الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ (وَهُوَ فِرَاقُ) زَوْجٍ (زَوْجَتَهُ بِعِوَضٍ) يَأْخُذُهُ الزَّوْجُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْلَعُ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ كَمَا تَخْلَعُ اللِّبَاسَ مِنْ بَدَنِهَا قَالَ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (وَيُبَاحُ) الْخُلْعُ (لِسُوءِ عِشْرَةٍ) بَيْنَ زَوْجَيْنِ بِأَنْ صَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَارِهًا لِلْآخَرِ لَا يُحْسِنُ صُحْبَتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. (وَ) يُبَاحُ الْخُلْعُ (لِمُبْغِضَةِ) زَوْجِهَا (تَخْشَى أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ " {جَاءَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ مِنْ خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً} " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ فَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ دَلِيلُ إبَاحَتِهِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ. (وَتُسَنُّ إجَابَتُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ إذَا سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ عَلَى عِوَضٍ (حَيْثُ أُبِيحَ) الْخُلْعُ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بِقَوْلِهِ " اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً " (إلَّا مَعَ مَحَبَّتِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (لَهَا فَيُسَنُّ صَبْرُهَا) عَلَيْهِ (وَعَدَمُ افْتِدَائِهَا) مِنْهُ دَفْعًا لِضَرَرِهِ وَلَا تَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْخُلْعِ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ نَصًّا. (وَيُكْرَهُ) الْخُلْعُ مَعَ اسْتِقَامَةٍ (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (مَعَ اسْتِقَامَةِ) حَالَ الزَّوْجَيْنِ أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِحَدِيثِ " {أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ} " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ؛ وَلِأَنَّهُ عَبَثٌ، وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}. (وَيَحْرُمُ) الْخُلْعُ إنْ عَضَلَهَا لِتَخْتَلِعَ (وَلَا يَصِحُّ) الْخُلْعُ (إنْ عَضَلَهَا) أَيْ: ضَرَبَهَا أَوْ ضَيَّقَ عَلَيْهَا أَوْ مَنَعَهَا حَقَّهَا مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ قَسْمٍ وَنَحْوِهِ (لِتَخْتَلِعَ) مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا أَتَيْتُمُوهُنَّ} الْآيَةُ؛ وَلِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ إذَنْ عَلَى بَذْلِ الْعِوَضِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ مِنْهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (رَجْعِيًّا) إنْ أَجَابَهَا (بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ) لَفْظِ خُلْعٍ مَعَ (نِيَّتِهِ) أَيْ: الطَّلَاقَ وَلَا تَبِينُ مِنْهُ لِفَسَادِ الْعِوَضِ. (وَيُبَاحُ ذَلِكَ) أَيْ: عَضْلُ الزَّوْجِ لَهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ (مَعَ زِنَاهَا) نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّهْيِ إبَاحَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تُلْحِقَ بِهِ وَلَدًا مِنْ غَيْرِهِ. (وَإِنْ أَدَّبَهَا لِنُشُوزِهَا أَوْ تَرْكِهَا فَرْضًا) كَصَلَاةٍ، وَصَوْمٍ (فَخَالَعَتْهُ لِذَلِكَ صَحَّ) الْخُلْعُ وَأُبِيحَ لَهُ عِوَضَهُ؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ. (وَيَلْزَمُ مِمَّنْ يَقَعُ طَلَاقُهُ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الطَّلَاقَ وَهُوَ مُجَرَّدُ إسْقَاطٍ لَا تَحْصِيلَ فِيهِ فَلَأَنْ يَمْلِكَهُ مُحَصِّلًا لَعِوَضٍ أَوْلَى، وَشَمَلَ كَلَامُهُ الْحَاكِمَ فِي الْإِيلَاءِ وَنَحْوِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارَاتِ. (وَ) يَصِحُّ (بَذْلُ عِوَضِهِ) أَيْ: الْخُلْعِ (مِنْ) كُلِّ (مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ) وَهُوَ الْمُكَلَّفُ غَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ أَشْبَهَ التَّبَرُّعَ. وَسَوَاءٌ كَانَ بَذْلٌ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَلَوْ مِمَّنْ شَهِدَا بِطَلَاقِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (وَرُدَّا) أَيْ: رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِمَانِعٍ كَالْمَبْذُولِ (فِي افْتِدَاءِ أَسِيرٍ)، وَكَشِرَاءِ الشَّاهِدَيْنِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا بِعِتْقِهِ (فَيَصِحُّ) قَوْلُ رَشِيدٍ لِزَوْجِ امْرَأَةٍ (اخْلَعْهَا عَلَى كَذَا عَلَى أَوْ) قَوْلُهُ اخْلَعْهَا عَلَى كَذَا (عَلَيْهَا، وَأَنَا ضَامِنٌ) فَإِنْ أَجَابَهُ الزَّوْجُ صَحَّ وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ لِالْتِزَامِهِ لَهُ (وَلَا يَلْزَمُهَا) أَيْ: الْمَرْأَةَ الْعِوَضُ (إنْ لَمْ تَأْذَنْ) لِلسَّائِلِ فِي ذَلِكَ إنْ أَذِنَتْهُ فِي ذَلِكَ لَزِمَهَا؛ لِأَنَّهُ، وَكِيلٌ عَنْهَا. (وَيَصِحُّ سُؤَالُهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا الْخُلْعَ (عَلَى مَالِ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ: غَيْرِ زَوْجِهَا وَلَوْ قَرِيبًا لِأَحَدِهِمَا (بِإِذْنِهِ) لَهَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَكِيلَةٌ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي مُخَالَعَةِ الزَّوْجِ بِمَالِ الْأَجْنَبِيِّ. (وَ) إنْ سَأَلَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَنْ يَخْلَعَهَا عَلَى مَالِ أَجْنَبِيٍّ (بِدُونِهِ) أَيْ: دُونِ إذْنِ الْأَجْنَبِيِّ (إنْ ضَمِنَتْهُ) بِأَنْ قَالَتْ: اخْلَعْنِي عَلَى عَبْدِ زَيْدٍ، وَأَنَا ضَامِنَةٌ لَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا بَاذِلَةٌ لِلْبَدَلِ، وَمَالُهُ أَيْ: الْغَيْرِ لَاغٍ، وَإِنْ لَمْ تَضْمَنْهُ لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ لِتَصَرُّفِهَا فِي مَالِ غَيْرِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ كَبَذْلِ الْأَجْنَبِيِّ مَالَهَا بِدُونِ إذْنِهَا. (وَيَقْبِضُهُ) أَيْ: عِوَضَ الْخُلْعِ (زَوْجٌ وَلَوْ) كَانَ (صَغِيرًا) يَعْقِلُ الْخُلْعَ (أَوْ) كَانَ (سَفِيهًا أَوْ قِنًّا) قَالَ الْقَاضِي وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعَبْدِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالتَّنْقِيحِ (كَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ، وَمُكَاتَبٍ) ثُمَّ قَالَ (الْمُنَقِّحُ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ) يَقْبِضُهُ (وَلِيُّ) صَغِيرٍ، وَسَفِيهٍ (وَسَيِّدُ) عَبْدٍ (وَهُوَ أَصَحُّ انْتَهَى) وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي الْإِنْصَافِ. (وَإِنْ قَالَ) أَبُو امْرَأَةٍ لِزَوْجِهَا (طَلِّقْ بِنْتِي وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ مَهْرِهَا فَفَعَلَ) أَيْ: طَلَّقَهَا (فَ) لِطَلَاقٍ (رَجْعِيٍّ) لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ (وَلَمْ يَبْرَأْ) الزَّوْجُ مِنْ مَهْرِهَا بِإِبْرَاءِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ (وَلَمْ يَرْجِعْ) الزَّوْجُ (عَلَى الْأَبِ) بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأهُ مِمَّا لَيْسَ لَهُ أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ (وَلَا تَطْلُقُ) الزَّوْجَةُ (إنْ قَالَ) الزَّوْجُ بَعْدَ بَرَاءَةِ أَبِيهَا لَهُ: (طَلَّقْتُهَا إنْ بَرِئْتُ) أَنَا (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ مَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ بِذَلِكَ. (وَلَوْ قَالَ زَوْجٌ) لِأَبِي زَوْجَتِهِ (إنْ أَبْرَأْتَنِي أَنْتَ مِنْهُ) أَيْ: مَهْرِ ابْنَتِك (فَهِيَ طَالِقٌ فَأَبْرَأهُ) أَبُوهَا مِنْهُ (لَمْ تَطْلُقْ) رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْ مَهْرِهَا وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ بِإِبْرَاءِ أَبِيهَا. وَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ أَبْرَأَتْنِي مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، وَمِنْ الْعِدَّةِ أَيْ: نَفَقَتِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ فَأَفْتَى ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ فَلِقَصْدِهَا بِهَا الْمُعَاوَضَةَ فِي الطَّلَاقِ وَلَمْ يَقَعْ، وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَلَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ وُجُوبِهَا، وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ إلَّا بِالطَّلَاقِ فَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى مَا هُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ فَيَدُورُ. (وَلَيْسَ لِأَبِ صَغِيرَةٍ أَنْ يُخَالِعَ) زَوْجَهَا (مِنْ مَالِهَا) كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهَا فِيهِ (وَلَا لِأَبِ) زَوْجٍ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ (سَيِّدِهِمَا) أَيْ: الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ (أَنْ يُخَالِعَا أَوْ يُطَلِّقَا عَنْهُمَا) أَيْ: الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ لِحَدِيثِ " {الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ}. (وَإِنْ خَالَعَتْ عَلَى شَيْءٍ أَمَةٌ) زَوْجَهَا وَلَوْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً (بِلَا إذْنِ سَيِّدِ) هَا لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ صَحَّ إذْ الْعِوَضُ مِنْهُ لَا مِنْهَا، وَتُسَلِّمُهُ مُكَاتَبَةٌ مَأْذُونَةٌ مِمَّا بِيَدِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهَا شَيْءٌ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ سَيِّدِهَا. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْإِقْنَاعِ. (أَوْ خَالَعَتْ) زَوْجَهَا (مَحْجُورَةٌ لِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ لَمْ يَصِحَّ) الْخُلْعُ (وَلَوْ أَذِنَ فِيهِ وَلِيٌّ)؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ فِي التَّبَرُّعِ. (وَيَقَعُ) الْخُلْعُ إذَنْ (بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ نِيَّتِهِ رَجْعِيًّا) لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ. (وَلَا يَبْطُلُ إبْرَاءُ مَنْ ادَّعَتْ سَفَهًا حَالَتَهُ) أَيْ: الْخُلْعِ (بِلَا بَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِسَفَهِهَا حَالِهِ كَمَنْ بَاعَ ثُمَّ ادَّعَى سَفَهًا وَنَحْوَهُ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (مِنْ) زَوْجَةٍ (مَحْجُورٍ عَلَيْهَا لِفَلَسٍ) عَلَى مَالٍ (فِي ذِمَّتِهَا) لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهَا فِيهَا كَاقْتِرَاضِهَا، وَتُطَالِبُ بِهِ إذَا انْفَكَّ حَجْرُهَا، وَأَيْسَرَتْ لَا إنْ خَالَعَتْهُ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهَا وَكَذَا أَجْنَبِيٌّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ.
وَهُوَ أَيْ: الْخُلْعُ طَلَاقٌ بَائِنِ مَا لَمْ يَقَعْ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ فِي خُلْعٍ كَفَسَخْتُ، وَخَلَعْتُ، وَفَادَيْتُ، وَلَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا فَيَكُونُ فَسْخًا لَا يُنْقَصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ. (وَ) لَوْ (لَمْ يَنْوِ) بِهِ (خُلْعًا)، وَرُوِيَ كَوْنُهُ فَسْخًا لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ بِكُلِّ حَالٍ لَكِنْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ عَنْهُمْ فِيهِ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْبَابِ لَنَا شَيْءٌ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَسْخٌ. وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ثُمَّ قَالَ {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فَذَكَرَ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَالْخُلْعَ، وَتَطْلِيقَةً بَعْدَهُمَا فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ رَابِعًا؛ وَلِأَنَّ الْخُلْعَ فُرْقَةٌ خَلَتْ عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَنِيَّتِهِ فَكَانَتْ فَسْخًا كَسَائِرِ الْفُسُوخِ، وَأَمَّا كَوْنُ فَسَخْتُ صَرِيحًا فِيهِ فَلِأَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَأَمَّا خَلَعْت فَلِثُبُوتِ الْعُرْفِ، بِهِ، وَأَمَّا فَادَيْتُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. (وَكِنَايَاتُهُ) أَيْ: الْخُلْعِ (بَارَيْتُكَ، وَأَبْرَأْتُكِ، وَأَبَنْتُكِ)؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُهُ، وَغَيْرَهُ. (فَمَعَ سُؤَالِ) الْخُلْعِ (وَبَذْلِ) عِوَضِهِ (يَصِحُّ) الْخُلْعُ بِصَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ (بِلَا نِيَّةٍ)؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَقَرِينَةُ الْحَالِ مِنْ السُّؤَالِ وَالْبَذْلِ تَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ مَعَ الْكِنَايَةِ (وَإِلَّا) يَكُنْ سُؤَالٌ وَلَا بَذْلُ عِوَضٍ (فَلَا بُدَّ مِنْهَا) أَيْ: النِّيَّةِ (مِمَّنْ أَتَى بِكِنَايَةِ) خُلْعٍ كَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ. (وَتُعْتَبَرُ الصِّيغَةُ مِنْهُمَا) أَيْ: الْمُتَخَالِعَيْنِ فَلَا خُلْعَ بِمُجَرَّدِ بَذْلِ مَالٍ، وَقَبُولِهِ بِلَا لَفْظٍ مِنْ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْفُرْقَةِ فَلَمْ يَصِحَّ بِدُونِ لَفْظٍ كَالطَّلَاقِ بِعِوَضٍ؛ وَلِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ قَبْضٌ لِعِوَضٍ فَلَمْ يَقُمْ بِمُجَرَّدِهِ مَقَامَ الْإِيجَابِ كَقَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْبَيْعِ، وَحَدِيثُ جَمِيلَةَ امْرَأَةِ ثَابِتٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِيهِ " {اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً} وَفِي رِوَايَةٍ "فَفَارِقْهَا"، وَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْفُرْقَةَ فَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِصَّةِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ (فَ) الصِّيغَةُ (مِنْهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (خَلَعْتُكِ أَوْ نَحْوُهُ) كَ فَسَخْتُ نِكَاحَكِ (عَلَى كَذَا وَ) الصِّيغَةُ (مِنْهَا رَضِيتُ أَوْ نَحْوُهُ) سَوَاءٌ قُلْنَا الْخُلْعُ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٌ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (بِكُلِّ لُغَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ: تِلْكَ اللُّغَةِ كَالطَّلَاقِ. و(لَا) يَصِحُّ الْخُلْعُ (مُعَلَّقًا) عَلَى شَرْطٍ (كَ) قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ (إنْ بَذَلْتِ لِي كَذَا فَقَدْ خَالَعْتكِ) إلْحَاقًا لَهُ بِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ لِاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فِيهِ، وَإِنْ تَخَالَعَا هَازِلَيْنِ فَلَغْوٌ مَا لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ نِيَّتِهِ. (وَيَلْغُو شَرْطُ رَجْعَةٍ) فِي خُلْعٍ كَقَوْلِهِ خَالَعْتكِ عَلَى كَذَا بِشَرْطِ أَنَّ لِي رَجْعَتَكِ فِي الْعِدَّةِ أَوْ مَا شِئْتِ (أَوْ) أَيْ: وَيَلْغُو شَرْطُ (خِيَارٍ فِي خُلْعٍ) كَخَلَعْتُكِ عَلَى كَذَا بِشَرْطِ أَنَّ لِي الْخِيَارَ أَوْ عَلَى أَنَّ لِي الْخِيَارَ إلَى كَذَا أَوْ يُطَلِّقُ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ (دُونَهُ) أَيْ: الْخُلْعِ فَلَا يَلْغُو بِذَلِكَ كَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ، (وَيَسْتَحِقُّ) الزَّوْجُ الْعِوَضَ (الْمُسَمَّى فِيهِ) أَيْ: الْخُلْعِ بِشَرْطِ الرَّجْعَةِ أَوْ الْخِيَارِ لِصِحَّةِ الْخُلْعِ، وَتَرَاضِيهِمَا عَلَى عِوَضِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ خَلَا عَنْ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ. (وَلَا يَقَعُ بِمُعْتَدَّةٍ مِنْ خُلْعٍ طَلَاقٌ وَلَوْ وَجَّهَتْ بِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمَا؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ كَالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بُضْعَهَا فَلَمْ يَلْحَقْهَا طَلَاقُهُ كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَحَدِيثُ {الْمُخْتَلِعَةِ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ} لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ وَلَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. (وَمَنْ خُولِعَ جُزْءٌ مِنْهَا) مُشَاعًا كَانَ (كَنِصْفِهَا أَوْ) مُعَيَّنًا كَ (يَدِهَا لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ)؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ.
وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إلَّا بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ فَسْخَ النِّكَاحِ بِلَا مُقْتَضٍ بِخِلَافِهِ عَلَى عِوَضٍ فَيَصِيرُ مُعَاوَضَةً فَلَا يَجْتَمِعُ لَهُ الْعِوَضُ، وَالْمُعَوَّضُ، وَلَوْ قَالَتْ: بِعْنِي عَبْدَكَ فُلَانًا، وَاخْلَعْنِي بِكَذَا فَفَعَلَ صَحَّ وَكَانَ بَيْعًا، وَخُلْعًا بِعِوَضٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ يَصِحُّ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِعِوَضٍ فَصَحَّ جَمْعُهُمَا كَبَيْعِ ثَوْبَيْنِ. (وَكُرِهَ) خُلْعُ زَوْجَتِهِ (بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث جَمِيلَةَ " وَلَا تَزْدَدْ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ،، وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا} رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}، وَقَالَتْ الرُّبَيِّعِ بِنْتُ مُعَوِّذٍ " اخْتَلَعْت مِنْ زَوْجِي بِمَا دُونَ عِقَاصِ رَأْسِي فَأَجَازَ ذَلِكَ عَلِيَّ ". (وَهُوَ) أَيْ: الْخُلْعُ (عَلَى مُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِهِ كَخَمْرٍ، وَخِنْزِيرٍ كَ) خُلْعٍ (بِلَا عِوَضٍ) فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَإِذَا رَضِيَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ نَجَّزَ طَلَاقَهَا أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلِهَا شَيْئًا فَفَعَلَتْهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ دُخُولَ الْبُضْعِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا عَلَى عَبْدٍ فَبَانَ حُرًّا فَلَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ عِوَضٍ مُتَقَوِّمٍ فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ بِحُكْمِ الْغَرَرِ (فَيَقَعُ) خُلْعٌ عَلَى مُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِهِ (رَجْعِيًّا بِنِيَّةِ طَلَاقٍ)؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ فَإِذَا نَوَاهُ بِهِ وَقَعَ وَقَدْ خَلَا عَنْ الْعِوَضِ فَكَانَ رَجْعِيًّا فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا فَلَغْوٌ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ) أَيْ: الْعِوَضَ مُحَرَّمًا (ك) إنْ خَالَعَهَا عَلَى (عَبْدٍ فَبَانَ حُرًّا أَوْ مُسْتَحَقًّا) أَوْ عَلَى خَلٍّ فَبَانَ خَمْرًا أَوْ مُسْتَحَقًّا (صَحَّ) الْخُلْعُ (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (بَدَلُهُ) أَيْ: قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ مِثْلِ الْخَلِّ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مُعَاوَضَةٌ بِالْبُضْعِ فَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ (وَإِنْ بَانَ) نَحْوُ الْعَبْدِ الْمُخَالَعِ عَلَيْهِ (مَعِيبًا فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَيَرُدُّهُ) كَالْمَبِيعِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا. (وَإِنْ تَخَالَعَ كَافِرَانِ بِمُحَرَّمٍ) كَخَمْرٍ، وَخِنْزِيرٍ (ثُمَّ أَسْلَمَا) قَبْلَ قَبْضِهِ (أَوْ) أَسْلَمَ (أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ: الْمُحَرَّمِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهَا بِالْخُلْعِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ فَلَمْ يَجِبْ غَيْرُهُ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ مُطْلَقًا) أَيْ: بِلَا تَقْدِيرِ مُدَّةٍ، (وَيَنْصَرِفُ) الرَّضَاعُ (إلَى حَوْلَيْنِ) إنْ كَانَ عِنْدَ وِلَادَتِهِ (أَوْ) إلَى (تَتِمَّتِهِمَا) أَيْ: الْحَوْلَيْنِ إنْ مَضَى مِنْهُمَا شَيْءٌ نَصًّا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} وَحَدِيثِ " {لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ} " أَيْ: الْعَامَيْنِ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ شَرْعًا. (وَ) لَوْ خَالَعَتْهُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (أَوْ) خَالَعَتْهُ (عَلَى كَفَالَتِهِ) مُدَّةً مُعَيَّنَةٍ (أَوْ) خَالَعَتْهُ عَلَى (نَفَقَتِهِ) أَيْ: الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (أَوْ) خَالَعَتْهُ عَلَى (سُكْنَى دَارِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً) صَحَّ الْخُلْعُ (فَلَوْ لَمْ تَنْتَهِ) الْمُدَّةُ (حَتَّى انْهَدَمَتْ) الدَّارُ الْمُخَالَعُ عَلَى سُكْنَاهَا (أَوْ جَفَّ لَبَنُهَا) أَيْ: الْمُخَالِعَةِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ (أَوْ مَاتَتْ) مَنْ خَالَعَتْهُ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ أَوْ كَفَالَتِهِ أَوْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ (أَوْ) مَاتَ (الْوَلَدُ رَجَعَ) الزَّوْجُ (بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ)؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مُعَيَّنٌ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَوَجَبَ بَدَلُهُ كَمَا لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى قَفِيزٍ فَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ (يَوْمًا فَيَوْمًا)؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ كَذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ مُعَجَّلًا كَمَنْ أَسْلَمَ فِي نَحْوِ خُبْزٍ يَأْخُذُهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ لَا يُتَعَجَّلُ بِمَوْتِ الْمُسْتَوْفِي كَمَوْتِ وَكِيلِ صَاحِبِ الْحَقِّ. (وَلَا يَلْزَمُهَا) وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ (كَفَالَةُ بَدَلِهِ أَوْ لِرَضَاعَةٍ) أَيْ: بَدَلَهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى فِعْلٍ فِي عَيْنٍ فَيَنْفَسِخُ بِنِكَاحِهَا كَالدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَلِاخْتِلَافِ الْأَوْلَادِ فِي الرَّضَاعِ، وَالتَّرْبِيَةِ (وَلَا يُعْتَبَرُ) لِصِحَّةِ خُلْعٍ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (تَقْدِيرُ نَفَقَةٍ، وَوَصْفِهَا) فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ قَدْرِ الطَّعَامِ، وَجِنْسِهِ وَلَا قَدْرِ الْأُدْمِ، وَجِنْسِهِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَضْبِطُهَا عِنْدَ النِّزَاعِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ، وَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مُؤْنَةَ الْوَلَدِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهَا فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ، وَبِغَيْرِهِ (وَيَرْجِعُ) إذَا خَالَعَتْهُ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ، وَتَنَازَعَا فِيهَا (لِعُرْفٍ، وَعَادَةٍ) كَالزَّوْجَةِ، وَالْأَجِيرِ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (عَلَى نَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ) لَهَا بِذِمَّتِهِ كَسَائِرِ دُيُونِهَا عَلَيْهِ. (وَ) يَصِحُّ الْخُلْعُ (مِنْ حَامِلٍ عَلَى نَفَقَةِ حَمْلِهَا) نَصًّا؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مَوْجُودٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهَا كَمَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ، (وَيَسْقُطَانِ) أَيْ: النَّفَقَةُ الْمَاضِيَةُ، وَنَفَقَةُ الْحَمْلِ بِالْخُلْعِ عَلَيْهَا كَدَيْنٍ لَهَا خَالَعَتْهُ عَلَيْهِ. (وَلَوْ خَالَعَهَا) أَيْ: الْحَامِلَ (فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ حَمْلِهَا بَرِئَ) أَيْ: الزَّوْجُ مِنْهَا (إلَى فِطَامِهِ) أَيْ: الْحَمْلِ نَصًّا؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِمَّا يَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ فَإِذَا فَطَمَتْهُ كَانَتْ النَّفَقَةُ لَهُ لَا لَهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا صَحَّتْ الْمُخَالَعَةُ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَهِيَ لِلْوَلَدِ دُونَهَا؛ لِأَنَّهَا فِي التَّحْقِيقِ فِي حُكْمِ الْمَالِكَةِ لَهَا مُدَّةَ الْحَمْلِ، وَبَعْدَ الْوَضْعِ تَأْخُذُ أُجْرَةَ رَضَاعِهَا، فَأَمَّا النَّفَقَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى هَذَا مِنْ كِسْوَةِ الطِّفْلِ، وَدُهْنِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُعَاوِضَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهَا وَلَا فِي حُكْمِ مَا هُوَ لَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَأَنَّهُ مُخَصَّصُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (عَلَى مَا لَا يَصِحُّ مَهْرًا لِجَهَالَةٍ أَوْ غَرَرٍ)؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ مِنْ الْبُضْعِ وَلَيْسَ تَمْلِيكَ شَيْءٍ، وَالْإِسْقَاطُ يَدْخُلُهُ الْمُسَامَحَةُ، وَلِهَذَا جَازَ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَأُبِيحَ لَهَا افْتِدَاءُ نَفْسِهَا لِحَاجَتِهَا إلَيْهِ فَوَجَبَ مَا رَضِيَتْ بِبَذْلٍ دُونَ مَا لَمْ تَرْضَهُ (فَ) لِزَوْجٍ (مُخَالِعٍ عَلَى مَا بِيَدِهَا أَوْ بَيْتِهَا مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مَتَاعٍ مَا بِهِمَا) أَيْ: بِيَدِهَا أَوْ بَيْتِهَا مِنْ ذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) بِيَدِهَا (شَيْءٌ) مِنْ الدَّرَاهِمِ (فَلَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ)؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ فَهِيَ الْمُتَيَقِّنَةُ (أَوْ) لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَتَاعِ فَلَهُ (مَا يُسَمَّى مَتَاعًا) كَالْوَصِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ بِيَدِهَا دُونَ الثَّلَاثَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ. (وَ) إنْ خَالَعَهَا (عَلَى مَا تَحْمِلُ) شَجَرَةٌ أَوْ مَا تَحْمِلُ (أَمَةٌ)، وَنَحْوُهَا (أَوْ مَا فِي بَطْنِهَا) أَيْ: الْأَمَةِ، وَنَحْوِهَا صَحَّ كَالْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ وَلَهُ (مَا يَحْصُلُ) مِنْ ذَلِكَ لَكِنْ قِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ قِيمَةُ وَلَدِ الْأَمَةِ لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ (فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ) مِنْهُ (شَيْءٌ وَجَبَ فِيهِ) مُطْلَقُ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ. (وَ) يَجِبُ (فِيمَا) إذَا خَالَعَهَا عَلَى شَيْءٍ (يُجْهَلُ مُطْلَقًا كَثَوْبٍ وَنَحْوِهِ) كَعَبْدٍ، وَثَوْبٍ، وَبَعِيرٍ وَشَاةٍ (مُطْلَقُ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ) لِصِدْقِ الِاسْمِ بِذَلِكَ. (وَ) إنْ خَالَعَهَا (عَلَى ذَلِكَ الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ فَبَانَ مَرْوِيًّا) أَوْ مَعِيبًا أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ السِّنْدِيِّ فَبَانَ هِنْدِيًّا أَوْ زِنْجِيًّا أَوْ مَعِيبًا (لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ) لِوُقُوعِ الْخُلْعِ عَلَى عَيْنِهِ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (عَلَى) ثَوْبٍ (هَرَوِيٌّ فِي الذِّمَّةِ)، وَعَلَيْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ سَلِيمًا؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ (وَيُخَيَّرُ إنْ أَتَتْهُ بِ) ثَوْبٍ (مَرْوِيٍّ بَيْنَ رَدِّهِ، وَإِمْسَاكِهِ) وَكَذَا يُخَيَّرُ إنْ أَتَتْهُ بِهَرَوِيٍّ مَعِيبٍ أَوْ نَاقِصٍ صِفَةً شَرَطَتْهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بِذِمَّتِهَا سَلِيمٌ تَامُّ الصِّفَاتِ.
وَطَلَاقٌ مُنَجَّزٌ بِعِوَضٍ أَوْ مُعَلَّقٌ بِعِوَضٍ يُدْفَعُ لَهُ (كَخُلْعٍ فِي إبَانَةٍ) لَبَدَلِ الْعِوَضِ فِي إبَانَتِهَا أَشْبَهَ الْخُلْعَ (فَلَوْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَقَتْ) مِنْهُ (بَائِنًا بِأَيِّ عَبْدٍ) يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ لَا نَحْوِ مَنْذُورٍ (أَعْطَتْهُ) لَهُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُكَاتَبًا لِجَوَازِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهِ خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ، وَغَيْرِهِ (وَمَلَكَهُ) الزَّوْجُ أَيْ: الْعَبْدَ بِإِعْطَائِهَا إيَّاهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ خُرُوجِ الْبُضْعِ عَنْ مِلْكِهِ. (وَإِنْ) قَالَ لَهَا (إنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الْعَبْدَ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ لَهَا: إنْ أَعْطَيْتِنِي (هَذَا الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَأَعْطَتْهُ إيَّاهُ) أَيْ: الْعَبْدَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّوْبَ فِي الثَّانِيَةِ (طَلَقَتْ) بَائِنًا بِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ بَانَ الْعَبْدُ أَوْ الثَّوْبُ مَعِيبًا، أَوْ بَانَ الثَّوْبُ (مَرْوِيًّا)؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَلْتَزِمْ غَيْرَهُ وَتَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ (وَإِنْ بَانَ) الْعَبْدُ (مُسْتَحَقَّ الدَّمِ فَقُتِلَ. فَلَهُ أَرْشُ عَيْبِهِ) وَلَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ (وَإِنْ خَرَجَ) الْعَبْدُ أَوْ بَعْضُهُ مَغْصُوبًا أَوْ خَرَجَ الثَّوْبُ (أَوْ بَعْضُهُ مَغْصُوبًا) لَمْ تَطْلُقْ (أَوْ) خَرَجَ الْعَبْدُ أَوْ بَعْضُهُ (حُرًّا فِيهِمَا لَمْ تَطْلُقْ) بَائِنَةً بِإِعْطَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْهَا، وَالْمَغْصُوبُ، وَالْحُرُّ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، فَلَا يَصِحُّ إعْطَاؤُهَا إيَّاهُ فَلَا يَقَعُ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ. (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (عَلَى خَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَقَوْلِهِ: إنْ أَعْطَيْتِنِي خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَأَعْطَتْهُ) إيَّاهُ (فَ) الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ (رَجْعِيٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنَّمَا وَقَعَ بِصُورَةِ الْإِعْطَاءِ لِاسْتِحَالَةِ حَقِيقَتِهِ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ أَعْطَيْتِنِي ثَوْبًا هَرَوِيًّا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ) ثَوْبًا (مَرْوِيًّا أَوْ) أَعْطَتْهُ ثَوْبًا (هَرَوِيًّا مَغْصُوبًا لَمْ تَطْلُقْ) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا (وَإِنْ أَعْطَتْهُ) ثَوْبًا (هَرَوِيًّا مَعِيبًا، فَلَهُ مُطَالَبَتُهَا بِ) هَرَوِيٌّ (سَلِيمٍ) لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، وَتَطْلُقُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لِلسَّلِيمِ، وَالْمَعِيبِ، وَالْأَعْلَى وَالْأَدْنَى. (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: (إنْ) أَعْطَيْتِنِي أَوْ أَقْبَضْتِنِي أَلْفًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ لَهَا: (إذَا) أَعْطَيْتِنِي أَوْ أَقْبَضْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ. (أَوْ) قَالَ لَهَا (مَتَى أَعْطَيْتنِي أَوْ) مَتَى (أَقْبَضْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَ) التَّعْلِيقُ (مِنْ جِهَتِهِ) فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حُكْمُ التَّعْلِيقِ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِهِ عَلَى الشَّرْطِ. (فَأَيَّ وَقْتٍ) فَوْرًا كَانَ أَوْ مُتَرَاخِيًا، كَمَا لَوْ خَلَا التَّعْلِيقُ عَنْ الْعِوَضِ (أَعْطَتْهُ) الزَّوْجَةُ (عَلَى صِفَةٍ يُمْكِنُهُ) أَيْ: الزَّوْجُ (الْقَبْضُ) فِيهَا بِأَنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّ يَدٌ حَائِلَةٌ ظَالِمَةٌ (أَلْفًا فَأَكْثَرَ وَازَنَهُ)، وَيَكُونُ الْإِعْطَاءُ (بِإِحْضَارِهِ) أَيْ: الْأَلْفِ لِلزَّوْجِ (وَإِذْنُهَا) لَهُ (فِي قَبْضِهِ) أَيْ: الْأَلْفِ (وَلَوْ مَعَ نَقْصٍ فِي الْعَدَدِ) اكْتِفَاءً بِتَمَامِ الْوَزْنِ (بَانَتْ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَمَلَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ) أَيْ: الزَّوْجُ الْأَلْفَ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ شَرْعِيٌّ يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يُعْطِي فُلَانًا شَيْئًا إذَا فَعَلَهُ مَعَهُ، فَإِنْ هَرَبَ الزَّوْجُ قَبْلَ عَطِيَّتِهَا أَوْ قَالَتْ: يَضْمَنُهُ لَك زَيْدٌ أَوْ اجْعَلْهُ قِصَاصًا مِمَّا لِي عَلَيْكَ، أَوْ أَعْطَتْهُ بِهِ رَهْنًا، أَوْ أَحَالَتْهُ بِهِ، أَوْ نَقَصَتْ الْأَلْفَ وَزْنًا، أَوْ أَعْطَتْهُ سَبِيكَةً لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ. (وَ) مَنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا (طَلِّقْنِي) بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ لَك أَلْفٌ (أَوْ) قَالَتْ لَهُ (اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ وَلَك أَلْفٌ، أَوْ) قَالَتْ لَهُ (إنْ طَلَّقْتَنِي) فَلَكَ أَلْفٌ، أَوْ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ أَلْفٍ (أَوْ) قَالَتْ لَهُ: إنْ (خَلَعْتَنِي فَلَكَ) أَلْفٌ (أَوْ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ) أَيْ: الْأَلْفِ (فَقَالَ لَهَا طَلَّقْتُكِ) جَوَابًا لِقَوْلِهَا: طَلِّقْنِي أَوْ إنْ طَلَّقْتَنِي (أَوْ قَالَ لَهَا خَلَعْتُكِ) جَوَابًا لِقَوْلِهَا: اخْلَعْنِي، أَوْ إنْ خَلَعْتَنِي (وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَلْفَ) مَعَ قَوْلِهِ: طَلَّقْتُكِ أَوْ خَلَعْتُكِ (بَانَتْ) مِنْهُ (وَاسْتَحَقَّهُ) أَيْ: الْأَلْفَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلَّقْتُكِ أَوْ خَلَعْتُكِ جَوَابٌ لِمَا اسْتَدْعَتْهُ مِنْهُ، وَالسُّؤَالُ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: بِعْنِي عَبْدَكَ بِأَلْفٍ. فَقَالَ: بِعْتُكَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَلْفَ (مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ)؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فَيَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ (إنْ أَجَابَهَا عَلَى الْفَوْرِ) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا (وَلَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (الرُّجُوعُ) عَمَّا قَالَتْهُ لِزَوْجِهَا (قَبْلَ إجَابَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ تَمَامِهِ بِالْجَوَابِ. كَالْبَيْعِ، وَكَذَا قَوْلُهَا إنْ طَلَّقْتَنِي فَلَكَ أَلْفٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِوُجُوبِ الْعَرَضِ لَا لِلطَّلَاقِ إنْ تَوَاطَآ عَلَى أَنْ تَهَبَهُ الصَّدَاقَ أَوْ تُبْرِئَهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا. كَانَ بَائِنًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَبْرِئِينِي، وَأَنَا أُطَلِّقُكِ، أَوْ إنْ أَبْرَأْتِينِي طَلَّقْتُكِ وَنَحْوَهُ مِمَّا يُفْهَمُ مِنْهُ سُؤَالُ الْإِبْرَاءِ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
