الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
(صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ بِالْفِطْرِ مِنْ) آخِرِ (رَمَضَانَ) طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ الرَّفَثِ وَاللَّغْوِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَوْله تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} هُوَ زَكَاةُ الْفِطْرِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَقِيلَ لَهَا فِطْرَةٌ، لِأَنَّ الْفِطْرَةَ الْخِلْقَةُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} وَهَذِهِ يُرَادُ بِهَا الصَّدَقَةُ عَنْ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ (وَتُسَمَّى) زَكَاةَ الْفِطْرِ (فَرْضًا) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ {فَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ} وَلِأَنَّ الْفَرْضَ إمَّا بِمَعْنَى الْوَاجِبِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ، أَوْ الْمُتَأَكِّدِ وَهِيَ مُتَأَكِّدَةٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَرْضٌ. قَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ كَالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. (وَمَصْرِفُهَا) أَيْ: زَكَاةِ الْفِطْرِ (ك) مَصْرِفِ (زَكَاةِ) مَالٍ لِعُمُومِ {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الْآيَةَ وَكَزَكَاةِ الْمَالِ (وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا) أَيْ زَكَاةِ الْفِطْرِ (دَيْنٌ) لِتَأَكُّدِ هَا بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى الْفَقِيرِ وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَتَحَمُّلِهَا عَمَّنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْبَدَنِ، وَالدَّيْنُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ (إلَّا مَعَ طَلَبٍ) بِالدَّيْنِ فَتَسْقُطُ لِوُجُوبِ أَدَائِهِ بِالطَّلَبِ، وَتَأَكُّدِهِ بِكَوْنِهِ حَقَّ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، وَبِكَوْنِهِ أَسْبَقَ سَبَبًا. (وَتَجِبُ) الْفِطْرَةُ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ} رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ الرَّفَثِ وَاللَّغْوِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ} فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وَلَوْ مُرْتَدًّا (تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ نَفْسِهِ) مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَذَكَرٍ وَأُنْثَى وَيُؤَدِّي عَنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلِيُّهُ لِحَدِيثِ {أَدُّوا الْفِطْرَةَ عَمَّنْ تَمُونُونَ} فَإِنَّهُ خَاطَبَ بِالْوُجُوبِ غَيْرَهُ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لَخُوطِبَ بِهَا (وَلَوْ) كَانَ (مُكَاتَبًا) فَتَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ كَمُؤْنَتِهَا (فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ) أَيْ: مُسْلِمٍ يَمُونُ نَفْسَهُ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لَهُ (وَ) عَنْ قُوتِ (مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ بَعْدَ حَاجَتِهِمَا) أَيْ: الْمُخْرِجِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ مَضِنَّتِهِ (لِمَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَدَابَّةٍ وَثِيَابِ بَذْلَةٍ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرُ لُغَةٌ، أَيْ: مِهْنَةٌ فِي الْخِدْمَةِ (وَنَحْوِهِ) كَفَرْشٍ وَغِطَاءٍ وَوِطَاءٍ وَمَاعُونٍ، قَالَ الْمُوَفَّقُ (وَكُتُبٍ يَحْتَاجُهَا لِنَظَرٍ وَحِفْظٍ) قَالَ: وَلِلْمَرْأَةِ حُلِيٌّ لِلُّبْسِ، أَوْ لِكِرَاءٍ تَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ (صَاعٌ) فَاعِلُ فَضَلَ مِنْ الَأَصْنَافِ الْآتِي ذِكْرُهَا (وَإِنْ فَضَلَ) عَنْ ذَلِكَ (دُونَهُ) أَيْ: الصَّاعِ (أَخْرَجَ) أَيْ: أَخْرَجَهُ مَالِكُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِحَدِيثِ {إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وَكَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ إذَا قَدَرَ عَلَى بَعْضِهَا (وَيُكْمِلُهُ) أَيْ: مَا بَقِيَ مِنْ الصَّاعِ (مَنْ تَلْزَمُهُ) فِطْرَةُ مَنْ فَضَلَ عَنْهُ بَعْضُ صَاعٍ (لَوْ عَدِمَ) وَلَمْ يَفْضُلْ عِنْدَهُ شَيْءٌ. (وَتَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُسْلِمَ إذَا فَضَلَ عِنْدَهُ عَمَّا تَقَدَّمَ وَعَنْ فِطْرَتِهِ (عَمَّنْ يَمُونُهُ مِنْ مُسْلِمٍ) كَزَوْجَةٍ وَعَبْدٍ، وَلَوْ لِتِجَارَةٍ، وَوَلَدٍ (حَتَّى زَوْجَةِ عَبْدِهِ الْحُرَّةِ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا زَوْجَةُ وَالِدٍ وَوَلَدٍ تَجِبُ نَفَقَتُهُمَا عَلَيْهِ (و) حَتَّى (مَالِكِ نَفْعِ قِنٍّ فَقَطْ) بِأَنْ وَصَّى لَهُ بِنَفْعِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ فَتَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ كَنَفَقَتِهِ. (وَ) حَتَّى (مَرِيضٍ لَا يَحْتَاجُ نَفَقَةً) لِعُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَعَبْدُ الْمُضَارَبَةِ فِطْرَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَنَفَقَتِهِ (وَ) حَتَّى (مُتَبَرِّعٌ بِمُؤْنَتِهِ رَمَضَانَ) نَصًّا. لِعُمُومِ حَدِيثِ {أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَمُونُونَ} وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُك " وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ، وَصَحَّحَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَحَمَلَ كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَإِنْ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَتِهِ بَعْدَ الشَّهْرِ أَوْ جَمَاعَةً، فَلَا (وَ) حَتَّى (آبِقٌ وَنَحْوُهُ) كَغَائِبٍ وَمَرْهُونٍ وَمَغْصُوبٍ وَمَحْبُوسٍ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمْ وَكَنَفَقَتِهِمْ. و(لَا) تَجِبُ فِطْرَةُ غَائِبٍ (إنْ شُكَّ فِي حَيَاتِهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَقَاءَ مِلْكِهِ، وَمَتَى عَلِمَ حَيَاتَهُ بَعْدُ أَخْرَجَ لِمَا مَضَى؛ لِتَبَيُّنِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، كَمَا لَوْ سَمِعَ بِهَلَاكِ مَالِهِ الْغَائِبِ ثُمَّ بَانَ سَلِيمًا. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَنْ يَمُونُ جَمَاعَةً مَا يَكْفِي (لِجَمِيعِهِمْ بَدَأَ بِنَفْسِهِ) لِحَدِيثِ {ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ} وَكَالنَّفَقَةِ، لِأَنَّ الْفِطْرَةَ تُبْنَى عَلَيْهَا (فَزَوْجَتُهُ) إنْ فَضَلَ عَنْ فِطْرَةِ نَفْسِهِ شَيْءٌ، لِتَقَدُّمِ نَفَقَتِهَا عَلَى سَائِرِ النَّفَقَاتِ وَلِوُجُوبِهَا مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ (فَرَقِيقُهُ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ مَعَ الْإِعْسَارِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهَا صِلَةٌ (فَأُمُّهُ) لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ فِي الْبِرِّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ: {مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: أُمَّك قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمَّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبَاكَ} وَلِضَعْفِهَا عَنْ التَّكَسُّبِ (فَأَبِيهِ) لِحَدِيثِ {أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ} (فَوَلَدُهُ) لِقُرْبِهِ (فَأَقْرَبُ فِي مِيرَاثٍ) لِأَوَّلِيَّتِهِ فَقُدِّمَ كَالْمِيرَاثِ (وَيُقْرَعُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ) كَأَوْلَادِ وَإِخْوَةٍ وَأَعْمَامٍ. وَلَمْ يَفْضُلْ مَا يَكْفِيهِمْ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. (وَتُسَنُّ) الْفِطْرَةُ (عَنْ جَنِينٍ) لِفِعْلِ عُثْمَانَ وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ " كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى عَنْ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ " رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي وَلَا تَجِبُ عَنْهُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ. (وَلَا تَجِبُ) فِطْرَةُ (مَنْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) كَلَقِيطٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْفَاقٍ، بَلْ إيصَالُ مَالٍ فِي حَقِّهِ (أَوْ) قِنٍّ (لَا مَالِكَ لَهُ مُعَيَّنٌ كَعَبْدِ الْغَنِيمَةِ) وَالْفَيْءِ قَبْلَ قِسْمَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا) فِطْرَةَ أَجِيرٍ وَظِئْرٍ (عَلَى مُسْتَأْجِرِ أَجِيرٍ، أَوْ) مُسْتَأْجِرِ (ظِئْرٍ بِطَعَامِهِمَا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا أُجْرَةٌ تَعْتَمِدُ الشَّرْطَ فِي الْعَقْدِ، فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا. كَمَا لَوْ كَانَتْ بِدَرَاهِمَ وَلِهَذَا تَخْتَصُّ بِزَمَنٍ مُقَدَّرٍ، كَسَائِرِ الْأُجَرِ. (وَلَا) فِطْرَةَ (عَنْ زَوْجَةٍ نَاشِزٍ) وَلَوْ حَامِلًا؛ لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا. فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَنَفَقَةٌ لِحَامِلٍ لِلْحَمْلِ، وَلَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ (أَوْ) زَوْجَةٌ (لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا لِصِغَرِ) هَا عَنْ تِسْعِ سِنِينَ (وَنَحْوِهِ) كَحَبْسِهَا وَغَيْبَتِهَا لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا وَلَوْ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ. (أَوْ) زَوْجَةٍ (أَمَةٍ تَسَلَّمَهَا) زَوْجُهَا (لَيْلًا فَقَطْ) دُونَ نَهَارٍ، لِأَنَّهَا زَمَنُ وُجُوبٍ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهَا (وَهِيَ) أَيْ: فِطْرَةُ أَمَةٍ تَسَلَّمَهَا زَوْجُهَا لَيْلًا فَقَطْ (عَلَى سَيِّدِهَا كَمَا لَوْ عَجَزَ زَوْجُ) أَمَةٍ (تَجِبُ عَلَيْهِ) فِطْرَتُهَا بِأَنْ تَسَلَّمَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا (عَنْهَا) أَيْ: فِطْرَتِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَنْ كَالْمَعْدُومِ، وَكَذَا لَوْ عَجَزَ زَوْجُ حُرَّةٍ عَنْهَا. وَفِي الْإِقْنَاعِ: وَلَا رُجُوعَ إنْ أَيْسَرَ بَعْدُ. (وَفِطْرَةُ مُبَعَّضٍ) تَسْقُطُ (وَ) فِطْرَةُ (قِنٍّ مُشْتَرَكٍ) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ تَسْقُطُ. (وَ) فِطْرَةُ (مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ وَارِثٍ) كَجَدٍّ وَأَخٍ لِغَيْرِ أُمٍّ وَكَجَدَّةٍ وَبِنْتٍ تُقَسَّطُ (أَوْ مُلْحَقٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ) بِأَنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِأَبَوَيْنِ فَأَكْثَرَ (تُقَسَّطُ) فِطْرَتُهُ بِحَسَبِ نَفَقَتِهِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا، وَلِأَنَّهَا طُهْرَةٌ، فَكَانَتْ عَلَى سَادَاتِهِ أَوْ وُرَّاثِهِ بِالْحِصَصِ، كَمَاءِ غُسْلِ جَنَابَةٍ، وَلَا تَدْخُلُ فِطْرَةٌ فِي مُهَايَأَةٍ، لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّلَاةِ (وَمَنْ عَجَزَ مِنْهُمْ) أَيْ: الْمُلَّاكِ أَوْ الْوُرَّاثِ (لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ) الَّذِي لَمْ يَعْجِزْ مِنْهُمْ (سِوَى قِسْطِهِ) مِنْ فِطْرَةٍ (كَشَرِيكِ ذِمِّيٍّ) فِي مَالٍ زَكَوِيٍّ (وَلِمَنْ لَزِمَتْ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ) كَزَوْجَةٍ وَوَلَدٍ مُعْسِرٍ (طَلَبُهُ بِإِخْرَاجِهَا) أَيْ: الْفِطْرَةِ عَنْهُ كَالنَّفَقَةِ. لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا. (وَ) لَهُ (أَنْ يُخْرِجَهَا) أَيْ الْفِطْرَةَ (عَنْ نَفْسِهِ) إنْ كَانَ حُرًّا مُكَلَّفًا (وَتُجْزِئُ) عَنْهُ وَلَوْ أَخْرَجَهَا (بِلَا إذْنِ مَنْ تَلْزَمُهُ) الْفِطْرَةُ (لِأَنَّهُ) أَيْ: مَنْ تَلْزَمُهُ (مُتَحَمِّلٌ) لِفِطْرَةِ الْمُخْرِجِ لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ، وَإِلَّا فَلَا. (وَلَا تَجِبُ) فِطْرَةٌ (إلَّا بِدُخُولِ لَيْلَةِ) عِيدِ (الْفِطْرِ) لِأَنَّهَا أُضِيفَتْ فِي الْأَخْبَارِ إلَى الْفِطْرِ، وَالْإِضَافَةُ تَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ وَالسَّبَبِيَّةَ، وَأَوَّلُ زَمَنٍ يَقَعُ فِيهِ الْفِطْرُ مِنْ جَمِيعِ رَمَضَانَ: مَا ذُكِرَ (فَمَتَى وُجِدَ قَبْلَ الْغُرُوبِ مَوْتٌ) لِمَنْ تَجِبُ فِطْرَتُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ قِنٍّ أَوْ قَرِيبٍ (وَنَحْوِهِ) أَيْ: الْمَوْتِ، كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ سَارٍ قَرِيبٍ، أَوْ انْتِقَالِ مِلْكٍ فَلَا فِطْرَةَ لِزَوَالِ السَّبَبِ قَبْلَ زَمَنِ الْوُجُوبِ (أَوْ أَسْلَمَ) نَحْوُ عَبْدٍ كَافِرٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ قَرِيبٍ بَعْدَ دُخُولِ لَيْلَةِ الْفِطْرِ (أَوْ مَلَكَ رَقِيقًا أَوْ) تَزَوَّجَ (زَوْجَةً) بَعْدَ دُخُولِ لَيْلَةِ الْفِطْرِ (أَوْ وُلِدَ لَهُ) مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ مِنْ نَحْوِ وَلَدٍ (بَعْدَهُ) أَيْ: دُخُولِ لَيْلَةِ الْفِطْرِ (فَلَا فِطْرَةَ) نَصًّا؛ لِعَدَمِ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَعَكْسُهُ تَجِبُ فَمَنْ مَاتَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَدَائِهَا أُخْرِجَتْ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ، وَيَتَحَاصَّانِ مَعَ ضِيقٍ، وَتَقَدَّمَ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَعَهُمَا زَكَاةُ مَالٍ، وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. (وَالْأَفْضَلُ إخْرَاجُهَا) أَيْ: الْفِطْرَةِ (يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ صَلَاتِهِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ} فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ} (أَوْ) مَضَى (قَدْرُهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ حَيْثُ لَا تُصَلَّى. (وَيَأْثَمُ مُؤَخِّرُهَا عَنْهُ) أَيْ يَوْمِ الْعِيدِ؛ لِجَوَازِهَا فِيهِ كُلِّهِ لِحَدِيثِ {أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ} وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِهِ. {وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَسِّمُهَا بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى الصَّلَاةِ لِلِاسْتِحْبَابِ (وَيَقْضِي) مَنْ أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ فَتَكُونُ قَضَاءً (وَتُكْرَهُ فِي بَاقِيهِ) أَيْ: يَوْمِ الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِهَا. و(لَا) تُكْرَهُ (فِي الْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ) أَيْ: الْعِيدِ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " كَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَهَذَا إشَارَةً إلَى جَمِيعِهِمْ فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ تَعْجِيلَهَا كَذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِهَا، إذْ الظَّاهِرُ بَقَاؤُهَا أَوْ بَعْضِهَا إلَى يَوْمِ الْعِيدِ. (وَلَا تُجْزِئُ) فِطْرَةٌ أَخْرَجَهَا (قَبْلَهُمَا) أَيْ: الْيَوْمَيْنِ يَلِيهِمَا الْعِيدُ لِحَدِيثِ {أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ} وَمَتَى قَدَّمَهَا بِكَثِيرٍ فَاتَ الْإِغْنَاءُ فِيهِ. (وَمَنْ) وَجَبَتْ (عَلَيْهِ فِطْرَةُ غَيْرِهِ) كَزَوْجِهِ وَعَبْدٍ وَقَرِيبٍ (أَخْرَجَهَا مَعَ فِطْرَتِهِ مَكَانَ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ أَيْ: الْفِطْرَ السَّبَبُ لِتَعَدُّدِ الْوَاجِبِ بِتَعَدُّدِهِ، وَاعْتُبِرَ لَهَا الْمَالُ بِشَرْطِ الْقُدْرَةِ، وَلِهَذَا لَا تُزَادُ بِزِيَادَتِهِ.
