الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه) هذه الترجمة منتزعة مما أخرج ابن أبي شيبة من مرسل عروة " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع الاسم القبيح حوله إلى ما هو أحسن منه " وقد وصله الترمذي من وجه آخر عن هشام بذكر عائشة فيه. الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وُلِدَ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ فَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفَاقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ الصَّبِيُّ فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ قَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا اسْمُهُ قَالَ فُلَانٌ قَالَ وَلَكِنْ أَسْمِهِ الْمُنْذِرَ فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ الشرح: حديث سهل بن سعد. قوله: (أتي بالمنذر بن أسيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين ولد) أبو أسيد بالتصغير صحابي مشهور، وله أحاديث في الصحيح، وتقدم ذكر ولده هذا في صلاة الجماعة في المغازي، وتقدمت روايته عن أبيه في كتاب الطلاق، وكان الصحابة إذا ولد لأحدهم الولد أتي به النبي صلى الله عليه وسلم ليحنكه ويبارك عليه، وقد تكرر ذلك في الأحاديث. قوله: (فوضعه على فخذه) يعني إكراما له. قوله: (فلها النبي صلى الله عليه وسلم بشيء بين يديه) أي اشتغل، وكل ما شغلك عن شيء فقد ألهاك عن غيره. قال ابن التين: روي لهي بوزن علم وهي اللغة المشهرة، وبالفتح لغة طي. قوله: (فاستفاق النبي صلى الله عليه وسلم) أي انقضى ما كان مشتغلا به فأفاق من ذلك فلم ير الصبي فسأل عنه، يقال أفاق من نومه ومن مرضه واستفاق بمعني. قوله: (قلبناه) بفتح القاف وتشديد اللام بعدها موحدة ساكنة أي صرفناه إلى منزله، وذكر ابن التين أنه وقع في روايته أقلبناه بزيادة همزة أوله، قال والصواب حذفها وأثبتها غيره لغة. قوله: (ما اسمه؟ قال فلان) لم أقف على تعيينه، فكأنه كان سماه اسما ليس مستحسنا فسكت عن تعيينه. أو سماه فنسيه بعض الرواة. قوله: (ولكن اسمه المنذر) أي ليس هذا الاسم الذي سميته به الذي يليق به بل هو المنذر، قال الداودي: سماه المنذر تفاؤلا أن يكون له علم ينذر به. قلت: وتقدم في المغازي أنه سمي المنذر بالمنذر بن عمرو الساعدي الخزرجي وهو صحابي مشهور من رهط أبي أسيد. الحديث: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ الشرح: قوله: (عطاء بن أبي ميمونة) هو ابن هلال مولى أنس، وأبو رافع هو نفيع الصانع. قوله: (أن زينب كان اسمها برة) بفتح الموحدة وتشديد الراء، كذا في رواية محمد بن جعفر وهو غندر عن شعبة، ووافقه جماعة. وقال عمرو بن مرزوق عن شعبة بهذا السند عن أبي هريرة " كان اسم ميمونة برة " أخرجه المصنف في " الأدب المفرد " عنه، والأول أكبر، وزينب هي بنت جحش أو بنت أبي سلمة، والأولى زوج النبي صلى الله عليه وسلم والثانية ربيبته، وكل منهما كان اسمها أولا برة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، كذا قال ابن عبد البر، وقصة زينب بنت جحش أخرجها مسلم وأبو داود في أثناء حديث عن زينب بنت أم سلمة قال " سميت برة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزكوا أنفسكم فإن الله أعلم بأهل البر منكم. قالوا: ما نسميها؟ قال: سموها زينب " وفي بعض روايات مسلم " وكان اسم زينب بنت جحش برة " وقد أخرج الدار قطني في " المؤتلف " بسند فيه ضعف " أن زينب بنت جحش قالت: يا رسول الله اسمي برة فلو غيرته، فإن البرة صغيرة، فقال لو كان مسلما لسميته باسم من أسمائها، ولكن هو جحش فالجحش أكبر من البرة " وقد وقع مثل ذلك لجويرية بنت الحارث أم المؤمنين، فأخرج مسلم وأبو داود والمصنف في " الأدب المفرد " عن ابن عباس قال: " كان اسم جويرية بنت الحارث برة، فحول النبي صلى الله عليه وسلم اسمها فسماها جويرية، كره أن يقول خرج من عند برة". قوله: (فقيل تزكي نفسها) أي لأن لفظه " برة " مشتقة من البر، وكذلك وقع في قصة جويرية " كره أن يقال خرج من عند برة " وقال في قصة زينب " الله أعلم بأهل البر منكم". الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَحَدَّثَنِي أَنَّ جَدَّهُ حَزْناً قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا اسْمُكَ قَالَ اسْمِي حَزْنٌ قَالَ بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ قَالَ مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْماً سَمَّانِيهِ أَبِي قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ فَمَا زَالَتْ فِينَا الْحُزُونَةُ بَعْدُ الشرح: قوله: (هشام) هو ابن يوسف، وعبد الحميد بن جبير بن شيبة أي ابن عثمان الحجبي. قوله: (فحدثني أن جده حزنا) هكذا أرسل سعيد الحديث لما حدث به عبد الحميد، ولما حدث به الزهري وصله عن أبيه كما تقدم بيانه في الباب الذي قبله، وهذا على قاعدة الشافعي أن المرسل إذا جاء موصولا من وجه آخر تبين صحة مخرج المرسل، وقاعدة البخاري أن الاختلاف في الوصل والإرسال لا يقدح المرسل في الموصول إذا كان الواصل أحفظ من المرسل، كالذي هنا فإن الزهري أحفظ من عبد الحميد، قال الطبري لا تنبغي التسمية باسم قبيح المعنى، ولا باسم يقتضي التزكية له، ولا باسم معناه السب. قلت: الثالث أخص من الأول، قال: ولو كانت الأسماء إنما هي أعلام للأشخاص لا يقصد بها حقيقة الصفة، لكن وجه الكراهة أن يسمع سامع بالاسم فيظن أنه صفة للمسمى، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يحول الاسم إلى ما إذا دعي به صاحبه كان صدقا، قال: وقد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أسماء، وليس ما غير من ذلك على وجه المنع من التسمي بها بل على وجه الاختيار، قال: ومن ثم أجاز المسلمون أن يسمى الرجل القبيح بحسن والفاسد بصالح، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم لم يلزم حزنا لما امتنع من تحويل اسمه إلى سهل بذلك، ولو كان ذلك لازما لما أقره على قوله " لا أغير اسما سمانيه أبي " انتهى ملخصا. وقد ورد الأمر بتحسين الأسماء، وذلك فيما أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان من حديث أبي الدرداء رفعه " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم " ورجاله ثقات، إلا أن في سنده انقطاعا بين عبد الله بن أبي زكريا راويه عن أبي الدرداء [وأبي الدرداء] فإنه لم يدركه، قال أبو داود: وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم العاص وعتلة بفتح المهملة والمثناة بعدها لام وشيطان وغراب وحباب بضم المهملة وتخفيف الموحدة وشهاب وحرب وغير ذلك قلت: والعاصي الذي ذكره هو مطيع بن الأسود العدوي والد عبد الله بن مطيع، ووقع مثله لعبد الله بن الحارث بن جزء وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر أخرجه البزار والطبراني من حديث عبد الله بن الحارث بسند حسن والأخبار في مثل ذلك كثيرة، وعتلة هو عتبة بن عبد السلمي، وشيطان هو عبد الله، وغراب هو مسلم أبو رايطة، وحباب هو عبد الله بن عبد الله بن أبي، وشهاب هو هشام بن عامر الأنصاري، وحرب هو الحسن بن علي سماه علي أولا حربا، وأسانيدها مبينة في كتابي في الصحابة. *3* وَقَالَ أَنَسٌ قَبَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَهُ الشرح: قوله (باب من سمى بأسماء الأنبياء) في هذه الترجمة حديثان صريحان: أحدهما أخرجه مسلم من حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم " إنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم " ثانيهما أخرجه أبو داود والنسائي والمصنف في " الأدب المفرد " من