الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
(وَاحِدُهَا شَهَادَةٌ) مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمَشَاهِدِ لِإِخْبَارِ الشَّاهِدِ عَمَّا يُشَاهِدُهُ يُقَالُ: شَهِدَ الشَّيْءَ إذَا رَآهُ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لِمَحْضَرِ النَّاسِ مَشْهَدٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ فِيهِ مَا يَحْضُرُونَهُ وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} أَيْ عَلِمَهُ بِرُؤْيَةِ هِلَالَهُ أَوْ إخْبَارِ مَنْ رَآهُ وَنَحْوَهُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ...} الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلِهِ {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ}، وَلِحَدِيثِ " {شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ} " وَتَقَدَّمَ وَغَيْرُهُ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ قَالَ شُرَيْحٌ: الْقَضَاءُ جَمْرٌ فَنَحِّهِ عَنْكَ بِعُودَيْنِ يَعْنِي الشَّاهِدَيْنِ، وَإِنَّمَا الْخَصْمُ دَاءٌ وَالشُّهُودُ شِفَاءٌ فَأَفْرِغْ الشِّفَاءَ عَلَى الدَّاءِ، (وَهِيَ) أَيْ الشَّهَادَةُ لَهُ (حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (تُظْهِرُ الْحَقَّ) الْمُدَّعَى بِهِ أَيْ تُبَيِّنُهُ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ بَيِّنَةً (وَلَا تُوجِبُهُ) أَيْ الْحَقَّ بَلْ الْحَاكِمُ يُلْزِمُهُ بِهِ بِشَرْطِهِ، (فَهِيَ) أَيْ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ (الْإِخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ) الشَّاهِدُ (بِلَفْظٍ خَاصٍّ) كَشَهِدْتُ أَوْ أَشْهَدُ وَيَأْتِي. (تَحَمُّلُ) الشَّهَادَةِ عَلَى (الْمَشْهُودِ بِهِ فِي غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) لَا مَا كَانَ حَقَّ الْآدَمِيِّ كَالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ أَوْ غَيْرِهِ كَحَدِّ قَذْفٍ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) إذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي سَقَطَ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ يَكْفِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَبْدًا، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ: الْمُرَادُ بِهِ التَّحَمُّلُ لِلشَّهَادَةِ وَإِثْبَاتُهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي إثْبَاتِ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى امْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ تَحَمُّلِهَا فَيُؤَدِّيَ إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ، (وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّحَمُّلِ وَعَلَى الْأَدَاءِ) فَيَكُونُ الْأَدَاءُ أَيْضًا فَرْضَ كِفَايَةٍ قَدَّمَهُ الْمُوَفَّقُ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} وَخَصَّ الْقَلْبَ بِالْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِلْمِ بِهَا. (وَيَجِبَانِ) أَيْ التَّحَمُّلُ وَالْأَدَاءُ (إذَا دُعِيَ) إلَيْهِمَا (أَهْلٌ لَهُمَا)؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لَا يَحْصُلُ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (بِدُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ) عِنْدَ سُلْطَانٍ لَا يُخَافُ تَعَدِّيهِ نَقَلَ مِنْهَا أَوْ حَاكِمٍ عَدْلٍ، (وَقَدَرَ) عَلَى التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ (بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ)، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِقَوْلِهِ: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ} " وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضُرَّ نَفْسَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ غَيْرَ عَدْلٍ فَقَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَ أَشْهَدُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ عَدْلًا لَا أَشْهَدُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " {يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُمَرَاءُ ظَلَمَةٌ وَوُزَرَاءُ فَسَقَةٌ وَقُضَاةٌ خَوَنَةٌ وَفُقَهَاءُ كَذَبَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلَا يَكُونَنَّ لَهُمْ كَاتِبًا وَلَا عَرِّيفًا وَلَا شُرْطِيًّا} ". (فَلَوْ أَدَّى شَاهِدٌ وَأَبَى الْآخَرُ) الشَّهَادَةَ (وَقَالَ) لِلْمَشْهُودِ لَهُ: (احْلِفْ بِهِ لِي أَثِمَ) اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَيَخْتَصُّ الْأَدَاءُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ. (وَلَا يُقِيمُهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلِ كَافِرٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ يَحْرُمُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عِنْدَ مَنْ يَقْتُلُهُ بِهِ، (وَمَتَى وَجَبَتْ) الشَّهَادَةُ (وَجَبَتْ كِتَابَتُهَا عَلَى مَنْ وَجَبَتْ) عَلَيْهِ لِئَلَّا يَنْسَاهَا. (وَإِنْ دُعِيَ فَاسِقٌ لِتَحَمُّلِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ (فَلَهُ الْحُضُورُ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ)، إذْ التَّحَمُّلُ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَالَةُ، فَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى صَارَ عَدْلًا قُبِلَتْ (وَلَا يَحْرُمُ أَدَاؤُهُ) أَيْ الْفَاسِقِ الشَّهَادَةَ، (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِسْقُهُ ظَاهِرًا)؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ. وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ مَنْ بَانَ فِسْقُهُ. (وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ) عَلَى شَهَادَةٍ (وَ) أَخْذُ (جُعْلٍ عَلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَمَنْ قَامَ بِهِ فَقَدْ قَامَ بِفَرْضٍ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَلَا الْجُعْلِ عَلَيْهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، (لَكِنْ إنْ عَجَزَ) الشَّاهِدُ (عَنْ الْمَشْيِ) إلَى مَحَلِّهَا (أَوْ تَأَذَّى بِهِ) أَيْ الْمَشْيِ (فَلَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ مَرْكُوبٍ) مِنْ رَبِّ الشَّهَادَةِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَأُجْرَةُ مَرْكُوبٍ وَالنَّفَقَةُ عَلَى رَبِّهَا، ثُمَّ قَالَ: قُلْت هَذَا إنْ تَعَذَّرَ حُضُورُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَى مَحَلِّ الشَّاهِدِ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ خَفَرٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَكَذَا حُكْمُ مُزَكٍّ وَمُعَرِّفٍ وَمُتَرْجِمٍ وَمُفْتٍ وَمُقِيمِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَحَافِظِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مُحْتَسِبِ الْخَلِيفَةِ انْتَهَى. لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي تَفْصِيلُ. (وَ) يُبَاحُ (لِمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَدٍّ لِلَّهِ) تَعَالَى كَزِنًى وَشُرْبِ خَمْرٍ (إقَامَتُهَا وَتَرْكُهَا)؛ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَلَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهَا عَلَى أَحَدٍ، وَالسَّتْرُ مَأْمُورٌ بِهِ وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ، وَشَدَّدَ فِيهِ عَلَى الشُّهُودِ مَا لَمْ يُشَدِّدْ عَلَى غَيْرِهِمْ طَلَبًا لِلسَّتْرِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو الْفَرَجِ وَالشَّيْخُ وَالتَّرْغِيبُ تَرْكَهُ لِلتَّرْغِيبِ فِي السَّتْرِ. وَفِي آخِرِ الرِّعَايَةِ وُجُوبُ الْإِغْضَاءِ عَمَّنْ سَتَرَ الْمَعْصِيَةَ، (وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُمْ) أَيْ الشُّهُودِ (بِالتَّوَقُّفِ عَنْهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ (كَتَعْرِيضِهِ لِمُقِرٍّ) بِحَدِّ لَلَهُ (لِيَرْجِعَ) عَنْ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا وَجَاءَ زِيَادٌ لِيَشْهَدَ عَرَّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ وَقَالَ: " مَا عِنْدَكَ يَا سَلْحَ الْعُقَابِ " وَصَاحَ بِهِ فَلَمَّا لَمْ يُصَرِّحْ بِالزِّنَا وَقَالَ: رَأَيْتُ أَمْرًا قَبِيحًا فَرِحَ عُمَرُ وَحَمِدَ اللَّهَ وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّارِقِ: " {مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ مَرَّتَيْنِ} وَأَعْرَضَ عَنْ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعًا. (وَتُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (بِحَدٍّ قَدِيمٍ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْقَبُولُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ انْتَهَى. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ كَالشَّهَادَةِ بِالْقِصَاصِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلشَّاهِدِ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ حِينَهَا وَيَتَمَكَّنُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ. (وَمَنْ قَالَ) لِرَجُلَيْنِ (اُحْضُرَا لِتَسْمَعَا قَذْفَ زَيْدٍ لِي لَزِمَهُمَا) ذَلِكَ، وَإِنْ دَعَا زَوْجٌ أَرْبَعَةً لِتَحَمُّلِهَا بِزِنَا امْرَأَتِهِ جَازَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ...} الْآيَةَ (وَمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ) رَبُّ الشَّهَادَةِ إقَامَتَهَا، {وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّ أَدَاءَهَا حَقٌّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِرِضَاهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، (وَإِلَّا) يَعْلَمْ رَبُّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ الشَّاهِدَ تَحَمَّلَهَا (اُسْتُحِبَّ) لِمَنْ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ (إعْلَامُهُ) أَيْ رَبِّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ لَهُ عِنْدَهُ شَهَادَةً (قَبْلَ إقَامَتِهَا)، وَلَهُ إقَامَتُهَا قَبْلَ إعْلَامِهِ لِحَدِيثِ: " {أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا} رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ رَبُّ الشَّهَادَةِ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا. (وَيَحْرُمُ) عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَقِّ آدَمِيٍّ لَا يَعْلَمُهَا (كَتْمُهَا) لِلْآيَةِ (فَيُقِيمُهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (بِطَلَبِهِ) أَيْ الْمَشْهُودِ لَهُ، (وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا حَاكِمٌ) مِنْهُ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَلَا يَقْدَحُ) أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِلَا طَلَبِ حَاكِمٍ وَبِلَا طَلَبِ مَشْهُودٍ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ (فِيهِ كَشَهَادَةِ حِسْبَةً) بِحَقٍّ لَلَهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى. (وَيَجِبُ إشْهَادُ) اثْنَيْنِ (عَلَى نِكَاحٍ)؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهَا وَتَقَدَّمَ (وَيُسَنُّ) الْإِشْهَادُ (فِي كُلِّ عَقْدٍ سِوَاهُ) مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ}، وَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي ائْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}. (وَيَحْرُمُ أَنْ يَشْهَدَ) أَحَدٌ (إلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا وَهُوَ يَعْلَمُ مَا شَهِدَ بِهِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَإِيقَانٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشَّهَادَةِ؟ فَقَالَ {تَرَى الشَّمْسَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ} رَوَاهُ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ، وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ فِي أَصْلِ الْمُدْرَكِ لَا فِي دَوَامِهِ، وَلِذَلِكَ يُشْهَدُ بِالدَّيْنِ مَعَ جَوَازِ دَفْعِ الْمَدِينِ لَهُ وَبِالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ مَعَ جَوَازِ الْإِقَالَةِ وَنَحْوِهَا. أَشَارَ إلَيْهِ الْقَرَافِيُّ. فَمُدْرِكُ الْعِلْمِ الَّذِي تَقَعُ بِهِ الشَّهَادَاتُ يَكُونُ (بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ غَالِبًا لِجَوَازِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ (بِبَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ) كَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ (قَلِيلًا) كَدَعْوَى مُشْتَرٍ مَأْكُولًا عَيَّبَهُ لِمَرَارَتِهِ وَنَحْوِهَا، فَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ، (فَإِنَّ) تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَى مَنْ يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ، وَإِنْ (جَهِلَ) الشَّاهِدُ (حَاضِرًا) أَيْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ وَقَدْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ (جَازَ أَنْ يَشْهَدَ) عَلَيْهِ (فِي حَضْرَتِهِ) فَقَطْ (لِمَعْرِفَتِهِ عَيْنَهُ) نَصًّا، (وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَ) لَا يَشْهَدُ حَتَّى يَعْرِفَ اسْمَهُ، فَإِنْ عَرَفَهُ أَيْ الشَّاهِدُ (بِهِ) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (مَنْ يَسْكُنُ) أَيْ يَطْمَئِنُّ الشَّاهِدُ (إلَيْهِ) وَلَوْ وَاحِدًا، (جَازَ) لَهُ (أَنْ يَشْهَدَ) عَلَيْهِ، (وَلَوْ عَلَى امْرَأَةٍ) لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ، (وَلَا تُعْتَبَرُ إشَارَتُهُ) أَيْ الشَّاهِدِ حَالَ الشَّهَادَةِ (إلَى) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (حَاضِرٍ مَعَ) ذِكْرِ (نَسَبِهِ وَوَصْفِهِ) اكْتِفَاءً بِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُمَا أَشَارَ إلَيْهِ لِحُصُولِ التَّعْيِينِ، (وَإِنْ شَهِدَ) شَاهِدٌ (بِإِقْرَارٍ بِحَقٍّ لَمْ يُعْتَبَرْ) لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ (ذِكْرُ سَبَبِهِ) أَيْ الْحَقِّ أَوْ الْإِقْرَارِ (ك) مَا لَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْإِقْرَارِ ذِكْرُ (اسْتِحْقَاقِ مَالِهِ) بِأَنْ يَقُولَ: أُقِرُّ لَهُ بِكَذَا وَهُوَ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَهُ اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ، (وَلَا يُعْتَبَرُ) لِلشَّهَادَةِ بِالْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ) أَيْ الشَّاهِدِ أُقِرُّ (طَوْعًا فِي صِحَّتِهِ مُكَلَّفًا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ مَنْ سِوَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِتِلْكَ الْحَالِ. (وَإِنْ شَهِدَ) شَاهِدٌ (بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْحَقَّ) كَتَفْرِيطٍ فِي أَمَانَةٍ (أَوْ) شَهِدَ بِ (اسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ) كَقَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنَّ زَيْدًا يَسْتَحِقُّ بِذِمَّةِ عَمْرو كَذَا (ذِكْرُهُ) أَيْ الْمُوجِبَ لِلِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْتَقِدُهُ الْحَاكِمُ مُوجِبًا، (وَالرُّؤْيَةُ تَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ كَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ وَغَصْبٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَرَضَاعٍ وَوِلَادَةٍ) وَعُيُوبٍ مَرْئِيَّةٍ فِي نَحْوِ مَبِيعٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ عَلَى ذَلِكَ قَطْعًا فَلَا يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ، (وَالسَّمَاعُ ضَرْبَانِ) الْأَوَّلُ: (سَمَاعٌ مِنْ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَعَقْدٍ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا (وَإِقْرَارٌ) بِمَالٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ نَسَبٍ أَوْ قَوَدٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ (وَحُكْمُ حَاكِمٍ وَإِنْفَاذُهُ) حُكْمَ غَيْرِهِ، فَإِذَا سَمِعَ إنْسَانٌ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَعَرَفَ الْقَائِلَ يَقِينًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ الشَّخْصَ (الشَّهَادَةُ بِمَا سَمِعَ) مِنْ قَائِلٍ عَرَفَهُ يَقِينًا، كَمَا فِي الْكَافِي (سَوَاءٌ وَقَّتَ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ) بِأَنْ قَالَ: حَكَمْتُ بِكَذَا فِي زَمَنِ كَذَا، أَوْ لَمْ يُؤَقِّتْهُ، (أَوْ اسْتَشْهَدَهُ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ)، أَوْ لَمْ يَسْتَشْهِدْهُ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ ثُبُوتُ الْغَصْبِ وَسَائِرُ مَا يَتَضَمَّنُ الْعُدْوَانَ، فَإِنَّ فَاعِلَهَا لَا يَشْهَدُ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ، (أَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مُسْتَخْفِيًا حِينَ تَحَمُّلِهِ) الشَّهَادَةَ (أَوْ لَا)، فَمَنْ عِنْدَهُ حَقٌّ يُنْكِرُهُ بِحَضْرَةِ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ فَسَمِعَ إقْرَارَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ الْمُقِرُّ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِسَمَاعِهِ الْمُقِرَّ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِالْمَشْهُودِ بِهِ كَمَا لَوْ رَآهُ يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْفَاعِلَ أَنَّ أَحَدًا رَآهُ. (وَ) الثَّانِي: (سَمَاعٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ) بِأَنْ يَشْتَهِرَ الْمَشْهُودُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَيَتَسَامَعُونَ بِهِ بِإِخْبَارِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ إلَّا (فِيمَا. يُتَعَذَّرُ عِلْمُهُ غَالِبًا بِدُونِهَا) أَيْ الِاسْتِفَاضَةِ (كَنَسَبٍ) إجْمَاعًا وَإِلَّا لَاسْتَحَالَتْ مَعْرِفَتُهُ بِهِ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ قَطْعًا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا تُمْكِنُ الشَّهَادَةُ فِيهِ، وَكَوِلَادَةٍ (وَمَوْتٍ وَمِلْكٍ مُطْلَقٍ)، إذْ الْوِلَادَةُ قَدْ لَا يُبَاشِرُهَا إلَّا الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ، وَالْمَوْتُ قَدْ لَا يُبَاشِرُهُ إلَّا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ وَيَتَوَلَّى غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ، وَالْمِلْكُ قَدْ يَتَقَادَمُ سَبَبُهُ فَتُوقَفُ الشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ يُؤَدِّي إلَى الْعُسْرِ خُصُوصًا مَعَ طُولِ الزَّمَنِ، وَخَرَجَ بِالْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ: مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ الْإِرْثِ أَوْ الْهِبَةِ، فَلَا تَكْفِي فِيهِ الِاسْتِفَاضَةُ. (وَ) كَ (عِتْقٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا عَتِيقُ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ (وَ) كَ (وَلَاءٍ وَوِلَايَةٍ وَعَزْلٍ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْضُرُهُ غَالِبًا آحَادُ النَّاسِ، وَلَكِنَّ انْتِشَارَهُ فِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ الْقَرْيَةِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهُ عِنْدَ الشَّاهِدِ، بَلْ رُبَمَا قَطَعَ بِهِ لِكَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (وَ) كَ (نِكَاحٍ) عَقْدًا وَدَوَامًا (وَخُلْعٍ وَطَلَاقٍ) نَصًّا فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَشِيعُ وَيَشْتَهِرُ غَالِبًا، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ، (وَ) كَ (وَقْفٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا وَقْفُ زَيْدٍ لَا أَنَّهُ أَوْقَفَهُ، (وَ) كَ (مَصْرِفِهِ) أَيْ الْوَقْفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ: الْخِرَقِيِّ: وَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَاسْتَقَرَّتْ مَعْرِفَتُهُ فِي قَلْبِهِ شَهِدَ بِهِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَتَعَذَّرُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا غَالِبًا بِمُشَاهَدَتِهَا وَمُشَاهَدَةِ أَسْبَابِهَا أَشْبَهَتْ النَّسَبَ، وَكَوْنُهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِمُشَاهَدَةِ سَبَبِهِ لَا يُنَافِي التَّعَذُّرَ غَالِبًا. (وَ) يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ (يَشْهَدَ بِاسْتِفَاضَةٍ إلَّا) إنْ سَمِعَ مَا يَشْهَدُ بِهِ (عَنْ عَدَدٍ يَقَعُ بِهِمْ) أَيْ: بِخَبَرِهِمْ (الْعِلْمُ)؛ لِأَنَّ لَفْظَ الِاسْتِفَاضَةِ. مَأْخُوذٌ مِنْ فَيْضِ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعَدَدُ عَدَدَ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ}. (وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةٍ لَمْ يُعْلَمْ تَلَقِّيهَا مِنْ الِاسْتِفَاضَةِ، وَمَنْ قَالَ شَهِدْتُ بِهَا) أَيْ الِاسْتِفَاضَةِ (فَفَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَالتَّنْقِيحِ. وَفِي الْمُغْنِي شَهَادَةُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ يَعْنِي الشُّهُودَ اسْتِفَاضَةً لَا شَهَادَةً عَلَى شَهَادَةٍ، فَيُكْتَفَى بِمَنْ شَهِدَ بِهَا كَبَقِيَّةِ شَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَفِي التَّرْغِيبِ لَيْسَ فِيهَا فَرْعٌ، وَفِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ، وَأَنَّهَا تَحْصُلُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ إنْ شَهِدَ أَنَّ جَمَاعَةً يَثِقُ بِهِمْ أَخْبَرُوهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ أَوْ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَهِيَ شَهَادَةُ اسْتِفَاضَةٍ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ وَيُحْكَمُ فِيهِ بِشَهَادَةِ اسْتِفَاضَةٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِالتَّوَاتُرِ. (وَمَنْ سَمِعَ إنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ وَنَحْوِهِمَا، فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ لِتَوَافُقِ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، (أَوْ سَكَتَ) الْمُقَرُّ لَهُ (جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ مَنْ بُشِّرَ بِوَلَدٍ فَسَكَتَ لَحِقَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الِانْتِسَابِ الْبَاطِلِ غَيْرُ جَائِزٍ؛ وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ فِي النِّكَاحِ، و(لَا) يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالنَّسَبِ (إنْ كَذَّبَهُ) الْمُقَرُّ لَهُ لَبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بِالتَّكْذِيبِ، (وَإِنْ قَالَ الْمُتَحَاسِبَانِ) لِمَنْ حَضَرَهُمَا: (لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا يَجْرِي بَيْنَنَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الشَّهَادَةَ) عَلَيْهِمَا بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا، (وَ) لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ (لُزُومَ إقَامَتِهَا)؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَشْهَدُ بِمَا عَلِمَهُ، وَلَا أَثَرَ لِمَنْعِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ كَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَقَالَ لِمَنْ يَرَاهُ: لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِذَلِكَ. (وَمَنْ رَأَى شَيْئًا بِيَدِ إنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً) كَ (تَصَرُّفِ) مَالِكٍ مِنْ نَقْضٍ وَبِنَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ فَلَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِلَا مُنَازِعٍ دَلِيلُ صِحَّةِ الْمِلْكِ (كَمُعَايَنَةِ السَّبَبِ) أَيْ سَبَبِ الْمِلْكِ (مِنْ بَيْعٍ وَإِرْثٍ)، وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْبَائِعِ وَالْمَوْرُوثِ لَيْسَ مَالِكًا، (وَإِلَّا) يَرَهُ يَتَصَرَّفُ كَمَا ذَكَرَهُ مُدَّةً طَوِيلَةَ، (فَ) إنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ (لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ غَالِبًا).
