الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
الشرح: قوله: (باب خاتم الحديد) قد ذكرت ما ورد فيه في الباب الذي قبله، كأنه لم يثبت عنده شيء من ذلك على شرطه، وفيه دلالة على جواز لبس ما كان على صفته. وأما ما أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان من رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شبه فقال: ما لي أجد منك ريح الأصنام؟ فطرحه. ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال: ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟ فطرحه. فقال: يا رسول الله من أي شيء أتخذه؟ قال: اتخذه من ورق، ولا تتمه مثقالا " وفي سنده أبو طيبة بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة اسمه عبد الله بن مسلم المروزي، قال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ ويخالف، فإن كان محفوظا حمل المنع على ما كان حديدا صرفا. وقد قال التيفاشي في " كتاب الأحجار " خاتم الفولاذ مطردة للشيطان إذا لوي عليه فضة، فهذا يؤيد المغايرة في الحكم. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلاً يَقُولُ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ جِئْتُ أَهَبُ نَفْسِي فَقَامَتْ طَوِيلاً فَنَظَرَ وَصَوَّبَ فَلَمَّا طَالَ مُقَامُهَا فَقَالَ رَجُلٌ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ قَالَ عِنْدَكَ شَيْءٌ تُصْدِقُهَا قَالَ لَا قَالَ انْظُرْ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ وَاللَّهِ إِنْ وَجَدْتُ شَيْئاً قَالَ اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ قَالَ لَا وَاللَّهِ وَلَا خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ فَقَالَ أُصْدِقُهَا إِزَارِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِزَارُكَ إِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّياً فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَقَالَ مَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ سُورَةُ كَذَا وَكَذَا لِسُوَرٍ عَدَّدَهَا قَالَ قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ الشرح: حديث سهل بن سعد في قصة الواهبة وقوله فيه " اذهب فالتمس ولو خاتما من حديد " استدل به على جواز لبس خاتم الحديد، ولا حجة فيه لأنه لا يلزم من جواز الاتخاذ جواز اللبس، فيحتمل أنه أراد وجوده لتنتفع المرأة بقيمته. وقوله "ولو خاتما " محذوف الجواب لدلالة السياق عليه، فإنه لما أمره بالتماس مهما وجد كأنه خشي أن يتوهم خروج خاتم الحديد لحقارته فأكد دخوله بالجملة المشعرة بدخول ما بعدها فيما قبلها، وقوله في الجواب " فقال لا والله، ولا خاتما من حديد " انتصب على تقدير لم أجد، وقد صرح به في الطريق الأخرى. الشرح: قوله: (باب نقش الخاتم) ذكر فيه حديثين: أحدهما عن أنس. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى رَهْطٍ أَوْ أُنَاسٍ مِنْ الْأَعَاجِمِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَاباً إِلَّا عَلَيْهِ خَاتَمٌ فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَماً مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَكَأَنِّي بِوَبِيصِ أَوْ بِبَصِيصِ الْخَاتَمِ فِي إِصْبَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي كَفِّهِ الشرح: قوله: (حدثنا عبد الأعلى) هو ابن حماد وسعيد هو ابن أبي عروبة. قوله: (أراد أن يكتب إلى رهط أو أناس) هو شك من الراوي. قوله: (من الأعاجم) في رواية شعبة عن قتادة كما يأتي بعد باب " إلى الروم". قوله: (فقيل له) في مرسل طاوس عند ابن سعد أن قريشا هم الذين قالوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قوله: (نقشه محمد رسول الله) زاد ابن سعد من مرسل ابن سيرين " بسم الله محمد رسول الله " ولم يتابع على هذه الزيادة، وقد أورده من مرسل طاوس والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسالم بن أبي الجعد وغيرهم ليس فيه الزيادة، وكذا وقع في الباب من حديث ابن عمر، وأما ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه أخرج لهما خاتما فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسه فيه تمثال أسد قال معمر: فغسله بعض أصحابنا فشربه، ففيه مع إرساله ضعف، لأن ابن عقيل مختلف في الاحتجاج به إذا انفرد فكيف إذا خالف، وعلى تقدير ثبوته فلعله لبسه مرة قبل النهي. قوله: (في إصبع النبي صلى الله عليه وسلم أو في كفه) شك من الراوي، ووقع في رواية شعبة " في يده " وسيأتي من وجه آخر عن أنس في الباب الذي بعده " في خنصره". الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَماً مِنْ وَرِقٍ وَكَانَ فِي يَدِهِ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُثْمَانَ حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ الشرح: حديث ابن عمر، وقد تقدم شرحه في " باب خاتم الفضة". *3* الشرح: قوله: (باب الخاتم في الخنصر) أي دون غيرها من الأصابع، وكأنه أشار إلى ما أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق أبي بردة بن أبي موسى عن علي قال " نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ألبس خاتمي في هذه وفي هذه " يعني السبابة والوسطى، وسيأتي بيان أي الخنصرين اليمنى أو اليسرى كان يلبس الخاتم فيه بعد باب. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَماً قَالَ إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَماً وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشاً فَلَا يَنْقُشَنَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ قَالَ فَإِنِّي لَأَرَى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ الشرح: قوله: (فلا ينقش عليه أحد) في رواية الكشميهني وحده " ينقشن " بالنون المؤكدة، وإنما نهى أن ينقش أحد على نقشه لأن فيه اسمه وصفته، وإنما صنع فيه ذلك ليختم به فيكون علامة تختص به وتتميز عن غيره، فلو جاز أن ينقش أحد نظير نقشه لفات المقصود. *3* الشرح: قوله: (باب اتخاذ الخاتم) سقط لفظ " باب " من رواية أبي ذر، قال الخطابي: لم يكن لباس الخاتم من عادة العرب، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الملوك اتخذ الخاتم واتخذه من ذهب، ثم رجع عنه لا فيه من الزينة ولما يخشى من الفتنة، وجعل فصه مما يلي باطن كفه ليكون أبعد من التزين. قال شيخنا في " شرح الترمذي " دعواه أن العرب لا تعرف الخاتم عجيبة فإنه عربي وكانت العرب تستعمله انتهى، ويحتاج إلى ثبوت لبسه عن العرب وإلا فكونه عربيا واستعمالهم له في ختم الكتب لا يرد على عبارة الخطابي، وقد قال الطحاوي بعد أن أخرج الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي ريحانة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان " ذهب قوم إلى كراهة لبس الخاتم إلا لذي سلطان، وخالفهم آخرون فأباحوه، رمى حجتهم حديث أنس المتقدم " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ألقى خاتمه ألقى الناس خواتيمهم " فإنه يدل على أنه كان يلبس الخاتم في العهد النبوي من ليس ذا سلطان، فإن قيل هو منسوخ قلنا الذي نسخ منه لبس خاتم الذهب، قلت أو لبس خاتم المنقوش عليه نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم تقريره. ثم أورد عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يلبسون الخواتم ممن ليس له سلطان انتهى. ولم يجب عن حديث أبي ريحانة. والذي يظهر أن لبسه لغير ذي سلطان خلاف الأولى، لأنه ضرب من التزين، واللائق بالرجال خلافه، وتكون الأدلة الدالة على الجواز هي الصارفة للنهي عن التحريم، ويؤيده أن في بعض طرقه نهي عن الزينة والخاتم الحديث، ويمكن أن يكون المراد بالسلطان من له سلطان على شيء ما يحتاج إلى الختم عليه لا السلطان الأكبر، خاصة والمراد بالخاتم ما يختم به فيكون لبسه عبثا. وأما من لبس الخاتم الذي لا يختم به وكان من الفضة للزينة فلا يدخل في النهي، وعلى ذلك يحمل حال من لبسه ويؤيده ما ورد من صفة نقش خواتم بعض من كان يلبس الخواتم مما يدل على أنها لم تكن بصفة ما يختم به، وقد سئل مالك عن حديث أبي ريحانة فضعفه وقال: سأل صدقة بن يسار سعيد بن المسيب فقال: البس الخاتم، وأخبر الناس أني قد أفتيتك والله أعلم. (تكملة) : جزم أبو الفتح اليعمري أن اتخاذ الخاتم كان في السنة السابعة، وجزم غيره بأنه كان في السادسة ويجمع بأنه كان في أواخر السادسة وأوائل السابعة لأنه إنما اتخذه عند إرادته مكاتبة الملوك كما تقدم، وكان إرساله إلى الملوك في مدة الهدنة، وكان في ذي القعدة سنة ست، ورجع إلى المدينة في ذي الحجة، ووجه الرسل في المحرم من السابعة وكان اتخاذه الخاتم قبل إرساله الرسل إلى الملوك. والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه) سقط لفظ " باب " من رواية أبي ذر، قال ابن بطال. قيل لمالك يجعل القص في باطن الكف؟ قال: لا. قال ابن بطال: ليس في كون فص الخاتم في بطن الكف ولا ظهرها أمر ولا نهي. وقال غيره: السر في ذلك أن جعله في بطن الكف أبعد من أن يظن أنه فعله للتزين به، وقد أخرج أبو داود من حديث ابن عباس جعله في ظاهر الكف كما سأذكره قريبا. