الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
الْكِتَابَةُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْمُكَاتَبَةِ مِنْ الْكَتْبِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ لِأَنَّهَا تُجْمَعُ نُجُومًا، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْخَرَّازُ كَاتِبًا، أَوْ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَكْتُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ كِتَابًا بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ. وَشَرْعًا (بَيْعُ سَيِّدٍ رَقِيقَهُ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (نَفْسَهُ) أَيْ: الرَّقِيقِ (بِمَالٍ) فَلَا تَصِحُّ عَلَى خِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِ (فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ: الرَّقِيقِ لَا مُعَيَّنٍ (مُبَاحٍ) فَلَا تَصِحُّ عَلَى آنِيَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (مَعْلُومٍ) فَلَا تَصِحُّ عَلَى مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الثَّمَنِ (يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ) فَلَا تَصِحُّ بِجَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى التَّنَازُعِ (مُنَجَّمٍ بِنَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا) أَيْ: أَكْثَرَ مِنْ نَجْمَيْنِ (بِعِلْمِ قِسْطٍ) أَيْ: مَبْلَغِ (كُلِّ نَجْمٍ) بِمَا عُقِدَ عَلَيْهِ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرِهِمَا (وَمُدَّتِهِ)؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكَتْبِ وَهُوَ الضَّمُّ. فَوَجَبَ افْتِقَارُهَا إلَى نَجْمَيْنِ لِيُضَمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِمَا لِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ الْقِسْطِ وَالْمُدَّةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ جَهْلُهُ إلَى التَّنَازُعِ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْأَنْجُمِ. فَلَوْ جُعِلَ نَجْمٌ شَهْرًا وَآخَرُ سَنَةً أَوْ جُعِلَ قِسْطَ أَحَدِهِمَا مِائَةً وَالْآخَرَ خَمْسِينَ وَنَحْوَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْعِلْمُ بِقَدْرِ الْأَجَلِ وَقَسْطُهُ وَقَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ. وَالنَّجْمُ هُنَا الْوَقْتُ. فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لَا تَعْرِفُ الْحِسَابَ وَإِنَّمَا تَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ بِطُلُوعِ النَّجْمِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا سُهَيْلٌ أَوَّلَ اللَّيْلِ طَلَعَ فَابْنُ اللَّبُونِ الْحِقُّ وَالْحِقُّ الْجَذَعُ أَوْ يَبِيعُ سَيِّدٌ رَقِيقَهُ نَفْسَهُ (بِمَنْفَعَةٍ) مُنَجَّمَةٍ (عَلَى أَجَلَيْنِ) فَأَكْثَرَ، كَأَنْ يُكَاتِبَهُ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَى خِدْمَتِهِ فِيهِ وَفِي رَجَبٍ أَوْ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ عَيَّنَهُمَا. فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ أَوْ سَنَةٍ. مُعَيَّنَةٍ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ نَجْمٌ وَاحِدٌ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْكِتَابَةِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} وَحَدِيثِ بَرِيرَةَ وَحَدِيثِ {الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِكِتَابَةٍ (أَجَلٌ لَهُ وَقَعَ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ فِيهِ) فَيَصِحُّ تَوْقِيتُ النَّجْمَيْنِ بِسَاعَتَيْنِ. قَالَ فِي شَرْحِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةُ وَلَكِنَّ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى السَّلَمِ لَكِنَّ السَّلَمَ أَضْيَقُ وَجَزَمَ بِالثَّانِي فِي الْإِقْنَاعِ. (وَتَصِحُّ) الْكِتَابَةُ (عَلَى خِدْمَةٍ مُفْرَدَةٍ) كَأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ رَجَبَ وَشَعْبَانَ (أَوْ) عَلَى خِدْمَةٍ (مَعَهَا مَالٌ إنْ كَانَ) الْمَالُ (مُؤَجَّلًا وَلَوْ أَثْنَائِهَا) أَيْ: مُدَّةِ الْخِدْمَةِ كَأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ يُؤَدِّيه فِي أَثْنَائِهِ وَآخِرِهِ وَإِذَا لَمْ يُسَمِّ الشَّهْرَ كَانَ عَقِبَ الْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ فِي قَوْلٍ. وَإِنْ عَيَّنَ الشَّهْرَ صَحَّ. وَلَوْ اتَّصَلَ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْحُلُولِ فِي غَيْرِ الْخِدْمَةِ لِلْعَجْزِ عَنْهُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِهَا. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَجَلُ الدِّينَارِ قَبْلَ الْخِدْمَةِ إنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِالْعَقْدِ كَأَنْ يُكَاتِبَهُ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَى دِينَارٍ إلَى صَفَرٍ وَعَلَى خِدْمَتِهِ رَجَبٍ. وَإِنْ جَعَلَ مَحَلَّهُ نِصْفَ رَجَبٍ أَوْ انْقِضَاءَهُ صَحَّ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْعِوَضِ الْحَاصِلِ فِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهَا فَيَكُونُ مَحَلُّهَا غَيْرَ مَحَلِّ الدِّينَارِ. (وَتُسَنُّ) الْكِتَابَةُ (لِمَنْ) أَيْ: رَقِيقٍ (عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا) لِلْآيَةِ (وَهُوَ) أَيْ: الْخَيْرُ (الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ) قَالَ أَحْمَدُ: الْخَيْرُ صِدْقٌ وَصَلَاحٌ وَوَفَاءٌ بِمَالِ الْكِتَابَةِ. وَنَحْوِهِ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي ذَلِكَ. وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ لِحَدِيثِ {لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ} وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ فَلَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ. (وَتُكْرَهُ) الْكِتَابَةُ (لِمَنْ لَا كَسْبَ لَهُ) لِئَلَّا يَصِيرَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ وَيَحْتَاجَ إلَى الْمَسْأَلَةِ. (وَتَصِحُّ) الْكِتَابَةُ (لِمُبَعَّضٍ) بِأَنْ يُكَاتِبَ السَّيِّدُ بَعْضَ عَبْدِهِ مَعَ حُرِّيَّةِ بَعْضِهِ. (وَ) تَصِحُّ كِتَابَةُ رَقِيقٍ (مُمَيِّزٍ)؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَبَيْعُهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَصَحَّتْ كِتَابَتُهُ كَالْمُكَلَّفِ. وَإِيجَابُ سَيِّدِهِ الْكِتَابَةَ لَهُ إذْنٌ لَهُ فِي قَبُولِهَا بِخِلَافِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ لَكِنْ يُعْتَقَانِ بِالتَّعْلِيقِ، إنْ عَلَّقَ عِتْقَهُمَا عَلَى الْأَدَاءِ صَرِيحًا. وَ(لَا) تَصِحُّ الْكِتَابَةُ (مِنْهُ) أَيْ: الْمُمَيِّزِ بِأَنْ يُكَاتِبَ مُمَيِّزٌ رَقِيقَهُ (إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ)؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ الْمُمَيِّزِ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَالْبَيْعِ. (وَلَا) تَصِحُّ كِتَابَةٌ (مِنْ) سَيِّدٍ (غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) كَسَفِيهٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ كَالْبَيْعِ (وَلَا) أَيْ: وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةٌ (بِغَيْرِ قَوْلٍ)؛ لِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ لَا تَمَكُّنَ فِيهَا صَرِيحًا (وَتَنْعَقِدُ) الْكِتَابَةُ (بِ) قَوْلِ سَيِّدٍ لِرَقِيقِهِ (كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا مَعَ قَبُولِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ الْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّهُ لَفْظُهَا الْمَوْضُوعُ لَهَا فَانْعَقَدَتْ بِمُجَرَّدِهِ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ (فَإِذَا أَدَّيْتَ) إلَيَّ مَا كَاتَبْتُك عَلَيْهِ (فَأَنْتَ حُرٌّ)؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُوجِبُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ. فَتَثْبُتُ عِنْدَ تَمَامِهِ كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ وُضِعَ لِلْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، فَلَمْ تَحْتَجْ إلَى لَفْظِ الْعِتْقِ كَالتَّدْبِيرِ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابَةِ عَلَى الْمُخَارَجَةِ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُحْتَمَلَ يَنْصَرِفُ بِالْقَرَائِنِ إلَى أَحَدِ مَعَانِيهِ. وَمَالُ الْمُكَاتَبِ حَالَةَ الْكِتَابَةِ لِسَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُكَاتَبُ (وَمَتَى أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (مَا عَلَيْهِ) مِنْ كِتَابَةٍ (فَقَبَضَهُ) مِنْهُ (سَيِّدُهُ أَوْ وَلِيُّهُ) أَيْ: السَّيِّدُ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَتَقَ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ. عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا {الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثِ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ كِتَابَتَهُ، جَمِيعَ كِتَابَتِهِ، وَدَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَدَّى جَمِيعَ كِتَابَتِهِ لَا يَبْقَى عَبْدًا (أَوْ أَبْرَأَهُ) أَيْ: الْمُكَاتَبَ (سَيِّدُهُ) مِنْ كِتَابَتِهِ (أَوْ) أَبْرَأَهُ (وَارِثٌ) لِسَيِّدِهِ (مُوسِرٌ مِنْ حَقِّهِ) مِنْ كِتَابَتِهِ (عَتَقَ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا فَإِنْ أَدَّى الْبَعْضَ أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ بَرِئَ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ فِيمَا بَقِيَ لِلْخَبَرِ فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ مُعْسِرًا وَأَبْرَأَ مِنْ حَقِّهِ عَتَقَ. نَصِيبُهُ فَقَطْ بِلَا سِرَايَةٍ (وَمَا فَضُلَ بِيَدِهِ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ بَعْدَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ أَوْ إبْرَائِهِ مِنْهُ (فَلَهُ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْلَ عِتْقِهِ فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ. (وَتَنْفَسِخُ) الْكِتَابَةُ (بِمَوْتِهِ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ (قَبْلَ أَدَائِهِ) جَمِيعَ كِتَابَتِهِ سَوَاءٌ خَلَّفَ وَفَاءً أَوْ لَا (وَمَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ عَبْدٌ كَمَا لَوْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ. وَقَدْ تَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَبَطَلَ، وَقَتْلُهُ كَمَوْتِهِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ سَيِّدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ وَلَا قِصَاصَ إنْ قَتَلَهُ حُرٌّ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ سَيِّدُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ شَيْءٌ لَكَانَ لَهُ، وَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ لِزَوَالِ الْكِتَابَةِ لَا عَلَى أَنَّهُ وَارِث وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ أَجْنَبِيًّا فَلِسَيِّدِهِ قِيمَتُهُ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَهَا) أَيْ: الْكِتَابَةَ الْمُؤَجَّلَةَ قَبْلَ حُلُولِهَا لِسَيِّدِهِ (وَيَضَعُ) السَّيِّدُ (عَنْهُ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ (بَعْضَهَا) أَيْ: الْكِتَابَةِ فَلَوْ كَانَ النَّجْمُ مِائَةً وَعَجَّلَ مِنْهُ أَوْ صَالَحَهُ عَنْهُ عَلَى سِتِّينَ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الْبَاقِي صَحَّ؛ لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَمَا يُؤَدِّيهِ إلَى سَيِّدِهِ كَسْبُ عَبْدِهِ. وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا الْعَقْدَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ وَأَوْجَبَ فِيهِ التَّأْجِيلَ مُبَالَغَةً فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْمُكَاتَبِ. فَإِذَا عَجَّلَ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ بِهِ بَعْضُ مَا عَلَيْهِ كَانَ أَبْلَغَ فِيهِ حُصُولُ الْعِتْقِ وَأَخَفَّ عَلَى الْعَبْدِ وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ الدُّيُونِ، وَيُفَارِقُ الْأَجَانِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَبْدُهُ، فَهُوَ أَشْبَهُ بِعَبْدِهِ الْقِنِّ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْأَجَلِ وَالدَّيْنِ، كَأَنْ حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ: فَقَالَ أَخِّرْهُ إلَى كَذَا وَأَزِيدُكَ كَذَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُحَرَّمِ. (وَيَلْزَمُ سَيِّدًا) عَجَّلَ لَهُ مُكَاتَبُهُ كِتَابَتَهُ (أَخْذُ مُعَجَّلِهِ بِلَا ضَرَرٍ) عَلَى السَّيِّدِ فِي قَبْضِهَا