وَالْوَاجِبُ فِي فِطْرَةٍ (صَاعُ بُرٍّ) أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِصَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِ الْخِلْقَةِ، وَحِكْمَتُهُ: كِفَايَةُ فَقِيرٍ أَيَّامَ عِيدٍ (أَوْ مِثْلُ مَكِيلِهِ) أَيْ الْبُرِّ (مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ أَقِطٍ) شَيْءٌ يُعْمَلُ مِنْ لَبَنٍ مَخِيضٍ، أَوْ مِنْ لَبَنِ إبِلٍ فَقَطْ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ {كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (أَوْ) صَاعٍ (مَجْمُوعٍ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنْ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى إجْزَاءِ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَجُوزُ مُنْفَرِدًا، فَكَذَا مَعَ غَيْرِهِ لِتَقَارُبِ مَقْصُودِهَا، أَوْ اتِّحَادِهِ (وَيُحْتَاطُ فِي ثَقِيلٍ) كَتَمْرٍ إذَا أَخْرَجَهُ وَزْنًا (لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ) وَمَنْ أَخْرَجَ فَوْقَ صَاعٍ فَأَجْرُهُ أَكْثَرُ وَاسْتَبْعَدَ أَحْمَدُ مَا نُقِلَ لَهُ عَنْ مَالِكٍ: لَا يَزِيدُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ خَمْسًا. (وَيُجْزِئُ دَقِيقُ بُرٍّ و) دَقِيقُ (شَعِيرٍ وَسَوِيقِهِمَا، وَهُوَ مَا يُحَمَّصُ ثُمَّ يُطْحَنُ بِوَزْنِ حَبِّهِ) نَصًّا؛ لِتَفَرُّقِ الْأَجْزَاءِ بِالطَّحْنِ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ عَلَى إجْزَاءِ الدَّقِيقِ بِزِيَادَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ " أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ " قِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ " إنَّ أَحَدًا لَا يَذْكُرُهُ فِيهِ، قَالَ بَلْ هُوَ فِيهِ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ الْمَجْدُ: بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَفَى مُؤْنَتَهُ كَتَمْرٍ مَنْزُوعٍ نَوَاهُ (وَلَوْ) كَانَ الدَّقِيقُ (بِلَا نَخْلٍ) لِأَنَّهُ بِوَزْنِ حَبِّهِ (ك) مَا يُجْزِئُ حَبٌّ (بِلَا تَنْقِيَةٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِمَا شَيْءٌ إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يُحِبُّ أَنْ يُنَقِّيَ الطَّعَامَ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ لِيَكُونَ عَلَى الْكَمَالِ وَيَسْلَمَ مِمَّا يُخَالِطُهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَ (لَا) يُجْزِئُ (خُبْزٌ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْكَيْلِ وَالِادِّخَارِ، وَكَذَا بُكْصُمَاتٌ وَهَرِيسَةٌ. (وَ) لَا يُجْزِئُ (مَعِيبٌ) مِمَّا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (كَمُسَوِّسٍ) لِأَنَّ السُّوسَ أَكَلَ جَوْفَهُ (وَمَبْلُولٍ) لِأَنَّ الْبَلَلَ يَنْفُخُهُ (وَقَدِيمٍ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ) لِعَيْبِهِ بِتَغَيُّرِ طَعْمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَلَا رِيحُهُ أَجْزَأَ؛ لِعَدَمِ عَيْبِهِ، وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ (وَنَحْوُهُ) أَيْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَعِيبِ. (وَ) لَا يُجْزِئُ صِنْفٌ مِنْ الْخَمْسَةِ (مُخْتَلِطٌ بِكَثِيرٍ مِمَّا لَا يُجْزِئُ) كَقَمْحٍ اخْتَلَطَ بِكَثِيرِ زُوَانٍ أَوْ عَدَسٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ مُجْزِئٍ مِنْهُ (وَيُزَادُ) عَلَى صَاعٍ (إنْ قَلَّ) خَلِيطٌ لَا يُجْزِئُ (بِقَدْرِهِ) أَيْ: الْخَلِيطِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُصَفَّى صَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا لِقِلَّةِ مَشَقَّةِ تَنْقِيَتِهِ، وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ قِيمَةِ الصَّاعِ نَصًّا. (وَيُجْزِئُ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ) أَيْ: الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ (مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ حَبٍّ) يُقْتَاتُ. (وَ) مِنْ (تَمْرٍ مَكِيلٍ يُقْتَاتُ) كَدُخْنٍ وَذُرَةٍ وَعَدَسٍ وَأُرْزٍ وَتِينٍ يَابِسٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَكَانَ أَوْلَى (وَالْأَفْضَلُ) إخْرَاجُ (تَمْرٍ) مُطْلَقًا. نَصًّا لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ نَافِعٌ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ، إلَّا عَامًا وَاحِدًا أَعْوَزَ التَّمْرُ، فَأَعْطَى الشَّعِيرَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَقَالَ لَهُ أَبُو مِجْلَزٍ: " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْسَعَ وَالْبُرُّ أَفْضَلُ فَقَالَ: إنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ جَمَاعَةَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُخْرِجُونَ التَّمْرَ؛ وَلِأَنَّهُ قُوتٌ وَحَلَاوَةٌ، وَأَقْرَبُ تَنَاوُلًا، وَأَقَلُّ كُلْفَةً (فَزَبِيبٌ) لِأَنَّ فِيهِ قُوتًا وَحَلَاوَةً وَقِلَّةَ كُلْفَةٍ، فَهُوَ أَشْبَهُ بِالتَّمْرِ مِنْ الْبُرِّ (فَبُرٌّ) لِأَنَّ الْقِيَاسَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْكُلِّ، لَكِنْ تُرِكَ اقْتِدَاءً بِالصَّحَابَةِ فِي التَّمْرِ وَمَا شَارَكَهُ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ الزَّبِيبُ (فَأَنْفَعُ) فِي اقْتِيَاتٍ وَدَفْعِ حَاجَةِ فَقِيرٍ. وَإِنْ اسْتَوَتْ فِي نَفْعٍ فَشَعِيرٌ، (فَدَقِيقُهُمَا) أَيْ: دَقِيقُ بُرٍّ، فَدَقِيقُ شَعِيرٍ (فَسَوِيقُهُمَا) كَذَلِكَ (فَأَقِطٍ). وَالْأَفْضَلُ (أَنْ لَا يَنْقُصَ مُعْطًى) مِنْ فِطْرَةٍ (عَنْ مُدِّ بُرٍّ) أَيْ رُبْعِ صَاعٍ (أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الْبُرِّ كَتَمْرٍ وَشَعِيرٍ، لِيُغْنِيَهُ عَنْ السُّؤَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (وَيَجُوزُ إعْطَاءُ) نَحْوِ فَقِيرٍ (وَاحِدٍ مَا عَلَى جَمَاعَةٍ) مِنْ فِطْرَةٍ نَصًّا. (وَ) يَجُوزُ (عَكْسُهُ) أَيْ: إعْطَاءُ جَمَاعَةٍ مَا عَلَى وَاحِدٍ (وَلِإِمَامٍ وَنَائِبِهِ رَدُّ زَكَاةٍ، و) رَدُّ (فِطْرَةٍ إلَى مَنْ أَخَذَ) أَيْ: الزَّكَاةَ وَالْفِطْرَةَ (مِنْهُ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ (وَكَذَا فَقِيرٌ لَزِمَتَاهُ) أَيْ: الزَّكَاةُ وَالْفِطْرَةُ فَيَرُدُّهُمَا بَعْدَ أَخْذِهِمَا إلَى مَنْ أَخَذَهُمَا مِنْهُ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْإِمَامِ وَالْمُسْتَحِقِّ أَزَالَ مِلْكَ الْمُخْرَجِ، وَعَادَتْ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ، فَإِنْ تُرِكَتْ الزَّكَاةُ لِمُسِنٍّ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِلَا قَبْضٍ لَمْ يَبْرَأْ. قَالَ (الْمُنَقِّحُ: مَا لَمْ تَكُنْ حِيلَةٌ) أَيْ: عَلَى عَدَمِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ، فَيَمْتَنِعُ كَسَائِرِ الْحِيَلِ عَلَى مُحْرِمٍ، وَكَانَ عَطَاءٌ يُعْطِي عَنْ أَبَوَيْهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَتَّى مَاتَ، وَهُوَ تَبَرُّعٌ اسْتَحَبَّهُ أَحْمَدُ.
أَيْ: زَكَاةِ الْمَالِ بَعْدَ أَنْ تَسْتَقِرَّ (وَاجِبٌ فَوْرًا). (ك) إخْرَاجِ (نَذْرٍ مُطْلَقٍ وَكَفَّارَةٍ) لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ - وَمِنْهُ {وَآتُوا الزَّكَاةَ} - يَقْتَضِي الْفَوْرِيَّةَ بِدَلِيلِ {مَا مَنَعَكَ أَنْ لَا تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُكَ} فَوَبَّخَهُ إذْ لَمْ يَسْجُدْ حِينَ أُمِرَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: {كُنْت أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ ثُمَّ أَتَيْته فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْت أُصَلِّي فَقَالَ: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ}. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا أَمَرَ عَبْدَهُ بِشَيْءٍ فَأَهْمَلَهُ حَسُنَ لَوْمُهُ وَتَوْبِيخُهُ عُرْفًا، وَلَمْ يَكُنْ انْتِفَاءُ قَرِينَةِ الْفَوْرِ عُذْرًا (إنْ أَمْكَنَ) إخْرَاجُهَا كَمَا لَوْ طُولِبَ بِهَا؛ وَلِأَنَّ النُّفُوسَ طُبِعَتْ عَلَى الشُّحِّ، وَحَاجَةُ الْفَقِيرِ نَاجِزَةٌ، فَإِذَا أَخَّرَ الْإِخْرَاجَ اخْتَلَّ الْمَقْصُودُ، وَرُبَّمَا فَاتَ بِنَحْوِ طُرُوُّ إفْلَاسٍ أَوْ مَوْتٍ (وَلَمْ يَخَفْ) مُزَكٍّ (رُجُوعَ سَاعٍ) عَلَيْهِ بِهَا إنْ أَخْرَجَهَا بِلَا عِلْمِهِ (أَوْ) لَمْ يَخَفْ بِدَفْعِهَا فَوْرًا ضَرَرًا (عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ نَحْوِهِ) كَمَعِيشَةٍ لِحَدِيثِ: {لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ} وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ دَيْنِ الْآدَمِيِّ لِذَلِكَ فَالزَّكَاةُ أَوْلَى. (وَلَهُ تَأْخِيرُهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (لِشِدَّةِ حَاجَةٍ) أَيْ: لِيَدْفَعَهَا لِمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ مِمَّنْ هُوَ حَاضِرٌ نَصًّا، وَقَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ. (وَ) لَهُ تَأْخِيرُهَا لِيَدْفَعَهَا (الْقَرِيبُ وَجَارٍ) لِأَنَّهَا عَلَى الْقَرِيبِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ، وَالْجَارُ فِي مَعْنَاهُ. (وَ) لَهُ تَأْخِيرُهَا (لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمَالِكِ (إلَيْهَا إلَى مَيْسَرَتِهِ) نَصًّا. وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عُمَرَ {إنَّهُمْ احْتَاجُوا عَامًا فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ الصَّدَقَةَ فِيهِ، وَأَخَذَهَا مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى}. (وَ) لَهُ تَأْخِيرُهَا (لِتَعَذُّرِ إخْرَاجِهَا مِنْ الْمَالِ لِغَيْبَةِ) الْمَالِ (وَغَيْرِهَا) كَغَصْبِهِ وَسَرِقَتِهِ وَكَوْنِهِ دَيْنًا (إلَى قُدْرَتِهِ) عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، فَلَا يُكَلِّفُهَا مِنْ غَيْرِهِ (وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ غَيْرِهِ) لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ عَيْنِ الْمَخْرَجِ مِنْهُ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِهِ رُخْصَةٌ. فَلَا تَنْقَلِبُ تَضْيِيقًا. (وَلِإِمَامٍ وَسَاعٍ تَأْخِيرُهَا عِنْدَ رَبِّهَا لِمَصْلَحَةٍ، كَقَحْطٍ وَنَحْوِهِ) نَصًّا، لِفِعْلِ عُمَرَ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَبَّاسِ {فَهِيَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَكَذَا أَوَّلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ (عَالِمًا) وُجُوبَهَا (أَوْ جَاهِلًا) بِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ كَوْنِهِ نَشَأَ (بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ) عَنْ الْقُرَى (وَعَرَفَ) جَاهِلٌ (فَعَلِمَ وَأَصَرَّ) عَلَى جُحُودِهِ عِنَادًا (فَقَدْ ارْتَدَّ) لِتَكْذِيبِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَيُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. (وَلَوْ أَخْرَجَهَا) جَاحِدًا لِظُهُورِ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ، فَلَا عُذْرَ لَهُ (وَتُؤْخَذُ) مِنْهُ إنْ كَانَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِاسْتِحْقَاقِ أَهْلِ الزَّكَاةِ لَهَا. (وَمَنْ مَنَعَهَا) أَيْ: الزَّكَاةَ (بُخْلًا بِهَا أَوْ تَهَاوُنًا) بِلَا جَحْدٍ (أُخِذَتْ مِنْهُ) قَهْرًا كَدَيْنِ آدَمِيٍّ وَخَرَاجٍ (وَعَزَّرَ مَنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ) أَيْ: الْمَنْعِ بُخْلًا أَوْ تَهَاوُنًا (إمَامٌ) فَاعِلُ عَزَّرَ (عَادِلٌ) لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فَاسِقًا لَا يَصْرِفُهَا فِي مَصَارِفِهَا فَهُوَ عُذْرٌ لَهُ فِي عَدَمِ دَفْعِهَا إلَيْهِ، فَلَا يُعَزِّرُهُ (أَوْ) عَزَّرَهُ (عَامِلٌ) عَدْلٌ يَمْنَعُهُ الزَّكَاةَ. (فَإِنْ غَيَّبَ) مَالَهُ (أَوْ كَتَمَ مَالَهٌ قَاتَلَهُ دُونَهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ أَيْ: قَاتَلَ جَابِيهَا (وَأَمْكَنَ أَخْذُهَا) مِنْهُ (بِقِتَالِهِ) أَيْ: قِتَالِ الْإِمَامِ إيَّاهُ (وَجَبَ قِتَالُهُ عَلَى إمَامٍ وَضَعَهَا) أَيْ الزَّكَاةَ (مَوَاضِعَهَا) لِاتِّفَاقِ الصِّدِّيقِ مَعَ الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَقَالَ: " وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا - وَفِي لَفْظٍ عِقَالًا - كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأُخِذَتْ) الزَّكَاةُ (فَقَطْ) أَيْ: بِلَا زِيَادَةٍ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ الصِّدِّيقِ وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلَا يُعْطِهِ، وَكَانَ مَنْعُ الزَّكَاةِ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ تَوَفُّرِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ أَخْذُ زِيَادَةٍ وَلَا قَوْلٌ بِهِ، وَحَدِيثِ {فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إبِلِهِ، أَوْ مَالِهِ} كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَتْ الْعُقُوبَاتُ بِالْمَالِ ثُمَّ نُسِخَ. (وَلَا يُكَفَّرُ) مَانِعُ زَكَاةٍ غَيْرُ جَاحِدٍ إذَا قَاتَلَ عَلَيْهَا (بِقِتَالِهِ لِلْإِمَامِ) لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ " كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ إلَّا الصَّلَاةَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمَا وَرَدَ مِنْ التَّكْفِيرِ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى جَاحِدِ الْوُجُوبِ أَوْ التَّغْلِيظِ (وَإِلَّا) يُمْكِنُ أَخْذُهَا بِقِتَالِهِ، وَهُوَ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ (اُسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَنَّهَا مِنْ مَبَانِي الْإِسْلَامِ، فَيُسْتَتَابُ تَارِكُهَا كَالصَّلَاةِ. (فَإِنْ) تَابَ (وَأَخْرَجَ) الزَّكَاةَ كُفَّ عَنْهُ (وَإِلَّا قُتِلَ) لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِهَا (حَدًّا) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بِذَلِكَ (وَأُخِذَتْ) الزَّكَاةُ (مِنْ تَرِكَتِهِ) لَوْ مَاتَ، وَالْقَتْلُ لَا يُسْقِطُ دَيْنًا لِآدَمِيٍّ، فَكَذَا الزَّكَاةُ. (وَمَنْ ادَّعَى أَدَاءَهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ وَقَدْ طُولِبَ بِهَا صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ) ادَّعَى (بَقَاءَ الْحَوْلِ أَوْ) ادَّعَى (نَقْصَ النِّصَابِ، أَوْ) ادَّعَى (زَوَالَ مِلْكِهِ) عَنْ النِّصَابِ فِي الْحَوْلِ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ) ادَّعَى (تَجَدُّدَهُ) أَيْ: مِلْكِ النِّصَابِ (قَرِيبًا، أَوْ) ادَّعَى (أَنَّ مَا بِيَدِهِ) مِنْ مَالٍ زَكَوِيٍّ (لِغَيْرِهِ) صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ) ادَّعَى (أَنَّهُ) أَيْ: مَالَ السَّائِمَةِ (مُفْرَدٌ أَوْ مُخْتَلِطٌ وَنَحْوُهُ) مِمَّا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا أَوْ يَنْقُصُهَا، كَدَعْوَى عَلْفِ مَاشِيَةٍ نِصْفَ الْحَوْلِ، فَأَكْثَرَ، أَوْ نِيَّةِ قِنْيَةٍ بِعَرْضِ تِجَارَةٍ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. (أَوْ أَقَرَّ بِقَدْرِ زَكَاتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مَالِهِ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا فَلَا يُسْتَخْلَفُ عَلَيْهَا كَالصَّلَاةِ وَالْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ وَصِيَّةٍ لِفُقَرَاءَ بِمَالٍ، وَكَذَا إنْ مَرَّ بِعَاشِرٍ وَادَّعَى أَنَّهُ عَشَّرَهُ عَاشِرٌ آخَرُ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَدِّقُ كَتَبَ لَهُ بَرَاءَةً، فَإِذَا جَاءَ آخَرُ أَخْرَجَ إلَيْهِ بَرَاءَتَهُ، أَيْ: لِتَنْتَفِيَ التُّهْمَةُ عَنْهُ. (وَيَلْزَمُ) بِإِخْرَاجٍ (عَنْ) مَالٍ (صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَلِيِّهِمَا) فِيهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، فَقَامَ الْوَلِيُّ فِيهِ مَقَامَ مُوَلًّى عَلَيْهِ، كَنَفَقَةٍ وَغَرَامَةٍ. (وَسُنَّ) لِمُخْرِجِ زَكَاةٍ (إظْهَارُهَا) لِتَنْتَفِيَ التُّهْمَةُ عَنْهُ وَيُقْتَدَى بِهِ. (وَ) سُنَّ (تَفْرِقَةُ رَبِّهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (بِنَفْسِهِ) لِيَتَيَقَّنَ وُصُولَهَا إلَى مُسْتَحَقِّهَا وَكَالدَّيْنِ، وَسَوَاءٌ الْمَالُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ (بِشَرْطِ أَمَانَتِهِ) أَيْ: رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِنَفْسِهِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ دَفْعُهَا إلَى السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا مَنَعَهُ الشُّحُّ مِنْ إخْرَاجِهَا أَوْ بَعْضِهَا. (وَ) سُنَّ (قَوْلُهُ) أَيْ: رَبُّ الْمَالِ (عِنْدَ دَفْعِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا) أَيْ مُثْمِرَةً (وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا) أَيْ: مُنَقِّصَةً؛ لِأَنَّ التَّمَيُّزَ كَالْقِيمَةِ وَالتَّنْقِيصَ كَالْغَرَامَةِ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {وَإِذَا أَعْطَيْتُمْ الزَّكَاةَ فَلَا تَنْسَوْا ثَوَابَهَا أَنْ تَقُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ الْبُحْتُرِيُّ بْنُ عُبَيْدٍ ضَعِيفٌ - قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِهِ لِأَدَائِهَا. (وَ) سُنَّ (قَوْلُ آخِذِ) زَكَاةٍ (آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت، وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت، وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أَيْ: اُدْعُ لَهُمْ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّي عَلَى أَلْ أَبِي أَوْفَى} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمْ يَأْمُرْ بِهِ سَعَتَهُ". (وَلَهُ) أَيْ: لِرَبِّ الْمَالِ (دَفْعُهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (إلَى السَّاعِي) قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ دَفْعَهَا لِلْإِمَامِ جَائِزٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، أَوْ الْبَاطِنَةِ، وَيَبْرَأُ بِدَفْعِهَا، سَوَاءٌ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْإِمَامِ أَوْ لَا، صَرَفَهَا فِي مَصَارِفِهَا أَوْ لَمْ يَصْرِفْهَا انْتَهَى. وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: " إنَّهُمْ يُقَلِّدُونَ بِهَا الْكِلَابَ وَيَشْرَبُونَ بِهَا الْخُمُورَ فَقَالَ: ادْفَعْهَا إلَيْهِمْ " حَكَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْإِقْنَاعِ: يَحْرُمُ دَفْعُهَا إلَيْهِ إنْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَيَجِبُ كَتْمُهَا عَنْهُ إذَنْ وَتُجْزِئُ لِخَوَارِجَ نَصًّا. وَلِبُغَاةٍ إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ.
وَيُشْتَرَطُ لِإِخْرَاجِهَا أَيْ: الزَّكَاةِ (نِيَّةٌ) لِحَدِيثِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُهَا فَافْتَقَرَتْ إلَى تَعَيُّنِ النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَلِأَنَّ مَصْرِفَ الْمَالِ إلَى الْفَقِيرِ لَهُ جِهَاتٌ مِنْ زَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَصَدَقَةٍ وَتَطَوُّعٍ، فَاعْتُبِرَتْ نِيَّةُ التَّمَيُّزِ، وَيَأْتِي صِفَةُ النِّيَّةِ (وَيُشْتَرَطُ) أَنْ يَكُونَ إخْرَاجُهَا (مِنْ مُكَلَّفٍ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ أَشْبَهَ سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ (إلَّا أَنْ تُؤْخَذَ) مِنْهُ الزَّكَاةُ (قَهْرًا) فَتُجْزِئُ ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ رَبِّ الْمَالِ، فَلَا يُؤْمَرُ بِهَا ثَانِيًا (أَوْ يَغِيبُ مَالُهُ) فَتُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ حَيْثُ وُجِدَ، وَتُجْزِئُ بِلَا نِيَّةٍ كَمَأْخُوذَةٍ قَهْرًا (أَوْ يَتَعَذَّرُ وُصُولٌ إلَى مَالِكٍ) لِتُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ (بِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ) كَأَسْرٍ (فَيَأْخُذُهَا السَّاعِي) مِنْ مَالِهِ (وَتُجْزِئُ) ظَاهِرًا و(بَاطِنًا فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ فَقَطْ) بِخِلَافِ الْأَوْلَيَيْنِ قَبْلَهَا فَتُجْزِئُ ظَاهِرًا فَقَطْ، (وَالْأَوْلَى: قَرْنُهَا) أَيْ: النِّيَّةِ (بِدَفْعٍ) كَصَلَاةٍ (وَلَهُ تَقْدِيمُهَا) أَيْ: النِّيَّةِ عَلَى الْإِخْرَاجِ (ب) زَمَنٍ (يَسِيرٍ كَصَلَاةٍ) وَلَوْ عَزَلَ الزَّكَاةَ لَمْ تَكْفِ النِّيَّةُ إذَنْ مَعَ طُولِ زَمَنٍ (فَيَنْوِي) بِمَخْرَجِ (الزَّكَاةِ، أَوْ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ، أَوْ صَدَقَةِ الْمَالِ، أَوْ) صَدَقَةِ (الْفِطْرِ، وَلَا يُجْزِئُ إنْ نَوَى صَدَقَةَ مُطْلَقٍ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ) كَنِيَّةِ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ. وَمَحَلُّ النِّيَّةِ: الْقَلْبُ. وَتَقَدَّمَ (وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ فَرْضٍ) اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا (وَلَا) يَجِبُ (تَعْيِينُ) مَالٍ (مُزَكًّى عَنْهُ) وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالُ، كَشَاةٍ عَنْ خَمْسٍ مِنْ إبِلٍ، وَأُخْرَى عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ غَنَمٍ، وَدِينَارٍ عَنْ أَرْبَعِينَ تَالِفَةً، وَأُخْرَى عَنْ أَرْبَعِينَ قَائِمَةً وَصَاعٍ عَنْ فِطْرَةٍ، وَآخَرَ عَنْ زَرْعٍ أَوْ تَمْرٍ. (فَلَوْ نَوَى) زَكَاةً (عَنْ مَالِهِ الْغَائِبِ وَإِنْ كَانَ) الْغَائِبُ (تَالِفًا فَعَنْ الْحَاضِرِ. أَجْزَأَ عَنْهُ) أَيْ: الْحَاضِرِ (إنْ كَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِاعْتِبَارِ التَّعْيِينِ فِيهَا. (فَإِنْ أَدَّى قَدْرَ زَكَاةِ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ (جَعَلَهَا) أَيْ: الزَّكَاةَ (لِأَيِّهِمَا شَاءَ، كَتَعَيُّنِهِ ابْتِدَاءً) حِينَ إخْرَاجٍ (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) وَاحِدًا مِنْهُمَا (أَجْزَأَ) مُخْرَجٌ (عَنْ أَحَدِهِمَا) فَيُخْرِجُ عَنْ الْآخَرِ. (وَلَوْ نَوَى) الزَّكَاةَ (عَنْ) الْمَالِ (الْغَائِبِ فَبَانَ) الْغَائِبُ (تَالِفًا لَمْ يُصْرَفْ) أَيْ: الْمُخْرَجُ (إلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ، كَعِتْقٍ فِي كَفَّارَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَمْ تَكُنْ. (وَإِنْ نَوَى) الزَّكَاةَ (عَنْ الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا أَجْزَأَ عَنْهُ إنْ كَانَ سَالِمًا أَوْ نَوَى) عَنْ الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا (وَإِلَّا) يَكُنْ سَالِمًا (فَ) هِيَ (نَفْلٌ) فَبَانَ الْغَائِبُ سَالِمًا (أَجْزَأَ) عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْإِطْلَاقِ، فَلَا يَضُرُّ تَقَيُّدُهُ بِهِ بِخِلَافِ: إنْ كَانَ مُورِثِي مَاتَ فَهَذِهِ زَكَاةُ إرْثِي مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ عَلَى أَصْلٍ. (وَإِنْ نَوَى) الزَّكَاةَ (عَنْ) مَالِهِ (الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا، وَإِلَّا) يَكُنْ سَالِمًا (فَأَرْجَعَ) فِي الْمَدْفُوعِ (فَلَهُ الرُّجُوعُ) فِيهِ (إنْ بَانَ تَالِفًا) وَإِنْ بَانَ سَالِمًا أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ، وَمَنْ شَكَّ فِي بَقَاءِ غَائِبٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجٌ عَنْهُ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ بَقَاءَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ مَتَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى. (وَإِنْ وَكَّلَ) رَبُّ مَالٍ (فِيهِ) أَيْ: إخْرَاجِ الزَّكَاةِ (مُسْلِمًا ثِقَةً) نَصًّا مُكَلَّفًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ صَحَّ، و(أَجْزَأَتْ نِيَّةُ مُوَكِّلٍ) فَقَطْ (مَعَ قُرْبِ) زَمَنِ (إخْرَاجٍ) مِنْ زَمَنِ تَوْكِيلٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُوَكِّلِ، وَتَأَخُّرُ الْأَدَاءِ عَنْ النِّيَّةِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ جَائِزٌ (وَإِلَّا) يَقْرُبْ مِنْ إخْرَاجٍ مِنْ زَمَنِ تَوْكِيلٍ (نَوَى وَكِيلٌ أَيْضًا) أَيْ: كَمَا يَنْوِي الْمُوَكِّلُ؛ لِئَلَّا يَخْلُوَ الدَّفْعُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ عَنْ نِيَّةٍ مُقَارَنَةٍ، أَوْ مُقَارِبَةٍ فَيَنْوِيَ مُوَكِّلٌ عِنْدَ التَّوْكِيلِ وَوَكِيلٌ عِنْدَ الدَّفْعِ لِنَحْوِ الْفُقَرَاءِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، وَلَوْ نَوَى وَكِيلٌ فَقَطْ. لَمْ تُجْزِئْ؛ لِتَعَلُّقِ الْفَرْضِ بِالْمُوَكِّلِ وَوَقَعَ الْإِجْزَاءُ عَنْهُ، وَفِي تَوْكِيلِ مُمَيِّزٍ فِي إخْرَاجِهَا خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ. وَجَزَمَ فِي الْإِقْنَاعِ بِالصِّحَّةِ، وَلَوْ دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْإِمَامِ وَالسَّاعِي نَاوِيًا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إمَامٌ أَوْ سَاعٍ حَالَ دَفْعٍ إلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ. (مَنْ عَلِمَ) قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُرَادُ ظَنُّ (أَهْلِيَّةِ آخِذِ) زَكَاةٍ (كُرِهَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ نَصًّا. ) قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يُبَكِّتْهُ؟ يُعْطِيهِ، وَيَسْكُتُ، مَا حَاجَتُهُ إلَى أَنْ يَقْرَعَهُ؟ (مَعَ عَدَمِ عَادَتِهِ) أَيْ: الْآخِذِ (بِأَخْذِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (لَمْ يُجْزِئْهُ) دَفْعُهَا لَهُ (إلَّا أَنْ يُعْلِمَهُ) أَنَّهَا زَكَاةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ زَكَاةً ظَاهِرًا.
