الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
لُغَةً الْوَطْءُ الْمُبَاحُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ النِّكَاحُ الْوَطْءُ وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدُ الْمُرَادُ كَعَقَدْت وَنَكَحَتْ هِيَ أَيْ تَزَوَّجَتْ انْتَهَى وَإِذَا قَالُوا نَكَحَ فُلَانَةَ أَوْ بِنْتَ فُلَانٍ أَرَادُوا عَقْدَ الزَّوَاجِ وَإِذَا قَالُوا نَكَحَ امْرَأَتَهُ وَزَوْجَتَهُ لَمْ يُرِيدُوا إلَّا الْمُجَامَعَةَ لِقَرِينَةِ ذِكْرِ امْرَأَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيّ (وَهُوَ) أَيْ النِّكَاحُ شَرْعًا (حَقِيقَةٌ فِي عَقْدِ التَّزْوِيجِ) لِصِحَّةِ نَفْيِهِ السِّفَاحَ فَيُقَالُ هَذَا سِفَاحٌ وَلَيْسَ بِنِكَاحٍ وَصِحَّةُ النَّفْيِ دَلِيلُ الْمَجَازِ وَلِانْصِرَافِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَيْهِ وَتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ دُونَ غَيْرِهِ (مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ) لِمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ النِّكَاحُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوَطْءِ وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي مَجْمُوعِهِمَا فَهُوَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِاعْتِبَارِ مُطْلَقِ الضَّمِّ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّوَاطُؤِ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ لِأَنَّهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ (وَالْأَشْهَرُ) أَنَّهُ أَيْ لَفْظَ النِّكَاحِ (مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ فَيُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ حَقِيقَةً قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. ا هـ. لِوُرُودِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ (وَالْمَعْقُودُ) أَيْ الَّذِي يَرِدُ (عَلَيْهِ) عَقْدُ النِّكَاحِ (الْمَنْفَعَةُ) كَالْإِجَارَةِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ مَنْفَعَةُ الِاسْتِمْتَاعِ وَأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَنْفَعَةِ الِاسْتِخْدَامِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْحِلُّ لَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يَقَعُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {. فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ...} الْآيَةَ وَغَيْرَهَا. وَحَدِيثِ {تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ. (وَسُنَّ) النِّكَاحَ (لِذِي شَهْوَةٍ لَا يَخَافُ زِنًا) مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا {يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ} رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. خَاطَبَ الشَّبَابَ لِأَنَّهُمْ أَغْلَبُ شَهْوَةً (وَاشْتِغَالُهُ) أَيْ ذِي الشَّهْوَةِ (بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ (أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ) لِظَاهِرِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ وَفِعْلِهِمْ: قَالَ ابْنُ مَسْكَوَيْهِ (لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَعْلَمُ أَنِّي أَمُوتُ فِي آخِرِهَا وَمَا لِي فِيهِنَّ طَوْلُ النَّكْحِ لَتَزَوَّجْت مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: تَزَوَّجْ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَحْصِينِ فَرْجِ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَحِفْظِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا وَإِيجَادِ النَّسْلِ وَتَحْقِيقِ مُبَاهَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (وَيُبَاحُ) النِّكَاحُ (لِمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ) أَصْلًا كَعِنِّينٍ أَوْ ذَهَبَتْ شَهْوَتُهُ لِعَارِضٍ كَمَرَضٍ وَكِبَرٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ التَّحْصِينُ وَالْوَلَدُ وَكَثْرَةُ النَّسْلِ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ فَلَا يَنْصَرِفُ الْخِطَابُ بِهِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ لِعَدَمِ مَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ فَتَخَلِّيهِ لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ لِمَنْعِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا مِنْ التَّحْصِينِ بِغَيْرِهِ وَإِضْرَارِهَا بِحَبْسِهَا عَلَى نَفْسِهِ وَتَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِوَاجِبَاتٍ وَحُقُوقٍ لَعَلَّهُ لَا يَقُومُ بِهَا وَيَشْتَغِلُ عَنْ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ بِمَا لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ. (وَيَجِبُ) النِّكَاحُ بِنَذْرٍ و(عَلَى مَنْ يَخَافُ) بِتَرْكِهِ (زِنًا) وَقَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ (وَلَوْ) كَانَ خَوْفُهُ ذَلِكَ (ظَنًّا مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ وَصَوْنُهَا عَنْ الْحَرَامِ وَطَرِيقُهُ النِّكَاحُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَادِرِ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَالْعَاجِزِ عَنْهُ وَاحْتُجَّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصْبِحُ وَمَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَيُمْسِي وَمَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {زَوَّجَ رَجُلًا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ وَلَا وَجَدَ إلَّا إزَارَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رِدَاءٌ} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ فِي الشَّارِحِ: وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ يُمْكِنُهُ التَّزْوِيجُ فَأَمَّا مَنْ لَا يُمْكِنُهُ. فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}. انْتَهَى. وَنَقَلَ صَالِحٌ يَقْتَرِضُ وَيَتَزَوَّجُ وَمَنْ أَمَرَهُ بِهِ وَالِدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلْيَتَزَوَّجْ نَصًّا. (وَيُقَدَّمُ) النِّكَاحُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ وُجُوبِهِ (عَلَى حَجٍّ وَاجِبٍ) زَاحَمَهُ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورٍ (وَلَا يَكْتَفِي) فِي الْخُرُوجِ مِنْ وُجُوبِ النِّكَاحِ حَيْثُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَلَا (بِمَرَّةٍ) أَيْ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ مَرَّةً (بَلْ يَكُونُ) التَّزْوِيجُ (فِي مَجْمُوعِ الْعُمُرِ) لِيَحْصُلَ الْإِعْفَافُ وَصَرْفُ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ. (وَيَجُوزُ) نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ (بِدَارِ حَرْبٍ لِضَرُورَةٍ لِغَيْرِ أَسِيرٍ) وَلَا يَتَزَوَّجْ مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَلَوْ مُسْلِمَةً نَصًّا. وَلَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ إنْ كَانَتْ مَعَهُ نَصًّا. وَعَلَى مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَإِنَّهُ عَلَّلَ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ؛ لِئَلَّا يُسْتَعْبَدَ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَسِيرُ لَيْسَ لَهُ التَّزَوُّجُ مَا دَامَ أَسِيرًا (وَيَعْزِلُ) وُجُوبًا إنْ حَرُمَ نِكَاحُهُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ. ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ (وَيُجْزِئُ تَسَرٍّ عَنْهُ) أَيْ النِّكَاحِ حَيْثُ وَجَبَ أَوْ اُسْتُحِبَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَالتَّخْيِيرُ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ مُتَسَاوِيَيْنِ. (وَسُنَّ) لِمَنْ أَرَادَ نِكَاحًا (تَخَيُّرُ ذَاتِ الدِّينِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (الْوَلُودِ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا {تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} رَوَاهُ سَعِيدٌ (الْبِكْرِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِجَابِرٍ {فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْبِكْرِ وَلُودًا بِكَوْنِهَا مِنْ نِسَاءٍ يُعْرَفْنَ بِكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ (الْحَسِيبَةِ) لِنَجَابَةِ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَشْبَهَ أَهْلَهَا وَنَزَعَ إلَيْهِمْ أَيْ أَتَى عَلَى صِفَتِهِمْ (الْأَجْنَبِيَّةِ) لِأَنَّ وَلَدَهَا أَنْجَبُ وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْفِرَاقَ فَيُفْضِي مَعَ الْقَرَابَةِ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَيُسَنُّ أَيْضًا تَخَيُّرُ الْجَمِيلَةِ لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ أَسْكَتُ لِنَفْسِهِ وَأَغَضُّ لِبَصَرِهِ وَأَكْمَلُ لِمَوَدَّتِهِ وَلِذَلِكَ شُرِعَ النَّظَرُ قَبْلَ النِّكَاحِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ {قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّتِي تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَلَا فِي مَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (وَلَا يَسْأَلُ عَنْ دِينِهَا حَتَّى يُحْمَدَ) لَهُ (جَمَالُهَا) قَالَ أَحْمَدُ إذَا خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً سَأَلَ عَنْ جَمَالِهَا أَوَّلًا فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عَنْ دِينِهَا فَإِنْ حُمِدَ تَزَوَّجَ وَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ يَكُونُ رَدًّا لِأَجْلِ الدِّينِ وَلَا يَسْأَلُ أَوَّلًا عَنْ الدِّينِ فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عَنْ الْجَمَالِ فَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ رَدَّهَا لِلْجَمَالِ لَا لِلدِّينِ (وَلَا تُسَنُّ) الزِّيَادَةُ عَلَى وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِلْمُحَرَّمِ وَأَرَادَ أَحْمَدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى فَقَالَ يَكُونُ لَهُمَا لَحْمٌ يُرِيدُ كَوْنَهُمَا سَمِينَتَيْنِ وَكَانَ يُقَالُ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلْيَسْتَجِدَّ شَعْرَهَا فَإِنْ الشَّعْرَ وَجْهٌ. فَتَخَيَّرُوا أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتٍ مَعْرُوفٍ بِالدِّينِ وَالْقَنَاعَةِ وَأَنْ تَكُونَ ذَاتَ عَقْلٍ لَا حَمْقَاءَ وَأَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ مُخَالَطَةِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ يُفْسِدْنَهَا عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يُدْخِلَ بَيْتَهُ مُرَاهِقًا وَلَا يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ وَأَحْسَنُ النِّسَاءِ التُّرْكِيَّاتُ وَأَصْلَحُهُنَّ الْجَلَبُ الَّتِي لَمْ تَعْرِفْ أَحَدًا وَلْيَحْذَرْ الْعَاقِلُ إطْلَاقَ الْبَصَرِ فَإِنَّ الْعَيْنَ تَرَى غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْعِشْقُ فَيَهْلِكُ الْبَدَنُ وَالدِّينُ فَمَنْ اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَتَفَكَّرْ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ.
