الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
وَهِيَ لُغَةً: الْعَهْدُ وَالضَّمَانُ وَالْأَمَانُ لِحَدِيثِ {الْمُسْلِمُونَ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ} مِنْ أَذَمَّهُ يُذِمَّهُ إذَا جَعَلَ لَهُ عَهْدًا، وَمَعْنَى عَقْدِ الذِّمَّةِ: إقْرَارُ بَعْضِ الْكُفَّارِ عَلَى كُفْرِهِمْ، بِشَرْطِ بَذْلِ الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الْآيَةَ. وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَالَ لِجُنْدِ كِسْرَى يَوْمَ نَهَاوَنْدَ: {أَمَرَنَا رَسُولُ رَبِّنَا أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَيَجِبُ) عَقْدُ الذِّمَّةِ (إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ) أَيْ بَذْلُ الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامُ أَحْكَامِنَا مِنْ كِتَابِيٍّ أَوْ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ (مَا لَمْ تُخَفْ غَائِلَتُهُمْ) أَيْ غَدْرُهُمْ إنْ مُكِّنُوا مِنْ مُقَامٍ بِدَارِ إسْلَامٍ. لِحَدِيثِ: {لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ} (وَلَا يَصِحُّ) عَقْدُهَا (إلَّا مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) لِتَعَلُّقِ نَظَرِ الْإِمَامِ بِهِ وَدِرَايَتِهِ بِجِهَةِ الْمَصْلَحَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ، فَعَقْدُهُ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ افْتِئَاتٌ عَلَيْهِ (وَصِفَتُهُ) أَيْ عَقْدِ الذِّمَّةِ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (أُقْرِرْتُمْ بِجِزْيَةٍ وَاسْتِسْلَامٍ) أَيْ انْقِيَادِ لِأَحْكَامِنَا (أَوْ يَبْذُلُونَ ذَلِكَ) مِنْ أَنْفُسِهِمْ (فَيَقُولُ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (أَقْرَرْتُكُمْ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوِهَا) كَقَوْلِهِ: هَادَنْتُكُمْ عَلَى الْإِقَامَةِ بِدَارِنَا بِجِزْيَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ تَقْدِيرُ الْجِزْيَةِ فِي الْعَقْدِ (وَالْجِزْيَةُ) مِنْ الْجَزَاءِ (مَالٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الذِّلَّةِ وَالِامْتِهَانِ (كُلَّ عَامٍ) فِي آخِرِهِ (بَدَلًا عَنْ قَتْلِهِمْ، وَ) عَنْ (إقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا) فَإِنْ لَمْ يَبْذُلُوهَا لَمْ نَكُفَّ عَنْهُمْ. (وَلَا تُعْقَدُ) الذِّمَّةُ (إلَّا لِأَهْلِ كِتَابٍ) التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَهُمْ (الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمَنْ يَدِينُ بِالتَّوْرَاةِ كَالسَّامِرَةِ) يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى وَيُخَالِفُونَ الْيَهُودَ فِي فُرُوعٍ مِنْ دِينِهِمْ (أَوْ) يَدِينُ (بِالْإِنْجِيلِ كَالْفِرِنْجِ وَالصَّابِئِينَ) وَالرُّومِ وَالْأَرْمَنِ، وَكُلِّ مَنْ انْتَسَبَ لِدِينِ عِيسَى (أَوْ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَالْمَجُوسِ) فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ وَرُفِعَ، فَذَلِكَ شُبْهَةٌ لَهُمْ أَوْجَبَتْ حَقْنَ دِمَائِهِمْ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ. وَلِحَدِيثِ " أَخْذِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَإِذَا اخْتَارَ كَافِرٌ لَا تُعْقَدُ لَهُ) الذِّمَّةُ كَوَثَنِيٍّ (دِينًا مِنْ هَؤُلَاءِ) الْأَدْيَانِ، بِأَنْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ، وَلَوْ بَعْدَ بَعْثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُقِرَّ) عَلَى ذَلِكَ (وَعُقِدَتْ لَهُ) الذِّمَّةُ كَالْأَصْلِيِّ، لَكِنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا مُنَاكَحَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبَوَاهُ كِتَابِيَّيْنِ (وَنَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودُهُمْ وَمَجُوسُهُمْ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَظَاهِرُهُ حَتَّى حَرْبِيٌّ مِنْهُمْ لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْحِ عُمَرَ، خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ (وَغَيْرُهُمْ). كَمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخَ وَبَهْزِيٍّ، أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ تَمِيمٍ (لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ بَذَلُوهَا) لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ. وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ مَعَهُمْ هَكَذَا (وَيُؤْخَذُ عِوَضُهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ (زَكَاتَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا فِيهِ زَكَاةٌ) لِأَنَّ عُمَرَ ضَاعَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاتَانِ، وَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةٍ تَبِيعَانِ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ وَمِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَفِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْخُمْسُ وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دُولَابٍ أَوْ غَرْبٍ الْعُشْرُ (حَتَّى مِمَّا لَا تَلْزَمُهُ جِزْيَةٌ) فَتُؤْخَذُ مِنْ مَالِ صِغَارِهِمْ وَنِسَائِهِمْ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَمَصْرِفُهَا) أَيْ هَذِهِ الزَّكَاةِ الْمُضَعَّفَةِ (كَ) مَصْرِفِ (جِزْيَةٍ) لِأَنَّهَا عِوَضُهَا. وَهَلْ يُطْلَبُ فِيهَا أَيْضًا أَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ كَالْجِزْيَةِ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ أَنَّهَا مِثْلُهَا (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَهِيَ بَدَلُ الْقَتْلِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ " وَلَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ (وَلَوْ بَذَلَتْهَا) أَيْ بَذَلَتْ الْمَرْأَةُ الْجِزْيَةَ (لِدُخُولِ دَارِنَا) فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهَا جِزْيَةٌ (وَتُمَكَّنُ) مِنْ دُخُولِهَا (مَجَّانًا) وَيُرَدُّ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْهُ لِفَسَادِ الْقَبْضِ. فَإِنْ تَبَرَّعَتْ بِشَيْءٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا قُبِلَ، فَيَكُونُ هِبَةً لَا جِزْيَةً. فَإِنْ شَرَطَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ. (وَ) لَا جِزْيَةَ عَلَى (مَجْنُونٍ وَ) لَا (قِنٍّ وَ) لَا (زَمِنٍ وَ) لَا (أَعْمَى وَ) لَا (شَيْخٍ فَانٍ وَ) لَا (رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ) لِأَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ (وَيُؤْخَذُ) مِنْ رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ (مَا زَادَ عَلَى بُلْغَتِهِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا لَنَا كَالرِّزْقِ لِلدُّيُورَةِ وَالْمَزَارِعِ إجْمَاعًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ رَاهِبٍ يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَكْتَسِبُ (وَ) لَا جِزْيَةَ عَلَى (خُنْثَى مُشْكِلٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْهَا وَإِذَا بَانَ) الْخُنْثَى (رَجُلًا أُخِذَ لِلْمُسْتَقْبَلِ) مِنْ اتِّضَاحِ ذُكُورَتِهِ (فَقَطْ) دُونَ الْمَاضِي، فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ إذْ ذَاكَ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ) أَيْ مُتَكَسِّبٍ (يَعْجَزُ عَنْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} وَلِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ، جَعَلَ أَدْنَاهَا عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَمِلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ) أَيْ مِمَّنْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ (مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا) لِأَنَّ بَابَ التَّقْدِيرِ التَّوْقِيفُ وَلَا تَوْقِيفَ فِي هَذَا، فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ (وَتَجِبُ عَلَى مُعْتَقُ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ) لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ. فَلَمْ يُقَرَّ فِي دَارِنَا بِلَا جِزْيَةٍ حُرٌّ أَصْلِيٌّ (وَ) تَجِبُ عَلَى (مُبَعَّضٍ بِحِسَابِهِ) أَيْ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَالْإِرْثِ (وَمَنْ صَارَ أَهْلًا) لِجِزْيَةٍ بِأَنْ بَلَغَ صَغِيرٌ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ أَوْ عَتَقَ قِنٌّ أَوْ اسْتَغْنَى فَقِيرٌ (بِأَثْنَاءِ حَوْلٍ أُخِذَ مِنْهُ) إذَا تَمَّ الْحَوْلُ (بِقِسْطِهِ) وَلَمْ يُتْرَكْ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُهُ، لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى إفْرَادِهِ بِحَوْلٍ وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى أَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَوْلٌ (بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْعَقْدِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِهِ لَهُمْ (وَيُلَفَّقُ مِنْ إفَاقَةِ مَجْنُونٍ حَوْلٌ ثُمَّ تُؤْخَذُ) مِنْهُ جِزْيَتُهُ لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَخَذٌ لَهَا قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا (وَمَتَى بَذَلُوا مَا) وَجَبَ (عَلَيْهِمْ) مِنْ جِزْيَةٍ (لَزِمَ قَبُولُهُ وَ) لَزِمَ (دَفْعُ مَنْ قَصَدَهُمْ بِأَذًى إنْ لَمْ يَكُونُوا بِدَارِ حَرْبٍ وَحَرُمَ قَتْلُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ) وَلَوْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ (وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ) الْجِزْيَةُ (عَنْهُ) نَصًّا. وَقَالَ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ {مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ} لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا أُجْرَةٌ رُوِيَ أَنَّ ذِمِّيًّا أَسْلَمَ فَطُولِبَ بِالْجِزْيَةِ، وَقِيلَ إنَّمَا أَسْلَمَ تَعَوُّذًا. قَالَ إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ " إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا وَكَتَبَ أَنْ لَا تُؤْخَذَ مِنْهُ " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِمَعْنَاهُ و(لَا) تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ (إنْ مَاتَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ) كَمَا لَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْحَوْلِ كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ وَسُقُوطِ الْحَدِّ بِالْمَوْتِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (فَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ وَمَالِ حَيٍّ) جُنَّ وَنَحْوُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ (وَ) إنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْحَوْلِ (تَسْقُطُ) الْجِزْيَةُ. لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ وَلَا تُؤْخَذُ قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا (وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ) هِلَالِيَّةٍ كَالزَّكَاةِ لِتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ وَإِذَا انْقَضَتْ سُنُونَ) وَلَمْ تُؤْخَذُ (اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا) فَلَا تَتَدَاخَلُ، لِأَنَّهَا حَقٌّ يَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ. أَشْبَهَ الزَّكَاةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَيُمْتَهَنُونَ) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ وُجُوبًا (عِنْدَ أَخْذِهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ (وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيْدِيَهُمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (وَلَا يُقْبَلُ) مِمَّنْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ (إرْسَالُهَا) لِفَوَاتِ الصَّغَارِ (وَلَا يَتَدَاخَلُ الصَّغَارُ) فَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ كُلِّ جِزْيَةٍ حَتَّى تُسْتَوْفَى كُلَّهَا (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ (وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ) لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ مِنْ نَقْضِ أَمَانِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعِوَضِ وَلَا يُعَذَّبُونَ فِي أَخْذِهَا وَلَا يُشْطَطُ عَلَيْهِمْ. رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ " أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسَبُهُ الْجِزْيَةَ فَقَالَ إنِّي لَأَظُنُّكُمْ قَدْ أَهْلَكْتُمْ النَّاسَ قَالُوا لَا وَاَللَّهِ مَا أَخَذْنَا إلَّا عَفْوًا صَفْوًا قَالَ بِلَا سَوْطٍ وَلَا نَوْطٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَى يَدَيَّ وَلَا فِي سُلْطَانِي " (وَيَصِحُّ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِدَارِنَا (ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَ) عَلْفَ (دَوَابِّهِمْ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ " أَنَّ عُمَرَ شَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأَنْ يُصْلِحُوا الْقَنَاطِرَ " وَإِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِهِمْ فَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ وَلِأَنَّهُمْ رُبَّمَا امْتَنَعُوا مِنْ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ إضْرَارًا بِهِمْ. (وَ) يَصِحُّ (أَنْ يَكْتَفِيَ بِهَا) أَيْ الضِّيَافَةِ (عَنْ الْجِزْيَةِ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا وَلِفِعْلِ عُمَرَ. (وَيُعْتَبَرُ بَيَانُ قَدْرِهَا) أَيْ الضِّيَافَةِ (وَ) قَدْرِ (أَيَّامِهَا وَعَدَدِ مَنْ يُضَافُ) مِنْ رِجَالٍ وَفُرْسَانٍ فَيَقُولُ: " تُضَيِّفُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ يَوْمٍ مَثَلًا فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشَرَةٌ مِنْ خُبْزِ كَذَا وَأُدْمِ كَذَا. وَلِلْفَرَسِ شَعِيرُ كَذَا وَتِبْنُ كَذَا " لِأَنَّهُ مِنْ الْجِزْيَةِ فَاعْتُبِرَ الْعِلْمُ بِهِ كَالنُّقُودِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا بَيَانُ مَا يُنْزِلُهُمْ فِيهِ وَمَا عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ. وَلِلْمُسْلِمِينَ النُّزُولُ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مَكَانًا نَزَلُوا فِي الْأَفْنِيَةِ وَفُضُولِ الْمَنَازِلِ. وَلَيْسَ لَهُمْ تَحْوِيلُ صَاحِبِ مَنْزِلٍ مِنْهُ. وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَحَلٍّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ. وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمْ مِنْ قِيَامٍ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أُجْبِرَ فَإِنْ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أُجْبِرُوا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِالْقِتَالِ قُوتِلُوا فَإِنْ قَاتَلُوا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ (وَلَا تَجِبُ) ضِيَافَةٌ عَلَيْهِمْ (بِلَا شَرْطٍ) لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ (وَإِذَا تَوَلَّى إمَامٌ فَعَرَفَ قَدْرَ مَا عَلَيْهِمْ) مِنْ جِزْيَةٍ (أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ ظَهَرَ) مَا عَلَيْهِمْ (أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ) بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ أَقَرُّوا عَقْدَ عُمَرَ وَلَمْ يُجَدِّدُوهُ. وَلِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا رَدَّهُ إلَى الصِّحَّةِ (وَإِلَّا) يَعْرِفْ قَدْرَ مَا عَلَيْهِمْ وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَظْهَرْ (رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (إنْ سَاغَ) أَيْ صَلَحَ مَا ادَّعُوهُ جِزْيَةً لِأَنَّهُمْ غَارِمُونَ (وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ مَعَ تُهْمَةٍ) فِيمَا يَذْكُرُونَ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِمْ وَإِذَا بَانَ) لِإِمَامٍ بَعْدَ ذَلِكَ (نَقْصٌ) أَيْ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ بِنَقْصٍ عَمَّا كَانُوا يَدْفَعُونَ لِمَنْ قَبْلَهُ (أَخْذُهُ) أَيْ النَّقْصَ مِنْهُمْ وَإِنْ قَالُوا: كُنَّا نُؤَدِّي كَذَا جِزْيَةً وَكَذَا هَدِيَّةً حَلَّفَهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ كُلَّهُ جِزْيَةٌ. وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ كُنَّا نُؤَدِّي كَذَا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ أَخَذَ كُلًّا بِمَا أَقَرَّ بِهِ (وَإِذَا عَقَدَهَا) أَيْ الذِّمَّةَ إمَامٌ مَعَ كُفَّارٍ (كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَحِلَاهُمْ) جَمْعُ حِلْيَةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا. فَيَكْتُبُ طَوِيلٌ أَوْ قَصِيرٌ أَوْ رَبْعَةٌ أَسْمَرُ أَوْ أَخْضَرُ أَوْ أَبْيَضُ، مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ أَفْرَقُهُمَا، أَدْعَجُ الْعَيْنِ أَقْنَى الْأَنْفِ أَوْ ضِدُّهُمَا وَنَحْوُهُمَا لِيَتَمَيَّزَ كُلٌّ عَنْ غَيْرِهِ (وَ) كَتَبَ (دِينَهُمْ) كَيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ (وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا يَكْشِفُ حَالَ مَنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ) بِبُلُوغٍ أَوْ غِنًى أَوْ عِتْقٍ وَنَحْوِهِ وَيَجْمَعُهُمْ عِنْدَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِاسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ وَأَحْوَطُ، وَيَكْشِفُ أَيْضًا حَالَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَوْ جُنَّ. (أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ أَوْ خَرَقَ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ) لِيَفْعَلَ مَعَهُ الْإِمَامُ مَا يَلْزَمُهُ. وَمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِهَا بَرَاءَةً لِتَكُونَ مَعَهُ حُجَّةً إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا أُجِيبَ. وَلَا يَصِحُّ مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ الذِّمِّيِّينَ أَنَّ مَعَهُمْ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ.
(يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَخْذُهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي نَفْسٍ وَمَالٍ وَعِرْضٍ وَ) فِي (إقَامَةِ حَدٍّ فِيمَا يُحَرِّمُونَهُ) أَيْ يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ (كَزِنًا) فَمَنْ قَتَلَ وَقَطَعَ طَرَفًا أَوْ تَعَدَّى عَلَى مَالٍ، أَوْ قَذَفَ أَوَسَبَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَخَذَ بِذَلِكَ. وَكَذَا لَوْ سَرَقَ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ بِشَرْطِهِ. لِحَدِيثِ أَنَسٍ {أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهُ فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيَّيْنِ قَدْ فَجَرَا بَعْدَ إحْصَانِهِمَا فَرَجَمَهُمَا}، وَقِيسَ الْبَاقِي؛ وَلِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ أَحْكَامُهُ. وَ (لَا) يُحَدُّونَ (فِيمَا يُحِلُّونَهُ) أَيْ يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ (كَخَمْرٍ) وَأَكْلِ خِنْزِيرٍ وَنِكَاحِ ذَاتِ مَحْرَمٍ، لِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا وَإِثْمًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِهِ كَمَا يَأْتِي لِتَأَذِّينَا بِهِ (وَيَلْزَمُهُمْ) أَيْ أَهْلَ الذِّمَّةِ (التَّمْيِيزُ عَنَّا بِقُبُورِهِمْ) تَمْيِيزًا ظَاهِرًا كَالْحَيَاةِ وَأَوْلَى، بِأَنْ لَا يَدْفِنُوا أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَقَابِرِنَا (وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا (بِحِلَاهُمْ بِحَذْفِ مُقَدَّمِ رُءُوسِهِمْ) أَيْ بِأَنْ يَجِزُّوا نَوَاصِيهِمْ، و(لَا) يَجْعَلُونَهُ (كَعَادَةِ الْأَشْرَافِ) بِأَنْ يَتَّخِذُوا شَوَابِينَ (وَأَنْ لَا يَفْرِقُوا شُعُورَهُمْ) بَلْ تَكُونُ جُمَّةً لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلِأَنَّ أَهْلَ الْجِزْيَةِ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا كَتَبُوهُ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، وَكَتَبَ بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ " أَنْ أَمْضِ لَهُمْ مَا سَأَلُوهُ " رَوَاهُ الْخَلَّالُ (وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا (بِكُنَاهُمْ وَبِأَلْقَابِهِمْ فَيُمْنَعُونَ) مِنْ التَّكَنِّي بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ (نَحْوُ أَبِي الْقَاسِمِ) وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (وَ) مِنْ التَّلَقُّبِ بِأَلْقَابِنَا نَحْوُ (عِزِّ الدِّينِ) وَشَمْسِ الدِّينِ. وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْكُنَى بِالْكُلِّيَّةِ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لِأَسْقُفَ نَجْرَانَ أَسْلِمْ يَا أَبَا الْحَارِثِ} وَقَالَ عُمَرُ لِنَصْرَانِيٍّ " يَا أَبَا حَسَّانَ أَسْلِمْ تَسْلَمْ " (وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا إذَا رَكِبُوا (بِرُكُوبِهِمْ عَرْضًا) رِجْلَاهُ إلَى جَانِبٍ وَظَهْرُهُ إلَى جَانِبٍ (بِإِكَافٍ) أَيْ بَرْذَعَةِ (عَلَى غَيْرِ خَيْلٍ) لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ أَنَّ عُمَرَ " أَمَرَ بِجَزِّ نَوَاصِي أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَنْ يَشِدُّوا الْمَنَاطِقَ وَأَنْ يَرْكَبُوا الْأُكُفَ بِالْعَرْضِ". (وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا (بِلِبَاسِ ثَوْبٍ عَسَلِيٍّ لِيَهُودٍ. وَ) لِبَاسِ ثَوْبٍ (أَدْكَنَ وَهُوَ الْفَاخِتِيِّ) لَوْنٌ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ (لِنَصَارَى) وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا جَمِيعِ الثِّيَابِ (وَشَدِّ خِرَقٍ بِقَلَانِسِهِمْ وَعَمَائِمِهِمْ. وَشَدِّ زُنَّارٍ فَوْقَ ثِيَابِ نَصْرَانِيٍّ وَتَحْتَ ثِيَابِ نَصْرَانِيَّةٍ) قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَيَكْفِي الْغِيَارُ أَوْ الزُّنَّارُ (وَيُغَايِرُ نِسَاءُ كُلٍّ) مِنْ يَهُودَ وَنَصَارَى (بَيْنَ لَوْنَيْ خُفٍّ) لِيَمْتَازُوا بِهِ عَنَّا. وَلَا يُمْنَعُونَ فَاخِرَ الثِّيَابِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَالطَّيْلَسَانَ؛ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ. (وَ) يَلْزَمُهُمْ (لِدُخُولِ حَمَّامِنَا جَلْجَلٌ أَوْ خَاتَمُ رَصَاصٍ وَنَحْوِهِ) كَحَدِيدٍ أَوْ طَوْقٍ مِنْ ذَلِكَ لَا مِنْ ذَهَبٍ وَنَحْوِهِ (بِرِقَابِهِمْ) لِيَتَمَيَّزُوا عَنَّا فِي الْحَمَّامِ. وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ صَلِيبٍ مَكَانَهُ لِمَنْعِهِمْ مِنْ إظْهَارِهِ (وَيَحْرُمُ قِيَامٌ لَهُمْ) أَيْ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهُمْ فَهُوَ كَبُدَاءَتِهِمْ بِالسَّلَامِ (وَ) يَحْرُمُ قِيَامٌ (لِمُبْتَدِعٍ يَجِبُ هَجْرُهُ كَرَافِضِيٍّ وَ) يَحْرُمُ (تَصْدِيرُهُمْ فِي الْمَجَالِسِ) لِمَا تَقَدَّمَ. وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُمْ بِالْبَقَاءِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، زَادَ جَمَاعَةٌ قَاصِدًا كَثْرَةَ الْجِزْيَةِ. وَكَرِهَ أَحْمَدُ الدُّعَاءَ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالْبَقَاءِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فُرِغَ مِنْهُ (وَ) يَحْرُمُ (بُدَاءَتُهُمْ بِسَلَامٍ. وَ) بُدَاءَتُهُمْ (بِكَيْفَ أَصْبَحْتَ أَوْ) كَيْفَ (أَمْسَيْتَ أَوْ) كَيْفَ (أَنْتَ أَوْ) كَيْفَ (حَالُك. وَ) تَحْرُمُ (تَهْنِئَتُهُمْ وَتَعْزِيَتُهُمْ وَعِيَادَتُهُمْ وَشَهَادَةُ أَعْيَادِهِمْ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهَا} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَمَا عَدَا السَّلَامَ مِمَّا ذُكِرَ فَفِي مَعْنَاهُ. و(وَلَا) يَحْرُمُ (بَيْعُنَا لَهُمْ) أَيْ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ (فِيهَا) أَيْ أَعْيَادِهِمْ. لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمٌ لَهَا (وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى ذِمِّيٍّ) لَا يَعْلَمُهُ ذِمِّيًّا (ثُمَّ عَلِمَهُ) ذِمِّيًّا. (سُنَّ قَوْلُهُ) لَهُ (رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ كَافِرٌ، فَقَالَ: رُدَّ عَلَيَّ مَا سَلَّمْت عَلَيْك فَرَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ وَوَلَدَك ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَكْثَرُ لِلْجِزْيَةِ " فَإِنْ كَانَ مَعَ الذِّمِّيِّ مُسْلِمٌ سَلَّمَ نَاوِيًا الْمُسْلِمَ نَصًّا (وَإِنْ سَلَّمَ ذِمِّيٌّ) عَلَى مُسْلِمٍ (لَزِمَ) الْمُسْلِمَ (رَدُّهُ. فَيُقَالُ) فِي رَدِّهِ. (وَ) عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ بِلَا وَاوٍ وَبِهَا أَوْلَى لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: {نُهِينَا أَوْ أُمِرْنَا أَنْ لَا نَزِيدَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى وَعَلَيْكُمْ}. (وَإِنْ شَمَّتَهُ) أَيْ الْمُسْلِمَ الْعَاطِسَ (كَافِرٌ أَجَابَهُ) الْمُسْلِمُ ب يَهْدِيك اللَّهُ. وَكَذَا إنْ عَطَسَ الذِّمِّيُّ لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى {أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (وَتُكْرَهُ مُصَافَحَتُهُ) نَصًّا. وَإِذَا كَتَبَ لَهُ كِتَابًا كَتَبَ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى.
وَيُمْنَعُونَ أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ وَمِنْ (ثِقَافٍ وَ) مِنْ (رَمْيٍ) بِنَحْوِ نَبْلٍ (وَنَحْوِهَا) كَلَعِبٍ بِرُمْحٍ وَدَبُّوسٍ لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى الْحَرْبِ. وَكَرِهَ أَحْمَدُ بَيْعَهُمْ ثِيَابًا مَكْتُوبًا عَلَيْهَا ذِكْرُ اللَّهِ. وَلَا تُعَلَّمُ أَوْلَادُهُمْ الْقُرْآنَ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَلَّمُوا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَ) يُمْنَعُونَ مِنْ (تَعْلِيَةِ الْبِنَاءِ) وَلَوْ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ (فَقَطْ) فَلَا يُمْنَعُونَ التَّسْوِيَةَ لِظَاهِرِ مَا يَأْتِي (عَلَى مُسْلِمٍ) مُجَاوِرٍ لَهُمْ. وَإِنْ لَمْ يُلَاصِقْ (وَلَوْ رَضِيَ) جَارُهُمْ الْمُسْلِمُ بِتَعْلِيَةِ بِنَائِهِمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّ اللَّهِ أَيْضًا. وَلِحَقِّ مَنْ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ. لِحَدِيثِ {الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ} وَلِقَوْلِهِمْ فِي شُرُوطِهِمْ: وَلَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ (وَيَجِبُ نَقْضُهُ) أَيْ مَا عَلَا مِنْ بِنَائِهِمْ عَلَى بِنَاءِ جَارِهِمْ الْمُسْلِمِ إزَالَةً لِعُدْوَانِهِمْ (وَيَضْمَنُ) ذِمِّيٌّ عَلَا بِنَاؤُهُ عَلَى بِنَاءِ جَارِهِ الْمُسْلِمِ (مَا تَلِفَتْ بِهِ) أَيْ الْبِنَاءِ الْمُعَلَّى (قَبْلَهُ) أَيْ النَّقْضِ لِتَعَدِّيهِ بِالتَّعْلِيَةِ لِعَدَمِ إذْنِ الشَّارِعِ فِيهَا. وَ (لَا) يُهْدَمُ بِنَاءٌ عَالٍ (إنْ مَلَكُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ تَعْلِيَةٌ (وَلَا يُعَادُ عَالِيًا لَوْ انْهَدَمَ) مَا مَلَكُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ عَالِيًّا لِأَنَّهُ بَعْدَ انْهِدَامِهِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ (وَلَا) يُنْقَضُ بِنَاؤُهُمْ (إنْ بَنَى) مُسْلِمٌ (دَارًا عِنْدَهُمْ) فِي مَحَلَّتِهِمْ (دُونَ بِنَائِهِمْ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْلُوا بِنَاءَهُمْ عَلَى بِنَائِهِ. وَإِنْ وُجِدَتْ دَارُ ذِمِّيٍّ أَعْلَى مِنْ دَارِ مُسْلِمٍ بِجِوَارِهَا وَشُكَّ فِي السَّابِقَةِ. وَقَدْ شُكَّ فِي شَرْطِ جَوَازِهَا (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ إحْدَاثِ كَنَائِسَ وَبِيَعٍ) جَمْعُ بِيعَةٍ (وَمُجْتَمَعٍ) أَيْ مَحَلٍّ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ (لِصَلَاةٍ وَصَوْمَعَةٍ لِرَاهِبٍ) فِي شَيْءٍ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءٌ مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطٍ وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً كَمِصْرٍ وَالشَّامِ. وَلَا يَصِحُّ صُلْحُهُمْ عَلَى إحْدَاثِ ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ. لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بِيعَةً، وَلَا أَنْ يَضْرِبُوا فِيهِ نَاقُوسًا وَلَا يَشْرَبُوا فِيهِ خَمْرًا وَلَا يَتَّخِذُوا فِيهِ خِنْزِيرًا} رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَاحْتَجَّ بِهِ. وَلِأَنَّ أَرَاضِيَ الْمُسْلِمِينَ مِلْكٌ لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا بِنَاءُ مَجَامِعَ لِلْكُفْرِ. وَمَا وُجِدَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ مِنْ كَنَائِسَ وَبِيَعٍ حَالَ فَتْحِهَا لَمْ يَجِبْ هَدْمُهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ فَتَحُوا كَثِيرًا مِنْ الْبِلَادِ عَنْوَةً فَلَمْ يَهْدِمُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَا حُكْمُ إحْدَاثِ صَوْمَعَةٍ لِرَاهِبٍ. لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ {وَأَنْ لَا نُحْدِثَ قِلَّايَةً وَلَا صَوْمَعَةً لِرَاهِبٍ} (إلَّا إنْ شُرِطَ) إحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فِيمَا فُتِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْبَلَدَ الْمَفْتُوحَ صُلْحًا (لَنَا) وَنُقِرُّهُ مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْتَحْ إلَّا عَلَى الشَّرْطِ فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ. (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ) مِنْ نَحْوِ كَنِيسَةٍ وَبِيعَةٍ (أَوْ هُدِمَ ظُلْمًا مِنْهَا وَلَوْ) كَانَ مَا اسْتُهْدِمَ أَوْ هُدِمَ ظُلْمًا مِنْهَا (كُلُّهَا) لِأَنَّهُ بَعْدَ الْهَدْمِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ (كَ) مَا يُمْنَعُونَ مِنْ (زِيَادَتِهَا) أَيْ الْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِيهَا لِمَا لَمْ يَكُنْ، فَيَدْخُلُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {لَا تُبْنَى كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُجَدَّدُ مَا خَرِبَ مِنْهَا} و(لَا) يُمْنَعُونَ (رَمَّ شُعْثِهَا) أَيْ الْكَنَائِسَ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا اسْتِدَامَتَهَا فَمَلَكُوا رَمَّ شَعْثِهَا (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ إظْهَارِ مُنْكَرٍ) كَنِكَاحِ مَحَارِمَ (وَ) إظْهَارِ (عِيدٍ) وَإِظْهَارِ (صَلِيبٍ) وَإِظْهَارِ (أَكْلٍ وَشُرْبٍ بِنَهَارِ رَمَضَانَ وَ) إظْهَارِ (خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) لِأَنَّهُ يُؤْذِينَا وَإِذَا فَعَلُوا) أَيْ أَظْهَرُوا خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا (أَتْلَفْنَاهُمَا) إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ رَفْعِ صَوْتٍ عَلَى مَيِّتٍ وَ) مِنْ (قِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَ) مِنْ (ضَرْبِ نَاقُوسٍ وَجَهْرٍ بِكِتَابِهِمْ) لِأَنَّ فِي شُرُوطِهِمْ لِابْنِ غَنْمٍ {وَأَنْ لَا نَضْرِبَ نَاقُوسًا إلَّا ضَرْبًا خَفِيفًا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا وَلَا نُظْهِرَ عَلَيْهَا أَيْ الْكَنَائِسِ صَلِيبًا وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا فِيمَا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَنْ لَا نُخْرِجَ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا يُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا وَأَنْ لَا نُجَاوِرَهُمْ بِالْجَنَائِزِ وَلَا نُظْهِرَ شِرْكًا} وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ إظْهَارُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِرَمَضَانَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ. (وَإِنْ صُولِحُوا) أَيْ الْكُفَّارُ (فِي بِلَادِهِمْ) أَيْ مَا فُتِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ (عَلَى جِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ فِيمَا سَبَقَ لِأَنَّهُمْ فِي بِلَادِهِمْ أَشْبَهُوا أَهْلَ الْحَرْبِ زَمَنَ الْهُدْنَةِ (وَيُمْنَعُونَ) أَيْ الْكُفَّارَ ذِمِّيِّينَ أَوْ مُسْتَأْمَنِينَ (دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ. وَإِنَّمَا مُنِعُوا مِنْ الْحَرَمِ دُونَ الْحِجَازِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَمَاكِنِ الْعِبَادَاتِ وَأَعْظَمُهَا. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ وَالْيَهُودُ بِالْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ وَنَحْوُهُمَا مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ. وَلَمْ يُمْنَعُوا الْإِقَامَةَ بِهِ. وَأَوَّلُ مَنْ أَجْلَاهُمْ مِنْ الْحِجَازِ عُمَرُ (وَلَوْ بَذَلُوا مَالًا) صُلْحًا لِدُخُولِ الْحَرَمِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ وَلَمْ يُمَكَّنُوا (وَمَا اسْتَوْفَى مِنْ الدُّخُولِ مَلَكَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَالِ) الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ. فَإِنْ دَخَلُوا إلَى انْتِهَاءِ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ مَلَكَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ الْعِوَضِ لِأَنَّهُمْ اسْتَوْفَوْا مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ. وَ (لَا) يُمْنَعُونَ دُخُولَ (الْمَدِينَةِ) لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ وَالْيَهُودُ بِالْمَدِينَةِ. وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْخُرُوجِ (حَتَّى غَيْرَ مُكَلَّفٍ) كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ. (وَ) حَتَّى (رَسُولَهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ فَيُمْنَعُونَ دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ لِعُمُومِ الْآيَةِ (وَيَخْرُجُ) إمَامٌ (إلَيْهِ) أَيْ الرَّسُولِ (إنْ أَبَى أَدَاءَ) الرِّسَالَةِ (إلَّا لَهُ، وَيُعَزِّرُ مَنْ دَخَلَ) مِنْهُمْ حَرَمَ مَكَّةَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْمَنْعِ. وَ (لَا) يُعَزَّرُ إنْ دَخَلَ (جَهْلًا) لِعُذْرِهِ بِالْجَهْلِ (وَيُخْرَجُ) وَيُهَدَّدُ (وَلَوْ) مَرِيضًا أَوْ (مَيِّتًا وَيُنْبَشُ إنْ دُفِنَ بِهِ) أَيْ بِالْحَرَمِ وَيُخْرَجُ مِنْهُ (مَا لَمْ يَبْلَ) لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ إخْرَاجُهُ حَيًّا فَجِيفَتُهُ أَوْلَى. وَإِخْرَاجُهُ إلَى الْحِلِّ سَهْلٌ مُمْكِنٌ لِقُرْبِهِ مِنْ الْحَرَمِ بِخِلَافِ إخْرَاجِهِ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ إلَى غَيْرِهَا، وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مَيِّتٌ لِصُعُوبَتِهِ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ إقَامَةٍ بِالْحِجَازِ كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَخَيْبَرَ وَالْيَنْبُعِ وَفَدَكَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَرْيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ (وَمَخَالِيفِهَا) أَيْ قُرَاهَا الْمُجْتَمِعَةِ كَالرُّسْتَاقِ وَاحِدُهَا مِخْلَافٌ، وَسُمِّيَ حِجَازًا لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ. لِحَدِيثِ عُمَرَ " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَلَا أَتْرُكُ فِيهَا إلَّا مُسْلِمًا} قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ {أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ. قَالَ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُ وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثَةِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالْمُرَادُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ الْحِجَازُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُجْلُوا مِنْ تَيْمَاءَ وَلَا مِنْ الْيَمَنِ وَلَا مِنْ فَدَكَ بِفَتْحِ الْفَاءِ. وَهِيَ قَرْيَةٌ بِشَرْقِيِّ سَلْمَى أَحَدِ جَبَلَيْ طيئ (وَلَا يَدْخُلُونَهَا) أَيْ بِلَادَ الْحِجَازِ (إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) كَمَا لَا يَدْخُلُ أَهْلُ حَرْبٍ دَارَ الْإِسْلَامِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَيَأْذَنُ لَهُمْ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ. وَقَدْ كَانَ الْكُفَّارُ يَتَّجِرُونَ إلَى الْمُدُنِ زَمَنَ عُمَرَ (وَلَا يُقِيمُونَ لِتِجَارَةٍ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ (وَيُوَكِّلُونَ فِي) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ) مَنْ يَقْبِضُهُ لَهُمْ. (وَيُجْبَرُ مَنْ لَهُمْ عَلَيْهِ) دَيْنٌ (حَالٌّ عَلَى وَفَائِهِ) لَهُمْ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ وَإِذَا تَعَذَّرَ) وَفَاؤُهُ لِنَحْوِ مَطْلٍ أَوْ تَغْيِيبٍ (جَازَتْ إقَامَتُهُمْ لَهُ) إلَى اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَفِي إخْرَاجِهِمْ قَبْلَهُ ذَهَابٌ لِمَا لَهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ تَوْكِيلٌ (وَمَنْ مَرِضَ) مِنْ كُفَّارٍ بِالْحِجَازِ (لَمْ يُخْرَجْ مِنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ) لِمَشَقَّةِ الِانْتِقَالِ عَلَى الْمَرِيضِ. فَيَجُوزُ إقَامَتُهُ وَمَنْ يُمَرِّضُهُ (وَإِنْ مَاتَ) كَافِرٌ بِالْحِجَازِ (دُفِنَ فِيهِ) لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ إقَامَتِهِ لِلْمَرَضِ (وَلَيْسَ لِكَافِرٍ دُخُولَ مَسْجِدٍ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ) فِيهِ (مُسْلِمٌ) لِأَنَّ أَبَا مُوسَى دَخَلَ عَلَى عُمَرَ وَمَعَهُ كِتَابٌ فِيهِ حِسَابُ عَمَلِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ " اُدْعُ الَّذِي كَتَبَهُ لِيَقْرَأَهُ قَالَ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَالَ: وَلِمَ لَا يَدْخُلُ؟ قَالَ: إنَّهُ نَصْرَانِيٌّ فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ. وَلِأَنَّ حَدَثَ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ يَمْنَعُ اللَّبْثَ بِالْمَسْجِدِ. فَحَدَثُ الْكُفْرِ أَوْلَى. وَأَمَّا إنْزَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَفْدِ ثَقِيفٍ بِالْمَسْجِدِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِلْحَاجَةِ (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ) أَيْ الْكَافِرِ (لِبِنَائِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِ (وَالذِّمِّيُّ) التَّاجِرُ (وَلَوْ أُنْثَى صَغِيرَةً) أَوْ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى وَنَحْوَهُ (أَوْ كَانَ تَغْلِيبًا إنْ اتَّجَرَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ) وَلَوْ إلَى غَيْرِ الْحِجَازِ (ثُمَّ عَادَ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْوَاجِبُ فِيمَا سَافَرَ إلَيْهِ مِنْ بِلَادِنَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُشْرِ مِمَّا مَعَهُ) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ " أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ فِيهَا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا " وَكَانَ ذَلِكَ بِالْعِرَاقِ وَاشْتُهِرَ وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِمَّا مَعَهُمْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ نَصًّا، وَلَا فِيمَا اتَّجَرُوا فِيهِ مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ (وَيَمْنَعُهُ) أَيْ وُجُوبَ نِصْفِ الْعُشْرِ (دَيْنٌ كَزَكَاةٍ) فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا يُقَابِلُهُ (إنْ ثَبَتَ) الدَّيْنُ (بِبَيِّنَةٍ) فَلَا يُقْبَلُ قَوْلٌ فِيهِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ. (وَيُصَدَّقُ) كَافِرٌ تَاجِرٌ (أَنَّ جَارِيَةً مَعَهُ أَهْلُهُ) أَيْ زَوْجَتُهُ (أَوْ) أَنَّهَا (بِنْتُهُ وَنَحْوُهُمَا) كَأُخْتِهِ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مِلْكِهِ لَهَا فَلَا تُعَشَّرُ (وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَعَ حَرْبِيٍّ اتَّجَرَ إلَيْنَا الْعُشْرَ) سَوَاءٌ عَشَّرُوا أَمْوَالَنَا أَوْ لَا؛ لِأَخْذِ عُمَرَ مِنْهُمْ وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَرْ. فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. وَ (لَا) يُؤْخَذُ عُشْرٌ وَلَا نِصْفُهُ (مِنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ مَعَهُمَا) أَيْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ. لِأَنَّ الْعَشَرَةَ مَالٌ يَبْلُغُ وَاجِبُهُ نِصْفَ دِينَارٍ فَوَجَبَ فِيهِ كَالْعِشْرِينِ فِي زَكَاةِ الْمُسْلِمِ (وَلَا) يُؤْخَذُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ (أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ كُلَّ عَامٍ) نَصًّا. لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ شَيْخًا نَصْرَانِيًّا جَاءَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ " إنَّ عَامِلَك عَشَّرَنِي فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ قَالَ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفُ ثُمَّ كَتَبَ إلَى عَامِلِهِ: أَنْ لَا يُعَشِّرُوا فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً " وَكَالْجِزْيَةِ وَكَالزَّكَاةِ وَمَتَى أُخِذَ مِنْهُمْ كُتِبَ لَهُمْ بَرَاءَةٌ لِتَكُونَ حُجَّةً مَعَهُمْ فَلَا يُعَشَّرُونَ ثَانِيًا. لَكِنْ إنْ كَانَ مَعَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ الْمَالِ الْأَوَّلِ أُخِذَ مِنْ الزَّائِدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَشَّرْ (وَلَا يُعَشِّرُ ثَمَنَ خَمْرٍ وَ) لَا (ثَمَنَ خِنْزِيرٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " وَلَهُمْ بَيْعُهَا وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنْ الثَّمَنِ " حَمَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى مَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ جِزْيَةً وَخَرَاجًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (وَمَنْعُ مَنْ يُؤْذِيهِمْ) مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ. لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْعَهْدِ حِفْظَهُمْ. وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ: " إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا". (وَ) عَلَى الْإِمَامِ (فَكُّ أَسْرَاهُمْ) سَوَاءٌ كَانُوا فِي مَعُونَتِنَا أَوْ لَمْ يَكُونُوا كَالدَّفْعِ عَنْهُمْ (بَعْدَ فَكِّ أَسْرَانَا) لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ آكَدُ وَالْخَوْفُ عَلَيْهِ أَشَدٌّ. لِأَنَّهُ مُعَرَّضُ لِلْفِتْنَةِ عَنْ دِينِهِ (وَإِنْ تَحَاكَمُوا) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (إلَيْنَا) بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ (أَوْ) تَحَاكَمَ إلَيْنَا (مُسْتَأْمَنَانِ بِاتِّفَاقِهِمَا أَوْ اسْتَعْدَى ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ آخَرَ) بِأَنْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُحْضِرَهُ لَهُ (فَلَنَا الْحُكْمُ وَالتَّرْكُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} (وَيَحْرُمُ إحْضَارُ يَهُودِيٌّ فِي سَبْتِهِ. وَتَحْرِيمُهُ) أَيْ السَّبْتِ عَلَى الْيَهُودِ (بَاقٍ فَيُسْتَثْنَى) شَرْعًا (مِنْ عَمَلٍ فِي إجَارَةٍ) لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ {وَأَنْتُمْ يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} (وَيَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) لِإِنْصَافِ الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ رَدِّهِ عَنْ ظُلْمِهِ؛ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِهِ تَضْيِيعًا لِلْحَقِّ فَتَعَيَّنَ فِعْلُهُ (وَيَلْزَمُهُمْ) أَيْ أَهْلَ الذِّمَّةِ (حُكْمُنَا) فَلَا يَمْلِكُونَ رَدَّهُ وَلَا نَقْضَهُ. فَيَلْزَمُهُمْ قَبُولُ مَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ (وَلَا يُفْسَخُ بَيْعٌ فَاسِدٌ تَقَابَضَاهُ وَلَوْ أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمُهُمْ) لِتَمَامِهِ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَيْنَا أَوْ الْإِسْلَامِ فَأُقِرُّوا عَلَيْهِ كَأَنْكِحَتِهِمْ. فَإِنْ يَتَقَابَضَاهُ فُسِخَ، حَكَمَ بِهِ حَاكِمُهُمْ أَوْ لَا، لِفَسَادِهِ وَعَدَمِ تَمَامِهِ وَحُكْمُ حَاكِمِهِمْ بِهِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَكَذَا سَائِرُ حُكْمِ عُقُودِهِمْ وَمُقَاسَمَتِهِمْ. وَالذِّمِّيُّ إنْ عَامَلَ بِالرِّبَا وَبَاعَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَالْمَالُ بِيَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَضَى فِي حَالِ كُفْرِهِ أَشْبَهَ نِكَاحَهُ فِي الْكُفْرِ إذَا أَسْلَمَ (وَيُمْنَعُونَ) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (مِنْ شِرَاءِ مُصْحَفٍ وَكُتُبِ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ) لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ ابْتِذَالَ ذَلِكَ بِأَيْدِيهِمْ. فَإِنْ فَعَلُوا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ وَيُمْنَعُونَ مِنْ التَّبَايُعِ بِالرِّبَا فِي أَسْوَاقِنَا؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ بِفَسَادِ نَقْدِنَا وَمِنْ إظْهَارِ بَيْعِ مَأْكُولٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ كَشِوَاءٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ لَمْ يُقَرَّ أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ لَمْ يُقَرَّ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ بَاطِلٍ قَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِهِ فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ كَالْمُرْتَدِّ. وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُقِرَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَيُقَرُّ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَإِذَا أَبَى مَا كَانَ عَلَيْهِ) مِنْ الدِّينِ (أَوْ) أَبَى (الْإِسْلَامَ هُدِّدَ وَحُبِسَ وَضُرِبَ) حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يَرْجِعَ إلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَلَا يُقْتَلُ لِلشُّبْهَةِ (وَإِنْ انْتَقَلَا) أَيْ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُقَرَّا. (أَوْ) انْتَقَلَ (مَجُوسِيٌّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُقَرَّ) لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ دِينِهِ. أَشْبَهَ الْمُسْلِمَ إذَا ارْتَدَّ (وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ) نَصًّا لِأَنَّ غَيْرَ الْإِسْلَامِ أَدْيَانٌ بَاطِلَةٌ قَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِهَا فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهَا كَالْمُرْتَدِّ (فَإِنَّ أَبَاهُ) أَيْ الْإِسْلَامَ (قُتِلَ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَالْمُرْتَدِّ (وَإِنْ انْتَقَلَ غَيْرُ كِتَابِيٍّ) وَلَوْ مَجُوسِيًّا (إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ) بِأَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ أُقِرَّ، لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ يُقِرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَأَعْلَى مِنْ دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَأُقِرَّ، كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ أَصْلَ دِينِهِ (أَوْ تَمَجَّسَ وَثَنِيٌّ) أَيْ أَحَدُ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ (أُقِرَّ) عَلَى الْمَجُوسِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ تَزَنْدَقَ ذِمِّيٌّ) بِأَنْ لَمْ يَتَّخِذْ دِينًا مُعَيَّنًا (لَمْ يُقْتَلْ) لِأَجْلِ الْجِزْيَةِ نَصًّا (وَإِنْ كَذَّبَ نَصْرَانِيٌّ بِمُوسَى خَرَجَ مِنْ دِينِهِ) أَيْ النَّصْرَانِيَّةِ لِتَكْذِيبِهِ لِنَبِيِّهِ عِيسَى فِي قَوْلِهِ: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ} (وَلَمْ يُقَرَّ) عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَبَاهُ قُتِلَ بَعْدَ أَنْ يُسْتَتَابَ ثَلَاثًا و(لَا) يَخْرُجُ (يَهُودِيٌّ) مِنْ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ إنْ كَذَّبَ (بِعِيسَى) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِنَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ مَنْ أَبَى) مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (بَذْلَ جِزْيَةٍ أَوْ) أَبَى (الصَّغَارَ أَوْ) أَبَى (الْتِزَامَ أَحْكَامِنَا) سَوَاءٌ شُرِطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَوْ لَا وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِهَا حَاكِمُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} قِيلَ الصَّغَارُ الْتِزَامُ أَحْكَامِنَا (أَوْ قَاتَلَنَا) مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ أَهْلِ حَرْبٍ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْأَمَانِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْقِتَالِ (أَوْ لَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ مُقِيمًا) لِصَيْرُورَتِهِ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ لَا لِلتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا. (أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ أَصَابَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ) نَصًّا. لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ أَرَادَ اسْتِكْرَاهَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ عَلَى الزِّنَا فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا صَالَحْنَاكُمْ؟ فَأُمِرَ بِهِ فَصُلِبَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ " (أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا) لِعَدَمِ وَفَائِهِ بِمُقْتَضَى الذِّمَّةِ مِنْ أَمْنِ جَانِبِهِ (أَوْ تَجَسَّسَ أَوْ آوَى جَاسُوسًا) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. أَشْبَهَ الِامْتِنَاعَ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ (أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ) ذَكَرَ (كِتَابَهُ أَوْ دِينَهُ) أَيْ الْإِسْلَامَ (أَوْ رَسُولَهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِسُوءٍ وَنَحْوِهِ) كَقَوْلِهِ لِمَنْ سَمِعَهُ يُؤَذِّنُ: كَذَبْت فَيُقْتَلُ نَصًّا. لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ " إنَّ رَاهِبًا يَشْتُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ سَمِعْته لَقَتَلْته إنَّا لَمْ نُعْطِ الْأَمَانَ عَلَى هَذَا " (أَوْ تَعَدَّى عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ أَوْ فِتْنَةٍ عَنْ دِينِهِ) لِأَنَّهُ ضَرَرٌ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ. أَشْبَهَ مَا لَوْ قَاتَلَهُمْ و(لَا) يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ (بِقَذْفِهِ) أَيْ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا (وَ) لَا بِ (إيذَائِهِ بِسِحْرٍ فِي تَصَرُّفِهِ) نَصًّا لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَعُمُّ (وَلَا إنْ أَظْهَرَ) الذِّمِّيُّ (مُنْكَرًا أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ) فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ) حَيْثُ انْتَقَضَ عَهْدُهُ نَصًّا؛ لِوُجُودِ النَّقْضِ مِنْهُ دُونَهُمْ، فَاخْتَصَّ حُكْمُهُ بِهِ. وَكَذَا لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ غَيْرِ النَّاقِضِ وَلَوْ سَكَتَ. (وَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ) أَيْ الْمُنْتَقَضِ عَهْدُهُ (وَلَوْ قَالَ: تُبْت كَأَسِيرِ) حَرْبٍ بَيْنَ قَتْلٍ وَرِقٍّ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ قَدَرْنَا عَلَيْهِ فِي دَارِنَا بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ وَلَا شُبْهَةِ ذَلِكَ. أَشْبَهَ اللِّصَّ الْحَرْبِيَّ (وَمَالُهُ فَيْءٌ) فِي الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَشَرْحِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِمَالِكِهِ حَقِيقَةً. وَقَدْ انْتَقَضَ عَهْدُ الْمَالِكِ فِي نَفْسِهِ فَكَذَا فِي مَالِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَمَانِ (وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ) لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ (إنْ أَسْلَمَ وَلَوْ كَانَ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِعُمُومِ حَدِيثِ {الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ} وَأَمَّا قَاذِفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ. وَيَأْتِي فِي الْقَذْفِ (وَكَذَا) يَحْرُمُ (رِقُّهُ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ لِأَنَّهُ عَصَمَ نَفْسَهُ بِإِسْلَامِهِ لِلْخَبَرِ (لَا إنْ رُقَّ قَبْلَ إسْلَامِهِ) فَلَا يَزُولُ رِقُّهُ بَلْ يَسْتَمِرُّ. (وَمَنْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَحَصَلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ فَكَذِمِّيٍّ) فَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ دُونَ ذُرِّيَّتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ. وَتَخْرُجُ نَصْرَانِيَّةٌ لِشِرَاءِ زُنَّارٍ وَلَا يَشْتَرِيهِ مُسْلِمٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْكُفْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَاعِ لِمَدِّ كُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ مِنْ يَدِهِ لِلْآخَرِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً، أَوْ مِنْ الْمُبَايَعَةِ أَيْ الْمُصَافَحَةِ لِمُصَافَحَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ عِنْدَهُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ صَفْقَةً، وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وَحَدِيثُ: {الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِيهِ لِتَعَلُّقِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَا يَبْذُلُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيُتَوَصَّلُ كُلٌّ بِالْبَيْعِ لِغَرَضِهِ وَدَفْعِ حَاجَتِهِ. وَهُوَ لُغَةً: دَفْعُ عِوَضٍ وَأَخْذُ مُعَوَّضٍ عَنْهُ، وَشَرْعًا (مُبَادَلَةُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ) أَيْ دَفْعُهَا وَأَخْذُ عِوَضِهَا فَلَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَهِيَ كُلُّ جِسْمٍ أُبِيحَ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ مُطْلَقًا، فَخَرَجَ نَحْوُ الْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ النَّجِسَةِ وَالْحَشَرَاتِ وَالْكَلْبِ وَلَوْ لِصَيْدٍ (أَوْ) مُبَادَلَةُ (مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مُطْلَقًا) بِأَنْ لَا تَخْتَصَّ إبَاحَتُهَا بِحَالٍ دُونَ آخَرَ، كَمَمَرِّ دَارٍ أَوْ بُقْعَةٍ تُحْفَرُ بِئْرًا، بِخِلَافِ نَحْوِ جِلْدِ مَيْتَةٍ مَدْبُوغٍ فَلَا يُبَاعُ هُوَ وَلَا نَفْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مُطْلَقًا. بَلْ فِي الْيَابِسَاتِ (بِأَحَدِهِمَا) أَيْ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مُطْلَقًا، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمُبَادَلَةٍ، فَيَشْمَلُ نَحْوَ بَيْعِ كِتَابٍ بِكِتَابٍ أَوْ بِمَمَرٍّ فِي دَارٍ أَوْ بَيْعِ نَحْوِ مَمَرٍّ فِي دَارٍ بِكِتَابٍ أَوْ بِمَمَرٍّ فِي دَارٍ أُخْرَى. (أَوْ) مُبَادَلَةُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مُطْلَقًا (بِمَالٍ فِي الذِّمَّةِ) مِنْ نَقْدٍ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا مُبَادَلَةُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَيْنٍ مَالِيَّةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ أَوْ بِمَالٍ فِي الذِّمَّةِ إذَا قُبِضَ أَحَدُهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ (لِلتَّمَلُّكِ) احْتِرَازًا عَنْ إعَارَةِ ثَوْبِهِ لِيُعِيرَهُ الْآخَرُ فَرَسَهُ (عَلَى التَّأْبِيدِ) بِأَنْ لَمْ تُقَيَّدْ مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِمُدَّةٍ أَوْ عَمَلٍ مَعْلُومٍ فَتَخْرُجُ الْإِجَارَةُ (غَيْرَ رِبًا وَقَرْضٍ) وَيَأْتِي حُكْمُهُمَا. وَأَرْكَانُ الْبَيْعِ ثَلَاثَةٌ: عَاقِدٌ، وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَيُعْلَمُ حُكْمُهُمَا مِنْ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ، وَمَعْقُودٌ بِهِ وَهُوَ الصِّيغَةُ، وَلَهَا صُورَتَانِ قَوْلِيَّةٌ، وَبَدَأَ بِهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ فَقَالَ (وَيَنْعَقِدُ) الْبَيْعُ إنْ أُرِيدَ حَقِيقَتُهُ بِأَنْ رَغِبَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا بُذِلَ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ (لَا) إنْ وَقَعَ (هَزْلًا) بِلَا قَصْدٍ لِحَقِيقَتِهِ (وَلَا) إنْ وَقَعَ (تَلْجِئَةً أَوْ أَمَانَةً وَهُوَ) أَيْ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ وَالْأَمَانَةِ (إظْهَارُهُ) أَيْ الْبَيْعُ الَّذِي أَظْهَرَ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ (لِدَفْعِ ظَالِمٍ) عَنْ الْبَائِعِ. (وَلَا يُرَادُ) الْبَيْعُ (بَاطِنًا) فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّقِيَّةُ فَقَطْ، لِحَدِيثِ: {وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى} (بِإِيجَابٍ) مُتَعَلِّقٌ ب يَنْعَقِدُ (كَ) قَوْلِ بَائِعٍ (بِعْتُكَ) كَذَا (أَوْ مَلَّكْتُكَ) كَذَا (أَوْ وَلَّيْتُكَهُ) أَيْ بِعْتُكَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ (أَوْ أَشْرَكْتُكَ فِيهِ) فِي بَيْعِ الشَّرِكَةِ وَتَأْتِي صُورَةُ التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ فِي بَابِ الْخِيَارِ (أَوْ وَهَبْتُكَ) هـ بِكَذَا (وَنَحْوُهُ) ك أَعْطَيْتُكَهُ بِكَذَا وَنَحْوِهِ أَوْ رَضِيتُ بِهِ عِوَضًا عَنْ هَذَا (وَ) ب (قَبُولٍ كَ) قَوْلِ مُشْتَرٍ (ابْتَعْتُ) ذَلِكَ (أَوْ قَبِلْتُ أَوْ تَمَلَّكْتُهُ أَوْ اشْتَرَيْتُهُ أَوْ أَخَذْتُهُ وَنَحْوُهُ) كَ اسْتَبْدِلْتُهُ إذَا كَانَ الْقَبُولُ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ وَغَيْرِهِمَا. (وَصَحَّ تَقَدُّمُ قَبُولٍ) عَلَى إيجَابٍ (بِلَفْظِ أَمْرٍ) كَقَوْلِ مُشْتَرٍ لِبَائِعٍ: بِعْنِي هَذَا بِكَذَا، فَيَقُولُ لَهُ: بِعْتُكَهُ بِهِ وَنَحْوِهِ (أَوْ) بِلَفْظٍ (مَاضٍ مُجَرَّدٍ عَنْ اسْتِفْهَامٍ وَنَحْوِهِ) كَ اشْتَرَيْتُ مِنْكِ كَذَا بِكَذَا أَوْ ابْتَعْتُهُ أَوْ أَخَذْتُهُ بِكَذَا فَيَقُولُ: بِعْتُكَ، أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِ، أَوْ هُوَ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ، أَوْ إنَّ اللَّهَ قَدْ بَاعَكَ، بِخِلَافِ تَبِيعُنِي، أَوْ بِعْتنِي، أَوْ لَيْتَك أَوْ لَعَلَّكَ أَوْ عَسَى أَنْ تَبِيعَ لِي كَذَا بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَبُولٍ وَلَا اسْتِدْعَاءٍ. (وَ) صَحَّ (تَرَاخِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عَنْ الْآخَرِ (وَالْبَيِّعَانِ بِالْمَجْلِسِ لَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ) أَيْ الْبَيْعَ (عُرْفًا)؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْقَبْضِ فِيهِ لِمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ، فَإِنْ تَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ إتْمَامِهِ أَوْ تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا بَطَلَ؛ لِأَنَّهُمَا أَعْرَضَا عَنْهُ. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَا بِالرَّدِّ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فِعْلِيَّةٌ: وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَ) يَنْعَقِدُ (بِمُعَاطَاةٍ) نَصًّا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَحَلَّ الْبَيْعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّتَهُ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ فِي الْقَبْضِ وَالْإِحْرَازِ وَنَحْوِهِمَا، وَالْمُسْلِمُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَمُبَايَعَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ (كَ أَعْطِنِي بِهَذَا) الدِّرْهَمِ وَنَحْوِهِ، (خُبْزًا فَيُعْطِيهِ) الْبَائِعُ (مَا يُرْضِيهِ) مِنْ الْخُبْزِ مَعَ سُكُوتِهِ (أَوْ يُسَاوِمُهُ بِثَمَنٍ فَيَقُولُ) بَائِعُهَا (خُذْهَا أَوْ) يَقُولُ (هِيَ لَكَ أَوْ) يَقُولُ (أَعْطَيْتُكهَا أَوْ) يَقُولُ الْبَائِعُ (خُذْ هَذِهِ) السِّلْعَةَ (بِدِرْهَمٍ) أَوْ نَحْوِهِ (فَيَأْخُذُهَا) مُشْتَرٍ وَيَسْكُتُ. (أَوْ) يَقُولُ (هِيَ لَكَ أَوْ) يَقُولُ مُشْتَرٍ (كَيْفَ تَبِيعُ الْخُبْزَ؟ فَيَقُولُ: كَذَا بِدِرْهَمٍ، فَيَقُولُ: خُذْهُ أَوْ اتَّزِنْهُ) فَيَأْخُذُهُ (أَوْ وَضَعَ) مُشْتَرٍ (ثَمَنَهُ) الْمَعْلُومَ لِمِثْلِهِ (عَادَةً وَأَخَذَهُ) أَيْ الْمَوْضُوعَ ثَمَنَهُ (عَقِبَهُ) أَيْ عَقِبَ وَضْعِ ثَمَنِهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ حَاضِرًا لِلْعُرْفِ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ " فَيُعْطِيه " وَقَوْلِهِ " فَيَأْخُذُهَا " وَقَوْلِهِ " عَقِبَهُ " اعْتِبَارُ التَّعْقِيبِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، فَإِنْ تَرَاخَى لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ (وَنَحْوُهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الصُّوَرِ (مِمَّا يَدُلُّ عَلَى بَيْعٍ وَشِرَاءٍ) عَادَةً وَكَذَا نَحْوُ هِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ، فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ اسْتِعْمَالُ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ فِيهَا، وَلَا أَمَرُوا بِهِ وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ.
(وَشُرُوطُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (سَبْعَةٌ) أَحَدُهَا (الرِّضَا) بِأَنْ يَتَبَايَعَا اخْتِيَارًا فَلَا يَصِحُّ إنْ أُكْرِهَا أَوْ أَحَدُهُمَا، لِحَدِيثِ: {إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ} (إلَّا مِنْ مُكْرَهٍ بِحَقٍّ) كَمَنْ أَكْرَهَهُ حَاكِمٌ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ، فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ كَإِسْلَامٍ الشَّرْطُ (الثَّانِي: الرُّشْدُ) يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ أَيْ حُرًّا مُكَلَّفًا رَشِيدًا، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ مُطْلَقًا وَلَا مِنْ صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الرِّضَا، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الرُّشْدُ كَالْإِقْرَارِ (إلَّا فِي) شَيْءٍ (يَسِيرٍ) كَرَغِيفٍ أَوْ حُزْمَةِ بَقْلٍ وَنَحْوِهِمَا، فَيَصِحُّ مِنْ قِنٍّ وَصَغِيرٍ وَلَوْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمْ لِخَوْفِ ضَيَاعِ الْمَالِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْيَسِيرِ (وَ) إلَّا (إذَا أَذِنَ لِمُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ وَلِيُّهُمَا) فَيَصِحُّ وَلَوْ فِي الْكَثِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} (وَيَحْرُمُ) إذْنُ وَلِيٍّ لَهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمَا (بِلَا مَصْلَحَةٍ)؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ (أَوْ) أَذِنَ (لِقِنٍّ سَيِّدٌ) فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِزَوَالِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِإِذْنِهِ لَهُ. وَفِي التَّنْقِيحِ: يَصِحُّ مِنْ الْقِنِّ قَبُولُ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ نَصًّا وَيَكُونَانِ لِسَيِّدِهِ. وَفِي شَرْحِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ انْتَهَى. وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ مَحْضٌ فَهُوَ كَاحْتِشَاشِهِ وَاصْطِيَادِهِ الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: كَوْنُ الْمَبِيعِ) أَيْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَنًا كَانَ أَوْ مُثَمَّنًا (مَالًا)؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُقَابَلُ بِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَالُ شَرْعًا (مَا يُبَاحُ نَفْعُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ (أَوْ) يُبَاحُ (اقْتِنَاؤُهُ بِلَا حَاجَةٍ) فَخَرَجَ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَالْحَشَرَاتِ وَمَا فِيهِ نَفْعٌ مُحَرَّمٌ كَخَمْرٍ، وَمَا لَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ كَالْمَيْتَةِ، وَمَا لَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ كَالْكَلْبِ (كَبَغْلٍ وَحِمَارٍ) لِانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِمَا وَتَبَايُعِهِمَا فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (وَ) كَ (طَيْرٍ لِقَصْدِ صَوْتِهِ) كَهَزَارٍ وَبَبَّغَاءَ وَنَحْوِهِمَا (وَ) كَ (دُودِ قَزٍّ وَبَزَرِهِ)؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ الْحَرِيرُ الَّذِي هُوَ أَفْخَرُ الْمَلَابِسِ بِخِلَافِ الْحَشَرَاتِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا (وَ) كَ (نَحْلٍ مُنْفَرِدٍ) عَنْ كَوَارَتِهِ قَالَ فِي الْمُغْنِي إذَا شَاهَدَهَا مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَمْتَنِعَ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْكَافِي صِحَّةُ بَيْعِهِ طَائِرًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ أَصَحُّ لَكِنْ مُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الْخَامِسِ طَرِيقَةُ الْمُغْنِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ هُنَاكَ (أَوْ) نَحْلٌ (مَعَ كَوَارَتِهِ) خَارِجًا عَنْهَا (أَوْ) نَحْلٌ مَعَ كَوَارَتِهِ (فِيهَا إذَا شُوهِدَ دَاخِلُهَا إلَيْهَا) لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ بِذَلِكَ، وَيَدْخُلُ مَا فِيهَا مِنْ عَسَلٍ تَبَعًا كَأَسَاسَاتِ حِيطَانٍ، فَإِنْ لَمْ يُشَاهَدْ دَاخِلًا إلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، فَلَا يَكْفِي فَتْحُ رَأْسِهَا وَمُشَاهَدَتُهُ فِيهَا، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ و(لَا) يَصِحُّ بَيْعُ (كِوَارَاتٍ بِمَا فِيهَا مِنْ عَسَلٍ وَنَحْلٍ) لِلْجَهَالَةِ (وَكَهِرٍّ) فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحِ: {أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ لَهَا حَبَسَتْهَا} وَالْأَصْلُ فِي اللَّامِ الْمِلْكُ (وَ) كَ (فِيلٍ)؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ، أَشْبَهَ الْبَغْلَ (وَمَا يُصَادُ عَلَيْهِ كَبُومَةٍ) تُجْعَلُ ( شَبَاشًا) أَيْ تُخَاطُ عَيْنَاهَا وَتَرْبِطُ لِيَنْزِلَ عَلَيْهَا الطَّيْرُ. (أَوْ) يُصَادُ (بِهِ كَدِيدَانٍ وَسِبَاعِ بَهَائِمَ) تَصْلُحُ لِصَيْدٍ كَفُهُودٍ (وَ) سِبَاعِ (طَيْرٍ تَصْلُحُ لِصَيْدٍ) كَبَازٍ وَصَقْرٍ (وَوَلَدِهَا وَفَرْخِهَا وَبَيْضِهَا)؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ الْمَآلِ (إلَّا الْكَلْبَ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ (وَكَقِرْدٍ لِحِفْظٍ)؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ (وَكَعَلَقٍ لِمَصِّ دَمٍ)؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ (وَ) كَ (لَبَنِ آدَمِيَّةٍ) انْفَصَلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ يُنْتَفَعُ بِهِ كَلَبَنِ الشَّاةِ، بِخِلَافِ لَبَنِ الرَّجُلِ (وَيُكْرَهُ) بَيْعُهُ نَصًّا (وَ) كَ (قِنٍّ مُرْتَدٍّ)؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ إلَى قَتْلِهِ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُولَ التَّوْبَةِ فَرُبَّمَا رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ (وَ) كَقِنٍّ (مَرِيضٍ) وَلَوْ خَشِيَ مَوْتَهُ (وَ) كَقِنٍّ جَانٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ بَيْعَهُ كَالدَّيْنِ (وَ) كَ (قِنٍّ قَاتِلٍ فِي مُحَارَبَةٍ) تَحَتَّمَ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ إلَى قَتْلِهِ أَوْ يُعْتِقُهُ فَيَنَالُ أَجْرَهُ أَوْ يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ. وَ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَنْذُورٍ عِتْقُهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ)؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ وَجَبَ بِالنَّذْرِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ بَيْعِهِ بِخِلَافِ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ (وَلَا) بَيْعُ (مَيْتَةٍ وَلَوْ طَاهِرَةً) كَمَيْتَةِ آدَمِيٍّ لِعَدَمِ حُصُولِ النَّفْعِ بِهَا (إلَّا سَمَكًا وَجَرَادًا وَنَحْوَهُمَا) مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ الَّتِي لَا تَعِيشُ إلَّا فِيهِ لِحِلِّ مَيْتَتِهَا (وَلَا) بَيْعُ (سِرْجِينٍ نَجَسٍ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ: صِحَّةُ بَيْعِ سِرْجِينٍ طَاهِرٍ كَرَوْثِ حَمَامٍ (وَلَا) بَيْعُ (دُهْنٍ نَجَسٍ) كَشَحْمِ مَيْتَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهَا (أَوْ) دُهْنٍ (مُتَنَجِّسٍ) كَزَيْتٍ أَوْ شَيْرَجٍ لَاقَتُهُ نَجَاسَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِغَسْلٍ، أَشْبَهَ نَجِسَ الْعَيْنِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَصْبِحَ بِ) دُهْنٍ (مُتَنَجِّسٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ) كَالِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ مَيْتَةٍ مَدْبُوغٍ فِي يَابِسٍ (وَحَرُمَ بَيْعُ مُصْحَفٍ) وَفِي رِوَايَةٍ يُكْرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يُبَاحُ مُطْلَقًا، لِمَا فِيهِ مِنْ ابْتِذَالِهِ وَتَرْكِ تَعْظِيمِهِ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِمُسْلِمٍ (وَلَا يَصِحُّ) بَيْعُهُ (لِكَافِرٍ)؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ فَتَمَلُّكُهُ أَوْلَى (وَإِنْ مَلَكَهُ) أَيْ الْمُصْحَفَ كَافِرٌ (بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ لِنَحْوِ عَيْبٍ (أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ يَدِهِ عَنْهُ) لِئَلَّا يَمْتَهِنَهُ، وَقَدْ نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّفَرِ بِالْمُصْحَفِ لِأَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَبْقَى بِيَدِ كَافِرٍ (وَلَا يُكْرَهُ شِرَاؤُهُ) أَيْ الْمُصْحَفِ (اسْتِنْقَاذًا) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتِنْقَاذٌ لَهُ مِنْ تَبْذِيلِهِ (وَ) لَا (إبْدَالُهُ لِمُسْلِمٍ) بِمُصْحَفٍ وَلَوْ مَعَ دَرَاهِمَ مِنْ أَحَدِهِمَا (وَيَجُوزُ نَسْخُهُ) أَيْ الْمُصْحَفِ (بِأُجْرَةٍ) حَتَّى مِنْ كَافِرٍ وَمُحْدِثٍ بِلَا حَمْلٍ وَلَا مَسٍّ (وَيَصِحُّ شِرَاءُ كُتُبِ الزَّنْدَقَةِ وَنَحْوهَا) كَكُتُبِ الْمُبْتَدَعَةِ (لِيُتْلِفَهَا) لِمَا فِيهَا مِنْ مَالِيَّةِ الْوَرَقِ وَتَعُودُ وَرَقًا مُنْتَفَعًا بِهِ بِالْمُعَالَجَةِ و(لَا) يَصِحُّ شِرَاءُ (خَمْرٍ لِيُرِيقَهَا)؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا وَلَا آلَةِ لَهْوٍ وَنَحْوِ صَنَمٍ وَتِرْيَاقٍ فِيهِ لُحُومُ حَيَّاتٍ وَسُمُّ الْأَفَاعِي، بِخِلَافِ نَحْوِ سَقَمُونْيَا الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ) الْمَبِيعُ (مَمْلُوكًا لَهُ) أَيْ الْبَائِعِ وَمِثْلُهُ الثَّمَنُ مِلْكًا تَامًّا (حَتَّى الْأَسِيرَ) بِأَرْضِ الْعَدُوِّ إذَا بَاعَ مِلْكَهُ عَلَيْهِ (أَوْ) يَكُونَ الْبَائِعُ (مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ) أَيْ الْبَيْعِ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ مِنْ الشَّارِعِ كَالْوَكِيلِ وَوَلِيِّ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ (وَقْتَ عَقْدِ) الْبَيْعِ (وَلَوْ ظَنَّا) أَيْ الْمَالِكُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ (عَدَمَهُمَا) أَيْ الْمِلْكِ أَوْ الْإِذْنِ فِي بَيْعِهِ كَأَنْ بَاعَ مَا وَرِثَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِانْتِقَالِهِ إلَيْهِ، أَوْ وَكَّلَ فِي بَيْعِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَبَاعَهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْمُعَامَلَاتِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ فُضُولِيٍّ) بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (وَلَوْ أُجِيزَ) تَصَرُّفُهُ (بَعْدَ) وُقُوعِهِ (إلَّا إنْ اشْتَرَى) الْفُضُولِيُّ (فِي ذِمَّتِهِ وَنَوَى) الشِّرَاءَ (لِشَخْصٍ لَمْ يُسَمِّهِ) فَيَصِحُّ سَوَاءٌ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَابِلَةٌ لِلتَّصَرُّفِ، فَإِنْ سَمَّاهُ أَوْ اشْتَرَى لِلْغَيْرِ بِعَيْنِ مَالِهِ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ (ثُمَّ إنْ أَجَازَهُ) أَيْ الشِّرَاءَ (مَنْ اشْتَرَى لَهُ مِلْكَهُ مِنْ حِينِ اشْتَرَى) لَهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِأَجْلِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَتَكُونُ مَنَافِعُهُ وَنَمَاؤُهُ لَهُ (وَإِلَّا) يُجِزْهُ مَنْ اشْتَرَى لَهُ (وَقَعَ) الشِّرَاءُ (لِمُشْتَرٍ وَلَزِمَهُ) حُكْمُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ، وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ عَرْضِهِ عَلَى مَنْ اشْتَرَى لَهُ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا) أَيْ مَالٍ (لَا يَمْلِكُهُ) الْبَائِعُ وَلَا إذْنَ لَهُ فِيهِ لِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مَرْفُوعًا: {لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (إلَّا مَوْصُوفًا) بِصِفَاتِ سَلَمٍ (لَمْ يُعَيَّنْ) فَيَصِحُّ لِقَبُولِ ذِمَّتِهِ لِلتَّصَرُّفِ (إذَا قَبَضَ) الْمَبِيعَ (أَوْ) قَبَضَ (ثَمَنَهُ بِمَجْلِسِ عَقْدٍ) فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ أَحَدَهُمَا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، و(لَا) يَصِحُّ (بِلَفْظِ سَلَفٍ أَوْ سَلَمٍ) وَلَوْ قَبَضَ ثَمَنَهُ بِمَجْلِسِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ سَلَمٌ وَلَا يَصِحُّ حَالًّا (وَالْمَوْصُوفُ الْمُعَيَّنُ كَبِعْتُك عَبْدِي فُلَانًا وَيَسْتَقْصِي صِفَتَهُ) بِكَذَا فَيَصِحُّ و(يَجُوزُ التَّصَرُّفُ) فِيهِ (قَبْلَ قَبْضٍ) لَهُ أَوْ لِثَمَنِهِ (كَ) مَبِيعٍ حَاضِرٍ بِالْمَجْلِسِ، كَأَمَةٍ مَلْفُوفَةٍ بِيعَتْ بِالصِّفَةِ (وَيَنْفَسِخُ عَقْدٌ عَلَيْهِ بِرِدِّةٍ لِفَقْدِ صِفَةٍ) مِنْ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِيهِ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى عَيْنِهِ، بِخِلَافِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ، فَلَهُ رَدُّهُ وَطَلَبُ بَدَلِهِ (وَ) يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عَلَى مَوْصُوفٍ مُعَيَّنٍ (تَلِفَ قَبْلَ قَبْضٍ) لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ كَ) مَزَارِعِ (مِصْرَ وَالشَّامِ وَكَذَا الْعِرَاقُ)؛ لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ أُقِرَّتْ بِأَيْدِي أَهْلِهَا بِالْخَرَاجِ كَمَا تَقَدَّمَ (غَيْرَ الْحِيرَةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ مَدِينَةٌ قُرْبَ الْكُوفَةِ (وَ) غَيْرَ (أُلَّيْسَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَفْتُوحَةً بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ مَدِينَةٌ بِالْجَزِيرَةِ (وَ) غَيْرَ (بَانِقْيَا) بِالْمُوَحَّدَةِ أَوَّلُهُ وَكَسْرُ النُّونِ (وَ) غَيْرَ (أَرْضِ بَنِي صَلُوبَا) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللَّامِ؛ لِفَتْحِ هَذِهِ الْقُرَى صُلْحًا (إلَّا الْمَسَاكِنَ) وَلَوْ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً فَيَصِحُّ بَيْعُهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اقْتَطَعُوا الْخُطَطَ فِي الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَبَنَوْهَا مَسَاكِنَ، وَتَبَايَعُوهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَكَفَرَسٍ مُتَجَرِّدٍ. (وَ) إلَّا (إذَا بَاعَهَا) أَيْ الْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً (الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ) كَاحْتِيَاجِهَا لِعِمَارَةٍ وَلَا يَعْمُرُهَا إلَّا مَنْ يَشْتَرِيهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِهِ (أَوْ) إلَّا إذَا بَاعَهَا (غَيْرُهُ) أَيْ الْإِمَامِ (وَحَكَمَ بِهِ) أَيْ الْبَيْعِ (مَنْ يَرَى صِحَّتَهُ)؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَنُفِّذَ كَسَائِرِ مَا فِيهِ اخْتِلَافٌ (وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا) أَيْ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَقَرَّهَا بِأَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَمْ يُقَدِّرْ مُدَّتَهَا، لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا وَالْمُسْتَأْجِرُ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ، و(لَا) يَصِحُّ (بَيْعُ) رِبَاعِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ (وَلَا إجَارَةُ رِبَاعِ مَكَّةَ وَ) لَا رِبَاعِ (الْحَرَمِ، وَهِيَ) أَيْ الرِّبَاعُ (الْمَنَازِلُ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فِي مَكَّةَ: لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا تُكْرَى بُيُوتُهَا} رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ مَرْفُوعًا قَالَ: {مَكَّةُ حَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا، حَرَامٌ إجَارَتُهَا} رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَرَوَى: {أَنَّهَا كَانَتْ تُدْعَى السَّوَائِبَ عَلَى عَهْدِهِ} صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذَكَرَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ (لِفَتْحِهَا عَنْوَةً) وَلَمْ تُقَسَّمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَصَارَتْ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَبِقَاعِ الْمَنَاسِكِ، وَدَلِيلُ فَتْحِهَا عَنْوَةً: خَبَرُ أُمِّ هَانِئٍ فِي أَمَانِ حَمَوَيْهَا، وَتَقَدَّمَ، {وَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ أَرْبَعَةٍ. فَقُتِلَ مِنْهُمْ ابْنُ خَطَلٍ وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ}، فَإِنْ سَكَنَ بِأُجْرَةٍ لَمْ يَأْثَمْ بِدَفْعِهَا لِلْحَاجَةِ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَاءٍ عِدٍّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ (كَ) مَاءِ (عَيْنٍ وَنَقْعِ بِئْرٍ) لِحَدِيثِ: {الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ} رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَثْرَمُ وَيَصِحُّ بَيْعُ مَاءِ الْمَصَانِعِ الْمُعَدِّ لِمِيَاهِ الْأَمْطَارِ وَنَحْوِهَا إنْ عُلِمَ، لِمِلْكِهِ بِالْحُصُولِ فِيهَا (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَا فِي مَعْدِنٍ جَارٍ) إذَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ خَلَفَهُ غَيْرُهُ (كَقَارٍ وَمِلْحٍ وَنِفْطٍ)؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُمُّ فَلَمْ يُمْلَكْ، كَالْمَاءِ الْعِدِّ، فَإِنْ كَانَ جَامِدًا مُلِكَ بِمِلْكِ الْأَرْضِ وَيَأْتِي (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (نَابِتٍ مِنْ كَلَإٍ وَشَوْكٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ) كَطَائِرٍ عَشَّشَ فِي أَرْضِهِ وَسَمَكٍ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ بِأَرْضٍ (مَا لَمْ يَحُزْهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْحَوْزِ (فَلَا يَدْخُلُ) شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (فِي بَيْعِ أَرْضٍ)؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُحَازَ (وَمُشْتَرِيهَا) أَيْ الْأَرْضِ (أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ ذَلِكَ، لِكَوْنِهِ فِي أَرْضِهِ (وَمَنْ أَخَذَهُ مَلَكَهُ) بِحَوْزِهِ (وَيَحْرُمُ دُخُولٌ لِأَجْلِ) أَخْذِ (ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْأَرْضِ إنْ حُوِّطَتْ) الْأَرْضُ لِتَعَدِّيهِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ مِلْكِهِ بِالْحَوْزِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُحَوَّطْ (جَازَ) دُخُولُهُ لِأَخْذِهِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ (بِلَا ضَرَرٍ) عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ. فَإِنْ تَضَرَّرَ بِالدُّخُولِ حَرُمَ (وَحَرُمَ) عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ (مَنْعُ مُسْتَأْذِنٍ) فِي دُخُولٍ (إنْ لَمْ يَحْصُلْ) مِنْهُ (ضَرَرٌ) بِدُخُولِهِ، لِلْخَبَرِ (وَطُلُولٌ) بِأَرْضٍ (تُجْنَى مِنْهُ النَّحْلُ كَكَلَإٍ) فِي الْحُكْمِ (وَأَوْلَى) بِالْإِبَاحَةِ مِنْ الْكَلَإِ (وَنَخْلُ رَبِّ الْأَرْضِ أَحَقُّ بِهِ) أَيْ يَطُلْ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ الشَّرْطُ (الْخَامِسُ: الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) أَيْ الْمَبِيعِ، وَكَذَا الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ. لِأَنَّ غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالْمَعْدُومِ. (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ) قِنٍّ (آبِقٍ) لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ (وَ) لَا نَحْوِ جَمَلٍ (شَارِدٍ) عُلِمَ مَكَانُهُ أَوْ لَا، لِحَدِيثِ سلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ} وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: بِمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَظْهَرَ (وَلَوْ) كَانَ بَيْعُ آبِقٍ وَشَارِدٍ (لِقَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَوَهُّمٍ لَا يُنَافِي تَحَقُّقَ عَدَمِهِ وَلَا ظَنَّهُ، بِخِلَافِ ظَنِّ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِ مَغْصُوبٍ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (سَمَكٍ بِمَاءٍ)؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ (إلَّا) سَمَكًا (مَرْئِيًّا) لِصَفَاءِ الْمَاءِ (ب) مَاءٍ (مَحُوزٍ يَسْهُلُ أَخْذُهُ مِنْهُ) كَحَوْضٍ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ بِطِسْتٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ بِحَيْثُ يَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَحُوزًا كَمُتَّصِلٍ بِنَهْرٍ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (طَائِرٍ يَصْعُبُ أَخْذُهُ) وَلَوْ أَلِفَ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ (إلَّا) إذَا كَانَ (بِ) مَكَان (مُغْلَقٍ. وَلَوْ طَالَ زَمَنُهُ) أَيْ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَغْصُوبٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا لِغَاصِبِهِ) لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ (أَوْ) ل (قَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْمَغْصُوبِ لِظَنِّ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِهِ (الْفَسْخُ إنْ عَجَزَ) عَنْ تَحْصِيلِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ إزَالَةً لِضَرَرِهِ الشَّرْطُ (السَّادِسُ: مَعْرِفَةُ مَبِيعٍ)؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ بِهِ غَرَرٌ، وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ، فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ كَالسَّلَمِ، وقَوْله تَعَالَى:: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا عُلِمَ الْمَبِيعُ. وَحَدِيثُ: {مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ} يَرْوِيهِ عُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ: إذَا أَرَادَ شِرَاءَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَتَرْكِهِ (بِرُؤْيَةِ مُتَعَاقِدَيْنِ) بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ: رُؤْيَةً يُعْرَفُ بِهَا الْمَبِيعُ (مُقَارِنَةً) رُؤْيَتُهُ لِلْعَقْدِ، بِأَنْ لَا تَتَأَخَّرَ عَنْهُ (لِجَمِيعِهِ) أَيْ الْبَيْعِ، مُتَعَلِّقٌ بِرُؤْيَةٍ، كَوَجْهَيْ ثَوْبٍ مَنْقُوشٍ (أَوْ) بِرُؤْيَةٍ ل (بَعْضِ) مَبِيعٍ (يَدُلُّ) بَعْضُهُ (عَلَى بَقِيَّتِهِ كَ) رُؤْيَةِ (أَحَدِ وَجْهَيْ ثَوْبٍ غَيْرِ مَنْقُوشٍ) وَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ وَوَجْهِ الرَّقِيقِ، وَمَا فِي ظُرُوفٍ وَأَعْدَالٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مُتَسَاوِي الْأَجْزَاءِ وَنَحْوِهَا، لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ بِذَلِكَ (فَلَا يَصِحُّ) الْبَيْعُ (إنْ سَبَقَتْ) الرُّؤْيَةُ (الْعَقْدَ بِزَمَنٍ يَتَغَيَّرُ فِيهِ) الْمَبِيعُ ظَاهِرًا (وَلَوْ) كَانَ التَّغَيُّرُ فِيهِ (شَكًّا) بِأَنْ مَضَى زَمَنٌ يُشَكُّ فِي تَغَيُّرِهِ تَغَيُّرًا ظَاهِرًا فِيهِ، فَلَا يَصِحُّ، لِلشَّكِّ فِي وُجُودِ شَرْطِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَإِنْ سَبَقَتْ الْعَقْدَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ عَادَةً تَغَيُّرًا ظَاهِرًا صَحَّ الْبَيْعُ، لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ، وَلَا حَدَّ لِذَلِكَ الزَّمَنِ، إذْ الْمَبِيعُ مِنْهُ مَا يُسْرِعُ تَغَيُّرُهُ وَمَا يَتَبَاعَدُ وَمَا يَتَوَسَّطُ، فَيُعْتَبَرُ كُلٌّ بِحَسَبِهِ (وَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ (إنْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْبَغْلَ، فَبَانَ فَرَسًا وَنَحْوَهُ) كَهَذِهِ النَّاقَةِ، فَتَبِينُ جَمَلًا، لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ وَلَا بَيْعَ الْأُنْمُوذَجِ، بِأَنْ يُرِيَهُ صَاعًا وَيَبِيعَهُ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مِثْلُهُ (وَكَرُؤْيَتِهِ) أَيْ الْمَبِيعِ (مَعْرِفَتُهُ بِلَمْسٍ أَوْ شَمٍّ أَوْ ذَوْقٍ) فِيمَا يُعْرَفُ بِهَذِهِ، لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْمَبِيعِ (أَوْ) مَعْرِفَةِ مَبِيعٍ ب (وَصْفٍ مَا) أَيْ مَبِيعٍ (يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ بِمَا) أَيْ وَصْفٍ (يَكْفِي فِيهِ) أَيْ السَّلَمِ، بِأَنْ يَذْكُرَ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ غَالِبًا، وَيَأْتِي فِي السَّلَمِ، لِقِيَامِ ذَلِكَ مَقَامَ رُؤْيَتِهِ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ، فَالْبَيْعُ بِالْوَصْفِ مَخْصُوصٌ بِمَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، وَيَصِحُّ تَقَدُّمُ الْوَصْفِ عَلَى الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ كَتَقَدُّمِ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْعَقْدِ (فَيَصِحُّ بَيْعُ أَعْمَى وَشِرَاؤُهُ) فِيمَا يُعْرَفُ بِلَمْسٍ أَوْ شَمٍّ أَوْ ذَوْقٍ أَوْ وَصْفٍ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِمَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ (كَ) مَا يَصِحُّ (تَوْكِيلُهُ) فِي بَيْعٍ وَشِرَاءِ مُطْلَقًا (ثُمَّ إنْ وَجَدَ) مُشْتَرٍ (مَا وُصِفَ) لَهُ (أَوْ تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ) الْعَقْدَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ الْمَبِيعُ تَغَيُّرًا ظَاهِرًا (مُتَغَيِّرًا فَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَيْبِهِ (وَيَحْلِفُ) مُشْتَرٍ (إنْ اخْتَلَفَا) فِي نَقْصِهِ صِفَةً أَوْ تَغَيُّرِهِ عَمَّا كَانَ رَآهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الثَّمَنِ (وَ) هُوَ عَلَى التَّرَاخِي ف (لَا يَسْقُطُ) خِيَارُهُ (إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا) مِنْ مُشْتَرٍ بِنَقْصِ صِفَتِهِ أَوْ تَغَيُّرِهِ (مِنْ سَوْمٍ وَنَحْوِهِ) كَوَطْءِ أَمَةٍ بِيعَتْ كَذَلِكَ بَعْدَ الْعِلْمِ، كَخِيَارِ الْعَيْبِ. وَ (لَا) يَسْقُطُ خِيَارٌ (بِرُكُوبِ دَابَّةٍ) مَبِيعَةٍ (بِطَرِيقِ رَدِّهَا)؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالنَّقْصِ أَوْ التَّغَيُّرِ (وَإِنْ أَسْقَطَ) مُشْتَرٍ (حَقَّهُ مِنْ الرَّدِّ) بِنَقْصِ صِفَةٍ شُرِطَتْ، أَوْ تَغَيَّرَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ (فَلَا أَرْشَ) لَهُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا يُعْتَاضُ عَنْهَا وَكَالْمُسْلَمِ فِيهِ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ حَمْلٍ بِبَطْنٍ) إجْمَاعًا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِلْجَهَالَةِ بِهِ، إذْ لَا تُعْلَمُ صِفَاتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَجْرِ} قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَجْرُ مَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ، وَالْمَجْرُ الرِّبَا، وَالْمَجْرُ الْقِمَارُ، وَالْمَجْرُ الْمُحَاقَلَةُ وَالْمُزَابَنَةُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ أَمَةٍ حَامِلٍ وَمَا فِي بَطْنِهَا (وَلَا) بَيْعُ (لَبَنٍ بِضَرْعٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {نَهَى أَنْ يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، أَوْ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ} رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِجَهَالَةِ صِفَتِهِ وَقَدْرِهِ، أَشْبَهَ الْحَمْلَ. فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ شَاةٍ وَمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ لَبَنٍ (وَ) لَا بَيْعُ (نَوًى بِتَمْرٍ) أَيْ فِيهِ، كَبَيْضٍ فِي طَيْرٍ (وَ) لَا بَيْعُ (صُوفٍ عَلَى ظَهْرٍ) لِلْخَبَرِ (إلَّا) إذَا بِيعَ الْحَمْلُ أَوْ النَّوَى أَوْ اللَّبَنُ أَوْ الصُّوفُ (تَبَعًا) لِلْحَامِلِ وَذَاتِ اللَّبَنِ وَالتَّمْرِ وَذَوَاتِ الصُّوفِ فَيَصِحُّ. كَبَيْعِ شَاةٍ حَامِلٍ ذَاتِ لَبَنٍ وَصُوفٍ، وَتَمْرٍ فِيهِ نَوًى؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّبَعِيَّةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاسْتِقْلَالِ، وَكَذَا بَيْعُ دَارٍ يَدْخُلُ فِيهَا أَسَاسَاتُ الْحِيطَانِ، لَكِنْ إنْ بَاعَهُ أَمَةً حَامِلًا وَلَمْ يَتَّحِدْ مَالِكُ الْأَمَةِ وَالْحَمْلِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ فِي شَرْحِهِ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (عَسْبِ فَحْلٍ) ضِرَابِهِ، لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: {نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ} قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَلَاقِيحُ مَا فِي الْبُطُونِ، وَهِيَ الْأَجِنَّةُ، وَالْمَضَامِينُ: مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مِسْكٍ فِي فَأْرَتِهِ) أَيْ نَافِجَتِهِ مَا لَمْ تُفْتَحْ وَيُشَاهَدْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ كَلُؤْلُؤٍ فِي صَدَفٍ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (لِفْتٍ وَنَحْوِهِ) كَفُجْلٍ وَجَزَرٍ (قَبْلَ قَلْعٍ) نَصًّا، لِجَهَالَةِ مَا يُرَادُ مِنْهُ (وَلَا) بَيْعُ (ثَوْبٍ مَطْوِيٍّ) وَلَوْ تَامَّ النَّسْجِ، قَالَ فِي شَرْحِهِ: حَيْثُ لَمْ يُرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى بَقِيَّتِهِ (أَوْ) ثَوْبٍ (نُسِجَ بَعْضُهُ عَلَى أَنْ يُنْسَجَ بَقِيَّتَهُ) وَلَوْ مَنْشُورًا لِلْجَهَالَةِ، فَإِنْ بَاعَهُ الْمَنْسُوجُ وَسَدَى الْبَاقِي وَلُحْمَتَهُ وَشَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ إتْمَامَ نَسْجِهِ صَحَّ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ (وَلَا) بَيْعُ (عَطَاءٍ) أَيْ قِسْطِهِ مِنْ دِيوَانٍ (قَبْلَ قَبْضِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُغَيَّبٌ فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (وَلَا) بَيْعُ (رُقْعَةٍ بِهِ) أَيْ الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ دُونَهَا (وَلَا) بَيْعُ (مَعْدِنٍ وَحِجَارَتِهِ) قَبْلَ حَوْزِهِ إنْ كَانَ جَارِيًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا إنْ جَامِدًا وَجَهِلَ (وَ) لَا يَصِحُّ (سَلَفٌ فِيهِ) أَيْ الْمَعْدِنِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى مَا فِيهِ، فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (وَلَا) بَيْعُ (مُلَامَسَةٍ، كَبِعْتُك ثَوْبِي هَذَا عَلَى أَنَّكَ مَتَى لَمَسْتَهُ) فَعَلَيْكَ بِكَذَا (أَوْ) عَلَى أَنَّكَ (إنْ لَمَسْتَهُ) فَعَلَيْكَ بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُعَلَّقٌ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ (أَوْ أَيْ ثَوْبٍ لَمَسْتَهُ فَ) هُوَ (عَلَيْكَ بِكَذَا) لِوُرُودِ الْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ مَعْلُومٍ (وَلَا) بَيْعُ (مُنَابَذَةٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: {نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ} (كَ) قَوْلِهِ (مَتَى) نَبَذْتَ هَذَا الثَّوْبَ فَعَلَيْكَ بِكَذَا (أَوْ إنْ نَبَذْتَ) أَيْ طَرَحْتَ (هَذَا) الثَّوْبَ أَوْ نَحْوَهُ فَلَكَ بِكَذَا (أَوْ أَيَّ ثَوْبٍ نَبَذْتُهُ فَلَكَ بِكَذَا) فَلَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ أَوْ التَّعْلِيقِ (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ الْحَصَاةِ، كَارْمِهَا فَعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فَ) هُوَ (لَكَ بِكَذَا، أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ قَدْرَ مَا تَبْلُغُ هَذِهِ الْحَصَاةُ إذَا رَمَيْتهَا