وَالْأَفْضَلُ جَعْلُ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ فِي فُقَرَاءِ بَلَدِهِ أَيْ: الْمَالِ، وَلَوْ تَفَرَّقَ أَوْ كَانَ الْمِلْكُ بِغَيْرِهِ لِلْخَبَرِ (مَا لَمْ تَتَشَقَّصْ زَكَاةُ سَائِمَةٍ) كَأَرْبَعِينَ بِبَلَدَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ (فَ) يُخْرِجُ (فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ) شَاةً أَيَّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ، دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ (وَيَحْرُمُ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ لِرَحِمٍ أَوْ شِدَّةِ حَاجَةٍ أَوْ ثَغْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (نَقَلَهَا) أَيْ: الزَّكَاةَ (إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ) مَعَ وُجُودِ مُسْتَحِقٍّ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ {أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ} فَظَاهِرُهُ: عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ. وَلِإِنْكَارِ عُمَرَ عَلَى مُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَ إلَيْهِ بِثُلُثِ الصَّدَقَةِ ثُمَّ بِشَطْرِهَا ثُمَّ بِهَا وَأَجَابَهُ مُعَاذٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهِ شَيْئًا وَهُوَ يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهُ مِنْهُ " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يُفْضِ إلَى تَشْقِيصٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ. (وَتُجْزِي) زَكَاةٌ نَقَلَهَا فَوْقَ الْمَسَافَةِ، وَأَخْرَجَهَا فِي غَيْرِ بَلَدِ الْمَالِ مَعَ حُرْمَةِ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَبَرِئَ كَالدَّيْنِ. و(لَا) يَحْرُمُ نَقْلُ (نَذْرٍ) مُطْلَقٍ (وَكَفَّارَةٍ وَوَصِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ) أَيْ: لَمْ يَخُصَّهَا مُوصٍ بِمَكَانٍ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ رَاتِبَةٌ فِي الْمَالِ فَكَانَتْ لِجِيرَانِهِ، بِخِلَافِ الْمَذْكُورَاتِ. وَإِنْ خَصَّ الْوَصِيَّةَ بِفُقَرَاءِ مَكَانٍ تَعَيَّنُوا لَهَا. (وَمَنْ بِبَادِيَةٍ) وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ فَرَّقَهَا بِأَقْرَبِ بَلَدٍ مِنْهُ. (أَوْ خَلَا بَلَدُهُ عَنْ مُسْتَحِقٍّ) لِلزَّكَاةِ يَسْتَغْرِقُهَا (فَرَّقَهَا) أَوْ مَا بَقِيَ (بِأَقْرَبِ بَلَدٍ) أَيْ: مَكَان (مِنْهُ) لِأَنَّهُمْ أَوْلَى نَصًّا. (وَمُؤْنَةُ نَقْلِ) زَكَاةٍ مَعَ حِلِّهِ أَوْ حُرْمَتِهِ عَلَيْهِ (وَ) مُؤْنَةُ (دَفْعِ) زَكَاةٍ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (ك) مُؤْنَةِ (كَيْلٍ وَوَزْنٍ) لِأَنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ تَسْلِيمِهَا لِمُسْتَحِقِّهَا كَامِلَةً، وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ التَّوْفِيَةِ. (وَمُسَافِرٌ بِالْمَالِ) الزَّكَوِيِّ (يُفَرِّقُهَا) أَيْ: زَكَاتَهُ (بِبَلَدٍ أَكْثَرُ إقَامَتِهِ) أَيْ رَبِّ الْمَالِ (بِهِ) أَيْ: ذَلِكَ الْبَلَدِ نَصًّا لِأَنَّ الْأَطْمَاعَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ غَالِبًا بِمُضِيِّ زَمَنِ الْوُجُوبِ أَوْ مَا قَارَبَهُ. (وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ بَعْثُ السُّعَاةِ قُرْبَ) زَمَنِ (الْوُجُوبِ تَقْبِضُ زَكَاةَ) الْمَالِ (الظَّاهِرِ) وَهُوَ السَّائِمَةُ وَالزَّرْعُ وَالثَّمَرُ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُزَكِّي وَلَا يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ فَإِهْمَالُ ذَلِكَ إضَاعَةٌ لِلزَّكَاةِ، وَيَجْعَلُ حَوْلَ الْمَاشِيَةِ الْمُحَرَّمَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُدَّ عَلَيْهِمْ الْمَاشِيَةَ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي أَفْنِيَتِهِمْ لِلْخَبَرِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا فِي عَدَدِهَا بِلَا يَمِينٍ، وَإِنْ وَجَدَ مَا يَحِلُّ حَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَّلَ رَبُّهُ زَكَاتَهُ، وَإِلَّا وَكَّلَ ثِقَةً، يَقْبِضُهَا ثُمَّ يَصْرِفُهَا، وَلَهُ جَعْلُهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَمَا قَبَضَهُ السَّاعِي فُرْقَةً فِي مَكَانِهِ وَمَا قَارَبَهُ، وَيَبْدَأُ بِأَقَارِبِ مُزَكٍّ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ حَمَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَهُ بَيْعُ سَائِمَةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ. وَصَرْفُهَا فِي الْأَحَظِّ لِلْفُقَرَاءِ، أَوْ حَاجَتِهِمْ، حَتَّى أُجْرَةُ مَسْكَنٍ، وَيَضْمَنُ مَا أَخَّرَ قِسْمَتَهُ بِلَا عُذْرٍ إنْ تَلِفَ لِتَفْرِيطِهِ. (وَيُسَنُّ لَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ (وَسْمُ مَا حَصَلَ) عِنْدَهُ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ جِزْيَةٍ (مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ فِي أَفْخَاذِهَا) لِحَدِيثِ أَنَسٍ {غَدَوْت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ، يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) وَسَمَ مَا حَصَلَ مِنْ (غَنَمٍ فِي آذَانِهَا) لِخَبَرِ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ {وَهُوَ يَسِمُ غَنَمًا فِي آذَانِهَا} (فَ) الْوَسْمُ (عَلَى زَكَاةٍ " لِلَّهِ " أَوْ " زَكَاةٍ " و) الْوَسْمُ (عَلَى جِزْيَةٍ " صِغَارٍ " أَوْ " جِزْيَةٍ ") لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا، وَخُصَّ الْفَخِذُ وَالْأُذُنُ بِالْوَسْمِ لِخِفَّتِهِ وَقِلَّةِ أَلَمِهِ فِيهِمَا.
وَيُجْزِئُ تَعْجِيلُهَا أَيْ: الزَّكَاةِ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ (لِحَوْلَيْنِ) لِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ عَلِيٍّ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّلَ مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ} وَيُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ {فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا} وَكَمَا لَوْ عَجَّلَ لِعَامٍ وَاحِدٍ (فَقَطْ) أَيْ: لَا أَكْثَرَ مِنْ حَوْلَيْنِ، اقْتِصَارٌ عَلَى مَا وَرَدَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ (إذَا كَمُلَ النِّصَابُ) لِأَنَّهُ سَبَبُهَا، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ كَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْحَلِفِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ و(لَا) يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا (عَمَّا يَسْتَفِيدُهُ) النِّصَابُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، فَقَدْ عَجَّلَ زَكَاةً عَمَّا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ (أَوْ) عَنْ (مَعْدِنٍ أَوْ رِكَازٍ أَوْ زَرْعٍ قَبْلَ حُصُولِ) مَا ذَكَرَ (أَوْ) عَنْ زَكَاةِ تَمْرٍ قَبْلَ (طُلُوعِ طَلْعٍ أَوْ) عَنْ زَبِيبٍ قَبْلَ طُلُوعِ (حِصْرِمٍ) لِأَنَّهُ تَقْدِيمُ زَكَاةٍ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهَا وَيَجُوزُ بَعْدَ نَبَاتِ زَرْعٍ، وَطُلُوعِ طَلْعٍ وَحِصْرِمٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ بِمُنْزِلَةِ مِلْكِ النِّصَابِ، وَالْإِدْرَاكُ بِمَنْزِلَةِ حَوَلَانِ الْحَوْلِ، فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ. وَتَعْلِيقُ زَكَاتِهِ بِالْإِدْرَاكِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّعْجِيلِ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِدُخُولِ شَوَّالٍ وَيَجُوزُ تَعْجِيلُهَا قَبْلَهُ. (وَإِنْ تَمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ نَاقِصٌ قَدْرَ مَا عَجَّلَهُ صَحَّ) تَعْجِيلُهُ وَإِجْزَاءُ مُعَجَّلٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُعَجَّلِ حُكْمُ الْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ يَتِمُّ النِّصَابُ بِهِ. وَإِنْ نَقَصَ أَكْثَرَ مِمَّا عَجَّلَهُ كَمَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً عَجَّلَ مِنْهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ تَلِفَتْ أُخْرَى، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلزَّكَاةِ، فَإِنْ زَادَ بَعْدُ بِنِتَاجٍ أَوْ شِرَاءِ مَا تَمَّ بِهِ النِّصَابُ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ مِنْ كَمَالِ النِّصَابِ. وَلَمْ يَجُزْ مُعَجَّلٌ (فَلَوْ عَجَّلَ عَنْ مِائَتَيْ شَاةٍ شَاتَيْنِ فَنُتِجَتْ عِنْدَ الْحَوْلِ سَخْلَةً لَزِمَتْهُ) شَاةٌ (ثَالِثَةٌ) لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ فِي إجْزَائِهِ عَنْ مَالِهِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهِ. (وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ) فِضَّةً خَمْسَةً مِنْهَا (ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ لَزِمَهُ أَيْضًا دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ) نَصًّا لِيُتِمَّ رُبْعَ الْعُشْرِ. (وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ أَلْفِ) دِرْهَمٍ فِضَّةً (خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مِنْهَا، ثُمَّ رَبِحَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ) دِرْهَمًا (لَزِمَهُ زَكَاتُهَا) أَيْ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ. وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً ثُمَّ أَبْدَلَ الْأَرْبَعِينَ بِمِثْلِهَا أَوْ نُتِجَتْ أَرْبَعِينَ سَخْلَةً ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ. أَجْزَأَ مُعَجَّلٌ عَنْ بَدَلٍ أَوْ سَخْلٍ؛ لِأَنَّهَا تُجْزِئُ مَعَ بَقَاءِ الْأُمَّاتِ عَنْ الْكُلِّ فَعَنْ أَحَدِهِمَا أَوْلَى. (وَيَصِحُّ) أَنَّ يُعَجِّلَ (عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً) شَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِهَا لِحَوْلَيْنِ و(لَا) يَصِحُّ أَنْ يُعَجِّلَ (مِنْهَا) أَيْ: الْأَرْبَعِينَ (لِحَوْلَيْنِ، وَلَا لِ) لِحَوْلِ (الثَّانِي فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْأَوَّلِ (وَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ) بِإِخْرَاجِ الشَّاتَيْنِ مِنْهَا لِحَوْلَيْنِ وَالْوَاحِدَةِ لِلثَّانِي فَقَطْ؛ لِنَقْصِ النِّصَابِ، فَإِنْ أَخْرَجَ شَاةً لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ صَحَّ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ. (وَإِنْ مَاتَ قَابِضُ) زَكَاةٍ (مُعَجَّلَةٍ الْمُسْتَحِقُّ) لِقَبْضِهَا لِنَحْوِ فَقْرِهِ (أَوْ ارْتَدَّ) قَابِضُ مُعَجَّلَةٍ (أَوْ اسْتَغْنَى قَبْلَ) مُضِيِّ (الْحَوْلِ) الَّذِي تَعَجَّلَ زَكَاتُهُ (أَجْزَأَتْ) الزَّكَاةُ عَمَّنْ عَجَّلَهَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، كَدَيْنٍ عَجَّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ. و(لَا) تُجْزِئُ زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ (إنْ دَفَعَهَا) رَبُّ الْمَالِ (إلَى مَنْ يَعْلَمُ غِنَاهُ فَافْتَقَرَ) عِنْدَ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَفْتَقِرْ. (وَإِنْ مَاتَ مُعَجِّلُ) زَكَاتِهِ (أَوْ ارْتَدَّ أَوْ تَلِفَ النِّصَابُ) الْمُعَجَّلُ زَكَاتُهُ (أَوْ نَقَصَ) قَبْلَ الْحَوْلِ (فَقَدْ بَانَ الْمُخْرَجُ غَيْرَ زَكَاةٍ) لِانْقِطَاعِ الْوُجُوبِ بِذَلِكَ (وَلَا رُجُوعَ) لِمُعَجِّلٍ بِشَيْءٍ مِمَّا عَجَّلَهُ (إلَّا فِيمَا بِيَدِ سَاعٍ عِنْدَ تَلَفِ) النِّصَابِ، وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمَالِكُ تَلَفَهُ غَيْرَ قَاصِدٍ الْفِرَارَ مِنْهَا، فَإِنْ دَفَعَهَا سَاعٍ أَوْ رَبُّ مَالٍ لِفَقِيرٍ، فَلَا رُجُوعَ حَتَّى فِي تَلَفِ النِّصَابِ. وَإِنْ اسْتَسْلَفَ سَاعٍ زَكَاةً فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهَا وَضَاعَتْ عَلَى الْفُقَرَاءِ، سَوَاءٌ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ ذَلِكَ أَوْ رَبُّ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ، وَيُشْتَرَطُ لِإِجْزَائِهَا وَمِلْكِ فَقِيرٍ لَهَا قَبْضُهُ، فَلَوْ عَزَلَهَا فَتَلِفَتْ قَبْلَهُ أَوْ غَدَّى الْفُقَرَاءَ أَوْ عَشَّاهُمْ لَمْ تَجُزْ. وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ فَقِيرٍ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا نَصًّا. وَلَوْ قَالَ فَقِيرٌ لِرَبِّ مَالٍ: اشْتَرِ لِي بِهَا قَمِيصًا وَنَحْوَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا مِنْهُ فَفَعَلَ. لَمْ تُجْزِئْهُ وَالثَّوْبُ لِلْمَالِكِ، وَتَلَفُهُ عَلَيْهِ. (وَمَنْ عَجَّلَ) زَكَاةً (عَنْ أَلْفِ) دِرْهَمٍ (يَظُنُّهَا) أَيْ: الدَّرَاهِمَ كُلَّهَا (لَهُ فَبَانَتْ) الَّتِي لَهُ مِنْهَا (خَمْسُمِائَةٍ أَجْزَأَ) مَا عَجَّلَهُ (عَنْ عَامَيْنِ) لِأَنَّهُ نَوَاهَا زَكَاةً مُعَجَّلَةً وَالْأَلْفُ كُلُّهَا لَيْسَتْ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا لَيْسَ لَهُ. (وَمَنْ عَجَّلَ) زَكَاةً (عَنْ أَحَدِ نِصَابَيْهِ وَلَوْ) كَانَ الْوَاجِبُ (مِنْ جِنْسٍ) وَاحِدٍ (فَتَلِفَ) النِّصَابُ الْمُعَجَّلُ عَنْهُ (لَمْ يَصْرِفْهُ إلَى) النِّصَابِ (الْآخَرِ) كَمَنْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ خَمْسِ إبِلٍ وَلَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً، فَتَلِفَتْ إبِلُهُ لَمْ يَصْرِفْ الشَّاةَ عَنْ الْأَرْبَعِينَ لِحَدِيثِ {وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى}. (وَلِمَنْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْهُ زِيَادَةً) عَنْ زَكَاةٍ (عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا) أَيْ: الزِّيَادَةِ (مِنْ) سَنَةٍ (قَابِلَةٍ) نَصًّا، أَيْ: نَوَى أَنَّ حَالَ الدَّفْعِ إلَيْهِ أَنَّهَا مِنْ زَكَاةِ الْقَابِلَةِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَنَّهُ يُحْتَسَبُ مَا أَهْدَاهُ لِلْعَامِلِ مِنْ الزَّكَاةِ أَيْضًا، وَيَأْتِي مَنْ ظُلِمَ فِي خَرَاجِهِ لَمْ يَحْتَسِبْهُ مِنْ عُشْرِهِ، أَيْ: إذَا لَمْ يَنْوِهِ زَكَاةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقِ فِي بَعْضِ الْمُوَاضِعِ.
