الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)
.مَبْحَثٌ فِي قَصْرِ الصّلَاةِ: وَكَانَ يَقْصِرُ الرّبَاعِيّةَ فَيُصَلّيهَا رَكْعَتَيْنِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مُسَافِرًا إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنّهُ أَتَمّ الرّبَاعِيّةَ فِي سَفَرِهِ أَلْبَتّةَ وَأَمّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي السّفَرِ وَيُتِمّ وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ فَلَا يَصِحّ. وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيّةَ يَقُولُ هُوَ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْتَهَى وَقَدْ رُوِيَ كَانَ يَقْصِرُ وَتُتِمّ الْأَوّلُ بِالْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ وَالثّانِي بِالتّاءِ الْمُثَنّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَكَذَلِكَ يُفْطِرُ وَتَصُومُ أَيْ تَأْخُذُ هِيَ بِالْعَزِيمَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ تَيْمِيّةَ: وَهَذَا بَاطِلٌ مَا كَانَتْ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ فَتُصَلّيَ خِلَافَ صَلَاتِهِمْ كَيْفَ وَالصّحِيحُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ إنّ اللّهَ فَرَضَ الصّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرّتْ صَلَاةُ السّفَر فَكَيْفَ يُظَنّ بِهَا مَعَ ذَلِكَ أَنْ تُصَلّيَ بِخِلَافِ صَلَاةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمِينَ مَعَهُ. قُلْت: وَقَدْ أَتَمّتْ عَائِشَةُ بَعْدَ مَوْتِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ وَغَيْرُهُ إنّهَا تَأَوّلَتْ كَمَا تَأَوّلَ عُثْمَانُ وَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَقْصِرُ دَائِمًا فَرَكّبَ بَعْضُ الرّوَاةِ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ حَدِيثًا وَقَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْصُرُ وَتُتِمّ هِيَ فَغَلِطَ بَعْضُ الرّوَاةِ فَقَالَ كَانَ يَقْصُرُ وَيُتِمّ أَيْ هُوَ. وَالتّأْوِيلُ الّذِي تَأَوّلَتْهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ ظَنّتْ أَنّ الْقَصْرَ مَشْرُوطٌ بِالْخَوْفِ فِي السّفَرِ فَإِذَا زَالَ الْخَوْفُ زَالَ سَبَبُ الْقَصْرِ وَهَذَا التّأْوِيلُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَافَرَ آمِنًا وَكَانَ يَقْصِرُ الصّلَاةَ وَالْآيَةُ قَدْ أَشْكَلَتْ عَلَى عُمَرَ وَعَلَى غَيْرِهِ فَسَأَلَ عَنْهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَجَابَهُ بِالشّفَاءِ وَأَنّ هَذَا صَدَقَةٌ مِنْ اللّهِ وَشَرْعٌ شَرَعَهُ لِلْأُمّةِ وَكَانَ هَذَا بَيَانَ أَنّ حُكْمَ الْمَفْهُومِ غَيْرُ مُرَادٍ يُقَالُ إنّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ قَصْرًا يَتَنَاوَلُ قَصْرَ الْأَرْكَانِ بِالتّخْفِيفِ وَقَصْرَ الْعَدَدِ بِنُقْصَانِ رَكْعَتَيْنِ وَقُيّدَ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ الضّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالْخَوْفِ فَإِذَا وُجِدَ الْأَمْرَانِ أُبِيحَ الْقَصْرَانِ فَيُصَلّونَ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَقْصُورَةً عَدَدَهَا وَأَرْكَانَهَا وَإِنْ انْتَفَى الْأَمْرَانِ فَكَانُوا آمِنِينَ مُقِيمِينَ انْتَفَى الْقَصْرَانِ فَيُصَلّونَ صَلَاةً تَامّةً كَامِلَة وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُ السّبَبَيْنِ تَرَتّبَ عَلَيْهِ قَصْرُهُ وَحْدَهُ فَإِذَا وُجِدَ الْخَوْفُ وَالْإِقَامَةُ قُصِرَتْ الْأَرْكَانُ وَاسْتُوْفِيَ الْعَدَدُ وَهَذَا نَوْعُ قَصْرٍ وَلَيْسَ بِالْقَصْرِ الْمُطْلَقِ فِي الْآيَةِ فَإِنْ وُجِدَ السّفَرُ وَالْأَمْنُ قُصِرَ الْعَدَدُ وَاسْتُوْفِيَ الْأَرْكَانُ وَسُمّيَتْ صَلَاةَ أَمْنٍ وَهَذَا نَوْعُ قَصْرٍ وَلَيْسَ بِالْقَصْرِ الْمُطْلَقِ وَقَدْ تُسَمّى هَذِهِ الصّلَاةُ مَقْصُورَةً بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْعَدَدِ وَقَدْ تُسَمّى تَامّةً بِاعْتِبَارِ إتْمَامِ أَرْكَانِهَا وَأَنّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي قَصْرِ الْآيَةِ وَالْأَوّلُ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخّرِينَ وَالثّانِي يَدُلّ عَلَيْهِ كَلَامُ الصّحَابَةِ كَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبّاسٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَتْ عَائِشَةُ: فُرِضَتْ الصّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرّتْ صَلَاةُ السّفَرِ فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ صَلَاةَ السّفَرِ عِنْدَهَا غَيْرُ مَقْصُورَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ وَإِنّمَا هِيَ مَفْرُوضَةٌ كَذَلِكَ وَأَنّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَرَضَ اللّهُ الصّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً مُتّفَقٌ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ. وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ صَلَاةُ السّفَرِ رَكْعَتَانِ وَالْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَالْعِيدِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ الّذِي سَأَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بَالُنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنّا؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَةٌ تَصَدّقَ بِهَا اللّهُ عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ حَدِيثَيْهِ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أَجَابَهُ بِأَنّ هَذِهِ صَدَقَةُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَدِينُهُ الْيُسْرُ السّمْحُ عَلِمَ عُمَرُ أَنّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْآيَةِ قَصْرَ الْعَدَدِ كَمَا فَهِمَهُ كَثِيرٌ مِنْ النّاسِ فَقَالَ صَلَاةُ السّفَرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ. وَعَلَى هَذَا فَلَا دِلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنّ قَصْرَ الْعَدَدِ مُبَاحٌ مَنْفِيّ عَنْهُ الْجُنَاحُ فَإِنْ شَاءَ الْمُصَلّي فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ أَتَمّ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُوَاظِبُ فِي أَسْفَارِهِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُرَبّعْ قَطّ إلّا شَيْئًا فَعَلَهُ فِي بَعْضِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ وَنُبَيّنُ مَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى. وَقَالَ أَنَسٌ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ فَكَانَ يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ مُتّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمّا بَلَغَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ صَلّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَالَ إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ صَلّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ فَلَيْتَ حَظّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبّلَتَانِ ابْنُ مَسْعُودٍ لِيَسْتَرْجِعَ مِنْ فِعْلِ عُثْمَانَ أَحَدَ الْجَائِزَيْنِ الْمُخَيّرِ بَيْنَهُمَا بَلْ الْأَوْلَى عَلَى قَوْلِ وَإِنّمَا اسْتَرْجَعَ لِمَا شَاهَدَهُ مِنْ مُدَاوَمَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخُلَفَائِهِ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي السّفَرِ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ صَحِبْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَانَ فِي السّفَرِ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. يَعْنِي فِي صَدْرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَإِلّا فَعُثْمَانُ قَدْ أَتَمّ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ وَكَانَ ذَلِكَ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الّتِي أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ. وَقَدْ خَرَجَ لِفِعْلِهِ تَأْوِيلَاتٌ أَحَدُهَا: أَنّ الْأَعْرَابَ كَانُوا قَدْ حَجّوا تِلْكَ السّنَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُعَلّمَهُمْ أَنّ فَرْضَ الصّلَاةِ أَرْبَعٌ لِئَلّا يَتَوَهّمُوا أَنّهَا رَكْعَتَانِ فِي الْحَضَرِ وَالسّفَرِ وَرُدّ هَذَا التّأْوِيلُ بِأَنّهُمْ كَانُوا أَحْرَى بِذَلِكَ فِي حَجّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَالْعَهْدُ بِالصّلَاةِ قَرِيبٌ وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُرَبّعْ بِهِمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. التّأْوِيلُ الثّانِي: أَنّهُ كَانَ إمَامًا لِلنّاسِ وَالْإِمَامُ حَيْثُ نَزَلَ فَهُوَ عَمَلُهُ وَمَحَلّ وِلَايَتِهِ فَكَأَنّهُ وَطَنُهُ وَرُدّ هَذَا التّأْوِيلُ بِأَنّ إمَامَ الْخَلَائِقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَكَانَ هُوَ الْإِمَامَ الْمُطْلَقَ وَلَمْ يُرَبّعْ. التّأْوِيلُ الثّالِثُ أَنّ مِنًى كَانَتْ قَدْ بُنِيَتْ وَصَارَتْ قَرْيَةً كَثُرَ فِيهَا الْمَسَاكِنُ فِي عَهْدِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ كَانَتْ فَضَاءً وَلِهَذَا قِيلَ بِمِنًى بَيْتًا يُظِلّكَ مِنْ الْحَرّ؟ فَقَالَ لَا. مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ فَتَأَوّلَ عُثْمَانُ أَنّ الْقَصْرَ إنّمَا يَكُونُ فِي حَالِ السّفَرِ. وَرُدّ هَذَا التّأْوِيلُ بِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقَامَ بِمَكّةَ عَشْرًا يَقْصُرُ الصّلَاةَ. التّأْوِيلُ الرّابِعُ أَنّهُ أَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا فَسَمّاهُ مُقِيمًا وَالْمُقِيمُ غَيْرُ مُسَافِرٍ وَرُدّ هَذَا التّأْوِيلُ بِأَنّ هَذِهِ إقَامَةٌ مُقَيّدَةٌ فِي أَثْنَاءِ السّفَرِ لَيْسَتْ بِالْإِقَامَةِ الّتِي هِيَ قَسِيمُ السّفَرِ وَقَدْ أَقَامَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ عَشْرًا يَقْصُرُ الصّلَاةَ وَأَقَامَ بِمِنًى بَعْدَ نُسُكِهِ أَيّامَ الْجِمَارِ الثّلَاثِ يَقْصُرُ الصّلَاةَ. التّأْوِيلُ الْخَامِسُ أَنّهُ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ وَالِاسْتِيطَانِ بِمِنًى وَاِتّخَاذِهَا دَارَ الْخِلَافَةِ فَلِهَذَا أَتَمّ ثُمّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَهَذَا التّأْوِيلُ أَيْضًا مِمّا لَا يَقْوَى فَإِنّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوّلِينَ وَقَدْ مَنَعَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ الْإِقَامَةِ بِمَكّةَ بَعْدَ نُسُكِهِمْ وَرَخّصَ لَهُمْ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيّامٍ فَقَطْ فَلَمْ يَكُنْ عُثْمَانُ لِيُقِيمَ بِهَا وَقَدْ مَنَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنّمَا رَخّصَ فِيهَا ثَلَاثًا وَذَلِكَ لِأَنّهُمْ تَرَكُوهَا لِلّهِ وَمَا تُرِكَ لِلّهِ فَإِنّهُ لَا يُعَادُ فِيهِ وَلَا يُسْتَرْجَعُ وَلِهَذَا مَنَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ شِرَاءِ الْمُتَصَدّقِ لِصَدَقَتِهِ وَقَالَ لِعُمَرَ: لَا تَشْتَرِهَا وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ فَجَعَلَهُ عَائِدًا فِي صَدَقَتِهِ مَعَ أَخْذِهَا بِالثّمَنِ. التّأْوِيلُ السّادِسُ أَنّهُ كَانَ قَدْ تَأَهّلَ بِمِنًى وَالْمُسَافِرُ إذَا أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ وَتَزَوّجَ فِيهِ أَوْ كَانَ لَهُ بِهِ زَوْجَةٌ أَتَمّ وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَرَوَى عِكْرِمَةُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلّى عُثْمَانُ بِأَهْلِ مِنًى أَرْبَعًا وَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ لَمّا قَدِمْتُ تَأَهّلْت بِهَا وَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إذَا تَأَهّلَ الرّجُلُ بِبَلْدَةٍ فَإِنّهُ يُصَلّي بِهَا صَلَاةَ مُقِيم رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ فِي مُسْنَدِهِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ الْحُمَيْدِيّ فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا وَقَدْ أَعَلّهُ الْبَيْهَقِيّ بِانْقِطَاعِهِ وَتَضْعِيفِهِ عِكْرِمَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ. قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ تَيْمِيّةَ: وَيُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ بِسَبَبِ الضّعْفِ فَإِنّ الْبُخَارِيّ ذَكَرَهُ فِي تَارِيخِهِ وَلَمْ يَطْعَنْ فِيهِ وَعَادَتُهُ ذِكْرُ الْجَرْحِ وَالْمَجْرُوحِينَ وَقَدْ نَصّ أَحْمَدُ وَابْنُ عَبّاسٍ قَبْلَهُ أَنّ الْمُسَافِرَ إذَا تَزَوّجَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِمَا وَهَذَا أَحْسَنُ مَا اُعْتُذِرَ بِهِ عَنْ عُثْمَانَ. وَقَدْ اُعْتُذِرَ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا كَانَتْ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ فَحَيْثُ نَزَلَتْ كَانَ وَطَنَهَا وَهُوَ أَيْضًا اعْتِذَارٌ ضَعِيفٌ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا وَأُمُومَةُ أَزْوَاجِهِ فَرْعٌ عَنْ أُبُوّتِهِ وَلَمْ يَكُنْ يُتِمّ لِهَذَا السّبَبِ. وَقَدْ رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّهَا كَانَتْ تُصَلّي فِي السّفَرِ أَرْبَعًا فَقُلْت لَهَا: لَوْ صَلّيْتِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَتْ يَا ابْنَ أُخْتِي إنّهُ لَا يَشُقّ عَلَيّ قَالَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ لَوْ كَانَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ لَمَا أَتَمّهَا عُثْمَانُ وَلَا عَائِشَةُ وَلَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُتِمّهَا مُسَافِرٌ مَعَ مُقِيمٍ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: كُلّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَمّ وَقَصَرَ ثُمّ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُلّ ذَلِكَ فَعَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَصَرَ الصّلَاةَ فِي السّفَرِ وَأَتَمّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عَطَاءٍ وَأَصَحّ إسْنَادٍ فِيهِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيّ عَنْ الدّارَقُطْنِيّ عَنْ الْمَحَامِلِيّ حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ ثَوّابٍ حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَقْصِرُ فِي الصّلَاةِ وَيُتِمّ وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ قَالَ الدّارَقُطْنِيّ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ. ثُمّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ النّيْسَابُورِيّ عَنْ عَبّاسٍ الدّوْرِيّ أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ حَتّى إذَا قَدِمَتْ مَكّةَ قَالَتْ يَا رَسُول اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي قَصَرْت وَأَتْمَمْت وَصُمْت وَأَفْطَرْت. قَالَ أَحْسَنْت يَا عَائِشَةُ وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيّةَ يَقُولُ هَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ عَلَى عَائِشَةَ وَلَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ لِتُصَلّيَ بِخِلَافِ صَلَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَائِرِ الصّحَابَةِ وَهِيَ تُشَاهِدُهُمْ يَقْصُرُونَ ثُمّ تُتِمّ هِيَ وَحْدَهَا بِلَا مُوجِبٍ. كَيْفَ وَهِيَ الْقَائِلَةُ فُرِضَتْ الصّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرّتْ صَلَاةُ السّفَرِ فَكَيْفَ يُظَنّ أَنّهَا تَزِيدُ عَلَى مَا فَرَضَ اللّهُ وَتُخَالِفُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ. قَالَ الزّهْرِيّ لِعُرْوَةِ لَمّا حَدّثَهُ عَنْهَا بِذَلِكَ فَمَا شَأْنُهَا كَانَتْ تُتِمّ الصّلَاةَ؟ فَقَالَ تَأَوّلَتْ كَمَا تَأَوّلَ عُثْمَانُ. فَإِذَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ حَسّنَ فِعْلَهَا وَأَقَرّهَا عَلَيْهِ فَمَا لِلتّأْوِيلِ حِينَئِذٍ وَجْهٌ وَلَا يَصِحّ أَنْ يُضَافَ إتْمَامُهَا إلَى التّأْوِيلِ عَلَى هَذَا التّقْدِيرِ وَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَكُنْ يَزِيدُ فِي السّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ. أَفَيُظَنّ بِعَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ مُخَالَفَتُهُمْ وَهِيَ تَرَاهُمْ يَقْصُرُونَ؟ وَأَمّا بَعْدَ مَوْتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّهَا أَتَمّتْ كَمَا أَتَمّ عُثْمَانُ وَكِلَاهُمَا تَأَوّلَ تَأْوِيلًا وَالْحُجّةُ فِي رِوَايَتِهِمْ لَا فِي تَأْوِيلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ أُمَيّةُ بْنُ خَالِدٍ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ إنّا نَجِدُ صَلَاةَ الْحَضَرِ وَصَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السّفَرِ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ يَا أَخِي إنّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا فَإِنّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَا مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَفْعَلُ وَقَدْ قَالَ أَنَسٌ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَكّةَ فَكَانَ يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَهَذِهِ كُلّهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ..فصل كَانَ يَقْتَصِرُ فِي سَفَرِهِ عَلَى الْفَرْضِ وَالْوِتْرِ وَسُنّةِ الْفَجْرِ مِنْ الرّوَاتِبِ: وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَفَرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَرْضِ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ أَنّهُ صَلّى سُنّةَ الصّلَاةِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا إلّا مَا كَانَ مِنْ الْوِتْرِ وَسُنّةِ الْفَجْرِ فَإِنّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَهُمَا حَضَرًا وَلَا سَفَرًا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَحِبْتُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ أَرَهُ يُسَبّحُ فِي السّفَرِ وَقَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الْأَحْزَابُ 21] وَمُرَادُهُ بِالتّسْبِيحِ السّنّةُ الرّاتِبَةُ وَإِلّا فَقَدَ صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يُسَبّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي فِي السّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجّهَتْ يُومِئُ إيمَاءَ صَلَاةِ اللّيْلِ إلّا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ قَالَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ وَثَبَتَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يَتَنَفّلُ لَيْلًا وَهُوَ يَقْصُرُ وَفِي الصّحِيحَيْنِ: عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنّهُ رَأَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي السّبْحَةَ بِاللّيْلِ فِي السّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ فَهَذَا قِيَامُ اللّيْلِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ عَنْ التّطَوّعِ فِي السّفَرِ؟ فَقَالَ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِالتّطَوّعِ فِي السّفَرِ بَأْسٌ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُسَافِرُونَ فَيَتَطَوّعُونَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ وَبَعْدَهَا وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَابْنِ عَبّاسٍ وَأَبِي ذَرّ. وَأَمّا ابْنُ عُمَرَ فَكَانَ لَا يَتَطَوّعُ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَلَا بَعْدَهَا إلّا مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ مَعَ الْوِتْرِ وَهَذَا هُوَ الظّاهِرُ مِنْ هَدْيِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ لَا يُصَلّي قَبْلَ الْفَرِيضَةِ الْمَقْصُورَةِ وَلَا بَعْدَهَا شَيْئًا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُ مِنْ التّطَوّعِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فَهُوَ كَالتّطَوّعِ الْمُطْلَقِ لَا أَنّهُ سُنّةٌ رَاتِبَةٌ لِلصّلَاةِ كَسُنّةِ صَلَاةِ الْإِقَامَةِ وَيُؤَيّدُ هَذَا أَنّ الرّبَاعِيّةَ قَدْ خُفّفَتْ إلَى رَكْعَتَيْنِ تَخْفِيفًا عَلَى الْمُسَافِرِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ لَهَا سُنّةٌ رَاتِبَةٌ يُحَافَظُ عَلَيْهَا وَقَدْ خَفّفَ الْفَرْضَ إلَى رَكْعَتَيْنِ فَلَوْلَا قَصْدُ التّخْفِيفِ عَلَى الْمُسَافِرِ وَإِلّا كَانَ الْإِتْمَامُ أَوْلَى بِهِ وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ: لَوْ كُنْت مُسَبّحًا لَأَتْمَمْت وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ صَلّى يَوْمَ الْفَتْحِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ضُحًى وَهُوَ إذْ ذَاكَ مُسَافِرٌ. وَأَمّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَاَلتّرْمِذِيّ فِي السّنَنِ مِنْ حَدِيثِ اللّيْثِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي بُسْرَةَ الْغِفَارِيّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ سَافَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَفَرًا فَلَمْ أَرَهُ تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ زَيْغِ الشّمْسِ قَبْلَ الظّهْر قَالَ التّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. قَالَ وَسَأَلْت مُحَمّدًا عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ إلّا مِنْ حَدِيثِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَلَمْ يَعْرِفْ اسْمُ أَبِي بُسْرَةَ وَرَآهُ حَسَنًا. وَبُسْرَةُ: بِالْبَاءِ الْمُوَحّدَةِ الْمَضْمُومَةِ وَسُكُونِ السّينِ الْمُهْمَلَةِ. وَأَمّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا فَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ وَلَكِنّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ فِي السّفَرِ وَلَعَلّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ وَالرّجَالُ أَعْلَمُ بِسَفَرِهِ مِنْ النّسَاءِ وَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ ابْنُ عُمَرَ يُصَلّي قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا شَيْئًا. وَاللّهُ أَعْلَمُ.
|