الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
قال ابن إسحاق : فلما رد الله الحبشة عن مكة ، وأصابهم بما أصابهم به من النقمة ، أعظمت العرب قريشا ، وقالوا : هم أهل الله ، قاتل الله عنهم وكفاهم مئونة عدوهم . فقالوا في ذلك أشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة ، وما رد عن قريش من كيدهم . فقال عبدالله بن الزبعرى بن عدي بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر : تنكلوا عن بطن مكة إنها * كانت قديما لا يرام حريمها لم تخلق الشعرى ليالي حرمت * إذ لا عزيز من الأنام يرومها سائل أمير الجيش عنها ما رأى * ولسوف يُنبي الجاهلين عليمها ستون ألفا لم يئوبوا أرضهم * ولم يعش بعد الإياب سقيمها كانت بها عاد وجرهم قبلهم * والله من فوق العباد يقيمها قال ابن إسحاق : يعني ابن الزبعرى بقوله : . . . بعد الإياب سقيهما أبرهةَ ، إذ حملوه معهم حين أصابه ما أصابه ، حتى مات بصنعاء . وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري ثم الخطمي ، واسمه صيفي . قال ابن هشام : أبو قيس : صيفي بن الأسلت بن جشم بن وائل بن زيد بن قيس بن عامرة بن مرة بن مالك بن الأوس : ومن صنعه يوم فيل الحبُو ش * إذ كلما بعثوه رزمْ محاجنهم تحت أقرابه * وقد شرموا أنفه فانخرم وقد جعلوا سوطه مغولا * إذا يمموه قفاه كلم فولى وأدبر أدراجه * وقد باء بالظلم من كان ثم فأرسل من فوقهم حاصبا * فلفهم مثل لف القزم تحض على الصبر أحبارهم * وقد ثأجوا كثؤاج الغنم قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . والقصيدة أيضا تروى لأمية بن أبي الصلت . قال ابن إسحاق : وقال أبو قيس بن الأسلت : فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا * بأركان هذا البيت بين الأخاشب فعندكم منه بلاء مصدق غداة أبى يكسوم هادى الكتائب كتيبته بالسهل تمسي ورجله * على القاذفات في رءوس المناقب فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم * جنود المليك بين ساف وحاصب فولوا سراعا هاربين ولم يؤب * إلى أهله ملحبش غير عصائب قال ابن هشام :أنشدني أبو زيد الأنصاري قوله : على القاذفات في رءوس المناقب وهذه الأبيات في قصيدة لأبي قيس ، سأذكرها في موضعها إن شاء الله . وقوله : غداة أبي يكسوم : يعني أبرهة ، كان يكنى أبا يكسوم . قال ابن إسحاق : وقال طالب بن أبي طالب بن عبدالمطلب : ألم تعلموا ما كان في حرب داحس * وجيش أبي يكسوم إذ ملئوا الشعبا فلولا دفاع الله لا شيء غيره * لأصبحتم لا تمنعون لكم سربا قال ابن هشام : وهذان البيتان في قصيدة له في يوم بدر ، سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى . قال ابن إسحاق : وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي في شأن الفيل ، ويذكر الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام . قال ابن هشام : تروى لأمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي : إن آيات ربنا ثاقبات * لا يماري فيهن إلا الكفورُ خلق الليل والنهار فكل * مستبين حسابه مقدور ثم يجلو النهار رب رحيم * بمهاة شعاعها منشور حبس الفيل بالمغمس حتى * ظل يحبو كأنه معقور لازما حلقة الجران كما قطر * من صخر كبكب محدور حوله من ملوك كندة أبطا ل * ملاويث في الحروب صقور خلفوه ثم ابذعرُّوا جميعا * كلهم عظم ساقه مكسور كل دين يوم القيامة عندالله * إلا دين الحنيفة بور قال ابن هشام : وقال الفرزدق - واسمه همام بن أحد بني مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم - يمدح سليمان بن عبدالملك بن مروان ، ويهجو الحجاج بن يوسف ، ويذكر الفيل وجيشه : فلما طغى الحجاج حين طغى به * غنى قال إني مرتق في السلالم فكان كما قال ابن نوح سأرتقي * إلى جبل من خشية الماء عاصم رمى الله في جثمانه مثل ما رمى * عن القبلة البيضاء ذات المحارم جنودا تسوق الفيل حتى أعادهم * هباء وكانوا مطرخمي الطراخم نصرت كنصر البيت إذ ساق فيله * إليه عظيم المشركين الأعاجم وهذه الأبيات في قصيدة له . قال ابن هشام : وقال عبدالله بن قيس الرقيات : أحد بني عامر بن لؤي بن غالب يذكر أبرهة - وهو الأشرم - والفيلَ : كاده الأشرم الذي جاء بالفيل * فولى وجيشه مهزوم واستهلت عليهم الطير بالجندل * حتى كأنه مرجوم ذاك من يغزه من الناس يرجع وهو فل من الجيوش ذميم وهذه الأبيات في قصيدة له . قال ابن إسحاق : فلما هلك أبرهة ، ملك الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة ، وبه كان يكنى ؛ فلما هلك يكسوم بن أبرهة ، ملك اليمن في الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة . خروج سيف بن ذي يزن وملك وهرز على اليمن فلما طال البلاء على أهل اليمن ، خرج سيف بن ذي يزن الحميري ، وكان يكنى بأبي مرة ، حتى قدم على قيصر ملك الروم ، فشكا إليه ما هم فيه ، وسأله أن يخرجهم عنه ويليهم هو ، ويبعث إليهم من شاء من الروم ، فيكون له ملك اليمن فلم يشكه و لم يجد عنده شيئا مما يريد . فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر ، وهو عامل كسرى على الحيرة ، وما يليها من أرض العراق ، فشكا إليه أمر الحبشة ، فقال له النعمان : إن لي على كسرى وفادة في كل عام ، فأقم حتى يكون ذلك ،ففعل ، ثم خرج معه ، فأدخله على كسرى . وكان كسرى يجلس في إيوان مجلسه الذي فيه تاجه ، وكان تاجه مثل القنقل العظيم - فيما يزعمون - يضرب فيه الياقوت واللؤلؤ والزبرجد بالذهب والفضة ، معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ذلك ، وكانت عنقه لا تحمل تاجه ، إنما يستر بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك ، ثم يدخل رأسه في تاجه ، فإذا استوى في مجلسه كشفت عنه الثياب ، فلا يراه رجل لم يره قبل ذلك ، إلا برك هيبة له ؛ فلما دخل عليه سيف بن ذي يزن برك . قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة : أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه ، فقال الملك : إن هذا الأحمق يدخل علي من هذا الباب الطويل ، ثم يطأطئ رأسه ؟ فقيل ذلك لسيف ؛ فقال : إنما فعلت هذا لهمي ، لأنه يضيق عنه كل شيء . قال ابن إسحاق : ثم قال له : أيها الملك ، غلبتنا على بلادنا الأغربة ؛ فقال له كسرى : أي الأغربة : الحبشة أم السند فقال : بل الحبشة ، فجئتك لتنصرني ، ويكون ملك بلادي لك ؛ قال : بعدت بلادك مع قلة خيرها ، فلم أكن لأورط جيشا من فارس بأرض العرب ، لا حاجة لي بذلك ، ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف ، وكساه كسوة حسنة . فلما قبض ذلك منه سيف خرج ، فجعل ينثر ذلك الورق للناس ، فبلغ ذلك الملك ، فقال : إن لهذا لشأنا ، ثم بعث إليه ، فقال : عمدت إلى حباء الملك تنثره للناس ؛ فقال : وما أصنع بهذا ؟ ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة : يرغبه فيها . فجمع كسرى مرازبته ، فقال لهم : ماذا ترون في أمر هذا الرجل ، وما جاء له ؟ فقال قائل : أيها الملك ، إن في سجونك رجالا قد حبستهم للقتل ، فلو أنك بعثتهم معه ، فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردت بهم ، وإن ظفروا كان ملكا ازددته . فبعث معه كسرى من كان في سجونه ، وكانوا ثمانمائة رجل . واستعمل عليهم رجلا يقال له وهرز ، وكان ذا سن فيهم ، وأفضلهم حسبا وبيتا . فخرجوا في ثمان سفائن ، فغرقت سفينتان ، ووصل إلى ساحل عدن ست سفائن . فجمع سيف إلى وهرز من استطاع من قومه ، وقال له : رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا أو نظفر جميعا . قال له وهرز : أنصفت ، وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن ، وجمع إليه جنده . فأرسل إليهم وهرز ابنا له ، ليقاتلهم فيختبر قتالهم : فقتل ابن وهرز ، فزاده ذلك حنقا عليهم . فلما تواقف الناس على مصافهم ، قال وهرز : أروني ملكهم ؛ فقالوا له : أترى رجلا على الفيل عاقدا تاجه على رأسه ، بين عينيه ياقوته حمراء ؟ قال : نعم ، قالوا : ذاك ملكهم ؛ فقال : اتركوه . قال : فوقفوا طويلا ، ثم قال : علام هو ؟ قالوا : قد تحول على الفرس ؛ قال : اتركوه . فوقفوا طويلا ، ثم قال : علام هو ؟ قالوا : قد تحول على البغلة . قال وهرز : بنتُ الحمار ذل وذل ملكه ، إني سأرميه ، فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوذنكم ، فإني قد أخطأت الرجل ، وإن رأيتم القوم قد استداروا ولاثوا به ، فقد أصبت الرجل ، فاحملوا عليهم . ثم وتر قوسه ، وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره من شدتها ، وأمر بحاجبيه فعصبا له ، ثم رماه ، فصك الياقوتة التي بين عينيه ، فتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه ، ونكس عن دابته ، واستدارت الحبشة ولاثت به ، وحملت عليهم الفرس ، وانهزموا ، فقتلوا وهربوا في كل وجه ؛ وأقبل وهرز ليدخل صنعاء ، حتى إذا أتى بابها ، قال : لا تدخل رايتي منكسة أبدا ، اهدموا الباب ، فهدم ؛ ثم دخلها ناصبا رايته . فقال سيف بن ذي يزن الحميري : يظن الناس بالملكين * أنهما قد التأما ومن يسمع بلأمهما * فإن الخطب قد فقما قتلنا القيل مسروقا * وروينا الكثيب دما وإن القيل قيل النا س * وهرز مقسم قسما يذوق مشعشعا حتى * يفىء السبي والنعما قال ابن هشام : وهذه الأبيات في أبيات له . وأنشدني خلاد بن قرة السدوسي آخرها بيتا لأعشى بني قيس بن ثعلبة في قصيدة له ، وغيره من أهل العلم بالشعر ينكرها له . قال ابن إسحاق : وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي - قال ابن هشام : وتروى لأمية بن أبي الصلت - : ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن * ريمَّ في البحر للأعداء أحوالا يمم قيصر لما حان رحلته * فلم يجد عنده بعض الذي سالا ثم انثنى نحو كسرى بعد عاشرة * من السنين يهين النفس والمالا حتى أتى ببني الأحرار يحملهم * إنك عَمري لقد أسرعت قلقالا لله درهم من عصبة خرجوا * ما إن أرى لهم في الناس أمثالا بيضا مرازبة غلبا أساورة * أُسدا تربب في الغيضات أشبالا يرمون عن شدف كأنها غبط * بزمخر يعجل المرمى إعجالا أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد * أضحى شريدهم في الأرض فلالا فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا * في رأس غمدان دارا منك محلالا واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم * وأسبل اليوم في برديك إسبالا تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعدُ أبوالا قال ابن هشام : هذا ما صح له مما روى ابن إسحاق منها ، إلا آخرها بيتا قوله : تلك المكارم لا قعبان من لبن * فإنه للنابغة الجعدي . واسمه حبان بن عبدالله بن قيس ، أحد بني جعدة ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، في قصيدة له . قال ابن إسحاق : وقال عدي بن زيد الحيري ، وكان أحد بني تميم . قال ابن هشام : ثم أحد بني امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم ، ويقال : عدي من العباد من أهل الحيرة : ما بعد صنعاء كان يعمرها * ولاة ملك جزل مواهبها رفعها من بني لدى قزع المزن * وتندى مسكا محاربها محفوفة بالجبال دون عرى الكائد * ما ترتقى غواربها يأنس فيها صوت النهام إذا * جاوبها بالعشي قاصبها ساقت إليها الأسباب جند بني * الأحرار فرسانها مواكبها وفوزت بالبغال توسق بالحتف * وتسعى بها توالبها حتى رآها الأقوال من طرف ال مَنْقَل * مخضرة كتائبها يوم ينادون آل بربر * واليكسوم لا يفلحن هاربها وكان يوم باقي الحديث وزا لت * إمة ثابت مراتبها وبدل الفيج بالزرافة والأيا م * جون جم عجائبها بعد بني تبع نخاورة * قد اطمأنت بها مرزابها قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . وأنشدني أبو زيد الأنصاري ورواه لي عن المفضل الضبي ، قوله : يوم ينادون آل بربر واليكسوم . . .الخ * هزيمة الأحباش ، و نبوءة سطيح و شق وهذا الذي عنى سطيح بقوله : ( يليه إرم ذي يزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك أحدا منهم باليمن ) . والذي عنى شق بقوله : ( غلام ليس بدني ولا مدنّ ، يخرج عليهم من بيت ذي يزن ) .
|