وَيَعْتِقُ (فَإِنْ أَبَى) السَّيِّدُ أَخْذَهَا (جَعَلَهَا إمَامٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ) رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. فَإِذَا قَدَّمَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَسَقَطَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنْ تَلِفَ بِبَيْتِ الْمَالِ ضَاعَ عَلَى السَّيِّدِ لِقِيَامِ قَبْضِ الْإِمَامِ مَقَامَ قَبْضِهِ، لِامْتِنَاعِهِ بِلَا حَقٍّ فَإِذَا كَانَ ضَرَرٌ عَلَى السَّيِّدِ بِقَبْضِهَا كَأَنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِطَرِيقٍ مَخُوفٍ أَوْ احْتَاجَتْ إلَى مَخْزَنٍ كَالطَّعَامِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْتِزَامُ ضَرَرٍ وَلَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ، وَلَا يُعْتَقُ بِبَذْلِهِ إذًا. (وَمَتَى بَانَ بِعِوَضٍ دَفَعَهُ) مُكَاتَبٌ لِسَيِّدِهِ عَنْ الْكِتَابَةِ (عَيْبٌ فَلَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (أَرْشُهُ) إنْ أَمْسَكَهُ (أَوْ عَوَّضَهُ) أَيْ: الْمَعِيبَ (بِرَدِّهِ) عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ عِوَضِهَا وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْمُكَاتَبِ رَقِيقًا فَوَجَبَ أَرْشُ الْعَيْبِ أَوْ عِوَضُ الْمَعِيبِ جَبْرًا لِمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْعَقْدِ (وَلَمْ يَرْتَفِعْ عِتْقُهُ)؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ بِعِوَضٍ فَلَا يُبْطِلُهُ رَدُّ الْعِوَضِ بِالْعَيْبِ كَالْخُلْعِ. (وَلَوْ أَخَذَ سَيِّدُهُ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ مِنْهُ (حَقَّهُ ظَاهِرًا ثُمَّ قَالَ) السَّيِّدُ (هُوَ حُرٌّ ثُمَّ بَانَ) مَا دَفَعَهُ (مُسْتَحَقًّا) أَيْ: مَغْصُوبًا وَنَحْوَهُ (لَمْ يُعْتَقْ) لِفَسَادِ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا قَالَ: هُوَ حُرٌّ اعْتِمَادًا عَلَى صِحَّةِ الْقَبْضِ (وَإِنْ ادَّعَى) السَّيِّدُ (تَحْرِيمَهُ) أَيْ: مَا أَرَادَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يُقْبِضَهُ لَهُ، بِأَنْ قَالَ: لَا أَقْبِضُهُ؛ لِأَنَّهُ غَصْبٌ أَوْ سَرِقَةٌ وَنَحْوُهُ وَأَنْكَرَهُ الْمُكَاتَبُ (قُبِلَ) قَوْلُ السَّيِّدِ (بِبَيِّنَةٍ) وَسُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي أَنْ لَا يَقْتَضِيَ دَيْنَهُ مِنْ حَرَامٍ، وَلَا يَأْمَنُ رُجُوعَ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ بِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لِلسَّيِّدِ بَيِّنَةٌ (حَلَفَ الْعَبْدُ) أَنَّهُ مَلَكَهُ (ثُمَّ يَجِبُ) عَلَى السَّيِّدِ (أَخْذُهُ وَيُعْتَقُ) الْمُكَاتَبُ (بِهِ) أَيْ: بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مَلَكَهُ (ثُمَّ يَلْزَمُهُ) أَيْ: السَّيِّدَ (رَدُّ) مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ حَرَامٌ (إلَى مَنْ أَضَافَهُ إلَيْهِ) إنْ كَانَ أَضَافَهُ لِمُعَيَّنٍ بِأَنْ قَالَ غَصَبَهُ مِنْ زَيْدٍ فَيَرُدَّهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْمُكَاتَبِ (وَإِنْ نَكَلَ) مُكَاتَبٌ عَنْ الْحَلِفِ أَنَّ مَا بِيَدِهِ مِلْكُهُ (حَلَفَ سَيِّدُهُ) أَنَّهُ حَرَامٌ وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ. (وَلَهُ) أَيْ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنَانِ: دَيْنُ الْكِتَابَةِ وَدَيْنٌ عَنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ نَحْوِهِ (قَبَضَ مَا لَا يَفِي بِدَيْنِهِ وَدَيْنِ الْكِتَابَةِ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ) بِأَنْ يَنْوِيَ السَّيِّدُ بِمَا يَقْبِضُهُ أَنَّهُ عَنْ غَيْرِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (وَ) لَهُ (تَعْجِيزُهُ) إذَا قَبَضَ مَا بِيَدِهِ عَنْ غَيْرِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ مَا يُوَفِّي كِتَابَتَهُ مِنْهُ و(لَا) يَمْلِكُ السَّيِّدُ تَعْجِيزَهُ (قَبْلَ أَخْذِهِ ذَلِكَ) الَّذِي بِيَدِهِ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ (عَنْ جِهَةِ الدَّيْنِ) لِأَنَّ بِيَدِهِ مَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَالِاعْتِبَارُ بِقَصْدِ سَيِّدِهِ) دُونَ الْمُكَاتَبِ الدَّافِعِ. (وَفَائِدَتُهُ) أَيْ اعْتِبَارِ قَصْدِ السَّيِّدِ (يَمِينَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (عِنْدَ النِّزَاعِ) أَيْ الِاخْتِلَافِ فِي نِيَّتِهِ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِهَا. وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ فِي الرَّهْنِ: لَوْ قَضَى بَعْضَ دَيْنِهِ أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ وَبِبَعْضِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ كَانَ عَمَّا نَوَاهُ الدَّافِعُ أَوْ الْمُبَرِّئُ وَالْقَوْلُ قَوْلٌ فِي النِّيَّةِ. قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: فَقِيَاسُ هَذَا أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ لَا لِسَيِّدِهِ وَقَالَ عَمَّا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَيَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ كَسْبَهُ وَنَفْعَهُ وَكُلَّ تَصَرُّفٍ يُصْلِحُ مَالَهُ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَاسْتِئْجَارٍ وَاسْتِدَانَةٍ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ وُضِعَتْ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ. وَلَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ إلَّا بِأَدَاءِ عِوَضِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْأَدَاءُ إلَّا بِالتَّكَسُّبِ، وَهَذَا أَقْوَى أَسْبَابِهِ. وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّ {تِسْعَةَ أَعْشَارِ الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ} (وَتَتَعَلَّقُ) اسْتِدَانَتُهُ (بِذِمَّتِهِ) أَيْ ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ (يُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ عِتْقٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ كَسْبَهُ صَارَتْ ذِمَّتُهُ قَابِلَةً لِلِاشْتِغَالِ وَلِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ. فَلَيْسَ مِنْ سَيِّدِهِ غَرَرٌ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ (وَسَفَرُهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (كَ) سَفَرِ (غَرِيمٍ) فَلِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ (وَلَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (أَخْذُ صَدَقَةٍ) وَاجِبَةٍ وَمُسْتَحَبَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} وَإِذَا جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْوَاجِبَةِ فَالْمُسْتَحَبَّةُ أَوْلَى. (وَيَلْزَمُ) مُكَاتَبًا (شَرَطَ) سَيِّدٌ عَلَيْهِ (تَرْكَهُمَا) أَيْ السَّفَرِ وَأَخْذِ الصَّدَقَةِ (كَ) مَا يَلْزَمُ (الْعَقْدَ) أَيْ عَقْدُ الْكِتَابَةِ (فَيَمْلِكُ) سَيِّدُهُ (تَعْجِيزَهُ) بِسَفَرِهِ أَوْ أَخْذِهِ الصَّدَقَةَ عِنْدَ شَرْطِ تَرْكِهِمَا لِحَدِيثِ {الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ} وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ. قَالَ أَحْمَدُ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (هُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ) إنْ رَأَيْتَهُ يَسْأَلُ تَنْهَاهُ فَإِنْ قَالَ لَا أَعُودُ لَمْ يَرُدَّهُ عَنْ كِتَابَتِهِ فِي مَرَّةٍ. فَظَاهِرُهُ إنْ خَالَفَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَهُ تَعْجِيزُهُ. وَلَا يَصِحُّ (شَرْطُهُ) أَيْ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ (نَوْعَ تِجَارَةٍ) كَأَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَّجِرُ إلَّا فِي نَوْعِ كَذَا لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، كَشَرْطِهِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَّجِرَ. (وَ) يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ (أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ) وَزَوْجَتِهِ (وَرَقِيقِهِ وَوَلَدِهِ التَّابِعِ لَهُ) فِي كِتَابَتِهِ مِنْ كَسْبِهِ (كَ) وَلَدِهِ (مِنْ أَمَتِهِ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَابِعَةٌ لِلْكَسْبِ وَكَسْبُ مَنْ ذُكِرَ كُلُّهُ لِلْمُكَاتَبِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدُهُ تَابِعًا لَهُ بِأَنْ كَانَ مِنْ زَوْجَتِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ (فَإِنْ) عَجَزَ مُكَاتَبٌ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ (وَلَمْ يَفْسَخْ سَيِّدُهُ كِتَابَتَهُ لِعَجْزِهِ لَزِمَتْهُ) أَيْ السَّيِّدَ (النَّفَقَةُ) عَلَى مَنْ ذُكِرَ وَلِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ أَرِقَّائِهِ. (وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ النَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ أَمَةٍ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ) وَلَوْ وُلِدَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ وَلَيْسَ الْمُكَاتَبُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ (وَيَتْبَعُهُ) أَيْ الْمُكَاتَبُ وَلَدُهُ فِي كِتَابَتِهِ (مِنْ أَمَةِ سَيِّدِهِ بِشَرْطِهِ) أَيْ اشْتِرَاطِهِ ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ فِي الْعَقْدِ، لِحَدِيثِ {الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ} فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَوَلَدُهُ قِنٌّ لِسَيِّدِهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ (مِنْ مُكَاتِبِهِ وَلَوْ) كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ (لِسَيِّدِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (عَلَى أُمِّهِ) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا وَكَسْبُهُ لَهَا. (وَلَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (أَنْ يَقْتَصَّ لِنَفْسِهِ) وَلَوْ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ (مِنْ جَانٍ عَلَى طَرَفِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ لَوْ عَفَا عَنْ مَالٍ لَكَانَ لَهُ. فَكَذَا بَدَلُهُ. وَ(لَا) يَمْلِكُ أَنْ يَقْتَصَّ (مِنْ بَعْضِ رَقِيقِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ سَيِّدِهِ بِإِتْلَافِ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ بِلَا إذْنِهِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَزَ فَيَعُودُ الرَّقِيقُ إلَى سَيِّدِهِ نَاقِصًا. وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُ قَاصِرٌ عَلَى مَا يَبْتَغِي بِفِعْلِهِ الْمَصْلَحَةَ دُونَ غَيْرِهِ وَلَهُ خَتْنُهُمْ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِمْ. (وَلَا) يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ (أَنْ يُكَفِّرَ بِمَالٍ) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُعْسِرِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ وَلَا نَفَقَةُ قَرِيبٍ حُرٍّ. وَيُبَاحُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ (أَوْ) أَيْ وَلَا أَنْ (يُسَافِرَ) مُكَاتَبٌ (لِجِهَادٍ) لِتَفْوِيتِ حَقِّ سَيِّدِهِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (أَوْ يَتَزَوَّجَ) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ حَدِيثِ {أَيُّمَا عَبْدٍ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ} وَلِأَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ ضَرَرًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى أَدَاءِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ مِنْ كَسْبِهِ وَرُبَّمَا عَجَزَ وَرَقَّ فَيَرْجِعُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ (أَوْ يَتَسَرَّى) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى السَّيِّدِ وَرُبَّمَا أَحْبَلَهَا فَتَتْلَفُ أَوْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا فِي أَدَاءِ الْكِتَابَةِ (أَوْ يَتَبَرَّعَ) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ سَيِّدِهِ بِمَالِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ عَلَى مَالِهِ (أَوْ يُقْرِضَ) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ فَرُبَّمَا أَفْلَسَ الْمُقْتَرِضُ أَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أَوْ هَرَبَ (أَوْ يُحَابِيَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ (أَوْ يَرْهَنَ أَوْ يُضَارِبَ أَوْ يَبِيعَ نَسَاءً وَلَوْ بِرَهْنٍ أَوْ يَهَبَ وَلَوْ بِعِوَضٍ أَوْ يُزَوِّجَ رَقِيقَهُ أَوْ يَحُدُّهُ أَوْ يُعْتِقَهُ وَلَوْ بِمَالٍ أَوْ يُكَاتِبَهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) فِي الْكُلِّ لِأَنَّ حَقَّ سَيِّدِهِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ إذْ رُبَّمَا عَجَزَ فَعَادَ إلَيْهِ كُلُّ مَا فِي مِلْكِهِ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ السَّيِّدِ فَإِذَا أَذِنَ زَالَ الْمَانِعُ (وَالْوَلَاءُ) عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُ الْمُكَاتَبُ أَوْ كَاتَبَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَأَدَّى مَا عَلَيْهِ (لِلسَّيِّدِ) لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَوَكِيلِهِ فِي ذَلِكَ. (وَلَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (تَمَلُّكُ رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ) كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ (بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَ) لَهُ (شِرَاؤُهُمْ وَفِدَاؤُهُمْ) إذَا جَنَوْا وَهُمْ بِيَدِهِ (وَلَوْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِمَالِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِحُرِّيَّتِهِمْ بِتَقْدِيرِ عِتْقِهِ وَالْعِتْقُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ (كَسْبُهُمْ) أَيْ مَنْ صَارَ إلَيْهِ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ لِأَنَّهُمْ عَبِيدُهُ أَشْبَهُوا الْأَجَانِبَ (وَلَا يَبِيعُهُمْ) أَيْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ الْمُكَاتَبُ ذَوِي رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ لَوْ كَانَ حُرًّا فَلَا يَمْلِكُهُ مُكَاتَبًا (فَإِنْ عَجَزَ رَقُّوا مَعَهُ) لِأَنَّهُمْ مِنْ مَالِهِ فَيَصِيرُونَ لِلسَّيِّدِ كَعَبِيدِهِ الْأَجَانِبِ. (وَإِنْ أَدَّى عَتَقُوا مَعَهُ) لِكَمَالِ مِلْكِهِ فِيهِمْ وَزَوَالِ تَعَلُّقِ حَقِّ سَيِّدِهِ عَنْهُمْ (وَكَذَا وَلَدُهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (مِنْ أَمَتِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَقَّ وَلَدُهُ مَعَهُ وَإِنْ أَدَّى عَتَقَ مَعَهُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ زَوْجَتِهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَتَقَدَّمَ (وَإِنْ أَعْتَقَ) أَيْ أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ بِلَا أَدَاءً (صَارُوا) أَيْ ذُو رَحِمِ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدُهُ مِنْ أَمَتِهِ (أَرِقَّاءَ لِلسَّيِّدِ) كَرَقِيقِهِ الْأَجْنَبِيِّ. إذْ مَا بِيَدِهِ مُعْتَقٌ بِغَيْرِ أَدَاءً لِسَيِّدِهِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ) كَأَبِي سَيِّدِهِ وَعَمِّهِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ (وَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ أَوْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بِلَا أَدَاءً (عَتَقَ) مَنْ بِيَدِهِ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ لِزَوَالِ تَعَلُّقِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ عَنْهُ وَخُلُوصِ مِلْكِهِ لِلسَّيِّدِ. (وَوَلَدُ مُكَاتَبَةٍ وَلَدَتْهُ بَعْدَهَا) أَيْ كِتَابَتِهَا (يَتْبَعُهَا) أَيْ أُمَّهُ الْمُكَاتَبَةُ (فِي عِتْقٍ بِأَدَاءِ) مَالِ الْكِتَابَةِ لِسَيِّدِهَا (أَوْ) أَعْتَقَهَا بِ (إبْرَاءٍ) مِنْ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ مِنْ السَّيِّدِ بِالِاخْتِيَارِ. أَشْبَهَ الِاسْتِيلَادَ. وَلَا يَتْبَعُهَا مَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ (وَلَا) يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ (بِإِعْتَاقِهَا) بِدُونِ أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ كَغَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ. (وَلَا) يَعْتِقُ وَلَدُ مُكَاتَبَةٍ (إنْ مَاتَتْ) قَبْلَ أَدَاءِ مَالِ كِتَابَةٍ أَوْ إبْرَاءٍ مِنْهُ لِبُطْلَانِ الْمُكَاتَبَةِ بِمَوْتِهَا وَكَغَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ (وَوَلَدُ بِنْتِهَا) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ (كَوَلَدِهَا) فَيَعْتِقُ إذَا عَتَقَتْ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ تَبَعًا لِأُمِّهِ و(لَا) يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ (وَلَدُ ابْنِهَا) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْ غَيْرِ أَمَتِهِ لِأَنَّ وَلَدَهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ دُونَ أَبِيهِ. (وَإِنْ اشْتَرَى مُكَاتَبٌ زَوْجَتَهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا) لِمِلْكِ الْمُكَاتَبِ مَا يَشْتَرِيهِ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَغَيْرِهِ وَلِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ. وَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي غَيْرِ مَالِ الْكِتَابَةِ. (وَإِنْ اسْتَوْلَدَ) مُكَاتَبٌ (أَمَتَهُ) ثُمَّ عَتَقَ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ (صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ بَيْعُهَا لِأَنَّ وَلَدَهَا لَهُ حُرْمَةُ الْحُرِّيَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيَعْتِقُ بِعِتْقِ أَبِيهِ أَشْبَهَ وَلَدَ الْحُرِّ مِنْ أَمَتِهِ (وَعَلَى سَيِّدِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (بِجِنَايَتِهِ) أَيْ السَّيِّدِ و(عَلَيْهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (أَرْشُهَا) لِأَنَّ السَّيِّدَ مَعَ مُكَاتَبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَمْثِيلٌ بِهِ فَإِنْ كَانَ عَتَقَ كَمَا سَبَقَ وَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ. (وَ) عَلَى سَيِّدٍ لِمُكَاتَبِهِ (بِحَبْسِهِ مُدَّةً) لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ (أَرْفَقُ الْأَمْرَيْنِ بِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (مِنْ إنْظَارِ مِثْلِهَا) أَيْ مُدَّةَ حَبْسِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِتَابَةِ (أَوْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ) زَمَنَ حَبْسِهِ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ مَلْحُوظٌ فِيهِ حَظُّ الْكَاتِبِ وَقَدْ تَنَازَعَ فِيهِ أَمْرَانِ فَاعْتُبِرَ أَحَظُّهَا لَهُ لِذَلِكَ.
وَيَصِحُّ فِي كُلِّ عَقْدِ كِتَابَةٍ شَرْطُ وَطْءِ مُكَاتَبَتِهِ نَصًّا لِبَقَاءِ أَصْلِ الْمِلْكِ كَرَاهِنٍ يَطَأُ بِشَرْطٍ. ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَلِأَنَّ بُضْعَهَا مِنْ جُمْلَةِ مَنَافِعِهَا فَإِذَا اسْتَثْنَى نَفْعَهُ صَحَّ كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى مَنْفَعَةً أُخْرَى، وَجَازَ وَطْؤُهُ لَهَا لِأَنَّهَا أَمَتُهُ وَهِيَ فِي جَوَازِ وَطْئِهِ لَهَا كَغَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ لِاسْتِثْنَائِهِ (وَلَا) يَصِحُّ شَرْطُ وَطْءِ (بِنْتٍ لَهَا) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ فِيهَا بِالتَّبَعِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ وَطْؤُهَا مُبَاحًا حَالَ الْعَقْدِ فَيَشْتَرِطُهُ (فَإِنْ وَطِئَهَا) أَيْ مُكَاتَبَةً (بِلَا شَرْطٍ) فَلَهَا الْمَهْرُ (أَوْ) وَطِئَ (بِنْتَهَا) أَيْ بِنْتَ مُكَاتَبَتِهِ (الَّتِي فِي مِلْكِهِ أَوْ) وَطِئَ (أَمَتَهَا) أَيْ أَمَةَ مُكَاتَبَتِهِ (فَلَهَا) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ (الْمَهْرُ) عَلَى سَيِّدِهَا. (وَلَوْ) كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ الْمُكَاتَبَةُ أَوْ ابْنَتُهَا أَوْ أَمَتُهَا (مُطَاوِعَةً) لِأَنَّ عَدَمَ مَنْعِهِ مِنْ وَطْئِهَا لَيْسَ إذْنًا فِيهِ. وَلِهَذَا لَوْ رَأَى مَالِكُ مَالٍ مَنْ يُتْلِفُهُ فَلَمْ يَمْنَعْهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ ضَمَانُهُ (وَمَتَى تَكَرَّرَ) وَطْؤُهُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ (وَكَانَ قَدْ أَدَّى) الْمَهْرَ (لِمَا قَبْلَهُ) مِنْ الْوَطْءِ (لَزِمَهُ) مَهْرٌ (آخَرُ) لِوَطْئِهِ بَعْدَ أَدَاءِ مَهْرِ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى مَهْرَ الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْوَطْءَ الثَّانِي وَطْءٌ (وَإِلَّا) يَكُنْ أَدَّى مَهْرًا لِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ (فَلَا) يَلْزَمُهُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ كَوْنُ الْمَوْطُوءَةِ مَمْلُوكَتَهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ سَيِّدِ الْمُكَاتَبَةِ (قِيمَةُ أَمَتِهَا إنْ أَوْلَدَهَا) لِإِتْلَافِهِ لَهَا بِمَنْعِهَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا. وَ(لَا) يَلْزَمُهُ قِيمَةُ (بِنْتِهَا) إنْ أَوْلَدَهَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا قَبْلَ اسْتِيلَادِهَا فَلَمْ يَفُتْ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِاسْتِيلَادِهَا بِخِلَافِ أَمَتِهَا. (وَلَا) يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَيْضًا (قِيمَةُ وَلَدِهِ مِنْ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ أَوْ) أَمَةِ (مُكَاتَبَتِهِ) إنْ اسْتَوْلَدَهَا؛ لِأَنَّ وَلَدَ السَّيِّدِ كَجُزْءٍ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ قِيمَتِهِ لِرَقِيقِهِ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَةُ وَلَدِهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ وَلَا بِنْتِهَا. (وَيُؤَدَّبُ) مَنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ بِلَا شَرْطٍ أَوْ بِنْتَهَا أَوْ أَمَتَهَا أَوْ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبَتِهِ (إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ) لِفِعْلِهِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ (وَتَصِيرُ) مُكَاتَبَتُهُ أَوْ بِنْتُهَا أَوْ أَمَتُهَا أَوْ أَمَةُ مُكَاتَبِهِ (إنْ وَلَدَتْ) مِنْ سَيِّدِهَا سَوَاءٌ شَرَطَ وَطْءَ مُكَاتَبَتِهِ أَوْ لَا (أُمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّهَا أَمَتُهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهَا دِرْهَمٌ (ثُمَّ إنْ أَدَّتْ) مُكَاتَبَتُهُ الَّتِي أَوْلَدَهَا (عَتَقَتْ) وَكَسْبُهَا لَهَا وَلَا تَنْفَسِخُ كِتَابَتُهَا بِاسْتِيلَادِهَا (وَإِنْ مَاتَ) سَيِّدُهَا. (وَ) بَقِيَ (عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ كِتَابَتِهَا سَقَطَ وَعَتَقَتْ) بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ (وَمَا بِيَدِهَا لِوَرَثَتِهِ) أَيْ السَّيِّدِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ (وَلَوْ لَمْ تَعْجِزْ) لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِغَيْرِ أَدَاءً. (وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ سَيِّدٌ مُكَاتَبَهُ) فَلَهُ كُلُّ مَا بِيَدِهِ (وَعِتْقُهُ) أَيْ السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ (فَسْخٌ لِلْكِتَابَةِ) لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا بِصَيْرُورَتِهِ حُرًّا (وَلَوْ) كَانَ عِتْقُهُ (فِي غَيْرِ كَفَّارَةٍ) وَيَصِحُّ عِتْقُهُ فِي الْكَفَّارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ وَيَأْتِي. (وَمَنْ كَاتَبَهَا شَرِيكَانِ) فِيهَا (ثُمَّ وَطِئَهَا فَلَهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (مَهْرٌ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ، لَهَا فَيَضْمَنُهَا لَهَا مُتْلِفًا كَالْأَجْنَبِيِّ (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَوْ لَمْ تَعْجِزْ) فَتَبْقَى عَلَى كِتَابَتِهَا (وَيَغْرَمُ) مَنْ صَارَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ (لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْهَا) مُكَاتَبَةً لِسَرَيَانِ الِاسْتِيلَادِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَكِتَابَتُهَا بِحَالِهَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْهَا. (وَ) يَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ (نَظِيرَهَا) أَيْ حِصَّتَهُ (مِنْ وَلَدِهَا) لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ. وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا يَأْتِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الْوَلَدِ. (وَإِنْ أُلْحِقَ) وَلَدُ مُكَاتَبَةٍ وَطِئَهَا سَيِّدَاهَا (بِهِمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِمَا) لِأَنَّهُ لَا تُمْكِنُ سِرَايَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى وَكِتَابَتُهَا بِحَالِهَا. فَإِنْ أَدَّتْ إلَيْهِمَا عَتَقَتْ فِي حَيَاتِهِمَا وَمَا بِيَدِهَا لَهَا، وَإِلَّا فَإِنَّهُ (يَعْتِقُ نِصْفُهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ نِصْفَهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ (وَ) يَعْتِقُ (بَاقِيهَا بِمَوْتِ الْآخَرِ) لِمَا سَبَقَ.
وَيَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي الْمُكَاتَبِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِقِصَّةِ بَرِيرَةَ حِينَ اشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ بِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِي الْقِصَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ عَجَزَتْ، بَلْ اسْتِعَانَتُهَا بِهَا دَلِيلُ بَقَاءِ كِتَابَتِهَا وَيُقَاسُ عَلَى الْبَيْعِ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا (وَلِمُشْتَرٍ) مُكَاتَبًا (جَعَلَ لَهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ (الرَّدُّ أَوْ الْأَرْشُ) لِأَنَّهَا عَيْبٌ فِي الرَّقِيقِ لِنَقْصِ قِيمَتِهِ بِمِلْكِهِ نَفْعَهُ وَكَسْبَهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمُشْتَرِي إنْ أَمْسَكَ (كَبَائِعٍ فِي عِتْقٍ بِأَدَاءٍ) لِلُزُومِ الْكِتَابَةِ فَلَا تَنْفَسِخُ بِنَقْلِ الْمِلْكِ فِيهِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْوَلَاءُ) عَلَى الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى إلَيْهِ وَعَتَقَ لِعِتْقِهِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ (وَ) مُشْتَرٍ كَبَائِعٍ فِي (عَوْدِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (قِنًّا بِعَجْزِهِ) عَنْ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْبَائِعِ. (فَلَوْ اشْتَرَى كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ مُكَاتِبِي شَخْصٍ) الْآخَرَ (أَوْ) اشْتَرَى كُلٌّ مِنْ مُكَاتِبِي شَخْصَيْنِ (اثْنَيْنِ الْآخَرَ صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ) لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ شِرَاءُ الْعَبِيدِ فَصَحَّ شِرَاؤُهُ لِلْمُكَاتَبِ كَشِرَائِهِ لِلْقِنِّ وَبَطَلَ شِرَاءُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ لِإِفْضَائِهِ إلَى تَنَاقُضِ الْأَحْكَامِ (فَإِنْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا) أَيْ الْبَيْعَيْنِ (بَطَلَا) لِاشْتِبَاهِ الصَّحِيحِ بِالْبَاطِلِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ وَجُهِلَتْ السَّابِقَةُ وَيُرَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى كِتَابَتِهِ. (وَإِنْ أُسِرَ) أَيْ إنْ أَسَرَ الْكُفَّارُ الْمُكَاتَبَ (فَاشْتُرِيَ) مِنْهُمْ أَوْ وَقَعَ فِي قَسْمِ أَحَدِ الْغَانِمِينَ (فَأَحَبَّ سَيِّدُهُ أَخْذَهُ) مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْكُفَّارِ (بِمَا اشْتَرَى بِهِ) فَلَهُ ذَلِكَ وَكِتَابَتُهُ بِحَالِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُحِبَّ السَّيِّدُ أَخْذَهُ بِذَلِكَ مِنْهُ بَقِيَ بِيَدِ مُشْتَرِيهِ (فَإِذَا أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (لِمُشْتَرِيهِ) أَوْ لِمَنْ وَقَعَ فِي قِسْمَتِهِ (مَا بَقِيَ) عَلَيْهِ (مِنْ كِتَابَتِهِ عَتَقَ) لِلُزُومِ الْكِتَابَةِ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِالْأَسْرِ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى (وَوَلَاؤُهُ لَهُ) أَيْ لِمُشْتَرِيهِ لِعِتْقِهِ فِي مِلْكِهِ (وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (بِمُدَّةِ الْأَسْرِ) الَّتِي هُوَ فِيهَا عِنْدَ الْكُفَّارِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَفْرِيطِهِ وَلَا فِعْلِهِ (فَلَا يَعْجِزُ) الْمُكَاتَبُ (حَتَّى يَمْضِيَ) عَلَيْهِ (بَعْدَ الْأَجَلِ مِثْلُهَا) أَيْ مُدَّةِ الْأَسْرِ فَتُلْغَى مُدَّةُ الْأَسْرِ، وَيُبْنَى عَلَى مَا مَضَى. (وَعَلَى مُكَاتَبٍ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ) فِدَاءُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَعَ سَيِّدِهِ كَالْحُرِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ. فَكَذَا فِي الْجِنَايَاتِ (أَوْ) أَيْ وَعَلَى مُكَاتَبٍ جَنَى عَلَى (أَجْنَبِيٍّ فِدَاءُ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ الْجَانِي وَقَدْ مَلَكَ نَفْعَهُ وَكَسْبَهُ. أَشْبَهَ الْحُرَّ، ثُمَّ إنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَر مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَفْدِي نَفْسَهُ (بِقِيمَتِهِ فَقَطْ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ، لِأَنَّهُ عَبْدٌ وَالْقِيمَةُ بَدَلٌ مِنْ رَقَبَتِهِ (مُقَدِّمًا) فِدَاءَ نَفْسِهِ (عَلَى) دَيْنِ (كِتَابَتِهِ) لِتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْكِتَابَةِ بِذِمَّتِهِ، وَلِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ الْقِنِّ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي الْمُكَاتَبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (فَإِنْ أَدَّى) مُكَاتَبٌ جَانٍ كِتَابَتَهُ (مُبَادِرًا) قَبْلَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (وَلَيْسَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ) فِي مَالِهِ (عَتَقَ) لِصِحَّةِ أَدَائِهِ، لِأَنَّهُ قَضَى حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ كَقَضَاءِ مَدِينٍ بَعْضَ غُرَمَائِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (وَاسْتِقْرَارُ الْفِدَاءِ) أَيْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَا بَعْدَهُ. فَإِنْ سَأَلَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَحَجَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ لَمْ يَصِحَّ دَفْعُهُ إلَى سَيِّدِهِ، فَلَا يَعْتِقُ بِهِ وَارْتَجَعَهُ حَاكِمٌ فَدَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مُسْتَقِرٌّ وَدَيْنَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. (وَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ الْجَانِيَ (سَيِّدُهُ لَزِمَهُ) مَا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالْجِنَايَةِ وَهُوَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهَا وَقِيمَتِهِ، لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مَحَلَّ تَعْلِيقِهَا وَهُوَ رَقَبَةُ الْجَانِي (وَكَذَا إنْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ الْجَانِيَ السَّيِّدُ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِإِتْلَافِهِ مَالِيَّتَهُ بِعِتْقِهِ (وَيَسْقُطُ) أَرْشُ جِنَايَتِهِ بِقَتْلِ سَيِّدِهِ أَوْ عِتْقِهِ إيَّاهُ (إنْ كَانَتْ) جِنَايَتُهُ (عَلَى سَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَالِيَّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ دَيْنُ نَفْسِهِ. (وَإِنْ عَجَزَ مُكَاتَبٌ) جَانٍ عَنْ فِدَاءِ نَفْسِهِ (وَهِيَ) أَيْ الْجِنَايَةُ (عَلَى سَيِّدِهِ فَلَهُ) أَيْ سَيِّدِهِ (تَعْجِيزُهُ) أَيْ عَوْدُهُ إلَى الرِّقِّ، لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ حَقٌّ عَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ عَادَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ رَقَبَتُهُ (وَإِنْ فَدَاهُ) فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ (وَإِلَّا بِيعَ فِيهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ (قِنًّا) أَيْ غَيْرَ مُكَاتَبٍ لِبُطْلَانِ كِتَابَتِهِ بِتَعْلِيقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَقَبَتِهِ (وَيَجِبُ فِدَاءُ جِنَايَتِهِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى سَيِّدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (أَوْ أَرْشِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ كَانَ الْأَرْشُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا مَوْضِعَ لَهَا. وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِهَا. (وَإِنْ عَجَزَ) مُكَاتَبٌ (عَنْ دُيُونِ مُعَامَلَةٍ لَزِمَتْهُ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ) لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْأَحْرَارِ فَيُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ عِتْقِهِ، لِأَنَّهُ حَالُ يَسَارِهِ. وَخَرَجَ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْإِتْلَافَاتِ وَتَقَدَّمَ (فَيُقَدِّمُهَا) أَيْ دُيُونَ الْمُعَامَلَةِ عَلَى دَيْنِ كِتَابَتِهِ إنْ كَانَ (مَحْجُورًا عَلَيْهِ) بِأَنْ ضَاقَتْ دُيُونُهُ عَنْهَا وَسَأَلَ غُرَمَاؤُهُ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فَحَجَرَ عَلَيْهِ (بَعْدَ تَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (فَلِهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (مَالٌ فَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ تَعْجِيزُهُ) بِعَوْدِهِ إلَى الرِّقِّ (بِخِلَافِ أَرْشِ) جِنَايَةٍ لِتَعَلُّقِهِ بِرَقَبَتِهِ (وَ) بِخِلَافِ (دَيْنِ كِتَابَةٍ) لِأَنَّهُ بَدَلُ رَقَبَتِهِ (وَيَشْتَرِطُ رَبُّ دَيْنٍ) مُعَامَلَةً (وَ) رَبُّ (أَرْشٍ) جِنَايَةً فِي تَرِكَةِ مُكَاتَبٍ (بَعْدَ مَوْتِهِ) فَيَتَحَاصَّانِ لِفَوَاتِ الرَّقَبَةِ (وَلِ) لْمُكَاتَبِ (غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ أَيِّ دَيْنٍ شَاءَ) مِنْ دَيْنِ كِتَابَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ كَالْحُرِّ.
(وَالْكِتَابَةُ) الصَّحِيحَةُ (عَقْدٌ لَازِمٌ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ (لَا يَدْخُلُهَا خِيَارٌ) لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا تَحْصِيلُ الْعِتْقِ فَكَأَنَّ السَّيِّدَ عَلَّقَ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ لِاسْتِدْرَاكِ مَا يَحْصُلُ لِلْعَاقِدَيْنِ مِنْ الْغَبْنِ وَالسَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ دَخَلَا فِيهِ مُتَطَوِّعَيْنِ رَاضِيَيْنِ بِالْغَبْنِ (وَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا فَسْخَهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ) كَإِذَا جَاءَ رَجَبٌ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا كَبَاقِي الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ. وَخَرَجَ بِالْمُسْتَقْبَلِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرُ، كَإِنْ كُنْت عَبْدِي وَنَحْوِهِ فَقَدْ كَاتَبْتُك (وَلَا تَنْفَسِخُ) الْكِتَابَةُ (بِمَوْتِ سَيِّدٍ وَلَا جُنُونِهِ وَلَا حَجْرٍ عَلَيْهِ) لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ كَبَقِيَّةِ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ (وَيَعْتِقُ) الْمُكَاتَبُ (بِأَدَاءٍ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ السَّيِّدِ مِنْ وَلِيِّهِ وَكَوَكِيلِهِ أَوْ الْحَاكِمِ مَعَ غَيْبَةِ سَيِّدِهِ (أَوْ) بِأَدَاءٍ إلَى (وَارِثِهِ) أَيْ السَّيِّدِ إنْ مَاتَ وَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ لَا لِلْوَارِثِ كَمَا لَوْ وَصَّى بِمَا عَلَيْهِ لِشَخْصٍ فَأَدَّى إلَيْهِ. (وَإِنْ حَلَّ) عَلَى الْمُكَاتَبِ (نَجْمٌ) مِنْ كِتَابَتِهِ (فَلَمْ يُؤَدِّهِ فَلِسَيِّدِهِ الْفَسْخُ) كَمَا لَوْ أَعْسَرَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ (بِلَا حُكْمِ) حَاكِمٍ كَرَدِّ الْمَعِيبِ. (وَيَلْزَمُ) سَيِّدًا (إنْظَارُهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ فَسْخِ كِتَابَتِهِ (ثَلَاثًا) إنْ اسْتَنْظَرَهُ الْمُكَاتَبُ (لِبَيْعِ عَرْضٍ وَلِمَالٍ غَائِبٍ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ يَرْجُو قُدُومَهُ وَلِدَيْنٍ حَالٍّ عَلَى مَلِيءٍ أَوْ) لِمَالٍ (مُودَعٍ) قَصْدًا لِحَظِّ الْمُكَاتَبِ وَالرِّفْقِ بِهِ مَعَ عَدَمِ الْإِضْرَارِ بِالسَّيِّدِ. وَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ وَالْمُكَاتَبُ غَائِبٌ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ وَبِإِذْنِهِ يَكْتُبُ الْحَاكِمُ إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ الْمُكَاتَبُ يَأْمُرُهُ بِالْأَدَاءِ أَوْ يُثْبِتُ عَجْزَهُ لِيَفْسَخَ السَّيِّدُ أَوْ وَكِيلُهُ. فَإِنْ قَدَرَ الْمُكَاتَبُ عَلَى الْوَفَاءِ وَلَمْ يَحْضُرْ وَلَمْ يُوَكِّلْ مَنْ يُؤَدِّي عَنْهُ مَعَ الْإِمْكَانِ وَمَضَى زَمَنُ السَّيْرِ عَادَةً فَلِسَيِّدِهِ الْفَسْخُ (وَلِمُكَاتَبٍ قَادِرٍ عَلَى كَسْبٍ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ) بِتَرْكِ التَّكَسُّبِ لِأَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَيْهِ، وَمُعْظَمُ الْقَصْدِ بِالْكِتَابَةِ تَخْلِيصُهُ مِنْ الرِّقِّ. فَإِذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يَمْلِكْ) الْمُكَاتَبُ (وَفَاءً) لِكِتَابَتِهِ فَإِنْ مَلَكَهُ لَمْ يَمْلِكْ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَدَاءِ وَهُوَ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا مَعَ حُصُولِ سَبَبِهَا بِلَا كُلْفَةٍ و(لَا) يَمْلِكُ مُكَاتَبٌ (فَسْخَهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ لِلُزُومِهَا (فَإِنْ مَلَكَهُ) أَيْ الْوَفَاءَ مُكَاتَبٌ (أُجْبِرَ عَلَى أَدَائِهِ) لِسَيِّدِهِ (ثُمَّ عَتَقَ) بِأَدَائِهِ وَلَا يَعْتِقُ بِنَفْسِ الْمِلْكِ لِلْخَبَرِ، وَلِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ قَبْلَ أَدَائِهِ فَيَفُوتُ عَلَى السَّيِّدِ. (فَإِنْ مَاتَ) مُكَاتَبٌ (قَبْلَهُ) أَيْ الْوَفَاءِ (انْفَسَخَتْ) وَلَوْ مَلَكَ وَفَاءً لِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا فَمَالُهُ جَمِيعُهُ لِسَيِّدِهِ (وَيَصِحُّ فَسْخُهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ (بِاتِّفَاقِهِمَا) أَيْ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ فَيَصِحُّ أَنْ يَتَقَايَلَا أَحْكَامَهَا قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ قَالَهُ فِي الْكَافِي. وَفِي الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (وَلَوْ زَوَّجَ) السَّيِّدُ (امْرَأَةً تَرِثُهُ) إنْ مَاتَ (مِنْ مُكَاتَبِهِ وَصَحَّ) النِّكَاحُ بِأَنْ قُلْنَا الْكَفَاءَةُ شَرْطٌ لِلُّزُومِ لَا لِلصِّحَّةِ، أَوْ حَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ (ثُمَّ مَاتَ) السَّيِّدُ (انْفَسَخَ النِّكَاحُ) لِمِلْكِهَا زَوْجَهَا أَوْ بَعْضَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا (وَكَذَا لَوْ وَرِثَ) زَوْجٌ حُرٌّ (زَوْجَتَهُ الْمُكَاتَبَةَ أَوْ) زَوْجَةً (غَيْرَهَا) أَوْ جُزْءًا مِنْهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ أَبْطَلَهُ. (وَيَلْزَمُ أَنْ يُؤَدِّيَ) السَّيِّدُ (إلَى مَنْ أَدَّى كِتَابَتَهُ) كُلَّهَا (رُبْعَهَا) أَمَّا وُجُوبُ الْإِيتَاءِ بِلَا تَقْدِيرٍ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَأَمَّا كَوْنُهُ رُبْعَ مَالِ الْكِتَابَةِ فَلِمَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ {رُبْعُ الْكِتَابَةِ}. وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْ عَلِيٍّ وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ إيتَاؤُهُ بِالشَّرْعِ مُوَاسَاةً فَكَانَ مُقَدَّرًا كَالزَّكَاةِ. وَحِكْمَتُهُ الرِّفْقُ بِالْمُكَاتَبِ وَفَارَقَتْ الْكِتَابَةُ فِي ذَلِكَ سَائِرَ الْعُقُودِ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا الرِّفْقُ بِالْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ (قَبُولُ بَدَلِهِ) أَيْ رُبْعِ مَالِ الْكِتَابَةِ إنْ دَفَعَهُ سَيِّدُهُ لَهُ (مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ) الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْكِتَابَةُ بِأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فَأَدَّاهَا إلَيْهِ وَأَعْطَاهُ عَنْ رُبْعِهَا دَنَانِيرَ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ أَعْطَاهُ عَنْهَا عُرُوضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتِهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ وَلَا مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ لَزِمَهُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الْإِيتَاءِ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ فَتَسَاوَيَا فِي الْإِجْزَاءِ كَالزَّكَاةِ، وَغَيْرُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ أُلْحِقَ بِهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى مِنْ عَيْنِهِ لِظَاهِرِ النَّصِّ. (فَلَوْ وَضَعَ) السَّيِّدُ عَنْ مُكَاتَبِهِ مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ (بِقَدْرِهِ) أَيْ الرُّبْعِ جَازَ لِتَفْسِيرِ الصَّحَابَةِ الْآيَةَ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّفْعِ وَأَعْوَنُ عَلَى حُصُولِ الْعِتْقِ (أَوْ عَجَّلَهُ) أَيْ إيفَاءَ الرُّبْعِ لِلْمُكَاتَبِ سَيِّدُهُ (جَازَ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ وَكَالزَّكَاةِ وَوَقْتُ الْوُجُوبِ: عِنْدَ الْعِتْقِ لِمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ عَلِيٌّ (الْكِتَابَةُ عَلَى نَجْمَيْنِ وَالْإِيتَاءُ مِنْ الثَّانِي) فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ بَعْدَ الْوَفَاءِ وَقَبْلَ إيتَائِهِ الرُّبْعَ فَهُوَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ. فَإِنْ ضَاقَتْ عَنْهُ وَعَنْ دُيُونِهِ تَحَاصُّوا. (وَلِسَيِّدٍ الْفَسْخُ) لِلْكِتَابَةِ (بِعَجْزِ مُكَاتَبٍ عَنْ رُبْعِهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ، لِحَدِيثِ الْأَثْرَمِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَائِشَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ قَالُوا {الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ دِرْهَمٌ}. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِوَضٌ عَنْ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَعْتِقُ قَبْلَ أَدَاءِ جَمِيعِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَتَقَ بَعْضُهُ لَسَرَى إلَى بَاقِيهِ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِالْعِتْقِ. وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {إذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ حَدًّا أَوْ مِيرَاثًا بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ. وَيُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِحِصَّةِ مَا أَدَّى بِهِ حُرٌّ وَمَا بَقِيَ دِيَةُ عَبْدٍ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مَحْمُولٌ عَلَى مُكَاتَبٍ لِرَجُلٍ مَاتَ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِكِتَابَتِهِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، وَأَدَّى لِلْمُقِرِّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَتَوْفِيقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقِيَاسِ. وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ {كُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْ مُكَاتَبٍ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِينَارٌ}. (وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُصَالِحَ سَيِّدَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ) مِنْ كِتَابَتِهِ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (لَا مُؤَجَّلًا) لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَا أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضٍ إنْ جَرَى بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ رِبَا نَسِيئَةٍ. (وَمَنْ أُبْرِئَ) مِنْ الْمُكَاتَبَيْنِ (مِنْ كِتَابَتِهِ) كُلِّهَا (عَتَقَ) لِمَفْهُومِ حَدِيثِ {الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ} لِأَنَّهُ مَعَ الْبَرَاءَةِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلِأَنَّ الْبَرَاءَةَ فِي مَعْنَى الْأَدَاءِ، بِجَامِعِ سُقُوطِ الْحَقِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. (وَإِنْ أُبْرِئَ) مُكَاتَبٌ (مِنْ بَعْضِهَا) كَأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَأَبْرَأَهُ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ (فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الْأَلْفِ، فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ.
