الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
شرح منتهى الإرادات الجزء الرابع
(وَيَحْرُمُ تَصَرُّفُهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطِ (فِيهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ (حَتَّى يُعَرِّفَ وِعَاءَهَا وَهُوَ كِيسُهَا وَنَحْوُهُ) كَخِرْقَةٍ شُدَّتْ فِيهَا أَوْ قِدْرٍ أَوْ زِقٍّ فِيهِ مَائِعٌ وَلِفَافَةٍ عَلَى ثَوْبٍ (وَ) حَتَّى يُعَرِّفَ (وِكَاءَهَا) أَيْ اللُّقَطَةِ (وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ) الْكِيسُ أَوْ الزِّقُّ، هَلْ هُوَ سَيْرٌ أَوْ خَيْطٌ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَ) حَتَّى يُعَرِّفَ (عِفَاصَهَا) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَهُوَ صِفَةُ الشَّدِّ) فَيُتَعَرَّفُ الرَّبْطُ هَلْ هُوَ عُقْدَةٌ أَوْ عُقْدَتَانِ، وَأُنْشُوطَةٌ أَوْ غَيْرُهَا؟ وَيُطْلَقُ عَلَى وِعَاءِ النَّفَقَةِ جِلْدًا أَوْ خِرْقَةً وَغُلَافِ الْقَارُورَةِ الْجِلْدُ يُغَطَّى بِهِ رَأْسُهَا (وَ) حَتَّى يَعْرِفَ (قَدْرَهَا) بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ (وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا) أَيْ: نَوْعَهَا وَلَوْنَهَا؛ لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: {وَجَدْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا فَلَمْ تُعْرَفْ، فَرَجَعْتُ إلَيْهِ، فَقَالَ اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا وَاخْلِطْهَا بِمَالِكَ، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ} وَلِأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَ دَفْعُهَا إلَى رَبِّهَا بِوَصْفِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. (وَسُنَّ ذَلِكَ) أَيْ: مَعْرِفَةُ مَا ذَكَرَ (عِنْدَ وُجْدَانِهَا)؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: {اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً}. (وَ) سُنَّ عِنْدَ وُجْدَانِهَا (إشْهَادُ عَدْلَيْنِ عَلَيْهَا) لِحَدِيثِ {مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ} وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي خَبَرِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى النَّدْبِ وَكَالْوَدِيعَةِ، وَفَائِدَةُ الْإِشْهَادِ حِفْظُهَا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَنْ يَطْمَعَ فِيهَا عَنْ وَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ وَعَنْ غُرَمَائِهِ إنْ أَفْلَسَ. و(لَا) يُسَنُّ الْإِشْهَادُ (عَلَى صِفَتِهَا) لِئَلَّا يَنْتَشِرَ ذَلِكَ فَيَدَّعِيهَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا بَلْ يَذْكُرُ لِلشُّهُودِ مَا يَذْكُرُهُ فِي التَّعْرِيفِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ صِفَاتِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَاهَا (وَكَذَا لَقِيطٌ) يُسَنُّ لِمَنْ وَجَدَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى وُجْدَانِهِ لِئَلَّا يَسْتَرِقَّهُ. (وَمَتَى وَصَفَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (طَالِبُهَا لَزِمَ دَفْعُهَا) لَهُ (بِنَمَائِهَا) الْمُتَّصِلِ مُطْلَقًا وَالْمُنْفَصِلِ فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لَهُ وَلَا أَنَّهَا ضَاعَتْ مِنْهُ وَلَا يَمِينُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْ يَغْلِبَ ظَنَّ الْمُلْتَقِطِ صِدْقُهُ لِلْأَخْبَارِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهَا فَإِنْ دَفَعَهَا بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا وَصْفٍ ضَمِنَ إنْ جَاءَ آخَرُ فَوَصَفَهَا. وَلَهُ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ. وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآخِذِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فَلِلْمُلْتَقِطِ مُطَالَبَةُ آخِذِهَا بِهَا لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِهِ وَلَا يَأْمَنُ مَجِيءَ صَاحِبِهَا فَيُلْزِمُهُ بِهَا. (وَمَعَ رِقٍّ مُلْتَقَطٍ وَإِنْكَارِ سَيِّدِهِ) أَنَّهَا لُقَطَةٌ (فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِأَنَّهُ الْتَقَطَهَا وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْقِنِّ بِالْمَالِ لَا يَصِحُّ. (وَ) نَمَاءُ اللُّقَطَةِ (الْمُنْفَصِلِ بَعْدَ حَوْلِ تَعْرِيفِهَا لِوَاجِدِهَا) لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ يَضْمَنُ النَّقْصَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَالزِّيَادَةُ لَهُ لِيَكُونَ الْخَرَاجُ أَيْ: الْغُرْمُ بِالضَّمَانِ. (وَ) أَمَّا (إنْ تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (أَوْ نَقَصَتْ قَبْلَهُ) أَيْ: الْحَوْلِ بِيَدِ مُلْتَقِطٍ (وَلَمْ يُفَرِّطْ لَمْ يَضْمَنْهَا)؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ، (وَ) إنْ تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ (بَعْدَهُ) أَيْ: الْحَوْلِ (يَضْمَنُهَا) مُلْتَقِطٌ (مُطْلَقًا) أَيْ فَرَّطَ أَوْ لَا، لِدُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ فَتَلَفُهَا مِنْ مَالِهِ، وَمِلْكُ الْمُلْتَقِطِ لَهَا مُرَاعًى يَزُولُ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا وَيَضْمَنُ لَهُ بَدَلَهَا إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِلَا عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ الْعِوَضِ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا كَمَا يَتَجَدَّدُ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْهَا بِمَجِيئِهِ، كَمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ لِلزَّوْجِ أَوْ بَدَلِهِ إنْ تَعَذَّرَ بِالْإِطْلَاقِ. وَقَالَ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِعِوَضٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ لِصَاحِبِهَا، وَرَدَّهُ فِي الْمُغْنِي وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ. (وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ) أَيْ: قِيمَةُ اللُّقَطَةِ إذَا زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ ثُمَّ تَلِفَتْ (يَوْمَ عَرَّفَهَا رَبُّهَا)؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ إلَيْهِ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهَا. (وَإِنْ وَصَفَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (ثَانٍ قَبْلَ دَفْعِهَا لِلْأَوَّلِ أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا (وَدُفِعَتْ إلَى قَارِعٍ بِيَمِينِهِ) نَصًّا. وَكَذَا إنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ كَمَا لَوْ تَدَاعَيَا بِيَدِ غَيْرِهِمَا وَلِتَسَاوِيهِمَا فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ عَدِمهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَيَا وَدِيعَةً وَقَالَ هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَلَا أَعْرِفُ عَيْنَهُ. (وَ) إنْ وَصَفَهَا ثَانٍ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ دَفْعِهَا لِمَنْ وَصَفَهَا قَبْلَهُ فَ (لَا شَيْءَ لِلثَّانِي)؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّهَا بِوَصْفِهَا وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ لَهُ فِيهَا حِينَ أَخَذَهَا وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي انْتِزَاعُهَا مِنْهُ (وَإِنْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ) بَعْدَ أَنْ (أَخَذَهَا) الْأَوَّلُ بِالْوَصْفِ أَخَذَهَا الثَّانِي (مِنْ وَاصِفٍ) لِقُوَّةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَصْفِ، وَلِاحْتِمَالِ رُؤْيَةِ الْوَاصِفِ لَهَا عِنْدَ مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ (فَإِنْ تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ بِيَدِ مَنْ أَخَذَهَا بِالْوَصْفِ ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً (لَمْ يَضْمَنْ مُلْتَقِطٌ) لَهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ دَفَعَهَا لِلْوَاصِفِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ، كَمَا لَوْ دَفَعَهَا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَلِوُجُوبِ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَيَغْرَمُهَا الْوَاصِفُ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِعُدْوَانِ يَدِهِ. وَإِنْ أَعْطَى مُلْتَقِطٌ وَاصِفًا بَدَلَهَا لِتَلَفِهَا عِنْدَهُ لَمْ يُطَالَبْ ذُو الْبَيِّنَةِ إلَّا الْمُلْتَقِطَ لِتَلَفِ مَالٍ تَحْتَ يَدِهِ وَيَرْجِعُ مُلْتَقِطٌ عَلَى وَاصِفٍ بِمَا أَخَذَهُ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ إنْ لَمْ يُقِرَّ لِلْوَاصِفِ بِمِلْكِهَا. (وَلَوْ أَدْرَكَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (رَبُّهَا بَعْدَ الْحَوْلِ) وَالتَّعْرِيفِ (مَبِيعَةً أَوْ مَوْهُوبَةً) بِيَدِ مِنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: رَبِّهَا (إلَّا الْبَدَلُ) لِصِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُلْتَقِطِ فِيهَا لِدُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ (وَيُفْسَخُ) الْعَقْدُ إنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا (زَمَنَ خِيَارٍ) لِبَائِعٍ أَوْ لَهُمَا (وَتُرَدُّ) لَهُ (كَ) مَا لَوْ أَدْرَكَهَا (بَعْدَ عَوْدِهَا) إلَى مُلْتَقِطٍ (بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ)؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالَهُ فِي يَدِ مُلْتَقِطِهَا. أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ (أَوْ) كَمَا لَوْ أَدْرَكَهَا بَعْدَ (رَهْنِهَا) فَيَنْتَزِعُهَا رَبُّهَا مِنْ يَدِ مُرْتَهِنٍ لِقِيَامِ مِلْكِهِ وَانْتِفَاءِ إذْنِهِ (وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ) أَيْ رَدِّ اللُّقَطَةِ لِمَالِكِهَا إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا (عَلَى رَبِّهَا)؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِ الْمُلْتَقِطِ كَالْوَدِيعَةِ. (وَلَوْ قَالَ مَالِكُهَا بَعْدَ تَلَفِهَا) بِيَدِ مُلْتَقِطٍ بِحَوْلِ التَّعْرِيفِ (أَخَذْتُهَا لِتَذْهَبَ بِهَا) لَا لِتُعَرِّفَهَا فَعَلَيْكَ ضَمَانُهَا لِتَعَدِّيَكَ (وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ): إنَّمَا أَخَذْتُهَا (لِأُعَرِّفَهَا فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ) أَيْ: الْمُلْتَقِطِ (بِيَمِينِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ (وَوَارِثُ مُلْتَقِطٍ، وَرَبُّ لُقَطَةٍ فِيمَا تَقَدَّمَ) تَفْصِيلُهُ (كَمُوَرِّثِهِ لِقِيَامِهِ) مَقَامَهُ فَإِنْ مَاتَ مُلْتَقِطٌ عَرَّفَهَا وَارِثُهُ بَقِيَّةَ الْحَوْلِ وَمَلَكَهَا وَبَعْدَ الْحَوْلِ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ إرْثًا وَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا أَوْ وَارِثُهُ أَخَذَهَا أَوْ بَدَلَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ عَدِمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَرَبُّهَا غَرِيمٌ بِبَدَلِهَا فِي التَّرِكَةِ. (وَمَنْ اسْتَيْقَظَ) مِنْ نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ (فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ) أَوْ كِيسِهِ (مَالًا) دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا (لَا يَدْرِي مَنْ صَرَّهُ) أَوْ وَضَعَهُ فِي كِيسِهِ أَوْ جَيْبِهِ (فَهُوَ لَهُ) بِلَا تَعْرِيفٍ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَقْتَضِي تَمْلِيكَهُ. (وَلَا يَبْرَأُ مَنْ أَخَذَ مِنْ نَائِمٍ شَيْئًا إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لَهُ) بَعْدَ انْتِبَاهِهِ لِتَعَدِّيهِ، لِأَنَّهُ إمَّا سَارِقٌ أَوْ غَاصِبٌ، فَلَا يَبْرَأُ مِنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِرَدِّهِ لِمَالِكِهِ فِي حَالٍ يَصِحُّ قَبْضُهُ فِيهَا. (وَمَنْ وَجَدَ فِي حَيَوَانٍ نَقْدًا) كَدَرَاهِمَ أَوَدَنَانِيرَ وَجَدَهَا فِي بَطْنِ شَاةٍ ذَبَحَهَا فَلُقَطَةٌ (أَوْ) وَجَدَ فِيهِ (دُرَّةً) أَوْ عَنْبَرَةً (فَلُقَطَةٌ) يُعَرِّفُهَا وَيَبْدَأُ بِالْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْ فَ (لِوَاجِدِهِ) نَصًّا (وَإِنْ وَجَدَ دُرَّةً غَيْرَ مَثْقُوبَةً فِي سَمَكَةٍ فَ) هِيَ (لِصَيَّادٍ) وَلَوْ بَاعَهَا نَصًّا؛ لِأَنَّ الدُّرَّ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ. وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَبِعْهُ وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ. فَإِنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً أَوْ مُتَّصِلَةً بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهَا فَلُقَطَةٌ. (مَنْ ادَّعَى مَا بِيَدِ لِصٍّ أَوْ نَاهِبٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ وَوَصَفَهُ) أَيْ: مَا ادَّعَاهُ بِصِفَةٍ تُمَيِّزُهُ (فَهُوَ لَهُ) وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِمِلْكِهِ لَهُ، لِأَنَّهُ بِيَدِ مَنْ لَمْ يَدَّعِ مِلْكَهُ وَرَبُّهُ مَجْهُولٌ، بِخِلَافِ مَنْ ادَّعَى وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ رَهْنًا فَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ يَقْتَرِعَانِ فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَأَخَذَهَا.
(وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُلْتَقِطٍ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وَلَا بَيْنَ مُلْتَقِطٍ) (مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَ) لَا بَيْنَ مُلْتَقِطٍ (عَدْلٍ وَفَاسِقٍ يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا)؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِهِ كَالِاحْتِشَاشِ وَالِاحْتِطَابِ. وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَيْسَ بِأَمِينٍ أَنْ لَا يَأْخُذَ اللُّقَطَةَ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلْأَمَانَةِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا (وَإِنْ وَجَدَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (صَغِيرٌ أَوْ سَفِيهٌ أَوْ مَجْنُونٌ) صَحَّ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَكَسُّبٍ فَصَحَّ مِنْهُ كَاصْطِيَادٍ. وَ(قَامَ) (وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا) تَأْدِيَةً لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ (فَإِنْ تَلِفَتْ) أَيْ: اللُّقَطَةُ (بِيَدِ أَحَدِهِمْ) الْوَاجِدِ لَهَا (وَ) كَانَ (فَرَّطَ) فِي حِفْظِهَا (ضَمِنَ) لِتَفْرِيطِهِ (كَإِتْلَافِهِ) إيَّاهَا فَيَغْرَمُهَا مِنْ مَالِهِ. وَكَعَبْدٍ (وَإِنْ كَانَ) تَلَفُهَا (بِتَفْرِيطِ الْوَلِيِّ) بِأَنْ عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ (فَ) ضَمَانُهَا (عَلَيْهِ) أَيْ: الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُضَيِّعُ لَهَا بِتَرْكِهَا مَعَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَحِفْظِهَا (فَإِنْ) لَمْ تَتْلَفْ وَعَرَّفَهَا الْوَلِيُّ، وَ(لَمْ تُعَرَّفْ فَ) هِيَ (لِوَاجِدِهَا) لِتَمَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ بِشَرْطِهِ. وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ مُمَيِّزًا فَعَرَّفَهَا بِنَفْسِهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَالْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُ التَّعْرِيفَ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْهَا الصَّغِيرُ وَلَا وَلِيُّهُ حَتَّى مَضَى الْحَوْلُ. فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى: إنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا دَفَعَهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا. قَدْ مَضَى أَجَلُ التَّعْرِيفِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ السِّنِينَ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ تَرْكَ التَّعْرِيفِ لِعُذْرٍ كَتَرْكِهِ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِمَا. (وَالرَّقِيقُ) يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الصَّغِيرُ وَيَصِحُّ مِنْهُ. فَصَحَّ مِنْ الرَّقِيقِ كَالِاصْطِيَادِ. وَلَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ وَيُعَرِّفَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ (وَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا) مِنْهُ لِيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ، وَلِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُ كَسْبِهِ مِنْهُ، فَإِنْ عَرَّفَهَا بَعْضَ الْحَوْلِ عَرَّفَهَا السَّيِّدُ بَقِيَّتَهُ (وَ) لِسَيِّدِهِ (تَرْكُهَا مَعَهُ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمُلْتَقِطِ (إنْ كَانَ عَدْلًا يَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا) وَيَكُونُ السَّيِّدُ مُسْتَعِينًا بِهِ فِي حِفْظِهَا كَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي حِفْظِ سَائِرِ مَالِهِ. وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ غَيْرَ أَمِينٍ وَأَقَرَّهَا السَّيِّدُ مَعَهُ فَهُوَ مُفَرِّطٌ. فَيَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَ رَقِيقِهِ كَيَدِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ فَلَهُ انْتِزَاعُهَا مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ، (وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ) رَقِيقٌ مُلْتَقِطٌ (سَيِّدَهُ) عَلَى اللُّقَطَةِ (لَزِمَهُ سَتْرُهَا عَنْهُ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِحِفْظِهَا اللَّازِمِ لَهُ وَيَدْفَعُهَا لِلْحَاكِمِ لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ يَدْفَعُهَا إلَى سَيِّدِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ. فَإِنْ أَعْلَمَ سَيِّدَهُ بِهَا فَلَمْ يَأْخُذَهَا أَوْ أَخَذَهَا وَعَرَّفَهَا وَأَدَّى الْأَمَانَةَ فِيهَا. فَتَلِفَتْ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ تُضْمَنْ، لِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ بِتَفْرِيطِ أَحَدِهِمَا (وَمَتَى تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (بِإِتْلَافِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمُلْتَقِطِ (أَوْ تَفْرِيطِهِ) فِي الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ بِدَفْعِهَا لِسَيِّدِهِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُهُ عَلَيْهَا (فَ) ضَمَانُهَا (فِي رَقَبَتِهِ) نَصًّا كَغَيْرِ اللُّقَطَةِ. وَمِثْلُهُ مُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا (وَمُكَاتَبٌ) فِي الْتِقَاطٍ (كَحُرٍّ)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اكْتِسَابَهُ وَهُوَ مِنْهَا. فَإِنْ عَادَ قِنًّا بِعَجْزِهِ كَانَتْ كَلُقَطَةِ الْقِنِّ. (وَ) مَا يَلْتَقِطُهُ (مُبَعَّضٌ ف) هُوَ (بَيْنَهُ وَبَيْنَ. سَيِّدِهِ) عَلَى حَسَبِ حُرِّيَّتِهِ وَرِقِهِ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ (وَكَذَا كُلُّ نَادِرٍ مِنْ كَسْبٍ كَهِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَوَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا) كَنِثَارٍ وَقَعَ فِي حِجْرِهِ (وَلَوْ أَنَّ بَيْنَهُمَا) أَيْ: الْمُبَعَّضِ وَسَيِّدِهِ (مُهَايَأَةً) أَيْ: مُنَاوَبَةً بِأَنْ كَانَ يَسْتَقِلُّ بِنَفْعِهِ وَكَسْبِهِ مُدَّةً، وَسَيِّدُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ النَّادِرَ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ وَلَا يُظَنُّ فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ الْمُلْتَقِطُ مُشْتَرَكًا فَلُقَطَتُهُ بَيْنَ سَادَاتِهِ بِحَسَبِ حِصَصِهِمْ فِيهِ.
فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَجَرِيحٍ وَطَرِيحٍ شَرْعًا (طِفْلٌ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ وَلَا رِقُّهُ، نُبِذَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ: طُرِحَ فِي شَارِعٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ) مَا بَيْنَ وِلَادَتِهِ (إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ) فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ (وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ: إلَى الْبُلُوغِ) قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ فَإِنْ نُبِذَ أَوْ ضَلَّ مَعْرُوفُ النَّسَبِ أَوْ الرِّقِّ فَأَخَذَهُ مَنْ يَعْرِفُهُ أَوْ غَيْرُهُ فَلَيْسَ بِلَقِيطٍ (وَالْتِقَاطُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ نَفْسِهِ. فَكَانَ وَاجِبًا كَإِطْعَامِهِ إذَا اضْطَرَّ وَإِنْجَائِهِ مِنْ نَحْوِ غَرَقٍ. فَإِنْ تَرَكَهُ جَمِيعُ مَنْ رَآهُ أَثِمُوا. (وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ) أَيْ: اللَّقِيطِ (مِمَّا مَعَهُ) إنْ كَانَ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ فِي مَالِهِ وَمَا مَعَهُ فَهُوَ مَالُهُ كَمَا يَأْتِي، وَإِلَّا يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ (فَ) يُنْفَقُ عَلَيْهِ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ. قَالَ: " وَجَدْتُ مَلْقُوطًا فَأَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ، فَقَالَ عَرِيفِي: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقَالَ عُمَرُ: أَكَذَلِكَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَاذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَلَكَ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ ". وَفِي لَفْظٍ " عَلَيْنَا رَضَاعُهُ " (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَخْذُ نَفَقَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِكَوْنِ الْبَلَدِ لَيْسَ لَهُ بَيْتُ مَالٍ أَوْ بِهِ وَلَا مَالَ بِهِ وَنَحْوُهُ (اقْتَرَضَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى بَيْتِ الْمَالِ (حَاكِمٌ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُتَبَرِّعٌ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِلَا مِنَّةٍ تَلْحَقُهُ. أَشْبَهَ أَخْذَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ اقْتَرَضَ الْحَاكِمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ رَقِيقًا أَوْ لَهُ أَبٌ مُوسِرٌ. رَجَعَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَحَدٌ وَفَّى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الِاقْتِرَاضُ عَلَيْهِ أَوْ الْأَخْذِ مِنْهُ لِنَحْوِ مَنْعٍ مَعَ وُجُودِ الْمَالِ فِيهِ (فَعَلَى مَنْ عَلِمَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وَلِمَا فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ هَلَاكِهِ، وَحِفْظُهُ عَنْهُ وَاجِبٌ، كَإِنْقَاذٍ مِنْ الْغَرَقِ (وَلَا يَرْجِعُ) مَنْ أَنْفَقَ بِمَا أَنْفَقَهُ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ (فَهِيَ) أَيْ: النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) وَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ النَّاظِمُ: إنْ نَوَى الرُّجُوعَ وَاسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ رَجَعَ عَلَى الطِّفْلِ بَعْدَ الرُّشْدِ. وَإِلَّا رَجَعَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. (وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ) أَيْ: اللَّقِيطِ إنْ وُجِدَ بِدَارِ إسْلَامٍ فِيهِ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ، لِظَاهِرِ الدَّارِ وَتَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ. فَإِنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ (وَ) يُحْكَمُ (بِحُرِّيَّتِهِ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ أَحْرَارًا، وَالرِّقُّ لِعَارِضٍ، الْأَصْلُ عَدَمُهُ (إلَّا أَنْ يُوجَدَ) اللَّقِيطُ (فِي بَلَدِ أَهْلِ حَرْبٍ وَلَا مُسْلِمَ فِيهِ أَوْ فِيهِ مُسْلِمٌ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ فَ) هُوَ (كَافِرٌ رَقِيقٌ)؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَهُمْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ كَانَ أَهْلُهَا مِنْهُمْ،، وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَحْوُ تَاجِرٍ وَأَسِيرٍ غَلَبَ حُكْمُ الْأَكْثَرِ لِكَوْنِ الدَّارِ لَهُمْ (وَإِنْ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ) بِدَارِ حَرْبِ (فَ) لَقِيطُهَا (مُسْلِمٌ) تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ (أَوْ) إلَّا أَنْ يُوجَدَ اللَّقِيطُ (فِي بَلَدِ إسْلَامٍ كُلُّ أَهْلِهِ) أَهْلُ (ذِمَّةٍ) فَهُوَ (كَافِرٌ) لِأَنَّهُ لَا مُسْلِمَ بِهَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُ وَتَغْلِيبُ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الِاحْتِمَالِ (وَإِنْ كَانَ بِهَا) أَيْ: بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ كُلٌّ أَهْلِ ذِمَّةٍ (مُسْلِمٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ (مِنْهُ) أَيْ: الْمُسْلِمِ (فَ) اللَّقِيطُ (مُسْلِمٌ) تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ وَلِظَاهِرِ الدَّارِ (وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَنْ) أَيْ: لَقِيطٌ (قُلْنَا بِكُفْرِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ) أَيْ دَارِ الْكُفْرِ وَهُوَ مَنْ وُجِدَ فِي بَلَدِ أَهْلِ حَرْبٍ لَا مُسْلِمَ بِهِ أَوْ بِهِ نَحْوُ تَاجِرٍ وَأَسِيرٍ (حَتَّى صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ فَ) هُوَ (مُسْلِمٌ) تَبَعًا لِلدَّارِ. (وَمَا وُجِدَ مَعَهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ (مِنْ فِرَاشٍ تَحْتَهُ وَ) مِنْ (ثِيَابٍ) عَلَيْهِ أَوْ فَوْقَهُ (أَوْ مَالٍ فِي جَيْبِهِ أَوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ أَوْ) وُجِدَ (مَدْفُونًا تَحْتَهُ) دَفْنًا (طَرِيًّا) بِأَنْ تَجَدَّدَ حَفْرُهُ (أَوْ) وُجِدَ (مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ) وُجِدَ مَعَهُ (حَيَوَانٌ مَشْدُودٌ بِثِيَابِهِ) أَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ مَشْدُودًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ فِي سَرِيرٍ أَوْ صُنْدُوقٍ (فَ) هُوَ (لَهُ)؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ يَمْلِكُ مِلْكًا صَحِيحًا فَلَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ كَالْبَالِغِ. فَيُحْكَمُ بِثَبَاتِ مِلْكِهِ عَلَى مَا مَعَهُ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ كَانَ مَجْعُولًا فِي دَارٍ أَوْ خَيْمَةٍ تَكُونُ لَهُ عَلَى مَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمَجْدِ وَجَمَاعَةٍ. فَإِنْ وُجِدَ مَدْفُونًا تَحْتَهُ غَيْرَ طَرِيٍّ أَوْ مَدْفُونًا بَعِيدًا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ. وَمَا لَيْسَ مَحْكُومًا بِهِ لَهُ فَلُقْطَةٌ. (وَالْأَوْلَى بِحَضَانَتِهِ) أَيْ: اللَّقِيطِ (وَاجِدُهُ إنْ كَانَ أَمِينًا عَدْلًا) لِمَا سَبَقَ عَنْ عُمَرَ، وَلِسَبْقِهِ إلَيْهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِهِ (وَلَوْ) إنَّهُ عَدْلٌ (ظَاهِرًا) كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ فِيهِ وَأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ (حُرًّا) تَامَّ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ فَلَا يُذْهِبُهَا فِي غَيْرِ نَفْعِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَنَافِعِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَكَذَا الْمُبَعَّضُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِكْمَالِ الْحَضَانَةِ. فَإِذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لِرَقِيقَةِ أَقَرَّ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّ السَّيِّدَ الْتَقَطَهُ وَاسْتَعَانَ بِرَقِيقِهِ فِي حَضَانَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَارَ كَمَا لَوْ الْتَقَطَهُ (مُكَلَّفًا)؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى (رَشِيدًا) فَلَا يُقَرُّ مَعَ سَفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى، وَيَجُوزُ لِمَنْ لَا يُقِرُّ بِيَدِهِ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ قُرْبَةٌ فَلَا تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ، وَعَدَمُ إقْرَارِهِ بِيَدِهِ دَوَامًا لَا يَمْنَعُ أَخْذَهُ ابْتِدَاءً، إلَّا الرَّقِيقُ فَلَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِ سِوَاهُ فَعَلَيْهِ الْتِقَاطُهُ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ الْهَلَاكِ كَالْغَرَقِ (وَلَهُ) أَيْ: لِوَاجِدِهِ الْمُتَّصِفِ بِمَا تَقَدَّمَ (حِفْظُ مَالِهِ) أَيْ: اللَّقِيطِ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ لِقَوْلِ عُمَرَ: " لَكَ وَلَاؤُهُ "؛ وَلِأَنَّهُ أَوْلَى بِحَضَانَتِهِ لَا مِنْ أَجْلِ قَرَابَتِهِ مِنْهُ. أَشْبَهَ الْحَاكِمَ (وَ) لَهُ (الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ) أَيْ: اللَّقِيطِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ مَالِهِ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ كَالْوَصِيِّ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْأَوْلَى بِإِذْنِهِ احْتِيَاطًا، بِخِلَافِ مَنْ غَابَ وَلَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ نَحْوُهَا وَأَوْلَادٌ فَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنِ حَاكِمٍ. وَيُنْفِقُ عَلَى اللَّقِيطِ وَاجِدُهُ بِالْمَعْرُوفِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، فَإِنْ بَلَغَ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا أُنْفِقَ أَوْ فِي التَّفْرِيطِ فِي الْإِنْفَاقِ فَقَوْلُ مُنْفِقٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. (وَ) لَهُ (قَبُولُ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ لَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ) لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ (وَيَصِحُّ) أَيْ: يَجُوزُ (الْتِقَاطُ قِنٍّ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ) بَلْ يَجِبُ وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ. (وَ) يَصِحُّ الْتِقَاطُ (ذِمِّيٍّ لِذِمِّيٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}. (وَيُقَرُّ) لَقِيطٌ (بِيَدِ مَنْ) الْتَقَطَهُ (بِالْبَادِيَةِ مُقِيمًا فِي حِلَّةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: بُيُوتٍ مُجْتَمِعَةٍ لِلِاسْتِيطَانِ بِهَا لِأَنَّهَا كَالْقَرْيَةِ. فَإِنَّ أَهْلَهَا لَا يَرْحَلُونَ عَنْهَا لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ (أَوْ) لَمْ يَكُنْ فِي حِلَّةٍ لَكِنَّهُ (يُرِيدُ نَقْلَهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ (إلَى الْحَضَرِ) لِأَنَّهُ يَنْقُلُهُ مِنْ أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالشَّقَاءِ إلَى أَرْضِ الرَّفَاهِيَةِ وَالدِّينِ وَ(لَا) يُقَرُّ بِيَدِ مُلْتَقِطِهِ إنْ كَانَ (بَدَوِيًّا يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ)؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْعَابًا لِلَّقِيطِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُدْفَعُ لِمَنْ يُقِرُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ (مَنْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ فَأَرَادَ نَقْلَهُ إلَى الْبَادِيَةِ)؛ لِأَنَّ مُقَامَهُ فِي الْحَضَرِ أَصْلَحُ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَبَقَاؤُهُ فِيهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ وَظُهُورِ أَهْلِهِ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ حَيْثُ وَجَدَهُ بِهِ إنَّهُ وُلِدَ فِيهِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ وَاجِدِهِ (مَعَ فِسْقِهِ أَوْ رِقِّهِ أَوْ كُفْرِهِ وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِحَضَانَتِهِ. فَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ كَافِرًا أُقِرَّ بِيَدِ وَاجِدِهِ الْكَافِرِ وَتَقَدَّمَ (وَإِنْ) كَانَ (الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ النَّقْلَةَ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى أَوْ) إلَى (قَرْيَةٍ أَوْ) الْتَقَطَهُ مَنْ يُرِيدُ النَّقْلَةَ (مِنْ حِلَّةٍ إلَى حِلَّةٍ لَمْ يُقَرَّ بِيَدِهِ)؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي بَلَدِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ أَوْ حِلَّتِهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ أَرَادَ النَّقْلَةَ بِهِ إلَى الْبَادِيَةِ (مَا لَمْ يَكُنْ الْمَحِلُّ الَّذِي كَانَ) أَيْ: وُجِدَ (بِهِ وَبِيئًا) أَيْ: وَخِيمًا (كَغَوْرِ بَيْسَانَ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدِهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ (وَنَحْوِهِ) كَالْجُحْفَةِ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَيُقَرُّ اللَّقِيطُ بِيَدِ مَنْ أَرَادَ النَّقْلَةَ عَنْهَا إلَى بِلَادٍ لَا وَبَاءَ بِهَا أَوْ دُونَهَا فِي الْوَبَاءِ لِتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِي. النَّقْلِ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ مَتَى وَجَدَهُ فِي فَضَاءٍ خَالٍ فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى حَيْثُ شَاءَ. (وَيُقَدَّمُ مُوسِرٌ وَمُقِيمٌ مِنْ مُلْتَقِطَيْنِ) لِلَقِيطٍ مَعًا (عَلَى ضِدِّهِمَا) فَيُقَدَّمُ مُوسِرٌ عَلَى مُعْسِرٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لِلَّقِيطِ، وَمُقِيمٌ عَلَى مُسَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ (فَإِنْ اسْتَوَيَا) بِأَنْ لَمْ يَتَّصِفْ أَحَدُهُمَا بِمَا يَكُونُ بِهِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا إنْ تَشَاحَّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ عِنْدَهُمَا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ. فَإِنْ تَهَايَأَهُ بِأَنْ جُعِلَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا فَأَكْثَرَ أَضَرَّ بِالطِّفْلِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْذِيَةِ وَالْأُنْسِ وَالْأُلْفَةِ، وَدَفْعُهُ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ لِتَسَاوِي حَقِّهِمَا فَتَعَيَّنَ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا وَلَا تُرَجَّحُ الْمَرْأَةُ فِي الِالْتِقَاطِ بِخِلَافِ حَضَانَةِ وَلَدِهَا. وَإِنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَتَسْلِيمِ اللَّقِيطِ لِلْآخَرِ جَازَ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ: الْمُتَنَازِعَانِ (فِي الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا قُدِّمَ) بِهِ مِنْهُمَا (مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ) لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِهَا، (فَإِنْ عَدِمَاهَا) أَيْ: الْبَيِّنَةَ وَهُوَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا (قُدِّمَ ذُو الْيَدِ)؛ لِأَنَّهَا دَلِيلُ اسْتِحْقَاقِ الْإِمْسَاكِ (بِيَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْآخَرِ (فَإِنْ كَانَ) اللَّقِيطُ (بِيَدَيْهِمَا) وَلَا بَيِّنَةَ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ (فَمَنْ قُرِعَ سُلِّمَ إلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَأُرِّخَتْ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا. فَإِنْ اتَّحَدَتَا تَارِيخًا أَوْ أَطْلَقَتَا أَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا وَأَطْلَقَتْ الْأُخْرَى، فَكَمَا لَوْ عَدِمَاهَا (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا) أَيْ: لِمَنْ عُدِمَتْ بَيِّنَتَاهُمَا أَوْ تَعَارَضَتَا (يَدٌ) عَلَى اللَّقِيطِ (فَوَصَفَهُ أَحَدُهُمَا بِعَلَامَةٍ مَسْطُورَةٍ فِي جَسَدِهِ) كَقَوْلِهِ: فِي ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ أَوْ كَتِفِهِ أَوْ فَخِذِهِ شَامَةٌ أَوْ أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيُكْشَفُ فَيُوجَدُ كَمَا ذَكَرَ (قُدِّمَ) وَاصِفُهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ اللُّقَطَةِ. أَشْبَهَ لُقَطَةَ الْمَالِ، وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ يَدِهِ (وَإِنْ وَصَفَاهُ) أَيْ: اللَّقِيطَ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا (وَإِلَّا) يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَلَا يَدَ وَلَا وَصْفَ (سَلَّمَهُ حَاكِمٌ إلَى مَنْ يَرَى مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ وَلَا مُهَايَأَةَ وَلَا تَخْيِيرَ لِلصَّبِيِّ، وَإِنْ رَأَى اثْنَانِ مَعًا لَقِيطًا أَوْ لُقَطَةً فَسَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَخَذَهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَإِنْ رَآهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَالسَّابِقُ إلَى الْأَخْذِ أَحَقُّ،؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ هُوَ الْأَخْذُ لَا الرُّؤْيَةُ. فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: نَاوِلْنِي فَأَخَذَهُ الْآخَرُ. فَإِنْ نَوَى أَخْذَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْآخَرُ، وَإِنْ نَوَى. الْمُنَاوَلَةَ فَهُوَ لِلْآمِرِ لِفِعْلِهِ ذَلِكَ بِنِيَّةِ النِّيَابَةِ عَنْهُ إنْ صَحَّتْ الْوَكَالَةُ فِي الِالْتِقَاطِ، (وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ) مِنْ مُخْتَلِفَيْنِ فِي اللَّقِيطِ (سَقَطَ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ الْآخَرَ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا وَسَأَلَهُ يَمِينَهُ، فَفِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ يَمِينُهُ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: لَا، كَطَلَاقٍ.
(وَمِيرَاثُهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ (وَدِيَتُهُ إنْ قُتِلَ لِبَيْتِ الْمَالِ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ كَغَيْرِ اللَّقِيطِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ فَلَهَا الرُّبُعُ وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ، أَوْ ذُو رَحِمٍ كَبِنْتِ بِنْتٍ أَخَذَ الْجَمِيعَ وَلَا يَرِثُهُ مُلْتَقِطُهُ لِحَدِيثِ {إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} وَحَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ مَرْفُوعًا: {الْمَرْأَةُ تَحُوزُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ. عَتِيقِهَا وَلَقِيطِهَا وَوَلَدِهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ} أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ (وَيُخَيِّرُ الْإِمَامُ فِي) قَتْلٍ (عَمْدٍ بَيْنَ أَخْذِهَا) أَيْ دِيَةِ اللَّقِيطِ (وَ) بَيْنَ (الْقِصَاصِ) نَصًّا فَيَفْعَلُ مَا يَرَاهُ أَصْلَحَ، لِحَدِيثِ {: السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ} " وَالدِّيَةُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَالْخَطَأِ. (وَإِنْ قُطِعَ طَرَفُهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ، وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ حَالَ قَطْعٍ (عَمْدًا اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ وَرُشْدُهُ) لِيَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يَصْلُحُ لَهُ، فَانْتُظِرَتْ أَهْلِيَّتُهُ. وَيُحْبَسُ الْجَانِي إلَى أَنْ يَصِيرَ اللَّقِيطُ أَهْلًا (إلَّا أَنْ يَكُونَ) اللَّقِيطُ (فَقِيرًا فَيَلْزَمُ الْإِمَامَ الْعَفْوُ عَلَى مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ) مِنْهُ مِنْ الْمَالِ بِحَيْثُ يَكُونُ فِيهِ حَظٌّ لِلَّقِيطِ. وَسَوَاءٌ كَانَ عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ. وَيَأْتِي فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ: لَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ وَلِيِّ الْمَجْنُونِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ هُنَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. (وَإِنْ ادَّعَى جَانٍ عَلَيْهِ) أَيْ: اللَّقِيطِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ الْمَالَ رِقَّهُ (أَوْ) ادَّعَى (قَاذِفُهُ رِقَّهُ وَكَذَّبَهُ لَقِيطٌ بَالِغٌ فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ)؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ. فَقَوْلٌ مُوَافِقٌ لِلظَّاهِرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْحُرِّ. وَلِلَّقِيطِ إذَا بَلَغَ طَلَبُ حَدِّ الْقَذْفِ وَاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ الْجَانِي. وَإِنْ كَانَ حُرًّا وَإنْ صَدَّقَهُ لَقِيطٌ بَالِغٌ عَلَى رِقِّهِ، لَمْ يَجِبْ سِوَى مَا يَجِبُ بِقَذْفِ رَقِيقٍ، أَوْ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ قَاذِفًا فَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدٌ لِيَجِبَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (وَإِنْ ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ) أَيْ: غَيْرُ وَاجِدِهِ (رِقَّهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ (وَهُوَ بِيَدِهِ) أَيْ: الْمُدَّعِي رِقَّهُ (صُدِّقَ) الْمُدَّعِي لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ (بِيَمِينِهِ) لِإِمْكَانِ عَدَمِ الْمِلْكِ حَيْثُ كَانَ اللَّقِيطُ دُونَ التَّمْيِيزِ، أَوْ مَجْنُونًا ثُمَّ بَلَغَ. قَالَ: أَنَا حُرٌّ لَمْ يُقْبَلْ.
قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَمَّا إنْ كَانَ بَالِغًا حِينَ الدَّعْوَى أَوْ مُمَيِّزًا. وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ فَإِنَّهُ يُخْلَى سَبِيلُهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ (وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ) أَيْ اللَّقِيطِ إذَا ادَّعَاهُ (مَعَ) بَقَاءِ (رِقِّهِ) لِسَيِّدِهِ وَلَوْ مَعَ بَيِّنَةٍ بِنَسَبِهِ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ امْرَأَةً حُرَّةً فَتَثْبُتُ حُرِّيَّتُهُ فَإِنْ ادَّعَى مُلْتَقِطُهُ رِقَّهُ أَوْ ادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ، وَلَيْسَ بِيَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ بِخِلَافِ دَعْوَى النَّسَبِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ يَثْبُتُ بِهَا حَقُّ اللَّقِيطِ، وَدَعْوَى الرِّقِّ يَثْبُتُ بِهَا حَقٌّ عَلَيْهِ، فَلَمْ تُقْبَلْ بِمُجَرَّدِهَا كَرِقِّ غَيْرِ اللَّقِيطِ (وَإِلَّا) يَكُنْ اللَّقِيطُ بِيَدِ الْأَجْنَبِيِّ الْمُدَّعِي لِرِقِّهِ (فَشَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِيَدٍ) بِأَنْ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ (وَحَلَفَ أَنَّهُ) أَيْ: اللَّقِيطَ (مِلْكُهُ) حُكِمَ لَهُ بِهِ،؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ (أَوْ) شَهِدَتْ لَهُ (بَيِّنَةٌ بِمِلْكٍ) بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْ جَارٍ فِي مِلْكِهِ أَوْ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ رَقِيقُهُ أَوْ قِنٍّ حُكِمَ لَهُ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِمِلْكِ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ (أَوْ) شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ (أَنَّ أَمَتَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (وَلَدَتْهُ) أَيْ: اللَّقِيطَ (فِي مِلْكِهِ) أَيْ: الْمُدَّعِي (حُكِمَ لَهُ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تَلِدُ فِي مِلْكِهِ إلَّا مَا مَلَكَهُ. فَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ ابْنُ أَمَتِهِ أَوْ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ وَلَمْ تَقُلْ فِي مِلْكِهِ لَمْ. يَثْبُتْ الْمِلْكُ بِذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ تَلِدَهُ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهَا، فَلَا يَكُونُ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ ابْنَ أَمَتِهِ وَكَوْنِهَا وَلَدَتْهُ. وَهَلْ يَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ: امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا. وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمُغْنِي، أَوْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ قَوْلِ الْقَاضِي: إنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ (وَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ: رِقَّ اللَّقِيطِ (مُلْتَقِطُهُ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِمِلْكِهِ لَهُ، أَوْ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُلْتَقِطَهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ) أَيْ: الرِّقَّ (لَقِيطٌ بَالِغٌ) بِأَنْ قَالَ: أَنَا مِلْكُ زَيْدٍ (لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ زَيْدٌ، أَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ بِهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحُرِّيَّةِ الْمَحْكُومِ بِهَا، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْحُرِّيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الطِّفْلَ الْمَنْبُوذَ لَا يَعْرِفُ رِقَّ نَفْسِهِ وَلَا حُرِّيَّتَهَا، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ حَالٌ يَعْرِفُ بِهِ رِقَّ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَالَ بِرِقِّ لَقِيطٍ مُكَلَّفٍ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ سُمِعَتْ وَحُكِمَ بِهَا، فَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ تَصَرَّفَ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، نُقِضَتْ تَصَرُّفَاتُهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. (وَ) إنْ أَقَرَّ لَقِيطٌ بَالِغٌ (بِكُفْرٍ وَقَدْ نَطَقَ بِإِسْلَامٍ وَهُوَ يَعْقِلُهُ) أَيْ: الْإِسْلَامَ (أَوْ) أَقَرَّ بِهِ لَقِيطٌ بَالِغٌ (مُسْلِمٌ حُكْمًا) تَبَعًا لِلدَّارِ (فَ) هُوَ (مُرْتَدٌّ) يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ ابْنٌ مُسْلِمٌ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ) أَيْ: بِأَنَّ اللَّقِيطَ وَلَدُهُ (مَنْ يُمْكِنُ كَوْنُهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ (مِنْهُ) أَيْ: الْمُقِرِّ بِهِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمُقِرُّ الْمُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ (أُنْثَى ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ) ذَاتَ (نَسَبٍ مَعْرُوفٍ) أَوْ إخْوَةٍ (أُلْحِقَ) اللَّقِيطُ (وَلَوْ) كَانَ اللَّقِيطُ (مَيِّتًا بِهِ) أَيْ: بِالْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ لِلَّقِيطِ. لِاتِّصَالِ نَسَبِهِ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ. فَقُبِلَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ، وَلِأَنَّ الْأُنْثَى أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَثَبَتَ النَّسَبُ بِدَعْوَاهَا كَالْأَبِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا كَمَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ الرَّجُلِ بَلْ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي بِهِ مِنْ زَوْجٍ وَمِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ. وَيَلْحَقُهَا وَلَدُهَا مِنْ الزِّنَا دُونَ الرَّجُلِ. وَ(لَا) يَلْحَقُ (بِزَوْجِ) امْرَأَةٍ (مُقِرَّةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُولَدْ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ. وَكَمَا لَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ نَسَبَهُ لَمْ يَلْحَقْ بِزَوْجَتِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَلِدَهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَا يَتْبَعُ) رَقِيقًا ادَّعَى نَسَبَهُ (فِي رِقٍّ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَبَعِيَّةِ النَّسَبِ الرِّقُّ (وَلَا) يَتْبَعُ (كَافِرًا) ادَّعَى نَسَبَهُ (فِي دِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ) مُدَّعِيهِ الْكَافِرُ (بَيِّنَةً أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) فَيَلْحَقُهُ فِي دِينِهِ لِثُبُوتِ أَنَّهُ وَلَدُ ذِمِّيَّيْنِ. وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَقِيطًا مَا دَامَ حَيًّا كَافِرًا إذْ لَوْ مَاتَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ بُلُوغِهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. (وَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ: اللَّقِيطَ (اثْنَانِ) رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ: إنَّهُ وَلَدُهُ (فَأَكْثَرُ مَعًا) فَإِنْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ لَحِقَ بِالْأَوَّلِ إلَّا أَنْ تُلْحِقَهُ الْقَافَةُ بِالثَّانِي فَيَلْحَقُ بِهِ وَيَنْقَطِعُ نَسَبُهُ مِنْ الْأَوَّلِ (قُدِّمَ) بِهِ (مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ) لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى إظْهَارِ الْحَقِّ، (فَإِنْ تَسَاوَوْا) أَيْ: الْمُدَّعُونَ (فِيهَا) أَيْ: الْبَيِّنَةِ بِأَنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمْ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَلَدُهُ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا خَارِجًا وَإِلَّا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ (أَوْ) تَسَاوَوْا (فِي عَدَمِهَا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ، (عُرِضَ) اللَّقِيطُ (مَعَ) كُلِّ (مُدَّعٍ) مَوْجُودٍ (أَوْ) مَعَ (أَقَارِبِهِ) أَيْ: الْمُدَّعِي كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَخِيهِ وَابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ (إنْ) كَانَ (مَاتَ: عَلَى الْقَافَةِ) وَهُمْ قَوْمٌ يَعْرِفُونَ الْأَنْسَابَ بِالشَّبَهِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِقَبِيلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ مَنْ عُرِفَتْ مِنْهُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ، وَتَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْإِصَابَةُ فَهُوَ قَائِفٌ، (فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ) الْقَافَةُ (بِوَاحِدٍ) لَحِقَ بِهِ لِقَضَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُنْكَرْ. فَكَانَ إجْمَاعًا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ " لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا " وَحَدِيثُ الْمُلَاعَنَةِ (أَوْ) أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ (بِاثْنَيْنِ) مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ لَهُ (حَقُّ) نَسَبِهِ بِهِمَا. لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ " فِي امْرَأَةٍ وَطِئَهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ الْقَائِفُ: قَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا " وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ " وَعَلِيٌّ يَقُولُ: هُوَ ابْنُهُمَا وَهُمَا أَبَوَاهُ يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ " رَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ عَنْ عُمَرَ (فَيَرِثُ) اللَّقِيطُ (كُلًّا مِنْهُمَا) أَيْ الِاثْنَيْنِ الْمُلْحَقِ بِهِمَا (إرْثَ وَلَدٍ) فَإِنْ لَمْ يَخْلُفَا غَيْرَهُ وَرِثَ جَمِيعَ مَالِهِمَا. (وَيَرِثَانِهِ) جَمِيعًا (إرْثَ أَبٍ) وَاحِدٍ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ قَبِلَا) الْوَصِيَّةَ لَهُ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ أَبٍ وَاحِدٍ، وَكَذَا لَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَيَا لَهُ وَنَحْوَهُ أَوْ زَوَّجَاهُ (وَإِنْ خَلَّفَ) مُلْحَقٌ بِاثْنَيْنِ (أَحَدَهُمَا فَلَهُ) أَيْ: الْمُخَلَّفُ مِنْهُمَا (إرْثُ أَبٍ كَامِلٍ وَنَسَبُهُ) مَعَ ذَلِكَ (ثَابِتٌ مِنْ الْمَيِّتِ) لَا يُزِيلُهُ شَيْءٌ، كَمَا أَنَّ الْجَدَّةَ إذَا انْفَرَدَتْ أَخَذَتْ مَا تَأْخُذُهُ الْجَدَّاتُ. وَالزَّوْجَةُ وَحْدَهَا تَأْخُذُ مَا تَأْخُذُهُ الزَّوْجَاتُ (وَلِأُمَّيْ أَبَوَيْهِ) إذَا مَاتَ وَخَلَفَهُمَا (مَعَ أُمِّ أُمٍّ) وَعَاصِبٍ (نِصْفُ سُدُسٍ) لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ جَدَّةٍ لِأَبٍ (وَلَهَا) أَيْ: أُمِّ أُمِّهِ (نِصْفُهُ) أَيْ: السُّدُسِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَعَ أُمِّ أَبٍ وَاحِدٍ (وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَتْهُ) الْقَافَةُ (بِأَكْثَرَ) مِنْ اثْنَيْنِ فَيَلْحَقُ بِهِمْ، وَإِنْ كَثَرُوا،؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ أُلْحِقَ بِالِاثْنَيْنِ مَوْجُودٌ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ. وَإِذَا جَازَ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ اثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ أَكْثَرَ، (وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَافَةٌ) وَقَدْ ادَّعَاهُ الِاثْنَانِ فَأَكْثَرُ ضَاعَ نَسَبُهُ. فَإِنْ وُجِدَتْ وَلَوْ بَعِيدَةً ذَهَبُوا إلَيْهَا (أَوْ نَفَتْهُ) الْقَافَةُ عَمَّنْ ادَّعَيَاهُ أَوْ ادَّعَوْهُ (أَوْ أُشْكِلَ أَمْرُهُ) عَلَى الْقَافَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ (اخْتَلَفَ) فِيهِ (قَائِفَانِ) فَأَلْحَقَهُ أَحَدُهُمَا بِوَاحِدٍ وَالْآخَرُ بِآخَرَ (أَوْ) اخْتَلَفَ قَائِفَانِ (اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ) مِنْ الْقَافَةِ، بِأَنْ قَالَ اثْنَانِ مِنْهُمْ: هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، وَثَلَاثَةٌ: هُوَ ابْنُ عَمْرٍو (ضَاعَ نَسَبُهُ)؛ لِتَعَارُضِ الدَّلِيلِ وَلِأَمْرٍ مُرَجِّحٍ لِبَعْضِ مَنْ يَدَّعِيهِ. أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُدَّعَ نَسَبُهُ. وَلَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمْ بِذِكْرِ عَلَامَةٍ فِي جَسَدِهِ. وَإِنْ ادَّعَى نَسَبَ اللَّقِيطِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أُلْحِقَ بِهِمَا جَمِيعًا لِعَدَمِ التَّنَافِي؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا بِنِكَاحٍ بَيْنَهُمَا أَوْ وَطْءِ. شُبْهَةٍ (وَيُؤْخَذُ بِ) قَوْلِ قَائِفَيْنِ (اثْنَيْنِ خَالَفَهُمَا) قَائِفٌ (ثَالِثٌ) نَصًّا (كَبَيْطَارَيْنِ) خَالَفَهُمَا بَيْطَارٌ فِي عَيْبٍ، (وَ) كَ (طَبِيبَيْنِ) خَالَفَهُمَا طَبِيبٌ (فِي عَيْبٍ) قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: وَيَثْبُتُ النَّسَبُ (وَلَوْ رَجَعَ عَنْ دَعْوَاهُ) النَّسَبَ (مَنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ الْقَافَةُ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ (وَمَعَ عَدَمِ إلْحَاقِهَا) أَيْ: الْقَافَةِ (بِوَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ) مُدَّعِيَيْنِ لِنَسَبِهِ (فَرَجَعَ أَحَدُهُمَا) عَنْ دَعْوَاهُ (يُلْحَقُ بِالْآخَرِ) لِزَوَالِ الْمُعَارَضَةِ وَلَا يَضِيعُ نَسَبُهُ (وَيَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ (وَهُوَ كَحَاكِمٍ فَيَكْفِي مُجَرَّدُ خَبَرِهِ)؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ مَا يَقُولُ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ. فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ ثُمَّ أَلْحَقَهُ بِآخَرَ كَانَ لَاحِقًا بِالْأَوَّلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَهُ جَرَى مَجْرَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَنْقَضِي بِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ، وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ ثُمَّ عَادَ فَأَلْحَقَهُ بِآخَرَ. وَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَلَدُهُ حُكِمَ لَهُ بِهِ وَسَقَطَ قَوْلُ الْقَائِفِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ فَيَسْقُطُ بِوُجُودِ الْأَصْلِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ (وَشَرْطُ كَوْنِهِ) أَيْ: الْقَائِفِ (ذَكَرًا)؛ لِأَنَّ الْقَافَةَ حُكْمٌ مُسْتَنِدُهَا النَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ. فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الذُّكُورَةُ كَالْقَضَاءِ (عَدْلًا)؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَعُلِمَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ إسْلَامِهِ بِالْأَوْلَى (حُرًّا)؛ لِأَنَّهُ كَحَاكِمٍ (مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ)؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ عِلْمِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِعِلْمِهِ لَهُ وَطَرِيقَةِ التَّجْرِبَةِ فِيهِ. وَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْإِصَابَةِ وَصِحَّةِ الْمَعْرِفَةِ فِي مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ. (وَكَذَا) أَيْ: كَاللَّقِيطِ (إنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً) بِلَا زَوْجٍ (بِشُبْهَةٍ) فِي طُهْرٍ (أَوْ) وَطِئَا (أَمَتَهُمَا) الْمُشْتَرَكَةَ (فِي طُهْرٍ أَوْ) وَطِئَ (أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ زَوْجَةً) لِآخَرَ (أَوْ سُرِّيَّةً لِآخَرَ) هِيَ فِرَاشٌ لَهُ (وَ) قَدْ (أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا) أَيْ: الْوَاطِئَيْنِ فَيَرَى الْقَافَةُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: سَوَاءٌ ادَّعَيَاهُ أَوْ جَحَدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا. وَقَدْ ثَبَتَ الِافْتِرَاشُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَشَرَطَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي وَطْءِ الزَّوْجَةِ أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ، فَعَلَى قَوْلِهِ إنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ اخْتَصَّ بِهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ. وَبِقَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ جَزَمَ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُقْنِعِ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي شَرْحِهِ (وَلَيْسَ لِزَوْجٍ) وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَ(أُلْحِقَ بِهِ) الْوَلَدُ بِإِلْحَاقِ الْقَافَةِ لَهُ وَجَحْدِهِ (اللِّعَانَ لِنَفْيِهِ) لِعَدَمِ شَرْطِهِ. وَهُوَ سَبْقُ الْقَذْفِ.