وَحُكْمِ السُّؤَالِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ (أَهْلُ) أَخْذِ (الزَّكَاةِ ثَمَانِيَةُ) أَصْنَافٍ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِغَيْرِهِمْ كَبِنَاءِ مَسَاجِدَ وَقَنَاطِرَ وَتَكْفِينِ مَوْتَى وَسَدِّ بُثُوقٍ، وَوَقْفِ مَصَاحِفَ وَغَيْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} - الْآيَةَ " وَكَلِمَةُ " إنَّمَا " تُفِيدُ الْحَصْرَ، فَتُثْبِتُ الْمَذْكُورَيْنِ وَتَنْفِي مَنْ عَدَاهُمْ. وَكَذَا تَعْرِيفُ " الصَّدَقَاتِ " بِأَلْ، فَإِنَّهُ يَسْتَغْرِقُهَا، فَلَوْ جَازَ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَى غَيْرِ الثَّمَانِيَةِ لَكَانَ لَهُمْ بَعْضُهَا لَا كُلُّهَا. وَلِحَدِيثِ {إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ هُوَ فِيهَا فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كُنْت مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. الْأَوَّلُ (فَقِيرٌ، مَنْ لَمْ يَجِدْ) شَيْئًا أَوْ لَمْ يَجِدْ (نِصْفَ كِفَايَتِهِ) فَهُوَ أَشَدُّ حَاجَةً مِنْ الْمِسْكِينِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِهِ. وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} وَلِاشْتِقَاقِ الْفَقِيرِ مِنْ فِقَر الظَّهْرِ بِمَعْنَى مَفْقُورٍ، وَهُوَ الَّذِي نُزِعَتْ فِقْرَةُ ظَهْرِهِ. فَانْقَطَعَ صُلْبُهُ. (وَ) الثَّانِي (مِسْكِينٌ: مَنْ يَجِدُ نِصْفَهَا) أَيْ الْكِفَايَةِ (أَوْ أَكْثَرَهَا) مِنْ السُّكُونِ؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنَتْهُ الْحَاجَةُ، وَمَنْ كُسِرَ صُلْبُهُ أَشَدُّ حَاجَةً مِنْ السَّاكِنِ. فَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ الْكِفَايَةِ، كَعُمْيَانٍ وَزَمْنَى؛ لِأَنَّهُمْ غَالِبًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى اكْتِسَابٍ يَقَعُ الْمَوْقِعَ مِنْ كِفَايَتِهِمْ، وَرُبَّمَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، قَالَ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الْآيَةَ. و(يُعْطَيَانِ) أَيْ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ (تَمَامَ كِفَايَتِهِمَا مَعَ) كِفَايَةِ (عَائِلَتِهِمَا سَنَةً) مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ، فَيُعْطَى مَا يَكْفِيهِ إلَى مِثْلِهِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَائِلَتِهِمَا مَقْصُودٌ دَفْعُ حَاجَتِهِ فَيُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ لِلْمُنْفَرِدِ (حَتَّى وَلَوْ كَانَ احْتِيَاجُهُمَا ب) سَبَبِ (إتْلَافِ مَا لَهُمَا فِي الْمَعَاصِي) لِصِدْقِ اسْمِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ عَلَيْهِمَا حِينَ الْأَخْذِ. (وَمَنْ مَلَكَ وَلَوْ) كَانَ مَا مَلَكَهُ (مِنْ أَثْمَانٍ مَا) أَيْ: قَدْرًا (لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ) وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ (فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ) فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا حَلَّتْ لَهُ مَسْأَلَتُهَا، قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: ذَاكَرْت أَحْمَدَ، فَقُلْت: قَدْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَهُوَ فَقِيرٌ، وَيَكُونُ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً، وَتَكُونُ لَهُ الضَّيْعَةُ لَا تَكْفِيهِ، يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَكَرَ قَوْلَ عُمَرَ " أَعْطُوهُمْ وَإِنْ رَاحَتْ - أَيْ: رَجَعَتْ - عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا " قُلْت: فَلِهَذَا قُدِّرَ مِنْ الْعَدَدِ أَوْ الْوَقْتِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ، وَقَالَ: إذَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ وَضِيعَةٌ يَسْتَغِلُّهَا عَشَرَةُ آلَافٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ لَا تُقِيمُهُ، أَيْ: تَكْفِيهِ، يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ. (وَإِنْ تَفَرَّغَ قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ) تَفَرُّغًا كُلِّيًّا (لِلْعِلْمِ) الشَّرْعِيِّ (لَا) إنْ تَفَرَّغَ (لِلْعِبَادَةِ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَ التَّكَسُّبِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ (أُعْطِيَ) مِنْ زَكَاةٍ لِحَاجَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعِلْمُ لَازِمًا لَهُ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ، بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ، وَيَجُوزُ أَخْذُهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الَّتِي لَا بُدَّ لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِنْهَا. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَ) الثَّالِثُ (عَامِلٌ عَلَيْهَا، كَجَابٍ) يَبْعَثُهُ إمَامٌ لِأَخْذِ زَكَاةٍ مِنْ أَرْبَابِهَا (وَحَافِظٍ، وَكَاتِبٍ، وَقَاسِمٍ) وَمَنْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} {وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ عَلَى الصَّدَقَةِ سُعَاةً وَيُعْطِيهِمْ عِمَالَتَهُمْ} (وَشَرْطُهُ: كَوْنُهُ) أَيْ: الْعَامِلِ (مُكَلَّفًا) لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لِلْقَبْضِ (مُسْلِمًا) لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْإِسْلَامُ؛ كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ (أَمِينًا) لِأَنَّ غَيْرَهُ يَذْهَبُ بِمَالِ الزَّكَاةِ وَيُضَيِّعُهُ (كَافِيًا) لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الْوِلَايَةِ (مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى) وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَمِثْلُهُمْ مَوَالِيهِمْ. {لِأَنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ سَأَلَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَهُمَا عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَبِي أَنْ يَبْعَثَهَا، وَقَالَ: إنَّمَا هَذِهِ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا (وَلَوْ) كَانَ (قِنًّا) فَلَا تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ لِحَدِيثِ {اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَقْصُود، أَشْبَهَ الْحُرَّ. (أَوْ) كَانَ الْعَامِلُ (غَنِيًّا) لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا {لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: لِعَامِلٍ أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَارِمٍ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مِسْكِينٍ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى مِنْهَا لِغَنِيٍّ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَلَا كَوْنُهُ فَقِيهًا، إذَا عَلِمَ بِمَا يَأْخُذُهُ، وَكَتَبَ لَهُ، كَمَا كَتَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَّالِهِ فَرَائِضَ الصَّدَقَةِ. وَكَذَا الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَاشْتِرَاطُ ذُكُورِيَّتِهِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ. (وَيُعْطَى) عَامِلٌ (قَدْرَ أُجْرَتِهِ مِنْهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ جَاوَزَتْ ثَمَنَ مَا جَبَاهُ أَوْ لَا نَصًّا. وَذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (إلَّا إنْ تَلِفَتْ) الزَّكَاةُ (بِيَدِهِ) أَيْ: الْعَامِلِ (بِلَا تَفْرِيطٍ) مِنْهُ (ف) أَنَّهُ يُعْطَى أُجْرَتَهُ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ لِلْإِمَامِ رِزْقَهُ عَلَى عَمَلِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَيُوَفِّرُ الزَّكَاةَ عَلَى أَهْلِهَا، فَإِذَا تَلِفَتْ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَلَا ضَمَانَ عَلَى عَامِلٍ لَمْ يُفَرِّطْ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَلَهُ الْأَخْذُ وَلَوْ تَطَوَّعَ بِعَمَلِهِ لِقِصَّةِ عُمَرَ، وَلَهُ تَفْرِقَةُ الزَّكَاةِ إنْ أَذِنَ لَهُ. وَكَذَا مَعَ الْإِطْلَاقِ وَإِلَّا فَلَا، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُسَمِّيَ أَوْ يَعْقِدَ لَهُ إجَارَةً وَأَنْ يَبْعَثَهُ بِغَيْرِهِمَا. (وَإِنْ عَمِلَ) عَلَيْهَا أَيْ: الزَّكَاةِ (إمَامٌ أَوْ) عَمِلَ عَلَيْهَا (نَائِبُهُ) بِأَنْ جَبَاهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِلَا بَعْثِ عُمَّالٍ (لَمْ يَأْخُذْ) مِنْهَا (شَيْئًا) لِأَنَّهُ يَأْخُذُ رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَالِكِ) مَالٍ مُزَكًّى (عَلَى عَامِلٍ بِوَضْعِهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا) لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا، وَلَا تَجُرُّ إلَيْهِ نَفْعًا، لِبَرَاءَتِهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ، فَلَا تُقْبَلُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ فِيهَا (وَيُصَدَّقُ) رَبُّ الْمَالِ (فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ) أَيْ: الْعَامِلِ (بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى عِبَادَتِهِ (وَيَحْلِفُ عَامِلٌ) أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ (وَيَبْرَأُ) مِنْ عُهْدَتِهَا فَتَضِيعُ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَإِنْ ثَبَتَ) عَلَى عَامِلٍ أَخَذَ زَكَاةٍ مِنْ أَرْبَابِهَا (وَلَوْ بِشَهَادَةِ بَعْضٍ) مِنْهُمْ (لِبَعْضٍ بِلَا تَخَاصُمٍ) بَيْنَ عَامِلٍ وَشَاهِدٍ قُبِلَتْ، و(غَرِمَ) الْعَامِلُ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الزَّكَاةِ لِعَامِلٍ أَوْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ (وَيُصَدَّقُ عَامِلٌ فِي) دَعْوَى (دَفْعِ) زَكَاةٍ (لِفَقِيرٍ) فَيَبْرَأُ مِنْهَا (وَ) يُصَدَّقُ (فَقِيرٌ فِي عَدَمِهِ) أَيْ: الدَّفْعِ إلَيْهِ مِنْهَا، وَظَاهِرُهُ: بِلَا يَمِينٍ، فَيَأْخُذُ مِنْ زَكَاةٍ أُخْرَى، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ عَامِلٍ بِقَبْضِ زَكَاةٍ وَلَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ، كَحَاكِمٍ أَقَرَّ بِحُكْمٍ بَعْدَ عَزْلِهِ. (وَيَجُوزُ كَوْنُ حَامِلِهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (وَرَاعِيهَا مِمَّنْ مَنَعَهَا) أَيْ: الزَّكَاةَ، لِقِيَامِ مَانِعٍ بِهِ كَكَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى أَوْ كَافِرًا، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ لَا لِعِمَالَتِهِ. (وَ) الرَّابِعُ (مُؤَلَّفٌ لِلْآيَةِ) وَهُوَ (السَّيِّدُ الْمُطَاعُ فِي عَشِيرَتِهِ مِمَّنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ أَوْ يُخْشَى شَرُّهُ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ {بَعَثَ عَلِيٌّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذَهَبِيَّةٍ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ، وَزَيْدِ الْخَيْرِ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَقَالُوا تُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ وَتَدَعُنَا؟ فَقَالَ: إنَّمَا فَعَلْت ذَلِكَ لِأَتَأَلَّفَهُمْ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: وَإِنَّمَا الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْيَمَنِ الصَّدَقَةُ (أَوْ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إيمَانِهِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ {هُمْ قَوْمٌ كَانُوا يَأْتُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْضَخُ لَهُمْ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَإِذَا أَعْطَاهُمْ مِنْ الصَّدَقَةِ، قَالُوا هَذَا دِينٌ صَالِحٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ عَابُوهُ} رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّفْسِيرِ (أَوْ) يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ (إسْلَامُ نَظِيرِهِ) لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْطَى عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَالزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ، مَعَ حُسْنِ نِيَّاتِهِمَا وَإِسْلَامِهِمَا، رَجَاءَ إسْلَامِ نَظَائِرِهِمَا (أَوْ) لِأَجْلِ (جِبَايَتِهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا) إلَّا بِالتَّخْوِيفِ (أَوْ) لِأَجْلِ (دَفْعٍ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) بِأَنْ يَكُونُوا فِي أَطْرَافِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، إذَا أُعْطُوا مِنْ الزَّكَاةِ دَفَعُوا الْكُفَّارَ عَمَّنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا فَلَا. (وَيُعْطَى) مُؤَلَّفٌ مِنْ زَكَاةٍ (مَا) أَيْ قَدْرًا (يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ (يُقْبَلُ قَوْلُهُ) أَيْ: الْمُطَاعِ فِي عَشِيرَتِهِ (فِي ضَعْفِ إسْلَامِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ و(لَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ ( إنَّهُ مُطَاعٌ) فِي عَشِيرَتِهِ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِعَدَمِ تَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ: بَقَاءُ حُكْمِ مُؤَلَّفَةٍ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، وَصَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِإِعْطَائِهِمْ وَدَعْوَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ تَأَلُّفِهِمْ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَرَآهُ الْإِمَامُ مَصْلَحَةً، وَعَدَمُ إعْطَاءِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَهُمْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، لَا لِسُقُوطِ سَهْمِهِمْ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الصَّرْفُ لَهُمْ رَدَّ عَلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ مَا يَأْخُذُهُ لِيَكُفَّ شَرَّهُ، كَأَخْذِ الْعَامِلِ الْهَدِيَّةَ. (وَ) الْخَامِسُ (مُكَاتَبٌ) قَدَرَ عَلَى تَكَسُّبٍ أَوْ لَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} (وَلَوْ قَبْلَ حُلُولِ نَجْمٍ) عَلَى مُكَاتَبٍ، لِئَلَّا يَحِلَّ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، فَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ. (وَيُجْزِئُ) مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا رَقَبَةً لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ) لِرَحِمٍ أَوْ تَعْلِيقٍ (فَيُعْتِقُهَا) عَنْ زَكَاتِهِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِلْقِنِّ، بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ إذَا أُطْلِقَتْ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ. وَتَقْدِيرُهَا: وَفِي إعْتَاقِ الرِّقَابِ (وَيُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَنْ يَفْدِيَ بِهَا أَسِيرًا مُسْلِمًا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ فَكَّ رَقَبَةً مِنْ الْأَسْرِ، فَهُوَ كَفَكِّ الْقِنِّ مِنْ الرِّقِّ، وَإِعْزَازٌ لِلدِّينِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَمِثْلُهُ لَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَرَّمَهُ سُلْطَانٌ مَالًا لِيَدْفَعَ جَوْرَهُ. و(لَا) يُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يُعْتِقَ قِنَّهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ عَنْهَا) أَيْ: زَكَاتِهِ لِأَنَّ أَدَاءَ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ تَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ. وَكَذَا لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ مِنْهَا لِمَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ تِجَارَةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي قِيمَتِهِمْ لَا فِي عَيْنِهِمْ (وَمَا أَعْتَقَ) إمَامٌ أَوْ (سَاعٍ مِنْهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ وَمَا أَعْتَقَ رَبُّ الْمَالِ مِنْهَا، فَوَلَاؤُهُ لَهُ. (و) السَّادِسُ (غَارِمٌ) وَهُوَ ضَرْبَانِ: الْأَوَّلُ (تَدَيَّنَ لَا بِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ) أَيْ: وَصْلٍ، كَقَبِيلَتَيْنِ أَوْ أَهْلِ قَرْيَتَيْنِ وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ تَشَاجَرُوا فِي دِمَاءٍ أَوْ أَمْوَالٍ، وَخِيفَ مِنْهُ فَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمْ رَجُلٌ، وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ وَأَلْزَمَ فِي ذِمَّتِهِ مَالًا عِوَضًا عَمَّا بَيْنَهُمْ، لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ، فَقَدْ أَتَى مَعْرُوفًا عَظِيمًا، فَكَانَ مِنْ الْمَعْرُوفِ حَمْلُهُ عَنْهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، لِئَلَّا يُجْحَفَ بِسَادَةِ الْقَوْمِ الْمُصْلِحِينَ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَيَحْتَمِلُ الرَّجُلُ الْحَمْلَةَ - بِفَتْحِ الْحَاءِ - ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْقَبَائِلِ، يَسْأَلُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، فَأَقَرَّتْ الشَّرِيعَةُ ذَلِكَ، وَأَبَاحَتْ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (أَوْ تَحَمَّلَ إتْلَافًا أَوْ نَهْيًا عَنْ غَيْرِهِ) فَيَأْخُذُ مِنْ زَكَاتِهِ (وَلَوْ) كَانَ (غَنِيًّا) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَأَشْبَهَ الْمُؤَلَّفَ، وَالْعَامِلَ (وَلَمْ يَدْفَعْ مِنْ مَالِهِ) مَا نَحْمِلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ مِنْهُ لَمْ يَصِرْ مَدِينًا، وَإِنْ اقْتَرَضَ وَوَفَّاهُ فَلَهُ الْأَخْذُ بِوَفَائِهِ، لِبَقَاءِ الْغُرْمِ (أَوْ لَمْ يَحِلَّ) الدَّيْنُ، فَلَهُ الْأَخْذُ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ قَبِيصَةَ (أَوْ) كَانَ مَا لَزِمَهُ (ضَمَانًا) بِأَنْ ضَمِنَ غَيْرَهُ فِي دَيْنٍ (وَأَعْسَرَا) أَيْ: الْمَضْمُونُ وَالضَّامِنُ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْأَخْذُ مِنْ زَكَاةٍ لِوَفَائِهِ، فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا، وَلَا إلَى أَحَدِهِمَا. وَالثَّانِي مِنْ ضَرْبِ الْغَارِمِ: مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ تَدَيَّنَ لِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ كُفَّارٍ، أَوْ) تَدَيَّنَ (لِنَفْسِهِ) فِي شَيْءٍ (مُبَاحٍ، أَوْ) تَدَيَّنَ لِنَفْسِهِ (فِي) شَيْءٍ (مُحَرَّمٍ، وَتَابَ) مِنْهُ (وَأَعْسَرَ) بِالدَّيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْغَارِمِينَ} (وَيُعْطَى) غَارِمٌ (وَفَاءَ دَيْنِهِ، كَمُكَاتَبٍ) لِانْدِفَاعِ حَاجَتِهِمَا بِهِ، وَدَيْنُ اللَّهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ (وَلَا يُقْضَى مِنْهَا ) أَيْ الزَّكَاةِ (دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِقَبُولِهَا، كَمَا لَوْ كَفَّنَهُ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ اسْتَدَانَهُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ أَوْ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ. (السَّابِعُ: غَازٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} (بِلَا دِيوَانٍ، أَوْ لَهُ) فِي الدِّيوَانِ (مَا لَا يَكْفِيهِ) لِغَزْوِهِ (فَيُعْطَى) وَلَوْ غَنِيًّا؛ لِأَنَّهُ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ (مَا يَحْتَاجُ) إلَيْهِ (لِغَزْوِهِ) ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَثَمَنَ سِلَاحٍ وَدِرْعٍ وَفَرَسٍ، إنْ كَانَ فَارِسًا، وَلَا يُجْزِئُ إنْ اشْتَرَاهُ رَبُّ مَالٍ، ثُمَّ دَفَعَهُ لِغَازٍ؛ لِأَنَّهُ كَدَفْعِ الْقِيمَةِ. (وَيُجْزِئُ) أَنْ يُعْطَى مِنْ زَكَاةِ (الْحَجِّ فَرْضَ فَقِيرٍ وَعُمْرَتَهُ) فَيُعْطَى مَا يَحُجُّ بِهِ فَقِيرٌ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ يَعْتَمِرُ، أَوْ يُعِينُهُ فِيهِمَا لِحَدِيثِ {الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الرِّبَاطَ كَالْغَزْوِ. و(لَا) يُجْزِئُ (أَنْ يَشْتَرِيَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (مِنْهَا فَرَسًا يَحْبِسُهَا) فِي سَبِيلِ اللَّهِ (أَوْ) أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا (عَقَارًا يَقِفُهُ عَلَى الْغُزَاةِ) لِعَدَمِ الْإِيتَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ. و(لَا) يُجْزِئُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (غَزْوَةً عَلَى فَرَسٍ) أَوْ بِدِرْعٍ وَنَحْوِهِ (مِنْهَا) أَيْ زَكَاتِهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ مَصْرِفًا لِزَكَاتِهِ، كَمَا لَا يَقْضِي بِهَا دَيْنَهُ. (وَلِلْإِمَامِ شِرَاءُ فَرَسٍ بِزَكَاةِ رَجُلٍ وَدَفْعِهَا) أَيْ: الْفَرَسِ (إلَيْهِ) أَيْ: رَبِّ زَكَاةٍ (يَغْزُو عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ بَرِيءَ مِنْهَا بِدَفْعِهَا لِلْإِمَامِ، وَتَقَدَّمَ: لِإِمَامٍ رَدُّ زَكَاةٍ وَفِطْرَةٍ إلَى مَنْ أُخِذَتَا مِنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَغْزُ) مَنْ أَخَذَ فَرَسًا أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الزَّكَاةِ (رَدَّهَا) عَلَى إمَامٍ، لِأَنَّهُ أَعْطَى عَلَى عَمَلٍ، وَلَمْ يَعْمَلْهُ، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: إذَا خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَكَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ. (الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيلِ) لِلْآيَةِ وَهُوَ الْمُسَافِرُ (الْمُنْقَطِعُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ، أَوْ) فِي سَفَرٍ (مُحَرَّمٍ وَتَابَ مِنْهُ) لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا. وَ (لَا) يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ فِي سَفَرٍ (مَكْرُوهٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ. (وَ) لَا فِي سَفَرِ (نُزْهَةٍ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَمَنْ يُرِيدُ إنْشَاءَ سَفَرٍ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، فَلَيْسَ بِابْنِ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّ السَّبِيلَ هِيَ الطَّرِيقُ، وَسُمِّيَ مَنْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ ابْنَ السَّبِيلِ لِمُلَازَمَتِهِ لَهَا، كَمَا يُقَالُ: وَلَدُ اللَّيْلِ، لِمَنْ يَكْثُرُ خُرُوجُهُ فِيهِ، وَابْنُ الْمَاءِ لِطَيْرِهِ، لِمُلَازَمَتِهِ لَهُ. (وَيُعْطَى) ابْنُ السَّبِيلِ (وَلَوْ وَجَدَ مُقْرِضًا مَا يُبَلِّغُهُ بَلَدُهُ) وَلَوْ مُوسِرًا فِي بَلَدِهِ، لِعَجْزِهِ عَنْ الْوُصُولِ لِمَالِهِ، كَمَنْ سَقَطَ مَتَاعُهُ فِي بَحْرٍ، أَوْ ضَاعَ مِنْهُ، أَوْ غُصِبَ فَعَجَزَ عَنْهُ (أَوْ) مَا يُبَلِّغُهُ (مُنْتَهَى قَصْدِهِ وَعَوْدِهِ إلَيْهَا) أَيْ: بَلَدِهِ، كَمَنْ قَصَدَ بَلَدًا، وَسَافَرَ إلَيْهِ، وَاحْتَاجَ قَبْلَ وُصُولِهِ، فَيُعْطَى مَا يَصِلُ بِهِ إلَيْهِ، ثُمَّ يَعُودُ بِهِ إلَى بَلَدِهِ بِخِلَافِ مُنْشِئِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا فَارَقَ وَطَنَهُ لِغَرَضٍ مَقْصُودٍ وَشُرِعَ فِيهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ عَنْهُ بِعَدَمِ الْإِعْطَاءِ حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ بِضَيَاعِ تَعَبِهِ وَسَفَرِهِ، وَالْمُرِيدُ إنْشَاءَ سَفَرٍ لَمْ يَضَعْ عَلَيْهِ شَيْءٍ، بَلْ مَقَامُهُ بِبَلَدِهِ مَظِنَّةَ الرِّفْقِ بِهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ ابْنِ السَّبِيلِ فِي الْحَاجَةِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ بِالْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ بِهِ، وَفِي إرَادَةِ الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ. (وَإِنْ سَقَطَ مَا عَلَى غَارِمٍ) مِنْ دَيْنٍ (أَوْ) سَقَطَ مَا عَلَى (مُكَاتَبٍ) مِنْ مَالِ كِتَابَةٍ (أَوْ فَضَلَ مَعَهُمَا) أَيْ: الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ شَيْءٌ عَنْ الْوَفَاءِ (أَوْ) فَضَلَ (مَعَ غَازٍ أَوْ ابْنِ سَبِيلٍ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِ رَدَّ) غَارِمٌ أَوْ مُكَاتَبٌ سَقَطَ مَا عَلَيْهِ (الْكُلَّ) أَيْ: مَا أَخَذَهُ (أَوْ) رَدَّ مَنْ فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ غَارِمٍ وَمُكَاتَبٍ وَغَازٍ وَابْنِ سَبِيلٍ (مَا فَضَلَ) مَعَهُ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ مُرَاعِي، فَإِنْ صَرَفَهُ فِي جِهَتِهِ الَّتِي اسْتَحَقَّ أَخْذَهُ لَهَا، وَإِلَّا اسْتَرْجَعَ مِنْهُ (وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ) وَهُمْ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَالْعَامِلُونَ عَلَى الزَّكَاةِ وَالْمُؤَلَّفَةُ (يَتَصَرَّفُ فِي فَاضِلٍ بِمَا شَاءَ) لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَضَافَ الزَّكَاةَ إلَيْهِمْ فَاللَّامُ الْمِلْكِ، ثُمَّ قَالَ {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وَلِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ لِمَعْنًى يَحْصُلُ بِأَخْذِهِمْ، وَهُوَ غِنَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَأَدَاءِ أَجْرِ الْعَامِلِينَ، وَتَأْلِيفِ الْمُؤَلَّفَةِ، وَالْأَرْبَعَةُ الْآخَرُونَ يَأْخُذُونَ لِغِنًى لَا يَحْصُلُ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ، فَافْتَرَقُوا. (وَلَوْ اسْتَدَانَ مُكَاتَبٌ مَا) أَيْ: مَالًا أَدَّاهُ لِسَيِّدِهِ (عَتَقَ بِهِ) أَيْ: بِأَدَائِهِ (وَبِيَدِهِ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ (مِنْهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (بِقَدْرِهِ) أَيْ: مَا اسْتَدَانَهُ (فَلَهُ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ (صَرْفُهُ) أَيْ: مَا بِيَدِهِ مِنْهَا (فِيهِ) أَيْ: فِيمَا اسْتَدَانَهُ وَعَتَقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ، وَمَا أَخَذَهُ غَارِمٌ فَقِيرٌ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ دُفِعَ إلَيْهِ لِفَقْرِهِ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ. (تُجْزِيهِ) أَيْ زَكَاةٌ (وَكَفَّارَةٌ وَنَحْوُهُمَا) كَنَذْرٍ وَمُطْلَقٍ (لِصَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ) لِصِغَرِهِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، لِلْعُمُومِ، فَيُصْرَفُ فِي أُجْرَةِ رَضَاعِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ (وَيُقْبَلُ) لَهُ وَلِيُّهُ (وَيَقْبِضُ لَهُ) أَيْ: الصَّغِيرِ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ وَالْهِبَةَ وَنَحْوَهَا (وَلِيُّهُ) فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَنْ يَلِيهِ مِنْ أُمٍّ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ مِنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْوِلَايَةِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. مَنْصُوصُ أَحْمَدَ. (و) تُجْزِئُ زَكَاةٌ وَكَفَّارَةٌ وَنَحْوُهُمَا (لِمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِنِسْبَتِهِ) أَيْ: الْبَعْضِ الْحُرِّ مِنْهُ، فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَأْخُذ مِنْ زَكَاةٍ نِصْفَ كِفَايَتِهِ سَنَةً، وَمَنْ ثُلُثُهُ حُرٌّ، يَأْخُذُ ثُلُثَ كِفَايَتِهِ سَنَةً، وَهَكَذَا. (وَيُشْتَرَطُ) لِإِجْزَاءِ زَكَاةٍ (تَمْلِيكُ الْمُعْطَى) لَهُ، لِيَحْصُلَ لَهُ الْإِيتَاءُ الْمَأْمُورُ بِهِ، فَلَا يَكْفِي إبْرَاءُ فَقِيرٍ مِنْ دَيْنِهِ، وَلَا حَوَالَتِهِ بِهَا. وَكَذَا لَا يُقْضَى مِنْهَا دَيْنُ مَيِّتٍ غَرِمَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا.