وَيُبَاحُ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ (وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ نَظَرُ مَا يَظْهَرُ) مِنْهَا (غَالِبًا كَوَجْهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ) لِحَدِيثِ {إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَقَدَرَ أَنْ يَرَى مِنْهَا بَعْضَ مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ أَيْ النَّبِيُّ: {إذَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ. وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا} رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد وَمَعْنَى يُؤْدَمَ أَيْ يُؤَلَّفُ وَيُوَفَّقُ وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْحَظْرِ فَهُوَ لِلْإِبَاحَةِ (وَيُكَرِّرُهُ وَيَتَأَمَّلُ الْمَحَاسِنَ) بِلَا إذْنِ (الْمَرْأَةِ) إنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ أَيْ ثَوَرَانَهَا (مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا {إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ قَالَ: فَخَطَبْت جَارِيَةً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَكُنْت أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْت مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. فَإِنْ كَانَ مَعَ خَلْوَةٍ أَوْ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ لَمْ يَجُزْ (وَلِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ نَظَرُ ذَلِكَ) أَيْ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالرَّقَبَةِ وَالْقَدَمِ (وَرَأْسٍ وَسَاقٍ مِنْ أَمَةٍ مُسْتَامَةٍ) أَيْ مُعَرَّضَةٍ لِلْبَيْعِ يُرِيدُ شِرَاءَهَا كَمَا لَوْ أَرَادَ خِطْبَتَهَا بَلْ الْمُسْتَامَةُ أَوْلَى، لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَغَيْرِهِ نَقَلَ حَنْبَلٌ، لَا بَأْسَ أَنْ يُقَلِّبَهَا إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ مِنْ فَوْقِ الثِّيَابِ، لِأَنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا. وَرَوَى أَبُو حَفْصَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهَا وَعَلَى عَجُزِهَا مِنْ فَوْقِ الثِّيَابِ وَيَكْشِفُ عَنْ سَاقَيْهَا. (وَ) يُبَاحُ. لِرَجُلٍ نَظَرُ وَجْهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ وَرَأْسٍ وَسَاقٍ (مِنْ) ذَاتِ مَحْرَمٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ...} الْآيَةَ (وَهِيَ) أَيْ ذَاتُ الْمَحْرَمِ (مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا بِنَسَبٍ) كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ (أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ) كَرَضَاعٍ وَمُصَاهَرَةٍ كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ وَزَوْجَةِ ابْنَيْهِ وَابْنِهِ وَأُمِّ زَوْجَتِهِ بِخِلَافِ أُخْتِهَا وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا إلَى أَمَدٍ وَبِخِلَافِ أُمِّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتِهَا وَأُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا، لِأَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ مُبَاحًا (لِحُرْمَتِهَا) إخْرَاجًا لِلْمُلَاعَنَةِ، لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ أَبَدًا عُقُوبَةً عَلَيْهِ لَا لِحُرْمَتِهَا (إلَّا نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَلَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ آبَائِهِنَّ وَنَحْوِهِمْ وَإِنْ حُرِّمْنَ عَلَيْنَا أَبَدًا. (وَ) يُبَاحُ (لِلْعَبْدِ) امْرَأَةٌ (لَا مُبَعَّضٍ أَوْ مُشْتَرَكٍ نَظَرُ ذَلِكَ) أَيْ الْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ وَالرَّأْسِ وَالسَّاقِ (مِنْ مَوْلَاتِهِ) أَيْ مَالِكَةِ كُلِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} وَلِمَشَقَّةِ تَحَرُّزِهَا مِنْهُ (وَكَذَا غَيْرُ أُولِي الْإِرْبَةِ) أَيْ الْحَاجَةِ إلَى النِّسَاءِ فَيُبَاحُ لَهُمْ النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ (كَعِنِّينٍ وَكَبِيرٍ وَنَحْوِهِمَا) كَمَرِيضٍ لَا شَهْوَةَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ}. (وَ) يُبَاحُ أَنْ (يَنْظُرَ مِمَّنْ لَا تُشْتَهَى كَعَجُوزٍ وَبَرْزَةٍ) لَا تُشْتَهَى (وَقَبِيحَةٍ وَنَحْوِهِنَّ) كَمَرِيضَةٍ لَا تُشْتَهَى إلَى غَيْرِ عَوْرَةِ صَلَاةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا...} الْآيَةَ. (وَ) يُبَاحُ أَنْ يَنْظُرَ (مِنْ أَمَةٍ غَيْرِ مُسْتَامَةٍ إلَى غَيْرِ عَوْرَةِ صَلَاةٍ) قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّ حُكْمَهُمَا. وَاحِدٌ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَمَةٍ رَآهَا مُتَقَنِّعَةً (اكْشِفِي رَأْسَكِ وَلَا تَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ) وَأَطَالَ فِي شَرْحِهِ فِي رَدِّ كَلَامِ الْمُنَقِّحِ هُنَا، وَهَكَذَا فِي الْإِقْنَاعِ الصَّوَابُ خِلَافُهُ. (وَحَرُمَ نَظَرُ خَصِيٍّ) أَيْ مَقْطُوعِ الْخُصْيَتَيْنِ (وَمَجْبُوبٍ) أَيْ مَقْطُوعِ الذَّكَرِ (وَمَمْسُوحٍ) أَيْ مَقْطُوعِ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ (إلَى أَجْنَبِيَّةٍ) وَلَوْ امْرَأَةَ سَيِّدِهِ. قَالَ الْأَثْرَمُ: اسْتَعْظَمَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ دُخُولَ الْخُصْيَانِ عَلَى النِّسَاءِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تُبَاحُ خَلْوَةُ النِّسَاءِ بِالْخُصْيَانِ وَلَا بِالْمَجْبُوبِينَ، لِأَنَّ الْعُضْوَ وَإِنْ تَعَطَّلَ أَوْ عُدِمَ فَشَهْوَةُ الرِّجَالِ لَا تَزُولُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَلَا يُؤْمَنُ التَّمَتُّعُ بِالْقُبْلَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ لَا يُبَاحُ خَلْوَةُ الْفَحْلِ بِالرَّتْقَاءِ مِنْ النِّسَاءِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ. (وَلِشَاهِدٍ وَمُعَامِلٍ نَظَرُ وَجْهٍ مَشْهُودٍ عَلَيْهَا وَوَجْهِ) مَنْ تُعَامِلُهُ فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لِيَعْرِفَهَا بِعَيْنِهَا لِتَجُوزَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا أَوْ لِيَرْجِعَ عَلَيْهَا بِالدَّرْكِ (وَكَذَا) لِمُعَامِلٍ نَظَرٌ إلَى (كَفَّيْهَا لِحَاجَةٍ) نَقَلَ حَرْبٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ فِي الْبَائِعِ يَنْظُرُ كَفَّيْهَا وَوَجْهَهَا إنْ كَانَتْ عَجُوزًا رَجَوْتُ وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى أَكْرَهُ ذَلِكَ (وَلِطَبِيبٍ وَمَنْ يَلِي خِدْمَةَ مَرِيضٍ) وَأَقْطَعَ يَدَيْنِ (وَلَوْ أُنْثَى فِي وُضُوءٍ وَاسْتِنْجَاءٍ نَظَرٌ وَمَسٌّ) حَتَّى لِفَرْجٍ لَكِنْ بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ (مَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ) دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَلْيَسْتُرْ مَا عَدَاهُ وَكَذَا حَالُ تَخْلِيصِ مَنْ غَرِقَ وَنَحْوِهِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَمَّا حَكَّمَ سَعْدًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ كَانَ يَكْشِفُ عَنْ مُؤْتَزِرِهِمْ} وَعَنْ عُثْمَانَ (أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ قَدْ سَرَقَ فَقَالَ اُنْظُرُوا فِي مُؤْتَزَرِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ أَنْبَتَ الشَّعْرِ فَلَمْ يَقْطَعْهُ) (وَكَذَا لَوْ حَلَقَ عَانَةَ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ) أَيْ حَلْقَ عَانَةِ نَفْسِهِ فَيُبَاحُ لِلْحَلَّاقِ النَّظَرُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَحْلِقُهُ نَصًّا. (وَ) يُبَاحُ (لِامْرَأَةٍ مَعَ امْرَأَةٍ وَلَوْ كَافِرَةً مَعَ مُسْلِمَةٍ، وَلِرَجُلٍ مَعَ رَجُلٍ وَلَوْ أَمْرَدَ نَظَرُ غَيْرِ عَوْرَةٍ وَهِيَ) أَيْ الْعَوْرَةُ هُنَا (مِنْ امْرَأَةٍ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) كَالرَّجُلِ لَكِنْ إنْ كَانَ الْأَمْرَدُ جَمِيلًا يُخَافُ الْفِتْنَةُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ تَعَهُّدُ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ قَالَ {قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ قَيْسٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمْ غُلَامٌ أَمْرَدُ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ. (وَ) يُبَاحُ (لِامْرَأَةٍ نَظَرٌ مِنْ رَجُلٍ إلَى غَيْرِ عَوْرَةٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: {اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك فَلَا يَرَاك} وَقَالَتْ عَائِشَةُ: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُنَّ لَوْ مُنِعْنَ النَّظَرَ لَوَجَبَ عَلَى الرِّجَالِ الْحِجَابُ كَمَا وَجَبَ عَلَى النِّسَاءِ؛ لِئَلَّا يَنْظُرْنَ إلَيْهِمْ فَأَمَّا حَدِيثُ نَبْهَانَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ {كُنْت قَاعِدَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَحَفْصَةُ فَاسْتَأْذَنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجِبَا مِنْهُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ ضَرِيرٌ لَا يُبْصِرُ قَالَ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا لَا تُبْصِرَانِهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَقَالَ أَحْمَدُ، نَبْهَانُ رَوَى حَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ هَذَا الْحَدِيثَ وَالْآخَرُ {إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ} كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى ضَعْفِ حَدِيثِهِ إذْ لَمْ يَرْوِ إلَّا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمُخَالِفَيْنِ لِلْأُصُولِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ نَبْهَانُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ صَحِيحٌ فَالْحُجَّةُ بِهِ. لَازِمَةٌ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ حَدِيثَ نَبْهَانَ خَاصٌّ بِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (وَمُمَيِّزٌ لَا شَهْوَةَ لَهُ مَعَ امْرَأَةٍ كَامْرَأَةٍ) مَعَ امْرَأَةٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} وَقَوْلِهِ: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} فَدَلَّ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ (وَ) الْمُمَيِّزُ (ذُو الشَّهْوَةِ مَعَهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ كَمَحْرَمٍ لِلْآيَةِ حَيْثُ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَالِغِ (وَبِنْتُ تِسْعٍ مَعَ رَجُلٍ كَمَحْرَمٍ) لِحَدِيثِ {لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ} فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ لَمْ تَحِضْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا مَعَ الرِّجَالِ كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَكَالْغُلَامِ الْمُرَاهِقِ مَعَ النِّسَاءِ. (وَخُنْثَى مُشْكِلٌ فِي نَظَرِ رَجُلٍ إلَيْهِ كَامْرَأَةٍ) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ قَالَ (الْمُنَقِّحُ وَنَظَرُهُ) أَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (إلَى رَجُلٍ كَنَظَرِ امْرَأَةٍ إلَيْهِ) أَيْ الرَّجُلِ (وَ) نَظَرُ خُنْثَى مُشْكِلٍ (إلَى امْرَأَةٍ كَنَظَرِ رَجُلٍ إلَيْهَا) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ (وَلِرَجُلٍ نَظَرٌ لِغُلَامٍ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ) كَالْبَالِغِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحِجَابُ كَالْمَرْأَةِ (وَيَحْرُمُ نَظَرٌ لَهَا) أَيْ الشَّهْوَةِ بِأَنْ يَتَلَذَّذَ بِالنَّظَرِ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا (أَوْ) أَيْ وَيَحْرُمُ نَظَرٌ (مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِهَا إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا) مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَسُرِّيَّتِهِ، وَحَرَّمَ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ النَّظَرَ مَعَ شَهْوَةِ تَخْنِيثٍ وَسِحَاقٍ وَدَابَّةٍ يَشْتَهِيهَا وَلَا يَعِفُّ عَنْهَا (وَلَمْسٌ كَنَظَرٍ بَلْ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْهُ فَيَحْرُمُ اللَّمْسُ حَيْثُ يَحْرُمُ النَّظَرُ وَلَيْسَ كُلَّمَا أُبِيحَ نَظَرُهُ لِمُقْتَضًى