مَصْدَرُ وَقَفَ الشَّيْءَ إذَا حَبَسَهُ وَأَحْبَسَهُ، وَأَوْقَفَهُ لُغَةٌ شَاذَّةٌ كَأَحْبَسَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يُحَبِّسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا حَبَّسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ. وَهُوَ مِنْ الْقُرَبِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ {أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَصَبْتُ مَالًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ قَطُّ مَالًا أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهِ؟ قَالَ: إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ. قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ} وَفِي لَفْظٍ " غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِحَدِيثِ {إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ} قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ جَابِرٌ " لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو مَقْدِرَةٍ إلَّا وَقَفَ " وَهُوَ شَرْعًا (تَحْبِيسُ مَالِكٍ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مَالَهُ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ تَصَرُّفِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَحْبِيسٍ عَلَى أَنَّهُ مُبَيِّنٌ لَهُ، أَيْ: إمْسَاكِ الْمَالِ عَنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكَاتِ بِقَطْعِ تَصَرُّفِ مَالِكِهِ (وَغَيْرُهُ فِي رَقَبَتِهِ) بِشَيْءٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ (يَصْرِفُ رِيعَهُ) أَيْ: غَلَّةَ الْمَالِ وَثَمَرَتَهُ وَنَحْوهَا بِسَبَبِ تَحْبِيسِهِ (إلَى جِهَةِ بِرٍّ) يُعَيِّنُهَا وَاقِفُهُ (تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى) بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْقُرْبَةَ. وَهَذَا الْحَدُّ لِصَاحِبِ الْمُطْلِعِ، وَتَبِعَهُ الْمُنَقِّحُ عَلَيْهِ وَتَابَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ. وَاسْتَظْهَرَ فِي شَرْحِهِ أَنَّ قَوْلَهُ: "تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى" إنَّمَا هُوَ فِي وَقْفٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقِفُ عَلَى غَيْرِهِ تَوَدُّدًا أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ خَشْيَةَ بَيْعِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِتْلَافِ ثَمَنِهِ، أَوْ خَشْيَةَ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ فَيُبَاعُ فِي دَيْنِهِ، أَوْ رِيَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ وَقْفٌ لَازِمٌ لَا ثَوَابَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَغِ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْ نَحْوِ مُكَاتَبٍ وَسَفِيهٍ، وَلَا وَقْفُ نَحْوِ الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ، وَلَا نَحْوِ الْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ إلَّا الْمَاءُ وَيَأْتِي. وَأَرْكَانُهُ: وَاقِفٌ، وَمَوْقُوفٌ، وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَالصِّيغَةُ. وَهِيَ فِعْلِيَّةٌ وَقَوْلِيَّةٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ: (وَيَحْصُلُ) الْوَقْفُ حُكْمًا (بِفِعْلٍ مَعَ) شَيْءٍ (دَالٍّ عَلَيْهِ) أَيْ: الْوَقْفِ (عُرْفًا) لِمُشَارَكَتِهِ الْقَوْلَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ (كَأَنْ يَبْنِي بُنْيَانًا عَلَى هَيْئَةِ مَسْجِدٍ وَيَأْذَنَ إذْنًا عَامًّا فِي الصَّلَاةِ فِيهِ) وَلَوْ بِفَتْحِ الْأَبْوَابِ أَوْ التَّأْذِينِ أَوْ كِتَابَةِ لَوْحٍ بِالْإِذْنِ أَوْ الْوَقْفِ.
قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ بَيْتَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَأَذَّنَ فِيهِ وَلَوْ نَوَى خِلَافَهُ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. أَيْ: لَا أَثَرَ لِنِيَّةٍ خِلَافَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ (حَتَّى لَوْ كَانَ) مَا بَنَاهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ وَأَذِنَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ (سُفْلَ بَيْتِهِ أَوْ عُلْوَهُ أَوْ وَسَطَهُ) فَيَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِطْرَاقًا كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ (وَيَسْتَطْرِقُ) إلَيْهِ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ وَأَطْلَقَ (أَوْ) يَبْنِي (بَيْتًا) يَصْلُحُ (لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ تَطَهُّرٍ وَيَشْرَعُهُ) أَيْ: يَفْتَحُ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ (أَوْ يَجْعَلُ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً وَيَأْذَنُ) لِلنَّاسِ (إذْنًا عَامًّا بِالدَّفْنِ فِيهَا) بِخِلَافِ الْإِذْنِ الْخَاصِّ. فَقَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ فَلَا يُفِيدُ دَلَالَةَ الْوَقْفِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَشَارَ إلَى الصِّيغَةِ الْقَوْلِيَّةِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَحْصُلُ بِ (قَوْلٍ) وَكَذَا إشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ مِنْ أَخْرَسَ، (وَصَرِيحُهُ: وَقَفْتُ وَحَبَسْتُ وَسَبَّلْتُ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَالشَّرْعِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَسَبَّلْتَ ثَمَرَهَا} فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي الْوَقْفِ كَلَفْظِ التَّطْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ، وَإِضَافَةُ التَّحْبِيسِ إلَى الْأَصْلِ وَالتَّسْبِيلِ إلَى الثَّمَرَةِ لَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ مُحَبَّسَةٌ أَيْضًا. عَلَى مَا شُرِطَ صَرْفُهَا إلَيْهِ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَقَدْ سَبَقَ لَهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ هِيَ أَعَمُّ مِنْ الْوَقْفِ، فَلَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ بِهَا إلَّا بِقَيْدٍ يُخْرِجُهَا عَنْ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ. وَلِهَذَا كَانَتْ كِنَايَةً فِيهِ. وَفِي جَمْعِ الشَّارِعِ بَيْنَ لَفْظَتَيْ التَّحْبِيسِ وَالتَّسْبِيلِ تَبْيِينٌ لَحَالَتَيْ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ، فَإِنْ حَقِيقَةَ الْوَقْفِ ابْتِدَاءُ تَحْبِيسِهِ، وَدَوَامًا تَسْبِيلُ مَنْفَعَتِهِ. وَلِهَذَا حَدَّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْوَقْفَ بِأَنَّهُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الثَّمَرَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ، (وَكِنَايَتُهُ) أَيْ الْوَقْفِ (تَصَدَّقْتُ وَحَرَّمْتُ وَأَبَّدْتُ) لِعَدَمِ خُلُوصِ كُلٍّ مِنْهَا عَنْ الِاشْتِرَاكِ. فَالصَّدَقَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَالتَّحْرِيمُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ، وَالتَّأْبِيدُ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُرَادُ تَأْبِيدُهُ مِنْ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ (وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (بِهَا) مُجَرَّدَةً عَمَّا يَصْرِفُهَا إلَيْهِ كَكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ فِيهِ، لِأَنَّهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا عُرْفٌ لُغَوِيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ (إلَّا بِنِيَّةِ) الْوَقْفِ فَمَنْ أَتَى بِكِنَايَةٍ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ نَوَى بِهَا الْوَقْفَ لَزِمَهُ حُكْمًا؛ لِأَنَّهَا بِالنِّيَّةِ صَارَتْ ظَاهِرَةً فِيهِ وَإِنْ قَالَ: مَا أَرَدْتُ بِهَا الْوَقْفَ قُبِلَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ، (أَوْ قَرَنَهَا) أَيْ: الْكِنَايَةَ فِي اللَّفْظِ (بِأَحَدِ الْأَلْفَاظِ الْخَمْسَةِ) وَهِيَ: الصَّرَائِحُ الثَّلَاثُ وَالْكِنَايَتَانِ (كَ) قَوْلِهِ (تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَوْ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً (مُحَبَّسَةً أَوْ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً (مُسَبَّلَةً أَوْ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً (مُحَرَّمَةً أَوْ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً (مُؤَبَّدَةً أَوْ) قَرَنَ الْكِنَايَةَ (بِحُكْمِ الْوَقْفِ كَ) قَوْلِهِ: تَصَدَّقْتُ بِهِ صَدَقَةً (لَا تُبَاعُ أَوْ) صَدَقَةً (لَا تُوهَبُ أَوْ) صَدَقَةً (لَا تُورَثُ أَوْ) تَصَدَّقْتُ بِدَارِي (عَلَى قَبِيلَةِ) كَذَا (أَوْ) عَلَى (طَائِفَةِ كَذَا)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ فَانْتَفَتْ الشَّرِكَةُ. وَكَذَا تَصَدَّقْتُ بِأَرْضِي أَوْ دَارِي عَلَى زَيْدٍ وَالنَّظَرُ لِي أَيَّامَ حَيَاتِي، أَوْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو، أَوْ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَنَحْوِهِ (فَلَوْ قَالَ: تَصَدَّقْتُ بِدَارِي عَلَى زَيْدٍ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ الْوَقْفَ وَأَنْكَرَ زَيْدٌ) إرَادَةَ الْوَقْفِ وَأَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهَا بِمَا أَرَادَ قُبِلَ قَوْلُ زَيْدٍ، وَ(لَمْ تَكُنْ وَقْفًا) لِمُخَالَفَةِ قَوْلِ الْمُتَصَدِّقِ لِلظَّاهِرِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: فَيُعَايَا بِهَا.