(وَلِلْإِمَامِ قَضَاءُ دَيْنٍ عَنْ) غَارِمٍ (حَيٍّ) مِنْ زَكَاةٍ بِلَا إذْنِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي إيفَائِهِ، وَلِهَذَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ (وَالْأَوْلَى لَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ دَفْعُ زَكَاةٍ إلَى سَيِّدِ مُكَاتَبٍ. (وَ) الْأَوْلَى (لِمَالِكٍ) مُزَكٍّ (دَفْعُهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (إلَى سَيِّدِ مُكَاتَبٍ لِرَدِّهِ) أَيْ: سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ (مَا قَبَضَ) مِنْ زَكَاةِ مَالِ كِتَابَةٍ (إنْ رَقَّ) مُكَاتَبٌ (بِعَجْزِهِ) عَنْ وَفَاءِ كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْعِتْقُ الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ الْأَخْذُ (لَا) يَرُدُّ سَيِّدُ مُكَاتَبٍ (مَا قَبَضَ مُكَاتَبٌ مِنْ زَكَاةٍ) وَدَفَعَهُ لِسَيِّدِهِ، ثُمَّ عَجَزَ أَوْ مَاتَ وَنَحْوَهُ وَلَوْ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ. (وَلِمَالِكِ) زَكَاةٍ (دَفْعُهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (إلَى غَرِيمٍ مَدِينٍ) مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ (بِتَوْكِيلِهِ) أَيْ: الْمَدِينِ (وَيَصِحُّ) تَوْكِيلُ مَدِينٍ لِرَبِّهَا فِي ذَلِكَ (وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا) مَدِينٌ. (وَ) لِلْمَالِكِ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى غَرِيمٍ مَدِينٍ (بِدُونِهِ) أَيْ تَوْكِيلِ الْمَدِينِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الزَّكَاةَ فِي قَضَاءِ دَيْنِ الْمَدِينِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَقَضَى بِهَا دَيْنَهُ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ (أُبِيحَ لَهُ سُؤَالُهُ) نَصًّا لِظَاهِرِ حَدِيثِ {لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ} وَلِأَنَّهُ يَطْلُبُ حَقَّهُ الَّذِي جُعِلَ لَهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ سُؤَالُ مَا لَا يُبَاحُ أَخْذُهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ الْمَسْأَلَةَ كُلَّهَا، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْأَبِ أَيْسَرُ (وَلَا بَأْسَ بِمَسْأَلَةِ شُرْبِ الْمَاءِ) نَصًّا وَاحْتَجَّ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِي الْعَطْشَانِ، يَسْتَقِي: يَكُونُ أَحْمَقَ، وَلَا بَأْسَ بِفِعْلِهِ بِالِاسْتِعَارَةِ وَالِافْتِرَاضِ نَصًّا، وَكَذَا نَحْوُ شِسْعِ النَّعْلِ (وَإِعْطَاءِ السُّؤَالِ) جَمْعُ سَائِلٍ (مَعَ صِدْقِهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِحَدِيثِ {لَوْ صَدَقَ مَا أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُ} احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَأَجَابَ بِأَنَّ السَّائِلَ إذَا قَالَ: أَنَا جَائِعٌ، وَظَهَرَ صِدْقُهُ وَجَبَ إطْعَامُهُ، وَإِنْ سَأَلُوا مُطْلَقًا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجِبْ إعْطَاؤُهُمْ، وَلَوْ أَقْسَمُوا؛ لِأَنَّ إبْرَارَ الْقَسَمِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَقْسَمَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَإِنْ جَهِلَ حَالَ السَّائِلِ، فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَإِطْعَامُ جَائِعٍ وَنَحْوِهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ. (وَيَجِبُ قَبُولُ مَالٍ طَيِّبٍ أَتَى بِلَا مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ) نَقَلَ الْأَثْرَمُ: عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ لِقَوْلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خُذْهُ " وَعَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا أَنَّهُ رَدَّ، وَقَالَ: دَعْنَا نَكُونُ أَعِزَّاءً، وَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ: يُكْرَهُ رَدُّهَا، وَإِنْ قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مُحَرَّمًا، أَوْ فِيهِ شُبْهَةٌ رَدَّهُ، وَكَذَا إنْ اسْتَشْرَفَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ، بِأَنْ قَالَ: سَيَبْعَثُ لِي فُلَانٌ بِكَذَا وَنَحْوِهِ، وَمَنْ أَعْطَى شَيْئًا لِيُفَرِّقَهُ، فَحَسَّنَ أَحْمَدُ عَدَمَ الْأَخْذِ فِي رِوَايَةِ، وَالْأَوْلَى الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ. (وَمَنْ سَأَلَ وَاجِبًا) كَمَنْ طَلَبَ شَيْئًا مِنْ زَكَاةٍ (مُدَّعِيًا كِتَابَةً) أَيْ: أَنَّهُ مُكَاتَبٌ (أَوْ) مُدَّعِيًا (غُرْمًا) أَيْ: أَنَّهُ غَارِمٌ (أَوْ) مُدَّعِيًا (أَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ. أَوْ) مُدَّعِيًا (فَقْرًا وَعُرِفَ بِغِنًى قَبْلُ لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ صُدِّقَ فِي إرَادَةِ السَّفَرِ، كَمَا تَقَدَّمَ بِلَا يَمِينٍ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ إنَّهُ غَارِمٌ، جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ فِي الْإِقْنَاعِ، وَقَالَ: وَيَكْفِي اشْتِهَارُ الْغُرْمِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ (وَهِيَ) أَيْ: الْبَيِّنَةُ (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ) أَيْ: إذَا ادَّعَى فَقْرًا مَنْ عُرِفَ بِغِنًى (ثَلَاثَةُ رِجَالٍ) لِحَدِيثِ {إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ إلَّا لِثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَإِنْ صَدَّقَ مُكَاتَبًا سَيِّدُهُ قُبِلَ) وَأُعْطِيَ (أَوْ) صَدَّقَ (غَارِمًا غَرِيمُهُ) أَنَّهُ مَدِينُهُ (قُبِلَ وَأُعْطِيَ) مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُهُ. (وَيُقَلَّدُ مَنْ ادَّعَى) مِنْ فُقَرَاءَ أَوْ مَسَاكِينِ (عِيَالًا) فَيُعْطِي لَهُمْ بِلَا بَيِّنَةٍ (أَوْ) ادَّعَى (فَقْرًا وَلَمْ يُعْرَفْ بِغِنًى) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ، فَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً بِهِ. (وَكَذَا يُقَلَّدُ جَلْدٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ: صَحِيحٌ (ادَّعَى عَدَمَ مَكْسَبٍ) وَيُعْطَى مِنْ زَكَاةٍ (بَعْدَ إعْلَامِهِ) أَيْ: الْجَلْدِ وُجُوبًا (أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (لِغَنِيٍّ وَلَا قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد فِي الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ سَأَلَاهُ وَفِيهِ: {أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَصَعَّدَ فِينَا النَّظَرَ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ}. (وَيَحْرُمُ أَخْذُ) صَدَقَةٍ (بِدَعْوَى غِنَى فُقَرَاءَ، وَلَوْ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَسُنَّ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ) أَيْ: أَهْلِ الزَّكَاةِ الثَّمَانِيَةِ (بِلَا تَفْضِيلٍ) بَيْنَهُمْ (إنْ وُجِدَتْ) الْأَصْنَافُ (حَيْثُ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ) وَإِلَّا عُمِّمَ مَنْ أَمْكَنَ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَلِيَحْصُلَ الْإِجْزَاءُ بِيَقِينٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ مَا ظَاهِرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَقَدْ يَتَكَلَّفُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. (وَ) سُنَّ (تَفْرِقَتُهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (فِي أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ) كَذَوِي رَحِمِهِ، وَمَنْ لَا يَرِثُهُ مِنْ نَحْوِ أَخٍ وَعَمٍّ (عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ) فَيَزِيدُ ذَا الْحَاجَةِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ لِحَدِيثِ {صَدَقَتُك عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَيَبْدَأُ بِأَقْرَبَ فَأَقْرَبَ (وَمَنْ فِيهِ) مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ (سَبَبَانِ) كَفَقِيرٍ غَارِمٍ أَوْ ابْنِ سَبِيلٍ (أَخَذَ بِهِمَا) أَيْ: السَّبَبَيْنِ، فَيُعْطَى بِفَقْرِهِ كِفَايَتَهُ مَعَ عَائِلَتِهِ سَنَةً، وَبِغُرْمِهِ مَا يَفِي بِهِ دَيْنَهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِأَحَدِهِمَا) أَيْ السَّبَبَيْنِ (لَا بِعَيْنِهِ) لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ وَعَدَمِهِ (وَإِنْ أُعْطِيَ بِهِمَا) أَيْ: السَّبَبَيْنِ (وَعُيِّنَ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرٌ) مَعْلُومٌ فَذَاكَ (وَإِلَّا) يُعَيَّنْ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرٌ (كَانَ) مَا أُعْطِيهِ (بَيْنَهُمَا) أَيْ: السَّبَبَيْنِ (نِصْفَيْنِ) وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ إنْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الرَّدَّ. (وَيُجْزِئُ اقْتِصَارٌ) فِي إيتَاءِ زَكَاةٍ (عَلَى إنْسَانٍ) وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ (وَلَوْ غَرِيمَهُ) أَيْ الْمُزَكِّي (أَوْ مُكَاتَبَهُ مَا لَمْ تَكُنْ حِيلَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وَلِحَدِيثِ مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ إلَّا صِنْفٌ وَاحِدٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ تَعْمِيمُ كُلِّ صِنْفٍ بِهَا، فَجَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ، كَالْوَصِيَّةِ لِجَمَاعَةٍ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ، وَالْآيَةُ سِيقَتْ لِبَيَانِ مَنْ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ، لَا لِإِيجَابِ الصَّرْفِ لِلْجَمِيعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَعْمِيمُ كُلِّ صِنْفٍ بِهَا، وَلِمَا فِيهَا مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَجَازَ دَفْعُهَا لِغَرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَارِمِينَ، فَإِنْ رَدَّهَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ بِلَا شَرْطٍ جَازَ لَهُ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ مَلَكَ مَا أَخَذَهُ بِالْأَخْذِ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَفَاهُ مِنْ مَالِ آخَرَ، لَكِنْ إنْ قَصَدَ بِالدَّفْعِ إحْيَاءَ مَالِهِ وَاسْتِيفَاءَ دَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَصْرِفُهَا إلَى نَفْعِهِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي مُكَاتَبٍ. (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لِتِجَارَةٍ، قِيمَتُهُ نِصَابٌ بَعْدَ الْحَوْلِ، قَبْلَ إخْرَاجِ مَا فِيهِ مِنْ زَكَاةٍ. فَلَهُ) أَيْ: سَيِّدِهِ (دَفْعُهُ) أَيْ: مَا فِيهِ مِنْ زَكَاةٍ (إلَيْهِ) أَيْ: الْعَتِيقِ. وَكَذَا فِطْرَةُ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ سَيِّدُهُ فَقِيرًا (مَا لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ) مِنْ غِنًى وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ مَا وَجَبَ فِيهِ.