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْطَنَعَ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ فَاصْطَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ وَإِنِّي لَا أَلْبَسُهُ فَنَبَذَهُ فَنَبَذَ النَّاسُ قَالَ جُوَيْرِيَةُ وَلَا أَحْسِبُهُ إِلَّا قَالَ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى الشرح: قوله: (حدثنا جويرية) هو ابن أسماء، وعبد الله هو ابن عمر. قوله: (اصطنع خاتما من ذهب وجعل) كذا للأكثر، وللمستملي والسرخسي " ويجعل " وقد تقدم شرح الحديث في " باب خاتم الفضة". قوله: (قال جويرية ولا أحسبه إلا قال في يده اليمنى) هو موصول بالإسناد المذكور؛ قال أبو ذر في روايته: لم يقع في البخاري موضع الخاتم من أي اليدين إلا في هذا. وقال الداودي: لم يجزم به جويرية، وتواطؤ الروايات على خلافه يدل على أنه لم يحفظه، وعمل الناس على لبس الخاتم في اليسار يدل على أنه المحفوظ. قلت: وكلامه متعقب فإن الظن فيه من موسى شيخ البخاري، وقد أخرجه ابن سعد عن مسلم بن إبراهيم، وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن عبد الله بن محمد بن أسماء كلاهما عن جويرية وجزما بأنه لبسه في يده اليمنى، وهكذا أخرج مسلم من طريق عقبة بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في قصة اتخاذ الخاتم من ذهب وفيه " وجعله في يده اليمنى " وأخرجه الترمذي وابن سعد من طريق موسى بن عقبة عن نافع بلفظ " صنع النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب فتختم به في يمينه، ثم جلس على المنبر فقال: إني كنت اتخذت هذا الخاتم في يميني. ثم نبذه " الحديث وهذا صريح من لفظه صلى الله عليه وسلم رافع للبس. وموسى بن عقبة أحد الثقات الأثبات، وأما ما أخرجه ابن عدي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو داود من طريق عبد العزيز بن أبي رواد كلاهما عن نافع عن ابن عمر " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يساره " فقد قال أبو داود بعده: ورواه ابن إسحاق وأسامة بن زيد عن نافع " في يمينه " انتهى. ورواية ابن إسحاق قد أخرجها أبو الشيخ في " كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " من طريقه، وكذا رواية أسامة. وأخرجها محمد بن سعد أيضا. فظهر أن رواية اليسار في حديث نافع شاذة، ومن رواها أيضا أقل عددا وألين ممن روى اليمين، وقد أخرج الطبراني في " الأوسط " بسند حسن عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه " وأخرج أبو الشيخ في " كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " من رواية خالد بن أبي بكر عن سالم عن ابن عمر نحوه، فرجحت رواية اليمين في حديث ابن عمر أيضا. وقد ورد التختم في اليمين أيضا في أحاديث أخرى: منها عند مسلم من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتما من فضة في يمينه فصه حبشي " وأخرج أبو داود أيضا من طريق ابن إسحاق قال " رأيت على الصلت بن عبد الله خاتما في خنصره اليمين، فسألته فقال: رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا وجعل فصه على ظهرها، ولا إخال ابن عباس إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم " وأورده الترمذي من هذا الوجه مختصرا " رأيت ابن عباس يتختم في يمينه ولا إخاله إلا قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه " وللطبراني من وجه آخر عن ابن عباس " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه " وفي سنده لين. وأخرج الترمذي أيضا من طريق حماد بن سلمة " رأيت ابن أبي رافع يتختم في يمينه وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه " ثم نقل عن البخاري أنه أصح شيء روي في هذا الباب. وأخرج أبو داود والنسائي والترمذي في " الشمائل " وصححه ابن حبان من طريق إبراهيم بن عبد الله ابن حنين عن أبيه عن علي " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه " وفي الباب عن جابر في " الشمائل " بسند لين، وعائشة عند البزار بسند لين، وعند أبي الشيخ بسند حسن، وعن أبي أمامه عند الطبراني بسند ضعيف، وعن أبي هريرة عند الدار قطني في " غرائب مالك " بسند ساقط. وورد التختم في اليسار من حديث ابن عمر كما تقدم، ومن حديث أنس أيضا أخرجه مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال " كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه، وأشار إلى الخنصر اليسرى". وأخرجه أبو الشيخ والبيهقي في " الشعب " من طريق قتادة عن أنس، ولأبي الشيخ من حديث أبي سعيد بلفظ " كان يلبس خاتمه في يساره " وفي سنده لين، وأخرجه ابن سعد أيضا. وأخرج البيهقي في الأدب من طريق أبي جعفر الباقر قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعلي والحسن والحسين يتختمون في اليسار " وأخرجه الترمذي موقوفا على الحسن والحسين فحسب، وأما دعوى الداودي أن العمل على التختم في اليسار فكأنه توهمه من استحباب مالك للتختم وهو يرجح عمل أهل المدينة فظن أنه عمل أهل المدينة، وفيه نظر، فإنه جاء عن أبي بكر وعمر وجمع جم من الصحابة والتابعين بعدهم من أهل المدينة وغيرهم التختم في اليمنى. وقال البيهقي في الأدب: يجمع بين هذه الأحاديث بأن الذي لبسه في يمينه هو خاتم الذهب كما صرح به في حديث ابن عمر. والذي لبسه في يساره هو خاتم الفضة، وأما رواية الزهري عن أنس التي فيها التصريح بأنه كان فضة ولبسه في يمينه فكأنها خطأ، فقد تقدم أن الزهري وقع له وهم في الخاتم الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه وقع في روايته أنه الذي كان من فضة، وأن الذي في رواية غيره أنه الذي كان من ذهب، فعلى هذا فالذي كان لبسه في يمينه هو الذهب ا هـ ملخصا. وجمع غيره بأنه لبس الخاتم أولا في يمينه ثم حوله إلى يساره، واستدل له بما أخرجه أبو الشيخ وابن عدي من رواية عبد الله بن عطاء عن نافع عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه، ثم أنه حوله في يساره " فلو صح هذا لكان قاطعا للنزاع، ولكن سنده ضعيف. وأخرج ابن سعد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال " طرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه الذهب ثم تختم خاتما من ورق فجعله في يساره " وهذا مرسل أو معضل، وقد جمع البغوي في " شرح السنة " بذلك وأنه تختم أولا في يمينه ثم تختم في يساره وكان ذلك آخر الأمرين. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن اختلاف الأحاديث في ذلك فقال. لا يثبت هذا ولا هذا، ولكن في يمينه أكثر، وقد تقدم قول البخاري أن حديث عبد الله بن جعفر أصح شيء ورد فيه وصرح فيه بالتختم في اليمين، وفي المسألة عند الشافعية اختلاف والأصح اليمين. قلت. ويظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف القصد، فإن كان اللبس للتزين به فاليمين أفضل، وإن كان للتختم به فاليسار أولى لأنه كالمودع فيها، ويحصل يناوله منها باليمين وكذا وضعه فيها، ويترجح التختم قي اليمين مطلقا لأن اليسار آلة الاستنجاء فيصان الخاتم إذا كان في اليمين عن أن تصيبه النجاسة، ويترجح التختم في اليسار بما أشرت إليه من التناول. وجنحت طائفة إلى استواء الأمرين وجمعوا بذلك بين مختلف الأحاديث، وإلى ذلك أشار أبو داود حيث ترجم " باب التختم في اليمين واليسار " ثم أورد الأحاديث مع اختلافها في ذلك بغير ترجيح، ونقل النووي وغيره الإجماع على الجواز ثم قال: ولا كراهة فيه - يعني عند الشافعية - وإنما الاختلاف في الأفضل. وقال البغوي: كان آخر الأمرين التختم في اليسار. وتعقبه الطبري بأن ظاهره النسخ، وليس ذلك مراده بل الإخبار بالواقع اتفاقا، والذي يظهر أن الحكمة فيه ما تقدم، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقش) بضم أوله (على نقش خاتمه) ذكر فيه حديث أنس من رواية عبد العزيز بن صهيب عنه في اتخاذ الخاتم من فضة وفيه " فلا ينقش أحد على نقشه" الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَماً مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَماً مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَلَا يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ الشرح: حديث أنس من رواية عبد العزيز بن صهيب عنه في اتخاذ الخاتم من فضة وفيه " فلا ينقش أحد على نقشه " وقوله فيه " إنا اتخذنا " بصيغة الجمع وهي للتعظيم هنا، والمراد أني اتخذت. وأخرج الترمذي من طريق معمر عن ثابت عن أنس نحوه وقال فيه " ثم قال لا تنقشوا عليه " وأخرج الدار قطني في " الأفراد " من طريق سلمة بن وهرام عن عكرمة عن يعلى بن أمية قال " أنا صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم خاتما لم يشركني فيه أحد، نقش فيه محمد رسول الله " فيستفاد منه اسم الذي صاغ خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ونقشه. وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن ينقش أحد على نقشه أي مثل نقشه فقد تقدمت الإشارة إلى الحكمة فيه في " باب خاتم الفضة " وقد أخرج ابن أبي شيبة في " المصنف " عن ابن عمر أنه نقش على خاتمه عبد الله بن عمر، وكذا أخرج عن سالم عن عبد الله بن عمر أنه نقش اسمه على خاتمه، وكذا القاسم بن محمد، قال ابن بطال: وكان مالك يقول: من شأن الخلفاء والقضاة نقش أسمائهم في خواتمهم. وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة وأبي عبيدة أنه كان نقش خاتم كل واحد منهما " الحمد لله " وعن علي " الله الملك " وعن إبراهيم النخعي " بالله " وعن مسروق " بسم الله " وعن أبي جعفر الباقر " العزة لله " وعن الحسن والحسين لا بأس بنقش ذكر الله على الخاتم، قال النووي: وهو قول الجمهور، ونقل عن ابن سيرين وبعض أهل العلم كراهته انتهى. وقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن سيرين أنه لم يكن يرى بأسا أن يكتب الرجل في خاتمه " حسبي الله " ونحوها، فهذا يدل على أن الكراهة عنه لم تثبت، ويمكن الجمع بأن الكراهة حيث يخاف عليه حمله للجنب والحائض والاستنجاء بالكف التي هو فيها، والجواز حيث حصل الأمن من ذلك، فلا تكون الكراهة لذلك بل من جهة ما يعرض لذلك، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر) قال ابن بطال: ليس كون نقش الخاتم ثلاثة أسطر أو سطرين أفضل من كونه سطرا واحدا، كذا قال. قلت: قد يظهر أثر الخلاف من أنه إذا كان سطرا واحدا يكون الفص مستطيلا لضرورة كثرة الأحرف، فإذا تعددت الأسطر أمكن كونه مربعا أو مستديرا، وكل منهما أولى من المستطيل. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا اسْتُخْلِفَ كَتَبَ لَهُ وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولُ سَطْرٌ وَاللَّهِ سَطْرٌ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَنِي أَحْمَدُ حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ وَفِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ وَفِي يَدِ عُمَرَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسَ قَالَ فَأَخْرَجَ الْخَاتَمَ فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ قَالَ فَاخْتَلَفْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَعَ عُثْمَانَ فَنَزَحَ الْبِئْرَ فَلَمْ يَجِدْهُ الشرح: قوله: (حدثني أبي) هو عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس. قوله: (عن ثمامة) هو ابن عبد الله بن أنس عم عبد الله بن المثنى الراوي، والسند كله بصريون من آل أنس. قوله: (عن أنس) في رواية الإسماعيلي من طريق علي بن المديني عن محمد بن عبد الله الأنصاري " حدثني أبي حدثنا ثمامة حدثني أنس". قوله: (أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف كتب له) لم يذكر المكتوب وقد تقدمت الإشارة إليه في كتاب الزكاة وأنه كتب له مقادير الزكاة. قوله: (وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر) هذا ظاهره أنه لم يكن فيه زيادة على ذلك، لكن أخرج أبو الشيخ قي " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " من رواية عرعرة بن البرند بكسر الموحدة والراء بعدها نون ساكنة ثم دال عن عزرة بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها راء ابن ثابت عن ثمامة عن أنس قال " كان فص خاتم النبي صلى الله عليه وسلم حبشيا مكتوبا عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله " وعرعرة ضعفه ابن المديني، وزيادته هذه شاذة، وظاهره أيضا أنه كان على هذا الترتيب، لكن لم تكن كتابته على السياق العادي فإن ضرورة الاحتياج إلى أن يختم به يقتضي أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة ليخرج الختم مستويا. وأما قول بعض الشيوخ أن كتابته كانت من أسفل إلى فوق يعني أن الجلالة في أعلى الأسطر الثلاثة ومحمد في أسفلها فلم أر التصريح بذلك في شيء من الأحاديث، بل رواية الإسماعيلي يخالف ظاهرها ذلك، فإنه قال فيها " محمد سطر والسطر الثاني رسول والسطر الثالث الله " ولك أن تقرأ محمد بالتنوين وعدمه والله بالرفع وبالجر. قوله: (وزادني أحمد حدثنا الأنصاري إلى آخره) هذه الزيادة موصولة، وأحمد المذكور جزم المزي في " الأطراف " أنه أحمد بن حنبل، لكن لم أر هذا الحديث في " مسند أحمد " من هذا الوجه أصلا. قوله: (وفي يد عمر بعد أبي بكر، فلما كان عثمان جلس على بئر أريس) وقع في رواية ابن سعد عن الأنصاري " ثم كان في يد عثمان ست سنين، فلما كان في الست الباقية كنا معه على بئر أريس". قوله: (فجعل يعبث به) في رواية ابن سعد " فجعل يحوله في يده". قوله: (فسقط) في رواية ابن سعد " فوقع في البئر". قوله: (فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم نجده) أي في الذهاب والرجوع والنزول إلى البئر والطلوع منها، ووقع في رواية ابن سعد " فطلبناه مع عثمان ثلاثة أيام فلم نقدر عليه " قال بعض العلماء. كان في خاتمه صلى الله عليه وسلم من السر شيء مما كان في خاتم سليمان عليه السلام، لأن سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر وخرج عليه الخارجون وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله واتصلت إلى آخر الزمان. قال ابن بطال: يؤخذ من الحديث أن يسير المال إذا ضاع يجب البحث في طلبه والاجتهاد في تفتيشه، وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك لما ضاع عقد عائشة وحبس الجيش على طلبه حتى وجد، كذا قال، وفيه نظر، فأما عقد عائشة فقد ظهر أثر ذلك بالفائدة العظيمة التي نشأت عنه وهي رخصة التيمم فكيف يقاس عليه غيره؟ وأما فعل عثمان فلا ينهض الاحتجاج به أصلا لما ذكر، لأن الذي يظهر أنه إنما بالغ في التفتيش عليه لكونه أثر النبي صلى الله عليه وسلم قد لبسه واستعمله وختم به، ومثل ذلك يساوي في العادة قدرا عظيما من المال، وإلا لو كان غير خاتم النبي صلى الله عليه وسلم لاكتفي بطلبه بدون ذلك، وبالضرورة يعلم أن قدر المؤنة التي حصلت في الأيام الثلاثة تزيد على قيمة الخاتم لكن اقتضت صفته عظيم قدره فلا يقاس عليه كل ما ضاع من يسير المال، قال: وفيه أن من فعل الصالحين العبث بخواتيمهم وما يكون بأيديهم وليس ذلك بعائب لهم، قلت: وإنما كان كذلك لأن من مثلهم إنما ينشأ عن فكر، وفكرتهم إنما هي في الخير. قال الكرماني: معني قوله " يعبث به " يحركه أو يخرجه من إصبعه ثم يدخله فيها وذلك صورة العبث، وإنما يفعل الشخص ذلك عند تفكره في الأمور. قال ابن بطال: وفيه أن من طلب شيئا ولم ينجح فيه بعد ثلاثة أيام أن له أن يتركه، ولا يكون بعد الثلاث مضيعا، وأن الثلاث حد يقع بها العذر في تعذر المطلوبات. وفيه استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك والتيمن بها. وَكَانَ عَلَى عَائِشَةَ خَوَاتِيمُ ذَهَبٍ الشرح: قوله: (باب الخاتم للنساء) قال ابن بطال: الخاتم للنساء من جملة الحلي الذي أبيح لهن. قوله: (وكان على عائشة خواتيم الذهب) وصله ابن سعد من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب قال " سألت القاسم بن محمد فقال: لقد رأيت والله عائشة تلبس المعصفر وتلبس خواتيم الذهب". الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فَأَتَى النِّسَاءَ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ الشرح: قوله: (طاوس عن ابن عباس شهدت العيد من النبي صلى الله عليه وسلم فصلى قبل الخطبة) سقط لفظ " فصلى " من رواية المستملي والسرخسي. وهي مرادة ثابتة في أصل الحديث؛ فإنه طرف من حديث تقدم في صلاة العيد من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج بسنده هنا. قوله: (وزاد ابن وهب عن ابن جريج) يعني بهذا السند إلى ابن عباس، وقد تقدم بالزيادة موصولا في تفسير سورة الممتحنة من رواية هارون بن معروف عن ابن وهب. قوله: (فأتى النساء فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم) الفتخ بفتح الفاء ومثناة فوق بعدها خاء معجمة جمع فتخة وهي الخواتيم التي تلبسها النساء في أصابع الرجلين قاله ابن السكيت وغيره، وقيل الخواتيم التي لا فصوص لها، وقيل الخواتم الكبار كما تقدم ذلك من تفسير عبد الرزاق في كتاب العيدين مع بسط ذلك. *3* الشرح: قوله: (باب القلائد والسخاب للنساء) السخاب بكسر المهملة وتخفيف الخاء المعجمة وبعد الألف موحدة. قوله: (يعني قلادة من طيب وسك) بضم المهملة وتشديد الكاف. وفي رواية الكشميهني " ومسك " بكسر الميم وسكون المهملة وكاف خفيفة، والسخاب جمع سخب بضمتين، وقد تقدم بيان ما فسره به غيره في " باب ما ذكر في الأسواق " من كتاب البيوع. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تَصَدَّقُ بِخُرْصِهَا وَسِخَابِهَا الشرح: حديث ابن عباس من رواية سعيد بن جبير عنه قال " خرج النبي صلى الله عليه وسلم - وفيه - فجعلت المرأة تلقي سخابها وخرصها " بضم الخاء المعجمة وسكون الراء ثم صاد مهملة، هي الحلقة الصغيرة من ذهب أو فضة، وقد تقدم تفسيره في " باب الخطبة بعد العيد " من كتاب العيدين. *3* الشرح: قوله: (باب استعارة القلائد) ذكر فيه حديث عائشة في قصة قلادة أسماء، وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الطهارة، وفيه بيان القلادة المذكورة مم كانت. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ هَلَكَتْ قِلَادَةٌ لِأَسْمَاءَ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهَا رِجَالاً فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ الشرح: حديث عائشة في قصة قلادة أسماء، وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الطهارة، وفيه بيان القلادة المذكورة مم كانت. قوله "زاد ابن نمير عن هشام " يعني بسنده المذكور " أنها استعارت من أسماء - أي بنت أبي بكر - القلادة المذكورة " وقد وصله المؤلف رحمه الله في كتاب الطهارة من طريقه. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَرَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ الشرح: قوله: (باب القرط للنساء) بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة: ما يحلى به الأذن ذهبا كان أو فضة صرفا أو مع لؤلؤ وغيره ويعلق غالبا على شحمتها. قوله: (وقال ابن عباس. أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن) هذا طرف من حديث وصله المؤلف رحمه الله في العيدين وفي الاعتصام وغيرهما من طريق عبد الرحمن بن عابس عن ابن عباس، فأما في الاعتصام فقال في رواية " فجعل النساء يشرن إلى آذانهن وحلوقهن " وقال في العيدين " فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال " أخرجه قبيل كتاب الجمعة من هدا الوجه بلفظ " فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى حلقها تلقي في ثوب بلال " ومعنى الإهواء الإيماء باليد إلى الشيء ليؤخذ، وقد ظهر أنه في الآذان إشارة إلى الحلق، وأما في الحلوق فالذي يظهر أن المراد القلائد فإنها توضع في العنق وإن كان محلها إذا تدلت الصدر، واستدل به على جواز ثقب أذن المرأة لتجعل فيها القرط وغيره مما يجوز لهن التزين به، وفيه نظر لأنه لم يتعين وضع القرط في ثقبة الأذن، بل يجوز أن يشبك في الرأس بسلسلة لطيفة حتى تحاذي الأذن وتنزل عنها، سلمنا لكن إنما يؤخذ من ترك إنكاره عليهن، ويجوز أن تكون آذانهن ثقبت قبل مجيء الشرع فيغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، ونحوه قول أم زرع " أناس من حلي أذني " ولا حجة فيه لما ذكرنا. وقال ابن القيم: كره الجمهور ثقب أذن الصبي ورخص بعضهم في الأنثى. قلت: وجاء الجواز في الأنثى عن أحمد للزينة، والكراهة للصبي. قال الغزالي في " الإحياء " يحرم ثقب أذن المرأة ويحرم الاستئجار عليه إلا إن ثبت فيه شيء من جهة الشرع. قلت: جاء عن ابن عباس فيما أخرجه الطبراني في " الأوسط ": سبعة في الصبي من السنة فذكر السابع منها وثقب أذنه، وهو يستدرك على قول بعض الشارحين: لا مستند لأصحابنا في قولهم إنه سنة. الحديث: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيداً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي قُرْطَهَا الشرح: قوله: (أخبرني عدي) هو ابن ثابت، وقد تقدم قبل بابين من طريق شعبة أيضا بهذا الإسناد بلفظ " خرصها " بدل قرطها. *3* الشرح: قوله: (باب السخاب للصبيان) تقدم بيان السخاب. الحديث: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ فَانْصَرَفَ فَانْصَرَفْتُ فَقَالَ أَيْنَ لُكَعُ ثَلَاثاً ادْعُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَمْشِي وَفِي عُنُقِهِ السِّخَابُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَقَالَ الْحَسَنُ بِيَدِهِ هَكَذَا فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ الشرح: حديث أبي هريرة تقدم شرحه في " باب ما ذكر في الأسواق " من كتاب البيوع مستوفى، وقوله فيه " أين لكع "؟ في رواية المستملي والسرخسي " أي لكع " بصيغة النداء. *3* الشرح: قوله: (باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال) أي ذم الفريقين، ويدل على ذلك اللعن المذكور في الخبر. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ تَابَعَهُ عَمْرٌو أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ الشرح: قوله: (حدثنا محمد بن جعفر) كذا لأبي ذر، ولغيره " حدثنا غندر " وهو هو. قوله: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين) قال الطبري المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس. قلت: وكذا في الكلام والمشي، فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد، فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس، لكن يمتاز النساء باحتجاب والاستتار، وأما ذم التشبه بالكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك، وأما من كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج، فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم، ولا سيما إن بدا منه ما يدل على الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين. وأما إطلاق من أطلق كالنووي وأن المخنث الخلقي لا يتجه عليه اللوم فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثني والتكسر في المشي والكلام بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك، وإلا متى كان ترك ذلك ممكنا ولو بالتدريج فتركه بغير عذر لحقه اللوم، واستدل لذلك الطبري بكونه صلى الله عليه وسلم لم يمنع المخنث من الدخول على النساء حتى سمع منه التدقيق في وصف المرأة كما في ثالث أحاديث الباب الذي يليه، فمنعه حينئذ فدل على أن لا ذم على ما كان من أصل الخلقة. وقال ابن التين: المراد باللعن في هذا الحديث من تشبه من الرجال بالنساء في الزي ومن تشبه من النساء بالرجال كذلك، فأما من انتهى في التشبه بالنساء من الرجال إلى أن يؤتى في دبره وبالرجال من النساء إلى أن تتعاطى السحق بغيرها من النساء فإن لهذين الصنفين من الذم والعقوبة أشد ممن لم يصل إلى ذلك، قال: وإنما أمر بإخراج من تعاطى ذلك من البيوت كما في الباب الذي يليه لئلا يفضي الأمر بالتشبه إلى تعاطي ذلك الأمر المنكر. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ما ملخصه: ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء، لكن عرف من الأدلة الأخرى أن المراد التشبه في الزي وبعض الصفات والحركات ونحوها، لا التشبه في أمور الخير. وقال أيضا: اللعن الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم على ضربين: أحدهما يراد به الزجر عن الشيء الذي وقع اللعن بسببه وهو مخوف، فإن اللعن من علامات الكبائر، والآخر يقع في حال الحرج، وذلك غير مخوف، بل هو رحمة في حق من لعنه، بشرط أن لا يكون الذي لعنه مستحقا لذلك كما ثبت من حديث ابن عباس عند مسلم، قال: والحكمة في لعن من تشبه إخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحكماء، وقد أشار إلى ذلك في لعن الواصلات بقوله " المغيرات خلق الله". قوله: (تابعه عمرو قال أخبرنا شعبة) يعني بالسند المذكور، وقد وصله أبو نعيم في " المستخرج " من طريق يوسف القاضي قال حدثنا عمرو بن مرزوق به، واستدل به على أنه يحرم على الرجل لبس الثوب المكلل باللؤلؤ، وهو واضح لورود علامات التحريم وهو لعن من فعل ذلك، وأما قول الشافعي ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا لأنه من زي النساء فليس مخالفا لذلك، لأن مراده أنه لم يرد في النهي عنه بخصوصه شيء *3* الشرح: قوله: (باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت) كذا للأكثر، وللنسفي " باب إخراجهم " وكذا عند الإسماعيلي وأبي نعيم. الحديث: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَقَالَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ قَالَ فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَاناً وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَاناً الشرح: قوله: (حدثنا هشام) هو الدستوائي (عن يحيى) هو ابن أبي كثير، وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة وهشام جميعا عن قتادة عن عكرمة، وكأن أبا داود حمل رواية هشام على رواية شعبة فإن رواية شعبة عن قتادة هي باللفظ المذكور في الباب الذي قبله، ورواية هشام عن يحيى هي بهذا اللفظ الذي في هذا الباب، وقد أخرجه المصنف وأبو داود في " السنن " كلاهما عن مسلم بن إبراهيم، وأخرجه أحمد عن إسماعيل بن علية ويحيى القطان ويزيد بن هارون كلهم عن هشام عن يحيى بن أبي كثير. قوله: (المخنثين من الرجال) تأتي الإشارة إلى ضبطه عقب هذا. قوله: (والمترجلات من النساء) زاد أبو داود من طريق يزيد بن أبي زياد عن عكرمة " فقلت له ما المترجلات من النساء؟ قال: المتشبهات بالرجال". قوله: (فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا وأخرج عمر فلانة) كذا في رواية أبي ذر " فلانة " بالتأنيث وكذا وقع في " شرح ابن بطال " وللباقين " فلانا " بالتذكير، وكذا عند أحمد. وقد أخرج الطبراني وتمام الرازي في فوائده من حديث واثلة مثل حديث ابن عباس هذا بتمامه وقال فيه " وأخرج النبي صلى الله عليه وسلم أنجشة. وأخرج عمر فلانا " وأنجشة هو العبد الأسود الذي كان يحدو بالنساء، وسيأتي خبره في ذلك في كتاب الأدب، وقد تقدم ذكر أسامي من كان في العهد النبوي من المخنثين، ولم أقف في شيء من الروايات على تسمية الذي أخرجه عمر، إلى أن ظفرت بكتاب لأبي الحسن المدايني سماه " كتاب المغربين " بمعجمة وراء مفتوحة ثقيلة، فوجدت فيه عدة قصص لمن غربهم عمر عن المدينة، وسأذكر ذلك في كتاب أواخر الحدود إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ لَكُمْ غَداً الطَّائِفَ فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنَّ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ يَعْنِي أَرْبَعَ عُكَنِ بَطْنِهَا فَهِيَ تُقْبِلُ بِهِنَّ وَقَوْلُهُ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ يَعْنِي أَطْرَافَ هَذِهِ الْعُكَنِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالْجَنْبَيْنِ حَتَّى لَحِقَتْ وَإِنَّمَا قَالَ بِثَمَانٍ وَلَمْ يَقُلْ بِثَمَانِيَةٍ وَوَاحِدُ الْأَطْرَافِ وَهُوَ ذَكَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ثَمَانِيَةَ أَطْرَافٍ الشرح: قوله: (حدثنا زهير) هو ابن معاوية: الجعفي. قوله: (وفي البيت مخنث) تقدم ضبطه وتسميته في أواخر كتاب النكاح، وشرح الحديث مستوفى، وبيان ما وقع هنا من كلام البخاري من شرح قوله " تقبل بأربع وتدبر بثمان " وقوله في آخر الحديث " لا يدخلن " بضم أوله وتشديد النون " هؤلاء عليكن " كذا للأكثر وهو الوجه. وفي رواية المستملي والسرخسي " عليكم " بصيغة جمع المذكر، ويوجه بأنه جمع مع النساء المخاطبات بذلك من يلوذ بهن من صبي ووصيف، فجاء التغليب. وقد تفتح التحتانية أوله مخففا ومثقلا. وفي هذه الأحاديث مشروعية إخراج كل من يحصل به التأذي للناس عن مكانه إلى أن يرجع عن ذلك أو يتوب.
|