الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}. يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} هُوَ الْمُلْتَفُّ بِثِيَابِهِ. وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ التَّزَمُّلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَصَفَهُ بِأَنَّهُ مُتَزَمِّلٌ فِي ثِيَابِهِ، مُتَأَهِّبٌ لِلصَّلَاةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} أَيِ الْمُتَزَمِّلُ فِي ثِيَابِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} هُوَ الَّذِي تَزَمَّلَ بِثِيَابِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: وَصَفَهُ بِأَنَّهُ مُتَزَمِّلُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} قَالَ: زُمِلْتَ هَذَا الْأَمْرَ فَقُمْ بِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، مَا قَالَهُ قَتَادَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَقَبَهُ بِقَوْلِهِ: {قُمِ اللَّيْلَ} فَكَانَ ذَلِكَ بَيَانًا عَنْ أَنَّ وَصْفَهُ بِالتَّزَمُّلِ بِالثِّيَابِ لِلصَّلَاةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظْهَرُ مَعْنَيَيْهِ. وَقَوْلُهُ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} يَقُولُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُمِ اللَّيْلَ} (يَا مُحَمَّدُ كُلَّهُ {إِلَّا قَلِيلًا} مِنْهُ {نِصْفَهُ} يَقُولُ: قُمْ نِصْفَ اللَّيْلِ {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} يَقُولُ: أَوْ زِدْ عَلَيْهِ؛ خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ حِينَ فَرَضَ عَلَيْهِ قِيَامَ اللَّيْلِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَنَازِلِ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا ذُكِرَ يَقُومُونَ اللَّيْلَ، نَحْوَ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِيمَا ذُكِرَ حَتَّى خُفِّفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: ثَنَا سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَ أَوَّلُ الْمُزَّمِّلِ، كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا قَرِيبٌ مِنْ سَنَةٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: ثَنَا سِمَاكٌ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ طَحْلَاءَ مَوْلَى أُمٍّ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: «كُنْتُ أَجْعَلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصِيرًا يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَتَسَامَعَ بِهِ النَّاسُ، فَاجْتَمَعُوا، فَخَرَجَ كَالْمُغْضَبِ، وَكَانَ بِهِمْ رَحِيمًا، فَخَشِيَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ قِيَامُ اللَّيْلِ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اكْلفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى تَمَلُّوا مِنَ الْعَمَلِ، وَخَيْرُ الْأَعْمَالِ مَا دُمْتُمْ عَلَيْهِ" وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَرْبُطُ الْحَبْلَ وَيَتَعَلَّقُ، فَمَكَثُوا بِذَلِكَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، فَرَأَى اللَّهُ مَا يَبْتَغُونَ مِنْ رِضْوَانِهِ فَرَحِمَهُمْ فَرَدَّهُمْ إِلَى الْفَرِيضَةِ وَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْل». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَحْلَاءَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: «كُنْتُ أَشْتَرِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصِيرًا، فَكَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَتَسْمَعُ النَّاسُ بِصَلَاتِهِ، فَاجْتَمَعَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ؛ فَلَمَّا رَأَى اجْتِمَاعَهَمْ كَرِهَ ذَلِكَ، فَخَشِيَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ، فَدَخَلَ الْبَيْتَ كَالْمُغْضَبِ، فَجَعَلُوا يَتَنَحْنَحُونَ وَيَتَسَعَّلُونَ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا- يَعْنَى مِنَ الثَّوَابِ- فَاكْلُفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ خَيْرَ الْعَمَلِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ"، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} السُّورَةُ. قَالَ: فَكُتِبَتْ عَلَيْهِمْ، وَأُنْزِلَتْ بِمَنْزِلَةِ الْفَرِيضَةِ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَرْبُطُ الْحَبْلَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ؛ فَلِمَا رَأَى اللَّهُ مَا يُكَلِّفُونَ مِمَّا يَبْتَغُونَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَرِضَاهُ، وَضَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَقَالَ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ}... إِلَى {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} فَرَدَّهُمْ إِلَى الْفَرِيضَةِ، وَوَضَعَ عَنْهُمُ النَّافِلَةَ، إِلَّا مَا تَطَوَّعُوا بِه». حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ خَفَّفَ عَنْهُمْ فَرَحِمَهُمْ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ}... إِلَى قَوْلِهِ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} فَوَسَّعَ اللَّهُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَلَمْ يُضَيِّقْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قَالَ: مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَالِ عَشْرَ سِنِينَ يَقُومُ اللَّيْلَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُومُونَ مَعَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ}... إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ، قَالَا: قَالَ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} قَامُوا حَوْلًا أَوْ حَوْلَيْنِ حَتَّى انْتَفَخَتْ سُوقُهُمْ وَأَقْدَامُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَخْفِيفًا بَعْدُ فِي آخِرِ السُّورَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قَامُوا بِهَا حَوْلًا حَتَّى وَرِمَتْ أَقْدَامُهُمْ وَسُوقُهُمْ حَتَّى نَزَلَتْ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} فَاسْتَرَاحَ النَّاسُ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَرِيرٍ بَيَّاعِ الْمُلَاءِ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، تُطَوُّعٌ بَعْدَ فَرِيضَةٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}... الْآيَةُ، قَامَ الْمُسْلِمُونَ حَوْلًا فَمِنْهُمْ مَنْ أَطَاقَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُطِقْهُ، حَتَّى نَزَلَتِ الرُّخْصَةُ. قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ أَوَّلُ الْمُزَّمِّلِ كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا نَحْوٌ مِنْ سَنَةٍ. وَقَوْلُهُ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} يَقُولُ جَلَّ وَعَزَّ: وَبَيِّنِ الْقُرْآنَ إِذَا قَرَأْتَهُ تَبْيِينًا، وَتَرَسَّلْ فِيهِ تَرَسُّلًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ. ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} قَالَ: اقْرَأْهُ قِرَاءَةً بَيِّنَةً. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ. ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} فَقَالَ: بَعْضُهُ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ. ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} فَقَالَ: بَعْضُهُ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ، عَلَى تُؤَدَةٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} قَالَ: تَرَسَّلْ فِيهِ تَرَسُّلًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} فَقَالَ: بَعْضُهُ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ. حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} قَالَ: التَّرْتِيلُ: النَّبْذُ: الطَّرْحُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} قَالَ بَيِّنْهُ بَيَانًا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} قَالَ: بَيِّنْهُ بَيَانًا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} قَالَ: بَعْضُهُ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا الْعَمَلُ بِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} قَالَ: الْعَمَلُ بِهِ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَهُذُّ السُّورَةَ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِهِ ثَقِيلٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} ثَقِيلٌ وَاللَّهِ فَرَائِضُهُ وَحُدُودُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: (ثَقِيلًا) قَالَ: ثَقِيلٌ وَاللَّهِ فَرَائِضُهُ وَحُدُودُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ عَيْنَهُ ثَقِيلٌ مَحْمَلُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَضَعَتْ جَرَانَهَا، فَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَحَرَّكَ حَتَّى يُسَرَّى عَنْه». حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ ثَقِيلٌ مُبَارَكٌ الْقُرْآنُ، كَمَا ثَقُلَ فِي الدُّنْيَا ثَقُلَ فِي الْمَوَازِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ ثَقِيلٌ، فَهُوَ كَمَا وَصَفَهُ بِهِ، ثَقِيلٌ مَحْمَلُهُ، ثَقِيلٌ الْعَمَلُ بِحُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} يَعْنِي جَلَّ وَعَزَّ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ}: إِنَّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ، وَكُلُّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ نَاشِئَةٌ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَلَا تُحَدِّثُنِي أَيَّ اللَّيْلِ نَاشِئَةً؟ قَالَ: عَلَى الثَّبْتِ سَقَطْتَ، سَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَزَعَمَ أَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ نَاشِئَةٌ، وَسَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَأَخْبَرَنِي مِثْلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، قَالَ: ثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} قَالَ: بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ، قَالُوا: نَشَأَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} نَشَأَ: قَامَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} قَالَ: نَشَأَ: قَامَ. قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ، فَهُوَ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ. حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} قَالَ: هُوَ اللَّيْلُ كُلُّهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} قَالَ: إِذَا قُمْتَ اللَّيْلَ فَهُوَ نَاشِئَةٌ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ بَعْدَ الْعَشَاءِ فَهُوَ نَاشِئَةٌ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} قَالَ: قِيَامُ اللَّيْلِ؛ قَالَ: وَأَيُّ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ قَامَ فَقَدْ نَشَأَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَيُّ اللَّيْلِ قُمْتَ فَهُوَ نَاشِئَةٌ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ حَاتِمِ بْنِ أَبَى صَغِيرَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ نَاشِئَةِ اللَّيْلِ فَقَالَا: كُلُّ اللَّيْلِ نَاشِئَةٌ، فَإِذَا نَشَأْتَ قَائِمًا فَتِلْكَ نَاشِئَةٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} قَالَ: أَيُّ سَاعَةٍ تَهَجَّدَ فِيهَا مُتَهَجِّدٌ مِنَ اللَّيْلِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} يَعْنِي اللَّيْلَ كُلَّهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ، وَنَافِعٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} قَالَ: اللَّيْلُ كُلُّهُ. قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: اللَّيْلُ كُلُّهُ إِذَا قَامَ يُصَلِّي فَهُوَ نَاشِئَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مَا كَانَ بَعْدَ الْعَشَاءِ، فَأَمَّا مَا كَانَ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَلَيْسَ بِنَاشِئَةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} قَالَ: مَا بَعْدَ الْعَشَاءِ نَاشِئَةٌ. قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} قَالَ: مَا بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} قَالَ: نَاشِئَةُ اللَّيْلِ: مَا كَانَ بَعْدَ الْعَشَاءِ فَهُوَ نَاشِئَةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ، قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ بَعْدَ الْعَشَاءِ فَهُوَ نَاشِئَةٌ. وَقَوْلُهُ: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} اخْتَلَفَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ {أَشَدُّ وَطْئًا} بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ "وِطَاءً" بِكَسْرِ الْوَاوِ وَمَدِّ الْأَلِفِ، عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: وَاطَأَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ مُوَاطَأَةً وَوِطَاءً. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} نَاشِئَةُ اللَّيْلِ أَشَدُّ ثَبَاتًا مِنَ النَّهَارِ وَأَثْبَتُ فِي الْقَلْبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ بِاللَّيْلِ أَثْبَتُ مِنْهُ بِالنَّهَارِ. وَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ: وَطِئْنَا اللَّيْلَ وَطْأً: إِذَا سَارُوا فِيهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مَنْ قَرَأَهُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} أَيْ أَثْبَتُ فِي الْخَيْرِ، وَأَحْفَظُ فِي الْحِفْظِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} قَالَ: الْقِيَامُ بِاللَّيْلِ أَشَدُّ وَطْئًا: يَقُولُ: أَثْبَتُ فِي الْخَيْرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} يَقُولُ: نَاشِئَةُ اللَّيْلِ كَانَتْ صَلَاتُهُمْ أَوَّلَ اللَّيْلِ {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} يَقُولُ: هُوَ أَجْدَرُ أَنْ تُحْصُوا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْقِيَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا نَامَ لَمْ يَدْرِ مَتَى يَسْتَيْقِظُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} قَالَ: إِنَّ مُصَلِّي اللَّيْلِ الْقَائِمَ بِاللَّيْلِ، أَشَدُّ وَطْئًا: طُمَأْنِينَةً، أَفْرَغُ لَهُ قَلْبًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْرِضُ لَهُ حَوَائِجُ وَلَا شَيْءَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} يَقُولُ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ أَثْبَتُ مِنْهُ بِالنَّهَارِ، وَأَشَدُّ مُوَاطَأَةً بِاللَّيْلِ مِنْهُ بِالنَّهَارِ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا "وِطَاءً" بِكَسْرِ الْوَاوِ وَمَدِّ الْأَلِفِ، فَقَدْ ذَكَرْتُ الَّذِي عَنَوْا بِقِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {أَشَدُّ وَطْئًا} قَالَ: أَنْ تُوَاطِئَ قَلْبَكَ وَسَمْعَكَ وَبَصَرَكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} قَالَ: تُوَاطِئُ سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ وَقَلْبَكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {أَشَدُّ وَطْئًا} قَالَ: مُوَاطَأَةً لِلْقَوْلِ، وَفَرَاغًا لِلْقَلْبِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} قَالَ: أَجْدَرُ أَنْ تُوَاطِئَ لَكَ سَمْعَكَ، أَنْ تُوَاطِئَ لَكَ بَصَرَكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {أَشَدُّ وَطْئًا} قَالَ: أَجْدَرُ أَنْ تُوَاطِئَ سَمْعَكَ وَقَلْبَكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} قَالَ: يُوَاطِئُ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَقَلْبُكَ بَعْضَهُ بَعْضًا. وَقَوْلُهُ: {وَأَقْوَمُ قِيلًا} يَقُولُ: وَأَصْوَبُ قِرَاءَةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: قَرَأَ أَنَسٌ هَذِهِ الْآيَةَ "إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَصْوَبُ قِيلًا"، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّمَا هِيَ {وَأَقْوَمُ قِيلًا} قَالَ: أَقْوَمُ وَأَصْوَبُ وَأَهْيَأُ وَاحِدٌ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: قَرَأَ أَنَسٌ {وَأَقْوَمُ قِيلًا} وَأَصْوَبُ قِيلًا؛ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّمَا هِيَ (وَأَقْوَمُ) قَالَ أَنَسٌ: أَصْوَبُ وَأَقْوَمُ وَأَهْيَأُ وَاحِدٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَأَقْوَمُ قِيلًا} يَقُولُ: أَدْنَى مِنْ أَنْ تَفْقَهُوا الْقُرْآنَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَأَقْوَمُ قِيلًا}: أَحْفَظُ لِلْقِرَاءَةِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَقْوَمُ قِيلًا} قَالَ: أَقْوَمُ قِرَاءَةً لِفَرَاغِهِ مِنَ الدُّنْيَا. قَوْلُهُ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لَكَ يَا مُحَمَّدُ فِي النَّهَارِ فَرَاغًا طَوِيلًا تَتَّسِعُ بِهِ، وَتَتَقَلَّبُ فِيهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {سَبْحًا طَوِيلًا} فَرَاغًا طَوِيلًا، يَعْنِي النَّوْمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} قَالَ: مَتَاعًا طَوِيلًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {سَبْحًا طَوِيلًا} قَالَ: فَرَاغًا طَوِيلًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} قَالَ: لِحَوَائِجِكَ، فَافُرُغْ لِدِينِكَ اللَّيْلَ، قَالُوا: وَهَذَا حِينَ كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَرِيضَةً، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَى الْعِبَادِ فَخَفَّفَهَا وَوَضَعَهَا، وَقَرَأَ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} حَتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} اللَّيْلَ نِصْفَهُ أَوْ ثُلْثَهُ، ثُمَّ جَاءَ أَمْرٌ أَوْسَعُ وَأَفْسَحُ، وَضَعَ الْفَرِيضَةَ عَنْهُ وَعَنْ أُمَّتِهِ، فَقَالَ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} فَرَاغًا طَوِيلًا. وَكَانَ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ يَقْرَأُ ذَلِكَ بِالْخَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، عَنْ غَالِبٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ "مِنْ جَذِيلَةَ قَيْسٍ " أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ "سَبْخًا طَوِيلًا" قَالَ: وَهُوَ النَّوْمُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالتَّسْبِيخُ: تَوْسِيعُ الْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَتَنْفِيشُهُ، يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: سَبِّخِي قُطْنَكِ: أَيْ نَفِّشِيهِ وَوَسِّعِيهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ: فَأَرْسَلُوهُنَّ يُذْرِينَ التُّرَابَ كَمَا *** يُذْرِي سَبَائِخَ قُطْنٍ نَدْفُ أَوْتَارُ وَإِنَّمَا عُنِيَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا}: إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سِعَةً لِقَضَاءِ حَوَائِجِكَ وَقَوْمِكَ. وَالسَّبْحُ وَالسَّبْخُ قَرِيبَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (وَاذْكُرْ) يَا مُحَمَّدُ {اسْمَ رَبِّكَ} فَادْعُهُ بِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} يَقُولُ: وَانْقَطِعْ إِلَيْهِ انْقِطَاعًا لِحَوَائِجِكَ وَعِبَادَتِكَ دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ غَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَبَتَّلْتُ هَذَا الْأَمْرَ؛ وَمِنْهُ قِيلَلِأُمِّ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ الْبَتُولُ، لِانْقِطَاعِهَا إِلَى اللَّهِ، وَيُقَالُ لِلْعَابِدِ الْمُنْقَطِعِ عَنِ الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ: قَدْ تَبَتَّلَ؛ وَمِنْهُ الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «أَنَّهُ نَهَى عَنِ التَّبَتُّل». وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} قَالَ: أَخْلِصْ لَهُ إِخْلَاصًا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} قَالَ: أَخْلِصْ لَهُ إِخْلَاصًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} قَالَ: أَخْلِصْ لَهُ إِخْلَاصًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَخْلِصْ إِلَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} قَالَ: أَخْلِصْ إِلَيْهِ إِخْلَاصًا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} قَالَ: أَخْلِصْ إِلَيْهِ إِخْلَاصًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} قَالَ: أَخْلِصْ إِلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَالدُّعَاءَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} قَالَ: بَتِّلْ نَفْسَكَ وَاجْتَهِدْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} يَقُولُ: أَخْلِصْ لَهُ الْعِبَادَةَ وَالدَّعْوَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} قَالَ: أَخْلِصْ إِلَيْهِ إِخْلَاصًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} قَالَ: أَيْ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِهِ، قَالَ: تَبَتُّلٌ، فَحَبَّذَا التَّبَتُّلَ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قَالَ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْجِهَادِ فَانْصَبْ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}. وَقَوْلُهُ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، إِذْ كَانَ ابْتِدَاءِ آيَةٍ بَعْدَ أُخْرَى تَامَّةٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِالْخَفْضِ عَلَى وَجْهِ النَّعْتٌ، وَالرَّدِّ عَلَى الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ}. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْعَالَمِ. وَقَوْلُهُ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْبَدَ إِلَهٌ سِوَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. وَقَوْلُهُ: {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} فِيمَا يَأْمُرُكَ وَفُوِّضْ إِلَيْهِ أَسْبَابَكَ. وَقَوْلُهُ: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ لَكَ، وَعَلَى أَذَاهُمْ، وَاهْجُرْهُمْ فِي اللَّهِ هَجْرًا جَمِيلًا.وَالْهَجْرُ الْجَمِيلُ: هُوَ الْهَجْرُ فِي ذَاتِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}... الْآيَةُ، وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ نُسِخَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} بَرَاءَةُ نَسَخَتْ مَا هَهُنَا؛ أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرَهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا}. يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} فَدَعْنِي يَا مُحَمَّدُ وَالْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِي {أُولِي النَّعْمَةِ} يَعْنِي أَهْلَ التَّنَعُّمِ فِي الدُّنْيَا {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} يَقُولُ: وَأَخِّرْهُمْ بِالْعَذَابِ الَّذِي بَسَطَتْهُ لَهُمْ قَلِيلًا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجْلَهُ. وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِي كَانَ بَيْنَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ بَدْرٍ يَسِيرٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا}... الْآيَةُ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ إِلَّا يَسِيرٌ حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ اللَّهُ: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} يَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ فِيهِمْ طَلَبَةً وَحَاجَةً. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا}يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ عِنْدَنَا لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِنَا أَنْكَالًا يَعْنِي قُيُودًا، وَاحِدُهَا: نِكْلٌ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي قَالَ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} إِنَّهَا قُيُودٌ. حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} قَالَ: قُيُودًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ {أَنْكَالًا} قَالَ: قُيُودًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} قَالَ: قُيُودًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْأَنْكَالُ: الْقُيُودُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: الْأَنْكَالُ: الْقُيُودُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدَّامِغَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ حَمَّادًا يَقُولُ: الْأَنْكَالُ: الْقُيُودُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا}: أَيْ قُيُودًا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عِكْرِمَةَ {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} قَالَ: قُيُودًا. حَدَّثَنَا أَبُو عَبِيدٍ الوَصَابِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ حِمْيَرَ، قَالَ: ثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} قَالَ: الْأَنْكَالُ: الْقُيُودُ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ الرَّازِيُّ، قَالَ: مَرَرْتُ بِابْنِ السَّمَّاكِ، وَهُوَ يَقُصُّ وَهُوَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ حَمَّادًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ اللَّهُ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} قَالَ: قُيُودًا سَوْدَاءَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ. وَقَوْلُهُ: {وَجَحِيمًا} يَقُولُ: وَنَارًا تُسَعَّرُ {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} يَقُولُ: وَطَعَامًا يَغَصُّ بِهِ آكُلُهُ، فَلَا هُوَ نَازِلٌ عَنْ حَلْقِهِ، وَلَا هُوَ خَارِجٌ مِنْهُ. كَمَا حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ وَابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ قَالَا ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا شَبِيبُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} قَالَ: شَوْكٌ يَأْخُذُ بِالْحَلْقِ، فَلَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} قَالَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. وَقَوْلُهُ: {وَعَذَابًا أَلِيمًا} يَقُولُ: وَعَذَابًا مُؤْلِمًا مُوجِعًا. حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ «"أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} فَصُعِقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ لَدَيْنَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ يُؤْذُونَكَ يَا مُحَمَّدُ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي وَصَفَهَا فِي يَوْمٍ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ؛ وَرُجْفَانُ ذَلِكَ: اضْطِرَابُهُ بِمَنْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقَوْلُهُ: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} يَقُولُ: وَكَانَتِ الْجِبَالُ رَمْلًا سَائِلًا مُتَنَاثِرًا. وَالْمَهِيلُ: مَفْعُولٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: هِلْتُ الرَّمْلَ فَأَنَا أُهِيلُهُ، وَذَلِكَ إِذَا حُرِّكَ أَسْفَلُهُ، فَانْهَالَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْلَاهُ؛ وَلِلْعَرَبِ فِي ذَلِكَ لُغَتَانِ، تَقُولُ: مَهِيلٌ وَمَهْيُولٌ، وَمَكِيلٌ وَمَكْيُولٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: قدْ كَانَ قَوْمُكَ يَحْسَبُونَكَ سَيِّدًا *** وَإِخَالُ أَنَّكَ سَيِّدٌ مَغْيُونُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} يَقُولُ: الرَّمْلُ السَّائِلُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} قَالَ: الْكَثِيبُ الْمَهِيلُ: اللَّيِّنُ الَّذِي إِذَا مَسِسْتَهُ تَتَابَعَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {كَثِيبًا مَهِيلًا} قَالَ: يَنْهَالُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ} أَيُّهَا النَّاسُ {رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ} بِإِجَابَةِ مَنْ أَجَابَ مِنْكُمْ دَعْوَتِي، وَامْتِنَاعِ مَنِ امْتَنَعَ مِنْكُمْ مِنَ الْإِجَابَةِ، يَوْمَ تَلْقَوْنِي فِي الْقِيَامَةِ {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} يَقُولُ: مِثْلَ إِرْسَالِنَا مِنْ قَبْلِكُمْ إِلَى فِرْعَوْنَ مِصْرَ رَسُولًا بِدُعَائِهِ إِلَى الْحَقِّ، {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} الَّذِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهِ {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} يَقُولُ: فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا شَدِيدًا، فَأَهْلَكْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: كَلَأٌ مُسْتَوْبِلٌ، إِذَا كَانَ لَا يُسْتَمْرَأُ، وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {أَخْذًا وَبِيلًا} قَالَ: شَدِيدًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {أَخْذًا وَبِيلًا} قَالَ: شَدِيدًا.
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} أَيْ شَدِيدًا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {أَخْذًا وَبِيلًا} قَالَ: شَدِيدًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} قَالَ: الْوَبِيلُ: الشَّرُّ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ تَتَابَعَ عَلَيْهِ الشَّرُّ: لَقَدْ أُوبِلَ عَلَيْهِ، وَتَقُولُ: أَوْبَلْتَ عَلَى شَرِّكَ، قَالَ: وَلَمْ يَرْضَ اللَّهُ بِأَنْ غُرِّقَ وَعُذِّبَ حَتَّى أُقِرَّ فِي عَذَابٍ مُسْتَقِرٍّ حَتَّى يُبْعَثَ إِلَى النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرِيدُ فِرْعَوْنَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ: فَكَيْفَ تَخَافُونَ أَيُّهَا النَّاسُ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلَدَانِ شِيبًا إِنْ كَفَرْتُمْ بِاللَّهِ، وَلَمْ تُصَدَّقُوا بِهِ. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} يَقُولُ: كَيْفَ تَتَّقُونَ يَوْمًا، وَأَنْتُمْ قَدْ كَفَرْتُمْ بِهِ وَلَا تُصَدِّقُونَ بِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ} قَالَ: وَاللَّهُ لَا يَتَّقِي مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَقَوْلُهُ: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا تَشِيبُ الْوِلَدَانُ مِنْ شِدَّةِ هَوْلِهِ وَكَرْبِهِ. كَمَا حَدَّثَتْ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَعَا رَبُّنَا الْمَلِكُ آدَمَ، فَيَقُولُ: يَا آدَمُ قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، فَيَقُولُ آدَمُ: أَيْ رَبٍّ، لَا عِلْمَ لِي إِلَّا مَا عَلَّمْتَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَيُسَاقُونَ إِلَى النَّارِ سُودًا مُقَرَّنِينَ، زُرْقًا كَالِحِينَ، فَيَشِيبُ هُنَالِكَ كُلُّ وَلِيدٍ". حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} قَالَ: تَشِيبُ الصِّغَارُ مِنْ كَرْبِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقَوْلُهُ: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: السَّمَاءُ مُثْقَلَةٌ بِذَلِكَ الْيَوْمِ مُتَصَدِّعَةٌ مُتَشَقِّقَةٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} يَعْنِي: تَشَقَّقَ السَّمَاءُ حِينَ يَنْزِلُ الرَّحْمَنُ جَلَّ وَعَزَّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: مُثْقَلَةٌ بِهِ. حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْحَيْرَيُّ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مَوْدُودٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: مُثْقَلَةٌ مَحْزُونَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مَوْدُودٍ بَحْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عَلِيٍّ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: مُثْقَلَةٌ بِهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: مُوَقَّرَةٌ مُثْقَلَةٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} يَقُولُ: مُثْقَلٌ بِهِ ذَلِكَ الْيَوْمُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: هَذَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَجَعَلَ الْوِلَدَانَ شِيبًا، وَيَوْمَ تَنْفَطِرُ السَّمَاءُ، وَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} وَقَالَ: هَذَا كُلُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: مُمْتَلِئَةٌ بِهِ، بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. حَدَّثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: مُمْتَلِئَةٌ بِهِ. وَذُكِّرَتِ السَّمَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُذَكِّرُهَا وَتُؤَنِّثُهَا، فَمَنْ ذَكَّرَهَا وَجَّهَهَا إِلَى السَّقْفِ، كَمَا يُقَالُ: هَذَا سَمَاءُ الْبَيْتِ: لِسَقْفِهِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَذْكِيرُهُمْ إِيَّاهَا لِأَنَّهَا مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي لَا فَصْلَ فِيهَا بَيْنَ مُؤَنَّثِهَا وَمُذَكِّرِهَا؛ وَمِنَ التَّذْكِيرِ قَوْلُ الشَّاعِرِ: فَلَوْ رَفَعَ السَّمَاءُ إِلَيْهِ قَوْمًا *** لحَِقْنَا بِالسَّمَاءِ مَعَ السَّحَابِ وَقَوْلُهُ: {كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَانَ مَا وَعَدَ اللَّهُ مِنْ أَمْرٍ أَنْ يَفْعَلَهُ مَفْعُولًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْلَفُ وَعْدُهُ، وَمَا وَعَدَ أَنْ يَفْعَلَهُ تَكْوِينُهُ يَوْمَ تَكُونُ الْوِلْدَانُ شِيبًا، يَقُولُ: فَاحْذَرُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا أَمْرَ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالَهَا، وَمَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا بِأَهْلِ الْكُفْرِ تَذْكِرَةٌ، يَقُولُ: عِبْرَةٌ وَعِظَةٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ بِهَا وَاتَّعَظَ {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} يَقُولُ: فَمَنْ شَاءَ مِنَ الْخَلْقِ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ طَرِيقًا بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ} يَعْنِي: الْقُرْآنُ {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} بِطَاعَةِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَقْرَبَ مِنْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا، وَنِصْفَهَ وَثُلْثَهُ. اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ: فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ بِالْخَفْضِ؛ وَنِصْفِهِ وَثُلْثِهِ، بِمَعْنَى: وَأَدْنَى مِنْ نِصْفِهِ وَثُلْثِهِ، إِنَّكُمْ لَمْ تُطِيقُوا الْعَمَلَ بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، فَقُومُوا أَدْنَى مِنْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ وَمِنْ نِصْفِهِ وَثُلْثِهِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِالنَّصْبِ، بِمَعْنَى: إِنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ وَتَقُومُ نِصْفَهُ وَثُلْثَهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَقَوْلُهُ: {وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} يَعْنِي: مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ قِيَامُ اللَّيْلِ. وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} بِالسَّاعَاتِ وَالْأَوْقَاتِ. وَقَوْلُهُ: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} يَقُولُ: عِلْمُ رَبُّكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ الَّذِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ قِيَامُ اللَّيْلِ أَنْ لَنْ تُطِيقُوا قِيَامَهُ {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} إِذْ عَجَزْتُمْ وَضَعُفْتُمْ عَنْهُ، وَرَجَعَ بِكُمْ إِلَى التَّخْفِيفِ عَنْكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُريبٍ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} أَنْ لَنْ تُطِيقُوهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِ عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} قَالَ: لَنْ تُطِيقُوهُ. حَدَّثَنَا عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} يَقُولُ: أَنْ لَنْ تُطِيقُوهُ. قَالَ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} قَالَ: أَنْ لَنْ تُطِيقُوهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلَّتَانِ لَا يُحْصِيهُمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَتَاهُ الْجَنَّةَ، وَهُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلْ بِهِمَا قَلِيلٌ، يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا، وَيُكَبِّرُهُ عَشْرًا" قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ، قَالَ: "فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ، وَإِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ سَبَّحَ وَحَمَدَ وَكَبَّرَ مِائَةً؛ قَالَ: فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ، فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَ مِائَةِ سَيِّئَةٍ؟ " قَالُوا: فَكَيْفَ لَا نُحْصِيهِمَا؟ قَالَ: "يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا حَتَّى يَنْفَتِلَ، وَلَعَلَّهُ لَا يَعْقِلُ، وَيَأْتِيهِ وَهُوَ فِي مَضْجَعِهِ فَلَا يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَام». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} قِيَامُ اللَّيْلِ كُتِبَ عَلَيْكُمْ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}. وَقَوْلُهُ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} يَقُولُ: فَاقْرَءُوا مِنَ اللَّيْلِ مَا تَيَسَّرَ لَكُمْ مِنَ الْقُرْآنِ فِي صَلَاتِكُمْ؛ وَهَذَا تَخْفِيفٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عِبَادِهِ فَرْضَهُ الَّذِي كَانَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا}. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحُسْنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَدِ اسْتَظْهَرَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ، فَلَا يَقُومُ بِهِ، إِنَّمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، قَالَ: يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنُ، لَعَنَ اللَّهُ ذَاكَ؛ قَالَ اللَّهُ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ} قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ قَالَ اللَّهُ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْ خَمْسِينَ آيَةً. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَشْمَانَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} قَالَ: مِائَةُ آيَةٍ. قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ رَبِيعٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُحَاجَّهُ الْقُرْآنُ. قَالَ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ مِائَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْعَابِدِينَ. وَقَوْلُهُ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: عَلِمَ رَبُّكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ أَهْلُ مَرَضٍ قَدْ أَضْعَفَهُ الْمَرَضُ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} فِي سَفَرٍ {يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} فِي تِجَارَةٍ قَدْ سَافَرُوا لِطَلَبِ الْمَعَاشِ فَأَعْجَزَهُمْ، فَأَضْعَفَهُمْ أَيْضًا عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يَقُولُ: وَآخَرُونَ أَيْضًا مِنْكُمْ يُجَاهِدُونَ الْعَدُوَّ فَيُقَاتِلُونَهُمْ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ، فَرَحِمَكُمُ اللَّهُ فَخَفَّفَ عَنْكُمْ، وَوَضَعَ عَنْكُمْ فَرْضَ قِيَامِ اللَّيْلِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} يَقُولُ: فَاقْرَءُوا الْآنَ إِذْ خَفَّفَ ذَلِكَ عَنْكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فِي صَلَاتِكُمْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ. وَالْهَاءُ قِي قَوْلِهِ "مِنْهُ" مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثُمَّ أَنْبَأَ بِخِصَالِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} قَالَ: افْتَرَضَ اللَّهُ الْقِيَامَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ أَنْزَلَ التَّخْفِيفَ فِي آخِرِهَا، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} يَقُولُ: وَأَقِيمُوا الْمَفْرُوضَةَ وَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةَ {وَآتُوا الزَّكَاةَ} يَقُولُ: وَأَعْطُوا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ فِي أَمْوَالِكُمْ أَهْلَهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} فَهُمَا فَرِيضَتَانِ وَاجَبَتَانِ، لَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِيهِمَا، فَأَدُّوهُمَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَقَوْلُهُ: {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} يَقُولُ: وَأَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} قَالَ: الْقَرْضُ: النَّوَافِلُ سِوَى الزَّكَاةِ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} يَقُولُ: وَمَا تَقَدِّمُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِأَنْفُسِكُمْ فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ تُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نَفَقَةٍ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ، أَوْ عَمَلٍ بِطَاعَةِ اللَّهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ حَجٍّ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ فِي طَلَبِ مَا عِنْدَ اللَّهِ، تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مَعَادِكُمْ، هُوَ خَيْرًا لَكُمْ مِمَّا قَدَّمْتُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَعْظَمَ مِنْهُ ثَوَابًا: أَيْ ثَوَابُهُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي قَدَّمْتُمُوهُ لَوْ لَمْ تَكُونُوا قَدَّمْتُمُوهُ {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَلُوا اللَّهَ غُفْرَانَ ذُنُوبِكُمْ يَصْفَحْ لَكُمْ عَنْهَا {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يَقُولُ: إِنَّاللَّهَ ذُو مَغْفِرَةٍ لِذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَذُو رَحْمَةٍ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ بَعْدِ تَوْبَتِهِمْ مِنْهَا. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ.
|