شَرْعِيٍّ يُبَاحُ لَمْسُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَنْعُ لِلنَّظَرِ وَاللَّمْسِ فَحَيْثُ أُبِيحَ النَّظَرُ لِدَلِيلِهِ بَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ إلَّا مَا نُصَّ عَلَى جَوَازِ لَمْسِهِ. (وَصَوْتُ الْأَجْنَبِيَّةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَيَحْرُمُ تَلَذُّذٌ بِسَمَاعِهِ) أَيْ صَوْتِ الْمَرْأَةِ غَيْرِ زَوْجَةٍ وَسُرِّيَّةٍ (وَلَوْ) كَانَ صَوْتُهَا (بِقِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الْفِتْنَةِ بِهَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا تُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ إذَا سَمِعَهَا أَجْنَبِيٌّ (وَ) يَحْرُمُ (خَلْوَةُ غَيْرِ مَحْرَمٍ) بِذَاتِ مَحْرَمِهِ (عَلَى الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ (مُطْلَقًا) أَيْ بِشَهْوَةٍ وَدُونَهَا (وَكَرَجُلٍ) وَاحِدٍ يَخْلُو (مَعَ عَدَدٍ مِنْ نِسَاءٍ وَعَكْسِهِ) بِأَنْ يَخْلُوَ عَدَدٌ مِنْ رِجَالٍ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَلَوْ بِحَيَوَانٍ يَشْتَهِي الْمَرْأَةَ أَوْ تَشْتَهِيهِ كَالْقِرْدِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَشَيْخُنَا، وَقَالَ الْخَلْوَةُ بِأَمْرَدَ وَمُضَاجَعَتُهُ كَالْمَرْأَةِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ تَعْلِيمٍ وَتَأْدِيبٍ وَالْمُقِرُّ مُوَلِّيهِ عِنْدَ مَنْ يُعَاشِرُهُ لِذَلِكَ مَلْعُونٌ دَيُّوثٌ وَمَنْ عُرِفَ بِمَحَبَّتِهِمْ أَوْ بِمُعَاشَرَةٍ بَيْنَهُمْ مُنِعَ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ. (وَلِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ نَظَرُ جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى فَرْجِهِ) نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وَلِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ {عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَحَلُّ الِاسْتِمْتَاعِ فَجَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ كَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ (كَبِنْتٍ دُونَ سَبْعِ) سِنِينَ وَابْنٍ دُونَ سَبْعٍ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِمَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي لَيْلَى قَالَ {كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَجَاءَ الْحَسَنُ فَجَعَلَ يَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ فَرَفَعَ مُقَدَّمَ قَمِيصِهِ أُرَاهُ قَالَ فَقَبَّلَ زَبِيبَهُ} رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ (وَكُرِهَ) النَّظَرُ (إلَيْهِ) أَيْ الْفَرْجِ (حَالَ الطَّمْثِ) أَيْ الْحَيْضِ يُقَالُ طَمَثَتْ الْمَرْأَةُ تَطْمُثُ كَنَصَرَ وَسَمِعَ إذَا حَاضَتْ فَهِيَ طَامِثٌ وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْجِمَاعِ، وَزَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَحَالِ الْوَطْءِ. (وَ) كُرِهَ (تَقْبِيلُهُ) أَيْ لِفَرْجٍ (بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا قَبْلَهُ) قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ عَطَاءٍ (وَكَذَا سَيِّدٌ مَعَ أَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرُ جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى فَرْجِهَا، لِمَا تَقَدَّمَ وَالسُّنَّةُ عَدَمُ نَظَرِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى فَرْجِ الْآخَرِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ {مَا رَأَيْت فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي لَفْظٍ {مَا رَأَيْته مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رَآهُ مِنِّي} وَلِأَنَّهُ أَغْلَظُ الْعَوْرَةِ (وَيَنْظُرُ سَيِّدٌ مِنْ أَمَتِهِ غَيْرِ الْمُبَاحَةِ) لَهُ (كَزَوْجَةٍ وَ) يَنْظُرُ (مُسْلِمٌ مِنْ أَمَتِهِ الْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ إلَى غَيْرِ عَوْرَةٍ) فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَى. مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا {إذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ جَارِيَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ فَإِنَّهُ عَوْرَةٌ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمَفْهُومُهُ إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى مَا عَدَا ذَلِكَ وَالْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ فِي مَعْنَى الْمُزَوَّجَةِ بِجَامِعِ الْحُرْمَةِ (وَمَنْ لَا يَمْلِكُ) مِنْ أَمَةٍ (إلَّا بَعْضَهَا) وَلَوْ أَكْثَرَهَا (كَمَنْ لَا حَقَّ لَهُ) فِيهَا فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالنَّظَرِ، لِأَنَّ مَا حَرَّمَ الْوَطْءَ حَرَّمَ دَوَاعِيَهُ (وَحَرُمَ تَزَيُّنُ) امْرَأَةٍ (لِمَحْرَمٍ غَيْرِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ) لِدُعَائِهِ إلَى الِافْتِتَانِ بِهَا وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُصَافَحَةَ النِّسَاءِ وَشَدَّدَ حَتَّى لِمَحْرَمٍ غَيْرِ أَبٍ. وَفِي الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ وَمَحْرَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَحْرُمُ التَّصْرِيحُ وَهُوَ أَيْ التَّصْرِيحُ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ النِّكَاحِ (بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَمِثْلُهَا مُسْتَبْرَأَةٌ عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدٍ وَنَحْوِهِ كَقَوْلِهِ أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك تَزَوَّجْتُك أَوْ تَزَوَّجِينِي أَوْ زَوِّجِينِي نَفْسَك لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} إذْ تَخْصِيصُ التَّعْرِيضِ بِنَفْيِ الْحَرَجِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّصْرِيحِ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَحْمِلَهَا الْحِرْصُ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا (إلَّا لِزَوْجٍ تَحِلُّ لَهُ) كَالْمَخْلُوعَةِ وَالْمُطَلَّقَةِ دُونَ ثَلَاثٍ عَلَى عِوَضٍ، لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُهَا فِي عِدَّتِهَا أَشْبَهَتْ غَيْرَ الْمُعْتَدَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا فِي عِدَّتِهَا فَالزَّوْجُ كَالْأَجْنَبِيِّ، لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إذَنْ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا (تَعْرِيضٌ بِخِطْبَةِ رَجْعِيَّةٍ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ أَشْبَهَتْ الَّتِي فِي صُلْبِ النِّكَاحِ. (وَيَجُوزُ) التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ (فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ) لِلْآيَةِ {وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ مُتَأَيِّمَةٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْت أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَمَوْضِعِي مِنْ قَوْمِي} وَكَانَتْ تِلْكَ خِطْبَتَهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالنِّكَاحِ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ. (وَ) يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ (بَائِنٍ وَلَوْ بِغَيْرِ) طَلَاقِ (ثَلَاثٍ) وَفَسْخٍ لِعُنَّةٍ وَعَيْبٍ (لِأَنَّهَا بَائِنٌ أَشْبَهَتْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا وَالْمُنْفَسِخُ نِكَاحُهَا لِنَحْوِ رَضَاعٍ وَلِعَانٍ مِمَّا تَحْرُمُ بِهِ أَبَدًا وَهِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (فِي جَوَابِ) خَاطِبٍ (كَهُوَ) أَيْ كَالْخَاطِبِ (فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ) مِنْ تَصْرِيحٍ وَتَعْرِيضٍ فَيَجُوزُ لِلْبَائِنِ التَّعْرِيضُ فِي عِدَّتِهَا دُونَ التَّصْرِيحِ لِغَيْرِ مِنْ تَحِلُّ لَهُ إذْنٌ وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ فِي الْجَوَابِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ (وَالتَّعْرِيضُ مِنْ الْخَاطِبِ إنِّي فِي مِثْلِك لَرَاغِبٌ وَلَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِك وَتَحْبِيبُهُ مَا يَرْغَبُ عَنْك وَإِنْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ وَنَحْوُهُمَا) كَقَوْلِهِ إذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي وَمَا أَحْوَجَنِي إلَى مِثْلِك، وَقَوْلُهَا إنْ يَكُ مِنْ عِنْدَ اللَّهِ يُمْضِهِ. (وَتَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ أُجِيبَ وَلَوْ تَعْرِيضًا إنْ عَلِمَ الثَّانِي) إجَابَةً الْأَوَّلِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلِمَا فِيهَا مِنْ الْإِفْسَادِ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِيذَائِهِ وَإِيقَاعْ الْعَدَاوَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي بِإِجَابَةِ الْأَوَّلِ (جَازَ) لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ (أَوْ تَرَكَ) الْأَوَّلُ الْخِطْبَةَ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الْعَقْدَ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ وَتَضَرَّرَتْ الْمَخْطُوبَةُ (أَوْ أَذِنَ) الثَّانِي فِي الْخِطْبَةِ جَازَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ {لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ الرَّجُلِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ الْخَاطِبُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. (أَوْ سَكَتَ) الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ (عَنْهُ) أَيْ الثَّانِي بِأَنْ اسْتَأْذَنَهُ فَسَكَتَ (جَازَ) لِلثَّانِي أَنْ يَخْطُبَ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عِنْدَ اسْتِئْذَانِهِ فِي مَعْنَى التَّرْكِ وَكَذَا لَوْ رَدَّ الْأَوَّلُ بَعْدَ إجَابَتِهِ، وَيُكْرَهُ رَدُّهُ بِلَا غَرَضٍ (وَالتَّعْوِيلُ فِي رَدِّ وَإِجَابَةِ) الْخِطْبَةِ (عَلَى وَلِيٍّ مُجْبِرٍ) وَهُوَ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّهُ فِي النِّكَاحِ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً بِكْرًا وَكَذَا سَيِّدُ أَمَةٍ بِكْرًا وَثَيِّبًا فَلَا أَثَرَ لِإِجَابَةِ الْمُجْبَرَةِ، لِأَنَّ وَلِيَّهَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، لَكِنْ إنْ كَرِهَتْ مَنْ أَجَابَهُ وَلِيُّهَا وَعَيَّنَتْ غَيْرَهُ سَقَطَ حُكْمُ إجَابَةِ وَلِيِّهَا لِتَقْدِيمِ اخْتِيَارِهَا عَلَيْهِ (وَإِلَّا) تَكُنْ مُجْبَرَةً كَحُرَّةٍ ثَيِّبٍ عَاقِلَةٍ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ (فَ) التَّعْوِيلُ فِي رَدٍّ وَإِجَابَةٍ (عَلَيْهَا) أَيْ الْمَخْطُوبَةِ دُونَ وَلِيِّهَا، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا فَكَانَ الْأَمْرُ أَمْرَهَا وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُرْوَةَ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ عَائِشَةَ إلَى أَبِي بَكْرٍ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا مُرْسَلًا. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ {أَنَّهُ لَمَّا. مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَرْسَلَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُنِي وَأَجَبْتُهُ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا. فَإِنْ خَطَبَ كَافِرٌ كِتَابِيَّةً لَمْ تَحْرُمْ خِطْبَتُهَا عَلَى مُسْلِمٍ نَصًّا، وَقَالَ {لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يُسَاوِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ} إنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ سَاوَمَ عَلَى سَوْمِهِمْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِإِخْوَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ. (وَفِي تَحْرِيمِ خِطْبَةِ مَنْ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ) شَخْصٍ (مُعَيَّنٍ) مُسْلِمٍ (احْتِمَالَانِ) أَحَدُهُمَا تَحْرُمُ كَمَا لَوْ خُطِبَتْ فَأَجَابَتْ، وَالثَّانِي لَا تَحْرُمُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْطِبْهَا أَحَدٌ وَهُمَا لِلْقَاضِي. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ، الْأَظْهَرُ التَّحْرِيمُ (وَيَصِحُّ عَقْدٌ مَعَ خِطْبَةٍ حَرُمَتْ) لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ تَقَدُّمُ حَظْرٍ عَلَى الْعَقْدِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَدَّمَ عَلَيْهِ تَصْرِيحًا أَوْ تَعْرِيضًا مُحَرَّمًا. (وَيُسَنُّ عَقْدُ النِّكَاحِ مَسَاءَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) لِأَنَّهُ يَوْمٌ شَرِيفٌ وَيَوْمُ عِيدٍ وَالْبَرَكَةُ فِي النِّكَاحِ مَطْلُوبَةٌ فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَشْرَفُ الْأَيَّامِ طَلَبًا لِلْبَرَكَةِ وَالْإِمْسَاءُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ مَرْفُوعًا {أَمْسُوا بِالْإِمْلَاكِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ} وَلِأَنَّ فِي آخِرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ، فَاسْتُحِبَّ الْعَقْدُ فِيهَا لِأَنَّهَا أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ وَأَحْرَى لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ لَهُمَا. (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَخْطُبَ) الْعَاقِدُ (قَبْلَهُ) أَيْ النِّكَاحِ. وَفِي الْغُنْيَةِ إنْ أُخِّرَتْ جَازَتْ. وَفِي الْإِنْصَافِ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَعَ النِّسْيَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ (بِخُطْبَةِ) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ مَسْعُودٍ) وَهِيَ مَا رَوَاهُ " قَالَ: {عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّشَهُّدَ فِي الْحَاجَةِ إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيذُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يَضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ} فَفَسَّرَهَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا...} الْآيَةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ أَحْمَدَ كَانَ إذَا حَضَرَ عَقْدَ نِكَاحٍ وَلَمْ يُخْطَبْ فِيهِ بِخُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَامَ وَتَرَكَهُمْ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِحْبَابِهَا لَا عَلَى إيجَابِهَا (وَيُجْزِي) عَنْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ (أَنْ يَتَشَهَّدَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا دُعِيَ. لِيُزَوِّجَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، إنَّ فُلَانًا يَخْطِبُ إلَيْكُمْ فَإِنْ أَنْكَحْتُمُوهُ فَالْحَمْدُ لَلَهُ وَإِنْ رَدَدْتُمُوهُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ " وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ {أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوِّجْنِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ} وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ. قَالَ {خَطَبْت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَهَّدَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلَا بَأْسَ بِسَعْيِ الْأَبِ لِلْأَيِّمِ وَاخْتِيَارِ الْأَكْفَاءِ لِعَرْضِ عُمَرَ حَفْصَةَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ. (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُقَالَ لِمُتَزَوِّجٍ بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا وَعَلَيْكُمَا وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {كَانَ إذَا رَأَى إنْسَانًا تَزَوَّجَ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْك وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ} رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ {بَارَكَ اللَّهُ لَك أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ}. (فَإِذَا زُفَّتْ) الزَّوْجَةُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الزَّوْجِ (قَالَ) نَدْبًا {اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ} لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا {إذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ. وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا أَخَذَ بِذُرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
رُكْنُ الشَّيْءِ جُزْءُ مَاهِيَّتِهِ وَهِيَ لَا تَتِمُّ بِدُونِ جُزْئِهَا، فَكَذَا الشَّيْءُ لَا يَتِمُّ بِدُونِ رُكْنِهِ وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ (رُكْنَاهُ) أَيْ النِّكَاحِ أَحَدُهُمَا (إيجَابٌ) أَيْ اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْ الْوَلِيِّ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (بِلَفْظِ إنْكَاحٍ أَوْ) بِلَفْظِ (تَزْوِيجٍ) يَعْنِي بِأَنْ يَقُولَ أَنْكَحْتُك فُلَانَةَ أَوْ زَوَّجْتُكهَا (وَ) قَوْلُ (سَيِّدٍ لِمَنْ يَمْلِكُهَا أَوْ) يَمْلِكُ (بَعْضَهَا) وَبَاقِيهَا حُرٌّ وَتَأْذَنُ هِيَ وَمُعْتِقُ الْبَعْضِ (أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك وَنَحْوَهُ) مِمَّا يَأْتِي مُفَصَّلًا فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِغَيْرِ أَنْكَحْت أَوْ زَوَّجْت، لِأَنَّهُمَا اللَّفْظَانِ الْوَارِدُ بِهِمَا الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} وَقَالَ {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} وَأَمَّا إيجَابُ السَّيِّدِ بِ أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك وَنَحْوَهُ فَلِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا {أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأُتِيَ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا (وَإِنْ فَتَحَ وَلِيٌّ) تَاءَ (زَوَّجْتُك فَقِيلَ يَصِحُّ) النِّكَاحُ (مُطْلَقًا) أَيْ عَالِمًا كَانَ الْوَلِيُّ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ جَاهِلًا بِهَا قَادِرًا عَلَى النُّطْقِ بِضَمِّ التَّاءِ أَوْ عَاجِزًا عَنْهُ وَأَفْتَى بِهِ الْمُوَفَّقُ (وَقِيلَ) لَا يَصِحُّ إلَّا (مِنْ جَاهِلٍ) بِالْعَرَبِيَّةِ (وَ) مِنْ (عَاجِزٍ) عَنْ النُّطْقِ بِضَمِّ التَّاءِ، قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ انْتَهَى وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ. وَفِي الرِّعَايَةِ يَصِحُّ جَهْلًا أَوْ عَجْزًا وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. (وَيَصِحُّ) إيجَابٌ بِلَفْظِ (زُوِّجْتَ بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ التَّاءِ) أَيْ بِصِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ لِحُصُولِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِهِ لَا جَوَّزْتُك بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُولَ إلَّا قَبِلْت تَجْوِيزَهَا. بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ فَأَجَابَ بِالصِّحَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ جُوزِي طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ. (وَ) الرُّكْنُ الثَّانِي (قَبُولٌ بِلَفْظِ قَبِلْت) هَذَا النِّكَاحَ (أَوْ رَضِيت هَذَا النِّكَاحَ أَوْ قَبِلْت) فَقَطْ (أَوْ رَضِيت فَقَطْ أَوْ تَزَوَّجْتهَا). وَفِي الْفُرُوعِ أَوْ رَضِيت بِهِ (وَيَصِحَّانِ) أَيْ إيجَابُ النِّكَاحِ وَقَبُولُهُ (مِنْ هَازِلٍ وَتَلْجِئَةٍ) لِحَدِيثِ {ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ وَجِدُّهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعِتْقُ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ نَكَحَ لَاعِبًا أَوْ طَلَّقَ لَاعِبًا أَوْ أَعْتَقَ لَاعِبًا جَازَ} وَقَالَ عُمَرُ أَرْبَعٌ جَائِزَاتٌ إذَا تُكُلِّمَ بِهِنَّ: الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّذْرُ وَقَالَ عَلِيٌّ أَرْبَعٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ: الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّذْرُ (وَ) يَصِحَّانِ (بِمَا) أَيْ بِلَفْظٍ (يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا الْخَاصَّ بِكُلِّ لِسَانٍ) أَيْ لُغَةٍ (مِنْ عَاجِزٍ) عَنْهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي لُغَتِهِ نَظِيرُ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَلَا يَصِحَّانِ بِمَا لَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا الْخَاصَّ كَالْعَرَبِيِّ إذَا عَدَلَ عَنْ أَنْكَحْت أَوْ زَوَّجْت إلَى غَيْرِهِمَا. (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْعَاجِزَ عَنْهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ (تَعَلُّمُ) أَرْكَانِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ الْمُعْجِزِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ أَحْسَنَ أَحَدُهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَحْدَهُ أَتَى بِهِ وَالْآخَرُ بِلُغَتِهِ وَتَرْجَمَ بَيْنَهُمَا ثِقَةٌ إنْ لَمْ يُحْسِنْ أَحَدُهُمَا لِسَانَ الْآخَرِ. وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظَ الْعَاقِدَيْنِ و(لَا) يَصِحُّ إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ بِ (كِتَابَةٍ) وَالْإِشَارَةُ مُفْهِمَةٌ إلَّا مِنْ أَخْرَسَ فَيَصِحَّانِ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ نَصًّا كَبَيْعِهِ وَطَلَاقِهِ وَإِذَا صَحَّا مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّرِيحِ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ (وَإِنْ قِيلَ لِ) وَلِيٍّ (مُزَوِّجٍ أَزَوَّجْتَ) فُلَانَةَ لِفُلَانٍ (فَقَالَ نَعَمْ وَ) قِيلَ (لِمُتَزَوِّجٍ أَقَبِلْت فَقَالَ نَعَمْ صَحَّ) النِّكَاحُ، لِأَنَّ نَعَمْ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ أَزَوَّجْتَ وَأَقْبَلْتَ وَالسُّؤَالُ مُضْمَرٌ فِي الْجَوَابِ مَعَادٌ فِيهِ فَمَعْنَى نَعَمْ مِنْ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُهُ فُلَانَةَ وَمَعْنَى نَعَمْ مِنْ الْمُتَزَوِّجِ قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ وَلَا احْتِمَالَ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ، وَلِهَذَا كَانَتْ صَرِيحَةً فِي الْإِقْرَارِ بِحَيْثُ يُقْطَعُ السَّارِقُ بِهَا مَعَ أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ و(لَا) يُصْبِحُ نِكَاحًا (إنْ تَقَدَّمَ) فِيهِ (قَبُولٌ) عَلَى إيجَابٍ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْمَاضِي كَقَوْلِهِ تَزَوَّجْت ابْنَتَك فَيَقُولُ: زَوَّجْتُكَهَا أَوْ الْأَمْرِ فَيَقُولُ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك فَيَقُولُ زَوَّجْتُكَهَا لِأَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِيجَابِ فَمَتَى وُجِدَ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ قَبُولًا لِعَدَمِ مَعْنَاهُ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ وَكُلُّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ وَالْخُلْعِ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ (وَإِنْ تَرَاخَى) قَبُولٌ عَنْ إيجَابٍ (حَتَّى تَفَرَّقَا) مِنْ الْمَجْلِسِ (أَوْ تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا بَطَلَ الْإِيجَابُ) لِلْإِعْرَاضِ عَنْهُ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ الِاشْتِغَالِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَدَّهُ فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَا تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ صَحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ بِدَلِيلِ حُكْمِ الْمَجْلِسِ حُكْمَ حَالَةِ الْعَقْدِ صِحَّةَ الْقَبْضِ فِيمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ فِيهِ. (وَمَنْ أَوْجَبَ) أَيْ صَدَرَ مِنْهُ إيجَابُ عَقْدٍ (وَلَوْ) كَانَ الْإِيجَابُ (فِي غَيْرِ نِكَاحٍ) كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ (ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبُولٍ) لِمَا أَوْجَبَهُ (بَطَلَ) إيجَابُهُ بِذَلِكَ (كَ) بُطْلَانِهِ (بِمَوْتِهِ) أَوْ بِمَوْتِ مَنْ أَوْجَبَ لَهُ، لِعَدَمِ لُزُومِ الْإِيجَابِ إذَنْ أَشْبَهَ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ و(لَا) يَبْطُلُ الْإِيجَابُ (إنْ نَامَ) مَنْ أَوْجَبَ عَقْدًا قَبْلَ قَبُولِهِ، إنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ، لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يُبْطِلُ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ (وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ) دُونَ غَيْرِهِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ...} الْآيَةَ.