أَيْ: أَنْ يَخْلَعَ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (عَلَى شَيْءٍ فَطَلَّقَ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ) أَيْ: الْمَسْئُولَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا اسْتَدْعَتْ مِنْهُ فَسْخًا فَلَمْ يُجِبْهَا إلَيْهِ، وَأَوْقَعَ طَلَاقًا لَمْ تَطْلُبْهُ وَلَمْ تَبْذُلْ فِيهِ عِوَضًا، (وَوَقَعَ) طَلَاقُهُ (رَجْعِيًّا)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْذَلْ فِيهِ عِوَضٌ. (وَمَنْ سُئِلَ الطَّلَاقَ) عَلَى عِوَضٍ (فَخَلَعَ) وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ (لَمْ يَصِحَّ) خُلْعُهُ الَّذِي هُوَ فَسْخٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ مَبْذُولٌ فِي الطَّلَاقِ لَا فِيهِ. (وَ) إنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: (طَلِّقْنِي) بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ إلَّا بِطَلَاقِهَا بَعْدَهُ (أَوْ) قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: (طَلِّقْهَا) أَيْ: امْرَأَتَكَ (بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ) أَيْ: الْأَلْفَ (إلَّا بِطَلَاقِهَا بَعْدَهُ) أَيْ: الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَهُ فَقَدْ اخْتَارَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِلَا عِوَضٍ، فَيَقَعُ رَجْعِيًّا. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ إلَى تَكُونُ بِمَعْنَى مِنْ الِابْتِدَائِيَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا غَايَةَ لِانْتِهَائِهِ وَإِنَّمَا الْغَايَةُ لِابْتِدَائِهِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَوَاضِحٌ. وَإِنْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ. فَقَالَ لَهَا: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ. (وَ) إنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي (مِنْ الْآنِ إلَى شَهْرٍ) بِأَلْفٍ (لَمْ يَسْتَحِقَّهُ إلَّا بِطَلَاقِهَا قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ، وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ عَلَى الشَّرْطِ فَصَحَّ بَذْلُ الْعِوَضِ فِيهِ مَعَ جَهْلِ الْوَقْتِ كَالْجَهَالَةِ. (وَ) مَنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا (طَلِّقْنِي بِهِ) أَيْ: بِأَلْفٍ (عَلَى أَنْ تُطَلِّقَ ضَرَّتِي) أَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ (عَلَى أَنْ لَا تُطَلِّقَهَا) أَيْ: الضَّرَّةَ (صَحَّ الشَّرْطُ، وَالْعِوَضُ)؛ لِأَنَّهَا بَذَلَتْهُ فِي طَلَاقِهِ، وَطَلَاقِ ضَرَّتِهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي، وَضَرَّتِي بِأَلْفٍ (وَإِنْ لَمْ يَفِ) لَهَا بِشَرْطِهَا مِنْ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا أَوْ عَدَمِهِ (فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْهُ) أَيْ: الْأَلْفِ، (وَمِنْ الْمُسَمَّى) لِلسَّائِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ إلَّا بِعِوَضٍ فَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ رَجَعَ إلَى مَا رَضِيَ بِكَوْنِهِ عِوَضًا وَهُوَ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَهُ الْأَلْفُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِكَوْنِهِ عِوَضًا عَنْهَا، وَعَنْ شَيْءٍ آخَرَ فَإِذَا جُعِلَ كُلُّهُ عَنْهَا كَانَ أَحَظَّ لَهُ. (وَ) مَنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا (طَلِّقْنِي) طَلْقَةً (وَاحِدَةً بِأَلْفٍ أَوْ) طَلِّقْنِي وَاحِدَةً (عَلَى أَلْفٍ أَوْ) طَلِّقْنِي وَاحِدَةً (وَلَك أَلْفٌ، وَنَحْوَهُ) كَطَلِّقْنِي وَاحِدَةً وَأُعْطِيكَ أَلْفًا (فَطَلَّقَ) هَا (أَكْثَرَ) بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا (اسْتَحَقَّهُ) أَيْ: الْأَلْفَ لِإِيقَاعِهِ مَا اسْتَدْعَتْهُ وَزِيَادَةً لِوُجُودِ الْوَاحِدَةِ فِي ضِمْنِ الثِّنْتَيْنِ، وَالثَّلَاثِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ فَيَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ بِالْوَاحِدَةِ، وَالزِّيَادَةُ الَّتِي لَمْ تَبْذُلْ الْعِوَضَ فِيهَا لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا شَيْئًا (وَلَوْ أَجَابَ) قَوْلَهَا طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَنَحْوِهِ (بِ) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، وَطَالِقٌ بَانَتْ) مِنْهُ (بِالْأُولَى) لِوُقُوعِهَا فِي مُقَابَلَةِ الْعِوَضِ وَلَمْ يَقَعْ مَا بَعْدَهَا. (وَإِنْ ذَكَرَ الْأَلْفَ عَقِبَ) الطَّلْقَةِ (الثَّانِيَةِ) بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ بِأَلْفٍ، وَطَالِقٌ (بَانَتْ بِهَا) أَيْ: الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا بِعِوَضٍ (وَ) تَقَعُ الطَّلْقَةُ (الْأُولَى رَجْعِيَّةً وَلَغَتْ الثَّالِثَةُ)؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ (وَإِنْ ذَكَرَهُ) أَيْ: الْأَلْفَ (عَقِبَهَا) أَيْ: الثَّالِثَةِ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، وَطَالِقٌ بِأَلْفٍ (طَلُقَتْ ثَلَاثًا) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَلْفَ، وَنَوَى أَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْكُلِّ بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ يَلْحَقْهَا مَا بَعْدَهَا وَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِيقَاعِهَا بِذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِخَمْسِمِائَةٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ بِالْأُولَى، وَبَانَتْ بِهَا. (وَ) مَنْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ (طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ أَقَلَّ) مِنْ ثَلَاثٍ كَوَاحِدَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ (لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا) مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجِبْهَا إلَى مَا سَأَلَتْهُ كَمَا لَوْ قَالَ فِي الْمُسَابَقَةِ: مَنْ سَبَقَ إلَى خَمْسِ إصَابَاتٍ فَلَهُ كَذَا فَسَبَقَ إلَى بَعْضِهَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ الثَّلَاثِ إلَّا مَا أَوْقَعَهُ وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ) هِيَ بِذَلِكَ (اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ)؛ لِأَنَّهَا حَصَّلَتْ مَا يَحْصُلُ بِالثَّلَاثِ مِنْ الْبَيْنُونَةِ، وَالتَّحْرِيمِ. (وَلَوْ قَالَ) لِزَوْجٍ (امْرَأَتَاهُ طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً) مِنْهُمَا (بَانَتْ بِقِسْطِهِمَا) مِنْ الْأَلْفِ فَيَسْقُطُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا (وَلَوْ قَالَتْهُ) أَيْ: طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ (إحْدَاهُمَا) فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (فَرَجْعِيٌّ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ السَّائِلَةَ أَوْ ضَرَّتَهَا (وَلَا شَيْءَ لَهُ)؛ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ الْأَلْفَ فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقِهَا وَلَمْ يَحْصُلْ كَقَوْلِ بِعْنِي عَبْدَيْكَ بِأَلْفٍ فَيَقُولُ: بِعْتُكَ أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ. (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ ابْتِدَاءً (أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةٌ) مِنْهُمَا (طَلَقَتْ بِقِسْطِهَا) مِنْ الْأَلْفِ (وَ) إنْ قَالَ لَهُمَا: (أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ بِأَلْفٍ إنْ شِئْتُمَا فَقَالَتَا شِئْنَا، وَإِحْدَاهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَتَانِ (غَيْرُ رَشِيدَةٍ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِهَا) أَيْ: غَيْرِ الرَّشِيدَةِ (رَجْعِيًّا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) مِنْ الْأَلْفِ أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهَا فَلِأَنَّ لَهَا مَشِيئَةً وَلِذَلِكَ رَجَعَ إلَى مَشِيئَتِهَا فِي النِّكَاحِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ رَجْعِيًّا فَلِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا (وَ) وَقَعَ الطَّلَاقُ (بِالرَّشِيدَةِ؛ بَائِنًا بِقِسْطِهَا مِنْ الْأَلْفِ) لِصِحَّةِ مَشِيئَةِ الرَّشِيدَةِ، وَنُفُوذِ تَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا وَيُقَسَّطُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا. (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَيْكِ أَلْفٌ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (عَلَى أَلْفٍ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ) ذَلِكَ مِنْهُ (بِالْمَجْلِسِ بَانَتْ) مِنْهُ، (وَاسْتَحَقَّهُ) أَيْ: الْأَلْفَ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ عَلَى عِوَضٍ قَدْ الْتَزَمَ فِيهِ فَصَحَّ كَمَا لَوْ كَانَ بِسُؤَالِهَا (وَإِلَّا) تَقْبَلْ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (رَجْعِيًّا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ الْعِوَضَ عَلَى مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَلَنَا الشَّرْطُ (وَلَا يَنْقَلِبُ الطَّلَاقُ بَائِنًا إنْ بَذَلَتْهُ) أَيْ: الْأَلْفَ (بِهِ) أَيْ: الْمَجْلِسِ (بَعْدَ رَدِّهَا) كَمَا لَوْ بَذَلَتْهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ (وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ) أَيْ: الزَّوْجُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ أَوْ، وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ بِأَلْفٍ (قَبْلَ قَبُولِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا تَبِينُ كَرُجُوعِ مَنْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ قَبْلَ قَبُولِهِ.