حديث أبي وهب الجشمي بضم الجيم وفتح المعجمة رفعه " تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة " قال بعضهم: أما الأولان فلما تقدم في " باب أحب الأسماء إلى الله " وأما الآخران فلأن العبد في حرث الدنيا أو حرث الآخرة ولأنه لا يزال يهم بالشيء بعد الشيء، وأما الأخيران فلما في الحرب من المكاره ولما في مرة من المرارة. وكأن المؤلف رحمه الله لما لم يكونا على شرطه اكتفى بما استنبطه من أحاديث الباب وأشار بذلك إلى الرد على من كره ذلك، كما تقدم عن عمر أنه أراد أن يغير أسماء أولاد طلحة وكان سماهم بأسماء الأنبياء. وأخرج البخاري أيضا في " الأدب المفرد " في مثل ترجمة هذا الباب حديث يوسف بن عبد الله بن سلام قال " سماني النبي صلى الله عليه وسلم يوسف " الحديث وسنده صحيح وأخرجه الترمذي في " الشمائل " وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال: " أحب الأسماء إليه أسماء الأنبياء". ثم ذكر فيه أحد عشر حديثا موصولة ومعلقة: الأول حديث أنس: قوله: (وقال أنس: قبل النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم، يعني ابنه) ثبت هذا التعليق في رواية أبي ذر عن الكشميهني وحده، وهو في رواية النسفي أيضا، وهو طرف من حديث طويل تقدم موصولا في الجنائز. الحديث: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قُلْتُ لِابْنِ أَبِي أَوْفَى رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَاتَ صَغِيراً وَلَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ عَاشَ ابْنُهُ وَلَكِنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ الشرح: قوله: (حدثنا ابن نمير) هو محمد بن عبد الله بن نمير نسب لجده، ومحمد بن بشر هو العبدي، وإسماعيل هو ابن خالد، والإسناد كله كوفيون. قوله: (قلت لابن أبي أوفى) هو عبد الله الصحابي ابن الصحابي. قوله: (رأيت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، قال مات صغيرا) تضمن كلامه جواب السؤال بالإشارة إليه وصرح بالزيادة عليه كأنه قال: نعم رأيته لكن مات صغيرا. ثم ذكر السبب في ذلك. وقد رواه إبراهيم بن حميد عن إسماعيل عن أبي خالد بلفظ " قال نعم كان أشبه الناس به، مات وهو صغير " أخرجه ابن منده والإسماعيلي من طريق جرير عن إسماعيل " سألت ابن أبي أوفى عن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم مثل أي شيء كان حين مات؟ قال: كان صبيا". قوله: (ولو قضي أن يكون بعد محمد نبي عاش ابنه) إبراهيم (ولكن لا نبي بعده) هكذا جزم به عبد الله بن أبي أوفى. ومثل هذا لا يقال بالرأي، وقد توارد عليه جماعة: فأخرج ابن ماجه من حديث ابن عباس قال " لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه وقال: إن له مرضعا في الجنة، لو عاش لكان صديقا نبيا، ولأعتقت أخواله القبط " وروى أحمد وابن منده من طريق السدي " سألت أنسا كم بلغ إبراهيم؟ قال كان قد ملأ المهد، ولو بقي لكان نبيا، ولكن لم يكن ليبقى، لأن نبيكم آخر الأنبياء " ولفظ أحمد " لو عاش إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم لكان صديقا نبيا " ولم يذكر القصة فهذه عدة أحاديث صحيحة عن هؤلاء الصحابة أنهم أطلقوا ذلك، فلا أدري ما الذي حمل النووي في ترجمة إبراهيم المذكور من كتاب تهذيب الأسماء واللغات على استنكار ذلك ومبالغته حيث قال: هو باطل، وجسارة في الكلام على المغيبات، ومجازفة وهجوم على عظيم من الزلل. ويحتمل أن يكون استحضر ذلك عن الصحابة المذكورين، فرواه عن غيرهم ممن تأخر فقال ذلك، وقد استنكر قبله ابن عبد البر في " الاستيعاب " الحديث المذكور فقال هذا لا أدري ما هو، وقد ولد نوح من ليس بنبي، وكما يلد غير النبي نبيا فكذا يجوز عكسه، حتى نسب قائله إلى المجازفة والخوض في الأمور المغيبة بغير علم إلى غير ذلك، مع أن الذي نقل عن الصحابة المذكورين إنما أتوا فيه بقضية شرطية. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَالَ لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَهُ مُرْضِعاً فِي الْجَنَّةِ الشرح: حديث البراء " لما مات إبراهيم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن له مرضعا في الجنة " قال الخطابي: هو بضم الميم على أنه اسم فاعل من أرضع أي من يتم إرضاعه. وبفتحها أي أن له رضاعا في الجنة. وقال ابن التين في الصحاح: امرأة مرضع أي لها ولد ترضعه، فهي مرضعة بضم أوله، فإن وصفتها بإرضاعه قلت مرضعة يعني بفتح الميم، قال: والمعنى هنا يصح، ولكن لم يروه أحد بفتح الميم. قلت: وقع في رواية الإسماعيلي " أن له مرضعا ترضعه في الجنة " والمعنى تكمل إرضاعه، لأنه لما مات كان ابن ستة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا على اختلاف الروايتين، وقيل إنما عاش سبعين يوما. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ وَرَوَاهُ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: حديث جابر " سموا باسمي " ذكره مختصرا عن آدم عن شعبة عن حصين، وقد تقدم شرحه قريبا، وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن شعبة عن حصين بتمامه، قوله: (ورواه أنس) تقدم التنبيه عليه قريبا في " باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سموا باسمي". الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ الشرح: حديث أبي هريرة " سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي " ووقع في رواية المستملي والسرخسي هنا " بكنوتي " وقد تقدم توجيهه قريبا. قوله (ومن رآني في المنام) الحديث هو حديث آخر جمعهما الراوي بهذا الإسناد، وسيأتي شرحه في كتاب التعبير. قوله: (ومن كذب علي متعمدا) الحديث هو حديث آخر تقدم شرحه في كتاب العلم. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى الشرح: عن أبي موسى هو الأشعري قال: " ولد لي غلام". قوله: (وكان أكبر ولد أبي موسى) هذا يشعر بأن أبا موسى كني قبل أن يولد له، وإلا فلو كان الأمر على غير ذلك لكني بابنه إبراهيم المذكور، ولم ينقل أنه كان يكني أبا إبراهيم. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَالَ انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: حديث المغيرة " انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم " كذا أورده مختصرا، وقد تقدم في الكسوف بهذا الإسناد مطولا من وجه آخر عن زياد بن علاقة مطولا أيضا وتقدم شرحه هناك. قوله: (رواه أبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) يشير إلى ما أخرجه موصولا في الكسوف ومعلقا، لكن لم أر في شيء من طرق حديث أبي بكرة التصريح بأن ذلك كان يوم مات إبراهيم، إلا في رواية أسندها في " باب كسوف القمر " مع أن مجموع الأحاديث تدل على ذلك كما قاله البيهقي، قال ابن بطال: في هذه الأحاديث جواز التسمية بأسماء الأنبياء، وقد ثبت عن سعيد بن المسيب أنه قال " أحب الأسماء إلى الله أسماء الأنبياء " وإنما كره عمر ذلك، لئلا يسبب أحد المسمى بذلك فأراد تعظيم الاسم لئلا يبتذل في ذلك وهو قصد حسن، وذكر الطبري أن الحجة في ذلك حديث أنس " يسمونهم محمدا ويلعنونهم " قال: وهو ضعيف، لأنه من رواية الحكم بن عطية عن ثابت عنه، وعلى تقدير ثبوته فلا حجة فيه للمنع، بل فيه النهي عن لعن من يسمى محمدا، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا الحديث في " باب سموا باسمي " قال ويقال إن طلحة قال للزبير: أسماء بني أسماء الأنبياء وأسماء بنيك أسماء الشهداء، فقال: أنا أرجو أن يكون بني شهداء، وأنت لا ترجو أن يكون بنوك أنبياء، فأشار إلى أن الذي فعله أولى من الذي فعله طلحة. الشرح: قوله: (باب تسمية الوليد) ورد في كراهية هذا الاسم حديث أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمي الرجل عبده أو ولده حربا أو مرة أو وليدا " الحديث وسنده ضعيف جدا، وورد فيه أيضا حديث آخر مرسل أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه والبيهقي في " الدلائل " من طريقه قال " حدثنا محمد بن خالد بن العباس السكسكي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أبو عمرو الأوزاعي " وأخرجه البيهقي في " الدلائل " أيضا من رواية بشر بن بكر عن الأوزاعي، وأخرجه عبد الرزاق في الجزء الثاني من أماليه عن معمر كلاهما عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال " ولد لأخي أم سلمة ولد فسماه الوليد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سميتموه بأسماء فراعنتكم، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد هو أشر على هذه الأمة من فرعون لقومه " قال الوليد بن مسلم في روايته قال الأوزاعي: فكانوا يرونه الوليد بن عبد الملك. ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقتلوه وانفتحت الفتن على الأمة بسبب ذلك وكثر فيهم القتل. وفي رواية بشر بن بكر من الزيادة " غيروا اسمه فسموه عبد الله " وبين في روايته أنه أخو أم سلمة لأمها، وهكذا أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن إسماعيل بن أبي إسماعيل عن إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب أخرجه أبو نعيم في " الدلائل " من رواية الحارث، وأخرجه أحمد عن أبي المغيرة عن إسماعيل بن عياش فزاد فيه " قال حدثني الأوزاعي وغيره عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر به " فزاد فيه عمر، فادعى ابن حبان أنه لا أصل له، فقال في كتاب " الضعفاء " في ترجمة إسماعيل بن عياش: هذا خبر باطل، ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رواه عمر، ولا حدث به سعيد ولا الزهري ولا هو من حديث الأوزاعي. ثم أعله بإسماعيل بن عياش. واعتمد ابن الجوزي على كلام ابن حبان فأورد الحديث في " الموضوعات " فلم يصب، فإن إسماعيل لم ينفرد به، وعلى تقدير انفراده فإنما انفرد بزيادة عمر في الإسناد، وإلا فأصله كما ذكرت عند الوليد وغيره من أصحاب الأوزاعي عنه، وعند معمر وغيره من أصحاب الزهري، فإن كان سعيد بن المسيب تلقاه عن أم سلمة فهو على شرح الصحيح ويؤيد ذلك أن له شاهدا عن أم سلمة أخرجه إبراهيم الحربي في " غريب الحديث " من رواية محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو عن عطاء عن زينب بنت أم سلمة عن أمها قالت " دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي غلام من آل المغيرة اسمه الوليد، فقال: من هذا؟ قلت: الوليد. قال: قد اتخذتم الوليد حنانا، غيروا اسمه فإنه سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له الوليد " وقد أخرجه الحاكم من وجه آخر عن الوليد موصولا بذكر أبي هريرة فيه أخرجه من طريق نعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم وقال في آخره " قال الزهري إن استخلف الوليد بن يزيد وإلا فهو الوليد بن عبد الملك". قلت: وعندي أن ذكر أبي هريرة فيه من أوهام نعيم بن حماد والله أعلم. ولما لم يكن هذا الحديث المذكور على شرط البخاري أومأ إليه كعادته وأورد فيه الحديث الدال على الجواز، فإنه لو كان مكروها لغيره النبي صلى الله عليه وسلم كعادته، فإن في بعض طرق الحديث المذكور الدلالة على أن الوليد بن الوليد المذكور قد قدم بعد ذلك المدينة مهاجرا كما مضى في المغازي ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم غير اسمه، وأما ما تقدم أنه أمر بتغيير اسم الوليد فذلك اسم ولد المذكور فغيره فسماه عبد الله. وأخرج الطبراني في ترجمة الوليد بن الوليد بن المغيرة من طريق إسماعيل بن أيوب المخزومي في قصة الوليد بن الوليد بعد أن جاء المدينة مهاجرا؛ وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة بعد موته وهي تقول: أبك الوليد بن الوليد أبا الوليد بن المغيرة فقال " إن كدتم لتتخذون الوليد حنانا فسماه عبد الله " ووصله ابن منده من وجه واه إلى أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة عن أبيه عن جده أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. ومن شواهد الحديث ما أخرجه الطبراني أيضا من حديث معاذ بن جبل قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكر حديثا فيه قال " الوليد اسم فرعون هادم شرائع الإسلام، يبوء بدمه رجل من أهل بيته " وأسكن سنده ضعيف جدا. *3* وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هِرٍّ الشرح: قوله: (باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا) كذا اقتصر على حرف، وهو مطابق لحديث عائشة في " عائش " ولحديث أنس في " أنجش". وأما حديث أبي هريرة فنازع ابن بطال في مطابقته فقال: ليس من الترخيم، وإنما هو نقل اللفظ من التصغير والتأنيث إلى التكبير والتذكير، وذلك أنه كان كناه أبا هريرة وهريرة تصغير هرة فخاطبه باسمها مذكرا، فهو نقصان في اللفظ وزيادة في المعنى. قلت: فهو نقص في الجملة، لكن كون النقص منه حرفا فيه نظر، وكأنه لحظ الاسم قبل التصغير وهي هرة فإذا حذف الياء الأخيرة صدق أنه نقص من الاسم حرفا، وقد ترجم في " الأدب المفرد " مثله، لكن قال " شيئا " بدل " حرفا " وأورد فيه حديث عائشة " رأيت عثمان والنبي صلى الله عليه وسلم يضرب كتفه يقول: أكنت عثم " وجبريل يوحي إليه. قوله: (وقال أبو حازم عن أبي هريرة: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هر) بتشديد الراء ويجوز تخفيفها، وهذا طرف من حديث وصله المصنف رحمه الله في الأطعمة أوله " أصابني جهد شديد - وفيه - فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسي فقال: يا أبا هر " ويأتي في الرقاق حديث أوله " والذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد على الأرض بكبدي من الجوع " وفيه مثله. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فِي الثَّقَلِ وَأَنْجَشَةُ غُلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسُوقُ بِهِنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَنْجَشُ رُوَيْدَكَ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ الشرح: قوله: (يا أنجش رويدك) تقدم شرحه في " باب ما يجوز من الشعر " وأكثر ما وقع في الروايات بغير ترخيم، ويجوز في الشين الضم والفتح كما في الذي قبله. *3* الشرح: قوله: (باب الكنية للصبي، وقبل أن يولد للرجل) في رواية الكشميهني " يلد الرجل " ذكر فيه قصة أبي عمير وهو مطابق لأحد ركني الترجمة، والركن الثاني مأخوذ من الإلحاق بل بطريق الأولى، وأشار بذلك إلى الرد على من منع تكنية من لم يولد له مستندا إلى أنه خلاف الواقع، فقد أخرج ابن ماجه وأحمد والطحاوي وصححه الحاكم من حديث صهيب " أن عمر قال له: ما لك تكنى أبا يحيى وليس لك ولد؟ قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كناني " وأخرج سعيد بن منصور من طريق فضيل بن عمرو " قلت لإبراهيم إني أكنى أبا النضر وليس لي ولد، وأسمع الناس يقولون: من اكتنى وليس له ولد فهو أبو جعر، فقال إبراهيم: كان علقمة يكنى أبا شبل وكان عقيما لا يولد له وقوله جعر بفتح الجيم وسكون المهملة، وشبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة. وأخرج المصنف في " الأدب المفرد " عن علقمة قال: كناني عبد الله بن مسعود قبل أن يولد لي. وقد كان ذلك مستعملا عند العرب، قال الشاعر: لها كنية عمرو وليس لها عمرو. وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري قال: كان رجال من الصحابة يكتنون قبل أن يولد لهم. وأخرج المصنف في " باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم " من كتاب الجنائز عن هلال الوزان قال: كناني عروة قبل أن يولد لي. قلت: وكنية هلال المذكور أبو عمرو ويقال أبو أمية ويقال غير ذلك. وأخرج الطبراني عن علقمة عن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وسلم كناه أبا عبد الرحمن قبل أن يولد له " وسنده صحيح. قال العلماء: كانوا يكنون الصبي تفاؤلا بأنه سيعيش حتى يولد له، وللأمن من التلقيب، لأن الغالب أن من يذكر شخصا فيعظمه أن لا يذكره باسمه الخاص به فإذا كانت له كنية أمن من تلقيبه، ولهذا قال قائلهم: بادروا أبناءكم بالكنى قبل أن تغلب عليها الألقاب. وقالوا: الكنية للعرب كاللقب للعجم، ومن ثم كره للشخص أن يكني نفسه إلا إن قصد التعريف. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيماً وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا الشرح: قوله: (عبد الوارث) هو ابن سعيد، وأبو التياح بمثناة فوقانية ثم تحتانية ثقيلة مفتوحتين ثم مهملة هو يزيد بن حميد، والإسناد كله بصريون، وقد تقدم من رواية شعبة عن أبي التياح في " باب الانبساط إلى الناس " وقد أخرجه النسائي من طريق شعبة هكذا، ومن وجه آخر عن شعبة عن قتادة عن أنس، ومن وجه ثالث عن شعبة عن محمد بن قيس عن حميد عن أنس والمشهور الأول، ويحتمل أن يكون لشعبة فيه طرق. قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا) هذا قاله أنس توطئة لما يريد من قصة الصبي، وأول حديث شعبة عن أنس قال " إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا " ولأحمد من طريق المثنى بن سعيد عن أبي التياح عن أنس " كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أم سليم " وفي رواية محمد بن قيس المذكور " كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اختلط بنا أهل البيت " يعني لبيت أبي طلحة وأم سليم، ولأبي يعلى من طريق محمد بن سيرين عن أنس " كان النبي صلى الله عليه وسلم يغشانا ويخالطنا " وللنسائي من طريق إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي أبا طلحة كثيرا " ولأبي يعلى من طريق خالد بن عبد الله عن حميد " كان يأتي أم سليم وينام على فراشها، وكان إذا مشى يتوكأ " ولابن سعد وسعيد بن منصور عن ربعي بن عبد الله بن الجارود عن أنس " كان يزور أم سليم فتتحفه بالشيء تصنعه له". قوله: (وكان لي أخ يقال له أبو عمير) هو بالتصغير. وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند أحمد " كان لي أخ صغير " وهو أخو أنس بن مالك من أمه، ففي رواية المثنى بن سعيد المذكورة " وكان لها أي أم سليم ابن صغير " وفي رواية حميد، عند أحمد " وكان لها من أبي طلحة ابن يكنى أبا عمير " وفي رواية مروان بن معاوية عن حميد عند ابن أبي عمر " كان بني لأبي طلحة " وفي رواية عمارة بن زاذان عن ثابت عند ابن سعد " أن أبا طلحة كان له ابن قال أحسبه فطيما " في بعض النسخ " فطيم " بغير ألف وهو محمول على طريقة من يكتب المنصوب المنون بلا ألف والأصل فطيم لأنه صفة أخ وهو مرفوع، لكن تخلل بين الصفة والموصوف " أحسبه"، وقد وقع عند أحمد من طريق المثنى بن سعيد مثل ما في الأصل فطيم بمعنى مفطوم أي انتهى إرضاعه. قوله: (وكان) أي النبي صلى الله عليه وسلم (إذا جاء) زاد مروان بن معاوية في روايته " إذا جاء لأم سليم يمازحه " ولأحمد في روايته عند حميد مثله، وفي أخرى " يضاحكه " وفي رواية محمد بن قيس يهازله. وفي رواية المثنى بن أبي عوانة " يفاكهه". قوله: (يا أبا عمير) في رواية ربعي بن عبد الله " فزارنا ذات يوم فقال: يا أم سليم ما شأني أرى أبا عمير ابنك خائر النفس " بمعجمة ومثلثة أي ثقيل النفس غير نشيط. وفي رواية مروان بن معاوية وإسماعيل بن جعفر كلاهما عن حميد " فجاء يوما وقد مات نغيره " زاد مروان " الذي كان يلعب به " زاد إسماعيل " فوجده حزينا، فسأل عنه فأخبرته فقال: يا أيا عمير " وساقه أحمد عن يزيد بن هارون عن حميد بتمامه. وفي رواية حماد بن سلمة المشار إليها " فقال ما شأن أبي عمير حزينا " وفي رواية ربعي بن عبد الله " فجعل يمسح رأسه ويقول " في رواية عمارة بن زاذان " فكان يستقبله ويقول". قوله: (ما فعل النغير) بنون ومعجمة وراء مصغر، وكرر ذلك في رواية حماد بن سلمة. قوله: (نغير كان يلعب به) وهو طير صغير واحد نغرة وجمعه نغران، قال الخطابي طوير له صوت، وفيه نظر فإنه ورد في بعض طرقه أنه الصعو بمهملتين بوزن العفو كما في رواية ربعي " فقالت أم سليم ماتت صعوته التي كان يلعب بها، فقال أي أبا عمير مات النغير " فدل على أنهما شيء واحد والصعو لا يوصف بحسن الصوت، قال الشاعر: كالصعو يـرتع في الرياض وإنما حبس الهزار لأنه يترنم قال عياض: النغير طائر معروف يشبه العصفور، وقيل هي فرخ العصافير، وقيل هي نوع من الحمر بضم المهملة وتشديد الميم ثم راء، قال: والراجح أن النغير طائر أحمر المنقار. قلت: هذا الذي جزم به الجوهري. وقال صاحب " العين والمحكم ": الصعو صغير المنقار أحمر الرأس. قوله: (فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا الخ) تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصلاة، وتقدمت الإشارة إليه قريبا أيضا. وفي هذا الحديث عدة فوائد جمعها أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص الفقيه الشافعي صاحب التصانيف في جزء مفرد، بعد أن أخرجه من وجهين عن شعبة عن أبي التياح، ومن وجهين عن حميد عن أنس، ومن طريق محمد بن سيرين، وقد جمعت في هذا الموضع طرقه وتتبعت ما في رواية كل منهم من فائدة زائدة. وذكر ابن القاص في أول كتابه أن بعض الناس عاب على أهل الحديث أنهم يروون أشياء لا فائدة فيها، ومثل ذلك بحديث أبي عمير هذا قال: وما درى أن في هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستين وجها. ثم ساقها مبسوطة، فلخصتها مستوفيا مقاصده، ثم أتبعته بما تيسر من الزوائد عليه فقال: فيه استحباب التأني في المشي، وزيارة الإخوان، وجواز زيارة الرجل للمرأة الأجنبية إذا لم تكن شابة وأمنت الفتنة، وتخصيص الإمام بعض الرعية بالزيارة، ومخالطة بعض الرعية دون بعض، ومشي الحاكم وحده، وأن كثرة الزيارة لا تنقص المودة، وأن قوله " زر غبا تزدد حبا " مخصوص بمن يزور لطمع، وأن النهي عن كثرة مخالطة الناس مخصوص بمن يخشى الفتنة أو الضرر. وفيه مشروعية المصافحة لقول أنس فيه " ما مسست كفا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم " وتخصيص ذلك بالرجل دون المرأة، وأن الذي مضى في صفته صلى الله عليه وسلم أنه " كان شثن الكفين " خاص بعبالة الجسم لا بخشونة اللمس. وفيه استحباب صلاة الزائر في بيت المزور ولا سيما إن كان الزائر ممن يتبرك به، وجواز الصلاة على الحصير، وترك التقزز لأنه علم أن في البيت صغيرا وصلى مع ذلك في البيت وجلس فيه. وفيه أن الأشياء على يقين الطهارة لأن نضحهم البساط إنما كان للتنظيف. وفيه أن الاختيار للمصلي أن يقوم على أروح الأحوال وأمكنها، خلافا لمن استحب من المشددين في العبادة أن يقوم على أجهدها. وفيه جواز حمل العالم علمه إلى من يستفيده منه، وفضيلة لآل أبي طلحة ولبيته إذ صار في بيتهم قبلة يقطع بصحتها. وفيه جواز الممازحة وتكرير المزح وأنها إباحة سنة لا رخصة، وأن ممازحة الصبي الذي لم يميز جائزة، وتكرير زيارة الممزوح معه. وفيه ترك التكبر والترفع، والفرق بين كون الكبير في الطريق فيتواقر أو في البيت فيمزح، وأن الذي ورد في صفة المنافق أن سره يخالف علانيته ليس على عمومه. وفيه الحكم على ما يظهر من الأمارات في الوجه من حزن أو