الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
شرح منتهى الإرادات الجزء الأول
هُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ هَذَا كِتَابُ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ مِمَّا يُذْكَرُ كِتَابُ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، لَكِنْ لَا يُسَاعِدُهُ الرَّسْمُ إلَّا مَعَ الْإِضَافَةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي نَظَائِرِهِ وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالْكَتْبِ وَالْكِتَابَةِ، بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ بِالْمُثَنَّاةِ لِلْجَيْشِ، وَالْكِتَابَةُ بِالْقَلَمِ لِجَمْعِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ الْجَامِعِ لِمَسَائِلِ الطَّهَارَةِ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِهَا وَمَا تُوجِبُهَا، وَمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ قَالُوا: إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَتْبِ. وَبَدَأَ الْفُقَهَاءُ بِالطَّهَارَةِ لِأَنَّ آكَدَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلَاةُ: وَالطَّهَارَةُ شَرْطُهَا وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَقَدَّمُوا الْعِبَادَاتِ اهْتِمَامًا بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، ثُمَّ الْمُعَامَلَاتِ لِأَنَّ مِنْ أَسْبَابِهَا الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَنَحْوَهُ مِنْ الضَّرُورِيِّ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَشَهْوَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى شَهْوَةِ النِّكَاحِ، وَقَدَّمُوهُ عَلَى الْجِنَايَاتِ وَالْحُدُودِ وَالْمُخَاصَمَاتِ لِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي الْغَالِبِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ (الطَّهَارَةُ) مَصْدَرُ طَهُرَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَالِاسْمُ الطُّهْرُ. وَهِيَ لُغَةً: النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ عَنْ الْأَقْذَارِ حَتَّى الْمَعْنَوِيَّةُ، وَشَرْعًا (ارْتِفَاعُ حَدَثٍ) أَيْ زَوَالُ الْوَصْفِ الْحَاصِلِ بِهِ الْمَانِعِ مِنْ نَحْوِ صَلَاةٍ وَطَوَافٍ، وَالِارْتِفَاعُ مَصْدَرُ ارْتَفَعَ، فَفِيهِ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الْمُفَسِّرِ وَالْمُفَسَّرِ فِي اللُّزُومِ بِخِلَافِ الرَّفْعِ، وَيَأْتِي مَعْنَى الْحَدَثِ (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ، كَالْحَاصِلِ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ لَا عَنْ حَدَثٍ وَكَذَا غَسْلُ يَدَيْ الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ. وَمَا يَحْصُلُ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الْمُسْتَحَبَّيْنِ، وَمَا زَادَ عَلَى الْمَرَّةِ فِي وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَبِغَسْلِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ مِنْ الْمَذْيِ إنْ لَمْ يُصِبْهُمَا، وَكَوُضُوءِ نَحْوِ الْمُسْتَحَاضَةِ إنْ قِيلَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ (بِمَاءٍ) مُتَعَلِّقٌ بِارْتِفَاعِ (طَهُورٍ مُبَاحٍ) فَلَا يَرْتَفِعُ حَدَثٌ بِغَيْرِ مَاءٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ (وَزَوَالُ خَبَثٍ) أَيْ نَجَسٍ حُكْمِيٍّ (بِهِ) أَيْ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ. (وَلَوْ لَمْ يُبَحْ) فَتَزُولُ النَّجَاسَةُ بِنَحْوِ مَغْصُوبٍ، لِأَنَّ إزَالَتَهَا مِنْ قِسْمِ التُّرُوكِ، بِخِلَافِ رَفْعِ الْحَدَثِ، وَتَزُولُ النَّجَاسَةُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ نَحْوِ كَلْبٍ (أَوْ) بِمَاءٍ طَهُورٍ (مَعَ تُرَابٍ طَهُورٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَصَابُونٍ وَأُشْنَانٍ إنْ كَانَتْ مِنْهُ، فَلَا يَكْفِي فِيهَا الْمَاءُ وَحْدَهُ (أَوْ) زَوَالُ خَبَثٍ (بِنَفْسِهِ) أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ يُفْعَلُ بِهِ، كَخَمْرَةٍ انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا، وَمَاءٍ كَثِيرٍ مُتَغَيِّرٍ بِنَجَاسَةٍ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، فَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ (أَوْ ارْتِفَاعِ حُكْمِهِمَا) أَيْ الْحَدَثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَالْخَبَثِ (بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ الْمَاءُ كَالتَّيَمُّمِ وَالِاسْتِجْمَارِ - وَهَذَا الْحَدُّ لِصَاحِبِ التَّنْقِيحِ، وَسَبَقَهُ إلَى قَرِيبٍ مِنْهُ الْمُوَفَّقُ، وَاعْتَرَضَهُ الْحَجَّاوِيُّ، كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ.
وَبَابُ الشَّيْءِ مَا تُوُصِّلَ إلَيْهِ مِنْهُ فَبَابُ الْمِيَاهِ مَا تُوُصِّلَ مِنْهُ إلَى الْوُقُوفِ عَلَى مَسَائِلِهَا (الْمِيَاهُ) جَمْعُ مَاءٍ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَنَوَّعُ إلَيْهِ شَرْعًا (ثَلَاثَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ (طَهُورٌ) وَهُوَ أَشْرَفُهَا. قَالَ ثَعْلَبُ: طَهُورٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ: الطَّاهِرُ فِي ذَاتِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ انْتَهَى، فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَعَدِّيَةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ {هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ} وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَوَابًا لِلْقَوْمِ حِينَ سَأَلُوهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِهِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ طَاهِرٍ مُطَهِّرًا، وَلَا يُنَافِيه: خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. فَقَدْ جَمَعَ الْوَصْفَيْنِ كَوْنُهُ نَزِهًا لَا يَتَنَجَّسُ بِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ (يَرْفَعُ الْحَدَثَ) أَيْ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ غَيْرُهُ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَدَثُ (مَا) أَيْ مَعْنَى يَقُومُ بِالْبَدَنِ (أَوْجَبَ وُضُوءًا) أَيْ جَعَلَهُ الشَّرْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ، وَيُوصَفُ بِالْأَصْغَرِ (أَوْ) أَوْجَبَ غُسْلًا، وَيُوصَفُ بِالْأَكْبَرِ وَلَيْسَ نَجَاسَةً. فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِحَمْلِ مُحْدِثٍ، وَالْمُحْدِثُ مَنْ لَزِمَهُ لِنَحْوِ صَلَاةٍ وُضُوءٌ، أَوْ غُسْلٌ أَوْ تَيَمُّمٌ. فَالطَّاهِرُ ضِدُّ الْمُحْدِثِ وَالنَّجِسِ، وَالْمُحْدِثُ لَيْسَ نَجِسًا وَلَا طَاهِرًا (إلَّا حَدَثَ رَجُلٍ) إلَّا امْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ. (وَ) إلَّا حَدَثَ (خُنْثَى) مُشْكِلٍ بَالِغٍ احْتِيَاطِيًّا فَلَا يَرْتَفِعُ (ب) مَاءٍ (قَلِيلٍ) لَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ (خَلَتْ بِهِ امْرَأَةٌ) مُكَلَّفَةٌ (وَلَوْ كَانَتْ) (كَافِرَةً)؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى مِنْ الْمُسْلِمَةِ وَأَبْعَدُ مِنْ الطَّهَارَةِ وَلِعُمُومِ الْخَبَرِ الْآتِي (لِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ) لَا بَعْضِهَا (عَنْ حَدَثٍ) بِحَيْثُ تَكُونُ خَلْوَتُهَا بِاسْتِعْمَالٍ (كَخَلْوَةِ نِكَاحٍ) فَلَا أَثَرَ إذَا شَاهَدَهَا مُمَيِّزٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ قِنٌّ (تَعَبُّدًا) أَيْ قُلْنَا ذَلِكَ تَعَبُّدًا، لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِهِ، وَعَدَمِ عَقْلِ مَعْنَاهُ قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ ({نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ} رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَنَّ النَّسَائِيّ وَابْنَ مَاجَهْ قَالَا: {وُضُوءِ الْمَرْأَةِ} وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَكْثَرُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِيه الْقِيَاسُ، فَيَكُونُ تَوْقِيفًا، وَمِمَّنْ كَرِهَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ، وَخُصِّصَ بِالْخَلْوَةِ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ " تَوَضَّأْ أَنْتَ هَاهُنَا وَهِيَ هَاهُنَا فَإِذَا خَلَتْ بِهِ فَلَا تَقْرَبَنَّهُ " وَبِالْقَلِيلِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْكَثِيرِ، فَهَذَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَتَطَهَّرْنَ مِنْ الْقَلِيلِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِخَلْوَتِهَا بِالتُّرَابِ، وَلَا بِالْمَاءِ لِإِزَالَةِ خَبَثٍ، أَوْ طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ، وَلَا لِخَلْوَةِ خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَلَا لِغَيْرِ بَالِغَةٍ، وَلَا لِبَعْضِ طَهَارَةٍ (وَيُزِيلُ) الْمَاءُ الطَّهُورُ، عَطَفَ عَلَى يَرْفَعُ، أَيْ وَيُزِيلُ (الْخَبَثَ الطَّارِئَ) عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ قَبْلَهُ غَيَّرَهُ، لِمَا يَأْتِي فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ نَجَسَ الْعَيْنِ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمَاءُ الطَّهُورُ الْمَاءُ (الْبَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ) أَيْ صِفَتِهِ، وَهِيَ الطَّهُورِيَّةُ، أَيْ هُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِوَصْفٍ دُونَ آخَرَ، وَهُوَ مَاءُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَنَبْعِ الْأَرْضِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ، وَمَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَطَرٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، عَذْبًا كَانَ أَوْ مَالِحًا بَارِدًا أَوْ حَارًّا. (وَلَوْ تَصَاعَدَ) الْمَاءُ (ثُمَّ قَطَرَ كَبُخَارِ الْحَمَّامَاتِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُزِيلُ طَهُورِيَّتَهُ (أَوْ اُسْتُهْلِكَ فِيهِ) أَيْ الطَّهُورِ مَاءٌ (يَسِيرٌ مُسْتَعْمَلٌ، أَوْ) اُسْتُهْلِكَ فِيهِ (مَائِعٌ طَاهِرٌ) كَلَبَنٍ (وَلَوْ) كَانَ اسْتِهْلَاكُهُ فِيهِ (لِعَدَمِ كِفَايَةِ) الطَّهُورِ لِلطَّهَارَةِ قَبْلَهُ (وَلَمْ يُغَيِّرْهُ) مَا اُسْتُهْلِكَ فِيهِ إنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْفَرْضِ، فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ. وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ، لَا فِي سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ، خِلَافًا لِلرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ، وَتَبِعَهُمْ فِي شَرْحِهِ، فَإِنْ غَيَّرَهُ سَلَبَ الطَّهُورِيَّةَ، وَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ (أَوْ اُسْتُعْمِلَ) الطَّهُورُ (فِي طَهَارَةٍ لَمْ تَجِبْ) كَتَجْدِيدٍ وَغُسْلِ جُمُعَةٍ (أَوْ) اُسْتُعْمِلَ فِي (غُسْلِ كَافِرٍ) وَلَوْ ذِمِّيَّةٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ لِحِلِّ وَطْءٍ لِمُسْلِمٍ، فَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ (أَوْ غُسِلَ بِهِ) أَيْ الطَّهُورِ وَلَوْ يَسِيرًا (رَأْسٌ بَدَلًا عَنْ مَسْحٍ) فِي وُضُوءٍ فَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ لِعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِهِ فِي الْوُضُوءِ (وَالْمُتَغَيِّرُ بِمَحَلِّ تَطْهِيرٍ) عُطِفَ عَلَى الْبَاقِي عَلَى خِلْقَته، ذَكَرَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ. فَإِذَا كَانَ عَلَى الْعُضْوِ طَاهِرٌ، كَزَعْفَرَانٍ وَعَجِينٍ وَتَغَيَّرَ بِهِ الْمَاءُ وَقْتَ غَسْلِهِ لَمْ يَمْنَعْ حُصُولَ الطَّهَارَةِ بِهِ، لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ كَتَغْيِيرِ الْمَاءِ الَّذِي تُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلِّهَا. (وَ) الْمُتَغَيِّرُ (بِمَا يَأْتِي) ذِكْرُهُ (فِيمَا كُرِهَ) مِنْ الْمَاءِ. (وَ) فِي (مَا لَا يُكْرَهُ) مِنْهُ ثُمَّ بَيَّنَ الْمَكْرُوهَ بِقَوْلِهِ (وَكُرِهَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّهُورِ (مَاءُ زَمْزَمَ فِي إزَالَةِ خَبَثٍ) تَعْظِيمًا لَهُ. وَلَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَلَا الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ: لَوْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلشُّرْبِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ، وَلَا يُكْرَهُ مَا جَرَى عَلَى الْكَعْبَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. (وَ) كُرِهَ مِنْهُ أَيْضًا (مَاءُ بِئْرٍ بِمَقْبَرَةٍ) بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ، وَبِفَتْحِ الْبَاءِ مَعَ كَسْرِ الْمِيمِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْأَطْعِمَةِ: وَكَرِهَ أَحْمَدُ مَاءَ بِئْرٍ بَيْنَ الْقُبُورِ، وَشَوْكُهَا وَبَقْلُهَا، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: كَمَاءٍ سُمِّدَ بِنَجِسٍ وَالْجَلَّالَةِ انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَائِهَا فِي أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَطَهَارَةٍ وَغَيْرِهَا. (وَ) كُرِهَ مِنْهُ أَيْضًا (مَا اشْتَدَّ حَرُّهُ وَاشْتَدَّ بَرْدُهُ) لِأَذَاهُ وَمَنْعِهِ كَمَالَ الطَّهَارَةِ. (وَ) كُرِهَ مِنْهُ أَيْضًا (مُسَخَّنٌ بِنَجَاسَةٍ) مُطْلَقًا ظُنَّ وُصُولُهَا إلَيْهِ أَوْ اُحْتُمِلَ أَوْ لَا، حَصِينًا كَانَ الْحَائِلُ أَوْ غَيْرَ حَصِينٍ وَلَوْ بُرِّدَ. وَيُكْرَهُ إيقَادُ النَّجَسِ وَإِنْ عُلِمَ وُصُولُ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ، وَكَانَ يَسِيرًا فَنَجِسٌ (إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَكْرُوهٍ، إذْ لَا يُتْرَكُ وَاجِبٌ لِشُبْهَةٍ (أَوْ) مُسَخَّنٌ (بِمَغْصُوبٍ) وَنَحْوِهِ، وَكَذَا مَاءُ بِئْرٍ فِي مَوْضِعِ غَصْبٍ، أَوْ حَفْرُهَا أَوْ أُجْرَتُهُ غَصْبٌ. فَيُكْرَهُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ أَثَرٌ مُحَرَّمٌ. (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (مُتَغَيِّرٌ بِمَا لَا يُخَالِطُهُ) أَيْ الْمَاءَ (مِنْ عُودٍ قَمَارِيٍّ) بِفَتْحِ الْقَافِ، نِسْبَةً إلَى بَلْدَةِ قِمَارَ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ فِي الْمُطْلِعِ: بِكَسْرِ الْقَافِ، مَنْسُوبٌ إلَى قِمَارٍ مَوْضِعٍ بِبِلَادِ الْهِنْدِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْبَكْرِيِّ (أَوْ قِطَعِ كَافُورٍ أَوْ دُهْنٍ) كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ لِأَنَّهُ لَا يُمَازِجُ الْمَاءَ، وَكَرَاهَتُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَفِي مَعْنَاهُ مَا تَغَيَّرَ بِالْقَطِرَانِ وَالزِّفْتِ وَالشَّمْعِ، لِأَنَّ فِيهِ دُهْنِيَّةً يَتَغَيَّرُ بِهَا الْمَاءُ (أَوْ) أَيْ وَكُرِهَ أَيْضًا مُتَغَيِّرٌ (بِمُخَالِطٍ أَصْلُهُ الْمَاءُ) كَالْمِلْحِ الْمَائِيِّ، لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْمَاءِ، بِخِلَافِ الْمَعْدِنِيّ فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ. وَ(لَا) يُكْرَهُ مُتَغَيِّرٌ (بِمَا يَشُقُّ صَوْنُهُ) أَيْ الْمَاءَ (عَنْهُ، كَطُحْلُبٍ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ خُضْرَةٌ تَعْلُو الْمَاءَ الْمُزْمِنَ، أَيْ الرَّاكِدَ بِسَبَبِ الشَّمْسِ (وَوَرَقِ شَجَرٍ) سَقَطَ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَكَذَا مَا بُعِثَ فِي الْمَاءِ، وَالسَّمَكُ وَنَحْوُهُ، وَالْجَرَادُ وَنَحْوُهُ، وَمَا تُلْقِيهِ الرِّيَاحُ وَالسُّيُولُ، وَمَا تَغَيَّرَ عُمْرُهُ أَوْ مَقَرُّهُ. فَكُلُّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِلْمَشَقَّةِ. (وَ) كَذَا مَا تَغَيَّرَ بِطُولِ (مُكْثٍ) فِي أَرْضٍ وَآنِيَةٍ مِنْ أُدْمٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ كَأَنَّ مَاءَهُ نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ}. (وَ) لَا يُكْرَهُ أَيْضًا مُتَغَيِّرٌ ب (رِيحٍ) تَحْمِلُ الرَّائِحَةَ الْخَبِيثَةَ إلَى الطَّهُورِ، فَيَتَرَوَّحُ بِهَا لِلْمَشَقَّةِ (وَلَا) يُكْرَهُ (مَاءُ الْبَحْرِ) الْمِلْحُ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ. (وَ) لَا مَاءُ (الْحَمَّامِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ دَخَلُوا الْحَمَّامَ وَرَخَّصُوا فِيهِ وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ الْكَرَاهَةَ عَلَّلَ بِخَوْفِ مُشَاهَدَةِ الْعَوْرَةِ، أَوْ قَصْدِ التَّنَعُّمِ بِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ، و(لَا) يُكْرَهُ (مُسَخَّنٌ بِشَمْسٍ) وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِلْكَرَاهَةِ مِنْ النَّهْيِ لَمْ يَصِحَّ. كَمَا أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ (أَوْ) أَيْ وَلَا يُكْرَهُ مُسَخَّنٌ (بِطَاهِرٍ) إنْ لَمْ يَشْتَدَّ حَرُّهُ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ مَاءٌ فِي قُمْقُمٍ فَيَغْتَسِلُ بِهِ" وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالْحَمِيمِ " (وَلَا يُبَاحُ غَيْرُ بِئْرِ النَّاقَةِ مِنْ) آبَارِ دِيَارِ (ثَمُودَ) قَوْمُ صَالِحٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحِجْرِ أَرْضَ ثَمُودَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا، وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ مَنْعُ الطَّهَارَةِ بِهِ كَالْمَغْصُوبِ، وَبِئْرُ النَّاقَةِ هِيَ الْبِئْرُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي يَرِدُهَا الْحُجَّاجُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَمْ نَجِدْهَا. النَّوْعُ (الثَّانِي) مِنْ الْمِيَاهِ (طَاهِرٌ) غَيْرُ مُطَهِّرٍ (كَمَاءِ وَرْدٍ) وَكُلِّ مُسْتَخْرَجٍ بِعِلَاجٍ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ بِلَا قَيْدٍ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ مَاءٍ قَبُولُهُ. (وَ) ك (طَهُورٍ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ) بِمُخَالِطٍ طَاهِرٍ طُبِخَ فِيهِ، كَمَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَالْحِمَّصِ، أَوْ لَا، كَزَعْفَرَانٍ سَقَطَ فِيهِ فَتَغَيَّرَ بِهِ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ زَالَ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَزَالَ عَنْهُ أَيْضًا، مَعْنَى الْمَاءِ، فَلَا يُطْلَبُ بِشُرْبِهِ الْإِرْوَاءُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا تَغَيَّرَ جَمِيعُ أَوْصَافِهِ أَوْ كُلُّ صِفَةٍ مِنْهَا بِطَاهِرٍ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِالْأَوْلَى، وَأَنَّ يَسِيرَ صِفَةٍ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اغْتَسَلَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ مَيْمُونَةُ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ}. وَيَأْتِي حُكْمُ النَّبِيذِ فِي حَدِّ الْمُسْكِرِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّطْهِيرِ) فَإِنْ تَغَيَّرَ فِي مَحَلِّهِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَتَقَدَّمَ (وَلَوْ) كَانَ التَّغَيُّرُ (بِوَضْعِ) آدَمِيٍّ فِي الْمَاءِ (مَا يَشُقُّ صَوْنُهُ عَنْهُ) كَطُحْلُبٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ وَضَعَهُ فِي الْمَاءِ قَصْدًا، فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ إذَا تَغَيَّرَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، كَسَائِرِ الطَّاهِرَاتِ الَّتِي لَا يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهَا (أَوْ بِخَلْطِ) أَيْ اخْتِلَاطِ الْمَاءِ ب (مَا لَا يَشُقُّ) صَوْنُهُ عَنْهُ، كَحِبْرٍ، سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ أَوْ لَا. وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْضُ الْمَاءِ دُونَ بَعْضٍ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَمَتَى زَالَ تَغَيُّرُهُ عَادَتْ طَهُورِيَّتُهُ (غَيْرَ تُرَابٍ) طَهُورٍ، فَلَا يَسْلُبُ الْمَاءَ الطَّهُورِيَّةَ (وَلَوْ) وُضِعَ فِيهِ (قَصْدًا) لِأَنَّهُ أَحَدُ الطَّهُورَيْنِ. (وَ) غَيْرُ (مَا مَرَّ) فِي قِسْمِ الطَّهُورِ، كَاَلَّذِي لَا يُخَالِطُ الْمَاءَ. كَعُودٍ قَمَارِيٍّ، وَقِطَعِ كَافُورٍ، وَكَمِلْحٍ مَائِيٍّ سَوَاءٌ وُضِعَ قَصْدًا أَوْ لَا، وَمَا يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ. (وَ) كَطَهُورٍ (قَلِيلٌ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {لَا يَغْتَسِلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ} وَلِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي عِبَادَةٍ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ، فَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِعْمَالُهُ فِيهَا ثَانِيًا، كَالرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ، " وَصَبَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَابِرٍ مِنْ وَضُوئِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهِ وَمِثْلُهُ مَاءٌ غُسِّلَ بِهِ مَيِّتٌ وَلَا فَرْقَ فِيمَا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ. وَلَا بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي تَصِحُّ طَهَارَتُهُ (وَلَوْ) كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ (بِغَمْسِ بَعْضِ عُضْوِ مَنْ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ) كَجَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ (بَعْدَ نِيَّةِ رَفْعِهِ) أَيْ الْحَدَثِ. وَكَذَا لَوْ انْغَمَسَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، ثُمَّ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فِيهِ، فَيَتَسَالَبُ الطَّهُورِيَّةَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْ ذَلِكَ الْمَغْمُوسِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: أَكْبَرُ: مَنْ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ فَلَا يَضُرُّ اغْتِرَافُ مُتَوَضِّئٍ وَلَوْ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ، إنْ لَمْ يَنْوِ غَسْلَهَا فِيهِ لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهِ. (وَلَا يَصِيرُ) الْمَاءُ (مُسْتَعْمَلًا) فِي الطَّهَارَتَيْنِ (إلَّا بِانْفِصَالِهِ) عَنْ الْمَغْسُولِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ، وَمَا دَامَ الْمَاءُ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ فَطَهُورٌ، كَالْكَثِيرِ، لَكِنْ يُكْرَهُ الْغُسْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ (أَوْ) أَيْ وَكَقَلِيلِ طَهُورٍ اُسْتُعْمِلَ فِي (إزَالَةِ خَبَثٍ) طَارِئٍ عَلَى أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَانْفَصَلَ) فَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ فَطَهُورٌ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ مَا دَامَ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ (غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ) فَإِنْ انْفَصَلَ مُتَغَيِّرٌ بِالنَّجَاسَةِ فَنَجِسٌ (مَعَ زَوَالِهِ) أَيْ الْخَبَثِ فَإِنْ انْفَصَلَ وَالْخَبَثُ بَاقٍ فَنَجِسٌ مُطْلَقًا مُتَغَيِّرٌ أَوْ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ (عَنْ مَحَلٍّ، طَهُرَ) أَيْ صَارَ طَاهِرًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحِلُّ طَهُرَ، كَمَا قَبْلَ السَّابِعَةَ حَيْثُ اُعْتُبِرَ السَّبْعُ: فَنَجِسٌ مُطْلَقًا، وَحَيْثُ وُجِدَتْ الْقُيُودُ الْمَذْكُورَةُ فَهُوَ طَاهِرٌ، لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ. وَالْمُتَّصِلُ طَاهِرٌ، فَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ (أَوْ) أَيْ وَكَطَهُورٍ قَلِيلٍ (غَسَلَ بِهِ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ لِخُرُوجِ مَذْيٍ دُونَهُ) أَيْ الْمَذْيِ لِتَنَجُّسِهِ بِهِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى غَسْلِ يَدَيْ الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ (أَوْ) أَيْ وَكَطَهُورٍ قَلِيلٍ (غُمِسَ فِيهِ كُلُّ يَدِ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٌ لِوُضُوءٍ) لَوْ كَانَ (أَوْ حَصَلَ) الْمَاءُ الْقَلِيلُ (فِي كُلِّهَا) أَيْ الْيَدِ، بِأَنْ صَبَّ عَلَى جَمِيعِ يَدِهِ مِنْ الْكُوعِ إلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ (وَلَوْ بَاتَتْ) أَيْ الْيَدُ الْمَذْكُورَةُ (مَكْتُوفَةً أَوْ بِجِرَابٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ (وَنَحْوَهُ) كَكِيسِ صَفِيقٍ (قَبْلَ غَسْلِهَا) أَيْ الْيَدِ (ثَلَاثًا) فَلَا يَكْفِي غَسْلُهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ (نَوَاهُ) أَيْ الْغَسْلَ (بِذَلِكَ) الْغَمْسِ أَوْ الْحُصُولُ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا. فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَكَذَا الْبُخَارِيُّ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا فَلَوْلَا أَنَّهُ يُفِيدُ مَعْنًى لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِغَمْسِ بَعْضِ الْيَدِ وَلَا يَدِ كَافِرٍ، وَلَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَلَا غَيْرِ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، كَنَوْمِ النَّهَارِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ الْمُكَلَّفِينَ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ، وَالْمَبِيتُ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ وَالْخَبَرُ إنَّمَا وَرَدَ فِي كُلِّ الْيَدِ، وَهُوَ تَعَبُّدِيٌّ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ بَعْضُهَا. وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمَشْدُودَةِ بِنَحْوِ جِرَابٍ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ. وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ عَلَى الْمَظِنَّةِ لَمْ تُعْتَبَرْ حَقِيقَةُ الْحِكْمَةِ، كَالْعِدَّةِ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ (وَيُسْتَعْمَلُ ذَا) الْمَاءُ الَّذِي غَمَسَ فِيهِ كُلَّ الْيَدِ أَوْ حَصَلَ فِي كُلِّهَا: فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَكَذَا مَا غَسَلَ بِهِ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ لِخُرُوجِ مَذْيٍ دُونَهُ (إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ) لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَالْقَائِلُونَ بِطَهُورِيَّتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْقَائِلِينَ بِسَلْبِهَا (مَعَ تَيَمُّمٍ) أَيْ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وُجُوبًا حَيْثُ شَرَعَ، لِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يَرْتَفِعْ لِكَوْنِ الْمَاءِ غَيْرَ طَهُورٍ فَإِنْ تَرَكَ اسْتِعْمَالَهُ أَوْ التَّيَمُّمَ بِلَا عُذْرٍ، أَعَادَ مَا صَلَّى بِهِ، لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا يَأْتِي، وَلَا أَثَرَ لِغَمْسِهَا فِي مَائِعٍ طَاهِرٍ، لَكِنْ يُكْرَهُ غَمْسُهَا فِي مَائِعٍ وَأَكْلُ شَيْءٍ رَطْبٍ بِهَا، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَطَهُورٍ مُنِعَ مِنْهُ لِخَلْوَةِ الْمَرْأَةِ) الْمُكَلَّفَةِ بِهِ لِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ عَنْ حَدَثٍ (أَوْلَى) بِالِاسْتِعْمَالِ، مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ مِنْ هَذَا الْمَاءِ، لِبَقَاءِ طَهُورِيَّتِهِ، وَيَتَيَمَّمُ فِي مَحَلِّهِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدَ هَذَيْنِ الْمَاءَيْنِ وَعَدِمَ غَيْرَهُمَا فَالطَّهُورُ الْمَذْكُورُ أَوْلَى مَعَ التَّيَمُّمِ (أَوْ) أَيْ وَكَطَهُورٍ قَلِيلٍ (خُلِطَ بِمُسْتَعْمَلٍ) فِي رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةِ خَبَثٍ، وَانْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ مَعَ زَوَالِهِ عَنْ مَحَلِّ طُهْرٍ، أَوْ غَسَلَ بِهِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ لِخُرُوجِ مَذْيٍ دُونَهُ، أَوْ غَسَلَ كُلَّ يَدِ الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٌ لِوُضُوءٍ، أَوْ غَمَسَ فِيهِ، أَوْ غُسِّلَ بِهِ مَيِّتٌ وَكَانَ الْمُسْتَعْمَلُ بِحَيْثُ (لَوْ خَالَفَهُ) أَيْ الطَّهُورُ (صِفَةً) أَيْ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، بِأَنْ يُفْرَضَ الْمُسْتَعْمَلُ مَثَلًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَسْوَدَ (غَيْرَهُ) أَيْ الطَّهُورِ الْقَلِيلِ، فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ (وَلَوْ بَلَغَا) أَيْ الطَّهُورُ وَالْمُسْتَعْمَلُ إذَنْ (قُلَّتَيْنِ) كَالطَّاهِرِ غَيْرِ الْمَاءِ، وَكَخَلْطِ مُسْتَعْمَلٍ بِمُسْتَعْمَلٍ يَبْلُغَانِ قُلَّتَيْنِ، فَلَا يَصِيرُ طَهُورًا، وَنَصُّهُ: فِيمَنْ انْتَضَحَ مِنْ وُضُوئِهِ فِي إنَائِهِ لَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ الطَّهُورُ قُلَّتَيْنِ وَخُلِطَ مُسْتَعْمَلٌ لَمْ يُؤَثِّرْ مُطْلَقًا. النَّوْعُ (الثَّالِثُ) مِنْ الْمَاءِ (نَجِسٌ) بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ وَسُكُونِهَا، وَهُوَ ضِدُّ الطَّاهِرِ. وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، كَلُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا وَلَا طَاهِرَ، أَوْ عَطَشٍ مَعَ صَوْمٍ، أَوْ طَفْيِ حَرِيقٍ مُتْلِفٍ وَيَجُوزُ بَلُّ التُّرَابِ بِهِ وَجَعْلُهُ طِينًا يُطَيَّنُ بِهِ مَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، لَا نَحْوَ مَسْجِدٍ (وَهُوَ) قِسْمَانِ: الْأُوَلُ: (مَا تَغَيَّرَ) بِمُخَالَطَةِ (نَجَاسَةٍ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَةِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ و(لَا) يَنْجُسُ مَا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ (بِمَحَلِّ تَطْهِيرٍ) مَا دَامَ مُتَّصِلًا لِبَقَاءِ عَمَلِهِ عَلَيْهِ. الثَّانِي: ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَكَذَا قَلِيلٌ لَاقَاهَا) أَيْ النَّجَاسَةَ بِلَا تَغَيُّرٍ (وَلَوْ) كَانَ الْقَلِيلُ (جَارِيًا، أَوْ) كَانَتْ النَّجَاسَةُ الَّتِي لَاقَتْهُ (لَمْ يُدْرِكْهَا طَرْفٌ) أَيْ بَصَرُ النَّاظِرِ إلَيْهَا لِقِلَّتِهَا (أَوْ) لَمْ (يَمْضِ زَمَنٌ تَسْرِي فِيهِ) النَّجَاسَةُ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ؟ فَقَالَ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ}. وَفِي رِوَايَةٍ {لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ} رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَفْظُهُ لِأَحْمَدَ، وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْهُ فَقَالَ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَيَكْفِي شَاهِدًا عَلَى صِحَّتِهِ: أَنَّ نُجُومَ أَهْلِ الْحَدِيثِ صَحَّحُوهُ. وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَمَرَ بِإِرَاقَةِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ} وَلَمْ يُعْتَبَرْ التَّغَيُّرُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قِيلَ " يَا رَسُولَ اللَّهِ، {أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ؟ قَالَ: إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَبُو دَاوُد فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَاءَهَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا {الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ مُطْلَقٌ وَحَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَبَاءُ بِضَاعَةٍ: تُضَمُّ وَتُكْسَرُ (كَمَائِعٍ) مِنْ نَحْوِ زَيْتٍ وَخَلٍّ وَلَبَنٍ (وَ) مَاءٌ (طَاهِرٌ) غَيْرُ مُطَهِّرٌ، كَمُسْتَعْمَلٍ، فَيُنَجَّسَانِ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ (وَلَوْ كَثُرَا) لِحَدِيثِ {الْفَارَةُ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ، فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ} وَلِأَنَّهُمَا لَا يَدْفَعَانِ النَّجَاسَةَ عَنْ غَيْرِهِمَا، فَكَذَا عَنْ نَفْسِهِمَا. وَمَا ذُكِرَ مِنْ نَجَاسَةِ الطَّاهِرِ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ وَلَوْ كَثُرَ جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَصَحَّحَ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يُنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، كَالطَّهُورِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ (وَ) الطَّهُورُ (الْوَارِدُ بِمَحَلِّ تَطْهِيرٍ) مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بُقْعَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا: نَجِسَةٍ (طَهُورٌ) وَلَوْ تَغَيَّرَ لِبَقَاءِ عَمَلِهِ (كَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ) أَيْ الْوَارِدُ بِمَحَلِّ التَّطْهِيرِ (إنْ كَثُرَ) بِأَنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ التَّطْهِيرِ إنْ وَرَدَ عَلَى الْقَلِيلِ نَجَّسَهُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ وَأَنَّ الرَّاكِدَ وَالْجَارِيَ سَوَاءٌ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَعَنْهُ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (كُلُّ جَرْيَةٍ مِنْ) مَاءٍ (جَارٍ) تُعْتَبَرُ مُفْرَدَةً (ك) مَاءٍ (مُنْفَرِدٍ) إنْ كَانَتْ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، فَنَجِسَةٌ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ كُلَّ جَرْيَةٍ كَالْمَاءِ الْمُنْفَرِدِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ الْأَصْحَابُ: فَيُفْضِي إلَى تَنْجِيسِ نَهْرٍ كَبِيرٍ بِنَجَاسَةٍ قَلِيلَةٍ لَا كَثِيرَةٍ، لِقِلَّةِ مَا تُحَاذِي الْقَلِيلَةَ؛ إذْ لَوْ فَرَضْنَا كَلْبًا فِي جَانِبِ نَهْرٍ وَشَعْرَةً مِنْهُ فِي جَانِبِهِ الْآخَرِ لَكَانَ مَا يُحَاذِيهَا لَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ، لِقِلَّتِهِ وَالْمُحَاذِي لِلْكَلْبِ يَبْلُغُ قِلَالًا كَثِيرَةً. (فَ) عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة (مَتَى امْتَدَّتْ نَجَاسَةٌ ب) مَاءٍ (جَارٍ) وَكَانَتْ كُلُّ جَرْيَةٍ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ (فَكُلُّ جَرْيَةٌ نَجَاسَةٌ مُفْرَدَةٌ) وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِقُوَّتِهَا وَتَشْهِيرِهَا، وَذَكَرَ مَا بَنَى عَلَيْهَا لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْمَذْهَبِ، كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْجَارِيَ كَالرَّاكِدِ، وَيُعْتَبَرُ مَجْمُوعُهُ، فَإِنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ إلَّا بِالتَّغْيِيرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَرْيَةُ دُونَهُمَا (وَالْجَرْيَةُ مَا أَحَاطَ بِالنَّجَاسَةِ) مِنْ الْمَاءِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَعُلُوًّا وَسُفْلًا إلَى قَرَارِ النَّهْرِ. قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَمَا انْتَشَرَتْ إلَيْهِ عَادَةٌ أَمَامَهَا وَوَرَاءَهَا (سِوَى مَا وَرَاءَهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَاءِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا. (وَ) سِوَى مَا (أَمَامَهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) الطَّهُورُ (الْكَثِيرِ لَمْ يَنْجُسْ) بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ لِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ (إلَّا بِبَوْلِ آدَمِيٍّ) وَلَوْ صَغِيرًا (أَوْ عَذِرَةٍ) مِنْهُ (رَطْبَةٍ) مَائِعَةٍ أَوْ لَا (أَوْ يَابِسَةٍ ذَابَتْ) فِيهِ فَيَنْجُسُ بِهِمَا، دُونَ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ (عِنْدَ أَكْثَر الْمُتَقَدِّمِينَ) مِنْ الْأَصْحَابِ (وَالْمُتَوَسِّطِينَ). قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَالْقَاضِي وَالشَّرِيفِ وَابْنِ الْبَنَّاءِ وَابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَخَاصٌّ بِالْبَوْلِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ الْغَائِطُ، لِأَنَّهُ أَسْوَأُ مِنْهُ، وَقَيَّدَ بِهِ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ (إلَّا أَنْ تَعْظُمَ مَشَقَّةُ نَزْحِهِ) أَيْ مَا حَصَلَ فِيهِ الْبَوْلُ أَوْ الْعَذِرَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ (كَمَصَانِعِ مَكَّةَ) وَطُرُقِهَا الَّتِي جُعِلَتْ مَوْرِدًا لِلْحُجَّاجِ يَصْدُرُونَ عَنْهَا وَلَا تَنْفُذُ، فَلَا تَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَكَثِيرِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَمُقَابِلُ قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَوَسِّطِينَ: أَنَّ حُكْمَ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ حُكْمُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، فَلَا يَنْجُسُ الْكَثِيرُ بِهِمَا إلَّا بِالتَّغَيُّرِ. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: اخْتَارَهُ أَكْثَر الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ أَظْهَرُ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّ نَجَاسَةَ بَوْلِ الْآدَمِيِّ لَا تَزِيدُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْكَلْبِ، وَهُوَ لَا يُنَجِّسُ الْقُلَّتَيْنِ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهِ، بِدَلِيلِ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ إجْمَاعًا وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالرَّأْيِ وَالتَّحَكُّمِ وَلَوْ تَعَارَضَا يُرَجَّحُ حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ، لِمُوَافَقَتِهِ الْقِيَاسَ (فَ) عَلَى الْأَوَّلِ (مَا تَنَجَّسَ) مِنْ الْمَاءِ (بِمَا ذُكِرَ) مِنْ بَوْلِ الْآدَمِيِّ وَعَذِرَتِهِ (وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) بِهِمَا (فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ) إضَافَةً (بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ) عُرْفًا بِالصَّبِّ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ، أَوْ إجْرَاءِ سَاقِيَةٍ إلَيْهِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ هَذَا الْمُضَافَ يَدْفَعُ تِلْكَ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ لَوْ وَرَدَتْ عَلَيْهِ، فَأَوْلَى إذَا كَانَ وَارِدًا عَلَيْهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِطَهُورِيَّتِهِ: طَهُورِيَّةُ مَا اخْتَلَطَ بِهِ. (وَإِنْ تَغَيَّرَ) مَا تَنَجَّسَ بِبَوْلِ الْآدَمِيِّ أَوْ عُذْرَتِهِ (فَإِنْ شَقَّ نَزْحُهُ فَ) تَطْهِيرُهُ (بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ) زَوَالِ تَغَيُّرِهِ (بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ) إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) زَوَالِ تَغَيُّرِهِ (بِنَزْحٍ) مِنْهُ، وَلَوْ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ (يَبْقَى بَعْدَهُ) أَيْ النَّزْحِ (مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ) لِأَنَّهُ لَا عِلَّةَ لِتَنْجِيسِ مَا بَلَغَ هَذَا الْحَدَّ، إلَّا بِالتَّغَيُّرِ فَإِذَا زَالَ عَادَ إلَى أَصْلِهِ، كَالْخَمْرَةِ تَنْقَلِبُ بِنَفْسِهَا خَلًّا. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّزْحِ كَثْرَةٌ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالطَّهُورِيَّةِ مِنْ حَيْثُ زَوَالُ التَّغَيُّرِ، وَأَنَّهُ لَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ بِإِضَافَةِ غَيْرِ الْمَاءِ إلَيْهِ لَمْ يَطْهُرْ بِهِ بَلْ بِالْإِضَافَةِ، وَأَنَّ الْمُضَافَ إذَا لَمْ يَشُقَّ نَزْحُهُ لَمْ يَطْهُرْ الْمَاءُ، وَإِنْ صَارَ الْمَجْمُوعُ يَشُقُّ نَزْحُهُ (وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ) نَزْحُ الْمُتَغَيِّرِ بِهَذِهِ النَّجَاسَةِ (فَ) تَطْهِيرُهُ (بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ) إلَيْهِ فَقَطْ، لِمَا تَقَدَّمَ (مَعَ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَطْهِيرُهُ، مَعَ بَقَاءِ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ (وَمَا تَنَجَّسَ بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ (وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) بِأَنْ كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ (فَ) تَطْهِيرُهُ (بِإِضَافَةِ كَثِيرٍ) بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ عُرْفًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُضَافَ يَدْفَعُ هَذِهِ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَدْفَعُهَا عَمَّا اتَّصَلَ بِهِ (وَإِنْ تَغَيَّرَ) الْمُتَنَجِّسُ بِغَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ (فَإِنْ كَثُرَ ف) تَطْهِيرُهُ (بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِضَافَةِ) طَهُورٍ (كَثِيرٍ أَوْ بِنَزْحٍ) مِنْهُ بِحَيْثُ (يَبْقَى بَعْدَهُ كَثِيرٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَالْمَنْزُوحُ) مِمَّا تَغَيَّرَ بِالْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِ (طَهُورٌ بِشَرْطِهِ). قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ: وَالْمُرَادُ آخِرُ مَا نُزِحَ مِنْ الْمَاءِ، وَزَالَ مَعَهُ التَّغَيُّرُ، وَلَمْ يُضَفْ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَنْزُوحِ الَّذِي لَمْ يَزُلْ التَّغَيُّرُ بِنَزْحِهِ. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ طَاهِرٌ قَالَ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. فَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ جَزْمًا، وَأَطَالَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ، وَاعْتَبَرَ فِي شَرْحِهِ أَيْضًا أَنْ يَبْلُغَ حَدًّا يَدْفَعُ بِهِ تِلْكَ النَّجَاسَةَ الَّتِي نَزَحَ مِنْ أَجْلِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ سَقَطَتْ فِيهِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَكَ. وَاعْتَبَرَ فِي الْإِنْصَافِ أَنْ لَا تَكُونَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَهُوَ وَاضِحٌ حَيْثُ كَانَ الْكَلَامُ فِي الْقَلِيلِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ النَّجِسُ الْمُتَغَيِّرُ بِغَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ كَثِيرًا، بِأَنْ كَانَ قَلِيلًا (أَوْ كَانَ كَثِيرًا مُجْتَمِعًا مِنْ مُتَنَجِّسٍ يَسِيرٍ فَ) تَطْهِيرُهُ (بِإِضَافَةِ) طَهُورٍ (كَثِير) إلَيْهِ (مَعَ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ) وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِإِضَافَةِ الْيَسِيرِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ " تَنْبِيهٌ " ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ حُكْمِيَّةٌ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ، فَنَفْسُهُ أَوْلَى وَأَنَّهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، وَنُقِلَ فِي الْفُرُوعِ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ قُلْتُ: وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ نَجَاسَةُ الْخَمْرِ حُكْمِيَّةٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. (وَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَوَانِبِ بِئْرٍ نُزِحَتْ) ضَيِّقَةً كَانَتْ أَوْ وَاسِعَةً، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ (وَالْكَثِيرُ) مِنْ الْمَاءِ حَيْثُ أُطْلِقَ (قُلَّتَانِ فَصَاعِدًا) أَيْ فَأَكْثَر بِقِلَالِ هَجَرَ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَاءِ - قَالَ فِي الْقَامُوسِ: قَرْيَةٌ كَانَتْ قُرْبَ الْمَدِينَةِ، إلَيْهَا تُنْسَبُ الْقِلَالُ، وَالْقُلَّةُ الْجَرَّةُ الْعَظِيمَةُ، لِأَنَّهَا تُقَلُّ بِالْأَيْدِي، أَيْ تُرْفَعُ بِهَا. (وَالْيَسِيرُ وَالْقَلِيلُ مَا دُونَهُمَا) لِحَدِيثِ {إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ} وَخُصَّتَا بِقِلَالِ هَجَرَ، لِمَا رَوَى الْخَطَّابِيِّ بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا {إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ} وَلِأَنَّهَا أَكْبَرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِلَالِ، وَأَشْهَرُهَا فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخَطَّابِيِّ: هِيَ مَشْهُورَةُ الصِّفَةِ، مَعْلُومَةُ الْمِقْدَارِ، لَا تَخْتَلِفُ كَمَا لَا تَخْتَلِفُ الصِّيعَانُ وَالْمَكَايِيلُ. فَلِذَلِكَ حَمَلْنَا الْحَدِيثَ عَلَيْهَا، وَعَمِلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ (وَهُمَا خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا (عِرَاقِيٌّ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَرَأَيْت الْقُلَّةَ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا. وَالْقِرْبَةُ مِائَةُ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ، بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِتَحْدِيدِ الْمَاءِ بِالْقِرَبِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ نِصْفًا، لِمَا يَأْتِي. (وَ) هُمَا (أَرْبَعُمِائَةُ رِطْلٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ) رِطْلًا (وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ مِصْرِيٍّ وَمَا وَافَقَهُ) كَالْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ. (وَ) هُمَا (مِائَةُ) رِطْلٍ (وَسَبْعَةُ) أَرْطَالٍ (وَسُبْعُ رِطْلٍ دِمَشْقِيٍّ وَمَا وَافَقَهُ) فِي قَدْرِهِ، كَالصَّفَدِيِّ. (وَ) هُمَا (تِسْعَةٌ وَثَمَانُونَ) رِطْلًا (وَسُبْعَا رِطْلٍ حَلَبِيٍّ. وَمَا وَافَقَهُ) كَالْبَيْرُوتِيِّ (وَ) هُمَا (ثَمَانُونَ) رِطْلًا (وَسُبْعَانِ وَنِصْفُ سُبْعِ رِطْلٍ قُدْسِيٍّ وَمَا وَافَقَهُ) كَالنَّابُلُسِيِّ وَالْحِمْصِيِّ (وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ رِطْلًا وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ بَعْلِيٍّ، وَمَا وَافَقَهُ. تَقْرِيبًا) لَا تَحْدِيدًا (فَلَا يَضُرُّ نَقْصٌ يَسِيرٌ) كَرِطْلٍ عِرَاقِيٍّ أَوْ رِطْلَيْنِ، لِأَنَّ الَّذِينَ نَقَلُوا تَقْدِيرَ الْقِلَالِ لَمْ يَضْبُطُوهَا بِحَدٍّ، إنَّمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا، وَجَعَلُوا الشَّيْءَ نِصْفًا احْتِيَاطًا، لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ مُنَكَّرًا، وَهَذَا لَا تَحْدِيدَ فِيهِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عَقِيلٍ: أَظُنُّهَا تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ (وَمِسَاحَتُهُمَا أَيْ الْقُلَّتَيْنِ. أَيْ مِسَاحَةُ مَا يَسَعُهُمَا مُرَبَّعًا: ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ طُولًا وَ) ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ (عَرْضًا. وَ) ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ (عُمْقًا) قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ (بِذِرَاعِ الْيَدِ). قَالَ الْقَمُولِيُّ الشَّافِعِيُّ (وَ) مِسَاحَةُ مَا يَسَعُهُمَا (مُدَوَّرًا ذِرَاعٌ طُولًا) مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْ حَافَّتِهِ إلَى مَا يُقَابِلُهَا (وَذِرَاعَانِ) قَالَ (الْمُنَقِّحُ: وَالصَّوَابُ وَنِصْفُ ذِرَاعٍ عُمْقًا) قَالَ الْمُنَقِّحُ (حَرَّرَتْ ذَلِكَ فَيَسَعُ كُلُّ قِيرَاطٍ) مِنْ قَرَارِيطِ الذِّرَاعِ مِنْ الْمُرَبَّعِ (عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَيْ رِطْلٍ عِرَاقِيٍّ). اهـ. وَذَلِكَ أَنْ تَضْرِبَ الْبَسْطَ فِي الْبَسْطِ، وَالْمَخْرَجَ فِي الْمَخْرَجَ، وَتَقْسِمَ الْحَاصِلَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي يُخْرِجُ الذِّرَاعَ، فَخُذْ قَرَارِيطَهُ وَاقْسِمْ الْخَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ عَلَيْهَا يَخْرُجُ مَا ذُكِرَ، فَبَسْطُ الذِّرَاعِ وَالرُّبْعُ خَمْسَةٌ، وَمَخْرَجُهُ أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ثَلَاثًا: طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا، فَإِذَا ضَرَبْت خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ وَالْحَاصِلَ فِي خَمْسَةٍ حَصَلَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ. وَإِذَا ضَرَبْت أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ وَالْحَاصِلَ فِي أَرْبَعَةٍ حَصَلَ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ فَاقْسِمْ عَلَيْهَا الْأَوَّلَ يَخْرُجْ ذِرَاعٌ وَسَبْعَةُ أَثْمَانِ ذِرَاعٍ وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ ثُمُنِ ذِرَاعٍ، فَإِذَا جَعَلْتهَا قَرَارِيطَ وَجَدْتهَا سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا وَسَبْعَةَ أَثْمَانِ قِيرَاطٍ، فَاقْسِمْ عَلَيْهَا الْخَمْسَمِائَةِ يَخْرُجْ مَا ذُكِرَ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ سُقُوطُ اعْتِرَاضِ الْحَجَّاوِيِّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قِيرَاطُ الْمُرَبَّعِ نَفْسِهِ فَيَسَعُ عِشْرِينَ رِطْلًا وَخَمْسَةَ أَسْدَاسِ رِطْلٍ عِرَاقِيٍّ. (وَ) الرِّطْلُ (الْعِرَاقِيُّ) وَزْنُهُ بِالدَّرَاهِمِ (مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ) دِرْهَمًا (وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَ) بِالْمَثَاقِيلِ (تِسْعُونَ مِثْقَالًا) بِالِاسْتِقْرَاءِ، فَهُوَ سُبْعُ الْبَعْلِيِّ و(سُبْعِ) الرِّطْلِ (الْقُدْسِيِّ وَثُمُنُ سُبْعِهِ وَسُبْعُ) الرِّطْلِ (الْحَلَبِيِّ وَرُبُعُ سُبْعِهِ وَسُبْعُ) الرِّطْلِ (الدِّمَشْقِيِّ وَنِصْفُ سُبْعِهِ وَنِصْفُ الْمِصْرِيِّ وَرُبْعُهُ وَسُبْعُهُ) وَالرِّطْلُ الْبَعْلِيُّ: تِسْعُمِائَةُ دِرْهَمٍ. وَالْقُدْسِيُّ: ثَمَانِمِائَةُ دِرْهَمٍ، وَالْحَلَبِيُّ: سَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَالدِّمَشْقِيُّ سِتّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَالْمِصْرِيُّ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَكُلُّ رِطْلٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ، وَأُوقِيَّةُ الْعِرَاقِيِّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَأُوقِيَّةُ الْمِصْرِيِّ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، وَأُوقِيَّةُ الدِّمَشْقِيِّ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَأُوقِيَّةُ الْحَلَبِيِّ سِتُّونَ دِرْهَمًا، وَأُوقِيَّةُ الْقُدْسِيِّ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا وَثُلُثَا دِرْهَمٍ، وَأُوقِيَّةُ الْبَعْلِيِّ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا (وَلَهُ) أَيْ مُرِيدِ الطَّهَارَةِ (اسْتِعْمَالُ مَا لَا يَنْجُسُ) مِنْ الْمَاءِ (إلَّا بِالتَّغَيُّرِ) وَهُوَ مَا بَلَغَ حَدًّا يَدْفَعُ بِهِ تِلْكَ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ (وَلَوْ مَعَ قِيَامِ [ النَّجَاسَةِ ] فِيهِ) وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا. (وَ) لَوْ كَانَ (بَيْنَهُ) أَيْ الْمُسْتَعْمَلِ (وَبَيْنَهَا قَلِيلٌ) لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْمَجْمُوعِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنْهَا وَمَا بَعُدَ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْضُهُ فَالْبَاقِي طَهُورٌ إنْ كَثُرَ (وَمَا اُنْتُضِحَ مِنْ) مَاءٍ (قَلِيلٍ لِسُقُوطِهَا) أَيْ النَّجَاسَةَ (فِيهِ: نَجُسَ) لِأَنَّهُ لَاقَى النَّجَاسَةَ، وَهُوَ قَلِيلٌ، بِخِلَافِ مَا اُنْتُضِحَ مِنْ كَثِيرٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ، لِأَنَّهُ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ، فَيُعْطَى حُكْمَهُ (وَيُعْمَلُ) عِنْدَ الشَّكِّ (بِيَقِينٍ فِي كَثْرَة مَاءٍ وَطَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ) لِحَدِيثِ {دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ}. (وَلَوْ مَعَ سُقُوطِ عَظْمٍ وَرَوْثٍ شُكَّ فِي نَجَاسَتِهِمَا) فَيُطْرَحُ الشَّكُّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَاءِ عَلَى حَالِهِ (أَوْ) مَعَ سُقُوطِ (طَاهِرٍ وَنَجِسٍ وَتَغَيَّرَ) أَيْ الْمَاءُ الْكَثِير بِ (أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُعْلَمْ) أَهُوَ الطَّاهِرُ أَوْ النَّجِسُ؟ عُمِلَ بِالْأَصْلِ وَهُوَ بَقَاءُ الْمَاءِ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَغَيُّرُهُ لَوْ فُرِضَ بِالطَّاهِرِ لَسَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ: مَا لَوْ شُكَّ فِي وُلُوغِ كَلْبٍ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَبِفِيهِ رُطُوبَةٌ، فَلَا يَنْجُسُ لَكِنْ يُكْرَهُ مَا ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ احْتِيَاطًا. (وَإِنْ أَخْبَرَهُ) أَيْ مُرِيدَ الطَّهَارَةِ (عَدْلٌ) ظَاهِرًا، رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ، حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ، لَا كَافِرٌ وَفَاسِقٌ، وَغَيْرُ بَالِغٍ (وَعَيَّنَ السَّبَبَ) أَيْ سَبَبَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ (قُبِلَ) لُزُومًا، لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ، كَالْقِبْلَةِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ، وَشَمِل كَلَامُهُ: مَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ كَلْبًا وَلَغَ فِي هَذَا الْإِنَاءِ دُونَ هَذَا الْآخِرِ، وَعَاكَسَهُ آخَرُ، فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْإِثْبَاتِ، دُونَ النَّفْيِ. لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِمَا، مَا لَمْ يُعَيِّنَا كَلْبًا وَاحِدًا، وَقْتًا لَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ فِيهِ مِنْهُمَا، فَيَتَسَاقَطَا فَإِنْ أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا وَنَفَى الْآخَرَ قُدِّمَ قَوْلُ الْمُثْبِتِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَتَحَقَّقْهُ، مِثْلُ الضَّرِيرِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ حِسِّهِ، فَيُقَدَّمُ قَوْلُ الْبَصِيرِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ السَّبَبَ لَمْ يَلْزَمْ قَبُولُ خَبَرِهِ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فَقِيهًا مُوَافِقًا، لِاحْتِمَالِ نَحْوِ وَسْوَسَةٍ وَإِنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ أَعَادَ وَنَصُّهُ: حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَتَهُ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَوْ بَعْدَهَا؟ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. (وَإِنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ مُبَاحٌ بِمُحَرَّمٍ) لَمْ يَتَحَرَّ (أَوْ) اشْتَبَهَ طَهُورٌ مُبَاحٌ ب (نَجِسٍ لَمْ يَكُنْ تَطْهِيرُهُ بِهِ) بِأَنْ كَانَ الطَّهُورُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إنَاءٌ يَسَعُهُمَا (وَلَا طَهُورٌ مُبَاحٌ) مِنْ الْمَاءِ عِنْدَهُ (بِيَقِينٍ لَمْ يَتَحَرَّ) أَيْ لَمْ يَجْتَهِدْ، حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَيُّهُمَا الطَّهُورُ الْمُبَاحُ؟ فَيَسْتَعْمِلُهُ (وَلَوْ زَادَ عَدَدُ الطَّهُورِ الْمُبَاحِ) لِأَنَّهُ اشْتِبَاهُ مُبَاحٍ بِمَحْظُورٍ فِيمَا لَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، فَلَمْ يُجْزِئُ التَّحَرِّي، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ أَوْ مُذَكَّاةٌ بِمَيِّتَةٍ. فَإِنْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ بِهِ كَأَنْ كَانَ الطَّهُورُ قُلَّتَيْنِ، وَعِنْدَهُ إنَاءٌ يَسَعُهُمَا لَزِمَهُ خَلْطُهُمَا وَاسْتِعْمَالُهُ. (وَيَتَيَمَّمُ) وَلَوْ (بِلَا إعْدَامٍ) بِإِرَاقَةٍ أَوْ خَلْطٍ، خِلَافًا لِلْخِرَقِيِّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الطَّهُورِ، كَمَنْ عِنْدَهُ بِئْرٌ لَا يُمْكِنُهُ وُصُولٌ لِمَائِهِ (وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ) إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى أَدَاءً (وَلَوْ عَلِمَهُ) أَيْ الطَّهُورَ الْمُبَاحَ (بَعْدَ) فَرَاغِهِ مِنْهَا، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ. وَلَوْ تَوَضَّأَ مِنْ أَحَدِهِمَا حَالَ الِاشْتِبَاهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ طَهُورٌ، لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ. (وَيَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ النَّجَسَ إعْلَامُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ قِيلَ: إنَّ إزَالَتَهَا لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ. وَمَنْ أَصَابَهُ مَاءُ مِيزَابٍ، وَلَا أَمَارَةَ عَلَى نَجَاسَتِهِ: كُرِهَ سُؤَالُهُ عَنْهُ، نَقَلَهُ صَالِحٌ لِقَوْلِ عُمَرَ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ (لَا تُخْبِرْنَا) فَلَا يَلْزَمُ جَوَابُهُ قَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ نَجَاسَتَهُ. (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ (التَّحَرِّي لِحَاجَةِ شُرْبٍ أَوْ أَكْلٍ) كَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ مَيِّتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ وَاحْتَاجَ لِلْأَكْلِ أَوْ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ وَاحْتَاجَ لِلشُّرْبِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ هُنَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَاتُ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ اسْتَعْمَلَ أَحَدَهُمَا لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا اسْتَعْمَلَ أَحَدَهُمَا (غَسْلُ فَمِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. (وَ) إنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ (بِطَاهِرٍ) و(أَمْكَنَ) هـ (جَعْلُهُ) أَيْ الطَّاهِرَ (طَهُورًا بِهِ) أَيْ الطَّهُورَ، كَأَنْ كَانَ الطَّهُورُ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَعِنْدَهُ مَا يَسَعُهُمَا (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ جَعْلُهُ طَهُورًا بِهِ (يَتَوَضَّأُ مَرَّةً) أَيْ وُضُوءًا وَاحِدًا، يَأْخُذُ لِكُلِّ عُضْوٍ (مِنْ ذَا) الْمَاءِ (غَرْفَةً، وَمِنْ ذَا) الْمَاءِ (غَرْفَةً) يَعُمُّ بِكُلِّ غَرْفَةٍ الْعُضْوَ لُزُومًا لِأَنَّ الْوُضُوءَ الْوَاحِدَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَجْزُومٌ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ رَافِعًا، بِخِلَافِ الْوُضُوءَيْنِ فَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا الرَّافِعُ لِلْحَدَثِ. (وَيُصَلِّي صَلَاةً) أَيْ يُصَلِّي الْفَرْضَ مَرَّةً (وَاحِدَةً) قَالَ فِي الشَّرْح: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (وَيَصِحُّ ذَلِكَ) أَيْ الْوُضُوءُ مِنْ ذَا غُرْفَةٌ وَمِنْ ذَا غُرْفَةٌ (وَلَوْ مَعَ طَهُورٍ بِيَقِينٍ) لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الطَّهُورُ جَازِمًا بِالنِّيَّةِ، بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَيْنِ وَكَذَا حُكْمُ الْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يَتَحَرَّى فِي مُطْلَقٍ وَطَاهِرٍ. (وَإِنْ اشْتَبَهَتْ ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ) مُبَاحَةٌ (ب) ثِيَابٍ (نَجِسَةٍ أَوْ) بِثِيَابٍ (مُحَرَّمَةٍ، وَلَا طَاهِرَ مُبَاحَ بِيَقِينٍ) عِنْدَهُ لِيَسْتُرَ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ (فَإِنْ عَلِمَ عَدَدَ) ثِيَابٍ (نَجِسَةٍ أَوْ) ثِيَابٍ (مُحَرَّمَةٍ، صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ) مِنْهَا (صَلَاةً) بِعَدَدِ النَّجِسَةِ أَوْ الْمُحَرَّمَةِ (وَزَادَ) عَلَى الْعَدَدِ (صَلَاةً) يَنْوِي بِكُلِّ صَلَاةٍ الْفَرْضَ احْتِيَاطًا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَجَهِلَهَا لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَشْتَبِهْ، وَلَا أَثَرَ لِعِلْمِهِ عَدَدَ الطَّاهِرَةِ أَوْ الْمُبَاحَةِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَدَدَ نَجِسَةٍ أَوْ مُحَرَّمَةٍ (فَ) إنَّهُ يُصَلِّي فِي كُلِّ ثَوْبٍ مِنْهَا صَلَاةً (حَتَّى يَتَيَقَّنَ صِحَّتَهَا) أَيْ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي طَاهِرٍ مُبَاحٍ، وَلَوْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّ هَذَا يَنْدُرُ جِدًّا فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي، بِأَنَّ الْمَاءَ يَلْصَقُ بِبَدَنِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ: أَنَّ عَلَيْهَا أَمَارَةً تَدُلُّ عَلَيْهَا وَلَا بَدَلَ لَهَا يُرْجَعُ إلَيْهِ، وَلَا تَصِحُّ فِي الثِّيَابِ الْمُشْتَبِهَةِ مَعَ طَاهِرٍ مُبَاحٍ يَقِينًا، وَلَوْ كَثُرَتْ لِأَنَّ هَذَا يَنْدُرُ، وَلَا إمَامَةُ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الثِّيَابُ. (وَكَذَا) أَيْ كَالثِّيَابِ النَّجِسَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ بِطَاهِرَةٍ، وَلَا طَاهِرَ بِيَقِينٍ (أَمْكِنَةٌ ضَيِّقَةٌ) بَعْضُهَا نَجِسٌ وَاشْتَبَهَ فَلَا يَتَحَرَّى، بَلْ إنْ اشْتَبَهَتْ زَاوِيَةٌ مِنْهَا طَاهِرَةٌ بِنَجِسَةٍ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَكَان طَاهِرٍ بِيَقِينٍ صَلَّى مَرَّتَيْنِ فِي زَاوِيَتَيْنِ مِنْهُ، فَإِنْ تَنَجَّسَتْ زَاوِيَتَانِ كَذَلِكَ صَلَّى فِي ثَلَاثٍ، وَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَ عَدَدَ النَّجَاسَةِ صَلَّى، حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَكَان طَاهِرٍ، احْتِيَاطًا وَيُصَلِّي فِي فَضَاءٍ وَاسِعٍ حَيْثُ شَاءَ، بِلَا تَحَرٍّ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَلَمَّا انْتَهَى مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمَاءِ، وَكَانَ لَا يُقَوَّمُ إلَّا بِالْآنِيَةِ أَعْقَبَهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَيُنَاسِبُهَا، فَقَالَ:
لُغَةً وَعُرْفًا: (الْأَوْعِيَةُ) جَمْعُ إنَاءٍ وَوِعَاءٍ كَسِقَاءٍ وَأَسْقِيَةٍ. وَجَمْعُ الْآنِيَةِ: أَوَانٍ، وَالْأَوْعِيَةِ: أَوَاعٍ. وَأَصْلُ أَوَانٍ: أَآنِي بِهَمْزَتَيْنِ، أُبْدِلَتْ ثَانِيَتُهُمَا وَاوًا، كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِهِمَا. كَأَوَادِمَ فِي جَمْعِ آدَمَ (وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا) أَيْ الْآنِيَةِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، بِأَنْ يُجْعَلَا عَلَى هَيْئَةِ الْآنِيَةِ، وَكَذَا تَحْصِيلُهُمَا بِنَحْوِ شِرَاءٍ، لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا حَرُمَ اتِّخَاذُهُ عَلَى هَيْئَةِ الِاسْتِعْمَالِ، كَالْمَلَاهِي. (وَ) يَحْرُمُ (اسْتِعْمَالُهَا) أَيْ الْآنِيَةِ (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا {لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ} وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تَرْفَعُهُ {الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَالْجَرْجَرَةُ: صَوْتُ وُقُوعِ الْمَاءِ بِانْحِدَارِهِ فِي الْجَوْفِ، وَغَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي مَعْنَاهُمَا لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ سَرَفًا وَخُيَلَاءَ، وَكَسْرَ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَتَضْيِيقَ النَّقْدَيْنِ. (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا اتِّخَاذُ الْآنِيَةِ وَاسْتِعْمَالُهَا مِنْ (عَظْمِ آدَمِيٍّ وَجِلْدِهِ) لِحُرْمَتِهِ، وَفِي مَعْنَى الْآنِيَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ: الْآلَةُ، كَالْقَلَمِ (حَتَّى الْمِيلُ وَنَحْوُهُ) كَالْمِجْمَرَةِ وَالْمِدْخَنَةِ، وَالدَّوَاةِ وَالْمُشْطِ، وَالسِّكِّينِ وَالْكُرْسِيِّ، وَالسَّرِيرِ، وَالْخُفَّيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ، وَلَا يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِالذَّكَرِ، فَلِذَا قَالَ. (وَ) حَتَّى (عَلَى أُنْثَى) لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَعَدَمِ الْمُخَصِّصِ، وَأَمَّا التَّحَلِّي فَأُبِيحَ لَهُنَّ لِحَاجَتِهِنَّ إلَيْهِ لِلزَّوْجِ. وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ (وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ مِنْ إنَاءٍ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ تَحْرِيمُهُ (وَ) مِنْ إنَاءٍ (مَغْصُوبٍ) وَنَحْوُهُ (أَوْ) إنَاءٍ (ثَمَنُهُ مُحَرَّمٌ) لِكَوْنِهِ نَحْوَ مَغْصُوبٍ، أَوْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي غَصْبٍ أَوْ مُحَرَّمٍ، وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِي الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ، وَأَفْعَالُ نَحْوِ الْوُضُوءِ مِنْ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْمَاءِ لَا لِلْإِنَاءِ. وَأَيْضًا فَالنَّهْيُ عَنْ نَحْوِ الْوُضُوءِ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُحَرَّمِ يَعُودُ لِخَارِجٍ، إذْ الْإِنَاءُ لَيْسَ رُكْنًا وَلَا شَرْطًا فِيهِ، بِخِلَافِ الْبُقْعَةِ وَالثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ. (وَ) تَصِحُّ الطَّهَارَةُ أَيْضًا (فِيهِ) أَيْ فِي إنَاءٍ مُحَرَّمٍ، كَمَا لَوْ غَصَبَ حَوْضًا يَسَعُ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَمَلَأَهُ مَاءً مُبَاحًا وَانْغَمَسَ فِيهِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ، فَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْإِنَاءَ لَيْسَ شَرْطًا. كَمَا لَوْ صَلَّى وَفِي يَدِهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ (وَ) تَصِحُّ طَهَارَةٌ أَيْضًا (إلَيْهِ) أَيْ إلَى إنَاءٍ مِنْ ذَلِكَ. بِأَنْ جَعَلَهُ مَصَبًّا لِمَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، كَالطَّشْتِ. لِأَنَّ الْمَاءَ يَقَعُ فِيهِ بَعْدَ أَنْ رُفِعَ الْحَدَثُ وَكَذَا الطَّهَارَةُ بِهِ بِأَنْ اغْتَرَفَ بِهِ وَتَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ. (وَ) إنَاءٌ (مُمَوَّهٌ) بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ، وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ مَوَّهَ، وَهُوَ إنَاءٌ مِنْ نَحْوِ نُحَاسٍ يُلْقَى فِيمَا أَذِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَيَكْتَسِبُ لَوْنَهُ، كَمُصْمَتٍ. (وَ) إنَاءٌ (مَطْلِيٌّ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، بِأَنْ يُجْعَلَا كَالْوَرِقِ وَيُطْلَى بِهِ الْإِنَاءُ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ، كَمُصْمَتٍ. (وَ) إنَاءٌ (مُطَعَّمٌ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، بِأَنْ يَحْفِرَ فِي الْإِنَاءِ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ حَفْرًا، وَيُوضَعُ فِيهِ قِطَعُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِقَدْرِهَا، كَمُصْمَتٍ. (وَ) إنَاءٌ (مُكَفَّتٌ) بِأَنْ يُبَرَّدَ الْإِنَاءُ حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شَبَهُ الْمَجَارِي فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ، وَيُوضَعُ فِيهَا شَرِيطٌ دَقِيقٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَيُدَقُّ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْصَقُ (كَمُصْمَتٍ) أَيْ كَمُنْفَرِدٍ مِمَّا مُوِّهَ أَوْ طُلِيَ أَوْ طُعِّمَ أَوْ كُفِّتَ بِهِ فِي التَّحْرِيمِ. لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {مَنْ شَرِبَ مِنْ إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ مِنْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِوُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا حُرِّمَ الْمُصْمَتُ، وَهِيَ الْخُيَلَاءُ وَكَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَتَضْيِيقُ النَّقْدَيْنِ (وَكَذَا) إنَاءٌ (مُضَبَّبٌ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَيُحَرَّمُ كَالْمُصْمَتِ. (لَا) إنْ ضُبِّبَ (ب) ضَبَّةٍ (يَسِيرَةٍ عُرْفًا مِنْ فِضَّةٍ لِحَاجَةٍ) كَأَنْ انْكَسَرَ إنَاءُ خَشَبٍ أَوْ نَحْوُهُ فَضُبِّبَ كَذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ {أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ، فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا مُخَصَّصٌ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ. فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ كَبِيرَةً مِنْ فِضَّةٍ حَرُمَتْ مُطْلَقًا، وَكَذَا إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لِغَيْرِ حَاجَةٍ (وَهِيَ) أَيْ الْحَاجَةُ (أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا) أَيْ الضَّبَّةِ الْمَذْكُورَةِ (غَرَضٌ غَيْرُ زِينَةٍ) بِأَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَى فِعْلِهِ، لَا أَنْ لَا تَنْدَفِعَ بِغَيْرِهِ فَتُبَاحَ (وَلَوْ وَجَدَ غَيْرَهَا) أَيْ الْفِضَّةِ، كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُرَادُهُمْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى تِلْكَ الصُّورَةِ، لَا إلَى كَوْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنَّ هَذِهِ ضَرُورَةٌ، وَهِيَ تُبِيحُ الْمُنْفَرِدَ. (وَتُكْرَهُ مُبَاشَرَتُهَا) أَيْ ضَبَّةِ الْفِضَّةِ الْمُبَاحَةِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْفِضَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْآنِيَةِ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَى مُبَاشَرَتِهَا، فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا، بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ يَنْدَفِقُ لَوْ شُرِبَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا وَنَحْوِهِ لَمْ يُكْرَهْ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَكُلُّ) إنَاءٍ (طَاهِرٍ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَعَظْمِ آدَمِيٍّ وَجِلْدِهِ (مُبَاحٌ) اتِّخَاذًا وَاسْتِعْمَالًا. (وَلَوْ) كَانَ (ثَمِينًا) أَيْ كَثِيرَ الثَّمَنِ، كَالْمُتَّخَذِ مِنْ جَوْهَرٍ وَيَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ، لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا حُرِّمَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَوَاهِرَ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا خَوَّاصُ النَّاسِ. فَلَا تَنْكَسِرُ قُلُوبُ الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهَا وَلَا يَحْصُلُ بِاتِّخَاذِهَا تَضْيِيقٌ، لِأَنَّهَا لَا يَكُونُ مِنْهَا دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ، وَأَيْضًا فَلِقِلَّتِهَا لَا يَحْصُلُ اتِّخَاذُ آنِيَةٍ مِنْهَا إلَّا نَادِرًا، وَلَوْ اُتُّخِذَتْ كَانَتْ مَصُونَةً لَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا قَالَ فِي شَرْحِهِ: فَلَوْ جَعَلَ فَصَّ خَاتَمٍ جَوْهَرَةً ثَمِينَةً جَازَ، وَلَوْ جَعَلَهُ ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُبْدِعِ. (وَمَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ آنِيَةِ كُفَّارٍ وَلَوْ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُمْ) كَالْمَجُوسِ. (وَ) مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ (ثِيَابِهِمْ وَلَوْ وَلِيَتْ عَوْرَاتِهِمْ) كَالسَّرَاوِيلِ (وَكَذَا) مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ آنِيَةٍ وَثِيَابٍ (مَنْ لَابَسَ النَّجَاسَةَ كَثِيرًا) كَمُدْمِنِ الْخَمْرِ (طَاهِرٌ مُبَاحٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وَهُوَ يَتَنَاوَلُ مَا لَا يَقُومُ إلَّا بِآنِيَةٍ. وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ، وَبَدَنُ الْكَافِرِ طَاهِرٌ. وَكَذَا طَعَامُهُ وَمَاؤُهُ وَمَا صَبَغَهُ أَوْ نَسَجَهُ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: عَنْ صَبْغِ الْيَهُودِ بِالْبَوْلِ؟ فَقَالَ: الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي هَذَا، أَيْ الصَّبْغِ، سَوَاءٌ وَلَا تَسْأَلْ عَنْ هَذَا. وَلَا تَبْحَثْ عَنْهُ، فَإِنْ عَلِمْت نَجَاسَتَهُ فَلَا تُصَلِّ فِيهِ. حَتَّى تَغْسِلَهُ انْتَهَى. وَيَطْهُرُ بِغَسْلِهِ وَلَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَسَأَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ عَنْ اللَّحْمِ يُشْتَرَى مِنْ الْقَصَّاب؟ قَالَ: يُغْسَلُ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بِدْعَةٌ (وَيُبَاحُ دَبْغُ جِلْدِ) حَيَوَانٍ كَانَ طَاهِرًا حَيًّا (نُجِّسَ بِمَوْتٍ) مَأْكُولًا، كَانَ كَالشَّاةِ، أَوْ لَا كَالْهِرِّ. (وَ) يُبَاحُ (اسْتِعْمَالُهُ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ الدَّبْغِ فِي يَابِسٍ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: أَلَا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ، فَانْتَفَعُوا بِهِ} وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا فَتَحُوا فَارِسَ انْتَفَعُوا بِسُرُوجِهِمْ وَأَسْلِحَتِهِمْ، وَذَبَائِحِهِمْ مَيِّتَةً وَلِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَا تَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، كَالِاصْطِيَادِ بِالْكَلْبِ، وَكَرُكُوبِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ الدَّبْغِ مُطْلَقًا، وَلَا بَعْدَهُ فِي مَائِعٍ. (وَ) يُبَاحُ اسْتِعْمَالُ (مُنْخُلٍ مِنْ شَعْرٍ نَجِسٍ) كَشَعْرِ بَغْلٍ (فِي يَابِسٍ) لَا مَائِعٍ لِتَعَدِّي نَجَاسَتِهِ إلَيْهِ (وَلَا يَطْهُرُ) الْجِلْدُ (بِهِ) أَيْ بِالدَّبْغِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ وَعَائِشَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّهُ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ: إنِّي كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ} رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَيْسَ فِيهِ " كُنْت رَخَّصْت " بَلْ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَفِي لَفْظٍ {أَتَانَا كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ} وَهُوَ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ، لِتَأَخُّرِهِ، وَكِتَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَفْظِهِ وَلِذَلِكَ لَزِمَتْ الْحُجَّةُ مَنْ كَتَبَ إلَيْهِ، وَحَصَلَ لَهُ الْبَلَاغُ؛ وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَيْتَةِ، فَلَا يَطْهُرُ بِالْعِلَاجِ كَلَحْمِهَا، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَخِيرًا طَهَارَتَهُ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَلَا يَحْصُلُ الدَّبْغُ بِتَشْمِيسٍ وَلَا تَتْرِيبٍ وَلَا بِنَجِسٍ، وَلَا غَيْرِ مُنَشِّفٍ لِلرُّطُوبَةِ مُنْقٍ لِلْخَبَثِ، بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ الْجِلْدُ بَعْدَهُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَفْسُدْ، وَجَعْلُ الْمُصْرَانِ وَالْكَرِشِ وَتَرًا: دِبَاغٌ. (وَلَا) يَطْهُرُ (جِلْدٌ غَيْرُ مَأْكُولٍ بِذَكَاةٍ) كَلَحْمِهِ. وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ فِي النَّزْعِ (وَلَبَنٌ) مُبْتَدَأٌ، أَيْ مِنْ مَيْتَةٍ (وَإِنْفَحَّةٌ) مِنْهَا: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ، وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ، شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ الرَّضِيعِ أَصْفَرُ، فَيُعْصَرُ فِي اللَّبَنِ فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْقَامُوسِ (وَجِلْدَتُهَا) أَيْ جِلْدَةُ الْإِنْفَحَةِ مِنْ مَيْتَةٍ (وَعَظْمٍ وَقَرْنٍ وَظُفْرٍ وَعَصَبٍ وَحَافِرٍ مِنْ مَيْتَةٍ نَجِسٌ) خَبَرٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ. وَاللَّبَنُ وَالْإِنْفَحَّةُ لَاقَيَا وِعَاءً نَجِسًا فَتَنَجَّسَا بِهِ. (لَا) يَنْجُسُ (صُوفٌ وَشَعْرٌ وَرِيشٌ وَوَبَرٌ مِنْ) حَيَوَانٍ (طَاهِرٍ فِي حَيَاةٍ) بِمَوْتِ أَصْلِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إلَى حِينٍ} وَالْآيَةُ سِيقَتْ لِلِامْتِنَانِ، فَالظَّاهِرُ شُمُولُهَا الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. وَالرِّيشُ مَقِيسٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا أُصُولُ ذَلِكَ فَنَجِسَةٌ، لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ، وَيُكْرَهُ الْخَرْزُ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ، وَيَجِبُ غَسْلُ مَا خُرِزَ بِهِ رَطْبًا وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِالنَّجَاسَةِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ لِحُرْمَتِهِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَحْرُمُ نَتْفُ نَحْوِ صُوفٍ مِنْ حَيٍّ. وَفِي النِّهَايَةِ: يُكْرَهُ (وَلَا) يَنْجُسُ (بَاطِنُ بَيْضَةِ مَأْكُولٍ) كَدَجَاجٍ بِمَوْتِهِ (صُلْبٌ قِشْرُهَا) لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْوَلَدَ، وَكَرَاهِيَةُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ تُحْمَلُ عَلَى التَّنْزِيهِ، اسْتِقْذَارًا لَهَا. فَإِنْ لَمْ يَصْلُبْ قِشْرُهَا فَنَجِسَةٌ، لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الْمَيْتَةِ (وَمَا أُبِينَ مِنْ) حَيَوَانٍ (حَيٍّ فَ) هُوَ (كَمَيْتَتِهِ) طَهَارَةً وَنَجَاسَةً، فَمَا قُطِعَ مِنْ السَّمَكِ مَعَ بَقَاء حَيَاتِهِ طَاهِرٌ، بِخِلَافِ مَا قُطِعَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، إلَّا نَحْوَ الطَّرِيدَةِ، وَالْمِسْكِ وَفَأْرَتِهِ، وَكَذَا مَا يَتَسَاقَطُ مِنْ قُرُونِ الْوُعُولِ فِي حَيَاتِهَا، وَفِيهِ احْتِمَالٌ بِطَهَارَتِهَا كَالشَّعْرِ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْح.
تَتِمَّةٌ: جِلْدُ الثَّعْلَبِ كَلَحْمِهِ، أَيْ نَجِسٌ. (وَسُنَّ تَخْمِيرُ) أَيْ تَغْطِيَةُ (آنِيَةٍ وَإِيكَاءُ) أَيْ رَبْطُ فَمِ (أَسْقِيَةٍ) جَمْعُ سِقَاءٍ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: السِّقَاءُ كَكِسَاءٍ جِلْدُ السَّخْلَةِ إذَا أَجْذَعَ، يَكُونُ لِلْمَاءِ وَاللَّبَنِ انْتَهَى لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ {أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ الْإِنَاءَ وَنُوكِي السِّقَاءَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
مِنْ نَجَوْتُ الشَّجَرَةَ، أَيْ قَطَعْتهَا، لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْأَذَى، أَوْ مِنْ النَّجْوَةِ، وَهِيَ مَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ، لِأَنَّ قَاضِيَ الْحَاجَةِ يَسْتَتِرُ بِهَا. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَاسْتَطَابَ وَاسْتَنْجَى، كَأَطَابَ انْتَهَى. فَيُسَمَّى اسْتِطَابَةً. وَشَرْعًا: (إزَالَةُ خَارِجٍ) مُعْتَادٍ وَغَيْرِهِ (مِنْ سَبِيلٍ) أَصْلِيٍّ، قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ (بِمَاءٍ) طَهُورٍ (أَوْ) إزَالَةُ حُكْمِهِ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَاءِ مِنْ (حَجَرٍ وَنَحْوه) كَخَشَبٍ وَخَزَفٍ، وَيُسَمَّى بِالْحَجَرِ اسْتِجْمَارًا أَيْضًا مِنْ الْجِمَارِ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ. (يُسَنُّ لِدَاخِلِ خَلَاءٍ) بِالْمَدِّ، أَيْ مَا أُعِدَّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَأَصْلُهُ الْمَكَانُ الْخَالِي، يُسَمَّى بِهِ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ بِخَلَائِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ دَاخِلِ الْخَلَاءِ، كَالْمُرِيدِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ بِنَحْوِ صَحْرَاءَ (قَوْلُ: بِسْمِ اللَّهِ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا {سِتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ، أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ. (أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخُبْثِ) بِإِسْكَانِ الْبَاءِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أَنَّهُ أَكْثَرُ رِوَايَاتِ الشُّيُوخِ، وَفَسَّرَهُ بِالشَّرِّ (وَالْخَبَائِثَ) بِالشَّيَاطِينِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ الشَّرِّ وَأَهْلِهِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: بَلْ هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَهُوَ جَمْعُ خَبِيثٍ، وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، وَكَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ ذُكْرَانِ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثِهِمْ. وَقِيلَ: الْخُبْثُ الْكُفْرُ، وَالْخَبَائِثُ الشَّيَاطِينُ (الرَّجِسُ) الْقَذَرُ. وَيُحَرَّكُ، وَتُفْتَحُ الرَّاءُ وَتُكْسَرُ الْجِيمِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (النَّجَسُ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ نَجِسَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: إذَا قَالُوهُ مَعَ الرِّجْسِ أَتْبَعُوهُ إيَّاهُ، أَيْ قَالُوهُ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ. (الشَّيْطَانُ) مِنْ شَطَنَ أَيْ بَعُدَ، وَمِنْهُ دَارٌ شَطُونٌ، أَيْ بَعِيدَةٌ لِبُعْدِهِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، أَوْ مِنْ شَاطَ أَيْ هَلَكَ، لِهَلَاكِهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ (الرَّجِيمُ) إمَّا بِمَعْنَى رَاجِمٍ، لِأَنَّهُ يَرْجُمُ غَيْرَهُ بِالْإِغْوَاءِ، أَوْ بِمَعْنَى مَرْجُومٍ، لِأَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْكَوَاكِبِ إذَا اسْتَرَقَ السَّمْعَ. وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ "إذَا أَرَادَ دُخُولَهُ". وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ " وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ مَرْفُوعًا {لَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا دَخَلَ مِرْفَقَهُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْمُقْنِعِ وَالْبُلْغَةِ: جَمْعٌ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ. (وَ) يُسَنُّ لِدَاخِلِ خَلَاءٍ وَنَحْوَهُ (انْتِعَالُهُ وَتَغْطِيَةُ رَأْسِهِ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَانَ إذَا دَخَلَ الْمِرْفَقَ لَبِسَ حِذَاءَهُ وَغَطَّى رَأْسَهُ الشَّرِيفَ} رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ مُرْسَلًا (وَ) يُسَنُّ لَهُ (تَقْدِيمُ يُسْرَاهُ) أَيْ: رِجْلِهِ الْيُسْرَى (دُخُولًا)؛ لِأَنَّهَا لِمَا خَبُثَ. وَرَوَى الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " مَنْ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى قَبْلَ يُسْرَاهُ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ " (وَ) يُسَنُّ (اعْتِمَادُهُ عَلَيْهَا) أَيْ: رِجْلِهِ الْيُسْرَى (جَالِسًا) أَيْ: حَالَ جُلُوسِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، لِحَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ {أَمَرَنَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَّكِئَ عَلَى الْيُسْرَى، وَأَنْ نَنْصِبَ الْيُمْنَى} رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ. (وَ) يُسَنُّ لَهُ تَقْدِيمُ (يُمْنَاهُ خُرُوجًا)؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ إلَى الْأَمَاكِنِ الطَّيِّبَةِ (كَخَلْعٍ) أَيْ: كَمَا تُقَدَّمُ الْيُسْرَى فِي خَلْعِ نَحْو خُفٍّ وَنَعْلٍ، وَنَحْوِ قَمِيصٍ، وَسَرَاوِيلَ (وَعَكْسِهِ) أَيْ: عَكْسِ ذَلِكَ (مَسْجِدٌ) وَمَنْزِلٌ (وَانْتِعَالٌ) وَلُبْسُ نَحْو قَمِيصٍ وَخُفٍّ وَسَرَاوِيلَ، فَيُقَدِّمُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى، وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُسْرَى}. (وَ) يُسَنُّ لَهُ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ (بِفَضَاءٍ بَعُدَ) حَتَّى لَا