الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
الشرح: قوله: (باب نقض الصور) بفتح النون وسكون القاف بعدها معجمة، والصور بضم المهملة وفتح الواو جمع صورة، وحكي سكون الواو في الجمع أيضا. الحديث: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ الشرح: قوله: (هشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي. قوله: (عن يحيى) هو ابن أبي كثير، وعمران بن حطان تقدم ذكره في أوائل كتاب اللباس. وفي قوله: " أن عائشة حدثته " رد على ابن عبد البر في قوله إن عمران لم يسمع من عائشة، وقد أخرج أبو داود الطيالسي في مسنده من رواية صالح بن سرح عن عمران " سمعت عائشة " فذكر حديثا آخر. وفي الطبري الصغير بسند قوي من وجه آخر عن عمران " قالت لي عائشة " وتقدم في أوائل اللباس له حديث آخر فيه التصريح بسؤاله عائشة. قوله: (لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب) جمع صليب كأنهم سموا ما كانت فيه صورة الصليب تصليبا تسمية بالمصدر، ووقع في رواية الإسماعيلي " شيئا فيه تصليب " وفي رواية الكشميهني " تصاوير " يدل تصاليب، ورواية الجماعة أثبت، فقد أخرجه النسائي من وجه آخر عن هشام فقال: " تصاليب " وكذا أخرجه أبو داود من رواية أبان العطار عن يحيى بن أبي كثير، وعلى هذا فيحتاج إلى مطابقة الحديث للترجمة، والذي يظهر أنه استنبط من نقض الصليب نقض الصورة التي تشترك مع الصليب في المعنى وهو عبادتهما من دون الله. فيكون المراد بالصور في الترجمة خصوص ما يكون من ذوات الأرواح، بل أخص من ذلك. قوله: (إلا نقضه) كذا للأكثر، ووقع في رواية أبان إلا قضبه، بتقديم القاف ثم المعجمة ثم الموحدة، وكذا وقع في رواية عند ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن هشام ورجحها بعض شراح " المصابيح " وعكسه الطيبي فقال: رواية البخاري أضبط والاعتماد عليهم أولى. قلت: ويترجح من حيث المعنى أن النقض يزيل الصورة مع بقاء الثوب على حاله، والقضب وهو القطع يزيل صورة الثوب، قال ابن بطال: في هذا الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينقض الصورة سواء كانت مما له ظل أم لا، وسواء كانت مما توطأ أم لا، سواء في الثياب وفي الحيطان وفي الفرش والأوراق وغيرها. قلت: وهذا مبني على ثبوت الرواية بلفظ " تصاوير " وأما بلفظ " تصاليب " فلا لأن في التصاليب معنى زائدا على مطلق الصور، لأن الصليب مما عبد من دون الله بخلاف الصور فليس جميعها مما عبد، فلا يكون فيه حجة على من فرق في الصور بين ما له روح فمنعه وما لا روح فيه فلم يمنعه كما سيأتي تفصيله. فإذا كان المراد بالنقض الإزالة دخل طمسها فيما لو كانت نقشا في الحائط أو حكها أو لطخها بما يغيب هيئتها. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَاراً بِالْمَدِينَةِ فَرَأَى أَعْلَاهَا مُصَوِّراً يُصَوِّرُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً ثُمَّ دَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَهُ فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُنْتَهَى الْحِلْيَةِ الشرح: قوله: (عبد الواحد) هو ابن زياد، وعمارة هو ابن القعقاع. قوله: (حدثنا أبو زرعة) هو ابن عمرو بن جرير. قوله: (دخلت مع أبي هريرة) جاء عن أبي زرعة المذكور حديث آخر بسند آخر أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من طريق علي بن مدرك عن عبد الله بن نجي بنون وجيم مصغر عن أبيه عن علي رفعه " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة". قوله: (دارا بالمدينة) هي لمروان بن الحكم، وقع ذلك في رواية محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عند مسلم من هذا الوجه، وعند مسلم أيضا والإسماعيلي من طريق جرير عن عمارة " دارا تبنى لسعيد أو لمروان " بالشك، وسعيد هو ابن العاص بن سعيد الأموي، وكان هو ومروان بن الحكم يتعاقبان إمرة المدينة لمعاوية، والرواية الجازمة أولى. قوله: (مصورا يصور) لم أقف على اسمه، وقوله: " يصور " بصيغة المضارعة للجميع، وضبطه الكرماني بوجهين أحدهما هذا والآخر بكسر الموحدة وضم الصاد المهملة وفتح الواو ثم راء منونة، وهو بعيد. قوله: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي) هكذا في البخاري، وقد وقع نحو ذلك في حديث آخر لأبي هريرة تقدم قريبا في " باب ما يذكر في المسك " وفيه حذف بينه ما وقع في رواية جرير المذكورة " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: " ومن أظلم " الخ، ونحوه في رواية ابن فضيل، وقوله: " ذهب " أي قصد وقوله: " كخلقي " التشبيه في فعل الصورة وحدها لا من كل الوجوه، قال ابن بطال: فهم أبو هريرة أن التصوير يتناول ما له ظل وما ليس له ظل، فلهذا أنكر ما ينقش في الحيطان. قلت: هو ظاهر من عموم اللفظ، ويحتمل أن يقصر على ما له ظل من جهة قوله: " كخلقي " فإن خلقه الذي اخترعه ليس صورة في حائط بل هو خلق تام، لكن بقية الحديث تقتضي تعميم الزجر عن تصوير كل شيء وهي قوله: " فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة " وهي بفتح المعجمة وتشديد الراء، ويجاب عن ذلك بأن المراد إيجاد حبة على الحقيقة لا تصويرها. ووقع لابن فضيل من الزيادة " وليخلقوا شعرة " والمراد بالحبة حبة القمح بقرينة ذكر الشعير، أو الحبة أعم، والمراد بالذرة النملة، والغرض تعجيزهم تارة بتكليفهم خلق حيوان وهو أشد وأخرى بتكليفهم خلق جماد وهو أهون، ومع ذلك لا قدرة لهم على ذلك. قوله: (ثم دعا بتور) أي طلب تورا، وهو بمثناة إناء كالطست تقدم بيانه في كتاب الطهارة. قوله: (من ماء) أي فيه ماء. قوله: (فغسل يديه حتى بلغ إبطه) في هذه الرواية اختصار وبيانه في رواية جرير بلفظ " فتوضأ أبو هريرة فغسل يده حتى بلغ إبطه وغسل رجليه حتى بلغ ركبتيه " أخرجها الإسماعيلي، وقدم قصة الوضوء على قصة المصور، ولم يذكر مسلم قصة الوضوء هنا. قوله: (منتهى الحلية) في رواية جرير " إنه منتهى الحلية " كأنه يشير إلى الحديث المتقدم في الطهارة في فصل الغرة والتحجيل في الوضوء، ويؤيده حديثه الآخر " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " وقد تقدم شرحه، والبحث في ذلك مستوفى هناك. وليس بين ما دل عليه الخبر من الزجر عن التصوير وبين ما ذكر من وضوء أبي هريرة مناسبة، وإنما أخبر أبو زرعة بما شاهد وسمع من ذلك. *3* الشرح: قوله: (باب ما وطئ من التصاوير) أي هل يرخص فيه؟ ووطئ بضم الواو مبني للمجهول، أي صار يداس عليه ويمتهن. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ وَمَا بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَتَكَهُ وَقَالَ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ قَالَتْ فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ الشرح: قوله: (القاسم) هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق. قوله: (من سفر) في رواية البيهقي أنها غزوة تبوك، وفي أخرى لأبي داود والنسائي غزوة تبوك أو خيبر على الشك. قوله: (بقرام) بكسر القاف وتخفيف الراء: هو ستر فيه رقم ونقش، وقيل: ثوب من صوف ملون يفرش في الهودج أو يغطى به. قوله: (على سهوة) بفتح المهملة وسكون الهاء هي صفة من جانب البيت، وقيل: الكوة، وقيل: الرف، وقيل: أربعة أعواد أو ثلاثة يعارض بعضها ببعض يوضع عليها شيء من الأمتعة، وقيل: أن يبنى من حائط البيت حائط صغير ويجعل السقف على الجميع فما كان وسط البيت فهو السهوة وما كان داخله فهو المخدع، وقيل: دخلة في ناحية البيت، وقيل: بيت صغير يشبه المخدع، وقيل: بيت صغير منحدر في الأرض وسمكه مرتفع من الأرض كالخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع، ورجح هذا الأخير أبو عبيد، ولا مخالفة بينه وبين الذي قبله. قلت: وقد وقع في حديث عائشة أيضا في ثاني حديثي الباب أنها علقته على بابها، وكذا في رواية زيد بن خالد الجهني عن عائشة عند مسلم، فتعين أن السهوة بيت صغير علقت الستر على بابه. قوله: (فيه تماثيل) بمثناة ثم مثلثة جمع تمثال وهو الشيء المصور، أعم من أن يكون شاخصا أو يكون نقشا أو دهانا أو نسجا في ثوب. وفي رواية بكير بن الأشج عن عبد الرحمن بن القاسم عند مسلم أنها نصبت سترا فيه تصاوير. قوله: (هتكه) أي نزعه، وقد وقع في الرواية التي بعدها " فأمرني أن أنزعه فنزعته". قوله: (أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله) أي يشبهون ما يصنعونه بما يصنعه الله، ووقع في رواية الزهري عن: القاسم عند مسلم " الذين يشبهون بخلق الله " وقد تقدم الكلام على قوله: " أشد " قبل بباب. قوله: (فجعلناه وسادة أو وسادتين) تقدم هذا الحديث في المظالم من طريق عبيد الله العمري عن عبد الرحمن بن القاسم بهذا السند قالت: " فاتخذت منه نمرقتين فكانتا في البيت يجلس عليهما " وهو عند مسلم من وجه آخر عن عبيد الله بلفظ " فأخذته فجعلته مرفقتين، فكان يرتفق بهما في البيت " والنمرقة يأتي ضبطها في الباب الذي يليه. ولمسلم من طريق بكير بن الأشج " فقطعته وسادتين فقال رجل في المجلس يقال له ربيعة بن عطاء: أفما سمعت أبا محمد، يريد القاسم بن محمد، يذكر أن عائشة قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتفق عليهما؟ قال ابن القاسم يعني عبد الرحمن: لا. قال: لكني قد سمعته". الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَعَلَّقْتُ دُرْنُوكاً فِيهِ تَمَاثِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْزِعَهُ فَنَزَعْتُهُ وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ الشرح: قوله: (عبد الله بن داود) هو الخريبي بمعجمة وراء وموحدة مصغر، وهشام هو ابن عروة. قوله: (درنوكا) زاد مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام " على بابي " والدرنوك بضم الدال المهملة وسكون الراء بعدها نون مضمومة ثم كاف ويقال فيه درموك بالميم بدل النون، قال الخطابي: هو ثوب غليظ له خمل إذا فرش فهو بساط، وإذا علق فهو ستر. قوله: (فيه تماثيل) زاد في رواية أبي أسامة عند مسلم " فيه الخيل ذوات الأجنحة". واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ الصور إذا كانت لا ظل لها، وهي مع ذلك مما يوطأ ويداس أو يمتهن بالاستعمال كالمخاد والوسائد، قال النووي: وهو قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، وهو قول الثوري ومالك وأبي حنيفة والشافعي، ولا فرق في ذلك بين ما له ظل وما لا ظل له، فإن كان معلقا على حائط أو ملبوسا أو عمامة أو نحو ذلك مما لا يعد ممتهنا فهو حرام. قلت: وفيما نقله مؤاخذات: منها أن ابن العربي من المالكية نقل أن الصورة إذا كان لها ظل حرم بالإجماع سواء كانت مما يمتهن أم لا، وهذا الإجماع محله في غير لعب البنات كما سأذكره في " باب من صور صورة " وحكى القرطبي في " المفهم " في الصور التي لا تتخذ للإبقاء كالفخار قولين أظهرهما المنع. قلت: وهل يلتحق ما يصنع من الحلوى بالفخار، أو بلعب البنات؟ محل تأمل. وصحح ابن العربي أن الصورة التي لا ظل لها إذا بقيت على هيئتها حرمت سواء كانت مما يمتهن أم لا، وإن قطع رأسها أو فرقت هيئتها جاز، وهذا المذهب منقول عن الزهري وقواه النووي، وقد يشهد له حديث النمرقة - يعني المذكور في الباب الذي بعده - وسيأتي ما فيه. ومنها أن إمام الحرمين نقل وجها أن الذي يرخص فيه مما لا ظل له ما كان على ستر أو وسادة، وأما ما على الجدار والسقف فيمنع، والمعنى فيه أنه بذلك يصير مرتفعا فيخرج عن هيئة الامتهان بخلاف الثوب فإنه بصدد أن يمتهن، وتساعده عبارة " مختصر المزني " صورة ذات روح إن كانت منصوبة. ونقل الرافعي عن الجمهور أن الصورة إذا قطع رأسها ارتفع المانع. وقال المتولي في " التتمة " لا فرق. ومنها أن مذهب الحنابلة جواز الصورة في الثوب ولو كان معلقا على ما في خبر أبي طلحة، لكن إن ستر به الجدار منع عندهم، قال النووي: وذهب بعض السلف إلى أن الممنوع ما كان له ظل وأما ما لا ظل له فلا بأس باتخاذه مطلقا، وهو مذهب باطل، فإن الستر الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم كانت الصورة فيه بلا ظل بغير شك، ومع ذلك فأمر بنزعه. قلت: المذهب المذكور نقله ابن أبي شيبة عن القاسم بن محمد بسند صحيح ولفظه عن ابن عون " قال دخلت على القاسم وهو بأعلى مكة في بيته، فرأيت في بيته حجلة فيها تصاوير القندس والعنقاء " ففي إطلاق كونه مذهبا باطلا نظر، إذ يحتمل أنه تمسك في ذلك بعموم قوله: " إلا رقما في ثوب " فإنه أعم من أن يكون معلقا أو مفروشا، وكأنه جعل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة تعليق الستر المذكور مركبا من كونه مصورا ومن كونه ساترا للجدار، ويؤيده ما ورد في بعض طرقه عند مسلم. فأخرج من طريق سعيد بن يسار عن زيد بن خالد الجهني قال. " دخلت على عائشة " فذكر نحو حديث الباب لكن قال: " فجذبه حتى هتكه وقال: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين. قال فقطعنا منه وسادتين " الحديث؛ فهذا يدل على أنه كره ستر الجدار بالثوب المصور، فلا يساويه الثوب الممتهن ولو كانت فيه صورة، وكذلك الثوب الذي لا يستر به الجدار. والقاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة، وكان من أفضل أهل زمانه، وهو الذي روى حديث النمرقة، فلولا أنه فهم الرخصة في مثل الحجلة ما استجاز استعمالها، لكن الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك يدل على أنه مذهب مرجوح، وأن الذي رخص فيه من ذلك ما يمتهن، لا ما كان منصوبا. وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق أيوب عن عكرمة قال: كانوا يقولون في التصاوير في البسط والوسائد التي توطأ ذل لها. ومن طريق عاصم عن عكرمة قال: كانوا يكرهون ما نصب من التماثيل نصبا، ولا يرون بأسا بما وطئته الأقدام. ومن طريق ابن سيرين وسالم بن عبد الله وعكرمة بن خالد وسعيد بن جبير فرقهم أنهم قالوا: لا بأس بالصورة إذا كانت توطأ. ومن طريق عروة أنه كان يتكئ على المرافق فيها التماثيل الطير والرجال. قوله في آخر الحديث (وكنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد) كذا أورده عقب حديث التصوير، وهو حديث آخر مستقل قد أفرده في كتاب الطهارة من وجه آخر عن الزهري عن عروة، وأخرجه عقب حديث عائشة في صفة الغسل من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام بن عروة به، وتقدم شرحه هناك، وكأن البخاري سمع الحديث على هذه الصورة فأورده كما هو واغتفر ذلك لكون المتن قصيرا مع أن كثرة عادته التصرف في المتن بالاختصار والاقتصار. وقال الكرماني: يحتمل أن الدرموك كان في باب المغتسل، أو اقتضى الحال ذكر الاغتسال إما بحسب سؤال وإما بغيره. *3* الشرح: قوله: (باب من كره القعود على الصور) أي ولو كانت مما توطأ. الحديث: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ فَقُلْتُ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِمَّا أَذْنَبْتُ قَالَ مَا هَذِهِ النُّمْرُقَةُ قُلْتُ لِتَجْلِسَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا قَالَ إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ الصُّورَةُ الشرح: قوله: (جويرية) بالجيم والراء مصغر. قوله: (عن عائشة) في رواية مالك عن نافع عن القاسم " عن عائشة أنها أخبرته " وسيأتي بعد بابين. قوله: (نمرقة) بفتح النون وسكون الميم وضم الراء بعدها قاف كذا ضبطها القزاز وغيره، وضبطها ابن السكيت بضم النون أيضا وبكسرها وكسر الراء، وقيل: في النون الحركات الثلاث والراء مضمومة جزما والجمع نمارق، وهي الوسائد التي يصف بعضها إلى بعض، وقيل: النمرقة الوسادة التي يجلس عليها. قوله: (فلم يدخل) زاد مالك في روايته فعرفت الكراهية في وجهه. قوله: (أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت) يستفاد منه جواز التوبة من الذنوب كلها إجمالا وإن لم يستحضر التائب خصوص الذنب الذي حصلت به مؤاخذته. قوله: (ما هذه النمرقة) في رواية مالك " ما بال هذه". قوله: (قلت لتجلس عليها) في رواية مالك " اشتريتها لتقعد عليها". قوله: (وتوسدها) بفتح أوله وبتشديد السين المهملة أصله تتوسدها. قوله: (إن أصحاب هذه الصور الخ) وفيه " إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصور " والجملة الثانية هي المطابقة لامتناعه من الدخول، وإنما قدم الجملة الأولى عليها اهتماما بالزجر عن اتخاذ الصور، لأن الوعيد إذا حصل لصانعها فهو حاصل لمستعملها، لأنها لا تصنع إلا لتستعمل فالصانع متسبب والمستعمل مباشر فيكون أولى بالوعيد، ويستفاد منه أنه لا فرق في تحريم التصوير بين أن تكون الصورة لها ظل أو لا، ولا ببن أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة، خلافا لمن استثنى النسج وادعى أنه ليس بتصوير، وظاهر حديثي عائشة هذا والذي قبله يدل على أنه صلى الله عليه وسلم استعمل الستر الذي فيه الصورة بعد أن قطع وعملت منه الوسادة، وهذا يدل على أنه لم يستعمله أصلا، وقد أشار المصنف إلى الجمع بينهما بأنه لا يلزم من جواز اتخاذ ما يوطأ من الصور جواز القعود على الصورة فيجوز أن يكون استعمل من الوسادة ما لا صورة فيه، ويجوز أن يكون رأى التفرقة بين القعود والاتكاء وهو بعيد، ويحتمل أيضا أن يجمع بين الحديثين بأنها لما قطعت الستر وقع القطع في وسط الصورة مثلا فخرجت عن هيئتها فلهذا صار يرتفق بها، ويؤيد هذا الجمع الحديث الذي في الباب قبله في نقض الصور وما سيأتي في حديث أبي هريرة المخرج في السنن، وسأذكره في الباب بعده. وسلك الداودي في الجمع مسلكا آخر فادعى أن حديث الباب ناسخ لجميع الأحاديث الدالة على الرخصة، واحتج بأنه خبر والخبر لا يدخله النسخ فيكون هو الناسخ. قلت: والنسخ لا يثبت بالاحتمال، وقد أمكن الجمع فلا يلتفت لدعوى النسخ، وأما ما احتج به فرده ابن التين بأن الخبر إذا قارنه الأمر جاز دخول النسخ فيه. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ الصُّورَةُ قَالَ بُسْرٌ ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ فَقُلْتُ لعبيد الله رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنْ الصُّوَرِ يَوْمَ الْأَوَّلِ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ إِلَّا رَقْماً فِي ثَوْبٍ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ بُكَيْرٌ حَدَّثَهُ بُسْرٌ حَدَّثَهُ زَيْدٌ حَدَّثَهُ أَبُو طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (عن بكير) بالموحدة مصغر، في رواية النسائي عن عيسى بن حماد عن الليث " حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج " وكذا عند أحمد عن حجاج بن محمد وهاشم بن القاسم عن الليث. قوله: (عن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة، في رواية عمرو بن الحارث عن بكير " أن بسر بن سعيد حدثه " وقد مضت في بدء الخلق. قوله: (عن زيد بن خالد) هو الجهني الصحابي، في رواية عمرو أيضا " أن زيد بن خالد الجهني حدثه ومع بسر بن سعيد عبيد الله الخولاني الذي كان في حجر ميمونة". قوله: (أبي طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري الصحابي المشهور، وفي الإسناد تابعيان في نسق وصحابيان في نسق، وعلى رواية بسر عن عبيد الله الخولاني للزيادة الآتي ذكرها يكون فيه ثلاثة من التابعين في نسق وكلهم مدنيون. ووقع في رواية عمرو بن الحارث أن أبا طلحة حدثه. قوله: (فيه صورة) كذا لكريمة وغيرها. وفي رواية أبي ذر عن مشايخه إلا المستملي " صور " بصيغة الجمع، وكذا في قوله: " فإذا على بابه ستر فيه صورة " ووقع في رواية عمرو بن الحارث " فإذا نحن في بيته بستر فيه تصاوير " وهي تقوي رواية أبي ذر. قوله: (فقلت لعبيد الله الخولاني) أي الذي كان معه كما بينته رواية عمرو بن الحارث، وعبيد الله هو ابن الأسود ويقال ابن أسد، ويقال له ربيب ميمونة لأنها كانت ربته وكان من مواليها ولم يكن ابن زوجها، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في الصلاة من روايته عن عثمان. قوله: (يوم الأول) في رواية الكشميهني " يوم أول". قوله: (فقال عبيد الله ألم تسمعه حين قال: إلا رقما في ثوب) في رواية عمرو بن الحارث " فقال إنه قال إلا رقما في ثوب، ألا سمعته؟ قلت: لا. قال: بلى قد ذكره". قوله: (وقال ابن وهب أخبرني عمرو هو ابن الحارث) تقدم أنه وصله في بدء الخلق، وقد بينت ما في روايته من فائدة زائدة، ووقع عند النسائي من وجه آخر عن بسر بن سعيد عن عبيدة بن سفيان قال: " دخلت أنا وأبو سلمة بن عبد الرحمن على زيد بن خالد نعوده فوجدنا عنده نمرقتين فيهما تصاوير. وقال أبو سلمة: أليس حدثتنا " فذكر الحديث، فقال زيد: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إلا رقما في ثوب " قال النووي: يجمع بين الأحاديث بأن المراد باستثناء الرقم في الثوب ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأرواح كصورة الشجر ونحوها ا هـ. ويحتمل أن يكون ذلك قبل النهي كما يدل عليه حديث أبي هريرة الذي أخرجه أصحاب السنن وسأذكره في الباب الذي يليه. وقال ابن العربي: حاصل ما في اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع، وإن كانت رقما فأربعة أقوال: الأول: يجوز مطلقا على ظاهر قوله في حديث الباب إلا رقما في ثوب، الثاني: المنع مطلقا حتى الرقم، الثالث: إن كانت الصورة باقية الهيئة قائمة الشكل حرم وإن قطعت الرأس أو تفرقت الأجزاء جاز، قال وهذا هو الأصح، الرابع: إن كان مما يمتهن جاز وإن كان معلقا لم يجز. *3* الشرح: قوله: (باب كراهية الصلاة في التصاوير) أي في الثياب المصورة الحديث: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيطِي عَنِّي فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي الشرح: قوله: (عبد الوارث) هو ابن سعيد، والإسناد كله بصريون. قوله: (كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها) تقدم ضبط القرام قريبا. قوله: (أميطي) أي أزيلي وزنه ومعناه. قوله: (تعرض) بفتح أوله وكسر الراء أي أنظر إليها فتشغلني، ووقع في حديث عائشة عند مسلم أنها كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوة وكان النبي صلى الله عليه وسلم: يصلي إليه، فقال: أخريه عني. ووجه انتزاع الترجمة من الحديث أن الصور إذا كانت تلهي المصلي وهي مقابله فكذا تلهيه وهو لابسها بل حالة اللبس أشد، ويحتمل أن تكون " في " بمعنى " إلى " فتحصل المطابقة وهو اللائق بمراده، فإن في المسألة خلافا، فنقل عن الحنفية أنه لا تكره الصلاة إلى جهة فيها صورة إذا كانت صغيرة أو مقطوعة الرأس، وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين حديث عائشة أيضا في النمرقة لأنه يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل البيت الذي كان فيه الستر المصور أصلا حتى نزعه وهذا يدل على أنه أقره وصلى وهو منصوب إلى أن أمر بنزعه من أجل ما ذكر من رؤيته الصورة حالة الصلاة، ولم يتعرض لخصوص كونها صورة. ويمكن الجمع بأن الأول كانت تصاويره من ذوات الأرواح وهذا كانت تصاويره من غير الحيوان كما تقدم تقريره في حديث زيد بن خالد. *3* الشرح: قوله: (باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة) تقدم البحث في المراد بالصورة في " باب التصاوير " وقال القرطبي في " المفهم " إنما لم تدخل الملائكة البيت الذي فيه الصورة لأن متخذها قد تشبه بالكفار لأنهم يتخذون الصور في بيوتهم ويعظمونها فكرهت الملائكة ذلك فلم تدخل بيته هجرا له لذلك. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ فَرَاثَ عَلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ فَقَالَ لَهُ إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ الشرح: قوله: (عمر بن محمد) أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر، وسالم شيخه هو عم أبيه وهو ابن عبد الله بن عمر. قوله: (وعد جبريل النبي صلى الله عليه وسلم) زادت عائشة " في ساعة يأتيه فيها " أخرجه مسلم. قوله: (فراث عليه) بالمثلثة أي أبطأ، وفي حديث عائشة " فجاءت تلك الساعة ولم يأته". قوله: (حتى اشتد على النبي صلى الله عليه وسلم) في حديث عائشة " وفي يده عصا فألقاها من يده وقال: ما يخلف الله وعده ولا رسله " وفي حديث ميمونة عند مسلم نحو حديث عائشة وفيه " أنه أصبح واجما " بالجيم أي منقبضا. قوله: (فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه فشكا إليه ما وجد) أي من إبطائه (فقال له: إنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب) في هذا الحديث اختصار، وحديث عائشة أتم ففيه " ثم التفت فإذا جر وكلب تحت سريره فقال: يا عائشة متى دخل هذا الكلب؟ فقالت: وايم الله ما دريت. ثم أمر به فأخرج، فجاء جبريل، فقال: واعدتني فجلست لك فلم تأت. فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك " وفي حديث ميمونة " فظل يومه على ذلك، ثم وقع في نفسه جرو كلب فأمر به فأخرج، ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه، فلما أمسى لقيه جبريل " وزاد فيه الأمر بقتل الكلاب. وحديث أبي هريرة في السنن وصححه الترمذي وابن حبان أتم سياقا منه ولفظه " أتاني جبريل فقال: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي على باب البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي رواية النسائي " إما أن تقطع رءوسها أو تجعل بسطا توطأ " وفي هذا الحديث ترجيح قول من ذهب إلى أن الصورة التي تمتنع الملائكة من دخول المكان التي تكون فيه باقية على هيئتها مرتفعة غير ممتهنة، فأما لو كانت ممتهنة أو غير ممتهنة لكنها غيرت من هيئتها إما بقطعها من نصفها أو بقطع رأسها فلا امتناع. وقال القرطبي: ظاهر حديث زيد بن خالد عن أبي طلحة الماضي قيل إن الملائكة لا تمتنع من دخول البيت الذي فيه صورة إن كانت رقما في الثوب، وظاهر حديث عائشة المنع ويجمع بينهما بأن يحمل حديث عائشة على الكراهة وحديث أبي طلحة على مطلق الجواز وهو لا ينافي الكراهة. قلت: وهو جمع حسن، لكن الجمع الذي دل عليه حديث أبي هريرة أولى منه، والله تعالى أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب من لم يدخل بيتا فيه صورة) ذكر فيه حديث عائشة في النمرقة وقد تقدم بيانه في " باب من كره القعود على التصاوير " قال الرافعي: وفي دخول البيت الذي فيه الصورة وجهان: قال الأكثر: يكره. وقال أبو محمد. يحرم، فلو كانت الصورة في ممر الدار لا داخل الدار كما في ظاهر الحمام أو دهليزها لا يمتنع الدخول، قال وكان السبب فيه أن الصورة في الممر ممتهنة وفي المجلس مكرمة. قلت: وقصة إطلاق نص المختصر وكلام الماوردي وابن الصباغ وغيرهما لا فرق. *3* الشرح: قوله: (باب من لعن المصور) ذكر فيه حديث أبي جحيفة وقد تقدم بيانه في " باب الواشمة". *3* الشرح: قوله (باب من صور صورة الخ) كذا ترجم بلفظ الحديث، ووقع عند النسفي " باب " بغير ترجمة، وثبتت الترجمة عند الأكثر، وسقط الباب والترجمة من رواية الإسماعيلي، وعلى ذلك جرى ابن بطال، ونقل عن المهلب توجيه إدخال حديث الباب في الباب الذي قبله فقال: اللعن في اللغة الإبعاد من رحمة الله تعالى، ومن كلف أن ينفخ الروح وليس بنافخ فقد أبعد من الرحمة. الحديث: حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ قَتَادَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ وَلَا يَذْكُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سُئِلَ فَقَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ الشرح: قوله: (حدثنا عياش) هو بالتحتانية وبالشين المعجمة، وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى، وسعيد هو ابن أبي عروبة، والسند كله بصريون. قوله: (سمعت النضر بن أنس بن مالك يحدث قتادة) كان سعيد بن أبي عروبة كثير الملازمة لقتادة فاتفق أن قتادة والنضر بن أنس اجتمعا، فحدث النضر قتادة فسمعه سعيد وهو معه، ووقع في رواية المستملي وغيره " يحدثه قتادة " والضمير للحديث، وقتادة بالنصب على المفعولية والفاعل النضر، وضبطه بعضهم بالرفع على أن الضمير للنضر وفاعل يحدث قتادة، وهو خطأ لأنه لا يلائم قوله: " سمعت النضر " ولأن قتادة لم يسمع من ابن عباس ولا حضر عنده، وقد تقدم تصريح البخاري بأن سعيدا سمع من النضر هذا الحديث الواحد، ووقع في رواية خالد بن الحارث عن سعيد عن قتادة عن النضر بن أنس أخرجها الإسماعيلي، وقوله: " عن قتادة " من المزيد في متصل الأسانيد فإن كان خالد حفظه احتمل أن يكون سعيد كان سمعه من قتادة عن النضر ثم لقي النضر فسمعه منه فكان يحدثه به على الوجهين، وقد حدث به قتادة عن النضر من غير طريق سعيد أخرجها الإسماعيلي من رواية هشام الدستوائي عن قتادة. قوله: (وهم يسألونه ولا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم) أي يجيبهم عما يسألونه بالفتوى من غير أن يذكر الدليل من السنة، وقد وقع بيان ذلك عند الإسماعيلي من رواية ابن أبي عدي عن سعيد ولفظه " فجعلوا يستفتونه ويفتيهم ولم يذكر فيما يفتيهم النبي صلى الله عليه وسلم " قوله: (حتى سئل فقال: سمعت) كذا أبهم المسألة، وبينها ابن أبي عدي عن سعد ففي روايته " حتى أتاه رجل من أهل العراق أراه نجارا فقال: إني أصور هذه التصاوير فما تأمرني؟ فقال: إذا سمعت " وتقدم في البيوع من رواية سعيد بن أبي الحسن قال: " كنت عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال: يا أبا عباس، إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي". قوله: (من صور صورة في الدنيا) كذا أطلق وظاهره التعميم فيتناول صورة ما لا روح فيه، لكن الذي فهم ابن عباس من بقية الحديث التخصيص بصورة ذوات الأرواح من قوله: " كلف أن ينفخ فيها الروح " فاستثنى ما لا روح فيه كالشجر. قوله: (كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ) في رواية سعيد بن أبي الحسن " فإن الله يعذبه حني ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا " واستعمال " حتى " هنا نظير استعمالها في قوله تعالى: قال الكرماني: ظاهره أنه من تكليف ما لا يطاق، وليس كذلك وإنما القصد طول تعذيبه وإظهار عجزه عما كان تعاطاه ومبالغة في توبيخه وبيان قبح فعله. وقوله: " ليس بنافخ " أي لا يمكنه ذلك فيكون معذبا دائما، وقد تقدم في " باب عذاب المصورين " من حديث ابن عمر أنه يقال للمصورين أحيوا ما خلقتم وأنه أمر تعجيز، وقد استشكل هذا الوعيد في حق المسلم، فإن وعيد القاتل عمدا ينقطع عند أهل السنة مع ورود تخليده بحمل التخليد على مدة مديدة، وهذا الوعيد أشد منه لأنه مغيا بما لا يمكن وهو نفخ الروح، فلا يصح أن يحمل على أن المراد أنه يعذب زمانا طويلا ثم يتخلص والجواب أنه يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع وظاهره غير مراد، وهذا في حق العاصي بذلك، وأما من فعله مستحلا فلا إشكال فيه. واستدل به على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى للحوق الوعيد بمن تشبه بالخالق، فدل على أن غير الله ليس بخالق حقيقة. وقد أجاب بعضهم بأن الوعيد وقع على خلق الجواهر، ورد بأن الوعيد لاحق باعتبار الشكل والهيئة، وليس ذلك بجوهر، وأما استثناء غير ذي الروح فورد مورد الرخصة كما قررته. وفي قوله: " كلف يوم القيامة " رد على من زعم أن الآخرة ليست بدار تكليف. وأجيب بأن المراد بالنفي أنها ليست بدار تكليف بعمل يترتب عليه ثواب أو عقاب، وأما مثل هذا التكليف فليس بممتنع لأنه نفسه عذاب، وهو نظير الحديث الآخر " من قتل نفسه بحديدة فحديدة في يده يجأ بها نفسه يوم القيامة " وسيأتي في موضعه. وأيضا فالتكليف بالعمل في الدنيا حسن على مصطلح أهل علم الكلام، بخلاف هذا التكليف الذي هو عذاب. واستدل به على جواز التكليف بما لا يطاق، والجواب ما تقدم. وأيضا فنفخ الروح في الجماد قد ورد معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فهو يمكن وإن كان في وقوعه خرق عادة، والحق أنه خطاب تعجيز لا تكليف كما تقدم، والله أعلم. وقد تقدم في " باب بيع التصاوير " في أواخر البيوع زيادة سعيد بن أبي الحسن في روايته أن ابن عباس قال للرجل: " ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر " الحديث، مع ضبط لفظه وإعرابه. واستدل به على جواز تصوير ما لا روح له من شجر أو شمس أو قمر. ونقل الشيخ أبو محمد الجويني وجها بالمنع لأن من الكفار من عبدها. قلت: ولا يلزم من تعذيب من يصور ما فيه روح بما ذكر تجويز تصوير ما لا روح فيه فإن عموم قوله: " الذين يضاهون بخلق الله " وقوله. " ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي " يتناول ما فيه روح وما لا روح فيه، فإن خص ما فيه روح بالمعنى من جهة أنه مما لم تجر عادة الآدميين بصنعته وجرت عادتهم بغرس الأشجار مثلا امتنع ذلك في مثل تصوير الشمس والقمر، ويتأكد المنع بما عبد من دون الله فإنه يضاهي صورة الأصنام التي هي الأصل في منع التصوير، وقد قيد مجاهد صاحب ابن عباس جواز تصوير الشجر بما لا يثمر وأما ما يثمر فألحقه بما له روح، قال عياض: لم يقله أحد غير مجاهد، ورده الطحاوي بأن الصورة لما أبيحت بعد قطع رأسها التي لو قطعت من ذي الروح لما عاش دل ذلك على إباحة ما لا روح له أصلا. قلت: وقضيته أن تجويز تصوير ما له روح بجميع أعضائه إلا الرأس فيه نظر لا يخفى، وأظن مجاهدا سمع حديث أبي هريرة الماضي ففيه " فليخلقوا ذرة، وليخلقوا شعيرة " فإن في ذكر الذرة إشارة إلى ما له روح وفي ذكر الشعيرة إشارة إلى ما ينبت مما يؤكل، وأما ما لا روح فيه ولا يثمر فلا تقع الإشارة إليه. ويقابل هذا التشديد ما حكاه أبو محمد الجويني أن نسج الصورة في الثوب لا يمتنع، لأنه قد يلبس، وطرده المتولي في التصوير على الأرض ونحوها، وصحح النووي تحريم جميع ذلك. قال النووي: ويستثنى من جواز تصوير ما له ظل ومن اتخاذه لعب البنات لما ورد من الرخصة في ذلك. قلت: وسأذكر ذلك في كتاب الأدب واضحا إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله: (باب الارتداف على الدابة) أي إركاب راكب الدابة خلفه غيره، وقد كنت استشكلت إدخال هذه التراجم في كتاب اللباس، ثم ظهر لي أن وجهه أن الذي يرتدف لا يأمن من السقوط فينكشف فأشار إلى أن احتمال السقوط لا يمنع من الارتداف إذ الأصل عدمه فيتحفظ المرتدف إذا ارتدف من السقوط، وإذا سقط فليبادر إلى الستر، وتلقيت فهم ذلك من حديث أنس في قصة صفية الآتي في " باب إرداف المرأة خلف الرجل " وقال الكرماني الغرض الجلوس على لباس الدابة وإن تعدد أشخاص الراكبين عليها، والتصريح بلفظ القطيفة في الحديث الثامن مشعر بذلك. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ الشرح: قوله: (أبو صفوان) هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان الأموي. قوله: (ركب على حمار) هو طرف من حديث طويل تقدم أصله في العلم، ويأتي بهذا السند في الاستئذان ثم في الرقاق، وهو ظاهر في مشروعية الارتداف. *3* الشرح: قوله: (باب الثلاثة على الدابة) كأنه يشير إلى الزيادة التي في حديث الباب الذي بعده، والأصل في ذلك ما أخرجه الطبراني في " الأوسط " عن جابر " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ثلاثة على دابة " وسنده ضعيف. وأخرج الطبراني عن أبي سعيد رفعه " لا يركب الدابة فوق اثنين " وفي سنده لين. وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل زاذان أنه " رأى ثلاثة على بغل فقال: لينزل أحدكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الثالث". ومن طريق أبي بردة عن أبيه نحوه ولم يصرح برفعه، ومن طريق الشعبي قوله مثله، ومن حديث المهاجر بن قنفذ أنه لعن فاعل ذلك وقال: إنا قد نهينا أن يركب الثلاثة على الدابة وسنده ضعيف. وأخرج الطبري عن علي قال: " إذا رأيتم ثلاثة على دابة فارجموهم حتى ينزل أحدهم " وعكسه ما أخرجه الطبري أيضا بسند جيد عن ابن مسعود قال: " كان يوم بدر ثلاثة على بعير " وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة أيضا من طريق الشعبي عن ابن عمر قال: " ما أبالي أن أكون عاشر عشرة على دابة إذا أطاقت حمل ذلك " وبهذا يجمع بين مختلف الحديث في ذلك، فحمل ما ورد في الزجر عن ذلك على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة كالحمار مثلا، وعكسه على عكسه كالناقة والبغلة، قال النووي: مذهبنا ومذاهب العلماء كافة جواز ركوب ثلاثة على الدابة إذا كانت مطيقة. وحكى القاضي عياض منعه عن بعضهم مطلقا، وهو فاسد. قلت: لم يصرح أحد بالجواز مع العجز، ولا بالمنع مع الطاقة، بل المنقول من المطلق في المنع والجواز محمول على المقيد. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَحَمَلَ وَاحِداً بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْآخَرَ خَلْفَهُ الشرح: قوله: (خالد) هو ابن مهران الحذاء. قوله: (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة) يعني في الفتح. قوله: (استقبله) في رواية الكشميهني " استقبلته " وأغيلمة تصغير غلمة وهو جمع غلام على غير قياس والقياس غليمة. وقال ابن التين كأنهم صغروا أغلمة على القياس وإن كانوا لم ينطقوا بأغلمة قال: ونظيره أصيبية، وإضافتهم إلى عبد المطلب لكونهم من ذريته. قوله: (فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه) قد فسرهما في الرواية التي بعد هذه، ووقع عند الطبراني في رواية ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان حينئذ راكبا على ناقته، ووقع له ذلك في قصة أخرى أخرجها مسلم وأبو داود والنسائي من طريق مؤرق العجلي " حدثني عبد الله بن جعفر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى بنا، فيلقى بي وبالحسن أو بالحسين، فحمل أحدنا بين يديه والآخر خلفه، حتى دخلنا المدينة " وتقدم حديث آخر لعبد الله بن جعفر في المعنى في أواخر الجهاد. ووقع في قصة أخرى " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان راكبا على بغلته الشهباء عند قدومه المدينة " أخرجه مسلم أيضا من حديث سلمة بن الأكوع قال: " لقد قدت بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بغلته الشهباء حتى أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا قدامه وهذا خلفه " ووقع في حديث بريدة الذي سأذكره في الباب بعده أنه ركب على حمار وأردف واحدا خلفه، وهو يقوي الجمع الذي أشرت إليه في الباب. *3* وَقَالَ بَعْضُهُمْ صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقُّ بِصَدْرِ الدَّابَّةِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الشرح: قوله: (باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه. وقال بعضهم: صاحب الدابة أحق بصدر الدابة إلا أن يأذن له) ثبت هذا التعليق عند النسفي، وهو لأبي ذر عن المستملي وحده، والبعض المبهم هو الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة عنه، وقد جاء ذلك مرفوعا أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه ابن حبان والحاكم من طريق حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي إذ جاءه رجل ومعه حمار فقال: يا رسول الله اركب، وتأخر الرجل، فقال: لأنت أحق بصدر دابتك إلا أن تجعله لي، قال: قد جعلته لك. فركب " وهذا الرجل هو معاذ بن جبل بينه حبيب بن الشهيد في روايته عن عبد الله بن بريدة لكنه أرسله، أخرجه ابن أبي شيبة من طريقه. قال ابن بطال: كأن البخاري لم يرتض إسناده يعني حديث بريدة فأدخل حديث ابن عباس ليدل على معناه. قلت: ليس هو على شرطه، فلذلك اقتصر على الإشارة إليه، وقد وجدت له شاهدا من حديث النعمان بن بشير أخرجه الطبراني وفيه زيادة الاستثناء. وأخرج أحمد من حديث قيس بن سعد بدون هذه الزيادة. وفي الباب عدة أحاديث مرفوعة وموقوفة بمعنى ذلك، قال ابن العربي: إنما كان الرجل أحق بصدر دابته لأنه شرف والشرف حق المالك، ولأنه يصرفها في المشي حيث شاء وعلى أي وجه أراد من إسراع أو بطء ومن طول أو قصر، بخلاف غير المالك. وقوله في حديث بريدة " إلا أن تجعله لي " يريد الركوب على مقدم الدابة، وفيه نظر لأن الرجل قد تأخر وقال له: يا رسول الله اركب، أي في المقدم، فدل على أنه جعله له، ويمكن أن يجاب بأن المراد أنه طلب منه أن يجعله له صريحا، أو الضمير للتصرف في الدابة بعد الركوب كيف أراد كما أشار إليه ابن العربي في حق صاحب الدابة، فكأنه قال اجعل حقك لي كله من الركوب على مقدم الدابة وما يترتب على ذلك. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ذُكِرَ شَرُّ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ عِكْرِمَةَ فَقَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَمَلَ قُثَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْفَضْلَ خَلْفَهُ أَوْ قُثَمَ خَلْفَهُ وَالْفَضْلَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَيُّهُمْ شَرٌّ أَوْ أَيُّهُمْ خَيْرٌ الشرح: قوله: (ذكر شر الثلاثة عند عكرمة) كذا للمستملي وفي رواية الكشميهني " أشر " بزيادة ألف أوله. وفي رواية الحموي " الأشر " فأما أشر بزيادة ألف فهي لغة تقدم تقريرها في شرح حديث عبد الله بن سلام، ففيه " قالوا أخيرنا وابن أخيرنا " وجاء في المثل " صغراها أشرها " وقالوا أيضا " نعوذ بالله من نفس حرى، وعين شرى " أي ملأى من الشر، وهو مثل أصغر وصغرى. وأما الرواية بزيادة اللام فهو مثل قولهم: الحسن الوجه والواهب المائة، والمراد بلفظ الأشر الشر لأن أفعل التفضيل لا يستعمل على هذه الصور إلا نادرا. قوله: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح الهمزة من أتى ورسول الله بالرفع أي جاء، وقد حمل قثم بين يديه والفضل خلفه وهما ولدا العباس بن عبد المطلب وأخوا عبد الله بن عباس راوي الحديث. قوله: (أو قثم خلفه) شك من الراوي، وقثم بقاف ومثلثة وزن عمر، ليس له في البخاري رواية، وهو صحابي، وذكره الحافظ عبد الغني مع غير الصحابة فوهم. قوله: (فأيهم شر أو أيهم خير) ؟ هذا كلام عكرمة يرد به على من ذكر له شر الثلاثة وقال الداودي: إن ثبت الخبر في ذلك قدم على هذا ويكون ناسخا له، لأن الفعل يدخله النسخ والخبر لا يدخله النسخ، كذا، قال. ودعوى النسخ هنا في غاية البعد، والجمع الذي أشار إليه الطبري أولا أولى. *3* الشرح: قوله (باب إرداف الرجل خلف الرجل) ذكر فيه حديث معاذ بن جبل وقد تقدم في الجهاد، وأحيل بشرحه على هذا المكان واللائق به كتاب الرقاق فقد ذكره فيه بهذا السند والمتن تاما فليشرح هناك، والمقصود منه هنا من الإرداف واضح. ووقع في شرح ابن بطال " باب " بلا ترجمة وقال: كان ينبغي له أن يورده مع حديث أسامة في " باب الارتداف " وقد عرف جوابه، وقوله: " كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم " الردف والرديف الراكب خلف الراكب بإذنه، وردف كل شيء هو مؤخره، وأصله من الركوب على الردف وهو العجز، ولهذا قيل للراكب الأصلي ركب صدر الدابة، وردفت الرجل إذا ركبت وراءه وأردفته إذا أركبته وراءك. وقد أفرد ابن منده أسماء من أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فبلغوا ثلاثين نفسا. *3* الشرح: قوله: (باب إرداف المرأة خلف الرجل ذا محرم) كذا للأكثر، والنصب على الحال ولبعضهم ذي محرم على الصفة. واقتصر النسفي على " خلف الرجل " فلم يذكر ما بعده. الحديث: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ وَإِنِّي لَرَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ يَسِيرُ وَبَعْضُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَثَرَتْ النَّاقَةُ فَقُلْتُ الْمَرْأَةَ فَنَزَلْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا أُمُّكُمْ فَشَدَدْتُ الرَّحْلَ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَنَا أَوْ رَأَى الْمَدِينَةَ قَالَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ الشرح: قوله: (أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، وإني لرديف أبي طلحة وهو يسير وبعض نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عثرت الناقة فقلت المرأة فنزلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها أمكم، فشددت الرحل) كذا في هذه الرواية وظاهره أن الذي قال ذلك وفعله هو أنس، وقد تقدم في أواخر الجهاد من وجه آخر عن يحيي بن أبي إسحاق وفيه أن الذي فعل ذلك أبو طلحة وأن الذي قال: " المرأة " رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظه أنه " أقبل هو وأبو طلحة ومع النبي صلى الله عليه وسلم صفية يردفها على راحلته، فلما كان ببعض الطريق عثرت الدابة فصرع النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة، وأن أبا طلحة أحسبه قال اقتحم عن بعيره فقال: يا نبي الله هل أصابك من شيء؟ قال: لا، ولكن عليك المرأة. فألقى أبو طلحة ثوبه على وجهه فقصد قصدها فألقى ثوبه عليها، فقامت المرأة فشد لهما على راحلتهما فركبا " الحديث. وفي أخرى عن يحيى بن أبي إسحاق أيضا " ورسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وقد أردف صفية بنت حيي، فعثرت ناقته " فساقه نحوه. فيستفاد من هاتين الطريقتين تسمية المرأة، وأن الذي تولى شد الرحل وغير ذلك مما ذكر هو أبو طلحة لا أنس، والاختلاف فيه على يحيى بن أبي إسحاق رواية عن أنس، فقال شعبة عنه ما في هذا الباب. وقال عبد الوارث وبشر بن المفضل كلاهما عنه ما أشرت إليه في الجهاد، وهو المعتمد فإن القصة واحدة ومخرج الحديث واحد واتفاق اثنين أولى من انفراد واحد، ولا سيما أن أنسا كان إذا ذاك يصغر عن تعاطي ذلك الأمر، وإن كان لا يمتنع أن يساعد عمه أبا طلحة على شيء من ذلك، والله أعلم. فقد يرتفع الإشكال بهذا. وفي الحديث أنه لا بأس للرجل أن يتدارك المرأة الأجنبية إذا سقطت أو كادت تسقط فيعينها على التخلص مما يخشى عليها. *3* الشرح: قوله: (باب الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى) وجه دخول هذه الترجمة في كتاب اللباس من جهة أن الذي يفعل ذلك لا يأمن من الانكشاف، ولا سيما الاستلقاء يستدعي النوم، والنائم لا يتحفظ، فكأنه أشار إلى أن من فعل ذلك ينبغي له أن يتحفظ لئلا ينكشف. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْطَجِعُ فِي الْمَسْجِدِ رَافِعاً إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى الشرح: حديث عباد بن تميم عن عمه وهو عبد الله بن زيد، وفيه ثبوت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وزاد عند الإسماعيلي في روايته في آخر الحديث " وإن. أبا بكر كان يفعل ذلك وعمر وعثمان " وكأنه لم يثبت عنده النهي عن ذلك، وهو فيما أخرجه مسلم من حديث جابر رفعه " لا يستلقين أحدكم ثم يضع إحدى رجليه على الأخرى " أو ثبت لكنه رآه منسوخا، وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى. وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم تسعة عشر أثرا والله أعلم.
|