(وَشُرُوطُهُ) أَيْ: الْوَقْفِ (أَرْبَعَةٌ) أَحَدُهَا (مُصَادَفَتُهُ عَيْنًا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَيُنْتَفَعُ بِهَا) انْتِفَاعًا (عُرْفًا كَإِجَارَةٍ) بِأَنْ يَكُونَ النَّفْعُ مُبَاحًا بِلَا ضَرُورَةٍ، مَقْصُودًا مُتَقَوِّمًا يُسْتَوْفَى (مَعَ بَقَائِهَا) أَيْ: الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ لِيَكُونَ صَدَقَةً جَارِيَةً. وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِيمَا لَا تَبْقَى عَيْنُهُ (أَوْ) مُصَادَفَةُ الْوَقْفِ (جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهَا) أَيْ: الْعَيْنِ الْمُتَّصِفَةِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ. لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْمِائَةُ سَهْمِ الَّتِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَعْجَبَ إلَيَّ مِنْهَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا} رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى بَعْضِ الْجُمْلَةِ مُفْرَدًا، فَجَازَ عَلَيْهِ مُشَاعًا كَالْبَيْعِ. وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ كَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا سَهْمًا. قَالَهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ثُمَّ يَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُشَاعَ لَوْ وَقَفَهُ مَسْجِدًا ثَبَتَ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الْحَالِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ الْجُنُبُ. ثُمَّ الْقِسْمَةُ مُتَعَيَّنَةٌ هُنَا لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ. وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ (مَنْقُولَةً) كَانَتْ (كَحَيَوَانٍ) كَوَقْفِ فَرَسٍ عَلَى الْغُزَاةِ أَوْ عَبْدٍ لِخِدْمَةِ الْمَرْضَى. وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَوْ وَقَفَ نِصْفَ عَبْدِهِ صَحَّ وَلَمْ يَسْرِ إلَى بَقِيَّتِهِ (وَأَثَاثٍ) كَبِسَاطٍ يَقِفُهُ لِيَفْرِشَهُ بِمَسْجِدٍ (وَسِلَاحٍ) كَسَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ أَوْ قَوْسٍ يَقِفُهُ عَلَى الْغُزَاةِ (وَحُلِيٍّ) يَقِفُهُ (عَلَى لُبْسٍ وَعَارِيَّةٍ) لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ. فَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ قَطَعَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَالْإِقْنَاعِ (أَوْ لَا) أَيْ: أَوْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ مَنْقُولَةً (كَعَقَارٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ حَسَنَاتٌ}. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: الْأَعْتَادُ مَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنْ مَرْكُوبِ وَسِلَاحٍ وَآلَةِ الْجِهَادِ، وَلِحَدِيثِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ نَافِعٍ " {أَنَّ حَفْصَةَ ابْتَاعَتْ حُلِيًّا بِعِشْرِينَ أَلْفًا حَبَسَتْهُ عَلَى نِسَاءِ آلِ الْخَطَّابِ فَكَانَتْ لَا تُخْرِجُ زَكَاتَهُ} وَمَا عَدَا الْمَذْكُورِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ. وَإِذَا وَقَفَ عَقَارًا مَشْهُورًا لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ حُدُودِهِ نَصًّا و(لَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ إنْ صَادَفَ (ذِمَّةً كَدَارٍ وَعَبْدٍ) وَلَوْ مَوْصُوفًا (وَ) صَادَفَ (مُبْهَمًا كَأَحَدِ هَذَيْنِ) الْعَبْدَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا، لِأَنَّهُ نَقْلُ الْمِلْكِ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ، فَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْهِبَةِ. وَكَذَا لَا يَصِحُّ وَقْفُ مَنْفَعَةٍ. وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " مُصَادَفَتُهُ عَيْنًا ". (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ (مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَأُمِّ وَلَدٍ وَكَلْبٍ) وَلَوْ لِنَحْوِ صَيْدٍ (وَمَرْهُونٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَالْوَقْفُ تَصَرُّفٌ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ (أَوْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ كَمَطْعُومٍ) وَمَشْرُوبِ غَيْرِ مَاءٍ (وَمَشْمُومٍ) لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، بِخِلَافِ نَدٍّ وَصَنْدَلٍ وَقِطَعِ كَافُورٍ. فَيَصِحُّ وَقْفُهُ لِشَمِّ مَرِيضٍ وَغَيْرِهِ. (وَ) كَ (أَثْمَانٍ) وَلَوْ لِتَحَلٍّ وَوَزْنٍ (كَقِنْدِيلٍ مِنْ نَقْدٍ عَلَى مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) كَحَلَقَةِ فِضَّةٍ تُجْعَلُ فِي بَابِهِ وَوَقْفُ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ لِيُنْتَفَعَ بِاقْتِرَاضِهَا، لِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِإِتْلَافِهِ. لَا يَصِحُّ فِيهِ ذَلِكَ، فَيُزَكِّي النَّقْدَ رَبُّهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (إلَّا تَبَعًا كَفَرَسٍ) وُقِفَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (بِلِجَامٍ وَسَرْجٍ مُفَضَّضَيْنِ) فَيَصِحُّ الْوَقْفُ فِي الْكُلِّ. فَإِنْ بِيعَتْ الْفِضَّةُ مِنْ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَجُعِلَ ثَمَنُهُ فِي وَقْفٍ مِثْلِهِ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، أَشْبَهَ الْفَرَسَ الْحَبِيسَ إذَا عَطِبَ. وَلَا تُصْرَفُ فِي نَفَقَةِ الْفَرَسِ نَصًّا، لِأَنَّهُ صَرْفٌ لَهَا إلَى غَيْرِ جِهَتِهَا، وَفِي الْإِقْنَاعِ تَبَعًا لِلِاخْتِيَارَاتِ: تُصْرَفُ فِي نَفَقَتِهِ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ حُلِيًّا وَأَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ. الشَّرْطُ (الثَّانِي: كَوْنُهُ) أَيْ الْوَقْفِ (عَلَى بِرٍّ) مُسْلِمًا كَانَ الْوَاقِفُ أَوْ ذِمِّيًّا نَصًّا (كَ) الْوَقْفِ عَلَى (الْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْأَقَارِبِ) لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بِرٍّ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ الَّذِي شُرِعَ لِأَجْلِهِ. فَلَا يَصِحُّ عَلَى طَائِفَةِ الْأَغْنِيَاءِ. وَلَا عَلَى طَائِفَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا عَلَى صِنْفٍ مِنْهُمْ (وَيَصِحُّ مِنْ ذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ) أَوْ طَائِفَةٍ. كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (وَعَكْسِهِ) أَيْ وَيَصِحُّ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ زَوْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَتْ عَلَى أَخٍ لَهَا يَهُودِيٍّ " وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلْقُرْبَةِ لِجَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ الذِّمِّيُّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (أَجْنَبِيًّا) مِنْ الْوَاقِفِ (وَيَسْتَمِرُّ) الْوَقْفُ (لَهُ) أَيْ الذِّمِّيِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (إذَا أَسْلَمَ وَيَلْغُو شَرْطُهُ) أَيْ الْوَاقِفِ (مَا دَامَ كَذَلِكَ) أَيْ ذِمِّيًّا لِئَلَّا يَخْرُجَ الْوَقْفُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً. و(لَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى كَنَائِسَ) جَمْعُ كَنِيسَةٍ مُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ أَوْ النَّصَارَى أَوْ الْكُفَّارِ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (أَوْ) عَلَى (بُيُوتِ نَارٍ) تَعْبُدُهَا الْمَجُوسُ (أَوْ) عَلَى (بِيَعٍ) جَمْعُ بِيعَةٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مُتَعَبَّدِ النَّصَارَى (وَنَحْوِهَا) كَصَوَامِعِ الرُّهْبَانِ (وَلَوْ) كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهَا (مِنْ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَإِعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى إظْهَارِ الْكُفْرِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ دِينِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لِفَقْرِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ وَنَحْوِهِمَا. وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ. قَالَ أَحْمَدُ فِي نَصَارَى وَقَفُوا عَلَى الْبِيعَةِ ضِيَاعًا كَثِيرَةً وَمَاتُوا وَلَهُمْ أَبْنَاءٌ نَصَارَى فَأَسْلَمُوا وَالضِّيَاعُ بِيَدِ النَّصَارَى: فَلَهُمْ أَخْذُهَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَوْنُهُمْ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوهَا مِنْ أَيْدِيهمْ. وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ أَيْضًا عَلَى مَنْ يَعْمُرُهَا لِأَنَّهُ يُرَادُ لِتَعْظِيمِهَا (بَلْ) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى الْمَارِّ بِهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِجَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُجْتَازِينَ وَصَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْقُرْبَةِ، فَإِنْ خُصَّ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِوَقْفٍ عَلَى الْمَارَّةِ مِنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ. (وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى كُتُبِ) أَيْ كِتَابَةِ (التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) أَوْ كِتَابَةِ شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ، لِكَوْنِهَا مَنْسُوخَةً مُبَدَّلَةً. وَلِذَلِكَ {غَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ وَقَالَ: أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ أَلَمْ آتِ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً؟ لَوْ كَانَ أَخِي مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إلَّا اتِّبَاعِي} قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَيَلْحَقُ فِي ذَلِكَ كُتُبُ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا (أَوْ) عَلَى (حَرْبِيٍّ أَوْ) عَلَى (مُرْتَدٍّ) فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ إتْلَافُهُمَا. وَالتَّضْيِيقُ عَلَيْهِمَا. وَالْوَقْفُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا. وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَهُمْ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَاتِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ جِهَةُ بِرٍّ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ جَمَّاعًا لِلْمَالِ أَوْ لَمْ يَتَخَلَّقْ بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ وَلَا تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ غَالِبًا أَوْ فَاسِقًا لَمْ يَسْتَحِقَّ لِأَنَّهَا آدَابٌ وَضْعِيَّةٌ، يَعْنِي قَدْ اُصْطُلِحَ عَلَى وَضْعِهَا. وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْحَارِثِيُّ الْفَقْرَ. وَيَصِحُّ وَقْفُ عَبْدِهِ عَلَى حُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِخْرَاجِ تُرَابِهَا. وَإِشْعَالِ قَنَادِيلِهَا وَإِصْلَاحِهَا لَا لِإِشْعَالِهَا وَحْدَهُ وَتَعْلِيقِ سُتُورِهَا الْحَرِيرِ وَالتَّعْلِيقُ وَكَنْسُ الْحَائِطِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَبْطَلَ ابْنُ عَقِيلٍ وَقْفَ سُتُورٍ لِغَيْرِ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ فَيُصْرَفُ لِمَصْلَحَتِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ. وَأَفْتَى أَبُو الْخَطَّابِ بِصِحَّتِهِ وَيُنْفَقُ ثَمَنُهَا عَلَى عِمَارَتِهِ وَلَا يَسْتُرُ؛ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ خُصَّتْ بِذَلِكَ كَالطَّوَافِ. وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى قُطَّاعِ طَرِيقٍ وَلَا الْمَغَانِي وَلَا الْمُتَمَسْخِرِينَ وَنَحْوِهِمْ مِنْ حَيْثُ الْجِهَةُ. وَيَصِحُّ عَلَى مُعَيَّنٍ مُتَّصِفٍ بِذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّهُ لَوْ زَالَ ذَلِكَ الْوَصْفُ، وَيَلْغُو شَرْطُهُ مَا دَامَ كَذَلِكَ. (وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ عَلَى نَفْسِهِ) نَقَلَ حَنْبَلٌ وَأَبُو طَالِبٍ: مَا سَمِعْتُ بِهَذَا. وَلَا أَعْرِفُ الْوَقْفَ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ لِلَّهِ. وَلِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ إمَّا لِلرَّقَبَةِ أَوْ لِمَنْفَعَةٍ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ (وَيَنْصَرِفُ) الْوَقْفُ (إلَى مَنْ بَعْدَهُ فِي الْحَالِ) فَمَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ أَوْ الْفُقَرَاءِ صُرِفَ فِي الْحَالِ إلَى أَوْلَادِهِ أَوْ الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَعَدَمِهِ. فَكَأَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ ابْتِدَاءً. فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ نَفْسِهِ فَمِلْكُهُ بِحَالٍ وَيُوَرَّثُ عَنْهُ (وَعَنْهُ يَصِحُّ) الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ. قَالَ (الْمُنَقِّحُ) فِي التَّنْقِيحِ (اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْحَارِثِيُّ وَأَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّصْحِيحِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَمَالَ إلَيْهِ فِي التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْفَائِقِ وَالْمَجْدِ فِي مُسَوَّدَتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ) فِي زَمَنِنَا وَقَبْلَهُ عِنْدَ حُكَّامِنَا مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ (وَهُوَ أَظْهَرُ). وَفِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ وَتَرْغِيبٌ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ. وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَذْهَبِ. وَفِي الْفُرُوعِ: وَمَتَى حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ ظَاهِرًا. وَإِنْ كَانَ فِيهِ فِي الْبَاطِنِ الْخِلَافُ. (وَإِنْ وَقَفَ) شَيْئًا (عَلَى غَيْرِهِ وَاسْتَثْنَى غَلَّتَهُ) كُلَّهَا (أَوْ) اسْتَثْنَى (بَعْضَهَا لَهُ) أَيْ الْوَاقِفِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً صَحَّ (أَوْ) اسْتَثْنَى غَلَّتَهُ أَوْ بَعْضَهَا (لِوَلَدِهِ) أَيْ الْوَاقِفِ كَذَلِكَ صَحَّ (أَوْ) اسْتَثْنَى (الْأَكْلَ) مِنْهُ (أَوْ) اسْتَثْنَى (الِانْتِفَاعَ) لِنَفْسِهِ (أَوْ لِأَهْلِهِ أَوْ) اشْتَرَطَ أَنَّهُ (يُطْعِمُ صَدِيقَهُ) مِنْهُ (مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً صَحَّ) الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ. احْتَجَّ أَحْمَدُ بِمَا رُوِيَ عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ {إنَّ فِي صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَ أَهْلُهُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ} وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ عُمَرَ لَمَّا وَقَفَ " لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ " وَكَانَ الْوَقْفُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ، ثُمَّ بِنْتِهِ حَفْصَةَ ثُمَّ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ وَقْفًا عَامًّا كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَقَابِرِ كَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ. فَكَذَا هُنَا (فَلَوْ مَاتَ) مَنْ اسْتَثْنَى نَفْعَ مَا وَقَفَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (فِي أَثْنَائِهَا فَ) الْبَاقِي مِنْهَا (لِوَرَثَتِهِ) كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى سُكْنَاهَا سَنَةً ثُمَّ مَاتَ فِيهَا (وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا) أَيْ الْمُدَّةِ الْمُسْتَثْنَى النَّفْعُ فِيهَا مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَغَيْرِهِ كَالْمُسْتَثْنَى فِي الْبَيْعِ قُلْتُ: وَمِنْهُ يُؤْخَذُ صِحَّةُ إجَارَةِ مَا شَرَطَ سُكْنَاهَا لِنَحْوِ بَيْتِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ خَطِيبٍ أَوْ إمَامٍ. (وَمَنْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَافْتَقَرَ تَنَاوَلَ) أَيْ جَازَ لَهُ التَّنَاوُلُ (مِنْهُ) لِوُجُودِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ فِيهِ. (وَلَوْ وَقَفَ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ بِئْرًا أَوْ مَدْرَسَةً لِلْفُقَهَاءِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ) أَيْ نَوْعٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَالْحَنَابِلَةِ أَوْ الشَّافِعِيَّةِ (أَوْ) وَقَفَ (رِبَاطًا لِلصُّوفِيَّةِ) وَنَحْوَهُ (مِمَّا يَعُمُّ فَهُوَ) أَيْ الْوَاقِفُ (كَغَيْرِهِ) فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ لِمَا رُوِيَ " أَنَّ عُثْمَانَ سَبَّلَ بِئْرَ رُومَةَ وَكَانَ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ " وَالصُّوفِيُّ الْمُتَبَتِّلُ لِلْعِبَادَةِ وَتَصْفِيَةِ النَّفْسِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ. وَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَمُلَازَمَةُ غَالِبِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ قَوْلًا وَفِعْلًا. وَأَنْ يَكُونَ قَانِعًا بِالْكِفَايَةِ مِنْ الرِّزْقِ بِحَيْثُ لَا يُمْسِكُ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ، لَا لُبْسُ خِرْقَةٍ أَوْ لُزُومُ شَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي اللِّبْسَةِ وَنَحْوِهَا. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: كَوْنُهُ) أَيْ الْوَقْفِ (عَلَى مُعَيَّنٍ) مِنْ جِهَةٍ أَوْ شَخْصٍ (يَمْلِكُ) مِلْكًا (ثَابِتًا) كَزَيْدٍ أَوْ مَسْجِدِ كَذَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْهِبَةِ. وَلِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي الدَّوَامَ وَمَنْ مِلْكُهُ غَيْرُ ثَابِتٍ تَجُوزُ إزَالَتُهُ (فَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى مَجْهُولٍ، كَرَجُلٍ) لِصِدْقِهِ بِكُلِّ رَجُلٍ (وَ) كَ (مَسْجِدٍ) فَلَا يَصِحُّ، لِصِدْقِهِ بِكُلِّ مَسْجِدٍ (أَوْ) عَلَى (مُبْهَمٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ) الرَّجُلَيْنِ أَوْ الْمَسْجِدَيْنِ وَنَحْوِهِمَا لِتَرَدُّدِهِ. كَبِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ. (أَوْ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ (لَا يَمْلِكُ كَقِنٍّ) وَمُدَبَّرٍ (وَأُمِّ وَلَدٍ وَمَلَكٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَحَدُ الْمَلَائِكَةِ (وَبَهِيمَةٍ) لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ. فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ. وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ عُيِّنَ فِي نَفْعٍ خَاصٍّ لَهُمْ. (وَ) لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ إذْنٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ. وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الْمَعْدُومِ (كَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي أَوْ) عَلَى مَنْ سَيُولَدُ (لِفُلَانٍ) فَلَا يَصِحُّ أَصَالَةً (بَلْ) يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ وَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ (تَبَعًا، كَ) قَوْلِ وَاقِفٍ: وَقَفْتُ كَذَا (عَلَى أَوْلَادِي) ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا (وَفِيهِمْ) أَيْ أَوْلَادِهِ أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ (حَمْلٌ) فَيَشْمَلُهُ، كَمَنْ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ تَبَعًا (فَيَسْتَحِقُّ) الْحَمْلُ (بِوَضْعٍ. وَكُلُّ حَمْلٍ مِنْ أَهْلِ وَقْفٍ: مِنْ ثَمَرِ وَزَرْعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُشْتَرٍ) لِشَجَرٍ وَأَرْضٍ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ نَصًّا، قِيَاسًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْعَقْدِ (وَكَذَا مَنْ قَدِمَ إلَى) مَكَان (مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ فِيهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَكَانِ (أَوْ خَرَجَ مِنْهُ إلَى مِثْلِهِ) فَيَسْتَحِقُّ مِنْ ثَمَرِ وَزَرْعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُشْتَرٍ لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ لِكُلِّ زَمَنٍ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ فَيَكُونُ لَهُ بِقِسْطِهِ) وَقِيَاسُهُ عَلَى مَنْ نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ وَاقِفَ الْمَدْرَسَةِ وَنَحْوِهَا جَعَلَ رِيعَ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ كَالْجُعْلِ عَلَى اشْتِغَالِ مَنْ هُوَ فِي الْمَدْرَسَةِ عَامًا. فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ مِنْ السَّنَةِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْإِنْسَانُ شَهْرًا فَيَأْخُذَ جَمِيعَ الْوَقْفِ وَيَحْضُرَ غَيْرُهُ بَاقِي السَّنَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ. فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. وَهَذَا يَأْبَاهُ مُقْتَضَى الْوُقُوفِ وَمَقَاصِدِهَا انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَسْتَحِقُّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ مَغَلِّهِ. وَمَنْ جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ فَقَدْ أَخْطَأَ (أَوْ يَمْلِكُ لَا ثَابِتًا كَمُكَاتَبٍ) فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. وَيَصِحُّ وَقْفُهُ. فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَبَطَلَ الْوَقْفُ كَمَا فِي. الْإِقْنَاعِ. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا) أَيْ غَيْرَ مُعَلَّقٍ وَلَا مُوَقَّتٍ وَلَا مَشْرُوطٍ فِيهِ خِيَارٌ، أَوْ نَحْوِهِ (فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) أَيْ الْوَقْفِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ لِابْتِدَائِهِ كَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ فَهَذَا وَقْفٌ عَلَيْهِ، أَوْ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَهَذَا وَقْفٌ عَلَى كَذَا وَنَحْوِهِ، أَوْ لِانْتِهَائِهِ كَدَارِي وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ إلَى أَنْ يَحْضُرَ عَمْرٌو أَوْ يُولَدَ لِي وَلَدٌ وَنَحْوُهُ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فِيمَا لَمْ يَبِنْ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ. فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ كَالْهِبَةِ. (إلَّا) إنْ عَلَّقَ وَاقِفُ الْوَقْفِ (بِمَوْتِهِ) كَقَوْلِهِ: هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي. فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: قِفُوا دَارِي عَلَى جِهَةِ كَذَا بَعْدَ مَوْتِي. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَّى، فَكَانَ فِي وَصِيَّتِهِ " هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ. أَنَّ ثَمَغًا صَدَقَةٌ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْخَبَرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا. وَوَقْفُهُ هَذَا كَانَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتُهِرَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ. فَكَانَ إجْمَاعًا. وَيُفَارِقُ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ وَهِيَ أَوْسَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْحَيَاةِ، بِدَلِيلِ جَوَازِهَا بِالْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ و" ثَمَغٌ " بِالْفَتْحِ: مَالٌ بِالْمَدِينَةِ لِعُمَرَ وَقَفَهُ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، أَيْ فَتْحِ الْمِيمِ (وَيَلْزَمُ) الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ (مِنْ حِينِهِ) أَيْ حِينِ صُدُورِهِ مِنْهُ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ: إنَّ الْمُدَبَّرَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مِلْكُ السَّاعَةِ. وَهَذَا شَيْءٌ وَقَفَهُ عَلَى قَوْمٍ مَسَاكِينَ فَكَيْفَ يُحْدِثُ بِهِ شَيْئًا؟ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْفَرْقُ عُسْرٌ جِدًّا (وَيَكُونُ) الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ (مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ مَال الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لَزِمَ. وَإِنْ زَادَ لَزِمَ فِي الثُّلُثِ وَوَقَفَ الْبَاقِي عَلَى الْإِجَازَةِ. (وَشَرْطُ بَيْعِهِ) أَيْ الْوَقْفِ مَتَى شَاءَ الْوَاقِفُ (أَوْ) شَرْطُ (هِبَتِهِ مَتَى شَاءَ أَوْ) شَرْطُ (خِيَارٍ فِيهِ أَوْ) شَرْطُ (تَوْفِيَتِهِ) كَقَوْلِهِ: هُوَ وَقْفٌ يَوْمًا أَوْ سَنَةً وَنَحْوَهُ (أَوْ) شَرْطُ (تَحْوِيلِهِ) أَيْ الْوَقْفِ، كَ وَقَفْتُ دَارِي عَلَى جِهَةِ كَذَا عَلَى أَنْ أُحَوِّلَهَا عَنْهَا أَوْ عَنْ الْوَقْفِيَّةِ بِأَنْ أَرْجِعَ فِيهَا مَتَى شِئْتُ (مُبْطِلٌ) لِلْوَقْفِ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَاهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ لِلُزُومِهِ) أَيْ الْوَقْفِ (إخْرَاجُهُ) أَيْ الْمَوْقُوفِ (عَنْ يَدِهِ) نَصًّا، لِحَدِيثِ عُمَرَ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ وَقْفَهُ كَانَ بِيَدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ. فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ كَالْعِتْقِ، وَالْهِبَةُ تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ. وَالْوَقْفُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الثَّمَرَةِ، فَهُوَ بِالْعِتْقِ أَشْبَهُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ يَدِهِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسَاجِدُ وَالْقَنَاطِرُ وَالْآبَارُ وَنَحْوُهَا تَكْفِي التَّخْلِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ إلَى الْمُعَيَّنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، إذَا قِيلَ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَإِلَى النَّاظِرِ أَوْ الْحَاكِمِ. (وَلَا) يُشْتَرَطُ (فِيمَا) وُقِفَ (عَلَى) شَخْصٍ (مُعَيَّنٍ قَبُولُهُ) لِلْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ. أَشْبَهَ الْعِتْقَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَبَيْنَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُعَيَّنِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ. فَالْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِهِمْ إلَّا أَنَّهُ مُرَتَّبٌ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ قَبُولٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَلَا يَبْطُلُ بِرَدِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَقِفُ عَلَى قَبُولِهِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِمُعَيَّنٍ وَالْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ قَبُولٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى. (وَلَا يَبْطُلُ) وَقْفٌ عَلَى مُعَيَّنٍ (بِرَدِّهِ) لِلْوَقْفِ، فَقَبُولُهُ وَرَدُّهُ وَعَدَمُهُمَا سَوَاءٌ. (وَيَتَعَيَّنُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ) مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ لَهُ، لِأَنَّ تَعْيِينَهُ لَهَا صَرْفٌ لَهَا عَمَّا سِوَاهَا (فَلَوْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ) وَلَا الْغُسْلُ وَنَحْوُهُ وَكَذَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ اتِّبَاعُ تَعْيِينِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ فِي الْفَرَسِ الْحَبِيسِ: لَا يُعِيرُهُ وَلَا يُؤَجِّرُهُ إلَّا لِنَفْعِ الْفَرَسِ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْكَبَهُ فِي حَاجَتِهِ إلَّا لِتَأْدِيبِهِ وَجَمَالٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَرِفْعَةً لَهُمْ أَوْ غَيْظِهِ لِلْعَدُوِّ. وَيَجُوزُ رُكُوبُهُ لِعَلَفِهِ وَسَقْيِهِ. وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَلَا بُسُطِهِ لِمُنْتَظِرِ جِنَازَةٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَ) وَقْفُ (مُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ) فَقَطْ كَوَقْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عَبْدِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ (يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إلَى مَنْ بَعْدَهُ) فَيُصْرَفُ لِوَالِدِهِ فِي الْحَالِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَعَدَمِهِ (وَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ) كَوَقْفِهِ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَبْدِهِ ثُمَّ الْمَسَاكِينِ يُصْرَفُ بَعْدَ انْقِطَاعِ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ (إلَى مَنْ بَعْدَهُ) فِي الْمِثَالِ بَعْدَ زَيْدٍ لِلْمَسَاكِينِ، لِأَنَّا لَمَّا صَحَّحْنَا الْوَقْفَ مَعَ ذِكْرِ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَقَدْ أَلْغَيْنَاهُ لِتَعَذُّرِ التَّصْحِيحِ مَعَ اعْتِبَارِهِ (وَ) يَنْصَرِفُ مُنْقَطِعٌ (لِآخَرَ) كَعَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو، ثُمَّ عُبَيْدٍ، أَوْ الْكَنِيسَةِ (بَعْدَ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ) إلَى وَرَثَتِهِ حِينَ الِانْقِطَاعِ نَسَبًا عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ وَقْفًا وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. (وَ) يَصْرِفُ (مَا وَقَفَهُ وَسَكَتَ) بِأَنْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ وَقْفٌ وَلَمْ يُسَمِّ مَصْرِفًا (إلَى وَرَثَتِهِ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ، فَيُحْمَلُ عَلَى مُقْتَضَاهُ. وَلَا يَضُرُّ تَرْكُهُ ذِكْرَ مَصْرِفِهِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ إذَا كَانَ لَهُ عُرْفٌ صَحَّ وَحُمِلَ عَلَيْهِ. وَعُرْفُ. الْمَصْرِفِ هُنَا أَوْلَى الْجِهَاتِ بِهِ، وَوَرَثَتُهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِبِرِّهِ. فَكَأَنَّهُ عَيَّنَهُمْ لِصَرْفِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ جِهَةً بَاطِلَةً كَالْكَنِيسَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا جِهَةً صَحِيحَةً فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ يُفِيدُ مَصْرِفَ الْبِرِّ لِخُلُوِّ اللَّفْظِ عَنْ الْمَانِعِ مِنْهُ بِخِلَافِ تَعْيِينِهَا (نَسَبًا) لَا وَلَاءً وَلَا نِكَاحًا (عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ) مِنْ الْوَاقِفِ (وَقْفًا) عَلَيْهِمْ. فَلَا يَمْلِكُونَ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ. وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَصْرِفًا، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ (وَيَقَعُ الْحَجْبُ بَيْنَهُمْ) أَيْ وَرَثَةِ الْوَاقِفِ فِيهِ (كَ) وُقُوعِهِ فِي (إرْثٍ) قَالَهُ الْقَاضِي، فَلِلْبِنْتِ مَعَ الِابْنِ الثُّلُثُ وَلَهُ الْبَاقِي، وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَلَهُ مَا بَقِيَ. وَإِنْ كَانَ جَدٌّ وَأَخٌ قَاسَمَهُ. وَإِنْ كَانَ أَخٌ وَعَمٌّ انْفَرَدَ بِهِ الْأَخُ وَإِنْ كَانَ عَمٌّ وَابْنُ عَمٍّ انْفَرَدَ بِهِ الْعَمُّ (فَإِنْ عَدِمُوا) أَيْ وَرَثَةُ الْوَاقِفِ نَسَبًا (فَ) هُوَ (لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) وَقْفًا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْوَقْفِ الثَّوَابُ الْجَارِي عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ. وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَقَارِبُ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِكَوْنِهِمْ أَوْلَى. فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا فَالْمَسَاكِينُ أَهْلٌ لِذَلِكَ (وَنَصُّهُ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدُ يُصْرَفُ (فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) فَيَرْجِعُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ. (وَمَتَى انْقَطَعَتْ الْجِهَةُ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا (وَالْوَاقِفُ حَيٌّ رَجَعَ إلَيْهِ وَقْفًا) أَيْ مَتَى قُلْنَا يَرْجِعُ إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ وَقْفًا وَكَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا رَجَعَ إلَيْهِ وَقْفًا. وَكَذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَنْسَالِهِمْ أَبَدًا عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ رَجَعَ نَصِيبُهُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ، فَتُوُفِّيَ أَحَدُ أَوْلَادِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، وَالْأَبُ الْوَاقِفُ حَيٌّ، رَجَعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ (وَيَعْمَلُ فِي) وَقْفٍ (صَحِيحٍ وَسَطٍ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الِابْتِدَاءِ وَالْآخَرِ. كَمَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى عَبِيدِهِ ثُمَّ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ الْكَنِيسَةِ (بِالِاعْتِبَارَيْنِ) فَيُصْرَفُ فِي الْحَالِ لِزَيْدٍ وَبَعْدَهُ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ نَسَبًا لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَمْلِكُهُ) أَيْ الْوَقْفَ (مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ) إذَا كَانَ مُعَيَّنًا لِأَنَّ الْوَقْفَ سَبَبُ نَقْلِ الْمِلْكِ عَنْ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمَالِيَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ. وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ تَمْلِيكًا لِلْمَنْفَعَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَمَا كَانَ لَازِمًا وَلَمَا زَالَ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ، كَالْعَارِيَّةِ. وَيُفَارِقُ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ الْمَعْتُوقُ عَنْ الْمَالِيَّةِ وَامْتِنَاعُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّقَبَةِ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ كَأُمِّ الْوَلَدِ (فَيَنْظُرُ فِيهِ) أَيْ الْوَقْفِ (هُوَ) أَيْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُكَلَّفًا رَشِيدًا (أَوْ وَلِيُّهُ) إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَالطَّلْقِ (وَيَتَمَلَّكُ) مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ مُعَيَّنٌ أَرْضًا غُصِبَتْ وَزُرِعَتْ (زَرْعَ غَاصِبٍ) بِنَفَقَتِهِ، وَهِيَ مِثْلُ بَذْرِهِ وَعِوَضُ لَوَاحِقِهِ كَمَالِكِ الْأَرْضِ الطَّلْقِ. (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ (أَرْشُ خَطَئِهِ) أَيْ الْمَوْقُوفِ إنْ كَانَ قِنًّا فَجَنَى كَمَا يَلْزَمُ سَيِّدَ الْأَمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ فِدَاؤُهَا فَيَفْدِيهِ بِأَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَتِهِ وَكَذَا لَوْ جَنَى عَمْدًا يُوجِبُ الْمَالَ أَوْ عَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ. (وَ) يَلْزَمُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (فِطْرَتُهُ) أَيْ الْقِنِّ الْمَوْقُوفِ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِخِدْمَةِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَمَامِ التَّصَرُّفِ فِيهِ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. (وَ) يَلْزَمُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (زَكَاتُهُ) لَوْ كَانَ إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا سَائِمَةً، وَيُخْرِجُ مِنْ غَيْرِهَا وَتَقَدَّمَ. وَاخْتَارَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ لَا يَجِبُ زَكَاتُهُ لِضَعْفِ الْمِلْكِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَلَّةِ شَجَرٍ وَأَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ بِشَرْطِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ عَيْنِ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. (وَيُقْطَعُ سَارِقُهُ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ. (وَلَا يَتَزَوَّجُ) مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ أَمَةً (مَوْقُوفَةً عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُجَامِعُ النِّكَاحَ. فَإِنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِلْمِلْكِ (وَلَا يَطَؤُهَا) أَيْ الْأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَهَا نَاقِصٌ وَلَا يُؤْمَنُ حَمْلُهَا، فَتَنْقُصُ أَوْ تَتْلَفُ وَتَخْرُجُ عَنْ الْوَقْفِ بِأَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ (وَلَهُ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (تَزْوِيجُهَا) لِمِلْكِهِ لَهَا (إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) أَيْ يَشْتَرِطْهُ وَاقِفٌ (لِغَيْرِهِ) وَيَجِبُ بِطَلَبِهَا. (وَ) لِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ الْأَمَةُ (أَخْذُ مَهْرِهَا) إنْ زَوَّجَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ (وَلَوْ) كَانَ الْمَهْرُ (لِوَطْءِ شُبْهَةٍ) لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّهَا كَالْأُجْرَةِ وَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاطِئُ الْوَاقِفُ أَوْ غَيْرُهُ. وَهَذِهِ كُلُّهَا فَوَائِدُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَتَأْتِي. (وَوَلَدُهَا) أَيْ الْمَوْقُوفَةِ (مِنْ) وَطْءِ (شُبْهَةٍ حُرٌّ) وَلَوْ كَانَ الْوَاطِئُ رَقِيقًا إنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِمَنْ وَلَدَهُ مِنْهَا حُرٌّ، لِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتَهُ (وَعَلَى وَاطِئٍ قِيمَتُهُ) أَيْ الْوَلَدِ لِتَفْوِيتِهِ رِقَّةً بِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتَهُ يَوْمَ وَضْعِهِ حَيًّا (تُصْرَفُ) قِيمَتُهُ (فِي) شِرَاءِ (مِثْلِهِ) يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهُ. (وَ) وَلَدُهَا (مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا وَقْفٌ) تَبَعًا لِأُمِّهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَكَكَسْبِهَا. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي شَرْحِهِ صِحَّةُ اشْتِرَاطِ الزَّوْجِ حُرِّيَّتَهُ. وَفِيهِ هُنَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ عِتْقَهُ بِالتَّصْرِيحِ فَلَا يَمْلِكُ شَرْطَهُ. (وَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ) عَلَى مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ (بِوَطْئِهِ) أَمَّا انْتِفَاءُ الْحَدِّ فَلِلشُّبْهَةِ. وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ لَهُ، وَلَا يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ (وَوَلَدُهُ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْقُوفَةِ (حُرٌّ) لِلشُّبْهَةِ (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) أَيْ الْوَلَدِ يَوْمَ وَضْعِهِ حَيًّا لِتَفْوِيتِهِ رِقَّهُ عَلَى مَنْ يَئُولُ إلَيْهِ الْوَقْفُ بَعْدَهُ (تُصْرَفُ فِي مِثْلِهِ) لِأَنَّهَا بَدَلُهُ. (وَتُعْتَقُ) الْمُسْتَوْلَدَةُ مِمَّنْ هِيَ وَقْفٌ عَلَيْهِ (بِمَوْتِهِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ لِوِلَادَتِهَا مِنْهُ وَهُوَ مَالِكُهَا (وَتَجِبُ قِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْبُطُونِ (يَشْتَرِي بِهَا) أَيْ بِقِيمَتِهَا مِثْلَهَا. (وَ) يَشْتَرِي (بِقِيمَةٍ وَجَبَتْ بِتَلَفِهَا أَوْ) تَلَفِ (بَعْضِهَا مِثْلُهَا) يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهَا (أَوْ) يُشْتَرَى بِذَلِكَ (شِقْصٌ) مِنْ أَمَةٍ إنْ تَعَذَّرَ شِرَاءُ أَمَةٍ كَامِلَةٍ (يَصِيرُ) مَا يَشْتَرِي بِالْقِيمَةِ أَوْ بَعْضِهَا (وَقْفًا بِالشِّرَاءِ) لِيَنْجَبِرَ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي مَا فَاتَهُمْ. (وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ) رَقِيقٍ مَوْقُوفٍ يُحَالُ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ مَنْ يَئُولُ إلَيْهِ الْوَقْفُ بِهِ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ وَفِي الْقَوْلِ بِنُفُوذِ عِتْقِهِ إبْطَالٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ غَيْرَ مَوْقُوفٍ فَأَعْتَقَهُ مَالِكُهُ صَحَّ فِيهِ وَلَمْ يَسْرِ إلَى الْبَعْضِ الْمَوْقُوفِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بِالْمُبَاشَرَةِ فَلِئَلَّا يُعْتَقَ بِالسِّرِّ أَوْلَى. (وَإِنْ قُطِعَ) جُزْءٌ مِنْ رَقِيقٍ مَوْقُوفٍ عُدْوَانًا (فَلَهُ) أَيْ الرَّقِيقِ (الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ (وَإِنْ عَفَا) أَيْ الرَّقِيقُ الْمَقْطُوعُ عَنْ النُّقُودِ أَوْ كَانَ الْقَطْعُ لَا يُوجِبُ قَوَدًا (فَأَرْشُهُ) يُصْرَفُ (فِي مِثْلِهِ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا اُشْتُرِيَ بِهِ شِقْصٌ مِنْ مِثْلِهِ، لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ بَعْضِ الْوَقْفِ. فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ فِي مِثْلِهِ. (وَإِنْ قُتِلَ) رَقِيقٌ مَوْقُوفٌ (وَلَوْ) كَانَ قَتْلُهُ (عَمْدًا) مَحْضًا مِنْ مُكَافِئٍ لَهُ (فَ) الْوَاجِبُ بِذَلِكَ (قِيمَتُهُ) دُونَ الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِهِ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ. (وَلَا يَصِحُّ عَفْوُ) الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (عَنْهَا) أَيْ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَطْنِ الثَّانِي بِهِ تَعَلُّقًا لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ وَلَا يُعْلَمُ قَدْرُ مَا يَسْتَحِقُّ هَذَا مِنْهُ فَيَعْفُو عَنْهُ. (وَ) إنْ قُتِلَ الْمَوْقُوفُ (قَوَدًا) بِأَنْ قَتَلَ مُكَافِئًا لَهُ عَمْدًا فَقَتَلَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قِصَاصًا (بَطَلَ الْوَقْفُ) كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ. (وَلَا) يَبْطُلُ الْوَقْفُ (إنْ قُطِعَ) عُضْوٌ مِنْهُ قِصَاصًا كَمَا لَوْ سَقَطَ بِأَكْلَةٍ. (وَيَتَلَقَّاهُ) أَيْ الْوَقْفَ (كُلُّ بَطْنٍ) مِنْهُمْ (عَنْ وَاقِفِهِ) لَا عَنْ الْبَطْنِ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ الْوَقْفَ صَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِهِ مِنْ حِينِهِ. فَمَنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِ نَسْلِهِ إلَّا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ كُلِّ طَبَقَةٍ مَشْرُوطٌ بِانْقِرَاضِ مَنْ فَوْقَهَا (فَإِذَا امْتَنَعَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ) حَالَ اسْتِحْقَاقِهِمْ (عَنْ الْيَمِينِ مَعَ شَاهِدٍ) لَهُمْ بِالْوَقْفِ (لِثُبُوتِ الْوَقْفِ فَلِمَنْ بَعْدَهُمْ) مِنْ الْبُطُونِ وَلَوْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْوَقْفِ (الْحَلِفُ) مَعَ الشَّاهِدِ بِالْوَقْفِ لِثُبُوتِهِ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ (وَأَرْشُ جِنَايَةِ وَقْفٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ) كَرَقِيقٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ جَنَى (خَطَأٌ فِي كَسْبِهِ) أَيْ الْجَانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ إيجَابُ الْأَرْشِ عَلَيْهِ، وَلِتَعَذُّرِ تَعَلُّقِهِ بِرَقَبَتِهِ لِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ.
|