غيره. وفيه جواز الاستدلال بالعين على حال صاحبها، إذ استدل صلى الله عليه وسلم بالحزن الظاهر على الحزن الكامن حتى حكم بأنه حزين فسأل أمه عن حزنه. وفيه التلطف بالصديق صغيرا كان أو كبيرا، والسؤال عن حاله، وأن الخبر الوارد في الزجر عن بكاء الصبي محمول على ما إذا بكى عن سبب عامدا ومن أذى بغير حق. وفيه قبول خبر الواحد لأن الذي أجاب عن سبب حزن أبي عمير كان كذلك. وفيه جواز تكنية من لم يولد له، وجواز لعب الصغير بالطير، وجواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به، وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات، وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه، وقص جناح الطير إذ لا يخلو حال طير أبي عمير من واحد منهما وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم. وفيه جواز إدخال الصيد من الحل إلى الحرم وإمساكه بعد إدخاله، خلافا لمن منع من إمساكه وقاسه على من صاد ثم أحرم فإنه يجب عليه الإرسال. وفيه جواز تصغير الاسم ولو كان لحيوان، وجواز مواجهة الصغير بالخطاب خلافا لمن قال: الحكيم لا يواجه بالخطاب إلا من يعقل ويفهم، قال: والصواب الجواز حيث لا يكون هناك طلب جواب، ومن ثم لم يخاطبه في السؤال عن حاله بل سأل غيره. وفيه معاشرة الناس على قدر عقولهم. وفيه جواز قيلولة الشخص في بيت غير بيت زوجته ولو لم تكن فيه زوجته، ومشروعية القيلولة، وجواز قيلولة الحاكم في بيت بعض رعيته ولو كانت امرأة، وجواز دخول الرجل بيت المرأة وزوجها غائب ولو لم يكن محرما إذا انتفت الفتنة. وفيه إكرام الزائر وأن التنعم الخفيف لا ينافي السنة، وأن تشييع المزور الزائر ليس على الوجوب. وفيه أن الكبير إذا زار قوما واسى بينهم، فإنه صافح أنسا، ومازح أبا عمير، ونام على فراش أم سليم، وصلى بهم في بيتهم حتى نالوا كلهم من بركته، انتهى ما لخصته من كلامه فيما استنبط من فوائد حديث أنس في قصة أبي عمير. ثم ذكر فصلا في فائدة تتبع طرق الحديث، فمن ذلك الخروج من خلاف من شرط في قبول الخبر أن تتعدد طرقه، فقيل لاثنين وقيل لثلاثة وقيل لأربعة وقيل حتى يستحق اسم الشهرة، فكان في جميع الطرق ما يحصل المقصود لكل أحد غالبا، وفي جميع الطرق أيضا، ومعرفة من رواها، وكميتها العلم بمراتب الرواة في الكثرة والقلة. وفيها الاطلاع على علة الخبر بانكشاف غلط الغالط وبيان تدليس المدلس وتوصيل المعنعن. ثم قال: وفيما يسره الله تعالى من جمع طرق هذا الحديث واستنباط فوائده ما يحصل به التمييز بين أهل الفهم في النقل وغيرهم ممن لا يهتدي لتحصيل ذلك، مع أن العين المستنبط منها واحدة، ولكن من عجائب اللطيف الخبير أنها تسقى بماء واحد؛ ونفضل بعضها على بعض في الأكل هذا آخر كلامه ملخصا. وقد سبق إلى التنبيه على فوائد قصة أبي عمير بخصوصها من القدماء أبو حاتم الرازي أحد أئمة الحديث وشيوخ أصحاب السنن، ثم تلاه الترمذي في " الشمائل " ثم تلاه الخطابي، وجميع ما ذكروه يقرب من عشرة فوائد فقط، وقد ساق شيخنا في " شرح الترمذي " ما ذكره ابن القاص بتمامه ثم قال: ومن هذه الأوجه ما هو واضح، ومنها الخفي، ومنها المتعسف. قال: والفوائد التي ذكرها آخرا وأكمل بها الستين هي من فائدة جمع طرق الحديث لا من خصوص هذا الحديث. وقد بقي من فوائد هذا الحديث أن بعض المالكية والخطابي من الشافعية استدلوا به على أن صيد المدينة لا يحرم، وتعقب باحتمال ما قاله ابن القاص أنه صيد في الحل ثم أدخل الحرم فلذلك أبيح إمساكه، وبهذا أجاب مالك في " المدونة " ونقله ابن المنذر عن أحمد والكوفيين، ولا يلزم منه أن حرم المدينة لا يحرم صيده. وأجاب ابن التين بأن ذلك كان قبل تحريم صيد حرم المدينة، وعكسه بعض الحنفية فقال قصة أبي عمير تدل على نسخ الخبر الدال على تحريم صيد المدينة، وكلا القولين متعقب. وما أجاب به ابن القاص من مخاطبة من لا يميز التحقيق فيه جواز مواجهته بالخطاب إذا فهم الخطاب وكان في ذلك فائدة ولو بالتأنيس له، وكذا في تعليمه الحكم الشرعي عند قصد تمرينه عليه من الصغر كما في قصة الحسن بن علي لما وضع التمرة في فيه قال له " كخ كخ، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة " كما تقدم بسطه في موضعه، ويجوز أيضا مطلقا إذا كان القصد بذلك خطاب من حضر أو استفهامه ممن يعقل، وكثيرا ما يقال للصغير الذي لا يفهم أصلا إذا كان ظاهر الوعك: كيف أنت؟ والمراد سؤال كافله أو حامله. وذكر ابن بطال من فوائد هذا الحديث أيضا استحباب النضح فيما لم يتيقن طهارته. وفيه أن أسماء الأعلام لا يقصد معانيها، وأن إطلاقها على المسمى لا يستلزم الكذب، لأن الصبي لم يكن أبا وقد دعي أبا عمير. وفيه جواز السجع في الكلام إذا لم يكن متكلفا، وأن ذلك لا يمتنع من النبي كما امتنع منه إنشاء الشعر. وفيه إتحاف الزائر بصنيع ما يعرف أنه يعجبه من مأكول أو غيره. وفيه جواز الرواية بالمعنى، لأن القصة واحدة وقد جاءت بألفاظ مختلفة. وفيه جواز الاقتصار على بعض الحديث، وجواز الإتيان به تارة مطولا وتارة ملخصا، وجميع ذلك يحتمل أن يكون من أنس ويحتمل أن يكون ممن بعده، والذي يظهر أن بعض ذلك منه والكثير منه ممن بعده، وذلك يظهر من اتحاد المخارج واختلافها. وفيه مسح رأس الصغير للملاطفة، وفيه دعاء الشخص بتصغير اسمه عند عدم الإيذاء، وفيه جواز السؤال عما السائل به عالم لقوله " ما فعل النغير "؟ بعد علمه بأنه مات. وفيه إكرام أقارب الخادم وإظهار المحبة لهم، لأن جميع ما ذكر من صنيع النبي صلى الله عليه وسلم مع أم سليم وذويها كان غالبا بواسطة خدمة أنس له. وقد نوزع ابن القاص في الاستدلال به على إطلاق جواز لعب الصغير بالطير، فقال أبو عبد الملك: يجوز أن يكون ذلك منسوخا بالنهي عن تعذيب الحيوان. وقال القرطبي: الحق أن لا نسخ، بل الذي رخص فيه للصبي إمساك الطير ليلتهي به، وأما تمكينه من تعذيبه ولا سيما حتى يموت فلم يبح قط. ومن الفوائد التي لم يذكرها ابن القاص ولا غيره في قصة أبي عمير أن عند أحمد في آخر رواية عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس " فمرض الصبي فهلك " فذكر الحديث في قصة موته وما وقع لأم سليم من كتمان ذلك عن أبي طلحة حتى نام معها، ثم أخبرته لما أصبح فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فدعا لهم فحملت ثم وضعت غلاما، فأحضره أنس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه وسماه عبد الله، وقد تقدم ذلك مستوفى في كتاب الجنائز، وتأتي الإشارة إلى بعضه في " باب المعاريض " قريبا. وقد جزم الدمياطي في " أنساب الخزرج " بأن أبا عمير مات صغيرا وقال ابن الأثير في ترجمته في الصحابة: لعله الغلام الذي جرى لأم سليم وأبي طلحة في أمره ما جرى، وكأنه لم يستحضر رواية عمارة بن زاذان المصرحة بذلك فذكره احتمالا، ولم أر عند من ذكر أبا عمير في الصحابة له غير قصة النغير، ولا ذكروا له اسما، بل جزم بعض الشراح بأن اسمه كنيته، فعلى هذا يكون ذلك من فوائد هذا الحديث، وهو جعل الاسم المصدر بأب أو أم اسما علما من غير أن يكون له اسم غيره، لكن قد يؤخذ من قول أنس في رواية ربعي بن عبد الله " يكنى أبا عمير " أن له اسما غير كنيته. وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية هشيم عن أبي عمير بن أنس بن مالك عن عمومة له حديثا، وأبو عمير هذا ذكروا أنه كان أكبر ولد أنس وذكروا أن اسمه عبد الله كما جزم به الحاكم أبو أحمد وغيره، فلعل أنسا مسماه باسم أخيه لأمه وكناه بكنيته، ويكون أبو طلحة سمى ابنه الذي رزقه خلفا من أبي عمير باسم أبي عمير لكنه لم يكنه بكنيته، والله أعلم. ثم وجدت في كتاب النساء لأبي الفرج بن الجوزي قد أخرج في أواخره في ترجمة أم سليم