وَمَنْ شَهِدَ بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (اُعْتُبِرَ) لِصِحَّةِ شَهَادَتِهِ بِهِ (ذِكْرُ شُرُوطِهِ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا، فَرُبَمَا اعْتَقَدَ الشَّاهِدُ صِحَّةَ مَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْقَاضِي، (فَيُعْتَبَرُ فِي نِكَاحٍ) شَهِدَا بِهِ (أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً)، وَذِكْرُ (بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ) كَوُقُوعِهِ بِوَلِيٍّ رَشِيدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ حَالَ خُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ، (وَ) يُعْتَبَرُ (فِي) شَهَادَةٍ بِ (رَضَاعٍ) ذِكْرُ شَاهِدَيْهِ (عَدَدَ الرَّضْعَاتِ وَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ ثَدْيِهَا أَوْ مِنْ لَبَنٍ حُلِبَ مِنْهُ) لِلِاخْتِلَافِ فِي الرَّضَاعِ الْمُحَرَّمِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَنَّهُ فِي الْحَوْلَيْنِ، فَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يَكْفِ، (وَ) يُعْتَبَرُ (فِي) شَهَادَةٍ بِ (قَتْلٍ ذُكِرَ الْقَاتِلِ وَأَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ) فَقَتَلَهُ (أَوْ جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ، أَوْ) شَهِدَ أَنَّهُ (مَاتَ مِنْ ذَلِكَ) الْجُرْحِ، (وَلَا يَكْفِي) أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ (جَرَحَهُ فَمَاتَ) لِجَوَازِ مَوْتِهِ بِغَيْرِ جُرْحِهِ. (وَ) يُعْتَبَرُ (فِي) شَهَادَةٍ بِ (زِنًى ذِكْرُ مَزْنِيٍّ بِهَا، وَأَيْنَ) أَيْ: فِي أَيِّ مَكَانَ؟ (وَكَيْفَ) زَنَى بِهَا مِنْ كَوْنِهِمَا نَائِمَيْنِ أَوْ جَالِسَيْنِ أَوْ قَائِمَيْنِ؟ (وَفِي أَيِّ وَقْتٍ) زَنَى بِهَا؟ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمْ بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ غَيْرُهُ، فَلَا تُلَفَّقُ، (وَأَنَّهُ رَأَى ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا) لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الشَّاهِدُ مَا لَيْسَ بِزِنًا زِنًا، وَيُقَالُ: زَنَتْ الْعَيْنُ وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَ) يُعْتَبَرُ (فِي) شَهَادَةٍ بِ (سَرِقَةٍ ذِكْرُ مَسْرُوقٍ مِنْهُ. وَ) ذِكْرُ (نِصَابٍ وَ) ذِكْرُ (حِرْزٍ وَ) ذِكْرُ (صِفَتِهَا) أَيْ السَّرِقَةِ كَقَوْلِهِ: خَلَعَ الْبَابَ لَيْلًا وَأَخَذَ الْغَرْسَ أَوْ أَزَالَ رَأْسَهُ عَنْ رِدَائِهِ وَهُوَ نَائِمٌ بِمَحَلِّ كَذَا وَأَخَذَهُ وَنَحْوِهِ؛ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ السَّرِقَةِ، وَلِتَمَيُّزِ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ عَنْ غَيْرِهَا. (وَ) يُعْتَبَرُ (فِي) شَهَادَةٍ بِ (قَذْفٍ ذِكْرُ مَقْذُوفٍ) لِيُعْلَمَ هَلْ يَجِبُ بِقَذْفِهِ الْحَدُّ أَوْ التَّعْزِيرُ، (وَ) ذِكْرُ (صِفَةِ قَذْفٍ) كَقَوْلِهِ: قَالَ لَهُ: يَا زَانِي أَوْ يَا عَاهِرُ؛ لِيُعْلَمَ هَلْ الصِّيغَةُ صَرِيحٌ فِيهِ أَوْ كِنَايَةٌ. (وَ) يُعْتَبَرُ (فِي) شَهَادَةٍ بِ (إكْرَاهٍ) عَلَى فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يُؤَاخَذُ بِهِ لَوْ كَانَ طَائِعًا ذِكْرُ (أَنَّهُ ضَرَبَهُ أَوْ هَدَّدَهُ) عَلَيْهِ، (وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ) لِلْمَشْهُودِ (لَهُ بِهِ) لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا (حَتَّى يَقُولَا)، وَأَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَهِيَ (فِي مِلْكِهِ)، وَكَذَا ثَمَرَةُ شَجَرَتِهِ، فَإِذَا شَهِدَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ أَوْ أَثْمَرَتْهُ فِي مِلْكِهِ قُبِلَتْ لِشَهَادَتِهَا بِأَنَّ ذَلِكَ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَهُوَ لَهُ مَا لَمْ يَرِدْ سَبَبٌ بِنَقْلِهِ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِسَبَبِ مِلْكِهِ لَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَتْ: أَقْرَضَهُ أَلْفًا أَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِأَلْفٍ، بِخِلَافٍ كَانَ مِلْكُهُ أَمْسِ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ، أَوْ) شَهِدَا أَنَّ هَذَا (الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ، أَوْ) شَهِدَا أَنَّ هَذَا (الطَّيْرَ مِنْ بَيْضَتِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْغَزْلُ أَوْ الدَّقِيقُ أَوْ الطَّيْرُ مِنْ قُطْنِهِ أَوْ حِنْطَتِهِ أَوْ بَيْضَتِهِ قَبْلَ مِلْكِهِ لِلْقُطْنِ أَوْ الْحِنْطَةِ أَوْ الْبَيْضَةِ؛ وَلِأَنَّ الْغَزْلَ هُوَ الْقُطْنُ لَكِنْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ. وَكَذَا الدَّقِيقُ وَالطَّيْرُ فَكَأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَالَتْ: هَذَا غَزْلُهُ وَدَقِيقُهُ وَطَيْرُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ وَالثَّمَرَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأُمِّ وَالشَّجَرَةِ، و(لَا) يُحْكَمُ بِهِ بِالْبَيْضَةِ (إنْ شَهِدَ أَنَّ هَذِهِ الْبَيْضَةَ مِنْ طَيْرِهِ) حَتَّى يَشْهَدَا أَنَّهَا بَاضَتْهَا فِي مِلْكِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الطَّيْرَةُ بَاضَتْهَا قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا، (أَوْ) شَهِدَا (أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الْعَبْدَ) أَوْ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ (مِنْ زَيْدٍ) حَتَّى يَقُولَا: وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، (أَوْ) شَهِدَا أَنَّ زَيْدًا (وَقَفَهُ) أَيْ الْعَبْدَ وَنَحْوَهُ (عَلَيْهِ، أَوْ) شَهِدَا أَنَّ زَيْدًا (أَعْتَقَهُ) أَيْ الْقِنَّ لَمْ يُحْكَمْ بِذَلِكَ (حَتَّى يَقُولَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ: بَاعَ ذَلِكَ أَوْ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ (وَهُوَ فِي مِلْكِهِ)؛ لِجَوَازِ بَيْعِهِ أَوْ وَقْفِهِ أَوْ عِتْقِهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَتَمَكَّنَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ انْتِزَاعَ شَيْءٍ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَ شَخْصٍ وَيَبِيعَهُ إيَّاهُ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ يَنْتَزِعُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ يَدِ رَبِّهِ وَيُقَاسِمَ بَائِعَهُ فِيهِ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ لَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ. (وَمَنْ ادَّعَى إرْثَ مَيِّتٍ فَشَهِدَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ (أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمَانِ وَارِثًا غَيْرَهُ) وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ أَوْ لَا سُلِّمَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ عِلْمُهُ فَكَفَى فِيهِ الظَّاهِرُ، (أَوْ قَالَا:) لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ (فِي هَذَا الْبَلَدِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَلَدِ، وَقَدْ نَفَيَا الْعِلْمَ بِهِ فِي هَذَا الْبَلَدِ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُطْلَقِ (سَوَاءٌ كَانَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ (مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ أَوْ لَا سُلِّمَ) الْمَالُ (إلَيْهِ بِغَيْرِ كَفِيلٍ) لِثُبُوتِ إرْثِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الشَّرِيكِ، (وَ) سُلِّمَ إلَيْهِ الْمَالُ (بِهِ) أَيْ الْكَفِيلِ (إنْ كَانَ شَهِدَا بِإِرْثِهِ) أَيْ بِأَنَّهُ وَارِثُهُ (فَقَطْ) بِأَنْ لَمْ يَقُولَا: وَلَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ.
تَتِمَّةٌ: قَالَ الْأَزَجِيُّ: فِيمَنْ ادَّعَى إرْثًا لَا يَحْتَاجُ فِي دَعْوَاهُ إلَى بَيَانِ السَّبَبِ الَّذِي يَرِثُ بِهِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي الْإِرْثَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ أَدْنَى حَالَاتِهِ أَنْ يَرِثَهُ بِالرَّحِمِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِنَا فَإِذَا أَتَى بِبَيِّنَةٍ فَشَهِدَتْ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ كَوْنِهِ وَارِثًا حُكِمَ لَهُ بِهِ انْتَهَى، وَفِيهِ شَيْءٌ، (ثُمَّ إنْ شَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَارِثُهُ شَارَكَ الْأَوَّلَ) فِي إرْثِ الْمَيِّتِ. قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي فَتَاوِيهِ: إنَّمَا احْتَاجَ إلَى بَيَانٍ لَا وَارِثَ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ ظَاهِرًا، فَإِنَّهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ يَعْلَمُهُ جَارُهُ، وَمَنْ يَعْلَمُ بَاطِنَ أَمْرِهِ بِخِلَافِ دَيْنِهِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ سِوَاهُ لِخَفَاءِ الدَّيْنِ؛ وَلِأَنَّ جِهَاتِ الْإِرْثِ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا عَنْ يَقِينٍ، (وَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ عَلَى نَفْيٍ مَحْصُورٍ بِدَلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَ) مَسْأَلَةِ (الْإِعْسَارِ وَغَيْرِهِمَا)، وَالْبَيِّنَةُ فِيهِ تُثْبِتُ مَا يَظْهَرُ وَيُشَاهَدُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، وَنَظِيرُهُ- أَيْ نَظِيرُ نَفْيِ الْمَحْصُورِ-. قَوْلُ الصَّحَابِيِّ {دَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ: فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ} قَالَ الْقَاضِي فِي نَحْوِ هَذَا: وَلِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّرْكِ وَالْعِلْمَ بِالْفِعْلِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَلِهَذَا تَقُولُ إنَّ مَنْ قَالَ: صَحِبَتْ فُلَانًا فِي يَوْمِ كَذَا، فَلَمْ يَقْذِفْ فُلَانًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ فِي الْإِثْبَاتِ، (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ ابْنُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، وَ) شَهِدَ (آخَرَانِ أَنَّ هَذَا) الْآخَرَ (ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ قُسِمَ الْإِرْثُ بَيْنَهُمَا)، وَلَا تَعَارُضَ لِجَوَازِ أَنْ يَعْلَمَ كُلٌّ بَيِّنَةَ مَا لَمْ تَعَلُّمُهُ الْأُخْرَى.
وَإِنْ شَهِدَا أَيْ الْعَدْلَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ مِنْ نِسَائِهِ وَاحِدَةً وَنَسِيَا عَيْنَهَا (أَوْ) أَنَّهُ (أَعْتَقَ) مِنْ أَرِقَّائِهِ رَقَبَةً وَنَسِيَا عَيْنَهَا (أَوْ) أَنَّهُ (أَبْطَلَ مِنْ وَصَايَاهُ وَاحِدَةً وَنَسِيَا عَيْنَهَا لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهَا كَقَوْلِهِمَا: إحْدَى هَاتَيْنِ الْأَمَتَيْنِ عَتِيقَةٌ. (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْعَدْلَيْنِ عَلَى زَيْدٍ (بِغَصْبِ ثَوْبٍ أَحْمَرَ وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ بِغَصْبِ) ثَوْبٍ (أَبْيَضَ أَوْ) شَهِدَ (أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ) الثَّوْبَ (الْيَوْمَ وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ أَنَّهُ) غَصَبَهُ (أَمْسِ لَمْ تَكْمُلْ) الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الشَّاهِدَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِعْلَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ، (وَلِهَذَا كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى فِعْلٍ مُتَّحِدٍ فِي نَفْسِهِ كَقَتْلِ زَيْدٍ)، إذْ لَا يَكُونُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً (أَوْ) عَلَى فِعْلٍ مُتَّحِدٍ (بِاتِّفَاقِهِمَا) أَيْ: الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ كَالْغَصْبِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ، و(كَسَرِقَةٍ) وَنَحْوِهَا (إذَا اخْتَلَفَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ (فِي وَقْتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (أَوْ مَكَانِهِ أَوْ صِفَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ) أَيْ الْمَشْهُودِ بِهِ (كَلَوْنِهِ وَآلَةِ قَتْلٍ) وَنَحْوِهِ (مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِعْلَيْنِ) فَلَا تَكْمُلُ الْبَيِّنَةُ لِلتَّنَافِي، وَكُلٌّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ يُكَذِّبُ الْآخَرَ فَيَتَعَارَضَانِ وَيَسْقُطَانِ، (وَإِنْ أَمْكَنَ تَعَدُّدُهُ) أَيْ الْفِعْلِ، (وَلَمْ يُشْهَدْ بِأَنَّهُ) أَيْ الْفِعْلَ (مُتَّحِدٌ)، وَلَمْ يَقُلْ الْمَشْهُودُ لَهُ إنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ (فَبِكُلِّ شَيْءٍ شَاهِدٌ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ)، فَإِنْ ادَّعَى الْفِعْلَيْنِ وَأَقَامَ أَيْضًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَ كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ يَمِينًا ثَبَتَا، (وَلَا تَنَافِيَ) بَيْنَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ بِذَلِكَ؛ لِتَغَايُرِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ كَانَ بَدَلُهُ) أَيْ كُلُّ شَاهِدٍ مِنْهُمَا (بَيِّنَةً ثَبَتَا) أَيْ الْفِعْلَانِ (هُنَا) أَيْ: فِيمَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ غَيْرَ مُتَّحِدٍ لَا فِي نَفْسِهِ وَلَا بِاتِّفَاقِهِمَا، لِتَمَامِ نِصَابِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَعَدَمِ التَّنَافِي (إنْ ادَّعَاهُمَا) أَيْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ لَهُ الْفِعْلَيْنِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ ادَّعَى أَحَدَهُمَا فَقَطْ ثَبَتَ (مَا ادَّعَاهُ) دُونَ الْآخَرِ، (وَتَسَاقَطَتَا. فِي الْأُولَى) أَيْ: مَسْأَلَةِ اتِّحَادِ الْفِعْلِ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِاتِّفَاقِهِمَا، (وَكَفِعْلٍ مِنْ قَوْلِ نِكَاحٍ وَقَذْفٍ فَقَطْ) أَيْ: دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَقْوَالِ، فَإِذَا شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَوْ قَذَفَهُ أَمْسِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ الْيَوْمَ لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَالْقَذْفَ الْوَاقِعَيْنِ أَمْسِ غَيْرُ الْوَاقِعَيْنِ الْيَوْمَ، فَلَمْ يَبْقَ بِكُلِّ نِكَاحٍ أَوْ قَذْفٍ إلَّا شَاهِدٌ، فَلَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ؛ وَلِأَنَّ شَرْطَ النِّكَاحِ حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ لَمْ يَتَحَقَّقْ حُصُولُهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قُذِفَ غُدْوَةً أَوْ خَارِجَ الْبَلَدِ أَوْ بِالْعَجَمِيَّةِ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِخِلَافِهِ فَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، (وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى إقْرَارٍ بِفِعْلٍ) كَغَصْبٍ وَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ (أَوْ غَيْرِهِ) كَإِقْرَارٍ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ، (وَلَوْ) كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ (نِكَاحًا أَوْ قَذْفًا) كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ غَصَبَهُ أَوْ قَذَفَهُ أَوْ بَاعَهُ كَذَا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ بِمِصْرَ وَنَحْوِهِ جُمِعَتْ وَعُمِلَ بِمُقْتَضَاهَا؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ وَاحِدٌ. وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْفِعْلِ، فَإِنَّهَا عَلَى فِعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا هَهُنَا، (أَوْ شَهِدَ) شَاهِدٌ (وَاحِدٌ بِالْفِعْلِ، وَ) شَهِدَ شَاهِدٌ (آخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ) بِذَلِكَ الْفِعْلِ، (جُمِعَتْ) وَحُكِمَ بِهَا لِعَدَمِ التَّنَافِي، و(لَا) تَكْمُلُ الْبَيِّنَةُ. (إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ قَتْلٍ خَطَأٍ، وَ) شَهِدَ (آخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ) بِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ؛ وَلِاخْتِلَافِ مَحَلِّ الْوُجُوبِ فِي الْقَتْلِ، (وَلِمُدَّعِي الْقَتْلِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ (وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ) لِثُبُوتِ الْقَتْلِ، (وَمَتَى حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْفِعْلِ) أَيْ الْقَتْلِ (فَ) الدِّيَةُ (عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِثُبُوتِ الْقَتْلِ بِيَمِينِهِ. (وَ) مَتَى حَلَفَ (مَعَ شَاهِدِ الْإِقْرَارِ) بِالْقَتْلِ (فَ) الدِّيَةُ (فِي مَالِ الْقَاتِلِ)؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ اعْتِرَافًا، وَالْقَتْلُ ثَبَتَ بِاعْتِرَافِهِ، (وَلَوْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ أَوْ) شَهِدَا بِ (الْإِقْرَارِ بِهِ) أَيْ الْقَتْلِ، (وَزَادَ أَحَدُهُمَا) فِي شَهَادَتِهِ كَوْنَ الْقَتْلِ (عَمْدًا)، وَلَمْ يَذْكُرْ رَفِيقُهُ كَوْنَهُ عَمْدًا وَلَا خَطَأً (ثَبَتَ الْقَتْلُ) لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ (وَصَدَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) الْقَتْلَ (فِي صِفَتِهِ) أَيْ كَوْنِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَيْهَا، (وَمَتَى جَمَعْنَا) شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ (مَعَ اخْتِلَافِ) الشَّاهِدَيْنِ فِي (وَقْتٍ)، وَكَانَتْ الشَّهَادَةُ (فِي قَتْلٍ أَوْ طَلَاقٍ) أَوْ خُلْعٍ (فَالْإِرْثُ وَالْعِدَّةُ يَلِيَانِ آخِرَ الْمُدَّتَيْنِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَالزَّوْجِيَّةِ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ. (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَقَرَّ لَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (بِأَلْفٍ أَمْسِ، وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ) أَيْ الْأَلْفِ (الْيَوْمَ) كَمُلَتْ، (أَوْ) شَهِدَ (أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ دَارِهِ أَمْسِ وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا الْيَوْمَ كَمُلَتْ) الْبَيِّنَةُ وَثَبَتَ الْإِقْرَارُ أَوْ الْبَيْعُ؛ لِاتِّحَادِ الْأَلْفِ وَالْبَيْعِ الْمَشْهُودِ بِهِمَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَجَّرَ أَوْ سَاقَى أَمْسِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ الْيَوْمَ، إذْ الْمَشْهُودُ بِهِ وَاحِدٌ يَجُوزُ أَنْ يُعَادَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَوْ بَاعَ أَوْ طَلَّقَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَوْ بَاعَ أَوْ طَلَّقَ بِالْفَارِسِيَّةِ. (وَكَذَا كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى قَوْلٍ غَيْرِ نِكَاحٍ وَقَذْفٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ وَ) شَهِدَ (الْآخِرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْنِ) كَمُلَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَلْفٍ، (أَوْ) شَهِدَ (أَحَدُهُمَا أَنَّ) لَهُ (عَلَيْهِ أَلْفًا، وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ كَمُلَتْ) الْبَيِّنَةُ (بِأَلْفٍ) وَاحِدٍ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، (وَلَهُ) أَيْ الْمَشْهُودِ لَهُ (أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْأَلْفِ الْآخَرِ مَعَ شَاهِدِهِ)، وَيَسْتَحِقَّهُ حَيْثُ لَمْ يَخْتَلِفْ السَّبَبُ وَلَا الصِّفَةُ كَمَا يَأْتِي، (وَلَوْ شَهِدَا) لِشَخْصٍ (بِمِائَةٍ وَ) شَهِدَ (آخَرَانِ لَهُ بِعَدَدٍ أَقَلَّ) مِنْ الْمِائَةِ، (دَخَلَ) الْأَقَلُّ مِنْ الْمِائَةِ فِيهَا (إلَّا مَعَ مَا يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ)، كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِمِائَةٍ قَرْضًا وَآخَرَانِ بِخَمْسِينَ ثَمَنَ مَبِيعٍ (فَيَلْزَمَانِهِ)؛ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا، (وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَلْفٍ) وَأَطْلَقَ (وَشَهِدَ) آخَرُ بِأَلْفٍ مِنْ قَرْضٍ (كَمُلَتْ) شَهَادَتُهُمَا حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، و(لَا) تَكْمُلُ (إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَلْفٍ مِنْ قَرْضٍ، وَ) شَهِدَ (آخَرُ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ) لِمَا تَقَدَّمَ وَلِلْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَسْتَحِقَّهُمَا أَوْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا وَيَسْتَحِقَّ مَا شَهِدَ بِهِ. (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَلْفًا) لِلْمُدَّعِي (وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ بَعْضَهُ بَطُلَتْ شَهَادَتُهُ) نَصًّا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَضَاهُ بَعْضَهُ يُنَاقِضُ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ فَأَفْسَدَهَا، (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ نِصْفَهُ صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا)؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَإِقْرَارٌ بِغَلَطِ نَفْسِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: بِأَلْفٍ بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ قَالَ أَحْمَدُ: وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمْضَى الشَّهَادَةَ قَالَ فِي الشَّرْحِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا جَاءَ بَعْدَ الْحُكْمِ فَشَهِدَ بِالْقَضَاءِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ قَدْ وَجَبَ بِشَهَادَتِهِمَا وَحُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَأَمَّا إنْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي بَاقِي الْأَلْفِ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِي كَلَامِهِ وَلَا اخْتِلَافَ، (وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ) تَحَمَّلَ شَهَادَةَ بِحَقٍّ و(أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِاقْتِضَاءِ الْحَقِّ أَوْ انْتِقَالِهِ) بِنَحْوِ حَوَالَةٍ (أَنْ يَشْهَدَ بِهِ) أَيْ بِالْحَقِّ الَّذِي تَحَمَّلَهُ نَصًّا، وَلَوْ قَضَاهُ نِصْفَهُ ثُمَّ جَحَدَهُ بَقِيَّتَهُ فَقَالَ أَحْمَدُ: يَدَّعِيهِ كُلَّهُ وَتَقُومُ الْبَيِّنَةُ فَتَشْهَدُ عَلَى حَقِّهِ كُلِّهِ ثُمَّ يَقُولُ لِلْحَاكِمِ: قَضَانِي نِصْفَهُ. (وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ) نَحْوِ (صَغِيرٍ أَلْفًا) مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَنَحْوِهَا، (وَ) شَهِدَ (آخَرَانِ عَلَى) شَخْصٍ (آخَرَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الصَّغِيرِ أَلْفًا) مِنْ جِنْسِ الْأُولَى (لَزِمَ وَلِيَّهُ) أَيْ الصَّغِيرَ (مُطَالَبَتُهُمَا) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا (بِأَلْفَيْنِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الَّذِي أَخَذَهُ الْآخَرُ، (إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى أَلْفٍ بِعَيْنِهَا) أَيْ بِأَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ الْآخَرُ (فَيَطْلُبُهَا) الْوَلِيُّ (مِنْ أَيِّهِمَا) أَيْ الْآخِذَيْنِ (شَاءَ)؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا. (وَمَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ فَقَالَ) لَهُمَا (أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَجُزْ) لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِالْخَمْسِمِائَةِ لَهُ، (وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُولِ الْحُكْمَ فَوْقَهَا) أَيْ الْخَمْسِمِائَةِ نَصًّا؛ لِأَنَّ عَلَى الشَّاهِدِ نَقْلَ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا شَهِدَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا}؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَاغَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِبَعْضِ مَا شَهِدَ لَسَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِبَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ. (وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فِي مَحْفِلٍ) أَيْ مُجْتَمَعٍ (عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ عَلَى خَطِيبٍ أَنَّهُ قَالَ) عَلَى الْمِنْبَرِ (أَوْ فَعَلَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْخُطْبَةِ شَيْئًا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُهُمَا مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي سَمْعٍ وَبَصَرٍ قُبِلَا)، لِكَمَالِ النِّصَابِ (وَلَا يُعَارِضُهُ) أَيْ قَبُولَهَا (قَوْلُ الْأَصْحَابِ إذَا انْفَرَدَ) شَاهِدٌ (وَاحِدٌ فِيمَا) أَيْ نَقْلِ شَيْءٍ (تَتَوَقَّفُ الدَّوَاعِي عَلَى مَا نَقَلَهُ) أَيْ: تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِهِ (مَعَ مُشَارَكَةِ) خَلْقٍ (كَثِيرِينَ) لَهُ (رُدَّ) وَلَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ وَبَيْنَ مَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ، وَبَيْنَ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مِمَّا تَتَوَافَرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَبَيْنَ عَدَمِ ذَلِكَ الْقَيْدِ.