يُرَى، لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ} مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ. (وَ) يُسَنُّ لَهُ (طَلَبُ مَكَانٍ رَخْوٍ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ - يَبُولُ فِيهِ، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ: {كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ: إذَا بَال أَحَدُكُمْ فَلْيَرْتَدَّ لِبَوْلِهِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَفِي التَّبْصِرَةِ: وَيَقْصِدُ مَكَانًا عُلْوًا انْتَهَى، أَيْ: لِيَنْحَدِرَ عَنْهُ الْبَوْلُ (وَ) يُسَنُّ لَهُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا رِخْوًا (لَصْقُ ذَكَرِهِ بِصُلْبٍ) بِضَمِّ الصَّادِ، أَيْ: شَدِيدٍ، لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ مِنْ رَشَاشِ الْبَوْلِ (وَكُرِهَ) لَهُ (رَفْعُ ثَوْبِهِ قَبْلَ دُنُوِّهِ مِنْ الْأَرْضِ) بِلَا حَاجَةٍ إنْ لَمْ يَبُلْ قَائِمًا، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ الْقَاسِمَ بْنَ حَمَدٍ - عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَانَ إذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ} وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ. (وَ) كُرِهَ لَهُ أَيْضًا (أَنْ يَصْحَبَ مَا فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى) لِحَدِيثِ أَنَسٍ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ} رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ نَقْشَ خَاتَمِهِ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) وَتَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوْضِعِ الْقَاذُورَاتِ (بِلَا حَاجَةٍ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْفَظُهُ، وَخَافَ ضَيَاعَهُ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِتَحْرِيمِهِ بِمُصْحَفٍ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا عَاقِلٌ. وَ(لَا) يُكْرَهُ أَنْ يَصْحَبَ (دَرَاهِمَ وَنَحْوَهَا) كَدَنَانِيرَ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهَا وَمِثْلُهَا حِرْزٌ قَالَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ وَأَوْلَى (لَكِنْ يَجْعَلُ فَصَّ خَاتَمٍ) احْتَاجَ أَنْ يَصْحَبَهُ مَعَهُ وَفِيهِ اسْمُ اللَّهِ (بِبَاطِنِ كَفِّ) يَدٍ (يُمْنَى) نَصًّا، لِئَلَّا يَمَسَّ النَّجَاسَةَ أَوْ يُقَابِلَهَا. (وَ) يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا (اسْتِقْبَالُ شَمْسٍ وَقَمَرٍ) لِمَا فِيهِمَا مِنْ نُورِ اللَّهِ تَعَالَى. وَرُوِيَ أَنَّ مَعَهُمَا مَلَائِكَةً. وَأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مَكْتُوبَةٌ عَلْيِهِمَا. (وَ) يُكْرَه لَهُ اسْتِقْبَالُ (مَهَبِّ الرِّيحِ) لِئَلَّا يَرُدَّ عَلَيْهِ الْبَوْلَ، فَيُنَجِّسَهُ. (وَ) يُكْرَهُ لَهُ (مَسُّ فَرْجِهِ) بِيَمِينِهِ (وَاسْتِجْمَارُهُ بِيَمِينِهِ) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا {لَا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ، وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنْ الْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ سَلْمَانَ {نَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَذَا، وَأَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ}. وَكَذَا فَرْجٌ أُبِيحَ لَهُ مَسُّهُ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَى مَسِّهِ بِالْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَائِطٍ أَخَذَ الْحَجَرَ بِيَسَارِهِ فَمَسَحَ بِهِ وَمِنْ بَوْلٍ أَمْسَكَ ذَكَرَهُ بِيَسَارِهِ فَمَسَحَهُ عَلَى الْحَجَرِ، وَنَحْوِهِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى يَمِينِهِ (لِصِغَرِ حَجَرٍ تَعَذَّرَ وَضْعُهُ بَيْنَ عَقِبَيْهِ) تَثْنِيَةُ عَقِبٍ، كَكَتِفٍ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ (أَوْ) تَعَذَّرَ وَضْعُهُ بَيْنَ (إصْبَعَيْهِ) أَيْ إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ (فَيَأْخُذُهُ) أَيْ الْحَجَرَ (بِهَا) أَيْ: بِيَمِينِهِ (وَيَمْسَحُ بِشِمَالِهِ) فَتَكُونُ الْيُسْرَى هِيَ الْمُحَرِّكَةُ فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيُسْرَى، أَوْ بِهَا مَرَضٌ، اسْتَجْمَرَ بِيَمِينِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَمِينُهُ أَوْلَى مِنْ يَسَارِ غَيْرِهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ وَضْعُ الْحَجَرِ بَيْنَ عَقِبَيْهِ أَوْ إبْهَامَيْهِ كُرِهَ مَسْكُهُ بِيَمِينِهِ، لَا الِاسْتِعَانَةُ بِهَا فِي الْمَاءِ لِلْحَاجَةِ (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (بَوْلُهُ فِي شَقٍّ) بِفَتْحِ الشِّينِ. (وَ) بَوْلٌ فِي (سَرَبٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ بَيْتٌ يَتَّخِذُهُ الْوَحْشُ وَالدَّبِيبُ فِي الْأَرْضِ، لِحَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ {نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ}. قَالُوا لِقَتَادَةَ: مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ: يُقَالُ إنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَال بِجُحْرٍ بِالشَّامِ، ثُمَّ اسْتَلْقَى مَيِّتًا، فَسُمِعَ مِنْ بِئْرٍ بِالْمَدِينَةِ: نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَهْ وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمٍ فَلَمْ تُخْطِ فُؤَادَهْ فَحَفِظُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَوَجَدُوهُ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ سَعْدٌ وَخَشْيَةَ خُرُوجِ دَابَّةٍ بِبَوْلِهِ فَتُؤْذِيَهُ، أَوْ تَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَيُنَجِّسَهُ. (وَ) يُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي (إنَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ) نَصًّا فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يُكْرَهْ، لِقَوْلِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رَقِيقَةَ عَنْ أُمِّهَا {كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ تَحْت سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْعَيْدَانُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ: طِوَالُ النَّخْلِ. (وَ) يُكْرَه بَوْلُهُ فِي (مُسْتَحَمٍّ غَيْرِ مُقَيَّرٍ أَوْ مُبَلَّطٍ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَمَشَّطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ يَبُولَ فِي مُغْتَسَلِهِ}. وَقَدْ رُوِيَ {أَنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، فَإِنْ كَانَ مُقَيَّرًا أَوْ مُبَلَّطًا أَوْ نَحْوَهُ، وَأَرْسَلَ الْمَاءَ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْبُصَاقَ عَلَى الْبَوْلِ يُورِثُ الْوَسْوَاسَ، وَأَنَّ الْبَوْلَ عَلَى النَّارِ يُورِثُ السَّقَمَ. (وَ) يُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ (فِي مَاءٍ رَاكِدٍ) وَلَوْ كَثِيرًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْمُتَّفِقُ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ. (وَ) يُكْرَه بَوْلٌ فِي مَاءٍ (قَلِيلٍ جَارٍ)؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ، لَا فِي كَثِيرٍ جَارٍ، لِمَفْهُومِ تَقْيِيدِهِ النَّهْيَ عَنْ الْبَوْلِ فِي الرَّاكِدِ. (وَ) يُكْرَهُ (اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ فِي فَضَاءٍ بِاسْتِنْجَاءٍ أَوْ اسْتِجْمَارٍ) تَعْظِيمًا لَهَا، بِخِلَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي ظَاهِرِ نَقْلِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْخِلَافِ. وَحُمِلَ النَّهْيُ حَيْثُ كَانَ قِبْلَةً، وَظَاهِرُ نَقْلِ حَنْبَلٍ: فِيهِ الْكَرَاهَةُ. (وَ) يُكْرَه (كَلَامٌ فِيهِ) أَيْ: الْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحًا فِي غَيْرِهِ، كَسُؤَالٍ عَنْ شَيْءٍ، أَوْ مُسْتَحَبَّا كَإِجَابَةِ مُؤَذِّنِ، أَوْ وَاجِبًا، كَرَدِّ سَلَامٍ نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ {مَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبُولُ. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. وَقَالَ: " يُرْوَى {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ} وَإِنْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ وَجَزَمَ صَاحِبُ النَّظْمِ بِتَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ فِي الْحُشِّ وَسَطْحِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ عَلَى حَاجَتِهِ. وَفِي الْغُنْيَةِ: وَلَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَذْكُرُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى التَّسْمِيَةِ، وَالتَّعَوُّذِ انْتَهَى لَكِنْ يَجِبُ تَحْذِيرُ نَحْو ضَرِيرٍ وَغَافِلٍ عَنْ هَلَكَةٍ. وَلَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا، مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثٍ وَنَاظِرٍ (وَيَحْرُمُ لُبْثُهُ) أَيْ قَاضِي الْحَاجَةِ (فَوْقَ حَاجَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ كَشْفُ عَوْرَةٍ بِلَا حَاجَةٍ. وَقِيلَ: إنَّهُ يُدْمِي الْكَبِدَ وَيُورِثُ الْبَاسُورَ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {إيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ}. (وَ) حَرُمَ (تَغَوُّطُهُ بِمَاءٍ) قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ رَاكِدٍ أَوْ جَارٍ؛ لِأَنَّهُ يُقْذِرُهُ وَيَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، إلَّا الْبَحْرُ وَالْمُعَدّ لِذَلِكَ، كَالْجَارِي فِي الْمَطَاهِرِ. (وَ) حَرُمَ (بَوْلُهُ وَتَغَوُّطُهُ بِمَوْرِدٍ) أَيْ: الْمَاءِ (وَ) ب (طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ وَظِلٍّ نَافِعٍ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا {اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ. وَالظِّلِّ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَمِثْلُ الظِّلِّ: مُتَشَمَّسُ النَّاسِ زَمَنَ الشِّتَاءِ، وَمُتَحَدَّثُهُمْ. (وَ) حَرُمَ بَوْلُهُ وَتَغَوُّطُهُ (تَحْتَ شَجَرَةٍ عَلَيْهَا ثَمَرٌ) مَقْصُودٌ يُؤْكَلُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُ وَتَعَافُهُ النَّفْسُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا ثَمَرٌ لَمْ يَحْرُمْ، إنْ لَمْ يَكُنْ ظِلٌّ نَافِعٌ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِالْأَمْطَارِ إلَى مَجِيءِ الثَّمَرَةِ. (وَ) حَرُمَ بَوْلُهُ وَتَغَوُّطُهُ (عَلَى مَا نُهِيَ عَنْ اسْتِجْمَارٍ بِهِ لِحُرْمَتِهِ) كَطَعَامٍ وَمُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ وَمَا فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ بِهِ. (وَ) حَرُمَ (فِي فَضَاءٍ) لَا بُنْيَانَ فِيهِ (اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ وَاسْتِدْبَارُهَا) بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، لِقَوْلِهِ {إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَيَجُوزُ فِي الْبُنْيَانِ، لِمَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ قَالَ: " رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا. فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ هَذَا فِي الْفَضَاءِ، أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك فَلَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ؛ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، وَإِنْ كَانَ جَمَاعَةٌ ضَعَّفُوهُ. فَقَدْ قَوَّاهُ جَمَاعَةٌ. وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فَتُحْمَلُ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَلَى الْفَضَاءِ وَأَحَادِيثُ الرُّخْصَةِ عَلَى الْبُنْيَانِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ (وَيَكْفِي) بِفَضَاءٍ (انْحِرَافُهُ) أَيْ: الْمُتَخَلِّي عَنْ الْقِبْلَةِ، وَلَوْ يَسِيرًا، يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لِفَوَاتِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ بِذَلِكَ (وَ) يَكْفِي أَيْضًا (حَائِلٌ) كَاسْتِتَارٍ بِدَابَّةٍ وَجِدَارٍ وَجَبَلٍ وَنَحْوِهِ، وَإِرْخَاءِ ذَيْلِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ مِنْهَا، كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ. وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ، كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ (وَلَوْ) كَانَ الْحَائِلُ (كَمُؤْخِرَةِ رَحْلٍ) لِحُصُولِ السَّتْرِ بِهِ لِأَسَافِلِهِ. (وَيُسَنُّ) لِلْمُتَخَلِّي (إذَا فَرَغَ) مِنْ حَاجَتِهِ (مَسْحُ ذَكَرِهِ مِنْ حَلْقَةِ دُبُرِهِ) بِسُكُونِ اللَّامِ، فَيَضَعُ إصْبَعَ الْيُسْرَى الْوُسْطَى تَحْتَ الذَّكَرِ وَالْإِبْهَامَ فَوْقَهُ وَيَمُرُّ بِهِمَا (إلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا) لِيَجْذِبَ بَقَايَا بَلَلٍ. (وَ) يُسَنُّ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ (نَتْرُهُ) بِالْمُثَنَّاةِ أَيْ: الذَّكَرِ (ثَلَاثًا) نَصًّا قَالَ فِي الْقَامُوسِ: اسْتَنْيَرَ مِنْ بَوْلٍ اجْتَذَبَهُ وَاسْتَخْرَجَ بَقِيَّتَهُ مِنْ الذَّكَرِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ حَرِيصًا عَلَيْهِ مُهْتَمًا بِهِ انْتَهَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثًا} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَذَكَر جَمَاعَةٌ " وَيَتَنَحْنَحُ " زَادَ بَعْضُهُمْ " وَيَمْشِي خُطُوَاتٍ " وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كُلُّهُ بِدْعَةٌ. (وَ) يُسَنُّ (بَدْءُ ذَكَرٍ) إذَا بَالَ وَتَغَوَّطَ فِي اسْتِنْجَاءٍ (بِقُبُلٍ) لِئَلَّا تَتَلَوَّثَ يَدُهُ إذَا بَدَأَ بِالدُّبُرِ؛ لِأَنَّ ذَكَرَهُ بَارِزٌ. (وَ) يُسَنُّ أَيْضًا بَدْءُ (بِكْرٍ) كَذَلِكَ (بِقُبُلٍ) إلْحَاقًا لَهَا بِالذَّكَرِ، لِوُجُودِ عُذْرَتِهَا (وَتُخَيَّرُ ثَيِّبٌ) فِي الْبُدَاءَةِ بِمَا