من طريق محمد بن عمرو وهو أبو سهل البصري وفيه مقال عن حفص بن عبيد الله عن أنس أن أبا طلحة زوج أم سليم كان له منها ابن يقال له حفص غلام قد ترعرع فأصبح أبو طلحة وهو صائم في بعض شغله فذكر قصة نحو القصة التي في الصحيح بطولها في موت الغلام ونومها مع أبي طلحة وقولها " أرأيت لو أن رجلا أعارك عارية الخ " وإعلامهما النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ودعائه لهما وولادتهما وإرسالها الولد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحنكه. وفي القصة مخالفة لما في الصحيح: منها أن الغلام كان صحيحا فمات بغتة، ومنها أنه ترعرع، والباقي بمعناه. فعرف بهذا أن اسم أبي عمير حفص، وهو وارد على من صنف في الصحابة وفي المبهمات، والله أعلم. ومن النوادر التي تتعلق بقصة أبي عمير ما أخرجه الحاكم في " علوم الحديث " عن أبي حاتم الرازي أنه قال: حفظ الله أخانا صالح بن محمد - يعني الحافظ الملقب جزرة - فإنه لا يزال يبسطنا غائبا وحاضرا، كتب إلي أنه لما مات الذهلي - يعني بنيسابور - أجلسوا شيخا لهم يقال له محمش فأملى عليهم حديث أنس هذا فقال: يا أبا عمير ما فعل البعير؟ قاله بفتح عين عمير بوزن عظيم وقال بموحدة مفتوحة بدل النون وأهمل العين بوزن الأول فصحف الاسمين معا. قلت: ومحمش هذا لقب وهو بفتح الميم الأولى وكسر الثانية بينهما حاء مهملة ساكنة وآخره معجمة، واسمه محمد بن يزيد بن عبد الله النيسابوري السلمي ذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى عن يزيد بن هارون وغيره وكانت فيه دعابة *3* الشرح: قوله: (باب التكني بأبي تراب وإن كانت له كنية أخرى) وذكر فيه قصة علي بن أبي طالب في ذلك، وقد تقدمت بأتم من هذا السياق في مناقبه، وفيه بيان الاختلاف في سبب ذلك وأن الجمع بينهما ممتنع، ثم ظهر لي إمكان الجمع وقد ذكرته في بابه من كتاب الاستئذان، وقد ثبت في حديث عبد المطلب بن ربيعة عند مسلم في قصة طويلة أن عليا رضي الله عنه قال: أنا أبو حسن. الحديث: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَيْهِ لَأَبُو تُرَابٍ وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ أَنْ يُدْعَى بِهَا وَمَا سَمَّاهُ أَبُو تُرَابٍ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَاضَبَ يَوْماً فَاطِمَةَ فَخَرَجَ فَاضْطَجَعَ إِلَى الْجِدَارِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْبَعُهُ فَقَالَ هُوَ ذَا مُضْطَجِعٌ فِي الْجِدَارِ فَجَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَامْتَلَأَ ظَهْرُهُ تُرَاباً فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ وَيَقُولُ اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ الشرح: قوله في السند " سليمان " هو ابن بلال، وقوله "عن سهل بن سعد " في رواية الإسماعيلي وأبي نعيم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد شيخ البخاري فيه بهذا السند " سمعت سهل بن سعد " وقوله وما سماه أبو تراب إلا النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن التين: صوابه أبا تراب. قلت: وليس الذي وقع في الأصل خطأ بل هو موجه على الحكاية، أو على جعل الكنية اسما. وقد وقع في بعض النسخ " أبا تراب " ونبه على اختلاف الروايات في ذلك الإسماعيلي. ووقع في رواية أبي بكر المشار إليها آنفا بالنصب أيضا. وقوله "إن كانت لأحب أسمائه إليه " فيه إطلاق الاسم على الكنية، وأنث " كانت " باعتبار الكنية. قال الكرماني: أن مخففة من الثقيلة وكانت زائدة، وأحب منصوب على أنه اسم أن، وهي وإن خففت لكن لا يوجب تخفيفها إلغاءها. قلت: ولم يتعين ما قال، بل كانت على حالها. وأشار سهل بذلك إلى انقضاء محبته بموته، وسهل إنما حدث بذلك بعد موت علي بدهر. وقال ابن التين: وأنث كانت على تأنيث الأسماء مثل وقوله "وأن كان ليفرح أن ندعوها " بنون مفتوحة ودال ساكنة والواو محركة بمعنى نذكرها كذا للنسفي، ولأبي ذر عن المستملي والسرخسي ووقع في روايتنا من طريق أبي الوقت " أن يدعاها " وهو بتحتانية أوله مضمومة، ولسائر الرواة " يدعى بها " بضم أوله أي ينادى بها وهي رواية المصنف في " الأدب المفرد " عن شيخه المذكور هنا بهذا الإسناد، وكذا لأبي نعيم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة المذكورة. وفي رواية عثمان بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد " أن يدعوه بها " وقوله " فاضطجع إلى الجدار في المسجد " في رواية الكشميهني " إلى جدار المسجد " وعنه " في " بدل " إلى " وفي رواية النسفي " إلى الجدار إلى المسجد " وقد تقدم في أبواب المساجد بلفظ " فإذا هو راقد في المسجد " وهو يقوي رواية الأكثر هنا. وقوله "يتبعه " بتشديد المثناة والعين مهملة، وللكشميهني " يبتغيه " بتقديم الموحدة ثم مثناة والغين معجمة بعدها تحتانية. ويستفاد من الحديث جواز تكنية الشخص بأكثر من كنية، والتلقيب بلفظ الكنية وبما يشتق من حال الشخص، وأن اللقب إذا صدر من الكبير في حق الصغير تلقاه بالقبول ولو لم يكن لفظه لفظ مدح، وأن من حمل ذلك على التنقيص لا يلتفت إليه، وهو كما كان أهل الشام ينتقصون ابن الزبير بزعمهم حيث يقولون له: ابن ذات النطاقين، فيقول " تلك شكاة ظاهر عنك عارها " قال ابن بطال: وفيه أن أهل الفضل قد يقع بين الكبير منهم وبين زوجته ما طبع عليه البشر من الغضب، وقد يدعوه ذلك إلى الخروج من بيته ولا يعاب عليه. قلت: ويحتمل أن يكون سبب خروج علي خشية أن يبدو منه في حالة الغضب ما لا يليق بجناب فاطمة رضي الله عنهما فحسم مادة الكلام بذلك إلى أن تسكن فورة الغضب من كل منهما. وفيه كرم خلق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه توجه نحو علي ليترضاه، ومسح التراب عن ظهره ليبسطه، وداعبه بالكنية المذكورة المأخوذة من حالته، ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته مع رفيع منزلتها عنده، فيؤخذ منه استحباب الرفق بالأصهار وترك معاتبتهم إبقاء لمودتهم، لأن العتاب إنما يخشى ممن يخشى منه الحقد لا ممن هو منزه عن ذلك. (تنبيه) : أخرج ابن إسحاق والحاكم من طريقه من حديث عمار أنه " كان هو وعلي في غزوة العشيرة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فوجد عليا نائما وقد علاه تراب فأيقظه وقال له مالك أبا تراب، ثم قال: ألا أحدثك بأشقى الناس " الحديث. وغزوة العشيرة كانت في أثناء السنة الثانية قبل وقعة بدر، وذلك قبل أن يتزوج علي فاطمة، فإن كان محفوظا أمكن الجمع بأن يكون ذلك تكرر منه صلى الله عليه وسلم في حق علي، والله أعلم. وقد ذكر ابن إسحاق عقب القصة المذكورة قال " حدثني بعض أهل العلم أن عليا كان إذا غضب على فاطمة في شيء لم يكلمها، بل كان يأخذ ترابا فيضعه على رأسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى ذلك عرف فيقول: مالك يا أبا تراب؟ " فهذا سبب آخر يقوي التعدد، والمعتمد في ذلك كله حديث سهل في الباب والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب أبغض الأسماء إلى الله عز وجل) كذا ترجم بلفظ " أبغض " وهو بالمعنى، وقد ورد بلفظ " أخبث " بمعجمة وموحدة ثم مثلثة، وبلفظ " أغيظ " وهما عند مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة، ولابن أبي شيبة عن مجاهد بلفظ " أكره الأسماء " ونقل ابن التين عن الداودي قال: ورد في بعض الأحاديث " أبغض الأسماء إلى الله خالد ومالك " قال: وما أراه محفوظا لأن في الصحابة من تسمى بهما، قال: وفي القرآن تسمية خازن النار مالكا قال: والعباد وإن كانوا يموتون فإن الأرواح لا تفنى، انتهى كلامه. فأما الحديث الذي أشار إليه فما وقفت عليه بعد البحث، ثم رأيت في ترجمة إبراهيم بن الفضل المدني أحد الضعفاء من مناكيره عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رفعه " أحب الأسماء إلى الله ما سمي به، وأصدقها الحارث وهمام، وأكذب الأسماء خالد ومالك، وأبغضها إلى الله ما سمي لغيره " فلم يضبط الداودي لفظ المتن، أو هو متن آخر اطلع عليه. وأما استدلاله على ضعفه بما ذكر من تسمية بعض الصحابة وبعض الملائكة فليس بواضح، لاحتمال اختصاص المنع بمن لا يملك شيئا. وأما احتجاجه لجواز التسمية لخالد بما ذكر من أن الأرواح لا تفنى فعلى تقدير التسليم فليس بواضح أيضا، لأن الله سبحانه وتعالى قد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْنَى الْأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ الشرح: قوله: (أخنى) كذا في رواية شعيب بن أبي حمزة للأكثر، من الخنا بفتح المعجمة وتخفيف النون مقصور وهو الفحش في القول، ويحتمل أن يكون من قولهم أخنى عليه الدهر أي أهلكه، ووقع عند المستملي " أخنع " بعين مهملة وهو المشهور في رواية سفيان بن عيينة وهو من الخنوع وهو الذل، وقد فسره بذلك الحميدي شيخ البخاري عقب روايته له عن سفيان قال: " أخنع أذل " وأخرج مسلم عن أحمد بن حنبل قال: سألت أبا عمرو الشيباني يعني إسحاق اللغوي عن أخنع فقال: أوضع، قال عياض: معناه أنه أشد الأسماء صغارا. وبنحو ذلك فسره أبو عبيد. والخانع الذليل وخنع الرجل ذل، قال ابن بطال: وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشد ذلا، وقد فسر الخليل أخنع بأفجر فقال: الخنع الفجور، يقال أخنع الرجل إلى المرأة إذا دعاها للفجور. قلت: وهو قريب من معنى الخنا وهو الفحش. ووقع عند الترمذي في آخر الحديث " أخنع أقبح " وذكر أبو عبيد أنه ورد بلفظ " أنخع " بتقديم النون على المعجمة وهو بمعنى أهلك لأن النخع الذبح والقتل الشديد، وتقدم أن في رواية همام " أغيظ " بغين وظاء معجمتين، ويؤيده " اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك " أخرجه الطبراني. ووقع في شرح شيخنا ابن الملقن أن في بعض الروايات " أفحش الأسماء " ولم أرها، وإنما ذكر ذلك بعض الشراح في تفسير أخنى وقوله: " أخنع اسم عند الله. وقال سفيان غير مرة أخنع الأسماء " أي قال ذلك أكثر من مرة، وهذا اللفظ يستعمل كثيرا في إرادة الكثرة وسأذكر توجيه الروايتين. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً قَالَ أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ وَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْنَعُ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ قَالَ سُفْيَانُ يَقُولُ غَيْرُهُ تَفْسِيرُهُ شَاهَانْ شَاهْ الشرح: قوله: (عن أبي الزناد) في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان " حدثنا أبو الزناد " وهي عند أبي عوانة في صحيحه أيضا من طريقه. قوله: (رواية) كذا في رواية علي هنا. وفي رواية أحمد عن سفيان " يبلغ به " أخرجها مسلم وأبو داود، وعند الترمذي عن محمد بن ميمون عن سفيان مثله، وكلاهما كناية عن الرفع بمعنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ووقع التصريح بذلك في رواية الحميدي. قوله: (عند الله) زاد أبو داود والترمذي في روايتهما " يوم القيامة " وهذه الزيادة ثابتة هنا في رواية شعيب إلي قبل هذه. قوله: (تسمى) أي سمى نفسه أو سمي بذلك فرضي به واستمر عليه. قوله: (بملك الأملاك) بكسر اللام من ملك، والأملاك جمع ملك بالكسر وبالفتح وجمع مليك. قوله: (قال سفيان يقول غيره) أي غير أبي الزناد. قوله: (تفسيره شاهان شاه) هكذا ثبت لفظ تفسيره في رواية الكشميهني؛ ووقع عند أحمد عن سفيان قال سفيان: " مثل شاهان شاه " فلعل سفيان قاله مرة نقلا ومرة من قبل نفسه، وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن الصباح عن سفيان مثله وزاد مثل ذلك الصين، وشاهان شاه بسكون النون وبهاء في آخره وقد تنون وليست هاء تأنيث فلا يقال بالمثناة أصلا. وقد تعجب بعض الشراح من تفسير سفيان بن عيينة اللفظة العربية باللفظة العجمية وأنكر ذلك آخرون، وهو غفلة منهم عن مراده وذلك أن لفظ شاهان شاه كان قد كثر التسمية به في ذلك العصر فنبه على أن الاسم الذي ورد الخبر بذمه لا ينحصر في ملك الأملاك بل كل ما أدى معناه بأي لسان كان فهو مراد بالذم، ويؤيد ذلك أنه وقع عند الترمذي " مثل شاهان شاه " وقوله شاهان شاه هو المشهور في روايات هذا الحديث، وحكى عياض عن بعض الروايات " شاه شاه " بالتنوين بغير إشباع في الأولى والأصل هو الأولى، وهذه الرواية تخفيف منها، وزعم بعضهم أن الصواب شاه شاهان وليس كذلك لأن قاعدة العجم تقديم المضاف إليه على المضاف، فإذا أرادوا قاضي القضاة بلسانهم قالوا موبذان موبذ، فموبذ هو القاضي وموبذان جمعه فكذا شاه هو الملك وشاهان هو الملوك، قال عياض: استدل به بعضهم على أن الاسم غير المسمى، ولا حجة فيه بل المراد من الاسم صاحب الاسم، يدل عليه رواية " همام أغيظ رجل " فكأنه من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ويؤيده قوله " تسمى " فالتقدير أن أخنع اسم رجل تسمى بدليل الرواية الأخرى " وأن أخنع الأسماء " واستدل بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعيد الشديد، ويلتحق به ما في معناه مثل خالق الخلق وأحكم الحاكمين وسلطان السلاطين وأمير الأمراء، وقيل يلتحق به أيضا من تسمى بشيء من أسماء الله الخاصة به كالرحمن والقدوس والجبار. وهل يلتحق به من تسمى قاضي القضاة أو حاكم الحكام؟ اختلف العلماء في ذلك فقال الزمخشري في قوله تعالى: (أحكم الحاكمين) : أي أعدل الحكام وأعلمهم، إذ لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل، قال: ورب غريق في الجهل والجور من مقلدي زماننا قد لقب أقضى القضاة ومعناه أحكم الحاكمين فاعتبر واستعبر، وتعقبه ابن المنير بحديث " أقضاكم علي " قال: فيستفاد منه أن لا حرج على من أطلق على قاض يكون أعدل القضاة أو أعلمهم في زمانه أقضى القضاة، أو يريد إقليمه أو بلده. ثم تكلم في الفرق بين قاضي القضاة وأقضى القضاة، وفي اصطلاحهم على أن الأول فوق الثاني وليس من غرضنا هنا. وقد تعقب كلام ابن المنير علم الدين العراقي فصوب ما ذكره الزمخشري من المنع ورد ما احتج به من قضية علي بأن التفضيل في ذلك وقع في حق من خوطب به ومن يلتحق بهم فليس مساويا لإطلاق التفضيل بالألف واللام، قال ولا يخفى ما في إطلاق ذلك من الجراءة وسوء الأدب، ولا عبرة بقول من ولي القضاء فنعت بذلك فلذ في سمعه فاحتال في الجواز فإن الحق أحق أن يتبع، انتهى كلامه. ومن النوادر أن القاضي عز الدين ابن جماعة قال إنه رأى أباه في المنام فسأله عن حاله فقال: ما كان علي أضر من هذا الاسم، فأمر الموقعين أن لا يكتبوا له في السجلات قاضي القضاة بل قاضي المسلمين، وفهم من قول أبيه أنه أشار إلى هذه التسمية مع احتمال أنه أشار إلى الوظيفة، بل هو الذي يترجح عندي، فإن التسمية بقاضي القضاة وجدت في العصر القديم من عهد أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، وقد منع الماوردي من جواز تلقيب الملك الذي كان في عصره بملك الملوك مع أن الماوردي كان يقال له أقضى القضاة، وكأن وجه التفرقة بينهما الوقوف مع الخبر وظهور إرادة العهد الزماني في القضاة. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: يلتحق بملك الأملاك قاضي القضاة وإن كان اشتهر في بلاد الشرق من قديم الزمان إطلاق ذلك على كبير القضاة، وقد سلم أهل المغرب من ذلك فاسم كبير القضاة عندهم قاضي الجماعة، قال: وفي الحديث مشروعية الأدب في كل شيء، لأن الزجر عن ملك الأملاك والوعيد عليه يقتضي المنع منه مطلقا، سواء أراد من تسمى بذلك أنه ملك على ملوك الأرض أم على بعضها، سواء كان محقا في ذلك أم مبطلا، مع أنه لا يخفى الفرق بين من قصد ذلك وكان فيه صادقا ومن قصده وكان فيه كاذبا. وَقَالَ مِسْوَرٌ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ الشرح: قوله: (باب كنية المشرك) أي هل يحوز ابتداء، وهل إذا كانت له كنية تجوز مخاطبته أو ذكره بها؟ وأحاديث الباب مطابقة لهذا الأخير، ويلتحق به الثاني في الحكم. قوله: (وقال مسور) هو ابن مخرمة الزهري كذا للجميع إلا النسفي فسقط هذا التعليق من روايته، ووقع في " مستخرج أبي نعيم " وقال المسور وهو الأشهر. قوله: (إلا أن يريد ابن أبي طالب) هذا طرف من حديث تقدم موصولا في باب فرض الخمس. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ وَأُسَامَةُ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي حَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَسَارَا حَتَّى مَرَّا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَفِي الْمُسْلِمِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا غَشِيَتْ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ ابْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ وَقَالَ لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَيُّهَا الْمَرْءُ لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقّاً فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَابَّتَهُ فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ وَلَقَدْ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ وَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ الْآيَةَ وَقَالَ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَوَّلُ فِي الْعَفْوِ عَنْهُمْ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِيهِمْ فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْراً فَقَتَلَ اللَّهُ بِهَا مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ فَقَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَنْصُورِينَ غَانِمِينَ مَعَهُمْ أُسَارَى مِنْ صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ فَبَايِعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا الشرح: قوله: (وحدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس، وهو معطوف على السند الذي قبله وساق المتن على لفظه، وسليمان هو ابن بلال وقوله " عن عروة " في رواية شعيب " أخبرنا عروة بن الزبير " وتقدم سياق لفظ شعيب في تفسير آل عمران مع شرح الحديث، والغرض منه قوله " ألم تسمع ما قال أبو حباب "؟ بضم المهملة وتخفيف الموحدة وآخره موحدة وهي كنية عبد الله بن أبي، وكان حينئذ لم يظهر الإسلام كما هو بين من سياق الحديث، وظاهر في آخره. قوله فيه (أبو حباب) قال ومحل ذلك إذا وجد فيه الشرط، وهو أن لا يعرف إلا بكنيته أو خيف من ذكر اسمه فتنة، ثم قال: وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل فسماه باسمه ولم يكنه ولا لقبه بلقبه وهو قيصر، وقد أمرنا بالإغلاظ عليهم فلا نكنيهم ولا نلين لهم قولا، وقد تعقب كلامه بأنه لا حصر فيما ذكر بل قصة عبد الله بن أبي في ذكره بكنيته دون اسمه وهو باسمه أشهر ليس لخوف الفتنة، فإن الذي ذكر بذلك عنده كان قويا في الإسلام فلا يخشى معه أن لو ذكر عبد الله باسمه أن يجر بذلك فتنة، وإنما هو محمول على التألف كما جزم به ابن بطال فقال: فيه جواز تكنية المشركين على وجه التألف إما رجاء إسلامهم أو لتحصيل منفعة منهم، وأما تكنية أبي طالب فالظاهر أنه من القبيل الأول وهو اشتهاره بكنيته دون اسمه، وأما تكنية أبي لهب فقد أشار النووي في شرحه إلى احتمال رابع وهو اجتناب نسبته إلى عبودية الصنم لأنه كان اسمه عبد العزى، وهذا سبق إليه ثعلب ونقله عنه ابن بطال. وقال غيره: إنما ذكر بكنيته دون اسمه للإشارة إلى أنه " سيصلى نارا ذات لهب " قيل وإن تكنيته بذلك من جهة التجنيس لأن ذلك من جملة البلاغة أو المجازاة، أشير إلى أن الذي نفخر به في الدنيا من الجمال والولد كان سببا في خزيه وعقابه. وحكى ابن بطال عن أبي عبد الله بن أبي زمنين أنه قال: كان اسم أبي لهب عبد العزى وكنيته أبو عتبة، وأما أبو لهب فلقب لقب به لأن وجهه كان يتلألأ ويلتهب جمالا، قال فهو لقب وليس بكنية، وتعقب بأن ذلك يقوي الإشكال الأول لأن اللقب إذا لم يكن على وجه الذم للكافر لم يصلح من المسلم، وأما قول الزمخشري: هذه التكنية ليست للإكرام بل للإهانة إذ هي كناية عن الجهنمي إذ معناه تبت يدا الجهنمي، فهو متعقب لأن الكنية لا نظر فيها إلى مدلول اللفظ، بل الاسم إذا صدر بأم أو أب فهو كنية، سلمنا لكن اللهب لا يختص بجهنم وإنما المعتمد ما قاله غيره أن النكتة في ذكره بكنيته أنه لما علم الله تعالى أن مآله إلى النار ذات اللهب ووافقت كنيته حاله حسن أن يذكر بها، وأما ما استشهد به النووي من الكتاب إلى هرقل فقد وقع في نفس الكتاب ذكره بعظيم الروم، وهو مشعر بالتعظيم، واللقب لغير العرب كالكنى للعرب، وقد قال النووي في موضع آخر: فرع إذا كتاب إلى مشرك كتابا وكتب فيه سلاما أو نحوه فينبغي أن يكتب كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، فذكر الكتاب وفيه " عظيم الروم " وهذا ظاهره التناقض، وقد جمع أبي رحمه الله في نكت له على " الأذكار " بأن قوله عظيم الروم صفة لازمة لهرقل فاكتفى به صلى الله عليه وسلم عن قوله ملك الروم فإنه لو كتبها لأمكن هرقل أن يتمسك بها في أنه أقره على المملكة. قال: ولا يرد مثل ذلك في قوله تعالى حكاية عن صاحب مصر (وقال الملك) لأنه حكاية عن أمر مضى وانقضى، بخلاف هرقل انتهى. وينبغي أن يضم إليه أن ذكر عظيم الروم والعدول عن ملك الروم حيث كان لا بد له من صفة تميزه عند الاقتصار على اسمه، لأن من يتسمى بهرقل كثير، فقيل عظيم الروم ليميز عمن يتسمى بهرقل، فعلى هذا فلا يحتج به على جواز الكتابة لكل ملك مشرك بلفظ عظيم قومه إلا إن احتيج إلى مثل ذلك للتمييز، وعلى عموم ما تقدم من التألف أو من خشية الفتنة يجوز ذلك بلا تقييد والله أعلم. وإذا ذكر قيصر وأنه لقب لكل من ملك الروم فقد شاركه في ذلك جماعة من الملوك ككسرى لملك الفرس، وخاقان لملك الترك، والنجاشي لملك الحبشة، وتبع لملك اليمن، وبطليوس لملك اليونان، والقطنون لملك اليهود وهذا في القديم ثم صار يقال له رأس الجالوت، ونمرود لملك الصابئة، ودهمي لملك الهند، وقور لملك السند، ويعبور لملك الصين، وذو يزن وغيره من الأذواء لملك حمير، وهياج لملك الزنج، وزنبيل لملك الخزر، وشاه أرمن لملك أخلاط، وكابل لملك النوبة، والأفشين لملك فرغانة وأسروسنة، وفرعون لملك مصر، والعزيز لمن ضم إليها الإسكندرية، وجالوت لملك العمالقة ثم البربر، والنعمان لملك الغرب من قبل الفرس، نقل أكثر هذا الفصل من السيرة لمغلطاي وفي بعضه نظر. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ قَالَ نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ لَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ الشرح: ذكر حديث العباس بن عبد المطلب " قال يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء؟ وقد تقدم شرحه في الترجمة النبوية قبيل الإسراء، وكأنه أراد بإيراده الأول لأنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ما سمعه وأقره، قال النووي في " الأذكار " بعد أن قرر أنه لا تجوز تكنية الكافر إلا بشرطين ذكرهما. وقد تكرر في الحديث ذكر أبي طالب واسمه عبد مناف وقال الله تعالى:
|