وَهِيَ أَيْ شُرُوطُهُ (سِتَّةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ وَاعْتُبِرَ فِي الشَّاهِدِ خُلُوُّهُ عَمَّا يُوجِبُ التُّهْمَةَ فِيهِ وَوُجُودِ مَا يُوجِبُ تَيَقُّظَهُ وَتَحَرُّزَهُ؛ لِيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَشْهَدَ بَعْضُ الْفُجَّارِ لِبَعْضٍ فَتُؤْخَذَ الْأَنْفُسُ وَالْأَمْوَالُ وَالْأَعْرَاضُ بِغَيْرِ حَقٍّ. (أَحَدُهَا: الْبُلُوغُ فَلَا تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (مِنْ صَغِيرٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، (وَلَوْ) كَانَ الصَّغِيرُ (فِي حَالِ أَهْلِ الْعَدَالَةِ) بِأَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمُكَلَّفُ الْعَدْلُ (مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ شَهِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ فِي جِرَاحٍ، إذَا شَهِدُوا قَبْلَ الِافْتِرَاقُ عَنْ الْحَالِ الَّتِي تَجَارَحُوا عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَالصَّبِيُّ لَيْسَ رَجُلًا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَفِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ كَامِلِ الْعَقْلِ. (الثَّانِي: الْعَقْلُ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ) أَيْ: غَرِيزَةٌ يَنْشَأُ عَنْهَا ذَلِكَ يُسْتَعَدُّ بِهَا لِفَهْمِ دَقِيقِ الْعُلُومِ وَتَدْبِيرِ الصَّنَائِعِ الْفِكْرِيَّةِ. وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ هُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ وُرُودُ الشَّكِّ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُمْ نَوْعٌ مِنْهَا لَا مِنْ جَمِيعِهَا وَإِلَّا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفَاقِدُ لِلْعِلْمِ بِالْمُدْرَكَاتِ؛ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِمَا غَيْرَ عَاقِلٍ، (وَالْعَاقِلُ مَنْ عَرَفَ الْوَاجِبَ عَقْلًا الضَّرُورِيَّ وَغَيْرَهُ، وَ) عَرَفَ (الْمُمْكِنَ وَالْمُمْتَنِعَ) كَوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى وَكَوْنِ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ لَيْسَ فِي مَكَانَيْنِ وَأَنَّ الْوَاحِدَ أَقَلُّ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَأَنَّ الضِّدَّيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ، (وَ) عَرَفَ (مَا يَضُرُّهُ وَ) مَا (يَنْفَعُهُ غَالِبًا)؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ لَمَا اخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ، (فَلَا تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (مِنْ مَعْتُوهٍ وَلَا مَجْنُونٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَلَا أَدَاؤُهَا لِاحْتِيَاجِهَا إلَى الضَّبْطِ، وَهُوَ لَا يَعْقِلُهُ (إلَّا مَنْ يُخْنَقُ أَحْيَانًا إذَا شَهِدَ) أَيْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَأَدَّاهَا (فِي إفَاقَتِهِ) فَتُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ عَاقِلٍ أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُجَنَّ. (الثَّالِثُ: النُّطْقُ) أَيْ كَوْنُ الشَّاهِدِ مُتَكَلِّمًا (فَلَا تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (مِنْ أَخْرَسَ) بِإِشَارَتِهِ كَإِشَارَةِ النَّاطِقِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَقِينُ، وَإِنَّمَا اكْتَفِي بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ فِي أَحْكَامِهِ كَنِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ لِلضَّرُورَةِ، (إلَّا إذَا أَدَّاهَا) الْأَخْرَسُ (بِخَطِّهِ) فَتُقْبَلُ لِدَلَالَةِ الْخَطِّ عَلَى الْأَلْفَاظِ. (الرَّابِعُ: الْحِفْظُ فَلَا تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (مِنْ مُغَفَّلٍ وَ) لَا مِنْ (مَعْرُوفٍ بِكَثْرَةِ غَلَطٍ وَ) كَثْرَةِ (سَهْوٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَلَطِهِ، وَتُقْبَلُ مِمَّنْ يَقِلُّ مِنْهُ الْغَلَطُ وَالسَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ. (الْخَامِسُ الْإِسْلَامُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلِهِ: {فَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ رِجَالِنَا وَغَيْرُ مَأْمُونٍ، وَحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ} " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ، وَإِنْ سَلِمَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْيَمِينُ لِأَنَّهَا تُسَمَّى شَهَادَةً قَالَ تَعَالَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ} (فَلَا تُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ عَلَى) كَافِرٍ (مِثْلِهِ غَيْرِ رَجُلَيْنِ) لَا نِسَاءٍ (كِتَابِيَّيْنِ) لَا مَجُوسِيَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا (عِنْدَ عَدَمِ) مُسْلِمٍ لَا مَعَ وُجُودِهِ (بِوَصِيَّةِ مَيِّتٍ بِسَفَرِ مُسْلِمٍ) أَيْ الْمُوصِي (أَوْ كَافِرٍ وَيُحَلِّفُهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ الْكِتَابِيَّيْنِ (حَاكِمٌ وُجُوبًا بَعْدَ الْعَصْرِ) لِخَبَرِ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يُعَظِّمُهُ أَهْلُ الْأَدْيَانِ فَيَحْلِفَانِ (لَا نَشْتَرِي بِهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْحَلِفِ أَوْ تَحْرِيفِ الشَّهَادَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ (ثَمَنًا، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَمَا خَانَا وَمَا حَرَّفَا وَأَنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ) أَيْ الْمُوصِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ...} الْآيَةَ وَقَضَى بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَبِهَذَا قَالَ أَكَابِرُ الْمَاضِينَ، (فَإِنْ عُثِرَ) أَيْ اُطُّلِعَ (عَلَى أَنَّهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ الْكِتَابِيَّيْنِ (اسْتَحَقَّا إثْمًا) أَيْ كَذَبَا فِي شَهَادَتِهِمَا (فَآخَرَانِ) أَيْ رَجُلَانِ (مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمُوصِي) أَيْ وَرَثَتِهِ (فَحَلَفَا بِاللَّهِ تَعَالَى لَشَهَادَتُنَا) أَيْ يَمِينُنَا (أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَلَقَدْ خَانَا وَكَتَمَا وَيُقْضَى لَهُمْ) لِلْآيَةِ وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " خَرَجَ رَجُلٌ. مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُّوا جَامَ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِذَهَبٍ فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْجَامَ بِمَكَّةَ فَقَالُوا: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ أَوْلِيَاءُ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَأَنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ...} الْآيَةَ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَضَى بِذَلِكَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، وَأَيْضًا فَالْمَائِدَةُ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ. الشَّرْطُ (السَّادِسُ: الْعَدَالَةُ وَهِيَ:) لُغَةً الِاسْتِقَامَةُ وَالِاسْتِوَاءُ مَصْدَرٌ عُدِلَ بِضَمِّ الدَّالِ، إذْ الْعَدْلُ ضِدُّ الْجَوْرِ أَيْ الْمَيْلِ. وَشَرْعًا: (اسْتِوَاءُ أَحْوَالِهِ) أَيْ الشَّخْصِ (فِي دِينِهِ، وَاعْتِدَالُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَيُعْتَبَرُ لَهَا) أَيْ الْعَدَالَةِ (شَيْئَانِ) أَحَدُهُمَا: (الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ) نَوْعَانِ (أَدَاءُ الْفَرَائِضِ) أَيْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ. قُلْتُ: وَمَا وَجَبَ مِنْ صَوْمٍ وَحَجٍّ وَزَكَاةٍ وَغَيْرِهِمْ (بِرَوَاتِبِهَا) أَيْ سُنَنِ الصَّلَاةِ الرَّاتِبَةِ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ الْوَتْرُ سُنَّةٌ سَنَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً أَيْ دَائِمًا مِنْ سُنَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، (فَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْكِهَا) أَيْ الرَّوَاتِبِ، فَإِنَّ تَهَاوُنَهُ بِهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُحَافَظَتِهِ عَلَى أَسْبَابِ دِينِهِ، وَرُبَمَا جَرَّهُ التَّهَاوُنُ بِهَا إلَى التَّهَاوُنِ بِالْفَرَائِضِ، وَتُقْبَلُ مِمَّنْ تَرَكَهَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ. (وَ) النَّوْعُ الثَّانِي: (اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ بِأَنْ لَا يَأْتِيَ كَبِيرَةً وَلَا يُدْمِنَ) عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ بِدَوَامٍ (عَلَى صَغِيرَةٍ). وَفِي التَّرْغِيبِ بِأَنْ لَا يُكْثِرَ مِنْهَا وَلَا يُصِرَّ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا. وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ لِكَوْنِ الْقَذْفِ كَبِيرًا فَيُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ مُرْتَكِبِ كَبِيرَةٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُعْتَبَرُ الْعَدْلُ فِي كُلِّ زَمَنٍ بِحَسْبِهِ لِئَلَّا تَضِيعَ الْحُقُوقُ، (وَالْكَذِبُ صَغِيرَةٌ) فَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهِ إنْ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ، (إلَّا) الْكَذِبُ (فِي شَهَادَةِ زُورٍ والْكَذِبُ عَلَى نَبِيٍّ) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، (وَ) الْكَذِبُ فِي (زَمَنِ فِتَنٍ وَنَحْوِهِ) كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدِ الرَّعِيَّةِ عِنْدَ حَاكِمٍ ظَالِمٍ (فَكَبِيرَةٌ) قَالَ أَحْمَدُ: وَيُعْرَفُ الْكَذَّابُ بِخُلْفِ الْمَوَاعِيدِ نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، (وَيَجِبُ) الْكَذِبُ (لِتَخْلِيصِ مُسْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ). جُزِمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ وَاجِبًا (وَيُبَاحُ) الْكَذِبُ (لِإِصْلَاحٍ) بَيْنَ النَّاسِ (وَلِحَرْبٍ وَلِزَوْجَةٍ فَقَطْ). قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَكُلُّ مَقْصُودٍ مَحْمُودٍ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ. وَمَنْ جَاءَهُ طَعَامٌ فَقَالَ: لَا آكُلُهُ ثُمَّ أَكَلَهُ فَكَذِبٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَمَنْ كَتَبَ لِغَيْرِهِ كِتَابًا فَأَمْلَى عَلَيْهِ كَذِبًا لَمْ يَكْتُبْهُ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ الْكَافِي الْعَدْلُ مَنْ رُجِّحَ خَيْرُهُ وَلَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً؛ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ تَقَعُ مُكَفَّرَةً أَوَّلًا فَأَوَّلًا فَلَا تَجْتَمِعُ، (وَالْكَبِيرَةُ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا) كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ (أَوْ) فِيهِ (وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ) كَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَالرِّبَا وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَنَحْوِهَا، وَالصَّغِيرَةُ مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَالتَّجَسُّسِ وَسَبِّ النَّاسِ بِغَيْرِ قَذْفٍ وَالنَّظَرِ الْمُحَرَّمِ وَالنَّبْزِ بِاللَّقَبِ أَيْ الدُّعَاءِ بِاللَّقَبِ السُّوءِ، وَالْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ مِنْ الْكَبَائِرِ (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ بِفِعْلٍ كَزَانٍ وَدَيُّوثٍ أَوْ بِاعْتِقَادٍ كَمُقَلِّدٍ فِي خَلْقِ الْقُرْآنِ أَوْ) فِي (نَفْيِ الرُّؤْيَةِ) أَيْ: رُؤْيَةِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ (أَوْ) فِي (الرَّفْضِ) كَتَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ أَوْ تَفْسِيقِهِمْ بِتَقْدِيمِ غَيْرِ عَلِيٍّ أَيْ فِي الْخِلَافَةِ عَلَيْهِ (أَوْ) فِي (التَّجَهُّمِ) بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ أَيْ اعْتِقَادِ مَذْهَبِ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ (وَنَحْوِهِ) كَمُقَلِّدٍ فِي التَّجْسِيمِ وَمَا يَعْتَقِدُهُ الْخَوَارِجُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَنَحْوُهُمْ، (وَيُكَفَّرُ مُجْتَهِدُهُمْ) أَيْ مُجْتَهِدُ الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ يُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ (الدَّاعِيَةِ) قَالَ فِي الْفُصُولِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي جَهْمِيَّةٍ وَوَاقِفِيَّةٍ وَحَرُورِيَّةٍ وَقَدَرِيَّةٍ. وَرَافِضِيَّةٍ: إنْ نَاظَرَ وَدَعَا كَفَرَ وَإِلَّا لَمْ يَفْسُقْ، لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: يُسْمَعُ حَدِيثُهُ وَيُصَلَّى خَلْفَهُ. قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ عَامَّةَ الْمُبْتَدِعَةِ فَسَقَةٌ كَعَامَّةِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كُفَّارٌ مَعَ جَهْلِهِمْ، وَالصَّحِيحُ لَا كُفْرَ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ أَجَازَ الرِّوَايَةَ عَنْ الْحَرُورِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ، (وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (قَاذِفٍ حُدَّ أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يُحَدَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا...} الْآيَةَ، (حَتَّى يَتُوبَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا} قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ " شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ أَبُو بَكْرَةَ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ وَنَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ، وَنَكَلَ زِيَادٌ فَجَلَدَ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ وَقَالَ لَهُمْ: تُوبُوا تُقْبَلْ شَهَادَتُكُمْ. فَتَابَ رَجُلَانِ فَقَبِلَ عُمَرُ شَهَادَتَهُمَا وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، " وَكَانَ قَدْ عَادَ مِثْلَ النَّصْلِ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُحَقِّقْ الْقَاذِفُ قَذْفَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ مَقْذُوفٍ أَوْ لِعَانٍ إنْ كَانَ الْقَاذِفُ زَوْجًا، فَإِنْ حَقَّقَهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقَذْفِهِ فِسْقٌ وَلَا حَدٌّ وَلَا رَدُّ شَهَادَةٍ، (وَتَوْبَتُهُ) أَيْ الْقَاذِفِ (تَكْذِيبٌ لِنَفْسِهِ وَلَوْ) كَانَ (صِدْقًا) فَيَقُولُ: كَذَبْت فِيمَا قُلْت لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي قَوْله تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ: " تَوْبَتُهُ إكْذَابُ نَفْسِهِ " وَلِتَلْوِيثِ عِرْضِ الْمَقْذُوفِ بِقَذْفِهِ فَإِكْذَابُهُ نَفْسَهُ يُزِيلُ ذَلِكَ التَّلْوِيثَ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: " وَالْقَاذِفُ فِي الشَّتْمِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَرِوَايَتُهُ حَتَّى يَتُوبَ " وَالشَّاهِدُ بِالزِّنَا إذَا لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ دُونَ شَهَادَتِهِ. (وَتَوْبَةُ غَيْرِهِ) أَيْ الْقَاذِفِ (نَدَمٌ) بِقَلْبِهِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ ذَنْبِهِ (وَإِقْلَاعٌ) بِأَنْ يَتْرُكَ فِعْلَ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ. مِنْهُ (وَعَزْمٌ أَنْ لَا يَعُودَ) إلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ إصْلَاحُ الْعَمَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا،} وَمَعَ وُجُوبِ الْمَغْفِرَةِ يَجِبُ أَنْ تَتَرَتَّبَ الْأَحْكَامُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْهَا وَهُوَ الْفِسْقُ؛ لِأَنَّهُ لَا فِسْقَ مَعَ زَوَالِ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ، (وَإِنْ كَانَ) فِسْقُ الْفَاسِقِ (بِتَرْكِ وَاجِبٍ فَلَا بُدَّ) لِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ (مِنْ فِعْلِهِ) أَيْ: الْوَاجِبِ الَّذِي تَرَكَهُ (وَيُسَارِعُ) وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ بِتَرْكِ حَقِّ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْكِينِ مِنْ نَقْصِهِ بِبَذْلِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ. (وَيُعْتَبَرُ رَدَّ مَظْلِمَةً) فَسَقَ بِتَرْكِ رَدِّهَا كَمَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ عَجَزَ نَوَى رَدَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ (أَوْ يَسْتَحِلُّهُ) أَيْ رَبُّ الْمَظْلِمَةِ بِأَنْ يَطْلُبَ أَنْ يُحْلِلَهُ (أَوْ يَسْتَمْهِلَهُ) تَائِبٌ (مُعْسِرٌ) أَيْ يَطْلُبَ الْمُهْلَةَ مِنْ رَبِّ الْمَظْلِمَةِ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْبِدْعَةِ الِاعْتِرَافُ بِهَا وَالرُّجُوعُ عَنْهَا وَاعْتِقَادُ ضِدِّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ (وَلَا تَصِحُّ) التَّوْبَةُ (مُعَلَّقَةً) بِشَرْطٍ فِي الْحَالِ، وَلَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ النَّدَمَ وَالْعَزْمَ فِعْلُ الْقَلْبِ وَلَا يَتَأَتَّى تَعْلِيقُهُ. وَكَذَا الْإِقْلَاعُ (وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا) أَيْ التَّوْبَةِ (مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَنَمِيمَةٍ وَشَتْمٍ (إعْلَامُهُ) أَيْ الْمَقْذُوفِ وَالْمُغْتَابِ وَنَحْوِهِمَا (وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ) قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَذَفَهُ ثُمَّ تَابَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: قَدْ قَذَفْتُكَ، بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيذَاءً صَرِيحًا، وَإِذَا اسْتَحَلَّهُ يَأْتِي بِلَفْظٍ مُبْهَمٍ لِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ، (وَمَنْ أَخَذَ بِالرُّخَصِ) أَيْ تَتَبَّعَهَا مِنْ الْمَذَاهِبِ فَعَمِلَ بِهَا (فَسَقَ) نَصًّا، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. إجْمَاعًا، وَذَكَرَ الْقَاضِي: غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ وَلَا مُقَلِّدٍ، وَلُزُومُ الْمَذْهَبِ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعُ الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ الْأَشْهَرُ عَدَمُهُ، وَمَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ إمَامٍ بِعَيْنِهِ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَإِنْ قَالَ: يَنْبَغِي، كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا، وَمَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِإِمَامٍ فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ أَوْ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا أَعْلَمَ وَأَتْقَى فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَمَنْ أَتَى فَرْعًا) فِقْهِيًّا (مُخْتَلَفًا فِيهِ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ) تَزَوَّجَ (بِنْتَهُ مِنْ زِنًا أَوْ شَرِبَ مِنْ نَبِيذٍ مَا لَا يُسْكِرُهُ، أَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ قَادِرًا) أَيْ مُسْتَطِيعًا (إنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ) أَيْ مَا فَعَلَهُ مِمَّا ذُكِرَ (رُدَّتْ) شَهَادَتُهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ عَمْدًا، فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَعَ الْمُدَاوَمَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ، (وَإِنْ تَأَوَّلَ) أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَنِدًا عَلَى حِلِّهِ بِاجْتِهَادٍ أَوْ مُقَلِّدًا لِقَائِلٍ بِحِلِّهِ، (فَلَا) تُرَدُّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ سَائِغٌ فَلَا يَفْسُقُ بِهِ مَنْ فَعَلَهُ أَوْ قَلَّدَ فِيهِ. الشَّيْءُ (الثَّانِي) مِمَّا يُعْتَبَرُ لِلْعَدَالَةِ (اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ) بِوَزْنِ سُهُولَةٍ أَيْ الْإِنْسَانِيَّةِ (بِفِعْلِ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ) عَادَةً كَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ وَبَذْلِ الْجَاهِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَنَحْوِهِ، (وَتَرْكِ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ) أَيْ: يَعِيبُهُ (عَادَةً) مِنْ الْأُمُورِ الدَّنِيئَةِ الْمُزْرِيَةِ بِهِ، (فَلَا شَهَادَةَ) مَقْبُولَةٌ (لِمُصَافَعٍ) أَيْ يَصْفَعُهُ غَيْرُهُ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا (وَمُتَمَسْخَرٍ) يُقَالُ: سَخِرَ مِنْهُ وَبِهِ كَفَرِحَ وَسَخِرَ هَزِئَ كَاسْتَسْخَرَ (وَرَقَّاصٍ) كَثِيرِ الرَّقْصِ (وَمُشَعْبِذٍ) الشَّعْبَذَةُ وَالشَّعْوَذَةُ خِفَّةٌ فِي الْيَدَيْنِ كَالسِّحْرِ (وَمُغَنٍّ وَيُكْرَهُ الْغِنَاءُ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشِّعْرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. (وَ) يُكْرَهُ (اسْتِمَاعُهُ) أَيْ الْغِنَاءِ إلَّا مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ فَيَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِهِ، وَكَذَا يَحْرُمُ مِنْ آلَةِ لَهْوٍ مِنْ حَيْثُ الْآلَةُ. (وَ) كَ (طُفَيْلِيٍّ) الَّذِي يَتْبَعُ الضِّيفَانَ (وَمُتَزَيٍّ بِزِيٍّ يُسْخَرُ مِنْهُ) أَيْ يُهْزَأُ بِهِ، (وَلَا) شَهَادَةَ (لِشَاعِرٍ يُفْرِطُ) أَيْ يُكْثِرُ (فِي مَدْحٍ بِإِعْطَاءٍ وَ) يُفْرِطُ (فِي ذَمٍّ بِمَنْعٍ) مِنْ إعْطَاءٍ، (أَوْ يُشَبِّبُ بِمَدْحِ خَمْرٍ أَوْ بِأَمْرَدَ أَوْ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُحَرَّمَةٍ، وَيَفْسُقُ بِذَلِكَ وَلَا تَحْرُمُ رِوَايَتُهُ، وَلَا) شَهَادَةَ (لِلَاعِبٍ بِشِطْرَنْجٍ غَيْرِ مُقَلِّدٍ) مَنْ يَرَى إبَاحَتَهُ حَالَ لَعِبِهِ لِتَحْرِيمِ لَعِبِهِ (كَ) مَا يَحْرُمُ (بِعِوَضٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ)، وَلَوْ بِإِيذَاءِ مَنْ يَلْعَبُ مَعَهُ (إجْمَاعًا أَوْ) لَاعِبٍ (بِنَرْدٍ. وَيَحْرُمَانِ) أَيْ الشِّطْرَنْجُ وَالنَّرْدُ، أَيْ اللَّعِبُ بِهِمَا، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد فِي النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ فِي مَعْنَاهُ، (وَ) لَاعِبٍ (بِكُلِّ مَا فِيهِ دَنَاءَةٌ حَتَّى فِي أُرْجُوحَةٍ، أَوْ رَفْعِ ثَقِيلٍ، وَتَحْرُمُ مُخَاطَرَتُهُ بِنَفْسِهِ فِيهِ) أَيْ: رَفْعِ الثَّقِيلِ. (وَ) تَحْرُمُ. مُخَاطَرَتُهُ بِنَفْسِهِ (فِي ثِقَافٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} (أَوْ) أَيْ وَلَا شَهَادَةَ لِلَاعِبٍ (بِحَمَامٍ طَيَّارَةٍ وَلَا لِمُسْتَرْعِيهَا) أَيْ الْحَمَامِ (مِنْ الْمَزَارِعِ أَوْ) لِ (مَنْ يَصِيدُ بِهَا حَمَامَ غَيْرِهِ، وَيُبَاحُ) اقْتِنَاءُ الْحَمَامِ (لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهَا أَوْ) لِ (اسْتِفْرَاخِهَا وَ) لِ (حَمْلِ كُتُبٍ، وَيُكْرَهُ حَبْسُ طَيْرٍ لِنَغْمَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَعْذِيبٍ لَهُ. (وَلَا) شَهَادَةَ (لِمَنْ يَأْكُلُ بِالسُّوقِ) كَثِيرًا (لَا يَسِيرًا كَلُقْمَةٍ وَتُفَّاحَةٍ وَنَحْوِهِمَا) مِنْ الْيَسِيرِ، (وَلَا) شَهَادَةَ (لِمَنْ يَمُدُّ رِجْلَهُ بِمَجْمَعِ النَّاسِ أَوْ يَكْشِفُ مِنْ بَدَنِهِ مَا لِلْعَادَةِ تَغْطِيَتُهُ) كَصَدْرِهِ وَظَهْرِهِ، (أَوْ يُحَدِّثُ بِمُبَاضَعَةِ أَهْلِهِ) أَيْ زَوْجَتِهِ (أَوْ) بِمُبَاضَعَةِ (سُرِّيَّتِهِ أَوْ يُخَاطِبُهُمَا بِ) خِطَابٍ (فَاحِشٍ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ، أَوْ يَنَامُ بَيْنَ جَالِسِينَ، أَوْ يَخْرُجُ عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ بِلَا عُذْرٍ، أَوْ يَحْكِي الْمُضْحِكَاتِ وَنَحْوِهِ) مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ سَخَفٌ وَدَنَاءَةٌ، لِأَنَّ مَنْ رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ وَاسْتَخَفَّهُ فَلَيْسَ لَهُ مُرُوءَةٌ وَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ. وَلِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ مَرْفُوعًا " {إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ}؛ وَلِأَنَّ الْمُرُوءَةَ تَمْنَعُ الْكَذِبَ وَتَزْجُرُ عَنْهُ، وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ عَنْهُ ذُو الْمُرُوءَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَدَيِّنًا. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذَا مُخْتَفِيًا بِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ مُرُوءَتَهُ لَا تَسْقُطُ بِهِ، وَكَذَا إنْ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ شَيْئًا قَلِيلًا انْتَهَى. وَيُبَاحُ الْحُدَاءُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَدْ تُكْسَرُ أَيْ الْإِنْشَادُ الَّذِي تُسَاقُ بِهِ الْإِبِلُ، وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْإِنْشَادِ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْغِنَاءِ، وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً} وَكَانَ يَضَعُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا يَقُومُ عَلَيْهِ فَيَهْجُوَ مَنْ هَجَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْشَدَهُ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ قَصِيدَتَهُ بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ} وَنَحْوُهُ مِمَّا وَرَدَ فِي ذَمِّ الشِّعْرِ، فَالْمُرَادُ مَنْ أَسْرَفَ وَكَذَبَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدُ، وَمَا اتَّخَذَهُ أَرْبَابُ الدُّنْيَا مِنْ الْعَادَاتِ وَالنَّزَاهَةِ الَّتِي لَمْ يُقَبِّحْهَا السَّلَفُ وَلَا اجْتَنَبَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَقَذُّرِهِمْ مِنْ حَمْلِ الْحَوَائِجِ وَالْأَقْوَاتِ لِلْعِيَالِ وَلُبْسِ الصُّوفِ وَرُكُوبِ الْحِمَارِ وَحَمْلِ الْمَاءِ عَلَى الظَّهْرِ وَالرِّزْمَةِ إلَى السُّوقِ، فَلَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُرُوءَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ بِلَا تَلْحِينٍ لَا بَأْسَ بِهَا وَإِنْ حَسُنَ صَوْتُهُ بِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِحَدِيثِ: " {زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ} " وَلِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَتَقَدَّمَتْ أَحْكَامُ اللَّعِبِ فِي أَوَّلِ الْمُسَابِقَةِ، (وَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ) أَيْ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهِ قُبِلَ (بِأَنْ بَلَغَ صَغِيرٌ أَوْ عَقِلَ مَجْنُونٌ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَوْ تَابَ فَاسِقٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ)؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ.
