمان بلفظ " وركعتي الضحى " قال ابن دقيق العيد: لعله ذكر الأقل الذي يوجد التأكيد بفعله، وفي هذا دلالة على استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان، وعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها لا ينافي استحبابها لأنه حاصل بدلالة القول، وليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلة القول والفعل، لكن ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله مرجح على ما لم يواظب عليه. قوله: (ونوم على وتر) في رواية أبي التياح " وأن أوتر قبل أن أنام " وفيه استحباب تقديم الوتر على النوم وذلك في حق من لم يثق بالاستيقاظ، ويتناول من يصلي بين النومين. وهذه الوصية لأبي هريرة ورد مثلها لأبي الدرداء فيما رواه مسلم، ولأبي ذر فيما رواه النسائي. والحكمة في الوصية على المحافظة على ذلك تمرين النفس على جنس الصلاة والصيام ليدخل في الواجب منهما بانشراح، ولينجبر ما لعله يقع فيه من نقص. ومن فوائد ركعتي الضحى أنها تجزئ عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم وهي ثلاثمائة وستون مفصلا كما أخرجه مسلم من حديث أبي ذر وقال فيه " ويجزئ عن ذلك ركعتا الضحى " وحكى شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين في شرح الترمذي أنه اشتهر بين العوام أن من صلى الضحى ثم قطعها يعمى، فصار كثير من الناس يتركونها أصلا لذلك، وليس لما قالوه أصل، بل الظاهر أنه مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوام ليحرمهم الخير الكثير لا سيما ما وقع في حديث أبي ذر. (تنبيهان) : الأول اقتصر في الوصية للثلاثة المذكورين على الثلاثة المذكورة لأن الصلاة والصيام أشرف العبادات البدنية، ولم يكن المذكورون من أصحاب الأموال. وخصت الصلاة بشيئين لأنها تقع ليلا ونهارا بخلاف الصيام. (الثاني) ليس في حديث أبي هريرة تقييد بسفر ولا حضر. والترجمة مختصة بالحضر، لكن الحديث يتضمن الحضر لأن إرادة الحضر فيه ظاهرة، وحمله على الحضر والسفر ممكن، وأما حمله على السفر دون الحضر فبعيد لأن السفر مظنة التخفيف. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَ ضَخْمًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى بَيْتِهِ وَنَضَحَ لَهُ طَرَفَ حَصِيرٍ بِمَاءٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ فُلَانُ بْنُ فُلَانِ بْنِ جَارُودٍ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى فَقَالَ مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى غَيْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ الشرح: قوله: (قال رجل من الأنصار) قيل هو عتبان بن مالك، لأن في قصته شبها بقصته، وقد تقدم هذا الحديث عن آدم عن شعبة بهذا الإسناد والمتن في " باب هل يصلي الإمام بمن حضر " من أبواب الإمامة مع الكلام عليه. قوله: (يصلي الضحى) قال ابن رشيد: هذا يدل على أن ذلك كان كالمتعارف عندهم وإلا فصلاته صلى الله عليه وسلم في بيت الأنصاري وإن كانت في وقت صلاة الضحى لا يلزم نسبتها لصلاة الضحى. قلت: إلا أنا قدمنا أن القصة لعتبان بن مالك، وقد تقدم في صدر الباب أن عتبان سماها صلاة الضحى فاستقام مراد المصنف، وتقييده ذلك بالحضر ظاهر لكونه صلى في بيته. قوله: (ما رأيته صلى) في الرواية الماضية " يصلي الضحى". قوله: (إلا ذلك اليوم) يأتي فيه ما تقدم ذكره قي حديث ابن عمر وعائشة من الجمع، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب الركعتين قبل الظهر) ترجم أولا بالرواتب التي بعد المكتوبات، ثم أورد ما يتعلق بما قبلها، وقد تقدم الكلام على ركعتي الفجر والكلام على حديث ابن عمر وهو ظاهر فيما ترجم له، وأما حديث عائشة فقوله فيه " إنه كان لا يدع أربعا قبل الظهر " لا يطابق الترجمة، ويحتمل أن يقال: مراده بيان أن الركعتين قبل الظهر ليستا حتما بحيث يمتنع الزيادة عليهما، قال الداودي: وقع في حديث ابن عمر " إن قبل الظهر ركعتين " وفي حديث عائشة " أربعا " وهو محمول على أن كل واحد منهما وصف ما رأى قال: ويحتمل أن يكون نسي ابن عمر ركعتين من الأربع. قلت: هذا الاحتمال بعيد، والأولى أن يحمل على حالين: فكان تارة يصلي ثنتين وتارة يصلي أربعا، وقيل: هو محمول على أنه كان في المسجد يقتصر على ركعتين وفي بيته يصلي أربعا، ويحتمل أن يكون يصلي إذا كان في بيته ركعتين ثم يخرج إلى المسجد فيصلي ركعتين فرأى ابن عمر ما في المسجد دون ما في بيته واطلعت عائشة على الأمرين، ويقوي الأول ما رواه أحمد وأبو داود في حديث عائشة " كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج " قال أبو جعفر الطبري: الأربع كانت في كثير من أحواله، والركعتان في قليلها. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَمْرٌو عَنْ شُعْبَةَ الشرح: قوله: (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر) بميم مضمومة ونون ساكنة ومثناة مفتوحة بعدها شين معجمة مكسورة ثم راء. قوله: (عن أبيه عن عائشة) في رواية وكيع عن شعبة عن إبراهيم عن أبيه " سمعت عائشة " أخرجه الإسماعيلي، وحكى عن شيخه أبي القاسم البغوي أنه حدثه به من طريق عثمان بن عمر عن شعبة فأدخل بين محمد بن المنتشر وعائشة مسروقا وأخبره أن حديث وكيع وهم، ورد ذلك الإسماعيلي بأن محمد بن جعفر قد وافق وكيعا على التصريح بسماع محمد من عائشة ثم ساقه بسنده إلى شعبة عن إبراهيم بن محمد أنه سمع أباه أنه سمع عائشة، قال الإسماعيلي: ولم يكن يحيي بن سعيد - يعني القطان الذي أخرجه البخاري من طريقه - ليحمله مدلسا، قال: والوهم عندي فيه من عثمان بن عمر انتهى. وبذلك جزم الدارقطني في " العلل " وأوضح أن رواية عثمان بن عمر من المزيد في متصل الأسانيد، لكن أخرجه الدارمي عن عثمان بن عمر بهذا الإسناد فلم يذكر فيه مسروقا. فإما أن يكون سقط عليه أو على من بعده، أو يكون الوهم في زيادته ممن دون عثمان بن عمر. قوله: (تابعه ابن أبي عدي) زاد الإسماعيلي وابن المبارك ومعاذ بن معاذ ووهب بن جرير كلهم عن شعبة بسنده وليس فيه مسروق. قوله: (وعمرو عن شعبة) يعني عمرو بن مرزوق، وقد وصل حديثه البرقاني في المصافحة. *3* الشرح: قوله: (باب الصلاة قبل المغرب) لم يذكر المصنف الصلاة قبل العصر، وقد ورد فيها حديث لأبي هريرة مرفوع لفظه " رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ابن حبان، وورد من فعله أيضا من حديث علي بن أبي طالب أخرجه الترمذي والنسائي وفيه " أنه كان يصلي قبل العصر أربعا " وليسا على شرط البخاري. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً الشرح: قوله: (عن الحسين) هو ابن ذكوان المعلم. قوله: (حدثني عبد الله المزني) هو ابن مغفل بالمعجمة والفاء المشددة. قوله: (صلوا قبل صلاة المغرب) زاد أبو داود في روايته عن الفربري عن عبد الوارث بهذا الإسناد " صلوا قبل المغرب ركعتين " ثم قال " صلوا قبل المغرب ركعتين " وأعادها الإسماعيلي من هذا الوجه ثلاث مرات، وهو موافق لقوله في رواية المصنف " قال في الثالثة لمن شاء " وفي رواية أبي نعيم في المستخرج " صلوا قبل المغرب ركعتين قالها ثلاثا ثم قال: لمن شاء". قوله: (كراهية أن يتخذها الناس سنة) قال المحب الطبري: لم يرد نفي استحبابها لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابها، ومعنى قوله " سنة " أي شريعة وطريقة لازمة، وكأن المراد انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض، ولهذا لم يعدها أكثر الشافعية في الرواتب واستدركها بعضهم، وتعقب بأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها، وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا في " باب كم بين الأذان والإقامة " من أبواب الأذان. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُقْرِئُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ مَرْثَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيَّ قَالَ أَتَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ فَقُلْتُ أَلَا أُعْجِبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَالَ عُقْبَةُ إِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ فَمَا يَمْنَعُكَ الْآنَ قَالَ الشُّغْلُ الشرح: قوله: (اليزني) بفتح التحتانية والزاي بعدها نون وهو مصري، وكذا بقية رجال الإسناد سوى شيخ البخاري وقد دخلها. قولها: (ألا أعجبك) بضم أوله وتشديد الجيم من التعجب. قوله: (من أبي تميم) هو عبد الله بن مالك الجيشاني بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة تابعي كبير مخضرم أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ القرآن على معاذ بن جبل ثم قدم في زمن عمر فشهد فتح مصر وسكنها، قال ابن يونس: وقد عده جماعة في الصحابة لهذا الإدراك، ولم يذكر المزي في " التهذيب " أن البخاري أخرج له، وهو على شرطه فيرد عليه بهذا الحديث. قوله: (يركع ركعتين) زاد الإسماعيلي " حين يسمع أذان المغرب " وفيه " فقلت لعقبة وأنا أريد أن أغمصه " وهو بمعجمة ثم مهملة أي أعيبه. قوله: (فقال عقبة إلخ) استدل به على امتداد وقت المغرب ولا حجة فيه كما بيناه في الباب السابق. وقال قوم: إنما تستحب الركعتان المذكورتان لمن كان متأهبا بالطهر وستر العورة لئلا يؤخر المغرب عن أول وقتها، ولا شك أن إيقاعها في أول الوقت أولى، ولا يخفى أن محل استحبابهما ما لم تقم الصلاة، وقد تقدم الكلام على بقية فوائده في الباب السابق، وفيه رد على قول القاضي أبي بكر بن العربي: لم يفعلهما أحد بعد الصحابة، لأن أبا تميم تابعي وقد فعلهما. وذكر الأثرم عن أحمد أنه قال: ما فعلتهما إلا مرة واحدة حين سمعت الحديث. وفيه أحاديث جياد عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، إلا أنه قال " لمن شاء " فمن شاء صلى.
|