وَلَا تُجْزِئُ زَكَاةٌ إلَى كَافِرٍ غَيْرِ مُؤَلَّفٍ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ (وَلَا) تُجْزِئُ (إلَى كَامِلِ رِقٍّ) مِنْ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَلَوْ كَانَ سَيِّدُهُ فَقِيرًا وَنَحْوَهُ، لِاسْتِغْنَائِهِ بِنَفَقَةِ سَيِّدِهِ، وَتَقَدَّمَ الْمُبَعَّضُ (غَيْرَ عَامِلٍ) لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ يَسْتَحِقُّهَا سَيِّدُهُ (وَ) غَيْرَ (مُكَاتَبٍ) لِأَنَّهُ فِي الرِّقَابِ. (وَلَا) تُجْزِئُ إلَى (زَوْجَةِ) الْمُزَكِّي، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ، فَتَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ، وَكَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَالنَّاشِزُ كَغَيْرِهَا، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ. (و) لَا تُجْزِئُ إلَى (فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (مُسْتَغْنِيَيْنِ بِنَفَقَةٍ وَاجِبَةٍ) عَلَى قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ غَنِيَّيْنِ، لِحُصُولِ الْكِفَايَةِ بِالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لَهَا، أَشْبَهَ مَنْ لَهُ عَقَارٌ يَسْتَغْنِي بِأُجْرَتِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ مِنْهُمَا جَازَ الدَّفْعُ، كَمَا لَوْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَةُ الْعَقَارِ. (وَلَا) تُجْزِئُ إلَى (عَمُودِيِّ نَسَبِهِ) أَيْ: مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا: مِنْ أَوْلَادِ الْبَنِينَ أَوْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ، الْوَارِثُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ نَصًّا؛ لِأَنَّ دَفْعَهَا إلَيْهِمْ يُغْنِيهِمْ عَنْ نَفَقَتِهِ وَيُسْقِطُهَا عَنْهُ فَيَعُودُ نَفْعُهَا إلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى نَفْسِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَضَى بِهَا دَيْنَهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَا) أَيْ: عَمُودَا نَسَبِهِ (عُمَّالًا) عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ أُجْرَةَ عَمَلِهِمْ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَهُمْ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ (أَوْ) يَكُونَا (مُؤَلَّفَيْنِ) لِأَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ لِلتَّأْلِيفِ، كَمَا لَوْ كَانُوا أَجَانِبَ (أَوْ) يَكُونَا (غُزَاةً) لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ، أَشْبَهُوا الْعَامِلِينَ (أَوْ) يَكُونَا (غَارِمِينَ لِ) إصْلَاحِ (ذَاتِ بَيْنٍ) كَمَا سَبَقَ، بِخِلَافِ غَارِمٍ لِنَفْسِهِ. (وَلَا) يُجْزِئُ امْرَأَةً دَفْعُ زَكَاتِهَا إلَى (زَوْجِ) هَا لِأَنَّهَا تَعُودُ إلَيْهَا بِإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا. (وَلَا) يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةِ إنْسَانٍ إلَى (سَائِرِ مَنْ تَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُزَكِّيَ (نَفَقَتُهُ) مِمَّنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ، كَأُخْتٍ وَعَمٍّ وَعَتِيقٍ، حَيْثُ لَا حَاجِبَ (مَا لَمْ يَكُنْ) مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ (عَامِلًا أَوْ غَازِيًا أَوْ مُؤَلَّفًا، أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ، أَوْ غَارِمًا لِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ) لِأَنَّهُ يُعْطَى لِغَيْرِ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، بِخِلَافِ عَمُودِيِّ النَّسَبِ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ. (وَلَا) يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةٍ إلَى (بَنِي هَاشِمٍ، وَهُمْ سُلَالَتُهُ) أَيْ: هَاشِمٍ، ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا (فَدَخَلَ آلُ عَبَّاسِ) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (وَآلُ عَلِيٍّ، وَ) آلُ (جَعْفَرٍ، وَ) آلُ (عَقِيلِ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ (وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، و) آلُ (أَبِي لَهَبٍ) سَوَاءٌ أُعْطُوا مِنْ الْخُمْسِ أَوْ لَا، لِعُمُومِ {إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ، إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ (مَا لَمْ يَكُونُوا) أَيْ: بَنُو هَاشِمٍ (غُزَاةً أَوْ مُؤَلَّفَةً، أَوْ غَارِمِينَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ) فَيُعْطَوْنَ لِذَلِكَ، لِجَوَازِ الْأَخْذِ مَعَ الْغِنَى، وَعَدَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ. (وَكَذَلِكَ مَوَالِيهِمْ) أَيْ: عُتَقَاءُ بَنِي هَاشِمٍ. لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا، فَقَالَ: حَتَّى آتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلُهُ فَانْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ} أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. و(لَا) كَذَلِكَ (مَوَالِي مَوَالِيهِمْ) فَيُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ، وَتُجْزِئُ إلَى وَلَدِ هَاشِمِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ اعْتِبَارًا بِالْأَبِ (وَلِكُلٍّ) مِمَّنْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةٍ إلَيْهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ (أَخْذُ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} وَلَمْ يَكُنْ الْأَسِيرُ يَوْمَئِذٍ إلَّا كَافِرًا، وَلِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: {قَدِمْت عَلَى أُمِّي، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ}. (وَسُنَّ تَعَفُّفُ غَنِيٍّ عَنْهَا) أَيْ: صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ (وَ) سُنَّ لَهُ (عَدَمُ تَعَرُّضِهِ لَهَا) أَيْ: صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِمَدْحِهِ تَعَالَى الْمُتَعَفِّفِينَ عَنْ السُّؤَالِ مَعَ حَاجَتِهِمْ قَالَ تَعَالَى: {يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ}. وَلِكُلِّ فَقِيرٍ (وَ) مِسْكِينٍ هَاشِمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ أَخْذٌ مِنْ (وَصِيَّةٍ لِفُقَرَاءَ) لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّاهُمْ إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُنِعَ مِنْ فَرْضِ الصَّدَقَةِ وَنَفْلِهَا؛ لِأَنَّ اجْتِنَابَهَا كَانَ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ وَأَكَلَ مَعَهُمْ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَرِضَ، أَوْ يُهْدَى لَهُ أَوْ يُنْظَرَ بِدَيْنِهِ، أَوْ يُوضَعَ عَنْهُ، أَوْ يَشْرَبَ مِنْ سِقَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ، أَوْ يَأْوِي إلَى مَكَان جُعِلَ لِلْمَارَّةِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ الَّتِي لَا غَضَاضَةَ فِيهَا، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهَا فِي حَقِّ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، مَعَ أَنَّ فِي الْخَبَرِ {كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ} وَلِكُلِّ مَنْ مُنِعَ الزَّكَاةَ مِنْ هَاشِمِيٍّ (و) غَيْرِهِ الْأَخْذُ (مِنْ نَذْرٍ) مُطْلَقٍ دُخُولُهُ فِيهَا غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و(لَا) يَأْخُذُ مَنْ مُنِعَ الزَّكَاةَ مِنْ (كَفَّارَةٍ) لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ بِالشَّرْعِ، أَشْبَهَتْ الزَّكَاةَ، بَلْ أَوْلَى. لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّتِهَا لِمَحْوِ الذَّنْبِ فَهِيَ مِنْ أَشَدِّ أَوْسَاخِ النَّاسِ. (وَيُجْزِئُ) دَفْعُ زَكَاتِهِ (إلَى ذَوِي أَرْحَامِهِ) غَيْرِ عَمُودِيِّ نَسَبِهِ كَأَخْوَالِهِ وَأَوْلَادِ أُخْتِهِ (وَلَوْ وَرِثُوا) لِحَدِيثِ {الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ لِذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ} وَلِأَنَّ قَرَابَتَهُمْ ضَعِيفَةٌ. (وَ) يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةٍ إلَى (بَنِي الْمُطَّلِبِ) لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ لَهُمْ خَرَجَ مِنْهَا بَنُو هَاشِمٍ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ بَنِي هَاشِمٍ أَشْرَفُ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَارَكُوهُمْ فِي الْخُمْسِ بِالنُّصْرَةِ مَعَ الْقَرَابَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ} وَالنُّصْرَةُ لَا تَقْتَضِي حِرْمَانَ الزَّكَاةِ. (و) يُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ دَفْعُهَا إلَى (مَنْ تَبَرَّعَ بِنَفَقَتِهِ بِضَمِّهِ إلَى عِيَالِهِ) كَيَتِيمٍ غَيْرِ وَارِثٍ، لِدُخُولِهِ فِي الْعُمُومَاتِ، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ يُخْرِجُهُ، بَلْ رَوَى الْبُخَارِيُّ {أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَنِي أَخٍ لَهَا أَيْتَامٌ فِي حِجْرِهَا فَتُعْطِيهِمْ زَكَاتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ} (أَوْ) مَنْ (تَعَذَّرَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ قَرِيبٍ بِغَيْبَةٍ أَوْ امْتِنَاعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا) كَمَنْ لَهُ عَقَارٌ وَتَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ. (وَإِنْ دَفَعَهَا) أَيْ: الزَّكَاةَ رَبُّ الْمَالِ (لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا لِجَهْلٍ) مِنْهُ بِحَالِهِ، بِأَنْ دَفَعَهَا لِعَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ هَاشِمِيٍّ أَوْ وَارِثِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ (ثُمَّ عَلِمَ) (لَمْ تُجْزِئْهُ) لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى حَالُهُ غَالِبًا كَدَيْنِ آدَمِيٍّ، وَتُرَدُّ بِنَمَائِهَا مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَهَا قَابِضٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، (إلَّا لِغَنِيٍّ إذَا ظَنَّهُ فَقِيرًا) فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَتُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ مِمَّا يُخْفِي، وَلِذَلِكَ اكْتَفَى فِيهِ بِقَوْلِ الْآخِذِ.
وَتُسَنُّ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ بِفَاضِلٍ عَنْ كِفَايَةٍ دَائِمَةٍ (بِمُتَّجَرٍ أَوْ غَلَّةٍ أَوْ صَنْعَةٍ عَنْهُ) أَيْ: الْمُتَصَدِّقِ (وَعَمَّنْ يَمُونُهُ) لِحَدِيثِ {الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (كُلَّ وَقْتٍ) لِإِطْلَاقِ الْحَثِّ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ وَالْأَخْبَارِ. (وَ) كَوْنُهَا (سِرًّا بِطِيبِ نَفْسٍ فِي صِحَّةٍ) أَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وَلِحَدِيثِ " وَأَنْتَ صَحِيحٌ". (وَ) كَوْنُهَا فِي شَهْرِ (رَمَضَانَ) أَفْضَلُ. لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ} الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ {مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ}. (وَ) كَوْنُهَا فِي (وَقْتِ حَاجَةٍ) أَفْضَلُ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} (و) فِي (كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ فَاضِلٍ، كَالْعَشْرِ) الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (وَ) كَ (الْحَرَمَيْنِ) أَفْضَلُ، لِكَثْرَةِ التَّضَاعُفِ. (وَ) كَوْنُهَا عَلَى (جَارٍ) أَفْضُلُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} وَحَدِيثِ {مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ}. (وَ) كَوْنُهَا عَلَى (ذِي رَحِمٍ) لَهُ (لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَاوَةٍ) بَيْنَهُمَا لِحَدِيثِ {أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى الرَّحِمِ الْكَاشِحِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ (وَهِيَ) أَيْ: الصَّدَقَةُ (عَلَيْهِمْ) أَيْ: ذَوِي رَحِمِهِ صَدَقَةٌ وَ(صِلَةٌ) لِلْخَيْرِ (أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} وَلِلْخَبَرِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخُصَّ بِالصَّدَقَةِ مَنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}. (وَمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةً تَلْزَمُهُ) كَمُؤْنَةِ زَوْجَةٍ أَوْ قَرِيبٍ أَثِمَ لِحَدِيثِ {كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ} إلَّا أَنْ يُوَافِقَهُ عِيَالُهُ عَلَى الْإِيثَارِ فَهُوَ أَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جَهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ إلَى فَقِيرٍ فِي السِّرِّ}. (أَوْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَرِيمِهِ أَوْ بِكَفِيلِهِ) بِسَبَبِ صَدَقَةٍ (أَثِمَ) لِحَدِيثِ {لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ}. (وَمَنْ أَرَادَهَا) أَيْ: الصَّدَقَةَ (بِمَالِهِ كُلِّهِ وَلَهُ عَائِلَةٌ لَهُمْ كِفَايَةٌ أَوْ) لَهُ عَائِلَةٌ (يَكْفِيهِمْ بِمَكْسَبِهِ) فَلَهُ ذَلِكَ لِقِصَّةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَوْ) كَانَ (وَحْدَهُ) لَا عِيَالَ لَهُ (وَيَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ. فَلَهُ ذَلِكَ) لِعَدَمِ الضَّرِّ (وَإِلَّا) يَكُنْ لِعِيَالِهِ كِفَايَةٌ وَلَمْ يَكْفِهِمْ بِمَكْسَبِهِ (حَرُمَ) وَحُجِرَ عَلَيْهِ لِإِضَاعَةِ عِيَالِهِ. وَالْحَدِيثُ {يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ، فَيَقُولُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ؟ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَكَذَا إنْ كَانَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ. (وَكُرِهَ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ) عَلَى الضِّيقِ (أَوْ لَا عَادَةَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ أَنْ يَنْقُصَ نَفْسَهُ عَنْ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ إضْرَارٍ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَقْتَرِضُ لِيَتَصَدَّقَ، لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي فَقِيرٍ لِقَرِيبِهِ وَلِيمَةٌ يَسْتَقْرِضُ، وَيُهْدِي لَهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الطَّبَقَاتِ. (وَمَنْ مَيَّزَ شَيْئًا لِلصَّدَقَةِ) بِهِ (أَوْ وَكَّلَ فِيهِ) أَيْ الصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ (ثُمَّ بَدَا لَهُ) أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِهِ (سُنَّ) لَهُ (إمْضَاؤُهُ) مُخَالَفَةً لِلنَّفْسِ وَالشَّيَاطِينِ. وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ. و(لَا) يُسَنُّ لَهُ (إبْدَالُ مَا أَعْطَى سَائِلًا فَسَخِطَهُ) فَإِنْ قَبَضَهُ وَسَخِطَهُ لَمْ يُعْطِ لِغَيْرِهِ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَفِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ فِي الْأَظْهَرِ: أَنَّ أَخْذَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْلَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ أَخَذَهَا سِرًّا أَوْلَى (وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ) وَغَيْرِهَا (كَبِيرَةٌ) عَلَى نَصِّهِ، الْكَبِيرَةُ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا، أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ (وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِهِ) أَيْ: الْمَنِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِأَصْحَابِنَا خِلَافٌ فِيهِ وَفِي إبْطَالِ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ. وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الْإِحْبَاطَ بِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَر السَّلَفِ.
|