(وَتَصِحُّ كِتَابَةُ عَدَدٍ) من رقيقه (بِعِوَضٍ) وَاحِدٍ، كَأَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَيْنِ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى سَنَتَيْنِ كُلُّ سَنَةٍ مِائَةً، كَمَا لَوْ بَاعَهُمْ كَذَلِكَ لِوَاحِدٍ (وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ) بَيْنَهُمْ (عَلَى الْقِيَمِ) أَيْ قِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ (يَوْمَ الْعَقْدِ) لِأَنَّهُ زَمَنُ الْمُعَاوَضَةِ لَا عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا أَوْ اشْتَرَى عَبِيدًا وَرَدَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ بِعَيْبٍ (وَيَكُونُ كُلٌّ) مِنْهُمْ (مُكَاتَبًا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) مِنْ الْعِوَضِ (يَعْتِقُ بِأَدَائِهَا وَيَعْجِزُ بِعَجْزِهِ عَنْهَا) أَيْ قَدْرِ حِصَّتِهِ (وَحْدَهُ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ. أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَوْا عَبْدًا، وَإِنْ شَرْط عَلَيْهِمْ ضَمَانَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، وَتَصِحُّ الْكِتَابَةُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْضُهُمْ سَقَطَ مَا عَلَيْهِ نَصًّا، وَكَذَا إنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ بَعْضَهُمْ. (وَإِنْ أَدَّوْا) مَا كُوتِبُوا عَلَيْهِ جَمِيعَهُ (وَاخْتَلَفُوا) بَعْدَ أَدَائِهِ (فِي قَدْرِ مَا أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ، بِأَنْ قَالَ أَكْثَرُهُمْ قِيمَةً: أَدَّيْنَا عَلَى قَدْرِ قِيَمِنَا. وَقَالَ الْأَقَلُّ قِيمَةً: أَدَّيْنَا عَلَى السَّوَاءِ فَبَقِيَتْ لَنَا عَلَى الْأَكْثَرِ قِيمَةُ بَقِيَّتِهِ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُ مُدَّعِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ) أَيْ قَدْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا اُدُّعِيَ بِهِ عَلَيْهِ. (وَيَصِحُّ أَنْ يُكَاتِبَ) السَّيِّدُ (بَعْضَ عَبْدِهِ) كَنِصْفِهِ كَالْبَيْعِ وَيَجِبُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى سَيِّدِهِ مِنْ كَسْبِهِ بِحَسَبِ مَا لَهُ فِيهِ مِنْ الرِّقِّ، وَيُؤَدِّي فِي الْكِتَابَةِ بِحَسَبِ مَا كُوتِبَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى سَيِّدُهُ بِتَأْدِيَةِ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابَةِ (فَإِنْ أَدَّى) عَلَيْهِ (عَتَقَ كُلُّهُ) أَيْ مَا كُوتِبَ فِيهِ لِأَدَائِهِ وَالْبَاقِي بِالسِّرَايَةِ، كَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ. وَيَصِحُّ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ أَلْفٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ عِنْدَ أَدَاءِ الْأَلْفِ الْأَوَّلِ. فَإِذَا أَدَّاهُ عَتَقَ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ أَدَاءِ شَيْءٍ صَحَّ. فَكَذَا إذَا جَعَلَ عِتْقَهُ عِنْدَ أَدَاءِ بَعْضِ كِتَابَتِهِ وَيَبْقَى الْآخَرُ دَيْنًا عَلَيْهِ بَعْدَ عِتْقِهِ. كَمَا لَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِهِ. وَكَذَا شَرْطُهُ عَلَيْهِ خِدْمَةً مَعْلُومَةً بَعْدَ الْعِتْقِ. (وَ) يَصِحُّ أَنْ يُكَاتِبَ (شِقْصًا) لَهُ (مِنْ مُشْتَرَكٍ) عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ (بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ) مُوسِرًا كَانَ الشَّرِيكُ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى نَصِيبِهِ فَصَحَّ كَبَيْعِهِ، وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ فَصَحَّتْ كِتَابَتُهُ كَالْكَامِلِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيهِ حُرًّا وَلَا يُمْنَعُ الْكَسْبَ وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ بِجُزْئِهِ الْمُكَاتَبِ. وَلَا يَسْتَحِقُّ الشَّرِيكُ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِذَلِكَ الْجُزْءِ كَمَا لَوْ وَرِثَ الْمُبَعَّضُ شَيْئًا بِجُزْئِهِ الْحُرِّ فَإِنْ هَايَأَ مَالِكُ الْبَقِيَّةِ فَكَسَبَ فِي نَوْبَتِهِ شَيْئًا اخْتَصَّ بِهِ الْمُكَاتَبُ وَإِنْ لَمْ يُهَايِئْهُ. فَمَا كَسَبَهُ بِجُمْلَتِهِ فَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ الْجُزْءِ الْمُكَاتَبِ مِنْهُ وَلِسَيِّدِهِ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْهُ الْبَاقِي لِأَنَّهُ كَسَبَهُ بِجُزْئِهِ الْمَمْلُوكِ (وَيَمْلِكُ) الْمُكَاتَبُ بَعْضُهُ (مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِهِ) أَيْ الْجُزْءِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْكِتَابَةِ. (فَإِذَا أَدَّى) الْمُكَاتَبُ بَعْضَ (مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ) لِمَنْ كَاتَبَهُ (وَ) أَدَّى (لِ) لِشَرِيكِ (الْآخَرِ) الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْهُ (مَا يُقَابِلُ حِصَّتَهُ عَتَقَ) كُلُّهُ (إنْ كَانَ مَنْ كَاتَبَهُ) أَيْ كَاتَبَ نَصِيبَهُ مِنْهُ (مُوسِرًا) بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنْهُ (مُوسِرًا) بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ: الْجُزْءِ الْمُكَاتَبِ بِالْأَدَاءِ، وَالْآخَرِ بِالسِّرَايَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى مَنْ كَاتَبَهُ شَيْئًا حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْهُ مَا يُقَابِلُ حِصَّتَهُ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَذِنَ الشَّرِيكُ فِي كِتَابَتِهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ. فَلَوْ أَدَّى الْكِتَابَةَ مِنْ جَمِيعِ كَسْبِهِ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ دَفَعَ مَا لَيْسَ لَهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الشَّرِيكِ الَّذِي كَاتَبَ نَصِيبَهُ مِنْهُ وَأَدَّى إلَيْهِ (قِيمَةُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ) لِأَنَّ عِتْقَهَا عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَهُ بِالْعِتْقِ أَوْ عَلَّقَ عِتْقَ نَصِيبِهِ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ. فَإِنْ كَانَ الَّذِي كَاتَبَهُ مُعْسِرًا لَمْ يُعْتِقْ سِوَى نَصِيبَهُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِبَعْضِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ عَتَقَ بِقَدْرِ مَا هُوَ مُوسِرٌ بِهِ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ الشَّرِيكُ) الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْهُ أَيْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ (قَبْلَ أَدَائِهِ) كِتَابَتَهُ (عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ) بِالسِّرَايَةِ (إنْ كَانَ مُوسِرًا) بِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُهُ مُكَاتَبًا (وَعَلَيْهِ) أَيْ الشَّرِيكِ الْمُعْتِقِ (قِيمَةُ مَا لِلشَّرِيكِ) الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ (مُكَاتَبًا) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَعْتِقْ سِوَى نَصِيبُهُ وَيَبْقَى نَصِيبُ شَرِيكِهِ عَلَى كِتَابَتِهِ. فَإِذَا أَدَّاهَا كَمُلَتْ حُرِّيَّتُهُ عَلَيْهِمَا وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مَا عَتَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا. (وَلَهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ (كِتَابَةُ عَبْدِهِمَا) سَوَاءٌ تَسَاوَى مِلْكُهُمَا فِيهِ؛ أَوْ تَفَاضَلَ (عَلَى تَسَاوٍ) فِي مَالِ الْكِتَابَةِ كَأَنْ يُكَاتِبَاهُ عَلَى أَلْفَيْنِ لِكُلٍّ أَلْفٌ. (وَ) عَلَى (تَفَاضُلٍ) كَأَنْ يُكَاتِبَاهُ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ لِوَاحِدٍ أَلْفَانِ وَلِآخَرَ أَلْفٌ سَوَاءٌ كَاتَبَاهُ فِي عَقْدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا يَعْقِدُ عَلَى نَصِيبِهِ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ فَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ (وَلَا يُؤَدِّي إلَيْهِمَا إلَّا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا) فَلَا يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ. وَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ فَيَتَسَاوَيَانِ فِي كَسْبِهِ، وَحَقُّهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِمَا فِي يَدِهِ تَعَلُّقًا وَاحِدًا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا مِنْهُ بِشَيْءٍ دُونَ الْآخَرِ. فَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ. وَلِلْمَفْضُولِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حِصَّتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ. فَإِنْ عَجَزَ فَلَهُمَا الْفَسْخُ وَالْإِمْضَاءُ، فَإِنْ فَسَخَا أَوْ أَمْضَيَا أَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَأَمْضَى الْآخَرُ جَازَ. (فَإِنْ كَاتَبَاهُ مُنْفَرِدَيْنِ) فِي صَفْقَتَيْنِ (فَوَفَّى) الْمُكَاتَبُ (أَحَدَهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ. ظَاهِرُهُ. وَلَوْ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَاهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً (أَوْ أَبْرَأَهُ) مِنْهُ (عَتَقَ نَصِيبُهُ خَاصَّةً إنْ كَانَ) الْمُوَفِّي أَوْ الْمُبَرِّئُ (مُعْسِرًا) بِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ (كُلُّهُ) بِالسِّرَايَةِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، مُكَاتَبًا وَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لَهُ. (وَإِنْ كَاتَبَاهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً) فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ (فَوَفَّى أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَهُ عَلَيْهِ (بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ) لِفَسَادِ الْقَبْضِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمَا بِمَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ تَعَلُّقًا وَاحِدًا. (وَإِنْ كَانَ) وَفَّى أَحَدَهُمَا (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْآخَرِ (عَتَقَ نَصِيبُهُ) لِصِحَّةِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَ الشَّرِيكَ الْآخَرِ وَقَدْ زَالَ بِالْإِذْنِ (وَسَرَى) الْعِتْقُ (إلَى بَاقِيهِ إنْ كَانَ) مَنْ اسْتَوْفَى كِتَابَتَهُ (مُوسِرًا وَضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِقِيمَتِهِ مُكَاتَبًا) لِعِتْقِهِ عَلَيْهِ بَاقِيًا عَلَى كِتَابَتِهِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ كُلُّهُ وَمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا مَعَ كَوْنِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِقَدْرِ مَا قَبَضَهُ صَاحِبُهُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ، وَنِصْفَهُ بِالسِّرَايَةِ فَحِصَّةُ مَا عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ لِلْعَبْدِ وَحِصَّةُ مَا عَتَقَ بِالسِّرَايَةِ لِلسَّيِّدِ. (وَإِنْ كَاتَبَ ثَلَاثَةٌ عَبْدًا) لَهُمْ (فَادَّعَى الْأَدَاءَ إلَيْهِمْ) كُلِّهِمْ (فَأَنْكَرَهُ) أَيْ الْأَدَاءَ (أَحَدُهُمْ) وَأَقَرَّ الْآخَرَانِ (شَارَكَهُمَا) الْمُنْكِرُ (فِيمَا أَقَرَّا بِقَبْضِهِ) مِنْ الْعَبْدِ فَلَوْ كَانُوا كَاتَبُوهُ عَلَى ثُلْثِمِائَةٍ مَثَلًا فَاعْتَرَفَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِقَبْضِ مِائَتَيْنِ وَأَنْكَرَ الثَّالِثُ قَبْضَ الْمِائَةِ شَارَكَهُمَا فِي الْمِائَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اعْتَرَفَا بِقَبْضِهِمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَثَمَنُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَلِأَنَّ مَا بِيَدِ الْعَبْدِ لَهُمْ وَمَا أَخَذَاهُ كَانَ بِيَدِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِيهِ بِالسَّوِيَّةِ (وَنَصُّهُ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ) أَيْ الْمُنْكِرِ بِقَبْضِ الْمِائَةِ، لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لِلْعَبْدِ بِأَدَاءِ مَا يَعْتِقُ بِهِ. أَشْبَهَا الْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ رُجُوعُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَلَيْهِمَا بِحِصَّتِهِ مِمَّا قَبَضَاهُ، وَإِلَّا لِمَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِهَا مَغْرَمًا فَإِنْ كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلَيْنِ وَلَمْ يَشْهَدَا. أَخَذَ الْمُنْكِرُ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ مِائَةٍ وَمِنْ الْعَبْدِ تَمَامَهَا، وَلَا يَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى الْبَاقِينَ بِشَيْءٍ وَإِنْ أَنْكَرَ الثَّالِثُ الْكِتَابَةَ فَقَوْلُهُ: بِيَمِينِهِ وَنَصِيبُهُ رَقِيقٌ إذَا حَلَفَ. وَإِنْ كَانَ شَرِيكَاهُ عَدْلَيْنِ وَشَهِدَا عَلَيْهِ. قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَا إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا. (وَمَنْ قَبِلَ كِتَابَةً) مِنْ سَيِّدِهِ (عَنْ نَفْسِهِ. وَ) عَنْ رَقِيقٍ لِسَيِّدِهِ (غَائِبٍ) بِأَنْ قَالَ سَيِّدٌ لِبَعْضِ أَرِقَّائِهِ: كَاتَبْتُك وَفُلَانًا الْغَائِبَ عَلَى كَذَا. فَقَبِلَ الْمُخَاطَبُ لِنَفْسِهِ وَلِلْغَائِبِ (صَحَّ) ذَلِكَ (كَتَدْبِيرٍ) مَعَ غَيْبَةِ الْمُدَبَّرِ بِجَامِعِ كَوْنِ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ سَبَبَيْنِ لِلْعِتْقِ، وَإِنْ انْفَرَدَتْ الْكِتَابَةُ بِشُرُوطٍ لَيْسَتْ لِلتَّدْبِيرِ (فَإِنْ أَجَازَ الْغَائِبُ) مَا قَبِلَهُ لَهُ الْحَاضِرُ مِنْ الْكِتَابَةِ انْعَقَدَتْ لَهُمَا وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا قَبِلَ الْحَاضِرُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُجِزْ الْغَائِبُ مَا قَبِلَهُ الْحَاضِرُ (لَزِمَهُ) أَيْ الْحَاضِرَ (الْكُلُّ) الَّذِي كُوتِبَا عَلَيْهِ لِحُصُولِ الْقَبُولِ مِنْ الْحَاضِرِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَيَتَوَجَّهُ كَفُضُولِيٍّ وَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وإن اختلفا) أي: السيد ورقيقه (فِي كِتَابَةٍ) كَأَنْ ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ كَاتَبَهُ عَلَى كَذَا فَأَنْكَرَ سَيِّدُهُ (فَقَوْلُ مُنْكِرٍ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا. (وَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِ عِوَضِهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ كَقَوْلِ السَّيِّدِ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفٍ فَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ: بَلْ عَلَى سِتِّمِائَةٍ فَقَوْلُ سَيِّدٍ بِيَمِينِهِ نَصًّا لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي عِوَضِ الْكِتَابَةِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهَا وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ عَدَمُ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا صَارَ إلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِي الْمُكَاتَبِ وَكَسْبِهِ أَنَّهُ لِلسَّيِّدِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ، الثَّانِي أَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ يُفِيدُ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ هُنَا إذْ فَائِدَتُهُ فَسْخُ الْكِتَابَةِ وَرُدَّ الْعَبْدُ إلَى الرِّقِّ إذَا لَمْ يَرْضَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ. وَهَذَا حَاصِلٌ بِحَلِفِ السَّيِّدِ وَحْدَهُ. وَإِنَّمَا قُدِّمَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ وَهُنَا الْأَصْلُ مَعَ السَّيِّدِ، إذْ الْأَصْلُ مِلْكُهُ لِلْعَبْدِ وَكَسْبُهُ. وَإِذَا حَلَفَ السَّيِّدُ ثَبَتَتْ الْكِتَابَةُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اتَّفَقَا وَسَوَاءٌ كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ. (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (جِنْسِهِ) أَيْ مَالِ الْكِتَابَةِ بِأَنْ قَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُك عَلَى مِائَةٍ دِينَارٍ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ: بَلْ عَلَى مِائَةٍ دِرْهَمٍ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (أَجَلِهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ بِأَنْ قَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُك عَلَى مِائَتَيْنِ عَلَى شَهْرَيْنِ كُلِّ شَهْرٍ مِائَةٌ، فَقَالَ الْعَبْدُ بَلْ كُلِّ سَنَةٍ مِائَةٌ. فَقَوْلُ سَيِّدٍ بِيَمِينِهِ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (وَفَاءِ مَالِهَا) بِأَنْ قَالَ الْعَبْدُ: وَفَّيْتُك كِتَابَتِي فَعَتَقْت وَأَنْكَرَهُ السَّيِّدُ (فَقَوْلُ سَيِّدٍ) بِيَمِينِهِ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَنَّ سَيِّدَهُ أَبْرَأَهُ مِنْهَا فَأَنْكَرَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ. (وَإِنْ قَالَ) السَّيِّدُ (قَبَضْتهَا) أَيْ الْكِتَابَةَ (إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ) قَبَضْتهَا إنْ (شَاءَ زَيْدٌ عَتَقَ) الْمُكَاتَبُ (وَلَمْ يُؤَثِّرْ) الِاسْتِثْنَاءُ (وَلَوْ) كَانَ (فِي مَرَضِهِ) لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْإِقْرَارِ. وَلِأَنَّ قَوْلَهُ قَبَضْتُهَا مَاضٍ وَلَا يُمْكِنُهُ تَعْلِيقُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ عَلَى صِفَةٍ لَا يَتَغَيَّرُ عَنْهَا بِالشَّرْطِ (وَيَثْبُتُ الْأَدَاءُ) لِلْكِتَابَةِ (وَيَعْتِقُ) بِهِ الْمُكَاتَبُ (بِشَاهِدٍ) أَيْ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ (مَعَ امْرَأَتَيْنِ أَوْ) بِشَهَادَةِ رَجُلٍ عَدْلٍ مَعَ (يَمِينِ) مُكَاتَبٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
والكتابة (الْفَاسِدَةُ كَ) الْكِتَابَةِ (عَلَى خَمْرٍ أَوْ) عَلَى (خِنْزِيرٍ أَوْ) عَلَى شَيْءٍ (مَجْهُولٍ) كَثَوْبٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (يَغْلِبُ فِيهِ حُكْمُ الصِّفَةِ فِي أَنَّهُ) أَيْ الْمُكَاتَبُ (إذَا أَدَّى) مَا سُمِّيَ فِيهَا (عَتَقَ) سَوَاءٌ صَرَّحَ بِالصِّفَةِ بِأَنْ قَالَ: إذَا أَدَّيْت إلَى ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْكِتَابَةِ فَهُوَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ وَكَالْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَإِذَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا أَعْطَاهُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِالصِّفَةِ وَمَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ. وَ(لَا) يَعْتِقُ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ (إنْ أُبْرِئَ) الْمُكَاتَبُ مِمَّا عَلَيْهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ (وَيُتْبَعُ وَلَدٌ) فِي كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ أَشْبَهَ الصَّحِيحَةَ. وَ(لَا) يُتْبَعُ (كَسْبٌ فِيهَا) أَيْ الْفَاسِدَةِ فَمَا بِيَدِهِ حِينَ عَتَقَ لِسَيِّدِهِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ وَبِيَدِهِ مَالٌ (وَلِكُلٍّ) مِنْ سَيِّدٍ وَرَقِيقٍ (فَسْخُهَا) لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ صِفَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ، لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَتَابِعَةٌ لَهَا وَالْمُعَاوَضَةُ هِيَ الْمَقْصُود. فَإِذَا بَطَلَتْ الْمُعَاوَضَةُ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ بَطَلَتْ الصِّفَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَيَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ فِي الصِّفَةِ الْفَاسِدَةِ التَّصَرُّفَ فِي كَسْبِهِ وَأَخْذِ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ كَالصَّحِيحَةِ وَإِذَا كَاتَبَ عَدَدًا كِتَابَةً فَاسِدَةً فَأَدَّى إلَيْهِ أَحَدُهُمْ عَتَقَ كَالصَّحِيحَةِ. وَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فِي الْفَاسِدَةِ أَدَاءُ رُبْعِ الْكِتَابَةِ وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا بِالصِّفَةِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ (وَتَنْفَسِخُ) الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ (بِمَوْتِ سَيِّدٍ وَجُنُونِهِ وَحَجْرٍ عَلَيْهِ. لِسَفَهِهِ) لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَلَا يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ، وَأَيْضًا فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حُكْمُ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ، وَهِيَ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ أَخْذَ مَا بِيَدِ الْمُكَاتَبِ فِي الْفَاسِدَةِ.
الْأَحْكَامُ جَمْعُ حُكْمٍ، وَهُوَ خِطَابُ اللَّهِ الْمُفِيدُ فَائِدَةً شَرْعِيَّةً، وَأَصْلُ (أُمٍّ) أُمَّهَةٌ، وَلِذَلِكَ جُمِعَتْ عَلَى أُمَّهَاتِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، وَعَلَى أُمَّاتٍ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ، وَالْهَاءُ فِي أُمَّهَةٌ، زَائِدَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيَجُوزُ التَّسَرِّي إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهِيَ) أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ (شَرْعًا مَنْ وَلَدَتْ مَا فِيهِ صُورَةٌ وَلَوْ خَفِيفَةً مِنْ مَالِكٍ) لَهَا (وَلَوْ) كَانَ مَالِكًا (بَعْضَهَا) أَوْ جُزْءًا يَسِيرًا (أَوْ) كَانَ مَالِكُهَا أَوْ بَعْضَهَا (مُكَاتَبًا) إنْ أَدَّى، فَإِنْ عَجَزَ عَادَتْ قِنًّا (وَلَوْ) كَانَتْ الْأَمَةُ (مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ) أَيْ مَالِكِهَا كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ وَكَمَجُوسِيَّةٍ وَثَنِيَّةٍ وَكَوَطْئِهَا فِي نَحْوِ حَيْضٍ (أَوْ) وَلَدَتْ مِنْ أَبِي مَالِكِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ الِابْنُ وَطِئَهَا نَصًّا فَإِنْ كَانَ الِابْنُ وَطِئَهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ بِاسْتِيلَادِهَا لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا بِوَطْءِ ابْنِهِ لَهَا، فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِحَالٍ فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يَمْلِكُهَا وَلَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وَيَعْتِقُ وَلَدُهَا عَلَى أَخِيهِ لِأَنَّهُ ذُو رَحِمِهِ وَنَسَبُهُ لَاحِقٌ بِالْأَبِ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ يُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ. (وَتَعْتِقُ) أُمُّ وَلَدٍ (بِمَوْتِهِ) أَيْ سَيِّدِهَا (وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ {ذُكِرَتْ أُمُّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ إتْلَافٌ حَصَلَ بِسَبَبِ حَاجَةٍ أَصْلِيَّةٍ، وَهِيَ الْوَطْءُ فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ. (وَإِنْ وَضَعَتْ) أَمَةٌ مِنْ مَالِكِهَا أَوْ أَبِيهِ (جِسْمًا لَا تَخْطِيطَ فِيهِ كَالْمُضْغَةِ وَنَحْوِهَا) كَالْعَلَقَةِ (لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدٍ. فَإِنْ شَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ النِّسَاءِ بِأَنَّ فِي هَذَا الْجِسْمِ صُورَةً خَفِيَّةً تَعَلَّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ لِاطِّلَاعِهِنَّ عَلَى مَا خَفِيَ عَلَى غَيْرِهِنَّ (وَإِنْ أَصَابَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ) بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ شُبْهَةٍ (لَا بِزِنًا ثُمَّ مَلَكَهَا حَامِلًا عَتَقَ الْحَمْلُ) لِأَنَّهُ وَلَدُهُ (وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) نَصًّا لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الرِّقُّ، خُولِفَ فِيمَا إذَا حَمَلَتْ بِهِ فِي مِلْكِ سَيِّدِهَا فَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ. وَإِنْ زَنَا بِأَمَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ كَأَجْنَبِيٍّ مِنْهُ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. (وَمَنْ مَلَكَ) أَمَةً (حَامِلًا) مِنْ غَيْرِهِ (فَوَطِئَهَا) قَبْلَ وَضْعِهَا (حَرُمَ) عَلَيْهِ (بَيْعُ الْوَلَدِ) وَلَمْ يَصِحَّ (وَيُعْتِقُهُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ شُرِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ نَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَأَنَّهُ يَسْرِي كَالْعِتْقِ أَيْ لَوْ كَانَتْ كَافِرَةً (وَيَصِحُّ قَوْلُهُ) أَيْ السَّيِّدِ (لِأَمَتِهِ: يَدُك أُمُّ وَلَدِي) فَهُوَ كَقَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ أُمُّ وَلَدِي لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِأَنَّ جُزْءًا مِنْهَا مُسْتَوْلِدٌ يُلْزِمُهُ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيلَادِهَا كَقَوْلِهِ يَدُك حُرَّةٌ (أَوْ) أَيْ وَكَذَا قَوْلُهُ (لِابْنِهَا) أَيْ ابْنِ أَمَتِهِ (يَدُك ابْنِي) فَهُوَ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ ابْنُهُ، كَقَوْلِهِ: أَنْتَ ابْنِي وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَلَدْتِيهِ فِي مِلْكِي لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إلَّا أَنْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى وِلَادَتِهَا لَهُ فِي مِلْكِهِ. وَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ (وَأَحْكَامُ أُمِّ وَلَدٍ كَ) أَحْكَامِ (أَمَةٍ) غَيْرِ مُسْتَوْلَدَةٍ (فِي إجَارَةٍ وَاسْتِخْدَامٍ وَوَطْءٍ وَسَائِرِ أُمُورِهَا) كَإِعَارَةٍ وَإِيدَاعٍ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ. أَشْبَهَتْ الْقِنَّ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {هِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ} وَقَوْلِهِ {فَهِيَ مُعْتَقَةٌ مِنْ بَعْدِهِ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ بَاقِيَةٌ فِي الرِّقِّ (إلَّا فِي تَدْبِيرٍ) فَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ الِاسْتِيلَادُ أَقْوَى مِنْهُ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ أَبْطَلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ كَبَيْعٍ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ (غَيْرِ كِتَابَةٍ) فَتَصِحُّ كِتَابَتُهَا وَيُقَدَّمُ (وَكَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَقَالَ: لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا السَّيِّدُ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ (أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا) إشْعَارٌ بِذَلِكَ. وَمَنْعُ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَائِشَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ بَيْعُهُنَّ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ {بِعْنَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا} لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ كَانَ بِعِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِلْمِ أَبِي بَكْرٍ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ وَلَمْ تَجْتَمِعْ الصَّحَابَةُ بَعْدُ عَلَى مُخَالَفَتِهِمَا (أَوْ يُرَادُ لَهُ) أَيْ لِنَقْلِ الْمِلْكِ (كَرَهْنٍ) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْبَيْعُ فِي الدَّيْنِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ (وَوَلَدِهَا) أَيْ أُمِّ الْوَلَدِ (مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا) إنْ أَتَتْ بِهِ (بَعْدَ إيلَادِهَا) مِنْ سَيِّدِهَا (كَهِيَ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا أَوْ شُبْهَةٍ إنْ لَمْ تَشْتَبِهْ عَلَيْهِ بِمَنْ وَلَدُهُ مِنْهَا حُرٌّ، وَسَوَاءٌ عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ فَيَجُوزُ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَجُوزُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، وَيَمْتَنِعُ فِيهِ مَا يَمْتَنِعُ فِيهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ حُرِّيَّةً وَرِقًّا، فَكَذَا فِي سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا (وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا) (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ وَلَدَهَا (لَا يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهَا) لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِغَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي تَبِعَهَا فِيهِ وَيَبْقَى عِتْقُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ سَيِّدِهِ وَكَذَا لَوْ عَتَقَ وَلَدُهَا لَمْ تَعْتِقْ بَلْ يَمُوتُ سَيِّدُهَا (أَوْ) أَيْ وَلَا يَعْتِقُ وَلَدُهَا (بِمَوْتِهَا قَبْلَ سَيِّدِهَا) وَيَبْقَى عِتْقُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ سَيِّدِهَا لِبَقَاءِ التَّبَعِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا مَاتَتْ بَطَلَتْ التَّبَعِيَّةُ لِأَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ فِي الْكِتَابَةِ الْأَدَاءُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِهَا، وَالسَّبَبُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ مَوْتُ السَّيِّدِ وَلَا يَتَعَذَّرُ بِمَوْتِهَا (وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ) مِنْهُ (فَنَفَقَتُهَا لِمُدَّةِ حَمْلِهَا مِنْ مَالِ حَمْلِهَا) أَيْ نَصِيبِهِ الَّذِي وُقِفَ لَهُ لِمِلْكِهِ لَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَمْلِ مَالٌ بِأَنْ لَمْ يُخَلِّفْ السَّيِّدُ مَا يَرِثُ مِنْهُ الْحَمْلُ (فَ) نَفَقَةُ الْحَمْلِ (عَلَى وَارِثِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}. (وَكُلَّمَا جَنَتْ أُمُّ وَلَدٍ) عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهَا تَعَلَّقَ أَرْشُ جِنَايَتِهَا بِرَقَبَتِهَا و(فَدَاهَا سَيِّدُهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ) أَيْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (أَوْ) مِنْ (قِيمَتِهَا يَوْمَ الْفِدَاءِ) فَإِنْ كَانَتْ حِينَئِذٍ مَرِيضَةً أَوْ مُزَوَّجَةً وَنَحْوَهُ أُخِذَتْ قِيمَتُهَا بِذَلِكَ الْعَيْبِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ قِيمَتُهَا مَعِيبَةً بِعَيْبِ الِاسْتِيلَادِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُهَا فَاعْتُبِرَ كَالْمَرَضِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ. انْتَهَى. أَمَّا كَوْنُهُ يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهَا فَلِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ يَمْلِكُ كَسْبَهَا. أَشْبَهَتْ الْقِنَّ وَأَمَّا كَوْنُهُ يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهَا كُلَّمَا جَنَتْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ فَلِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فَلَزِمَهُ فِدَاؤُهَا كَأَوَّلِ مَرَّةٍ (وَلَوْ اجْتَمَعَتْ أُرُوشٌ) بِجِنَايَاتِهَا (قَبْلَ إعْطَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ الْأُرُوشِ (تَعَلَّقَ الْجَمِيعُ) مِنْ الْأُرُوشِ (بِرَقَبَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى السَّيِّدِ) فِيهَا كُلِّهَا (إلَّا الْأَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجَمِيعِ أَوْ) مِنْ (قِيمَتِهَا) يَشْتَرِكُ فِيهَا أَرْبَابُ الْجِنَايَاتِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ. (وَإِنْ قَتَلَتْ) أَيْ أُمُّ وَلَدٍ (سَيِّدَهَا عَمْدًا فَلِوَلِيِّهِ) أَيْ السَّيِّدِ (إنْ لَمْ يَرِثْ وَلَدُهَا شَيْئًا مِنْ دَمِهِ) أَيْ السَّيِّدِ (الْقِصَاصُ) كَغَيْرِ أُمِّ وَلَدِهِ فَإِنْ وَرِثَ وَلَدُهَا شَيْئًا مِنْ دَمِ سَيِّدِهَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ عَلَى أَحَدِ أَبَوَيْهِ (فَإِنْ عَفَا) عَنْهَا (عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَ الْقَتْلُ) لِسَيِّدِهَا شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ (خَطَأٍ لَزِمَهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ) مِنْ (دِيَتِهِ) أَيْ السَّيِّدِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ كَمَا لَوْ جَنَى عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ، وَهِيَ حَالَ الْجِنَايَةِ أَمَتُهُ وَإِنَّمَا تَعْتِقُ بِالْمَوْتِ (وَتَعْتِقُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) وَهُمَا الْقَتْلُ عَمْدًا وَخَطَأً، لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِعِتْقِهَا زَوَالُ مِلْكِ السَّيِّدِ عَنْهَا وَقَدْ زَالَ، وَلَوْ لَمْ تَعْتِقْ بِذَلِكَ لَزِمَ زَوَالُ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا. وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ أَوْ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِغَيْرِهَا فَلَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِهَا بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ الْمُدَبَّرُ وَأُجِيبَ بِضَعْفِ السَّبَبِ فِيهِ (وَلَا حَدَّ بِقَذْفِ أُمِّ وَلَدٍ) لِأَنَّهَا أَمَةٌ تَعْتِقُ بِالْمَوْتِ أَشْبَهَتْ الْمُدَبَّرَةَ. (وَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدٍ) لِ (كَافِرٍ مُنِعَ مِنْ غَشَيَانِهَا) أَيْ وَطْئِهَا وَالتَّلَذُّذِ بِهَا لِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ بِإِسْلَامِهَا (وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا)؛ لِئَلَّا يَغْشَاهَا وَلَا تَعْتِقُ بِإِسْلَامِهَا بَلْ يَبْقَى مِلْكُهُ عَلَيْهَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهَا (وَأُجْبِرَ) سَيِّدُهَا (عَلَى نَفَقَتِهَا إنْ عَدِمَ كَسْبُهَا) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَالِكُهَا وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ. فَإِنْ كَانَ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا فِيهِ؛ لِئَلَّا يَبْقَى لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهَا مِمَّا شَاءَتْ. وَإِنْ فَضَلَ مِنْ كَسْبِهَا شَيْءٌ عَنْ نَفَقَتِهَا فَلِسَيِّدِهَا (فَإِنْ أَسْلَمَ) سَيِّدُهَا (حَلَّتْ لَهُ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْكُفْرُ (فَإِنْ مَاتَ) سَيِّدُهَا (كَافِرًا عَتَقَتْ) بِمَوْتِهِ كَسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَلِعُمُومِ الْأَخْبَارِ. (وَإِنْ وَطِئَ أَحَدُ اثْنَيْنِ) مُشْتَرِكَيْنِ فِي أَمَةٍ (أَمَتَهُمَا أُدِّبَ) لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا وَلَا حَدَّ فِيهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكًا كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْحَائِضِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ وَاطِئَ الْمُشْتَرَكَةِ (لِشَرِيكِهِ مِنْ مَهْرِهَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) مِنْهَا سَوَاءٌ طَاوَعَتْهُ أَوْ أَكْرَهَهَا لِأَنَّهُ لِسَيِّدِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا كَإِذْنِهَا فِي قَطْعِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا (فَلَوْ وَلَدَتْ) مِنْ وَطْءِ الشَّرِيكِ (صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ) كَمَا لَوْ كَانَتْ خَالِصَةً لَهُ، وَخَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ كَمَا تَخْرُجُ بِالْإِعْتَاقِ مُوسِرًا كَانَ الْوَاطِئُ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ الْإِيلَادَ أَقْوَى مِنْ الْإِعْتَاقِ (وَوَلَدُهُ) أَيْ الشَّرِيكِ الْوَاطِئِ مِنْهَا (حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ مَحَلٍّ لِلْوَاطِئِ فِيهِ مِلْكٌ. أَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ (وَيَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ الْوَاطِئِ. (وَلَوْ) كَانَ (مُعْسِرًا) نَصًّا (قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) مِنْ الْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِتْلَافِ، وَإِنَّمَا سَرَى الْإِيلَادُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ مَعَ عُمْرَتِهِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِكَوْنِ الْإِيلَادِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الشَّرِيكِ وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ مِنْ فِعْلِهِ لِوُجُودِ الْوَطْءِ بِلَا إيلَادٍ، فَهُوَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ رَفْعُ مُسَبِّبَاتِهَا كَالزَّوَالِ لِوُجُودِ الطُّهْرِ (وَلَا) يَلْزَمُ الشَّرِيكَ الْوَاطِئَ لِشَرِيكِهِ شَيْءٌ (مِنْ مَهْرٍ وَ) قِيمَةِ (وَلَدٍ) لِأَنَّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ شَرِيكِهِ الْوَاطِئِ بِمُجَرَّدِ الْعُلُوقِ، فَصَارَتْ كُلُّهَا لَهُ وَانْعَقَدَ وَلَدُهُ حُرًّا (كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا) فَمَاتَتْ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا. (فَإِنْ أَوْلَدَهَا) الشَّرِيكُ (الثَّانِي بَعْدَ) إيلَادِ الْأَوَّلِ لَهَا عَالِمًا بِهِ (فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا) كَامِلًا لِمُصَادَفَةِ وَطْئِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ. أَشْبَهَتْ الْأَمَةُ. الْأَجْنَبِيَّةَ (وَوَلَدُهُ) مِنْهَا (رَقِيقٌ) تَبَعًا لِأُمِّهِ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ فِيهَا (وَإِنْ جَهِلَ) الْوَاطِئُ الثَّانِي (إيلَادَ شَرِيكِهِ) الْأَوَّلِ (أَوْ) عَلِمَهُ وَجَهِلَ (أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) أَيْ الْأَوَّلِ وَأَنَّ حِصَّتَهُ انْتَقَلَ مِلْكُهَا لِلْأَوَّلِ بِإِيلَادِهَا (فَوَلَدُهُ حُرٌّ) لِلشُّبْهَةِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْوَاطِئِ الثَّانِي (فِدَاؤُهُ) أَيْ فِدَاءُ وَلَدِهِ الَّذِي أَتَتْ بِهِ مِنْ وَطْئِهِ مَعَ جَهْلِهِ كَوْنَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ (يَوْمَ الْوِلَادَةِ) لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَوْقَاتِ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا جُزْءٌ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ وَلِلْآخَرِ الْبَقِيَّةُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
|