بِكَذَا) أَوْ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى رَمَيْتُ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ وَتَعْلِيقِ الْبَيْعِ، ولِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: {نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ} (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ، كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدٍ، وَ) كَ (شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ، وَ) كَ (شَجَرَةٍ مِنْ بُسْتَانٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ (وَلَوْ تَسَاوَتْ قِيَمُهُمْ) أَيْ الْعَبِيدِ وَالشِّيَاهِ وَالْأَشْجَارِ (وَلَا) بَيْعُ (الْجَمِيعِ إلَّا غَيْرَ مُعَيَّنٍ) بِأَنْ بَاعَ الْعَبِيدَ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَوْ الْقَطِيعَ إلَّا شَاةً مُبْهَمَةً، أَوْ الشَّجَرَ إلَّا وَاحِدَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا، وَقَدْ " نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ " فَإِنْ عُيِّنَ الْمُسْتَثْنَى صَحَّ الْبَيْعُ وَالِاسْتِثْنَاءُ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (شَيْءٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا إلَّا مَا) أَيْ قَدْرًا مِنْ الْمَبِيعِ (يُسَاوِي دِرْهَمًا) لِجَهَالَةِ الْمُسْتَثْنَى (وَيَصِحُّ) بَيْعُ شَيْءٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا (إلَّا بِقَدْرِ دِرْهَمٍ)؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لِلْعُشْرِ وَهُوَ مَعْلُومٌ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ مَا شُوهِدَ مِنْ حَيَوَانٍ) كَقَطِيعٍ يُشَاهَدُ كُلُّهُ (وَ) بَيْعُ مَا شُوهِدَ (مِنْ ثِيَابٍ) مُعَلَّقَةٍ أَوْ لَا وَنَحْوِهَا (وَإِنْ جَهِلَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (عَدَدَهُ) أَيْ الْمَبِيعِ الْمُشَاهَدِ بِالرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَعْرِفَتُهُ لَا مَعْرِفَةُ عَدَدِهِ (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ أَمَةٍ (حَامِلٍ بِحُرٍّ)؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَجَهَالَةُ الْحَمْلِ لَا تَضُرُّ، وَقَدْ يُسْتَثْنَى بِالشَّرْعِ مَا لَا يُسْتَثْنَى بِاللَّفْظِ، كَبَيْعِ أَمَةٍ مُزَوَّجَةٍ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ مُسْتَثْنَاةُ بِالشَّرْعِ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا بِاللَّفْظِ (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ) كَبَيْضٍ وَرُمَّانٍ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى بَيْعِهِ، كَذَلِكَ لِفَسَادِهِ إذَا أُخْرِجَ مِنْ قِشْرِهِ (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (بَاقِلَّا) وَحِمْصٍ (وَ) بَيْعُ (جَوْزٍ وَلَوْزٍ وَنَحْوِهِ) كَفُسْتُقٍ (فِي قِشْرَيْهِ)؛ لِأَنَّ سَاتِرَهُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، أَشْبَهَ الْبَيْضَ (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (حَبٍّ مُشْتَدٍّ فِي سُنْبُلِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الِاشْتِدَادَ غَايَةً لِلْمَنْعِ، وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا (وَيَدْخُلُ السَّاتِرُ) لِنَحْوِ جَوْزٍ وَحَبٍّ مُشْتَدٍّ مِنْ قِشْرٍ وَتِبْنٍ (تَبَعًا) كَنَوَى تَمْرٍ، فَإِنْ اسْتَثْنَى الْقِشْرَ أَوْ التِّبْنِ بَطَلَ الْبَيْعُ. لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَبَيْعِ النَّوَى فِي التَّمْرِ وَيَصِحُّ بَيْعُ تِبْنٍ بِدُونِ حَبِّهِ قَبْلَ تَصْفِيَتُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْقِشْرَ دُونَ مَا دَاخِلُهُ، أَوْ التَّمْرَ دُونَ نَوَاهُ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (قَفِيزٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ إنْ تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهَا وَزَادَتْ عَلَيْهِ) أَيْ الْقَفِيزِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مُقَدَّرٌ مَعْلُومٌ مِنْ جُمْلَةٍ مُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ، أَشْبَهَ بَيْعَ جُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهَا. وَالصُّبْرَةُ الْكَوْمَةُ الْمَجْمُوعَةُ مِنْ الطَّعَامِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْزَاؤُهَا كَصُبْرَةِ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ، أَوْ لَمْ تَزِدْ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِلْجَهَالَةِ فِي الْأُولَى، وَالْإِتْيَانِ بِمِنْ الْمُبَعِّضَةِ فِي الثَّانِيَةِ (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (رِطْلٍ) مَثَلًا (مِنْ دَنٍّ) نَحْوُ عَسَلٍ أَوْ زَيْتٍ (أَوْ مِنْ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ) كَرَصَاصٍ وَنُحَاسٍ لِمَا تَقَدَّمَ (وَبِتَلَفِ) الصُّبْرَةِ أَوْ مَا فِي الدَّنِّ أَوْ الزُّبْرَةِ (مَا عَدَا قَدْرَ مَبِيعٍ) مِنْ ذَلِكَ (يَتَعَيَّنُ) الْبَاقِي لَأَنْ يَكُونَ مَبِيعًا لِتَعَيُّنِ الْمَحَلِّ لَهُ، وَإِنْ بَقِيَ بِقَدْرِ بَعْضِ الْمَبِيعِ أَخَذَهُ بِقِسْطِهِ. (وَلَوْ فَرَّقَ قُفْزَانًا) مِنْ صُبْرَةٍ تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهَا (وَبَاعَ) مِنْهَا قَفِيزًا (وَاحِدًا مُبْهَمًا) أَوْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (مَعَ تَسَاوِي أَجْزَائِهَا) أَيْ الْقُفْزَانِ (صَحَّ) الْبَيْعُ كَمَا لَوْ لَمْ يُفَرِّقْهَا (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (صُبْرَةٍ جُزَافًا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا، فَنَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهَا جُزَافًا (مَعَ جَهْلِهِمَا أَوْ عِلْمِهِمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِقَدْرِهَا لِعَدَمِ التَّغْرِيرِ (وَمَعَ عِلْمِ بَائِعٍ وَحْدَهُ) قَدْرَهَا (يَحْرُمُ) عَلَيْهِ بَيْعُهَا جُزَافًا نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْدِلُ إلَى الْبَيْعِ جُزَافًا مَعَ عِلْمِهِ بِقَدْرِ الْكَيْلِ إلَّا لِلتَّغْرِيرِ ظَاهِرًا (وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ مَعَ التَّحْرِيمِ لِعِلْمِ الْمَبِيعِ بِالْمُشَاهَدَةِ (وَلِمُشْتَرٍ) كَتَمَهُ بَائِعٌ الْقَدْرِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ (الرَّدُّ)؛ لِأَنَّ كَتْمَهُ ذَلِكَ غِشٌّ وَغَرَرٌ. (وَكَذَا) مَعَ (عِلْمِ مُشْتَرٍ وَحْدَهُ) بِقَدْرِ الصُّبْرَةِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ شِرَاؤُهَا جُزَافًا مَعَ جَهْلِ بَائِعٍ بِهِ (وَلِبَائِعٍ الْفَسْخُ) بِهِ لِتَغْرِيرِ الْمُشْتَرِي لَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى بَائِعٍ جَعْلُ صُبْرَةٍ عَلَى نَحْوِ حَجَرٍ أَوْ رَبْوَةٍ مِمَّا يَنْقُصُهَا، وَيَثْبُتُ بِهِ لِمُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمْهُ الْخِيَارَ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، وَإِنْ بَانَ تَحْتَهَا حُفْرَةٌ لَمْ يَعْلَمْهَا بَائِعٌ فَلَهُ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِكَيْلٍ مَعْهُودٍ ثُمَّ وَجَدَ مَا كَالَ بِهِ زَائِدًا عَنْهُ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (صُبْرَةٍ عَلِمَ قُفْزَانَهَا إلَّا قَفِيزًا)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ} وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ. وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى مِنْهَا مُشَاعًا مَعْلُومًا، كَخُمْسٍ أَوْ سُدُسٍ فَيَصِحُّ، وَلَوْ لَمْ تُعْلَمْ قُفْزَانُهَا، فَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ قُفْزَانُهَا وَاسْتَثْنَى قَفِيزًا لَمْ يَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْبَاقِي. وَ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ (ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ إلَّا صَاعًا) لِجَهَالَةِ آصُعِهَا فَتُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ مَا يَبْقَى بَعْدَ الصَّاعِ (وَلَا) بَيْعُ (نِصْفِ دَارِهِ الَّذِي يَلِيهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إلَى أَيْنَ يَنْتَهِي قِيَاسُ النِّصْفِ، كَمَا لَوْ بَاعَا عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ أَرْضٍ وَعَيَّنَ ابْتِدَاءَهَا دُونَ انْتِهَائِهَا. فَإِنْ بَاعَهُ نِصْفَ دَارِهِ الَّتِي تَلِيهِ عَلَى الشُّيُوعِ صَحَّ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (جَرِيبٍ مِنْ أَرْضٍ) مُبْهَمًا (أَوْ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ مُبْهَمًا)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَيَّنًا وَلَا مُشَاعًا (إلَّا إنْ عَلِمَا ذَرْعَهُمَا) أَيْ الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ (وَيَكُونُ) الْجَرِيبُ أَوْ الذِّرَاعُ (مُشَاعًا)؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ أَوْ الثَّوْبُ مَثَلًا عَشَرَةً وَبَاعَهُ وَاحِدًا مِنْهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْعَشَرَةِ (وَيَصِحُّ) اسْتِثْنَاءُ جَرِيبٍ مِنْ أَرْضٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى (مُعَيَّنًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً مَعًا)؛ لِأَنَّهَا ثُنْيَا مَعْلُومَةٌ، فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ (ثُمَّ إنْ نَقَصَ ثَوْبٌ بِقَطْعٍ وَتَشَاحَّا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي قَطْعِهِ (كَانَا شَرِيكَيْنِ) فِي الثَّوْبِ وَلَا فَسْخَ وَلَا قَطْعَ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ مُشْتَرٍ، بَلْ يُبَاعُ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَكَذَا خَشَبَةٌ بِسَقْفٍ وَفَصٌّ بِخَاتَمٍ) بِيعَا وَنَقَصَ السَّقْفُ أَوْ الْخَاتَمُ بِالْقَلْعِ، فَيُبَاعُ السَّقْفُ بِالْخَشَبَةِ وَالْخَاتَمِ بِفَصِّهِ، وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ بِالْمُحَاصَّةِ (وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ حَمْلِ مَبِيعٍ) مِنْ أَمَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ مَأْكُولَةٍ أَوْ لَا (أَوْ) اسْتِثْنَاءُ (شَحْمِهِ) أَيْ الْمَبِيعِ الْمَأْكُولِ؛ لِأَنَّهُمَا مَجْهُولَانِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ (أَوْ) اسْتِثْنَاءُ (رِطْلِ لَحْمٍ أَوْ شَحْمٍ) مِنْ مَأْكُولٍ فَلَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ مَا يَبْقَى. وَكَذَا اسْتِثْنَاءُ كُسْبِ سِمْسِمٍ مَبِيعٍ أَوْ شَيْرَجِهِ أَوْ حَبُّ قُطْنٍ لِلْجَهَالَةِ (إلَّا رَأْسَ مَأْكُولٍ) مَبِيعٍ (وَجِلْدَهُ وَأَطْرَافَهُ) فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا نَصًّا، حَضَرًا وَسَفَرًا. لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَرُّوا بِرَاعِي غَنَمٍ وَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ وعَامِرُ فَاشْتَرَيَا مِنْهُ شَاةً وشَرَطَا لَهُ سَلَبَهَا} (وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُفْرَدًا إلَّا فِي هَذِهِ) الصُّورَةِ لِلْخَبَرِ، وَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذِهِ دُونَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِبْقَاءٌ، وَهُوَ يُخَالِفُ ابْتِدَاء الْعَقْدِ، بِدَلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَدَمِ انْفِسَاخِ نِكَاحِ زَوْجَةٍ وُطِئَتْ بِنَحْوِ شُبْهَةٍ. (وَلَوْ أَبَى مُشْتَرٍ ذَبْحَهُ) أَيْ الْمَأْكُولِ الْمُسْتَثْنَى رَأْسُهُ وَجِلْدُهُ وَأَطْرَافُهُ (وَلَمْ يَشْتَرِطْ) الْبَائِعُ عَلَيْهِ ذَبْحَهُ فِي الْعَقْدِ (لَمْ يُجْبَرْ) مُشْتَرٍ عَلَى ذَبْحِهِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (قِيمَةُ ذَلِكَ) فَإِنْ اشْتَرَطَ بَائِعٌ عَلَى مُشْتَرٍ ذَبْحَهُ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ وَدَفْعُ الْمُسْتَثْنَى لِبَائِعٍ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ، فَالتَّسْلِيمُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَاعَ لِمُشْتَرٍ مَا اسْتَثْنَاهُ صَحَّ، كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ لِمَالِكِ الْأَصْلِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْفَسْخُ بِعَيْبٍ يَخُصُّ الْمُسْتَثْنَى) كَعَيْبٍ بِرَأْسِهِ أَوْ جِلْدِهِ؛ لِأَنَّ الْجَسَدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ كُلُّهُ بِأَلَمِ بَعْضِهِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ حَيَوَانٍ مَذْبُوحٍ وَبَيْعُ لَحْمِهِ قَبْلَ سَلْخِهِ، وَبَيْعُ جِلْدِهِ وَحْدَهُ، وَبَيْعُ رُءُوسٍ وَأَكَارِعَ وَسُمُوطٍ، وَبَيْعُهُ مَعَ جِلْدِهِ جَمِيعًا كَمَا قَبْلَ الذَّبْحِ الشَّرْطُ (السَّابِعُ: مَعْرِفَتُهُمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (لِثَمَنٍ حَالَ عَقْدِ) الْبَيْعِ، وَلَوْ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ أَوْ وَصْفٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ كَالْمَبِيعِ وَكَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (وَلَوْ) كَانَتْ مَعْرِفَتُهُمَا الثَّمَنَ (بِمُشَاهَدَةٍ) كَصُبْرَةٍ شَاهَدَاهَا وَلَمْ يَعْرِفَا قَدْرَهَا (وَكَذَا) أَيْ كَالثَّمَنِ فِيمَا ذُكِرَ (أُجْرَةٌ) فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ لَهَا وَلَوْ بِمُشَاهَدَةٍ (فَيَصِحَّانِ) أَيْ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ إذَا عُقِدَا عَلَى ثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ (بِوَزْنِ صَنْجَةٍ وَبِمِلْءِ كَيْلٍ مَجْهُولَيْنِ) عُرْفًا، وَعَرَفَهُمَا الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْمُشَاهَدَةِ، كَبِعْتُك أَوْ أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ فِضَّةً أَوْ بِمِلْءِ هَذَا الْوِعَاءِ أَوْ الْكِيسِ دَرَاهِمَ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعٌ وَإِجَارَةٍ (بِصُبْرَةٍ) مُشَاهَدَةٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا عَدَدَهَا، وَلَا وَزْنَهَا وَلَا كَيْلَهَا (وَ) يَصِحُّ بَيْعٌ وَإِجَارَةٍ (بِنَفَقَةِ عَبْدِهِ) فُلَانٍ، أَوْ أَمَتِهِ فُلَانَةَ أَوْ نَفْسِهِ، أَوْ زَوْجَتِهِ، أَوْ وَلَدِهِ وَنَحْوَهُ (شَهْرًا) أَوْ سَنَةً أَوْ يَوْمًا وَنَحْوَهُ. لِأَنَّ لَهَا عُرْفًا يُرْجَعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ دَابَّتِهِ (وَيَرْجِعُ) مُشْتَرٍ عَلَى بَائِعٍ (مَعَ تَعَذُّرِهِ مَعْرِفَةَ) قَدْرِ (ثَمَنٍ) بِأَنْ تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ أَوْ اخْتَلَطَتْ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ قَبْلَ اعْتِبَارِهَا، أَوْ تَلِفَتْ الصَّنْجَةُ أَوَالْكَيْلُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ أَخَذَتْ النَّفَقَةَ وَجُهِلَتْ (فِي فَسْخِ) بَيْعٍ لِنَحْوِ عَيْبٍ (بِقِيمَةِ مَبِيعٍ)؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ، وَكَذَا فِي إجَارَةٍ بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ (وَلَوْ أَسَرَّا ثَمَنًا بِلَا عَقْدٍ) بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ عَشَرَةٌ حَقِيقَةً (ثُمَّ عَقَدَاهُ) ظَاهِرًا (بِثَمَنٍ آخَرَ) كَعِشْرِينَ (فَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْعَشَرَةُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَ (وَلَوْ عَقَدَا) بَيْعًا (سِرًّا بِثَمَنٍ) مُعَيَّنٍ (ثُمَّ) عَقَدَا (عَلَانِيَةً بِأَكْثَرَ) مِنْ الْأَوَّلِ (فَكَنِكَاحٍ) ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بَعْدَ لُزُومِهِ، فَيُؤْخَذُ بِالزَّائِدِ مِنْهُمَا مُطْلَقًا (وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الْمُنَقِّحِ) فِي التَّنْقِيحِ (الْأَظْهَرُ أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الثَّانِي إنْ كَانَ فِي مُدَّةِ خِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ مَا يَزِيدُ فِي ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ أَوْ يَحُطُّ مِنْهُمَا زَمَنُهُ مُلْحَقٌ بِهِ وَيُخْبَرُ بِهِ فِي الْبَيْعِ (وَإِلَّا) يَكُنْ فِي مُدَّةِ خِيَارٍ، بِأَنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ بَيْعٍ (فَ) الثَّمَنُ (الْأَوَّلُ، انْتَهَى) وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ، وَلَا يُخْبَرُ بِهِ إذَا بِيعَ بِتَخْيِيرِ الثَّمَنِ. وَفِي الْإِقْنَاعِ: الثَّمَنُ مَا عَقَدَا بِهِ سِرًّا، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَأَوْلَى، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا زِيدَ أَوْ نُقِصَ فِيهِمَا أَنَّ مَا عَقَدَا بِهِ ظَاهِرًا لَيْسَ مَقْصُودًا (وَلَا يَصِحُّ) بَيْعُ نَحْوِ ثَوْبٍ (بِرَقْمِهِ) أَيْ الْمِقْدَارِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ لِلْجَهَالَةِ بِهِ حَالَ الْعَقْدِ (وَلَا) بَيْعُ سِلْعَةٍ (بِمَا بَاعَ بِهِ زَيْدٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا إنْ عَلِمَاهُمَا) أَيْ عَلِمَ الْمُتَعَاقِدَانِ الرَّقْمَ وَمَا بَاعَ بِهِ زَيْدٌ حَالَ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ (وَلَا) بَيْعُ سِلْعَةٍ (بِأَلْفِ دِرْهَمٍ) أَوْ مِثْقَالٍ (ذَهَبًا وَفِضَّةً)؛ لِأَنَّ قَدْرَ كُلِّ جِنْسٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِأَلْفِ بَعْضُهَا ذَهَبٌ وَبَعْضُهَا فِضَّةٌ، وَكَذَا إنْ قَالَ: بِأَلْفٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَلَمْ يَقُلْ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ (بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَرِطْلِ خَمْرٍ) أَوْ كَلْبٍ أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ نَجِسٍ. لِأَنَّ هَذِهِ لَا قِيمَةَ لَهَا، فَلَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهَا الْبَدَلُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ كُلُّهُ كَذَلِكَ (وَلَا) الْبَيْعُ (بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ) أَيْ يَقِفُ عَلَيْهِ لِلْجَهَالَةِ (وَلَا كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا بِدِينَارٍ) مُطْلَقٍ (أَوْ دِرْهَمٍ مُطْلَقٍ) أَوْ قِرْشٍ مُطْلَقٍ (وَثُمَّ) بِالْبَلَدِ (نُقُودٌ) مِنْ الْمُسَمَّى الْمُطْلَقِ (مُتَسَاوِيَةٌ رَوَاجًا) لِتَرَدُّدِ الْمُطْلَقِ بَيْنَهَا وَرَدُّهُ إلَى أَحَدِهِمَا مَعَ التَّسَاوِي تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ) بِالْبَلَدِ (إلَّا) دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ أَوْ قِرْشٌ (وَاحِدٌ) صَحَّ وَصُرِفَ إلَيْهِ لِتَعَيُّنِهِ (أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا) أَيْ النُّقُودِ رَوَاجًا (صَحَّ) الْعَقْدُ (وَصُرِفَ) الْمُطْلَقُ مِنْ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ قِرْشٍ (إلَيْهِ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (وَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ (بِعَشَرَةٍ صِحَاحًا أَوْ إحْدَى عَشَرَ مُكَسَّرَةً وَلَا) الْبَيْعُ (بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ عِشْرِينَ نَسِيئَةً) {لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ} وَفَسَّرَهُ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ لَهُ بِبَيْعٍ وَاحِدٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ، وَلِجَهَالَةِ الثَّمَنِ (إلَّا إنْ تَفَرَّقَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (فِيهِمَا) أَيْ الصُّورَتَيْنِ (عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الثَّمَنَيْنِ فِي الْكُلِّ، فَيَصِحُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ (بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى قِيمَةَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ، وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ. وَاسْتِثْنَاءُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا (وَلَا) الْبَيْعُ (بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ إلَّا قَفِيزًا أَوْ نَحْوِهِ) مِمَّا فِيهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا) الْبَيْعُ إنْ قَالَ: بِعْنِي هَذَا (بِمِائَةٍ) مَثَلًا (عَلَى أَنْ أَرْهَنَ بِهَا) أَيْ الْمِائَةِ الثَّمَنَ (وَبِالْمِائَةِ الَّتِي لَك) غَيْرُهَا مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ. (هَذَا) الشَّيْءُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ الْمِائَةُ وَمَنْفَعَةٌ، هِيَ وَثِيقَةٌ بِالْمِائَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَجْهُولَةٌ. وَلِأَنَّهُ شَرَطَ عَقْدَ الرَّهْنِ بِالْمِائَةِ الْأُولَى فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ، وَكَمَا لَوْ بَاعَهُ دَارِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ الْآخَرَ دَارِهِ، وَكَذَا لَوْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ وَبِدَيْنٍ آخَرَ كَذَا، فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ يَجُرُّ نَفْعًا، فَيَبْطُلُ هُوَ وَالرَّهْنُ (وَلَا) أَنْ يَبِيعَ (مِنْ صُبْرَةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ قَطِيعٍ كُلَّ قَفِيزٍ أَوْ ذِرَاعٍ أَوْ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ)؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ و" كُلٌّ " لِلْعَدَدِ فَيَكُونُ مَجْهُولًا. (وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ أَوْ) بَيْعُ (الثَّوْبِ أَوْ) بَيْعُ (الْقَطِيعِ كُلَّ قَفِيزٍ) مِنْ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ أَوْ كُلَّ (ذِرَاعٍ) مِنْ الثَّوْبِ بِدِرْهَمٍ (أَوْ) كُلَّ (شَاةٍ) مِنْ الْقَطِيعِ (بِدِرْهَمٍ) وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا عَدَدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنُ يُعْرَفُ بِجِهَةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، وَهُوَ كَيْلُ الصُّبْرَةِ أَوْ ذَرْعُ الثَّوْبِ أَوْ عَدُّ الْقَطِيعِ (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (مَا بِوِعَاءٍ) كَسَمْنٍ مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ (مَعَ وِعَائِهِ مُوَازَنَةُ كُلِّ رِطْلٍ بِكَذَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَا مَبْلَغَ الْوَعَاءِ وَمَا بِهِ أَوْ لَا، لِرِضَاهُ بِشِرَاءِ الظَّرْفِ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى ظَرْفَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا زَيْتٌ وَفِي الْآخَرِ شَيْرَجٌ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ مَا بِوَعَاءٍ (دُونَهُ) أَيْ الْوَعَاءِ (مَعَ الِاحْتِسَابِ بِزِنَتِهِ) أَيْ الْوَعَاءِ (عَلَى مُشْتَرٍ إنْ عَلِمَا) حَالَ عَقْدٍ (مَبْلَغَ كُلٍّ مِنْهُمَا) وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ مَا بِالْوَعَاءِ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ وَأَنَّ الْوَعَاءَ رِطْلَانِ وَاشْتَرَى كَذَلِكَ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَحْتَسِبَ عَلَيْهِ زِنَةَ الظَّرْفِ صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَشَرَةَ الَّتِي بِالْوَعَاءِ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَبْلَغَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَدَائِهِ إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ مَا بِوِعَاءٍ (جُزَافًا مَعَ ظَرْفِهِ أَوْ دُونَهُ) أَيْ الظَّرْفِ (أَوْ) بَيْعُهُ مُوَازَنَةً (كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا عَلَى أَنْ يَسْقُطَ مِنْهُ) أَيْ مَبْلَغِ وَزْنِهِمَا (وَزْنُ الظَّرْفِ) كَأَنَّهُ قَالَ: بِعْتُكَ مَا فِي هَذَا الظَّرْفِ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا (وَمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا أَوْ نَحْوَهُ) كَسَمْنٍ وَشَيْرَجٍ (فِي ظَرْفٍ فَوَجَدَ فِيهِ رُبًّا) أَوْ غَيْرَهُ (صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي الْبَاقِي) مِنْ الزَّيْتِ أَوْ نَحْوِهِ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ فَبَانَتْ تِسْعَةً (وَلَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْخِيَارُ) لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ (وَلَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ الْبَائِعَ (بَدَلُ الرُّبِّ) أَوْ نَحْوه لِمُشْتَرٍ، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى إعْطَاءِ الْبَدَلِ جَازَ.
وَهِيَ أَيْ الصَّفْقَةُ فِي الْأَصْلِ: الْمَرَّةُ مِنْ صَفَقَ لَهُ بِالْبَيْعِ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ نُقِلَتْ لِلْبَيْعِ لِفِعْلِ الْمُتَبَايِعَيْنِ ذَلِكَ. فَالصَّفْقَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ (أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ) بَيْعُهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، أَيْ عَقْدٌ جُمِعَ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ، أُشِيرَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ (مَنْ بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ) كَهَذَا الْعَبْدِ وَثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي الْمَعْلُومِ بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ، وَبَطَلَ فِي الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ صَدَرَ فِيهِ الْبَيْعُ عَنْ أَهْلِهِ بِشَرْطِهِ، وَمَعْرِفَةُ ثَمَنِهِ مُمْكِنَةٌ بِتَقْسِيطِ الثَّمَنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ مُمْكِنٌ (لَا إنْ تَعَذَّرَ) عِلْمُ الْمَجْهُولِ (وَلَمْ يُبَيَّنْ ثَمَنُ الْمَعْلُومِ) كَبِعْتُك هَذِهِ الْفَرَسَ وَحَمْلَ الْأُخْرَى بِكَذَا، فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِجَهَالَتِهِ، وَالْمَعْلُومُ مَجْهُولُ الثَّمَنِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِتَقْسِيطِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا وَالْمَجْهُولُ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ، فَإِنْ بُيِّنَ ثَمَنُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ فِي الْمَعْلُومِ بِثَمَنِهِ، الثَّانِيَةَ الْمَذْكُورَةَ بِقَوْلِهِ. (وَمَنْ بَاعَ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُ بَعْضَهُ صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي مِلْكِهِ بِقِسْطِهِ) وَبَطَلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمِلْكَيْنِ لَهُ حُكْمٌ لَوْ انْفَرَدَ، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا، وَيُشْبِهُ بَيْعَ عَيْنٍ لِمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ شِرَاؤُهَا وَمَنْ لَا يَصِحُّ، كَعَبْدٍ مُسْلِمٍ لِمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ (وَلِمُشْتَرٍ الْخِيَارُ) بَيْنَ رَدٍّ وَإِمْسَاكٍ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْحَالَ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ (وَ) لَهُ (الْأَرْشُ إنْ أَمْسَكَ فِيمَا يُنْقِصُهُ التَّفْرِيقُ) كَزَوْجَيْ خُفٍّ وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ أَحَدُهُمَا مِلْكٌ لِلْبَائِعِ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ وَقِيمَةُ كُلٍّ مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ، وَمُجْتَمِعَيْنِ ثَمَانِيَةٌ، اشْتَرَاهُمَا الْمُشْتَرِي بِهِمَا وَلَمْ يَعْلَمْ، فَلَهُ إمْسَاكُ مِلْكِ الْبَائِعِ بِالْقِسْطِ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَلَهُ أَرْشُ نَقْصِ التَّفْرِيقِ دِرْهَمَانِ فَيَسْتَقِرُّ لَهُ مَعَ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَنُ الْفَرْدَةِ الْأُولَى بِدِرْهَمَيْنِ، الثَّالِثَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ. (وَإِنْ بَاعَ) لِمُسْلِمٍ نَحْوَهُ (قِنَّهُ مَعَ) نَحْوِ (قِنِّ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ، أَوْ) بَاعَ قِنَّهُ (مَعَ حُرٍّ، أَوْ) بَاعَ (خَلًّا مَعَ خَمْرٍ، صَحَّ فِي قِنِّهِ) الْمَبِيعِ مَعَ قِنِّ غَيْرِهِ أَوْ مَعَ حُرٍّ بِقِسْطِهِ (وَ) صَحَّ الْبَيْعُ (فِي خَلٍّ) بِيعَ مَعَ خَمْرٍ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ نَصًّا؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ ثَمَنٍ فِي مَبِيعٍ وَسُقُوطِ بَعْضِهِ لَا يُوجِبُ جَهَالَةً تَمْنَعُ الصِّحَّةَ (وَبِقَدْرِ خَمْرٍ خَلًّا) وَحُرٍّ عَبْدًا، لِيُقَوَّمَ وَلِيَتَقَسَّطَ الثَّمَنُ (وَلِمُشْتَرٍ الْخِيَارُ) بَيْنَ إمْسَاكِ مَا صَحَّ فِيهِ الْبَيْعُ بِقِسْطِهِ وَبَيْنَ رَدِّهِ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ (وَإِنْ بَاعَ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ (عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ) بِثَمَنٍ وَاحِدٍ صَحَّ (أَوْ) بَاعَ (عَبْدَيْهِ لِاثْنَيْنِ) بِثَمَنٍ وَاحِدٍ صَحَّ (أَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ) مِنْ (وَكِيلَيْهِمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ (وَقُسِّطَ) الثَّمَنُ (عَلَى قِيمَتَيْهِمَا) أَيْ الْعَبْدَيْنِ لِيُعْلَمَ ثَمَنُ كُلٍّ مِنْهُمَا) وَكَبَيْعٍ إجَارَةٌ) فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ لِلْمَنَافِعِ وَكَذَا حُكْمُ بَاقِي الْعُقُودِ (وَإِنْ جَمَعَ) فِي عَقْدٍ (بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ) بِأَنْ بَاعَهُ عَبْدَهُ وَآجَرَهُ دَارِهِ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ صَحَّا (أَوْ) جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ و(صَرْفٍ) بِأَنْ بَاعَهُ عَبْدًا وَصَارَفَهُ دِينَارًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا صَحَّا، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا (أَوْ) جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ و(خُلْعٍ) بِأَنْ بَاعَتْهُ دَارَهَا وَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا صَحَّا (أَوْ) جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ و(نِكَاحٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ صَحَّا)؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَا فِيهِ شُفْعَةٌ وَمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ (وَقُسِّطَ) الْعِوَضُ (عَلَيْهِمَا) لِيُعْرَفَ عِوَضُ كُلٍّ مِنْهُمَا تَفْصِيلًا. (وَ) إنْ جَمَعَ (بَيْنَ بَيْعٍ وَكِتَابَةٍ) بِأَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَبَاعَهُ دَارِهِ بِمِائَةٍ كُلُّ شَهْرٍ عَشَرَةٌ مَثَلًا (بَطَلَ) الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَالَهُ لِمَالِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ (وَصَحَّتْ) الْكِتَابَةُ بِقِسْطِهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَمَتَى اُعْتُبِرَ قَبْضٌ) فِي الْمَجْلِسِ (لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الْعَقْدَيْنِ الْمَجْمُوعُ بَيْنَهُمَا كَالصَّرْفِ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ (لَمْ يَبْطُلْ) الْعَقْدُ (الْآخَرُ) الَّذِي لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ (بِتَأَخُّرِهِ) أَيْ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهِ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ.
|