إذَا خَالَعَتْهُ أَيْ: الزَّوْجَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا الْمَخُوفِ فَالْخُلْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَصَحَّ فِي الْمَرَضِ كَالْبَيْعِ وَمَتَى اخْتَلَفَ الْمُسَمَّى فِيهِ مِنْ الْعِوَضِ أَوْ إرْثِهِ مِنْهَا (فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ) الْعِوَضِ (الْمُسَمَّى) فِي الْخُلْعِ (أَوْ إرْثِهِ مِنْهَا)؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي قَصْدِ إيصَالِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا إلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ عَلَى وَجْهٍ لَمْ تَكُنْ قَادِرَةً عَلَيْهِ وَهُوَ وَارِثٌ لَهَا فَبَطَلَ الزَّائِدُ كَمَا لَوْ أَوْصَتْ لَهُ بِهِ أَوْ أَقَرَّتْ، وَأَمَّا قَدْرُ الْمِيرَاثِ فَلَا تُهْمَةَ فِيهِ فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تُخَالِعْهُ لَوَرِثَهُ وَإِنْ صَحَّتْ مِنْ مَرَضِهَا فَلَهُ جَمِيعُ مَا خَالَعَهَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا فِي الصِّحَّةِ. (وَإِنْ طَلَّقَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةَ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا (فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ وَصَّى) لَهَا بِزَائِدٍ عَنْ إرْثِهَا (أَوْ أَقَرَّ لَهَا بِزَائِدٍ عَنْ إرْثِهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ الزَّائِدَ) عَنْ إرْثِهَا إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ لِلتُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى إيصَالِ ذَلِكَ لَهَا وَهِيَ فِي حِبَالِهِ فَطَلَّقَهَا لِيُوَصِّلَهُ إلَيْهَا فَمُنِعَ مِنْهُ كَالْوَصِيَّةِ لَهَا. (وَإِنْ خَالَعَهَا) فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ، (وَحَابَاهَا) بِأَنْ أَخَذَ مِنْهَا دُونَ مَا أَعْطَاهَا (فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِلَا عِوَضٍ صَحَّ فَمَعَهُ أَوْلَى. (وَمَنْ وَكَّلَ) وَكِيلًا (فِي خُلْعِ امْرَأَتِهِ مُطْلَقًا) فَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ عِوَضًا (فَخَالَعَ) الْوَكِيلُ زَوْجَةَ مُوَكِّلِهِ (بِ) عَرْضٍ (أَنْقَصَ مِنْ مَهْرِهَا ضَمِنَ) الْوَكِيلُ (النَّقْصَ) مِنْ مَهْرِهَا، وَصَحَّ الْخُلْعُ لِانْصِرَافِ الْإِذْنِ إلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْبُضْعِ بِالْعِوَضِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا وَهُوَ مَهْرُهَا فَإِذَا أَزَالَهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ ضَمِنَ النَّقْصَ كَالْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ فِي الْبَيْعِ إذَا بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ (وَإِنْ عَيَّنَ) الزَّوْجُ (لَهُ) أَيْ: لِوَكِيلِهِ (الْعِوَضَ) كَأَنْ قَالَ: اخْلَعْهَا عَلَى عَشَرَةٍ (فَنَقَصَ مِنْهُ) كَأَنْ خَالَعَهَا عَلَى تِسْعَةٍ (لَمْ يَصِحَّ) الْخُلْعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَهُ فِيهِ بِشَرْطِ مَا قَدَّرَ مَا مِنْ الْعِوَضِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْمُقَدَّرُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَيُشْبِهُ خُلْعَ الْفُضُولِيِّ. (وَإِنْ زَادَ مَنْ وَكَّلَتْهُ) الزَّوْجَةُ فِي خُلْعِهَا، (وَأَطْلَقَتْ) بِأَنْ لَمْ تُقَدِّرْ لَهُ عِوَضًا (عَلَى مَهْرِهَا أَوْ) زَادَ (مَنْ عَيَّنَتْ لَهُ الْعِوَضَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَنْ عَيَّنَتْهُ لَهُ (صَحَّ الْخُلْعُ) فِيهِمَا (وَلَزِمَتْهُ) أَيْ: الْوَكِيلَ (الزِّيَادَةُ)؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ رَضِيَتْ بِدَفْعِ الْعِوَضِ الَّذِي يَمْلِكُهُ الْخُلْعُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ بِالْقَدْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ مَعَ التَّقْدِيرِ، وَالزِّيَادَةُ لَازِمَةٌ لِلْوَكِيلِ لِبَذْلِهِ لَهَا فِي الْخُلْعِ فَلَزِمَتْهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا وَإِنْ وَكَّلَ الزَّوْجَاتُ وَاحِدًا صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْخُلْعِ. (وَإِنْ خَالَفَ) وَكِيلٌ مَا أُمِرَ أَنْ يُخَالِعَ بِهِ (جِنْسًا أَوْ حُلُولًا أَوْ نَقْدًا لِبَلَدٍ) بِأَنْ وُكِّلَ فِي الْخُلْعِ بِبُرٍّ فَخَالَعَ بِشَعِيرٍ وَنَحْوِهِ أَوْ وُكِّلَ أَنْ يُخَالِعَ بِعِوَضٍ حَالٍ فَخَالَعَ بِهِ مُؤَجَّلًا أَوْ أَمَرَ أَنْ يُخَالِعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ فَخَالَعَ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ (لَمْ يَصِحَّ) الْخُلْعُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَالْوَكِيلُ لَمْ يُوجِدْ السَّبَبَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (لَا) إنْ خَالَفَ (وَكِيلَهَا) حُلُولًا بِأَنْ وَكَّلَتْهُ فِي خُلْعِهَا بِعِوَضٍ حَالٍّ فَخَالَعَ بِهِ مُؤَجَّلًا فَيَصِحُّ الْخُلْعُ؛ لِأَنَّهُ زَادَهَا خَيْرًا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ أَحَظُّ بِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ مُهْلَةٌ، وَتَوْسِعَةٌ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ الزَّوْجُ فِي الْخُلْعِ بِعِوَضٍ مُؤَجَّلٍ فَخَلَعَ بِهِ حَالًّا. (وَلَا يَسْقُطُ مَا بَيْنَ مُتَخَالِعَيْنِ مِنْ حُقُوقِ نِكَاحٍ) كَمَهْرٍ، وَنَفَقَةٍ (أَوْ غَيْرِهِ) كَقَرْضٍ (بِسُكُوتٍ عَنْهَا) حَالَ خُلْعٍ فَيَتَرَاجَعَانِ بِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِلَفْظِ طَلَاقٍ فَلَا يَسْقُطُ بِالْخُلْعِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَلَا) يَسْقُطُ مَا بَيْنَ مُتَخَالِعَيْنِ مِنْ (نَفَقَةِ عِدَّةِ حَامِلٍ وَلَا بَقِيَّةِ مَا خُولِعَ بِبَعْضِهِ) كَسَائِرِ الْفُسُوخِ، وَكَالْفُرْقَةِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ. (وَيَحْرُمُ الْخُلْعُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ يَمِينِ طَلَاقٍ، وَلَا يَصِحُّ) أَيْ: لَا يَقَعُ الْخُلْعُ حِيلَةً كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحِيَلَ خِدَاعٌ لَا تُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ خُلْعُ الْحِيلَةِ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْفُرْقَةَ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ مِنْهُ بَقَاءُ الْمَرْأَةِ مَعَ زَوْجِهَا، كَمَا فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، وَالْعَقْدُ لَا يُقْصَدُ بِهِ نَقِيضُ مَقْصُودِهِ. قَالَ الْمُنَقِّحُ فِي التَّنْقِيحِ (وَغَالِبُ النَّاسِ وَاقِعٌ فِي ذَلِكَ) انْتَهَى. أَيْ: فِي الْخُلْعِ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ يَمِينِ الطَّلَاقِ.
إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ خَالَعْتكِ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَأَنْكَرَتْهُ أَيْ: الْخُلْعَ بِأَلْفٍ بَانَتْ بِإِقْرَارِهِ، وَتَحْلِفُ لِنَفْيِ الْعِوَضِ (أَوْ) لَمْ تُنْكِرْ الْخُلْعَ لَكِنْ (قَالَتْ إنَّمَا خَالَعْتَ غَيْرِي بَانَتْ) مِنْهُ لِإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ ذَلِكَ (وَتَحْلِفُ) الزَّوْجَةُ (لِنَفْيِ الْعِوَضِ)؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا (وَإِنْ أَقَرَّتْ) بِأَنَّهَا خَالَعَتْهُ، (وَقَالَتْ ضَمِنَهُ) أَيْ: عِوَضَ الْخُلْعِ (غَيْرِي) لَزِمَهَا أَوْ قَالَتْ: عِوَضُ الْخُلْعِ (فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ: الْغَيْرِ (قَالَ) الزَّوْجُ: بَلْ (فِي ذِمَّتِكَ لَزِمَهَا) الْعِوَضُ، لِإِقْرَارِهَا بِالْخُلْعِ، وَدَعْوَاهَا أَنَّهُ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهَا أَوْ أَنَّهُ ضَمِنَهُ دَعْوَى غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ: الْمُتَخَالِعَانِ (فِي قَدْرِ عِوَضِهِ) أَيْ: الْخُلْعِ، بِأَنْ قَالَ: خَالَعْتكِ بِأَلْفٍ فَقَالَتْ بَلْ سَبْعِمِائَةٍ فَقَوْلُهَا (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (عَيْنِهِ) أَيْ: الْعِوَضِ، بِأَنْ قَالَ: خَالَعْتكِ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ فَقَالَتْ: بَلْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَقَرَّ لَهَا (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (صِفَتِهِ) أَيْ: الْعِوَضِ بِأَنْ قَالَ: خَالَعْتكِ عَلَى عَشَرَةٍ صِحَاحٍ فَقَالَتْ: بَلْ مُكَسَّرَةٍ فَقَوْلُهَا (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (تَأْجِيلِهِ) أَيْ: عِوَضِ الْخُلْعِ بِأَنْ قَالَ: خَالَعْتكِ عَلَى مِائَةٍ حَالَّةٍ. فَقَالَتْ: بَلْ مُؤَجَّلَةٍ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهَا) نَصًّا؛ لِأَنَّهَا مُنْكَرَةٌ لِلزَّائِدِ فِي الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ، وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ فَقَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا غَارِمَةٌ، وَإِنْ قَالَ: سَأَلْتِينِي طَلْقَةً بِأَلْفٍ، فَقَالَتْ: بَلْ سَأَلْتُكَ ثَلَاثًا فَطَلَّقْتَنِي وَاحِدَةً بَانَتْ بِإِقْرَارِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي سُقُوطِ الْعِوَضِ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى نَقْدٍ مُطْلَقٍ لَزِمَ مِنْ نَقْدِ غَالِبِ الْبَلَدِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا أَرَادَا دَرَاهِمَ رَابِحَةً لَزِمَهَا مَا اتَّفَقَتْ إرَادَتُهُمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِرَادَةِ فَمِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ. (وَإِنْ عَلَّقَ) زَوْجٌ (طَلَاقَهَا بِصِفَةٍ) كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَثَلًا (ثُمَّ أَبَانَهَا) بِخُلْعٍ أَوْ طَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ (ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَوُجِدَتْ) الصِّفَةُ بِأَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ (طَلَقَتْ) نَصًّا (وَلَوْ كَانَتْ) الصِّفَةُ (وُجِدَتْ حَالَ بَيْنُونَتِهَا)؛ لِأَنَّ عَقْدَ الصِّفَةِ وَوُجُودَهَا وُجِدَا فِي النِّكَاحِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَخَلَّلْهُ بَيْنُونَةٌ، كَمَا لَوْ بَانَتْ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ تَفْعَلْ الصِّفَةَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ بِنْت مِنِّي ثُمَّ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَانَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَفِي التَّعْلِيقِ: احْتِمَالٌ لَا يَقَعُ كَتَعْلِيقِهِ بِالْمِلْكِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَهُوَ: لُغَةً) التَّخْلِيَةُ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: أُطْلِقَتْ النَّاقَةُ فَطُلِقَتْ إذَا كَانَتْ مَشْدُودَةً فَأَزَلْت الشَّدَّ عَنْهَا وَخَلَّيْتُهَا فَشُبِّهَ مَا يَقَعُ بِالْمَرْأَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً الْأَسْبَابِ بِالزَّوْجِ،، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: طَلَّقْتُ الْمَرْأَةَ فَطَلَقَتْ، وَأَطْلَقَتْ النَّاقَةَ مِنْ الْعِقَالِ فَانْطَلَقَتْ هَذَا الْكَلَامُ الْجَيِّدُ. وَشَرْعًا: (حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ أَوْ) حَلُّ (بَعْضِهِ) أَيْ: قَيْدِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ، وَالرُّجْعَى،، وَأَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ التَّنَافُرِ وَالتَّبَاغُضِ مَا يُوجِبُ الْخُصُومَةَ الدَّائِمَةَ، فَلُزُومُ النِّكَاحِ إذَنْ ضَرَرٌ فِي حَقِّهَا وَمَفْسَدَةٌ مَحْضَةٌ بِلَا فَائِدَةٍ فَوَجَبَ إزَالَتُهَا بِالتَّرْكِ لِيَخْلُصَ كُلٌّ مِنْ الضَّرَرِ. (وَيُكْرَهُ) الطَّلَاقُ (بِلَا حَاجَةٍ) لِإِزَالَتِهِ النِّكَاحَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْمَصَالِحِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا، وَلِحَدِيثِ " {أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ} " (وَيُبَاحُ) الطَّلَاقُ (عِنْدَهَا) أَيْ: الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَسُوءِ خُلُقِ الْمَرْأَةِ، وَالتَّضَرُّرِ بِهَا مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا (وَيُسَنُّ) الطَّلَاقُ (لِتَضَرُّرِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ بِاسْتِدَامَةِ (نِكَاحٍ) كَحَالِ الشِّقَاقِ وَمَا يُحْوِجُ الْمَرْأَةَ إلَى الْمُخَالَعَةِ لِيُزِيلَ ضَرَرَهَا. (وَ) يُسَنُّ الطَّلَاقُ أَيْضًا (لِتَرْكِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (صَلَاةً، وَعِفَّةً وَنَحْوَهُمَا) لِتَفْرِيطِهَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ إجْبَارُهَا عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا لِدِينِهِ وَلَا يَأْمَنُ مِنْ إفْسَادِ فِرَاشِهِ، وَإِلْحَاقِهَا بِهِ وَلَدًا مِنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ عَفِيفَةً وَلَهُ عَضْلُهَا إذَنْ وَالتَّضْيِيقُ عَلَيْهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (وَهِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةُ (كَهُوَ) أَيْ: الزَّوْجِ (فَيُسَنُّ) لَهَا (أَنْ تَخْتَلِعَ) مِنْهُ (إنْ تَرَكَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) كَصَلَاةٍ، وَصَوْمٍ، وَيَحْرُمُ الطَّلَاقُ فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، وَيَجِبُ عَلَى مُولٍ بَعْدَ التَّرَبُّصِ إنْ أَبَى الْفَيْئَةَ، وَيَأْتِي