وَلَا تُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ (الْحُرِّيَّةُ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ عَبْدٍ، وَ) شَهَادَةُ (أَمَةٍ فِي كُلِّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ حُرٌّ وَحُرَّةٌ) لِعُمُومِ آيَاتِ الشَّهَادَةِ وَأَخْبَارِهَا، وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ فِيهَا فَإِنَّهُ مِنْ رِجَالِنَا، وَهُوَ عَدْلٌ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَفَتْوَاهُ وَأَخْبَارُهُ الدِّينِيَّةُ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: " {تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ: لَيْسَ لِلْقِنِّ مُرُوءَةٌ مَمْنُوعٌ، بَلْ هُوَ كَالْحُرِّ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَرِقَّاءِ الْعُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ وَالْأُمَرَاءُ، (وَمَتَى تَعَيَّنَتْ) الشَّهَادَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ الرَّقِيقِ (حَرُمَ) عَلَى سَيِّدِهِ (مَنْعُهُ) مِنْهَا كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، (وَلَا) يُشْتَرَطُ لِلشَّهَادَةِ (كَوْنُ الصِّنَاعَةِ) أَيْ صِنَاعَةِ الشَّاهِدِ (غَيْرَ دَنِيئَةٍ عُرْفًا، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ حَجَّامٍ وَحَدَّادٍ وَزَبَّالٍ) يَجْمَعُ الزِّبْلَ، (وَقَمَّامٍ) يَقُمُّ الْمَكَانَ مِنْ زِبْلٍ وَغَيْرِهِ، (وَكَنَّاسٍ) يَكْنِسُ الْأَسْوَاقَ وَغَيْرَهَا، (وَكَبَّاشٍ) يُرَبِّي الْكِبَاشَ، (وَقَرَّادٍ) يُرَبِّي الْقُرُودَ وَيَطُوفُ بِهَا لِلتَّكَسُّبِ، (وَدَبَّابٍ) يَفْعَلُ بِالدُّبِّ كَمَا يَفْعَلُ الْقَرَّادُ، (وَنَفَّاطٍ) يَلْعَبُ بِالنَّفْطِ، (وَنَخَّالٍ) أَيْ يُغَرْ بِلُ فِي الطَّرِيقِ عَلَى فُلُوسٍ وَغَيْرِهَا وَتُسَمِّيه الْعَامَّةُ الْمُقَلِّشُ، (وَصَبَّاغٍ وَدَبَّاغٍ وَجَمَّالٍ وَجَزَّارٍ وَكَسَّاحٍ) يُنَظِّفُ الْحُشُوشَ، (وَحَائِكٍ وَحَارِسٍ وَصَائِغٍ وَمَكَّارٍ وَقَيِّمٍ) أَيْ خَدَّامٍ إذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى هَذِهِ الصَّنَائِعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَلِيهَا بِنَفْسِهِ فَلَوْ رُدَّتْ بِهَا الشَّهَادَةُ أَفْضَى إلَى تَرْكِ النَّاسِ لَهَا فَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. (وَكَذَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مَنْ لَبِسَ غَيْرَ زِيِّ بَلْدَةٍ يَسْكُنُهَا أَوْ) لَبِسَ غَيْرَ (زِيِّهِ الْمُعْتَادِ بِلَا عُذْرٍ، إذَا حَسُنْت طَرِيقَتُهُمْ) بِأَنْ حَافَظُوا عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي وَالرِّيَبِ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ زِنًا)؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَاتِ (حَتَّى بِهِ) أَيْ الزِّنَا إذَا شَهِدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ بِهِ. (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (بِدَوِيٍّ عَلَى قَرَوِيٍّ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " {لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ} مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ. (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (أَعْمَى بِمَا سَمِعَ إذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَبِالِاسْتِفَاضَةِ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَالْبَصِيرِ " فَإِنْ جَوَّزَ الْأَعْمَى أَنْ يَكُونَ صَوْتَ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الصَّوْتِ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ عَلَى الْبَصِيرِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. (وَ) تَصِحُّ شَهَادَةُ أَعْمَى (بِمَرْئِيَّاتٍ تَحَمَّلَهَا قَبْلَ عَمَاهُ) إذَا عَرَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَى فَقْدُ حَاسَّةٍ لَا تُخِلُّ بِالتَّكْلِيفِ، فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَالصَّمَمِ فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ، (وَ) كَذَا (لَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَّا بِعَيْنِهِ إذَا وَصَفَهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَمْيِيزُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ. (وَكَذَا إنْ تَعَذَّرَتْ رُؤْيَةُ مَشْهُودٍ لَهُ) لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ فَوَصَفَهُ الشَّاهِدُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى مِنْ نَحْوِ وَارِثِهِ أَوْ وَكِيلِهِ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ لَا تَكْفِي فِيهِ الصِّفَةُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَتَقَدَّمْهُ دَعْوَى (أَوْ) تَعَذَّرَتْ رُؤْيَةُ مَشْهُودٍ (بِهِ أَوْ) مَشْهُودٍ (عَلَيْهِ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ)، فَوَصَفَهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، (وَالْأَصَمُّ كَسَمِيعٍ فِيمَا رَآهُ) الْأَصَمُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ كَغَيْرِهِ (أَوْ) فِيمَا (سَمِعَهُ قَبْلَ صَمَمِهِ) كَسَمِيعٍ، (وَإِنْ شَهِدَ بِحَقٍّ عِنْدَ حَاكِمٍ ثُمَّ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ صُمَّ أَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ لَمْ يَمْنَعْ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ إنْ كَانَ عَدْلًا)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تُهْمَتَهُ حَالَ شَهَادَتِهِ بِخِلَافِ الْفِسْقِ، (وَإِنْ حَدَثَ) بِشَاهِدٍ (مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ تُهْمَةٍ) كَعَدَاوَةٍ وَعَصَبِيَّةٍ (قَبْلَ الْحُكْمِ مَنَعَهُ) أَيْ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّهَادَةِ، وَانْتِفَاؤُهُ حِينِهَا شَرْطٌ. فِيهَا (غَيْرُ عَدَاوَةٍ ابْتَدَأَهَا مَشْهُودٌ عَلَيْهِ بِأَنْ قَذَفَ الْبَيِّنَةَ أَوْ قَاوَلَهَا عِنْدَ الْحُكُومَةِ) بِدُونِ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ سَابِقَةٍ، فَلَا تَمْنَعُ الْحُكْمَ؛ لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ كُلُّ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ إبْطَالِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الْعَدَاوَةِ وَالْفِسْقِ. (وَ) إنْ حَدَثَ مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ وَفِسْقٍ وَغَيْرِهِمَا (بَعْدَهُ) أَيْ: الْحُكْمِ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَحْكُومٍ بِهِ (يُسْتَوْفَى مَالٌ) حُكِمَ بِهِ (لِأَحَدٍ مُطْلَقًا) أَيْ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ (وَلَا قَوَدَ)؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَا لَا يُمْكِنُ تَلَافِيَهُ، (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّخْصِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَحَاكِمٍ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ وَقَاسِمٍ وَمُرْضِعَةٍ عَلَى قِسْمَتِهِ وَإِرْضَاعِهَا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَشْهَدُ لِغَيْرِهِ فَتُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ، وَلِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي الرَّضَاعِ وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي.
الْمَوَانِعُ جَمْعُ مَانِعٍ وَهُوَ مَا يَحُولُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَمَقْصُودِهِ، وَهَذِهِ الْمَوَانِعُ تَحُولُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْمَقْصُودِ مِنْهَا، وَهُوَ قَبُولُهَا وَالْحُكْمُ بِهَا، (وَهِيَ سَبْعَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ (أَحَدُهَا: كَوْنُ مَشْهُودٍ لَهُ يَمْلِكُهُ) أَيْ الشَّاهِدُ لَهُ (أَوْ) يَمْلِكُ (بَعْضَهُ)، إذْ الْقِنُّ يَتَبَسَّطُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، (أَوْ) كَوْنُ مَشْهُودٍ لَهُ (زَوْجًا) لِشَاهِدٍ لِتَبَسُّطِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَالِ الْآخَرِ وَاتِّسَاعِهِ بِسَعَتِهِ (وَلَوْ فِي الْمَاضِي)، بِأَنْ يَشْهَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ بَعْدَ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ خُلْعٍ فَلَا تُقْبَلُ، سَوَاءٌ كَانَ شَهِدَ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ فَرُدَّتْ أَوْ لَا، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ بَيْنُونَتِهَا لِلشَّهَادَةِ ثُمَّ يُعِيدُهَا، (أَوْ) كَوْنُ مَشْهُودٍ لَهُ (مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ) أَيْ الشَّاهِدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَالِدٍ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ أَوْ الْبَنَاتِ وَعَكْسِهِ، (وَلَوْ لَمْ يَجُرَّ) الشَّاهِدُ بِمَا شَهِدَ بِهِ (نَفْعًا غَالِبًا) لِمَشْهُودٍ لَهُ (كَ) شَهَادَتِهِ لَهُ (بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ قَذْفٍ)، وَمِنْهُ شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ بِإِذْنِ مُوَلِّيَتِهِ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا، لِعُمُومِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " {لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا ذِي غَمْرٍ- أَيْ حِقْدٍ- عَلَى أَخِيهِ وَلَا ظَنِينٍ فِي قَرَابَةٍ وَلَا وَلَاءٍ} " وَفِي إسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالظَّنِينُ: الْمُتَّهَمُ، وَكُلٌّ مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَمِيلُ إلَيْهِ بِطَبْعِهِ لِحَدِيثِ " {فَاطِمَةَ بِضْعَةٌ مِنِّي يَرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا} وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ دِينُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ، (وَتُقْبَلُ) شَهَادَةُ الشَّخْصِ (لِبَاقِي أَقَارِبِهِ كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ)؛ لِعُمُومِ الْآيَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ غَيْرُ مُتَّهَمٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْأَخِ لِأَخِيهِ جَائِزَةٌ. (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ (لِوَلَدِهِ) مِنْ زِنًا أَوْ رَضَاعٍ، (وَ) لِ (وَالِدِهِ مِنْ زِنًا أَوْ رَضَاعٍ)؛ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ وَالصِّلَةِ وَعِتْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَعَدَمِ التَّبَسُّطِ فِي مَالِهِ. (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ (لِصَدِيقِهِ وَعَتِيقِهِ وَمَوْلَاهُ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَرَدَّهَا ابْنُ عَقِيلٍ بِصَدَاقَةٍ وَكَيْدَةٍ وَعَاشِقٍ لِمَعْشُوقِهِ؛ لِأَنَّ الْعِشْقَ يَطِيشُ (وَإِنْ شَهِدَا) أَيْ الْعَدْلَانِ (عَلَى أَبِيهِمَا بِقَذْفِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا وَهِيَ) أَيْ أُمُّهُمَا (تَحْتَهُ) أَيْ أَبِيهِمَا قَبْلًا، (أَوْ) شَهِدَا عَلَيْهِ بِ (طَلَاقِهَا) أَيْ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا (قَبْلًا)؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى أَبِيهِمَا. (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى مُعْتِقِ عَبْدَيْنِ أَنَّهُ غَصَبَهُمَا) أَيْ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ عِتْقِهِمَا (مِنْهُ فَشَهِدَ الْعَتِيقَانِ بِصِدْقِهِ) أَيْ مُدَّعِي غَصْبِهِمَا (لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمَا (لِعَوْدِهِمَا) بِقَبُولِهِمَا (إلَى الرِّقِّ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا) أَيْ الْعَتِيقَانِ (أَنَّ مُعْتَقَهُمَا كَانَ حِينَ الْعِتْقِ) لَهُمَا (غَيْرَ بَالِغٍ وَنَحْوِهِ) كَجُنُونِهِ، (أَوْ جَرَّحَا شَاهِدَيْ حُرِّيَّتِهِمَا) فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا ذَلِكَ؛ لِعَوْدِهِمَا إلَى الرِّقِّ بِهِ (وَلَوْ عَتَقَا بِتَدْبِيرٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَشَهِدَا) أَيْ الْعَتِيقَانِ (بِدَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ فِي الرِّقِّ لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمَا (لِإِقْرَارِهِمَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بِرِقِّهِمَا لِغَيْرِ سَيِّدٍ)، وَهُوَ لَا يَجُوزُ. (الثَّانِي): مِنْ الْمَوَانِعِ (أَنْ يَجُرَّ) الشَّاهِدُ (بِهَا) أَيْ شَهَادَتِهِ (نَفْعًا لِنَفْسِهِ كَشَهَادَتِهِ) أَيْ الشَّخْصِ (لِرَقِيقِهِ، وَلَوْ) مَأْذُونًا لَهُ أَوْ (مُكَاتَبًا)؛ لِأَنَّهُ رَقِيقُهُ لِحَدِيثِ " {الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ} (أَوْ) شَهَادَتِهِ (لِمُورِثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ انْدِمَالِهِ) فَلَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ رُبَمَا يَسْرِي الْجُرْحُ إلَى النَّفْسِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِلشَّاهِدِ بِشَهَادَتِهِ، فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ (أَوْ) شَهَادَتِهِ (لِمُوصِيهِ؛) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ، (أَوْ) شَهَادَتِهِ لِ (مُوَكِّلِهِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ) لِمَا تَقَدَّمَ، (وَلَوْ) كَانَتْ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ (بَعْدَ انْحِلَالِهِمَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ لِلتُّهْمَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ، ثُمَّ يَشْهَدُ (أَوْ) شَهَادَتِهِ (لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِاتِّهَامِهِ، وَكَذَا مُضَارِبٌ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ. انتهى. لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ (أَوْ) شَهَادَةٌ (لِمُسْتَأْجِرِهِ بِمَا اسْتَأْجَرَهُ فِيهِ) نَصًّا كَمَنْ نُوزِعَ فِي ثَوْبٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ أَوْ قَصْرِهِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ بِهِ لِمُسْتَأْجِرِهِ لِلتُّهْمَةِ، (أَوْ) شَهَادَةِ وَلِيِّ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ لِ (مَنْ فِي حِجْرِهِ)؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِشَيْءٍ هُوَ خَصْمٌ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَهُوَ مُتَّهَمٌ، (أَوْ) شَهَادَةِ (غَرِيمٍ بِمَالٍ لِمُفْلِسٍ بَعْدَ حَجْرٍ) أَوْ مَوْتٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غُرَمَائِهِ بِمَالِهِ بِذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ، (أَوْ) شَهَادَةِ (أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ بِعَفْوِ الْآخَرِ عَنْ شُفْعَتِهِ) لِاتِّهَامِهِ بِأَخْذِ الشَّخْصِ كُلِّهِ بِالشُّفْعَةِ، (أَوْ) شَهَادَةِ (مَنْ لَهُ كَلَامٌ أَوْ اسْتِحْقَاقٌ وَإِنْ قَلَّ) الِاسْتِحْقَاقُ (فِي رِبَاطٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ) أَوْ مَسْجِدٍ (لِمَصْلَحَةٍ لَهُمَا) قَالَ. الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا شَهَادَةِ دِيوَانِ الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ عَلَى الْخُصُومِ. (وَتُقْبَلُ) شَهَادَةُ وَارِثٍ (لِمُورِثِهِ فِي مَرَضِهِ)، وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ، وَحَالَ جُرْحِهِ (بِدَيْنٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِهِ حِينَ الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ حَقٌّ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَشَهَادَتِهِ لِامْرَأَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَوْ غَرِيمٍ لَهُ بِمَالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُوفِيَهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مَا يَحْصُلُ بِهِ نَفْعٌ عِنْدَ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا مَنْعُهُ مِنْ شَهَادَتِهِ لِمُورِثِهِ بِالْجُرْحِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَالِ؛ فَلِأَنَّ الدِّيَةَ إذَا وَجَبَتْ تَجِبُ لِلْوَارِثِ الشَّاهِدِ بِهِ ابْتِدَاءً فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ. ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، إذْ الدِّيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ تَجِبُ لِلْمُورِثِ ابْتِدَاءً ثُمَّ تَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ فَهِيَ كَالدَّيْنِ فِي ذَلِكَ، (وَإِنْ حُكِمَ) بِهَا (بِشَهَادَتِهِ) أَيْ بِشَهَادَةِ الْوَارِثِ لِمُورِثِهِ وَلَوْ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ (ثُمَّ مَاتَ) الْمَشْهُودُ لَهُ (فَوَرِثَهُ) الشَّاهِدُ (لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُفْسِدُهُ. (الثَّالِثُ) مِنْ الْمَوَانِعِ: (أَنْ يَدْفَعَ بِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ (ضَرَرًا عَنْ نَفْسِهِ كَ) شَهَادَةِ (الْعَاقِلَةِ بِجَرْحِ شُهُودِ قَتْلِ الْخَطَأِ) أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ فِي دَفْعِ الدِّيَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ فَقِيرًا أَوْ بَعِيدًا لِجَوَازِ أَنْ يُؤْسَرَ أَوْ يَمُوتَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ. (وَ) كَشَهَادَةِ الْغُرَمَاءِ (بِجَرْحِ شُهُودِ دَيْنٍ عَلَى مُفْلِسٍ) أَوْ مَيِّتٍ تَضِيقُ تَرِكَتُهُ عَنْ دُيُونِهِمْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْفِيرِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ، وَكَشَهَادَةِ الْوَلِيِّ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَى مَحْجُورِهِ وَالشَّرِيكِ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَى شَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ. (وَ) كَشَهَادَةِ (كُلِّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إذَا شَهِدَ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَيْهِ) كَسَيِّدٍ يَشْهَدُ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَى قِنِّهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: " مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ وَهُوَ الْمُتَّهَمُ " وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ " {قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِخَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ}. (الرَّابِعُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (الْعَدَاوَةُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَتْ مَوْرُوثَةً أَوْ مُكْتَسَبَةً، كَفَرَحِهِ بِمُسَاءَتِهِ أَوْ غَمِّهِ بِفَرَحِهِ وَطَلَبِهِ لَهُ الشَّرَّ، فَلَا تُقْبَلُ) مِمَّنْ شَهِدَ (عَلَى عَدُوِّهِ) لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ)، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ (فَتَلْغُوَ) الشَّهَادَةُ (مِنْ مَقْذُوفٍ عَلَى قَاذِفِهِ، وَ) مِنْ (مَقْطُوعٍ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ عَلَى قَاطِعِهِ)، فَلَا تُقْبَلُ إنْ شَهِدُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَيْنَا أَوْ عَلَى الْقَافِلَةِ، بَلْ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ هَلْ قَطَعُوهَا عَلَيْكُمْ مَعَهُمْ أَوْ لَمْ يَقْطَعُوهَا عَلَيْكُمْ مَعَهُمْ؟ لِأَنَّهُ لَا يَبْحَثُ عَمَّا شَهِدَتْ بِهِ الشُّهُودُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ عَرَضُوا لَنَا وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى غَيْرِنَا فَفِي الْفُصُولِ تُقْبَلُ، قَالَ: وَعِنْدِي لَا، أَيْ لَا تُقْبَلُ. فَإِنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ تُمْنَعْ فَيُقْبَلُ الْمُسْلِمُ عَلَى الْكَافِرِ، وَالْمُحِقُّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى الْبِدْعِيِّ؛ لِأَنَّ الدِّينَ يَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ فِي دِينِهِ، (وَ) تَلْغُوَ الشَّهَادَةُ (مِنْ زَوْجٍ) إذَا شَهِدَ عَلَى امْرَأَتِهِ (فِي زِنًا)؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَاوَتِهِ لَهَا لِإِفْسَادِهَا فِرَاشَهُ، (بِخِلَافِ) شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا فِي (قَتْلٍ وَغَيْرِهِ) كَسَرِقَةٍ وَقَوَدٍ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، (وَكُلُّ مَنْ) قُلْنَا (لَا تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُ (لَهُ) كَعَمُودَيْ نَسَبِهِ وَمُكَاتَبِهِ، (فَإِنَّهَا) أَيْ شَهَادَتَهُ (تُقْبَلُ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهَا فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْحَاكِمِ عَلَى مَنْ فِي حِجْرِهِ. (الْخَامِسُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (الْحِرْصُ عَلَى أَدَائِهَا قَبْلَ اسْتِشْهَادِ مَنْ يَعْلَمُ بِهَا) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَشْهُودٌ لَهُ بِهَا لَمْ يَقْدَحْ، وَتَقَدَّمَ (قَبْلَ الدَّعْوَى أَوْ بَعْدَهَا) فَتُرَدُّ، وَهَلْ يَصِيرُ مَجْرُوحًا بِذَلِكَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ فِي التَّرْغِيبِ (إلَّا فِي عِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِمَا) كَظِهَارٍ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى فِيهَا عَلَى الشَّهَادَةِ. (السَّادِسُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (الْعَصَبِيَّةُ. فَلَا شَهَادَةَ لِمَنْ عُرِفَ بِهَا، وَبِالْإِفْرَاطِ فِي الْحَمِيَّةِ) كَتَعَصُّبِ قَبِيلَةٍ عَلَى قَبِيلَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ رُتْبَةَ الْعَدَاوَةِ. (السَّابِعُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (أَنْ تُرَدَّ) شَهَادَتُهُ (لِفِسْقِهِ ثُمَّ يَتُوبَ ثُمَّ يُعِيدَهَا، فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ فِي أَنَّهُ إنَّمَا تَابَ لِتُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَلِإِزَالَةِ الْعَارِ الَّذِي لَحِقَهُ بِرَدِّهَا؛ وَلِأَنَّ رَدَّهُ) لِفِسْقِهِ حُكْمٌ فَلَا يَنْتَقِضُ بِقَبُولِهِ (وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ مَنْ تَحَمَّلَهَا فَاسِقًا (حَتَّى تَابَ قُبِلَتْ)؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلتَّحَمُّلِ وَلَا تُهْمَةً، (وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَوْ أَخْرَسُ فَزَالَ) ذَلِكَ الْمَانِعُ بِأَنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ كُلِّفَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَوْ نَطَقَ الْأَخْرَسُ (وَأَعَادُوهَا) أَيْ: الشَّهَادَةَ (قُبِلَتْ)؛ لِأَنَّ رَدَّهَا لِهَذِهِ الْمَوَانِعِ لَا غَضَاضَةَ فِيهِ فَلَا تُهْمَةَ، بِخِلَافِ رَدِّهَا لِلْفِسْقِ، (لَا إنْ شَهِدَ لِمُورِثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ بُرْئِهِ) فَرُدَّتْ (أَوْ) شَهِدَ (لِمُكَاتَبِهِ) بِشَيْءٍ فَرُدَّتْ (أَوْ) شَهِدَ شَرِيكٌ (بِعَفْوِ شَرِيكِهِ فِي شُفْعَةٍ عَنْهَا) أَيْ الشُّفْعَةِ (فَرُدَّتْ) شَهَادَتُهُ، (أَوْ رُدَّتْ) شَهَادَتُهُ (لِدَفْعِ ضَرَرٍ) عَنْهُ (أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ) لَهُ (أَوْ) لِ (عَدَاوَةٍ فَبَرِئَ مُورِثُهُ) مِنْ جُرْحِهِ (وَعَتَقَ مُكَاتَبُهُ وَعَفَا الشَّاهِدُ عَنْ شُفْعَتِهِ وَزَالَ الْمَانِعُ) مِنْ دَفْعِ ضَرَرٍ وَجَلْبِ نَفْعٍ وَعَدَاوَةٍ (ثُمَّ أَعَادُوهَا)، فَلَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ رَدَّهَا كَانَ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ ثَانٍ، وَلِأَنَّهَا رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ كَالرَّدِّ لِلْفِسْقِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقْبَلُ. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَرَدَ فِي الْمُغْنِي التَّعْلِيلُ السَّابِقُ بِمَا ذَكَرْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ، (وَمَنْ شَهِدَ بِحَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَهُ) كَأَبِيهِ (وَأَجْنَبِيٍّ رُدَّتْ) نَصًّا؛ (لِأَنَّهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (لَا تَتَبَعَّضُ فِي نَفْسِهَا)، قُلْت: وَقِيَاسُهُ لَوْ حُكِمَ لَهُ وَلِأَجْنَبِيٍّ.
|