وَشُرُوطُهُ أَيْ النِّكَاحِ خَمْسَةٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الشَّرْطِ. أَحَدُهَا: (تَعْيِينُ) (الزَّوْجَيْنِ) فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ (فَلَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ إنْ قَالَ الْوَلِيُّ (زَوَّجْتُك بِنْتِي وَلَهُ) بِنْتٌ (غَيْرُهَا حَتَّى يُمَيِّزَهَا) اسْمًا كَفَاطِمَةَ أَوْ صِفَةً لَا يُشَارِكُهَا فِيهَا غَيْرُهَا مِنْ أَخَوَاتِهَا كَالْكُبْرَى أَوْ الطَّوِيلَةِ أَوْ يُشِيرُ إلَيْهَا إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً كَهَذِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ إلَّا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ (فَيَصِحُّ) النِّكَاحُ بِقَوْلِهِ زَوَّجْتُك بِنْتِي (وَلَوْ سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا) لِأَنَّهُ لَا تَعَدُّدَ هُنَا فَلَا الْتِبَاسَ (وَإِنْ سَمَّاهَا بِاسْمِهَا) كَأَنْ قَالَ زَوَّجْتُك فَاطِمَةَ أَوْ الطَّوِيلَةَ (وَلَمْ يَقُلْ) بِنْتِي لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، لِاشْتِرَاكِ هَذَا الِاسْمِ أَوْ هَذِهِ الصِّفَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْفَوَاطِمِ وَالطِّوَالِ (أَوْ قَالَ مَنْ لَهُ) بِنْتَانِ (عَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَائِشَةَ فَقَبِلَ) الزَّوْجُ النِّكَاحَ (وَنَوَيَا) أَيْ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ (فَاطِمَةَ لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَلَفَّظَا بِمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي فَقَطْ أَوْ عَائِشَةَ فَقَطْ وَلِأَنَّ اسْمَ أُخْتِهَا لَا يُمَيِّزُهَا بَلْ يَصْرِفُ الْعَقْدَ عَنْهَا كَذَا مَا لَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْكُبْرَى وَالزَّوْجُ الصُّغْرَى (كَمَنْ سَمَّى لَهُ فِي الْعَقْدِ غَيْرَ مَخْطُوبَتِهِ فَقَبِلَ يَظُنُّهَا) أَيْ غَيْرَ الْمَخْطُوبَةِ (إيَّاهَا) أَيْ الْمَخْطُوبَةَ، لِانْصِرَافِ الْقَبُولِ إلَى غَيْرِ مَنْ وُجِدَ الْإِيجَابُ فِيهَا. فَإِنْ لَمْ يَظُنَّهَا إيَّاهَا صَحَّ الْعَقْدُ (وَكَذَا زَوَّجْتُك حَمْلَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ) فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْحَمْلَ مَجْهُولٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ أُنْثَى وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْوُجُودِ، وَكَذَا إنْ وَضَعَتْ زَوْجَتِي ابْنَةً فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ. الشَّرْطُ (الثَّانِي: رِضَا زَوْجٍ مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ (وَلَوْ) كَانَ الْمُكَلَّفُ (رَقِيقًا) نَصًّا فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ إجْبَارُهُ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ وَنَفْعُهُ لَهُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ وَالْأَمْرُ بِإِنْكَاحِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} مُخْتَصٌّ بِحَالِ طَلَبِهِ بِدَلِيلِ عَطْفِهِ عَلَى الْأَيَامَى، وَإِنَّمَا يُزَوَّجْنَ عِنْدَ الطَّلَبِ وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَإِنَّمَا يَجِبُ تَزْوِيجُهُ إذَا طَلَبَهُ وَأَمَّا الْأَمَةُ فَالسَّيِّدُ يَمْلِكُ مَنَافِعَ بُضْعِهَا وَالِاسْتِمْتَاعَ بِهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ، وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ بَدَنِهِ وَسَيِّدُهُ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ (وَ) رِضَا (زَوْجَةٍ حُرَّةٍ عَاقِلَةٍ ثَيِّبٍ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ) وَلَهَا إذْنٌ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ فَيُشْتَرَطُ مَعَ ثُيُوبَتُهَا وَيُسَنُّ مَعَ بَكَارَتِهَا نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَخَصَّ بِنْتَ تِسْعٍ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ ". وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَمَعْنَاهُ فِي حُكْمِ الْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّهَا تَصْلُحُ بِذَلِكَ لِلنِّكَاحِ وَتَحْتَاجُ إلَيْهِ أَشْبَهَتْ الْبَالِغَةَ (وَيُجْبِرُ أَبٌ ثَيِّبًا دُونَ ذَلِكَ) أَيْ تِسْعِ سِنِينَ لِأَنَّهُ إذْنٌ لَهَا مُعْتَبَرٌ (وَ) يُجْبِرُ أَبٌ (بِكْرًا وَلَوْ) كَانَتْ (مُكَلَّفَةً) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَقَسَّمَ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ وَأَثْبَتَ الْحَقَّ لِأَحَدِهِمَا فَدَلَّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ الْآخَرِ وَهِيَ الْبِكْرُ فَيَكُونُ وَلِيُّهَا أَحَقَّ مِنْهَا بِهَا وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ. الِاسْتِئْمَارَ هُنَا وَالِاسْتِئْذَانَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ. (وَيُسَنُّ اسْتِئْذَانُهَا) أَيْ الْبِكْرِ إذَا تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ لِمَا سَبَقَ (مَعَ) اسْتِئْذَانِ (أُمِّهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {أَمِّرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَيُؤْخَذُ بِتَعْيِينِ بِنْتِ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ) وَلَوْ بِكْرًا (كُفْؤًا لَا بِتَعْيِينِ أَبٍ) نَصًّا فَإِنْ عَيَّنَتْ غَيْرَ كُفْؤٍ قُدِّمَ تَعْيِينُ الْأَبِ. (وَ) يُجْبِرُ أَبٌ (مَجْنُونَةً وَلَوْ) كَانَتْ (بِلَا شَهْوَةٍ) أَوْ كَانَتْ (ثَيِّبًا أَوْ بَالِغَةً) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ انْتَفَتْ عَنْ الْعَاقِلَةِ بِخِيَرَةِ نَظَرِهَا لِنَفْسِهَا بِخِلَافِ الْمَجْنُونَةِ (وَيُزَوِّجُهَا) أَيْ الْمَجْنُونَةَ (مَعَ شَهْوَتِهَا كُلُّ وَلِيٍّ) لِحَاجَتِهَا إلَى النِّكَاحِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ عَنْهَا وَصِيَانَتِهَا عَنْ الْفُجُورِ وَتَحْصِيلْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعَفَافِ وَصِيَانَةِ الْعِرْضِ وَتُعْرَفُ شَهْوَتُهَا مِنْ كَلَامِهَا وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهَا كَتَتَبُّعِهَا الرِّجَالَ وَمَيْلِهَا إلَيْهِمْ، (وَ) يُجْبِرُ أَبٌ (ابْنًا صَغِيرًا) أَيْ غَيْرَ بَالِغٍ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ زَوَّجَ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فَاخْتَصَمُوا إلَى زَيْدٍ، فَأَجَازَاهُ جَمِيعًا " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلَهُ تَزْوِيجُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً. (وَ) يُجْبِرُ أَبٌ ابْنًا (بَالِغًا مَجْنُونًا) مُطْبِقًا وَمَعْتُوهًا (وَلَوْ) كَانَ (بِلَا شَهْوَةٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَشْبَهَ الصَّغِيرَ. فَإِنَّهُ إذَا جَازَ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ فِي الْحَالِ وَتَوَقُّعِ نَظَرِهِ فَعِنْدَ حَاجَتِهِ أَوْلَى. وَبِمَا كَانَ النِّكَاحُ دَوَاءً لَهُ يُرْجَى بِهِ شِفَاؤُهُ وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْإِيوَاءِ وَالْحِفْظِ وَيَأْتِي أَنَّ لِلْأَبِ تَزْوِيجَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ كَتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا لِمَصْلَحَةٍ. (وَيُزَوِّجُهُمَا) أَيْ الصَّغِيرَ وَالْبَالِغَ الْمَجْنُونَ (مَعَ عَدَمِ أَبٍ) لَهُمَا (وَصِيُّهُ) أَيْ الْأَبِ فِي النِّكَاحِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. وَقَالَهُ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ أَظْهَرُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (فَإِنْ عُدِمَ) وَصِيُّ الْأَبِ (وَثَمَّ حَاجَةٌ) إلَى نِكَاحِهِمَا (فَحَاكِمٌ) يُزَوِّجُهُمَا لِأَنَّهُ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِهِمَا بَعْدَ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ وَمَنْ يَتَحَقَّقُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ إذَا بَلَغَ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ. وَمَنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ لِنَفْسِهِ لَمْ تَثْبُتْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهِ لِغَيْرِهِ كَالْعَاقِلِ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِغَيْرِ سَامٍّ أَوْ مَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَالْعَاقِلِ (وَيَصِحُّ قَبُولُ) صَبِيٍّ (مُمَيِّزٍ لِنِكَاحِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) كَتَوَلِّيهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ (وَلِكُلِّ وَلِيٍّ) مِنْ أَبٍ وَوَصِيِّهِ وَبَقِيَّةِ الْعَصَبَاتِ وَالْحَاكِمِ. (تَزْوِيجُ بِنْتِ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ بِإِذْنِهَا) نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا. فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ لَمْ تُكْرَهْ} رَوَاهُ أَحْمَدُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَتِيمَةَ تُزَوَّجُ بِإِذْنِهَا وَأَنَّ لَهَا إذْنًا صَحِيحًا وَقَدْ انْتَفَى ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا بِأَلَّا تَفْلَقَ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ بَلَغَتْ تِسْعًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ (وَهُوَ) أَيْ إذْنُهَا (مُعْتَبَرٌ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ و(لَا) يُزَوِّجُ غَيْرُ أَبٍ وَوَصِيِّهِ (مَنْ دُونَهَا) أَيْ تِسْعِ سِنِينَ (بِحَالٍ) مِنْ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهَا وَغَيْرُ الْأَبِ وَوَصِيُّهُ لَا إجْبَارَ لَهُ. (وَإِذْنُ ثَيِّبٍ بِوَطْءٍ فِي قُبُلٍ وَلَوْ) كَانَ وَطْأَهَا (زِنًا أَوْ مَعَ عَوْدِ بَكَارَةٍ) بَعْدَ وَطْئِهَا (الْكَلَامُ) لِحَدِيثِ {الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا} وَلِمَفْهُومِ حَدِيثِ {لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَإِذْنُهَا أَنْ تَسْكُتَ} لِأَنَّهُ لَمَّا قَسَّمَ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ وَجَعَلَ السُّكُوتَ إذْنًا لِأَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ بِخِلَافِهِ. (وَ) إذْنُ (بِكْرٍ وَلَوْ وُطِئَتْ فِي دُبُرٍ الصُّمَاتُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ {قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ الْبِكْرُ تَسْتَحِي، قَالَ: رِضَاهَا صُمَاتُهَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَوْ ضَحِكَتْ أَوْ بَكَتْ) كَانَ إذْنًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فَإِنْ بَكَتْ أَوْ سَكَتَتْ فَهُوَ رِضَاهَا وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا " وَلِأَنَّهَا غَيْرُ نَاطِقَةٍ بِالِامْتِنَاعِ مَعَ سَمَاعِهَا لِلِاسْتِئْذَانِ فَكَانَ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهَا كَالصُّمَاتِ وَالْبُكَاءِ يَدُلُّ عَلَى فَرْطِ الْحَيَاءِ الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ كَرِهَتْ لَامْتَنَعَتْ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِي مِنْ الِامْتِنَاعِ (وَنُطْقُهَا) أَيْ الْبِكْرِ بِالْإِذْنِ (أَبْلَغُ) مِنْ صُمَاتِهَا، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِذْنِ وَاكْتَفَى عَنْهُ بِصُمَاتِ الْبِكْرِ لِاسْتِحْيَائِهَا (وَيُعْتَبَرُ فِي اسْتِئْذَانِ) مَنْ يُشْتَرَطُ اسْتِئْذَانُهَا (تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ لَهَا عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ الْمَعْرِفَةُ) مِنْهَا (بِهِ) بِأَنْ يَذْكُرَ لَهَا نَسَبَهُ وَمَنْصِبَهُ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَتَّصِفُ بِهِ لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي إذْنِهَا فِي تَزْوِيجِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ. (وَمَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ) كَإِصْبَعٍ أَوْ وَثْبَةٍ (فَكَبِكْرٍ) فِي الْإِذْنِ فَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا؛ لِأَنَّ حَيَاءَهَا لَا يَزُولُ بِذَلِكَ (وَيُجْبِرُ سَيِّدٌ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) كَابْنِهِ وَأَوْلَى لِتَمَامِ مِلْكِهِ وَوِلَايَتِهِ (وَ) يُجْبِرُ سَيِّدٌ (أَمَةً مُطْلَقًا) أَيْ كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا قِنًّا أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَالنِّكَاحُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَتِهَا أَشْبَهَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ، وَلِذَلِكَ مَلَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْعَبْدَ، وَلِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا وَوَلَدِهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُبَاحَةً لَهُ أَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ كَأُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا لَهُ. وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِعَارِضٍ و(لَا) يُجْبِرُ سَيِّدٌ (مُكَاتَبًا أَوْ مُكَاتَبَةً) وَلَوْ صَغِيرَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْخَارِجَيْنِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمَا وَلَا يَمْلِكُ إجَارَتَهُمَا وَلَا أَخْذَ مَهْرِ الْمُكَاتَبَةِ (وَيُعْتَبَرُ فِي) نِكَاحِ (مُعْتَقٍ بَعْضُهَا إذْنُهَا وَإِذْنُ مُعْتِقِهَا. وَ) إذْنُ (مَالِكِ الْبَقِيَّةِ) الَّتِي لَمْ تَعْتِقْ (كَالشَّرِيكَيْنِ) فِي أَمَةٍ فَيُعْتَبَرُ لِنِكَاحِهَا إذْنُهُمَا (وَيَقُولُ كُلٌّ) مِنْ مَالِكِ الْبَعْضِ وَمُعْتِقِ الْبَعْضِ الْآخَرِ فِي الْمُبَعَّضَةِ أَوْ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمُشْتَرَكَةِ (زَوَّجْتُكَهَا) وَلَا يَقُولُ زَوَّجْتُك نَصِيبِي مِنْهَا، لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ وَالتَّجَزُّؤ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ.
الثَّالِثُ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ: (الْوَلِيُّ) نَصًّا إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} وَالْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا {لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ} رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ. قَالَهُ الْمَرْوَزِيِّ. وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا {أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا} رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَحَكَى بَعْضُ الْحُفَّاظِ عَنْ يَحْيَى أَنَّهُ أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُوَلًّى عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ فَلَا تَلِيهِ كَالصَّغِيرَةِ لَا يُقَالُ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ، لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ نَفْيُ حَقِيقَةِ النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ عَضَّدَهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي " بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا " خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ غَالِبًا إنَّمَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، وقَوْله تَعَالَى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِهَا نَفْسَهَا بَلْ عَلَى أَنَّ نِكَاحَهَا إلَى الْوَلِيِّ، لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ حِينَ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهِ. فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهَا. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَعْقِلٍ وِلَايَةُ النِّكَاحِ لَمَا عَاتَبَهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إلَى النِّسَاءِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِنَّ وَعَقْدِهِ عَلَيْهِنَّ. (فَلَا يَصِحُّ) مِنْ امْرَأَةٍ (إنْكَاحُهَا لِنَفْسِهَا) لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) إنْكَاحُهَا لِ (غَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ إنْكَاحُهَا لِنَفْسِهَا فَغَيْرُهَا أَوْلَى (فَيُزَوِّجُ أَمَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا) لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ (وَلِيُّهَا فِي مَالِهَا) لِمَصْلَحَةٍ، لِأَنَّ الْأَمَةَ مَالٌ وَالتَّزْوِيجَ تَصَرُّفٌ فِيهَا، وَكَذَا أَمَةُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. (وَ) يُزَوِّجُ أَمَةً لِ (غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْمُكَلَّفَةُ الرَّشِيدَةُ (مَنْ يُزَوِّجُ سَيِّدَتَهَا) أَيْ وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا فِي النِّكَاحِ لِامْتِنَاعِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهَا، لِأُنُوثَتِهَا فَثَبَتَتْ لِأَوْلِيَائِهَا كَوِلَايَةِ نَفْسِهَا. وَلِأَنَّهُمْ يَلُونَهَا لَوْ عَتَقَتْ فَفِي حَالِ رِقِّهَا أَوْلَى (بِشَرْطِ إذْنِهَا) أَيْ السَّيِّدَةِ فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهَا وَلَا يُتَصَرَّفُ فِي مَالِ رَشِيدَةٍ بِغَيْرِ إذْنِهَا (نُطْقًا وَلَوْ كَانَتْ) سَيِّدَتُهَا (بِكْرًا) لِأَنَّهُ إنَّمَا اُكْتُفِيَ بِصُمَاتِهَا فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهَا لِحَيَائِهَا وَلَا تَسْتَحِي فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا (وَلَا إذْنَ لِمَوْلَاةِ مُعْتَقَةٍ) فِي تَزْوِيجِهَا لِمِلْكِهَا نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ، وَلَيْسَتْ الْمُعْتِقَةُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ (وَيُزَوِّجُهَا) أَيْ الْعَتِيقَةَ (بِإِذْنِهَا) أَيْ الْعَتِيقَةِ (أَقْرَبُ عَصَبَتِهَا) أَيْ الْعَتِيقَةِ نَسَبًا كَحُرَّةِ الْأَصْلِ، فَإِنْ عُدِمُوا فَعَصَبَتُهَا وَلَاءً كَالْمِيرَاثِ وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْمَوْلَاةِ عَلَى أَبِيهَا، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِمُقْتَضَى وَلَاءِ الْعِتْقِ. وَالْوَلَاءُ يُقَدَّمُ فِيهِ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ (وَيُجْبِرُهَا) أَيْ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ (مَنْ يُجْبِرُ مَوْلَاتَهَا) عَلَى النِّكَاحِ، فَلَوْ كَانَتْ الْعَتِيقَةُ بِكْرًا وَلِمَوْلَاتِهَا أَبٌ أَجْبَرَهَا كَمَوْلَاتِهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ ذَكَرْت مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ. (وَالْأَحَقُّ بِإِنْكَاحِ حُرَّةٍ) مِنْ أَوْلِيَاءِ (أَبُوهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْهُوبٌ لِأَبِيهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} وَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، وَلِأَنَّ الْأَبَ أَكْمَلُ نَظَرًا وَأَشَدُّ شَفَقَةً. وَتَأْتِي الْأَمَةُ (فَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا) أَيْ الْجَدُّ لِلْأَبِ، وَإِنْ عَلَا فَيُقَدَّمُ عَلَى الِابْنِ وَابْنِهِ، لِأَنَّ لَهُ إيلَادًا أَوْ تَعْصِيبًا، فَقُدِّمَ عَلَيْهِمَا كَالْأَبِ فَإِنْ اجْتَمَعَ أَجْدَادٌ فَأَوْلَاهُمْ أَقْرَبُهُمْ كَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ (فَابْنُهَا) أَيْ الْحُرَّةِ (فَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ) يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ. لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ {فَإِنَّهَا لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطِبُهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدٌ: قَالَ: لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِك شَاهِدٌ، وَلَا غَائِبٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ. فَقَالَتْ: قُمْ يَا عُمَرُ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهُ} رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ " حِينَ {زَوَّجَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهُ أُمَّ سَلَمَةَ أَلَيْسَ كَانَ صَغِيرًا؟ قَالَ: وَمَنْ يَقُول كَانَ صَغِيرًا؟ أَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ} وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ مِنْ عَصَبَتِهَا فَثَبَتَتْ لَهُ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا كَأَخِيهَا فَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ (فَ) أَخٌ (لِأَبٍ) لِأَنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ حَقٌّ يُسْتَفَادُ بِالتَّعْصِيبِ فَقُدِّمَ فِيهِ الْأَخُ لِأَبَوَيْنِ كَالْمِيرَاثِ وَكَاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ (فَابْنُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ فَ) ابْنُ أَخٍ (لِأَبٍ وَإِنْ سَفَلَا) أَيْ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ. وَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ (فَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ فَ) عَمٌّ (لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمَا) أَيْ الْعَمَّيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ (كَذَلِكَ) أَيْ وَإِنْ سَفَلُوا يُقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ. الْعَمِّ لِأَبٍ (ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَةِ نَسَبٍ) كَعَمِّ الْأَبِ ثُمَّ بَنِيهِ ثُمَّ عَمِّ الْجَدِّ ثُمَّ بَنِيهِ كَذَلِكَ وَإِنْ عَلَوْا (كَالْإِرْثِ) أَيْ تَرْتِيبِ الْوِلَايَةِ بَعْدَ إخْوَةٍ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ بِالتَّعْصِيبِ فَأَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَحَقُّهُمْ بِالْوِلَايَةِ فَلَا يَلِي بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ وَأَوْلَى وَلَدِ كُلِّ أَبٍ أَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ، لِأَنَّ مَبْنَى الْوِلَايَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ وَالنَّظَرِ وَمَظِنَّتُهَا الْقَرَابَةُ فَأَقْرَبُهُمْ أَشْفَقُهُمْ وَلَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ لِأُمٍّ وَعَمٍّ لِأُمٍّ وَبَنِيهِ وَالْخَالِ وَأَبِي الْأُمِّ وَنَحْوِهِمْ نَصًّا، لِقَوْلِ عَلِيٍّ " إذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصُّ الْحَقَائِقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى يَعْنِي إذَا أَدْرَكْنَ " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ. وَلِأَنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ عَصَبَتِهَا شَبِيهٌ بِالْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا (ثُمَّ) يَلِي نِكَاحَ حُرَّةٍ عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَتِهَا مِنْ النَّسَبِ (الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ) أَيْ الْمُعْتِقُ، لِأَنَّهُ يَرِثُهَا وَيَعْقِلُ عَنْهَا فَكَانَ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَقُدِّمَ عَلَيْهِ عَصَبَةُ النَّسَبِ كَمَا قُدِّمُوا عَلَيْهِ فِي الْإِرْثِ (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) أَيْ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ بَعْدَهُ (الْأَقْرَبُ) مِنْهُمْ (فَالْأَقْرَبُ) كَالْمِيرَاثِ (ثُمَّ مَوْلَى الْمَوْلَى ثُمَّ عَصَبَاتُهُ) كَذَلِكَ أَبَدًا (ثُمَّ) عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَةِ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ يَلِي نِكَاحَ حُرَّةٍ (السُّلْطَانُ وَهُوَ الْإِمَامُ) الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ. قَالَ أَحْمَدُ وَالْقَاضِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْأَمِيرِ فِي هَذَا (وَلَوْ مِنْ بُغَاةٍ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى بَلَدٍ) فَيَجْرِي فِيهِ حُكْمُ سُلْطَانِهِمْ وَقَاضِيهِمْ مَجْرَى إمَامٍ وَقَاضِيهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَزْوِيجُ الْأَيَامَى فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا فَإِنْ أَبَاهُ حَاكِمٌ لَا بِظُلْمٍ كَطَلَبِهِ جُعْلًا لَا يَسْتَحِقُّهُ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (فَإِنْ عُدِمَ الْكُلُّ) أَيْ عَصَبَةُ النَّسَبِ وَالْوَلَاءُ وَالسُّلْطَانُ وَنَائِبُهُ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي بِهِ. الْحُرَّةُ (زَوَّجَهَا ذُو سُلْطَانٍ فِي مَكَانِهَا كَعَضْلِ) أَوْلِيَائِهَا مَعَ عَدَمِ إمَامٍ وَنَائِبِهِ فِي مَكَانِهِ، وَالْعَضْلُ الِامْتِنَاعُ مِنْ تَزْوِيجِهَا يُقَالُ دَاءٌ عُضَالٌ إذَا أَعْيَا الطَّبِيبَ دَوَاؤُهُ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) ذُو سُلْطَانٍ فِي مَكَانِهَا (وَكَّلَتْ) عَدْلًا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ يُزَوِّجُهَا. قَالَ أَحْمَدُ فِي دِهْقَان قَرْيَةٍ يُزَوِّجُ مِنْ لَا وَلِيَّ لَهَا إذَا احْتَاطَ لَهَا فِي الْكُفْءِ وَالْمَهْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرُّسْتَاقِ قَاضٍ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَلِيِّ فِي هَذَا الْحَالِ يَمْنَعُ النِّكَاحَ بِالْكُلِّيَّةِ (وَوَلِيُّ أَمَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ الْأَمَةُ (آبِقَةَ سَيِّدُهَا) لِأَنَّهُ مَالِكُهَا لَهُ التَّصَرُّفُ فِي رَقَبَتِهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَفِي التَّزْوِيجِ أَوْلَى (وَلَوْ) كَانَ السَّيِّدُ (فَاسِقًا) لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ (أَوْ) كَانَ (مُكَاتَبًا) إنْ أَذِنَهُ سَيِّدُهُ فِي تَزْوِيجِ إمَائِهِ. (وَشُرِطَ فِي وَلِيٍّ) سَبْعَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا (ذُكُورِيَّةٌ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَثْبُتُ لَهَا وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهَا فَعَلَى غَيْرِهَا أَوْلَى. (وَ) الثَّانِي (عَقْلٌ) فَلَا وِلَايَةَ لِمَجْنُونٍ مُطْبِقٍ فَإِنْ جُنَّ أَحْيَانًا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ نَقَصَ عَقْلُهُ بِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ إحْرَامٍ اُنْتُظِرَ وَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِطَرَيَانِ ذَلِكَ. (وَ) الثَّالِثُ (بُلُوغٌ) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ يُعْتَبَرُ لَهَا كَمَالُ الْحَالِ لِأَنَّهَا تَنْفِيذُ تَصَرُّفٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ مَوْلًى عَلَيْهِ، لِقُصُورِ نَظَرِهِ فَلَا تَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةٌ كَالْمَرْأَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُزَوِّجُ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ لَيْسَ لَهُ أَمْرٌ. (وَ) الرَّابِعُ كَمَالُ (حُرِّيَّةٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُبَعَّضَ لَا يَسْتَقِلَّانِ بِوِلَايَةٍ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَأَوْلَى عَلَى غَيْرِهِمَا إلَّا مُكَاتَبًا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ) فَيَصِحُّ وَتَقَدَّمَ. (وَ) الْخَامِسُ (اتِّفَاقُ دِينِ) الْوَلِيِّ وَالْمُوَلَّى عَلَيْهَا فَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ وَكَذَا عَكْسُهُ، وَلَا نَصْرَانِيٍّ عَلَى مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوَهُ، لِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا بِالنَّسَبِ (إلَّا أُمَّ وَلَدٍ لِكَافِرٍ أَسْلَمَتْ) فَيُزَوِّجُهَا لِمُسْلِمٍ، لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ، وَلِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ كَإِجَارَتِهَا (وَ) لَا (أَمَةً كَافِرَةً لِمُسْلِمٍ) فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِكَافِرٍ لِمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا أَمَةٌ كَافِرَةٌ لِمُسْلِمَةٍ فَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا عَلَى مَا سَبَقَ (وَ) إلَّا (السُّلْطَانَ) فَيُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا مِنْ الْكَوَافِرِ، لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ عَلَى أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَذِهِ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ فَتَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا كَالْمُسْلِمَةِ. (وَ) السَّادِسُ (عَدَالَةٌ) نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " لَا نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَوَلِيٍّ مُرْشِدٍ " قَالَ أَحْمَدُ " أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ " يَعْنِي قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ. عَدْلٍ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَهَا وَلِيٌّ مَسْخُوطٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ،} وَرَوَى الْبَرْقَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا {لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ} وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ فَلَا يَسْتَبِدُّ بِهَا الْفَاسِقُ كَوِلَايَةِ الْمَالِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْعَدَالَةُ (ظَاهِرَةً) فَيَكْفِي مَسْتُورُ الْحَالِ كَوِلَايَةِ الْمَالِ (إلَّا فِي سُلْطَانٍ) فَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَزْوِيجِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لِلْعَدَالَةِ الْحَاجَةُ (وَ) إلَّا فِي (سَيِّدِ) أَمَةٍ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَمَا لَوْ أَجَرَهَا. (وَ) السَّابِعُ (رُشْدٌ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَهُوَ) أَيْ الرُّشْدُ هُنَا (مَعْرِفَةُ الْكُفْءِ وَمَصَالِحِ النِّكَاحِ) وَلَيْسَ هُوَ حِفْظَ الْمَالِ، فَإِنَّ رُشْدَ كُلِّ مَقَامٍ بِحَسَبِهِ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْوَلِيِّ بَصِيرًا، وَلَا كَوْنُهُ مُتَكَلِّمًا إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِهِ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ (فَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ) مِنْ أَوْلِيَاءِ الْحُرَّةِ (طِفْلًا) (أَوْ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ) اتَّصَفَ الْأَقْرَبُ بِصِفَاتِ الْوِلَايَةِ لَكِنْ (عَضَلَ بِأَنْ مَنَعَهَا كُفْؤًا رَضِيَتْهُ وَرَغِبَ) فِيهَا (بِمَا صَحَّ مَهْرًا) أَيْ. وَلَوْ كَانَ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ لِرِضَاهَا بِهِ حِينَئِذٍ (وَيُفَسَّقُ) الْوَلِيُّ (بِهِ) أَيْ الْعَضْلِ (إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ أَوْ غَابَ) الْأَقْرَبُ (غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَهِيَ) أَيْ الْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ (مَا لَا تُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ) قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَتَكُونُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (أَوْ جَعَلَ مَكَانَهُ) أَيْ الْأَقْرَبِ (أَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ) أَيْ الْأَقْرَبِ (بِأَسْرٍ أَوْ حَبْسٍ) وَنَحْوِهِمَا (زَوَّجَ) امْرَأَةً (حُرَّةً أَبْعَدُ) أَوْلِيَائِهَا أَيْ مَنْ يَلِي الْأَقْرَبَ الْمَذْكُورَ فِي الْوِلَايَةِ، أَمَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ طِفْلًا أَوْ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا فَلِعَدَمِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْأَقْرَبِ مَعَ. اتِّصَافِهِ بِمَا ذُكِرَ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَأَمَّا مَعَ عَضْلِ الْأَقْرَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ أَوْ تَعَذُّرِ مُرَاجَعَتِهِ فَلِتَعَذُّرِ التَّزْوِيجِ مِنْ جِهَتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ جُنَّ فَإِنْ عَضَلُوا كُلُّهُمْ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ (وَ) زَوَّجَ (أَمَةً) غَابَ سَيِّدُهَا أَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ بِنَحْوِ أَسْرٍ (حَاكِمٌ) لِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ فِي مَالِ الْغَائِبِ وَنَحْوِهِ (وَإِنْ زَوَّجَ) امْرَأَةً (حَاكِمٌ) مَعَ وُجُودِ وَلِيِّهَا لَمْ يَصِحَّ (أَوْ) زَوَّجَهَا وَلِيٌّ (أَبْعَدُ بِلَا عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ) إلَيْهَا مِنْهُ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْحَاكِمِ الْأَبْعَدِ مَعَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُمَا أَشْبَهَا الْأَجْنَبِيَّ (فَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ) عِنْدَ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ وَالْأَبْعَدُ (لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَصَبَةٌ) ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُعِدْ (أَوْ) كَانَ الْمَعْهُودُ عَدَمَ أَهْلِيَّةِ الْأَقْرَبِ لِصِغَرٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ (أَنَّهُ صَارَ) أَهْلًا بِبُلُوغِهِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُعِدْ (أَوْ) كَانَ الْأَقْرَبُ مَجْنُونًا مَثَلًا وَلَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ التَّزْوِيجِ أَنَّهُ (عَادَ أَهْلًا) فَزَوَّجَ (بَعْدَ مُنَافٍ) كَالْجُنُونِ (ثُمَّ عَلِمَ) أَنَّهُ عَادَ أَهْلًا بَعْدَ تَزْوِيجِهَا لَمْ يُعِدْ الْعَقْدَ. (أَوْ اسْتَلْحَقَ بِنْتَ مُلَاعَنَةٍ أَبٌّ بَعْدَ عَقْدِ) وَلِيِّهَا عَلَيْهَا (لَمْ يُعِدْ) الْعَقْدَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (وَيَلِي كِتَابِيٌّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتَهُ) كَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ (الْكِتَابِيَّةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (حَتَّى) فِي تَزْوِيجِهَا (مِنْ مُسْلِمٍ) لِأَنَّهُ وَلِيُّهَا فَصَحَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ كَافِرٍ وَيُبَاشِرُهُ أَيْ النِّكَاحَ، لِأَنَّهُ وَلِيُّهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ كَافِرٍ (وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي كَافِرٍ يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ الْكَافِرَةَ (شُرُوطُ) الْوَلِيِّ (الْمُسْلِمِ) مِنْ الذُّكُورِيَّةِ وَالتَّكْلِيفِ. وَغَيْرِهِمَا.
وَوَكِيلُ كُلِّ وَلِيٍّ مِمَّنْ تَقَدَّمَ (يَقُومُ مَقَامَهُ غَائِبًا وَحَاضِرًا) مُجْبِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَقِيَاسًا عَلَى تَوْكِيلِ الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَكَّلَ أَبَا رَافِعٍ فِي تَزْوِيجِهِ مَيْمُونَةَ وَوَكَّلَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فِي تَزْوِيجِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ} (وَلَهُ) أَيْ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْمُجْبَرِ (أَنْ يُوَكِّلَ قَبْلَ إذْنِهَا) أَيْ مُوَلِّيَتِهِ (وَ) لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ (بِدُونِهِ) أَيْ إذْنِ مُوَلِّيَتِهِ، لِأَنَّهُ إذْنٌ مِنْ الْوَلِيِّ فِي التَّزْوِيجِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْمَرْأَةِ وَلَا الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ كَإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ لَيْسَ وَكِيلًا لِلْمَرْأَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ عَزْلَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ. (وَيَثْبُتُ لِوَكِيلِ) وَلِيٍّ (مَا لَهُ) أَيْ الْوَلِيِّ (مِنْ إجْبَارٍ وَغَيْرِهِ) لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَكَذَا سُلْطَانٌ وَحَاكِمٌ يَأْذَنُ لِغَيْرِهِ فِي التَّزْوِيجِ (لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ غَيْرِ مُجْبَرَةٍ لِوَكِيلِ) وَلِيِّهَا لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ غَيْرِ مُجْبِرٍ فَيَثْبُتُ لَهُ مَا يَثْبُتُ لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ (فَلَا يَكْفِي إذْنُهَا لِوَلِيِّهَا بِتَزْوِيجٍ أَوْ تَوْكِيلٍ فِيهِ) أَيْ التَّزْوِيجِ (بِلَا مُرَاجَعَةِ وَكِيلٍ أَيْ اسْتِئْذَانٍ لَهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْمُجْبَرَةِ فِي التَّزْوِيجِ (وَإِذْنِهَا لَهُ) أَيْ الْوَكِيلِ (فِيهِ) أَيْ التَّزْوِيجِ (بَعْدَ تَوْكِيلِهِ) لِأَنَّ الَّذِي يُعْتَبَرُ إذْنُهَا فِيهِ لِلْوَكِيلِ هُوَ غَيْرُ مَا يُوَكَّلُ فِيهِ الْمُوَكَّلُ فَهُوَ كَالْمُوَكِّلِ فِي ذَلِكَ وَلَا أَثَرَ لِإِذْنِهَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ الْوَلِيُّ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ إذَنْ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَكَوَلِيٍّ (فَلَوْ وَكَّلَ وَلِيُّ) غَيْرِ مُجْبَرَةٍ فِي تَزْوِيجِهَا (ثُمَّ أَذِنَتْ لِوَكِيلِهِ) أَيْ وَكِيلِ وَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا فَزَوَّجَهَا (صَحَّ) النِّكَاحُ (وَلَوْ لَمْ تَأْذَنْ لِلْوَلِيِّ) فِي التَّوْكِيلِ أَوْ التَّزْوِيجِ لِقِيَامِ وَكِيلِهِ مَقَامَهُ. (وَيُشْتَرَطُ فِي وَكِيلِ وَلِيٍّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ الْوَلِيِّ مِنْ ذُكُورَةٍ وَبُلُوغٍ وَعَقْلٍ وَعَدَالَةٍ وَرُشْدٍ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُبَاشِرَهَا غَيْرُ أَهْلِهَا، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ تَزْوِيجَ مَوْلَاتِهِ أَصَالَةً فَلِئَلَّا يَمْلِكَ تَزْوِيجَ مُوَلِّيَةِ غَيْرِهِ بِالتَّوْكِيلِ أَوْلَى. (وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ فَاسِقٍ وَنَحْوِهِ) كَيَهُودِيٍّ وَكَّلَهُ مُسْلِمٌ (فِي قَبُولِ) نِكَاحِ يَهُودِيَّةٍ لَهُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُهُ لِنَفْسِهِ النِّكَاحَ فَصَحَّ لِغَيْرِهِ (وَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ) أَيْ الْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ (مُطْلَقًا) كَقَوْلِهِ (زَوِّجْ مَنْ شِئْت) نَصًّا. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ تَرَكَ ابْنَتَهُ عِنْدَ عُمَرَ وَقَالَ إذَا وَجَدْت كُفْؤًا فَزَوِّجْهُ وَلَوْ بِشِرَاكِ نَعْلِهِ فَزَوَّجَهَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَهِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكَرْ، وَلِأَنَّهُ إذْنٌ فِي النِّكَاح فَجَازَ مُطْلَقًا كَإِذْنِ الْمَرْأَةِ لِوَلِيِّهَا. (وَلَا يَمْلِكُ وَكِيلٌ بِهِ) أَيْ بِالتَّوْكِيلِ الْمُطْلَقِ (أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ) كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ، لِأَنَّ إطْلَاقَ الْإِذْنِ يَقْتَضِي تَزْوِيجَهَا غَيْرَهُ وَلَهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَنَحْوِهِمَا (وَ) يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ (مُقَيَّدًا كَزَوِّجْ زَيْدًا) أَوْ زَوِّجْ هَذَا فَلَا يُزَوِّجُ مِنْ غَيْرِهِ (وَإِنْ قَالَ) وَلِيٌّ لِوَكِيلِهِ (زَوِّجْ) مِنْ وَكِيلِ خَاطِبِ بِنْتِي زَيْدٍ أَوْ مِنْ أَحَدِ وَكِيلَيْهِ (أَوْ) قَالَ خَاطِبٌ لِوَكِيلِهِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ (اقْبَلْ) النِّكَاحَ (مِنْ وَكِيلِهِ) أَيْ وَكِيلِ وَلِيِّ الْمَخْطُوبَةِ (زَيْدٍ أَوْ) قَالَ خَاطِبٌ لِوَكِيلِهِ: اقْبَلْ مِنْ (أَحَدِ وَكِيلَيْهِ) وَأَبْهَمَ وَلَهُ وَكِيلَانِ زَيْدٌ وَعَمْرٌو (فَزَوَاجُ) وَكِيلِ وَلِيٍّ مِنْ وَكِيلِ زَوْجٍ عَمْرٌو فِي الْأُولَيَيْنِ لَمْ يَصِحَّ (أَوْ قَبِلَ) وَكِيلُ زَوْجٍ النِّكَاحَ (مِنْ وَكِيلِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ (عَمْرٌو) فِي الْأَخِيرَتَيْنِ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ لِلْمُخَالَفَةِ فِيمَا إذَا قَالَ: مِنْ وَكِيلِهِ زَيْدٍ وَلِلْإِبْهَامِ فِيمَا إذَا قَالَ: مِنْ أَحَدِ وَكِيلَيْهِ. (وَيُشْتَرَطُ) لِنِكَاحٍ فِيهِ تَوْكِيلٌ فِي قَبُولٍ (قَوْلُ وَلِيٍّ) لِوَكِيلٍ زَوِّجْ (أَوْ) قَوْلُ (وَكِيلِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ (لِوَكِيلِ زَوْجٍ زَوَّجْتُ فُلَانَةَ) بِنْتَ فُلَانٍ (فُلَانًا) وَيَصِفُهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ (أَوْ) زَوَّجْتُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ (لِفُلَانِ) ابْنِ فُلَانٍ (أَوْ) يَقُولُ وَلِيٌّ أَوْ وَكِيلُهُ (زَوَّجْتُ مُوَكِّلَكَ فُلَانًا فُلَانَةَ) بِنْتَ فُلَانٍ وَلَا يَقُولُ زَوَّجْتُكَهَا وَنَحْوَهُ. (وَ) يُشْتَرَطُ (قَوْلُ وَكِيلِ زَوْجٍ قَبِلْتُهُ) أَيْ النِّكَاحَ (لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ أَوْ) قَبِلْتُهُ (لِفُلَانِ) بْنِ فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ (وَوَصِيُّ وَلِيٍّ أَبٌ أَوْ غَيْرُهُ) كَأَخٍ وَعَمٍّ لِغَيْرِ أُمٍّ (فِي) إيجَابِ (نِكَاحٍ) وَقَبُولِهِ (بِمَنْزِلَتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (إذَا نَصَّ) الْمُوصِي (لَهُ) أَيْ الْمُوصَى (عَلَيْهِ) أَيْ النِّكَاحِ فَتُسْتَفَادُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ ثَابِتَةٌ لِلْمُوصِي فَجَازَتْ وَصِيَّتُهُ بِهَا كَوِلَايَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا فِي حَيَاتِهِ وَيَقُومَ نَائِبُهُ مَقَامَهُ فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى النِّكَاحِ بَلْ وَصَّاهُ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِمْ لَمْ يَمْلِكْ بِذَلِكَ تَزْوِيجَ أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَإِنْ قَالَ: وَصَّيْتُ إلَيْكَ أَنْ تُزَوِّجَهُنَّ مَنْ شِئْتَ، مَلَكَ التَّزْوِيجَ (فَيُجْبِرُ) وَصِيٌّ (مَنْ يُجْبِرُهُ) مُوصٍ لَوْ كَانَ حَيًّا (مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ سَوَاءٌ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ التَّزْوِيجَ إذَا عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجُ مَلَكَهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ (وَلَا خِيَارَ) لِمَنْ زَوَّجَهُ وَصِيٌّ صَغِيرًا مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى (بِبُلُوغٍ) لِقِيَامِ الْوَصِيِّ مَقَامَ الْمُوصِي فَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَزْوِيجِهِ خِيَارٌ كَالْوَكِيلِ.
|