فَيَنْقَسِمُ الطَّلَاقُ إلَى أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ الْخَمْسَةِ (وَلَا يَجِبُ) عَلَى ابْنٍ (طَاعَةُ أَبَوَيْهِ) وَلَوْ كَانَا (عَدْلَيْنِ فِي طَلَاقِ) زَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَجِبُ عَلَى وَلَدٍ طَاعَةُ أَبَوَيْهِ فِي (مَنْعٍ مِنْ تَزْوِيجٍ) نَصًّا لِمَا سَبَقَ. (وَلَا يَصِحُّ) الطَّلَاقُ (إلَّا مِنْ زَوْجٍ) لِحَدِيثِ " {إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ} " (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (مُمَيِّزًا يَعْقِلُهُ فَيَصِحُّ) طَلَاقُهُ كَالْبَالِغِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ. وَلِحَدِيثِ " {كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ، وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ}"، وَعَنْ عَلِيٍّ " اُكْتُمُوا الصِّبْيَانَ النِّكَاحَ " فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ فَائِدَتَهُ أَنْ لَا يُطَلِّقُوا، وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ عَاقِلٍ صَادَفَ مَحَلَّ الطَّلَاقِ أَشْبَهَ طَلَاقَ الْبَالِغِ (وَ) إلَّا مِنْ (حَاكِمٍ عَلَى مُولٍ) بَعْدَ التَّرَبُّصِ إنْ أَبَى الْفَيْئَةَ، وَالطَّلَاقَ،، وَيَأْتِي فِي الْإِيلَاءِ مُوَضَّحًا. (وَيُعْتَبَرُ) لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ (إرَادَةُ لَفْظِهِ لِمَعْنَاهُ) بِأَنْ لَا يُرِيدَ غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ (فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ لِفَقِيهٍ) أَيْ: عَلَيْهِ (يُكَرِّرُهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ لِلتَّعْلِيمِ (وَ) لَا طَلَاقَ عَلَى (حَاكٍ) طَلَاقًا (وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا) طَلَاقَ عَلَى (نَائِمٍ وَلَا زَائِلٍ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ بَرْسَامٍ أَوْ نَشَّافٍ وَلَوْ بِضَرْبِهِ نَفْسَهُ) لِحَدِيثِ " {كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ، وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ} " وَحَدِيثِ " {رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ}؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ قَوْلٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ فَاعْتُبِرَ لَهُ الْعَقْلُ كَالْبَيْعِ. (وَكَذَا) لَا يَقَعُ طَلَاقُ (آكِلِ بَنْجٍ وَنَحْوِهِ) لِتَدَاوٍ أَوْ غَيْرِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ فِيهِ، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ السَّكْرَانِ فَأَلْحَقَهُ بِالْمَجْنُونِ. (وَ) كَذَا لَا يَقَعُ طَلَاقُ (مَنْ غَضِبَ حَتَّى أُغْمِيَ) عَلَيْهِ (أَوْ) غَضِبَ حَتَّى (أُغْشِيَ عَلَيْهِ) لِزَوَالِ عَقْلِهِ أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ. (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (مِمَّنْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ لَمْ يَكُنْ زَائِلَ الْعَقْلِ حِينَهُ. قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَنْ جُنُونُهُ بِذَهَابِ مَعْرِفَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَبُطْلَانِ حَوَاسِّهِ. فَأَمَّا مَنْ كَانَ جُنُونُهُ النَّشَّافَ أَوْ كَانَ مُبَرْسَمًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ حُكْمَ تَصَرُّفِهِ مَعَ أَنَّ مَعْرِفَتَهُ غَيْرُ ذَاهِبَةٍ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ لِلطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (مِمَّنْ شَرِبَ طَوْعًا مُسْكِرًا أَوْ نَحْوَهُ) أَيْ: الْمُسْكِرِ (مِمَّا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ كَالْحَشِيشَةِ الْمُسْكِرَةِ. قَالَهُ فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ حَيْثُ أَلْحَقَهَا بِالشَّرَابِ الْمُسْكِرِ حَتَّى فِي الْحَدِّ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْبَنْجِ بِأَنَّهَا تُشْتَهَى، وَتُطْلَبُ. وَقَدَّمَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْبَنْجِ (وَلَوْ خَلَطَ فِي كَلَامِهِ أَوْ سَقَطَ تَمَيُّزُهُ بَيْنَ الْأَعْيَانِ) كَأَنْ صَارَ لَا يَعْرِفُ ثَوْبَهُ مِنْ ثَوْبِ غَيْرِهِ (وَيُؤَاخَذُ) السَّكْرَانُ الَّذِي يَقَعُ طَلَاقُهُ (بِسَائِرِ أَقْوَالِهِ وَ) بِ (كُلِّ فِعْلٍ) صَدَرَ مِنْهُ (يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَقْلُ كَإِقْرَارٍ، وَقَذْفٍ، وَظِهَارٍ، وَإِيلَاءٍ، وَقَتْلٍ، وَسَرِقَةٍ، وَزِنًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَوَقْفٍ، وَعَارِيَّةٍ، وَغَصْبٍ، وَتَسَلُّمِ مَبِيعٍ، وَقَبْضِ أَمَانَةٍ، وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ جَعَلُوهُ كَالصَّاحِي فِي الْحَدِّ بِالْقَذْفِ؛ وَلِأَنَّهُ فَرَّطَ بِإِزَالَةِ عَقْلِهِ فِيمَا يُدْخِلُ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى غَيْرِهِ فَأَلْزَمَ حُكْمُ تَفْرِيطِهِ عُقُوبَةً لَهُ. و(لَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ (مِنْ مُكْرَهٍ) عَلَى شُرْبِ مُسْكِرٍ، وَنَحْوَهُ (لَمْ يَأْثَمْ) بِسُكْرِهِ بِأَنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَإِنْ زَادَ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَلِيلٍ لَا يُسْكِرُهُ فَشَرِبَ مَا أَسْكَرَهُ وَقَعَ طَلَاقُهُ. (وَلَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ (مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ ظُلْمًا) لِلْخَبَرِ فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ كَحَاكِمٍ يُكْرِهُ مُولِيًا بَعْدَ التَّرَبُّصِ، وَأَبَى الْفَيْئَةَ وَنَحْوَهُ وَقَعَ (بِعُقُوبَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِإِكْرَاهٍ كَضَرْبٍ، وَخَنْقٍ، وَعَصْرِ سَاقٍ، وَنَحْوِهِ، وَلَا يَرْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُ حَتَّى يُطَلِّقَ فَمَا فَاتَ مِنْهُ لَا إكْرَاهَ بِهِ لِانْقِضَائِهِ (أَوْ تَهْدِيدٍ لَهُ أَوْ وَلَدِهِ مِنْ قَادِرٍ) عَلَى مَا هَدَّدَهُ بِهِ (بِسَلْطَنَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ كَلِصٍّ وَنَحْوِهِ) كَقَاطِعِ طَرِيقٍ (بِقَتْلٍ) مُتَعَلِّقٍ بِتَهْدِيدٍ (أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ ضَرْبٍ) كَثِيرٍ. قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَالشَّارِحُ: فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فِي حَقِّ مَنْ لَا يُبَالِي بِهِ فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ وَإِنْ كَانَ فِي ذَوِي الْمُرُوآتِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إخْرَاقًا لِصَاحِبِهِ وَغَضَاضَةً، وَشُهْرَةً فِي حَقِّهِ فَهُوَ كَالضَّرْبِ الْكَثِيرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (أَوْ حَبْسٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ يَضُرُّهُ) أَخَذَهُ مِنْهُ ضَرَرًا (كَثِيرًا) فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ كَذَلِكَ فَلَيْسَ إكْرَاهًا (وَظَنَّ) الْمُكْرَهُ إيقَاعَهُ أَيْ: مَا هَدَّدَهُ بِهِ مِمَّا ذَكَرَ (فَطَلَّقَ تَبَعًا لِقَوْلِهِ) أَيْ: الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا " {لَا طَلَاقَ وَلَا عِتْقَ فِي إغْلَاقٍ} " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْإِغْلَاقُ: الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُغْلَقٌ عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ مُضَيَّقٌ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفِهِ كَمَنْ أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابٌ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِلَا حَقٍّ أَشْبَهَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ، وَتَجِبُ الْإِجَابَةُ مَعَ التَّهْدِيدِ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ مِنْ قَادِرٍ تَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إيقَاعًا بِهِ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ لِئَلَّا يُلْقِيَ بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَرَوَى سَعِيدٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ " أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ تَدَلَّى فِي حَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فَجَلَسَتْ عَلَى الْحَبْلِ فَقَالَتْ: لَتُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا وَإِلَّا قَطَعْتُ الْحَبْلَ. فَذَكَّرَهَا اللَّهَ. سُبْحَانَهُ، وَالْإِسْلَامَ. فَأَبَتْ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ خَرَجَ إلَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى أَهْلِكَ فَلَيْسَ هَذَا طَلَاقًا ". (وَكَمُكْرَهٍ) ظُلْمًا فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ (مَنْ سُحِرَ لِيُطَلِّقَ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قُلْت: بَلْ هُوَ أَعْظَمُ الْإِكْرَاهَاتِ. (لَا مَنْ شُتِمَ) لِيُطَلِّقَ (أَوْ أُخْرِقَ بِهِ) أَيْ: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: أُهِينَ بِالشَّتْمِ لِيُطَلِّقَ. فَلَيْسَ كَمُكْرَهٍ بَلْ يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَسِيرٌ. (وَمَنْ قَصَدَ إيقَاعَهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ، وَقَدْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ (دُونَ دَفْعِ الْإِكْرَاهِ) فَلَمْ يَقْصِدْهُ وَقَعَ طَلَاقُهُ. وَكَذَا إنْ لَمْ يَظُنَّ إيقَاعَ مَا هُدِّدَ بِهِ أَوْ أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ مِنْ الْإِكْرَاهِ بِنَحْوِ هَرَبٍ أَوْ اخْتِفَاءٍ أَوْ دَفْعِ إكْرَاهٍ. (أَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ نِسَائِهِ كَفَاطِمَةَ (فَطَلَّقَ غَيْرَهَا) كَخَدِيجَةَ وَقَعَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ. (أَوْ) أُكْرِهَ عَلَى (طَلْقَةٍ) وَاحِدَةٍ (فَطَلَّقَ أَكْثَرَ) مِنْ طَلْقَةٍ (وَقَعَ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ وَلَا) يَقَعُ طَلَاقُهُ (إنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ مُبْهَمَةٍ) مِنْ نِسَائِهِ (فَطَلَّقَ مُعَيَّنَةً) مِنْهُنَّ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَيًّا كَانَتْ. فَطَلَّقَ عَائِشَةَ مَثَلًا لِصَدْقِ الْوَاحِدَةِ الْمُبْهَمَةِ بِهَا. (أَوْ تَرَكَ) الْمُكْرَهُ (التَّأْوِيلَ بِلَا عُذْرٍ) فِي تَرْكِهِ، فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ. وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ، وَطَلَّقَ أَنْ يَتَأَوَّلَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (وَإِكْرَاهٌ عَلَى عِتْقٍ وَ) عَلَى (يَمِينٍ) بِاَللَّهِ، (وَنَحْوِهِمَا) كَظِهَارٍ (فَ) إكْرَاهٌ (عَلَى طَلَاقٍ) فَلَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْهَا فِي حَالٍ لَا يُؤَاخَذُ فِيهَا بِالطَّلَاقِ وَلَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الْوَعِيدُ إكْرَاهًا لَكُنَّا مُكْرَهِينَ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَلَا ثَوَابَ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّنَا مُكْرَهُونَ عَلَيْهَا، وَالثَّوَابُ مِنْ فَضْلِهِ لَا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ عِنْدَنَا ثُمَّ الْعِبَادَاتُ تُفْعَلُ لِلرَّغْبَةِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (بَائِنًا وَلَا يُسْتَحَقُّ عِوَضٌ سُئِلَ) الْمُطَلَّقُ (عَلَيْهِ) الطَّلَاقَ (فِي نِكَاحٍ قِيلَ:) أَيْ: قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ (بِصِحَّتِهِ) أَيْ: كَبِلَا وَلِيٍّ (وَلَا يَرَاهَا) أَيْ: الصِّحَّةَ (مُطَلِّقٌ) نَصًّا كَمَا لَوْ حَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَى صِحَّتَهُ، وَالْحُكْمُ إنَّمَا يَكْشِفُ خَافِيًا أَوْ يُنَفِّذُ، وَاقِعًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إزَالَةُ مِلْكٍ بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ، وَالسِّرَايَةِ فَجَازَ أَنْ يُنْفَذَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نُفُوذِهِ إسْقَاطُ حَقِّ الْغَيْرِ كَالْعِتْقِ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بِالْأَدَاءِ، وَنَقَلَ ابْنُ قَاسِمٍ: قَدْ قَامَ مَقَامَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي أَحْكَامِهِ كُلِّهَا. (وَلَا يَكُونُ) الطَّلَاقُ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ (بِدْعِيًّا فِي حَيْضٍ) فَيَجُوزُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا تَجُوزُ اسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ وَلَا يُسَمَّى طَلَاقَ بِدْعَةٍ. و(لَا) يَصِحُّ (خُلْعٌ) فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ (لِخُلُوِّهِ) أَيْ: الْخُلْعِ (عَنْ الْعِوَضِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِلَا عِوَضٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا بِبَذْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَابِلَ لِلْعِوَضِ. (وَلَا) يَقَعُ طَلَاقٌ (فِي) نِكَاحٍ (بَاطِلٍ إجْمَاعًا) كَمُعْتَدَّةٍ وَخَامِسَةٍ (وَلَا فِي نِكَاحِ فُضُولِيٍّ قَبْلَ إجَازَتِهِ وَلَوْ نَفَذَ بِهَا) أَيْ: وَلَوْ قُلْنَا يَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ (وَكَذَا عِتْقٌ فِي شِرَاءِ فَاسِدٍ) أَيْ: مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَيُنَفَّذُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْبَاطِلِ.
وَمَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ مِنْ بَالِغٍ، وَمُمَيِّزٍ يَعْقِلُهُ (صَحَّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ وَ) صَحَّ (تَوَكُّلُهُ) فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي شَيْءٍ تَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِنَفْسِهِ صَحَّ تَوْكِيلُهُ، وَتَوَكُّلُهُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إزَالَةُ مِلْكٍ فَصَحَّ التَّوْكِيلُ، وَالتَّوَكُّلُ فِيهِ كَالْعِتْقِ. (وَلِوَكِيلٍ لَمْ يُحِدَّ لَهُ) مُوَكِّلُهُ (حَدًّا) أَيْ: لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ وَقْتًا لِلطَّلَاقِ (أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ) كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ حَدَّ لَهُ حَدًّا فَعَلَى مَا أَذِنَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ إلَى الْمُوَكِّلِ فِي ذَلِكَ و(لَا) يُطَلِّقُ وَكِيلٌ عَنْ مُوَكِّلِهِ (وَقْتَ بِدْعَةٍ) مِنْ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ فَإِنْ فَعَلَ حَرُمَ وَلَمْ يَقَعْ صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَيَقَعُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَجَزَمَ بِوُقُوعِهِ فِي الْإِقْنَاعِ. (وَلَا) لِوَكِيلٍ أَنْ يُطَلِّقَ (أَكْثَرَ مِنْ) طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ) الْمُوَكِّلُ (لَهُ) أَيْ: الْوَكِيلِ. فَإِنْ جَعَلَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ أَكْثَرَ مَلَكَهُ. (وَلَا يَمْلِكُ) وَكِيلٌ (بِإِطْلَاقِ) مُوَكِّلٍ فِي طَلَاقٍ (تَعْلِيقًا) أَيْ: أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ صَرِيحًا وَلَا عُرْفًا. (وَإِنْ وَكَّلَ) زَوْجٌ فِي طَلَاقٍ وَكِيلَيْنِ (اثْنَيْنِ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا) بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِمَا جَمِيعًا (إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ) فَيَصِحُّ انْفِرَادُ مَنْ أُذِنَ لَهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُوَكِّلِ فِي ذَلِكَ. (وَإِنْ وُكِّلَا) أَيْ: وَكَّلَ الزَّوْجُ اثْنَيْنِ (فِي) طَلَاقِ (ثَلَاثٍ فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الْوَكِيلَيْنِ (أَكْثَرَ مِنْ) الْوَكِيلِ (الْآخَرِ) بِأَنْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً وَالْآخَرُ اثْنَتَيْنِ أَوْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا ثِنْتَيْنِ وَالْآخَرُ ثَلَاثًا (وَقَعَ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ فَصَحَّ دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا بِلَا إذْنٍ. (وَإِنْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (طَلِّقِي نَفْسَكِ كَانَ لَهَا ذَلِكَ) أَيْ: طَلَاقُ نَفْسِهَا (مُتَرَاخِيًا كَوَكِيلِ) غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَالْإِطْلَاقِ. (وَيَبْطُلُ) تَوْكِيلُ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فِي طَلَاقِهَا (بِرُجُوعِ) زَوْجٍ عَنْهُ وَبِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَوَطْءٍ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ أَشْبَهَ عَزْلَ سَائِرِ الْوُكَلَاءِ. (وَلَا تَمْلِكُ) زَوْجَةٌ (بِهِ) أَيْ: بِقَوْلِ زَوْجِهَا لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ (أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ)؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (إلَّا إنْ جَعَلَهُ) أَيْ: الْأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ (لَهَا) فَتَمْلِكُ مَا جَعَلَهُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ وَقَعَتْ؛ لِأَنَّهَا مَأْذُونَةٌ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ فَوَقَعَ الْمَأْذُونُ فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ، وَضَرَّاتِكِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَطْ، وَإِنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ فَقَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ لَمْ تَطْلُقْ بِقُدُومِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ انْصَرَفَ إلَى الْمُنَجَّزِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُعَلَّقَ. (وَتَمْلِكُ) زَوْجَةٌ (الثَّلَاثَ) أَيْ: أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا (فِي) مَا إذَا قَالَ لَهَا زَوْجُهَا (طَلَاقُكِ بِيَدِكِ)؛ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ (وَ) تَمْلِكُ أَيْضًا الثَّلَاثَ (فِي وَكَّلْتُكِ فِيهِ) أَيْ: فِي طَلَاقِكِ أَوْ فِي الطَّلَاقِ لِمَا سَبَقَ فِي الْأُولَى وَلِاقْتِرَانِهِ بِأَلْ الِاسْتِغْرَاقِيَّة فِي الثَّانِيَةِ. (وَإِنْ خَيَّرَ وَكِيلَهُ) مِنْ ثَلَاثٍ بِأَنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ: اخْتَرْ أَوْ اخْتَارِي مِنْ ثَلَاثٍ (أَوْ) خَيَّرَ (زَوْجَتَهُ مِنْ ثَلَاثٍ) مَا شِئْت أَوْ شِئْت (مَلَكَا) أَيْ: أَنْ يُطَلِّقَا (اثْنَتَيْنِ فَأَقَلَّ)؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَلَا يَسْتَوْعِبُ أَحَدُهُمَا الثَّلَاثَ، (وَوَجَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخْيِيرُ نِسَائِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيِّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} فَخَيَّرَهُنَّ وَبَدَأَ بِعَائِشَةَ. فَقَالَتْ: إنِّي أُرِيدُ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ، وَالدَّارَ الْآخِرَةَ. قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مُخْتَصَرًا.
أَيْ: إيقَاعُ الطَّلَاقِ عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ وَإِيقَاعُهُ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ (السُّنَّةُ الْمُرِيدَةُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (إيقَاعَ) طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ (فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ) أَيْ: الطُّهْرِ (ثُمَّ يَدَعْهَا) بِأَنْ لَا يُطَلِّقَهَا ثَانِيَةً (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) مِنْ الْأُولَى إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الطَّلَاقِ فِرَاقُهَا وَقَدْ حَصَلَ بِالْأُولَى قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ طَاهِرَاتٍ مِنْ غَيْر جِمَاعٍ (إلَّا) طَلَاق (فِي طُهْرٍ مُتَعَقِّبٍ لِرَجْعَةٍ مِنْ طَلَاقٍ فِي حَيْضٍ فَ) هُوَ طَلَاقُ (بِدْعَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " {أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإِذَا بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ} " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيُّ. (وَإِنْ طَلَّقَ) زَوْجَةً (مَدْخُولًا بِهَا فِي حَيْضٍ) أَوْ نِفَاسٍ (أَوْ طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ وَلَمْ يَسْتَبِنْ) أَيْ: يَنْضُجُ (حَمْلُهَا) فَبِدْعَةٌ مُحَرَّمٌ، وَيَقَعُ. (أَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (عَلَى أَكْلِهَا، وَنَحْوِهِ) كَصَلَاتِهَا (مِمَّا يُعْلَمُ وُقُوعَهُ حَالَتَهُمَا) أَيْ: الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ (فَ) هُوَ طَلَاقُ (بِدْعَةٍ مُحَرَّمٌ، وَيَقَعُ) نَصًّا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ نَافِعٌ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهِ وَرَاجَعَهَا كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ فِي مَحَلِّ الطَّلَاقِ فَوَقَعَ كَطَلَاقِ الْحَامِلِ. (وَتُسَنُّ رَجْعَتُهَا) مِنْ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ لِلْخَبَرِ وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ وَلِيَزُولَ الْمَعْنَى الَّذِي حُرِّمَ الطَّلَاقُ لِأَجْلِهِ، فَإِنْ رَاجَعَهَا وَجَبَ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ لِحَدِيثِ " {لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ} " فَإِذَا طَهُرَتْ سُنَّ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَحِيضَ، ثَانِيَةً ثُمَّ تَطْهُرَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوُجِدَ حَالَ حَيْضِهَا طَلَقَتْ لِلْبِدْعَةِ وَلَا إثْمَ. (وَإِيقَاعُ) طَلْقَاتٍ (ثَلَاثٍ وَلَوْ بِكَلِمَاتٍ) وَلَوْ (فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا) زَوْجُهَا (فِيهِ فَأَكْثَرَ) مِنْ طُهْرٍ (لَا بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ) بَعْدَ (عَقْدٍ مُحَرَّمٍ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} إلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}، وَمَنْ جَمَعَ الثَّلَاثَ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَمْرٌ يَحْدُثْ وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا وَلَا مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " {قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا كَانَ يَحِلُّ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ قَالَ: إذَنْ عَصَيْتَ، وَبَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ} " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: {أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ}"، وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَةً فَقَالَ: إنْ عَمَّكَ عَصَى اللَّهَ، وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا وَسَوَاءٌ فِي الْوُقُوفِ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَهُ فَلَوْ طَلَّقَهَا مَا بَعْدَ الْأُولَى بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا وَلَا بِدْعَةً بِحَالٍ وَمَا رَوَى طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ} فَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَمَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. خِلَافَهُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد، وَأَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ بِخِلَافِ مَا رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُطَلِّقُونَ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ عُمَرُ مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا يَكُونُ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يَرْوِيَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُفْتِيَ بِخِلَافِهِ. وَإِنْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ لَمْ يَأْثَمْ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ الرَّجْعَةَ لَكِنْ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ تَطْلِيقَةً بِلَا فَائِدَةٍ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. (وَلَا سُنَّةٍ وَلَا بِدْعَةٍ مُطْلَقًا) أَيْ: لَا فِي زَمَنٍ وَلَا عَدَدٍ (لِ) زَوْجَةٍ (غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا)؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ لَهَا فَتَنْظُرُ بِتَطْوِيلِهَا (وَ) لَا لِزَوْجَةٍ (تَبَيَّنَ حَمْلُهَا، وَ) لَا لِزَوْجَةٍ (صَغِيرَةٍ، وَآيِسَةٍ)؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ فَلَا تَخْتَلِفُ الْعِدَّةُ (فَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (لِإِحْدَاهُنَّ) أَيْ: الْمَذْكُورَاتِ (أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ) طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ) قَالَ لِإِحْدَاهُنَّ: أَنْتِ طَالِقٌ (لِلْبِدْعَةِ طَلَقَتْ فِي الْحَالِ)؛ لِأَنَّ طَلَاقَهَا لَا يَتَّصِفُ بِذَلِكَ فَتَلْغُو الصِّفَةُ وَيَبْقَى الطَّلَاقُ بِدُونِ الصِّفَةِ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ (وَ) لَوْ قَالَ لِإِحْدَاهُنَّ: أَنْتِ طَالِقٌ (لِلسُّنَّةِ طَلْقَةً وَلِلْبِدْعَةِ طَلْقَةً وَقَعَتَا) فِي الْحَالِ لِمَا سَبَقَ (وَيَدِينُ) قَائِلُ ذَلِكَ (فِي غَيْرِ آيِسَةٍ إذَا قَالَ: أَرَدْت إذَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ) أَيْ: السُّنَّةِ أَوْ الْبِدْعَةِ لِادِّعَائِهِ مُحْتَمَلًا (وَيُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا)؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ. (وَلِمَنْ) أَيْ: وَلِزَوْجَةٍ (لَهَا سُنَّةٌ، وَبِدْعَةٌ) وَهُوَ الْمَدْخُولُ بِهَا غَيْرُ الْحَامِلِ ذَاتُ الْحَيْضِ (إنْ قَالَهُ) أَيْ: قَالَ لَهَا زَوْجُهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ طَلْقَةً وَلِلْبِدْعَةِ طَلْقَةً (فَوَاحِدَةً تَقَعُ فِي الْحَالِ)؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي زَمَنِ السُّنَّةِ فَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ بِهَا أَوْ زَمَنِ الْبِدْعَةِ فَتَقَعُ الْمُعَلَّقَةُ بِهَا (وَ) تَقَعُ الطَّلْقَةُ (الْأُخْرَى فِي ضِدِّ حَالِهَا إذَنْ)؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ عَلَى ضِدِّ تِلْكَ الْحَالِ فَإِنْ كَانَتْ حِينَ الْقَوْلِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ إذَا أَصَابَهَا أَوْ حَاضَتْ وَإِنْ كَانَتْ حِينَ الْقَوْلِ حَائِضًا أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ وَقَعَتْ الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ، وَالْحَيْضَ بَعْدَهُ زَمَانَ بِدْعَةٍ. (وَ) إنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ، وَبِدْعَةٌ: أَنْتِ طَالِقٌ (لِلسُّنَّةِ فَقَطْ)، وَهِيَ (فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ يَقَعُ فِي الْحَالِ) لِوَصْفِهِ الطَّلْقَةَ بِصِفَتِهَا فَوَقَعَتْ فِي الْحَالِ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ (فِي حَيْضٍ طَلَقَتْ إذَا طَهُرَتْ مِنْ) حَيْضِهَا لِوُجُودِ الصِّفَةِ إذَنْ وَإِنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ (فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ) طَلَقَتْ (إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ) لِمَا سَبَقَ فَإِنْ أَوْلَجَ فِي آخِرِ الْحَيْضَةِ، وَاتَّصَلَ بِأَوَّلِ الطُّهْرِ أَوْ أَوْلَجَ مَعَ أَوَّلِ الطُّهْرِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لَكِنْ مَتَى صَارَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْ فِيهِ طَلَقَتْ فِي أَوَّلِهِ. (وَ) إنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ، وَبِدْعَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ (لِلْبِدْعَةِ) فَقَطْ، وَهِيَ (فِي حَيْضٍ أَوْ) فِي (طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ يَقَعُ) الطَّلَاقُ عَلَيْهِ (فِي الْحَالِ)؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلْقَةَ بِصِفَتِهَا. (وَ) إنْ كَانَتْ (فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَ) الطَّلَاقُ يَقَعُ (إذَا حَاضَتْ أَوْ وَطِئَهَا) لِوُجُودِ شَرْطِهِ (وَيَنْزِعُ فِي الْحَالِ) بَعْدَ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ (إنْ كَانَ) الطَّلَاقُ (ثَلَاثًا) أَوْ مُكَمِّلًا لِمَا يَمْلِكُهُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَقِبَ ذَلِكَ (فَإِنْ بَقِيَ) أَيْ: لَمْ يَنْزِعْ فِي الْحَالِ (حُدَّ عَالِمٌ) بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ، وَتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ (وَعُزِّرَ غَيْرُهُ) وَهُوَ الْجَاهِلُ، وَالنَّاسِي وَلَا حَدَّ (وَلِلْعُذْرِ وَ). إنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ، وَبِدْعَةٌ (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ) وَلَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا قَبْلُ (تَطْلُقُ) الطَّلْقَةَ (الْأُولَى فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ وَ) تَطْلُقُ (الثَّانِيَةَ طَاهِرَةً بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقَدَ وَكَذَا) تَطْلُقُ (الثَّالِثَةَ) أَيْ: بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ. (وَ) إنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ، وَبِدْعَةٌ أَنْتِ (طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ، وَالْبِدْعَةِ نِصْفَيْنِ أَوْ لَمْ يَقُلْ نِصْفَيْنِ أَوْ قَالَ بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ، وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ إذَنْ) أَيْ: عَقِبَ قَوْلِهِ ذَلِكَ (ثِنْتَانِ)؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ فَيَكْمُلُ النِّصْفُ وَفِيمَا إذَا قَالَ: بَعْضُهُنَّ، وَبَعْضُهُنَّ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَا سَوَاءً. (وَ) تَقَعُ الطَّلْقَةُ (الثَّالِثَةُ فِي ضِدِّ حَالِهَا إذَنْ) أَيْ: الْحَاضِرَةِ لِوُجُودِ شَرْطِهَا (فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ تَأَخُّرَ اثْنَتَيْنِ قُبِلَ) ذَلِكَ مِنْهُ (حُكْمًا) لِاحْتِمَالِ لَفْظِهِ لَهُ إذْ الْبَعْضُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (وَلَوْ) كَانَ (قَالَ): أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَوَاحِدَةً لِلْبِدْعَةِ أَوْ عَكَسَ) بِأَنْ قَالَ: طَلْقَتَيْنِ لِلْبِدْعَةِ وَوَاحِدَةً لِلسُّنَّةِ (فَ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (عَلَى مَا قَالَ) إذَا، وَجَدَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ. (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ قَرْءٍ طَلْقَةً، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ فَتَطْلُقَ فِي كُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةً) إذْ الْقَرْءُ الْحَيْضُ كَمَا يَأْتِي تَوْضِيحُهُ فِي الْعِدَدِ (إلَّا) إنْ كَانَتْ (غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَبِينُ بِوَاحِدَةٍ) فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدهَا لَكِنْ إنْ تَزَوَّجَهَا فَحَاضَتْ وَقَعَ إذَنْ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الثَّالِثَةِ وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا حِينَ قَوْلِهِ وَقَعَ بِهَا وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ مَدْخُولًا بِهَا كَانَتْ أَوْ لَا.
وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ (أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلَهُ أَوْ أَقْرَبَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَكْمَلَهُ أَوْ أَفْضَلَهُ أَوْ أَتَمَّهُ أَوْ أَسَنَّهُ أَوْ) قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً سُنِّيَّةً أَوْ جَلِيلَةً) وَنَحْوَ ذَلِكَ كَطَلْقَةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ حَسَنَةٍ أَوْ مَلِيحَةً أَوْ جَمِيلَةٍ أَوْ كَامِلَةً أَوْ فَاضِلَةً فَهُوَ (كَ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (لِلسُّنَّةِ)؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ فَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَإِلَّا وَقَعَ إذَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْحُسْنِ وَالْكَمَالُ، وَالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُطَابِقٌ لِلشَّرْعِ مُوَافِقٌ لِلسُّنَّةِ (وَ) أَنْتِ طَالِقٌ أَبْشَعَ الطَّلَاقِ أَوْ (أَقْبَحَهُ أَوْ أَسْمَجَهُ أَوْ أَفْحَشَهُ أَوْ أَرْدَأَهُ أَوْ أَنْتَنَهُ) وَنَحْوَهُ كَأَوْحَشِهِ أَوْ أَنْجَسِهِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ (لِلْبِدْعَةِ) فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَإِلَّا فَإِذَا صَارَتْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّ حُسْنَ الْأَفْعَالِ وَقُبْحَهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَمَا حَسَّنَهُ فَهُوَ حَسَنٌ وَمَا قَبَّحَهُ فَهُوَ قَبِيحٌ وَقَدْ حَسَّنَ الطَّلَاقَ فِي زَمَنٍ فَسُمِّيَ زَمَانَ السُّنَّةِ، وَنَهَى عَنْهُ فِي زَمَنٍ فَسُمِّيَ زَمَانَ الْبِدْعَةِ وَإِلَّا فَالطَّلَاقُ فِي نَفْسِهِ فِي الزَّمَانَيْنِ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا حَسُنَ أَوْ قَبُحَ بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَانِهِ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) بِقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَقْبَحَهُ وَنَحْوَهُمَا (أَحْسَنَ أَحْوَالِك أَوْ أَقْبَحَهَا أَنْ تَكُونِي مُطَلَّقَةً فَيَقَعَ فِي الْحَالِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الصِّفَةَ بَلْ مَعْنًى مَوْجُودًا فِي الْحَالِ (وَلَوْ قَالَ) مَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ (نَوَيْت بِ) قَوْلِي (أَحْسَنَهُ زَمَنَ بِدْعَةٍ شَبَّهَهُ بِخُلُقِهَا) الْحَسَنِ (أَوْ) قَالَ: نَوَيْت (بِ) قَوْلِي أَنْتِ طَالِقٌ (أَقْبَحَهُ وَنَحْوَهُ) كَأَسْمَجِهِ (مِنْ سُنَّةٍ لِقُبْحِ عِشْرَتِهَا أَوْ) قَالَ (عَنْ أَحْسَنِهِ. وَنَحْوِهِ أَرَدْتُ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ أَوْ) قَالَ (عَنْ أَقْبَحِهِ وَنَحْوِهِ أَرَدْتُ طَلَاقَ السُّنَّةِ دِينَ) فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، (وَقُبِلَ حُكْمًا فِي الْأَغْلَظِ) عَلَيْهِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْأَحَقِّ فَإِذَا قَالَ أَنْتِ: طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ،، وَقَالَ: أَرَدْتُ زَمَنَ الْبِدْعَةِ، وَكَانَتْ حَائِضًا أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ قُبِلَ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ لَمْ يُقْبَلْ وَكَذَا إنْ قَالَ أَرَدْتُ بِأَقْبَحِ الطَّلَاقِ مِنْ السُّنَّةِ وَكَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّغْلِيظِ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (وَ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً) تَطْلُقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِصِفَتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْنِ فَلَغَتَا، وَبَقِيَ مُجَرَّدُ الطَّلَاقِ. (أَوْ) قَالَ لَهَا: أَنْتِ (طَالِقٌ فِي الْحَالِ لِلسُّنَّةِ، وَهِيَ حَائِضٌ) أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ (أَوْ) قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (فِي الْحَالِ لِلْبِدْعَةِ فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ) إلْغَاءً لِقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ وَلِلْبِدْعَةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْحَرَجِ فَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ طَلَاقُ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ الضِّيقُ، وَالْإِثْمُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: طَلَاقُ الْإِثْمِ، وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ طَلَاقُ إثْمٍ. (وَيُبَاحُ خُلْعٌ، وَطَلَاقٌ بِسُؤَالِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ ذَلِكَ عَلَى عِوَضٍ (زَمَنَ بِدْعَةٍ)؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِحَقِّ الْمَرْأَةِ فَإِذَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا زَالَ الْمَنْعُ.
|