شَاءَتْ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ لِتَسَاوِيهِمَا. (وَ) يُسَنُّ (تَحَوُّلُ مَنْ يَخْشَى تَلَوُّثًا) لِيَسْتَنْجِيَ أَوْ يَسْتَجْمِرَ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ، وَوُضُوءُهُ عَلَى مَوْضِعٍ نَجَسٍ، لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ بِهِ. (وَ) يُسَنُّ (قَوْلُ خَارِجٍ) مِنْ خَلَاءٍ وَنَحْوِهِ (غُفْرَانَكَ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: غُفْرَانَك} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَيْ: أَسْأَلُكَ غُفْرَانَكَ، مِنْ الْغَفْرِ: وَهُوَ السَّتْرُ. وَلَمَّا خَلَصَ مِمَّا يُثَقِّلُ الْبَدَنَ سَأَلَ الْخَلَاصَ، مِمَّا يُثَقِّلُ الْقَلْبَ وَهُوَ الذَّنْبُ لِتَحْصُلَ لَهُ الرَّاحَةُ. (وَ) يُسَنُّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي) لِحَدِيثِ أَنَسٍ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ يَقُولُهُ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ. وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ {أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وَأَبْقَى فِي مَنْفَعَتَهُ، وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ}. (وَ) يُسَنُّ لَهُ أَيْضًا (اسْتِجْمَارٌ بِحَجَرٍ ثُمَّ مَاءٍ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ لِلنِّسَاءِ {مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يُتْبِعُوا الْحِجَارَةَ الْمَاءَ، فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ. وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ فِي رِوَايَة حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ. وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِنْقَاءِ. (فَإِنْ عَكَسَ) فَقَدَّمَ الْمَاءَ عَلَى الْحَجَرِ (كُرِهَ) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ بَعْدَ الْمَاءِ يُقْذِرُ الْمَحَلَّ (وَيُجْزِيهِ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الْحَجَرُ أَوْ الْمَاءُ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلَاءَ؛ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعًا {إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ؛ فَإِنَّهَا تُجْزِي عَنْهُ} وَإِنْكَارُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ كَانَ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ وَكَذَا مَا حُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ (وَالْمَاءُ) وَحْدَهُ (أَفَضْلُ) مِنْ الْحَجَرِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْمَحَلَّ وَأَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَقَالَ: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ} (ك) مَا إنَّ (جَمْعَهُمَا) أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ فِي فَرْجٍ وَالْحَجَرَ فِي آخَرَ، فَلَا بَأْسَ. (وَلَا يُجْزِي فِيمَا) أَيْ: فِي خَارِجٍ مِنْ سَبِيلٍ (تَعَدَّى) أَيْ: تَجَاوُزُ (مَوْضِعِ عَادَةٍ) بِأَنْ انْتَشَرَ الْخَارِجُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الصَّفْحَةِ، أَوْ امْتَدَّ إلَى الْحَشَفَةِ امْتِدَادًا غَيْرَ مُعْتَادٍ (إلَّا الْمَاءُ) لِأَنَّ الِاسْتِجْمَارَ فِي الْمُعْتَادِ رُخْصَةٌ لِلْمَشَقَّةِ فِي غَسْلِهِ، لِتَكْرَارِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ تَعَدَّتْ لِنَحْوِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ. فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِمَا تَعَدَّى، وَيُجْزِي الْحَجَرُ فِي الَّذِي فِي مَحَلِّ الْعَادَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُمْنَعُ الْقِيَامُ وَالِاسْتِجْمَارُ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، مَا لَمْ يَتَعَدَّ الْخَارِجُ. (ك) مَا لَا يُجْزِي فِي الْخَارِجِ مِنْ (قُبُلَيْ خُنْثَى مُشْكِلٍ) إلَّا الْمَاءُ، وَكَذَا الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلِيَّ مِنْهُمَا غَيْرُ مَعْلُومٍ. وَالِاسْتِجْمَارُ لَا يُجْزِئُ إلَّا فِي أَصْلِيٍّ. فَإِنْ كَانَ وَاضِحًا أَجْزَأَ الِاسْتِجْمَارُ فِي الْأَصْلِيِّ، دُونَ الزَّائِدِ. وَيُجْزِئُ فِي دُبُرِهِ (وَ) ك (مَخْرَجٍ غَيْرِ فَرْجٍ) تَنَجَّسَ بِخَارِجٍ مِنْهُ وَبِغَيْرِهِ، فَلَا يُجْزِي فِيهِ غَيْرُ الْمَاءِ. وَلَوْ اسْتَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ. فَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْفَرْجِ، وَلَمْسُهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ حُكْمُ الْوَطْءِ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْبَدَنِ. (وَ) ك (تَنَجُّسِ مَخْرَجٍ بِغَيْرِ خَارِجٍ) مِنْهُ أَوْ بِهِ وَجَفَّ. (وَ) ك (اسْتِجْمَارٍ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ) كَطَعَامٍ، فَلَا يُجْزِي إلَّا الْمَاءُ. (وَلَا يَجِبُ غَسْلُ) مَا أَمْكَنَ مِنْ (نَجَاسَةٍ و) لَا (جَنَابَةٍ بِدَاخِلِ فَرْجِ ثَيِّبٍ) نَصًّا، فَلَا تُدْخِلُ يَدَهَا أَوْ إصْبَعَهَا. بَلْ مَا ظَهَرَ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ فِي حُكْمِ بَاطِنٍ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَالرِّعَايَةُ وَغَيْرُهُمَا: هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُطْلِعِ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَالدُّبُرُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ بِنَحْوِ الْحُقْنَةِ. (لَا) يَجِبُ غَسْلُ نَجَاسَةٍ وَلَا جَنَابَةٍ بِدَاخِلِ (حَشَفَةِ أَقْلَفَ غَيْرِ مَفْتُوقٍ) بِخِلَافِ الْمَفْتُوقِ: فَيَجِبُ غَسْلُهُمَا. لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ. وَإِنْ تَعَدَّى بَوْلُ الثَّيِّبِ إلَى مَخْرَجِ الْحَيْضِ فَقَالَ الْأَصْحَابُ: يَجِبُ غَسْلُهُ. كَالْمُنْتَشِرِ عَنْ الْمَخْرَجِ. وَصَحَّحَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ إجْزَاءَ الْحَجَرِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ كَثِيرٌ. وَالْعُمُومَاتُ تَعْضُدُهُ. وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ: هَذَا إذَا قُلْنَا يَجِبُ تَطْهِيرُ بَاطِنِ فَرْجِهَا، عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ. فَتَكُونُ كَالْبِكْرِ قَوْلًا وَاحِدًا. تَتِمَّةٌ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ أَنْ يَنْضَحَ فَرْجَهُ وَسَرَاوِيلَهُ، وَمَنْ ظَنَّ خُرُوجَ شَيْءٍ. فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ، حَتَّى يَتَيَقَّنَ وَالْهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَمْ يَرَ أَحْمَدُ حَشْوَ الذَّكَرِ فِي ظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ، فَصَلَّى ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَبِهِ بَلَلٌ، فَلَا بَأْسَ مَا لَمْ يَظْهَرْ خَارِجًا، وَكَرِهَ الصَّلَاةَ فِيمَا أَصَابَهُ الِاسْتِنْجَاءُ، حَتَّى يَغْسِلَهُ وَنَقَلَ صَالِحٌ: أَوْ يَمْسَحَهُ: وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ. (وَلَا يَصِحُّ اسْتِجْمَارٌ إلَّا بِطَاهِرٍ) فَلَا يَصِحُّ بِنَجَسٍ. لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ {جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ، لِيَسْتَجْمِرَ بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ. وَقَالَ: هَذَا رِجْسٌ، يَعْنِي نَجَسًا} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ. أَشْبَهَ الْغُسْلَ. (مُبَاحٍ) فَلَا يَصِحُّ بِمُحَرَّمٍ، كَمَغْصُوبٍ، وَذَهَبٍ، وَفِضَّةٍ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ، فَلَا تُسْتَبَاحُ بِمَعْصِيَةٍ. وَلَا يُجْزِئُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْمَاءُ (مُنْقٍ) اسْم فَاعِلٍ مِنْ أَنْقَى، فَلَا يُجْزِئُ بِأَمْلَسَ مِنْ نَحْوِ زُجَاجٍ، وَلَا بِشَيْءٍ رَخْوٍ أَوْ نَدِيٍّ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَيُجْزِئُ الِاسْتِجْمَارُ بَعْدَهُ بِمُنْقٍ (كَحَجَرٍ وَخَشَبٍ وَخِرَقٍ)؛ لِأَنَّهُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ {فَلْيَذْهَبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ بِثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ، أَوْ بِثَلَاثِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ}. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَلِمُشَارَكَةِ غَيْرِ الْحَجَرِ الْحَجَرَ فِي الْإِزَالَةِ (وَهُوَ) أَيْ: الْإِنْقَاءُ بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ (أَنْ يَبْقَى أَثَرٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ و) الْإِنْقَاءُ (بِمَاءٍ خُشُونَةُ الْمَحَلِّ) أَيْ مَحَلِّ الْخَارِجِ، بِأَنْ يُدَلِّكَهُ حَتَّى يَعُودَ (كَمَا كَانَ) قَبْلَ خُرُوجِ الْخَارِجِ، وَيُوَاصِلَ الصَّبَّ، وَيَسْتَرْخِي قَلِيلًا. وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ، كَمَا يَأْتِي فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (وَظَنُّهُ) أَيْ الْإِنْقَاءِ بِحَجَرٍ أَوْ مَاءٍ (كَافٍ) فَلَا يُعْتَبَرُ الْيَقِينُ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ. (وَحَرُمَ) الِاسْتِجْمَارُ (بِرَوْثٍ) وَلَوْ لِمَأْكُولٍ (وَعَظْمٍ) وَلَوْ مِنْ مُذَكًّى لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا {لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلَا بِالْعِظَامِ. فَإِنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ} وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَعَدَمَ الْإِجْزَاءَ (وَلَا يُجْزِئُ) فِي الِاسْتِجْمَارِ (أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ) إمَّا بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ لَهُ ثَلَاثُ شُعَبٍ (تَعُمُّ كُلُّ مَسْحَةٍ الْمَحَلَّ) أَيْ: مَحَلَّ الْخَارِجِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا {إذَا تَغَوَّطَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمْسَحْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَهُوَ يُفَسِّرُ حَدِيثَ مُسْلِمٍ {لَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ}؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَكْرَارُ الْمَسْحِ لَا الْمَمْسُوحِ بِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَعْقُولٌ. وَمُرَادُهُ مَعْلُومٌ. وَالْحَاصِلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ حَاصِلٌ مِنْ ثَلَاثِ شُعَبٍ وَكَمَا لَوْ مَسَحَ ذَكَرَهُ فِي ثَلَاثِ مُوَاضِعَ مِنْ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ. وَلَا مَعْنَى لِلْجُمُودِ عَلَى اللَّفْظِ، مَعَ وُجُودِ مَا يُسَاوِيهِ (فَإِنْ لَمْ يُنْقِ) الْمَحَلَّ بِالْمَسَحَاتِ الثَّلَاثِ (زَادَ) حَتَّى يُنْقِيَ، لِيَحْصُلَ مَقْصُودُ الِاسْتِجْمَارِ (وَيُسَنُّ قَطْعُهُ) أَيْ: مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ (عَلَى وِتْرٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فَإِنْ أَنْقَى بِرَابِعَةٍ زَادَ خَامِسَةً وَهَكَذَا، وَإِنْ أَنْقَى بِوِتْرٍ كَخَامِسَةٍ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا. (وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ) بِمَاءٍ وَنَحْوِهِ كَحَجَرٍ (لِكُلِّ خَارِجٍ) مِنْ سَبِيلٍ، وَلَوْ نَادِرًا، كَالدُّودِ، لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ (إلَّا الرِّيحَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ اسْتَنْجَى مِنْ الرِّيحِ فَلَيْسَ مِنَّا} رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي الرِّيحِ اسْتِنْجَاءٌ، لَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ وَلَا تَصْحَبُهَا نَجَاسَةٌ. وَفِي الْمُبْهِجِ: لِأَنَّهَا عَرَضٌ بِإِجْمَاعِ الْأُصُولِيِّينَ، وَعُورِضَ بِأَنَّ لِلرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ رَائِحَةً مُنْتِنَةً قَائِمَةً بِهَا. وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ الرَّائِحَةِ عَرَضًا. وَهُوَ لَا يَقُومُ بِعَرَضٍ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَفِي النِّهَايَةِ: هِيَ نَجِسَةٌ (وَ) إلَّا الْخَارِجُ (الطَّاهِرُ) كَالْمَنِيِّ (وَ) إلَّا الْخَارِجُ النَّجَسُ (غَيْرُ الْمُلَوَّثِ) قَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِنْصَافِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إنَّمَا شُرِعَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا نَجَاسَةَ هُنَا. (وَلَا يَصِحُّ وُضُوءٌ وَلَا تَيَمُّمٌ قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ الْمُتَّفِقُ عَلَيْهِ {يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ} وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ. فَاشْتُرِطَ تَقْدِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَيْهَا كَالتَّيَمُّمِ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّيَمُّمِ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، أَوْ نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ. فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ عَلَيْهِمَا غَيْرَ خَارِجَةٍ مِنْهُمَا: صَحَّ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِهَا. وَيَحْرُمُ مَنْعُ الْمُحْتَاجِ إلَى الطَّهَارَةِ. وَلَوْ وُقِفَتْ عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ، وَلَوْ فِي مِلْكِهِ. وَلَا أُجْرَةَ. وَإِنْ كَانَ فِي دُخُولِ أَهْلِ الذِّمَّةِ طَهَارَةَ الْمُسْلِمِينَ تَضْيِيقٌ أَوْ تَنْجِيسٌ أَوْ إفْسَادُ مَاءٍ وَنَحْوِهِ: وَجَبَ مَنْعُهُمْ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قُلْت: وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مَنْ عُرِفَ - مِنْ نَحْوِ الرَّافِضَةِ - فَالْإِفْسَادُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، فَيُمْنَعُونَ مِنْ مَطَاهِرهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
|