الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِّ يَسِّرْ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْمر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {الر} وَ {الْمر}، وَنَظَائِرِهُمَا مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي افْتَتَحَ بِهَا أَوَائِلَ بَعْضِ سُوَرِ الْقُرْآنِ، فِيمَا مَضَى، بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنْ إِعَادَتِهَا غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ مِنَ الرِّوَايَةِ مَا جَاءَ خَاصًّا بِهِ كُلَّ سُورَةٍ افْتَتَحَ أَوَّلَهَا بِشَيْءٍ مِنْهَا. فَمَا جَاءَ مِنَ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ نَقْلِ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ، التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَعْنَى مَا ابْتُدِئَ بِهِ أَوَّلُهَا، مَعَ زِيَادَةِ الْمِيمِ الَّتِي فِيهَا عَلَى سَائِرِ السُّوَرِ ذَوَاتِ (الر) وَمَعْنَى مَا ابْتُدِئَ بِهِ أَخَوَاتُهَا مَعَ نُقْصَانِ ذَلِكَ مِنْهَا عَنْهَا. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ عَنْهُ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {الْمر} قَالَ: أَنَا اللَّهُ أَرَى. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: {الْمر} قَالَ: أَنَا اللَّهُ أَرَى. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {الْمر}: فَوَاتِحُ يَفْتَتِحُ بِهَا كَلَامَهُ. وَقَوْلُهُ: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: تِلْكَ الَّتِي قَصَصْتُ عَلَيْكَ خَبَرَهَا، آيَاتُ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْـزَلْتُهُ قَبْلَ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَنْـزَلْتُهُ إِلَيْكَ إِلَى مَنْ أَنْـزَلَتُهُ إِلَيْهِ مِنْ رُسُلِي قَبْلَكَ. وَقِيلَ: عَنَى بِذَلِكَ: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {الْمر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} الْكُتُبِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْقُرْآنِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} قَالَ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ. وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} [الْقُرْآنُ]، فَاعْمَلْ بِمَا فِيهِ وَاعْتَصِمْ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَالَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} قَالَ: الْقُرْآنُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَالَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ}: أَيْ: هَذَا الْقُرْآنُ. وَفِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْكَ} وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ: أَحَدُهُمَا: الرَّفْعُ، عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، فَيَكُونُ مَرْفُوعًا بـِ "الْحَقُّ " وَ "الحَقُّ بِهِ ". وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَأْوِيلُ مُجَاهِدٍ وقَتَادَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْهُمَا. وَالْآخَرُ: الْخَفْضُ عَلَى الْعَطْفِ بِهِ عَلَى (الْكِتَابِ)، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: تِلْكَ آيَاتُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ. ثُمَّ يَبْتَدِئُ (الْحَقُّ) بِمَعْنَى: ذَلِكَ الْحَقُّ فَيَكُونُ رَفْعُهُ بِمُضْمَرٍ مِنَ الْكَلَامِ قَدِ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ مِنْهُ. وَلَوْ قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَإِنَّمَا أُدْخِلَتِ الْوَاوُ فِي "وَالَّذِي "، وَهُوَ نَعْتٌ لِلْكِتَابِ، كَمَا أَدْخَلَهَا الشَّاعِرُ فِي قَوْلِهِ: إلَـى الْمَلِـكِ الْقَـرْمِ وَابْـنِ الْهُمَـامِ *** وَلَيْـثَ الْكَتِيبَـةِ فِي الْمُزْدَحَـمْ فَعَطْفَ بـِ "الْوَاوِ "، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ صِفَةِ وَاحِدٍ، كَانَ مَذْهَبًا مِنَ التَّأْوِيلِ. وَلَكِنَّ ذَلِكَ إِذَا تُؤُوِّلَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي (الْحَقِّ) الْخَفْضُ، عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لـِ (الَّذِي). وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْحَقِّ الَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَلَا يُقِرُّونَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنْ مُحْكَمِ آيِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ، يَا مُحَمَّدُ، هُوَ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا، فَجَعَلَهَا لِلْأَرْضِ سَقْفًا مَسْمُوكًا. وَ "الْعَمَدُ " جَمْعُ "عَمُودٍ "، وَهِيَ السَّوَارِي، وَمَا يَعْمِدُ بِهِ الْبِنَاءُ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ: وَخَـيِّسِ الْجِـنَّ إنِّـي قَدْ أذِنْـتُ لَهُمْ *** يَبْنُـونَ تَدْمُـرَ بِالصُّفَّـاحِ وَالْعَمَـدِ وَجَمْعُ "الْعَمُودِ: ""عَمَدٌ، "كَمَا جَمْعُ الْأَدِيمِ: "أَدَمٌ "، وَلَوْ جُمِعَ بِالضَّمِّ فَقِيلَ: "عُمُدٌ "جَازَ، كَمَا يُجْمَعُ "الرَّسُول" "رُسُلٌ "، وَ "الشَّكُورُ " "شُكُرٌ ". وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِعَمَدٍ لَا تَرَوْنَهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ: إِنَّهَا عَلَى عَمَدٍ يَعْنِي السَّمَاءَ؟ قَالَ: فَقَالَ: اقْرَأْهَا {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}: أَيْ لَا تَرَوْنَهَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}، قَالَ: بِعَمَدٍ لَا تَرَوْنَهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} قَالَ: هِيَ لَا تَرَوْنَهَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (بِغَيْرِ عَمَدٍ) يَقُولُ: عَمَدٌ [لَا تَرَوْنَهَا]. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ وقَتَادَةَ قَوْلُهُ: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِعَمَدٍ وَلَكِنْ لَا تَرَوْنَهَا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} قَالَ: مَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّهَا بِعَمْدٍ لَا تَرَوْنَهَا. وَمَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، قَصَدَ مَذْهَبَ تَقْدِيمِ الْعَرَبِ الْجَحْدَ مِنْ آخَرِ الْكَلَامِ إِلَى أَوَّلِهِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ وَلَا أرَاهَـا تَـزَالُ ظَالِمَـةً *** تُحْـدِثُ لِـي نَكْبَـةً وتَنْكَؤُهَـا يُرِيدُ: أَرَاهَا لَا تَزَالُ ظَالِمَةً، فَقَدَّمَ الْجَحْدَ عَنْ مَوْضِعِهِ مِنْ "تَزَالُ "، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ: إِذَا أَعْجَـبَتْكَ الدَّهْـرَ حَـالٌ مِنِ امْرِئٍ *** فَدَعْـهُ وَوَاكِـلْ حَالَـهُ وَاللَّيَالِيَـا يَجِـئْنَ عَلَى مَـا كَانَ مِنْ صَالِحٍ بِهِ *** وَإِنْ كَانَ فِيمَـا لَا يَـرَى النَّـاسُ آلِيَا يَعْنِي: وَإِنْ كَانَ فِيمَا يَرَى النَّاسُ لَا يَأْلُو. وَقَالَ آخَرُونَ، بَلْ هِيَ مَرْفُوعَةٌ بِغَيْرِ عَمَدٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فِي قَوْلِهِ: {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} قَالَ: السَّمَاءُ مُقَبَّبَةٌ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلَ الْقُبَّةِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} قَالَ: رَفَعَهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} فَهِيَ مَرْفُوعَةٌ بِغَيْرِ عَمَدٍ نَرَاهَا، كَمَا قَالَ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَلَا خَبَرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا حُجَّةَ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا بِقَوْلٍ سِوَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فَإِنَّهُ يَعْنِي: عَلَا عَلَيْهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ وَاخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَالصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ فِيمَا قَالُوا فِيهِ، بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} يَقُولُ: وَأَجْرَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فِي السَّمَاءِ، فَسَخَّرَهُمَا فِيهَا لِمَصَالِحِ خَلْقِهِ، وَذَلَّلَهُمَا لِمَنَافِعِهِمْ، لِيَعْلَمُوا بِجَرْيِهِمَا فِيهَا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ، وَيَفْصِلُوا بِهِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَقَوْلُهُ: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: كُلُّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي السَّمَاءِ (لِأَجَلٍ مُسَمًّى): أَيْ: لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، وَذَلِكَ إِلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا وَقِيَامِ الْقِيَامَةِ الَّتِي عِنْدَهَا تُكَوَّرُ الشَّمْسُ، وَيُخْسَفُ الْقَمَرُ، وَتَنْكَدِرُ النُّجُومُ. وَحَذْفُ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ، لِفَهْمِ السَّامِعِينَ مِنْ أَهْلِ لِسَانِ مَنْ نـَزَلَ بِلِسَانِهِ الْقُرْآنُ مَعْنَاهُ، وَأَنَّ (كُلَّ) " لَا بُدَّ لَهَا مِنْ إِضَافَةٍ إِلَى مَا تُحِيطُ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: (لِأَجَلٍ مُسَمًّى) قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ: الدُّنْيَا. وَقَوْلُهُ: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَقْضِي اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا أُمُورَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كُلَّهَا، وَيُدَبِّرُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَحْدَهُ، بِغَيْرِ شَرِيكٍ وَلَا ظَهِيرٍ وَلَا مُعِينٍ سُبْحَانَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} يَقْضِيهِ وَحْدَهُ. قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. وَقَوْلُهُ: {يُفَصِّلُ الْآيَاتِ} يَقُولُ: يُفَصِّلُ لَكُمْ رَبُّكُمْ آيَاتِ كِتَابِهِ، فَيُبَيِّنُهَا لَكُمُ احْتِجَاجًا بِهَا عَلَيْكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} يَقُولُ: لِتُوقِنُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ، وَالْمَعَادِ إِلَيْهِ، فَتُصَدِّقُوا بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، وَتَنْزَجِرُوا عَنْ عِبَادَةِ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَتُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ إِذَا أَيْقَنْتُمْ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}، وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّمَا أَنْـزَلَ كِتَابَهُ وَأَرْسَلَ رُسُلَهُ، لِنُؤْمِنَ بِوَعْدِهِ، وَنَسْتَيْقِنَ بِلِقَائِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ، فَبَسَطَهَا طُولًا وَعَرْضًا. وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَجَعَلَ فِي الْأَرْضِ جِبَالًا ثَابِتَةً. وَ "الرَّوَاسِي ": جَمْعُ "رَاسِيَةٍ "، وَهِيَ الثَّابِتَةُ، يُقَالُ مِنْهُ: "أَرْسَيْتُ الْوَتَدَ فِي الْأَرْضِ ": إِذَا أَثْبَتُّهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: بِـهِ خَـالِدَاتٌ مَـا يَـرِمْنَ وهَـامِدٌ *** وَأشْـعَثُ أرْسَـتْهُ الْوَلِيـدَةُ بِـالْفِهْرِ يَعْنِي: أَثْبَتَتْهُ. وَقَوْلُهُ: (وَأَنْهَارًا) يَقُولُ: وَجَعَلَ فِي الْأَرْضِ أَنْهَارًا مِنْ مَاءٍ. وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} فَـ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ {وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} مِنْ صِلَةُ (جَعَلَ) الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَجَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ. وَعَنَى بـِ {زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}: مِنْ كُلِّ ذَكَرٍ اثْنَانِ، وَمَنْ كُلِّ أُنْثَى اثْنَانِ، فَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ، مِنَ الذُّكُورِ اثْنَانِ، وَمِنَ الْإِنَاثِ اثْنَتَانِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الِاثْنَيْنِ: (زَوْجَيْنِ)، وَالْوَاحِدَ مِنَ الذُّكُورِ "زَوْجًا "لِأُنْثَاهُ، وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى الْوَاحِدَةُ "زَوْجًا" وَ"زَوْجَةً " لِذَكَرِهَا، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَيَزِيدُ ذَلِكَ إِيضَاحًا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 45] فَسَمَّى الِاثْنَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (زَوْجَيْنِ). وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: {زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}، نَوْعَيْنِ وَضَرْبَيْنِ. وَقَوْلُهُ: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ}، يَقُولُ: يُجَلِّلُ اللَّيْلُ النَّهَارَ فَيُلْبِسَهُ ظُلْمَتَهُ، وَالنَّهَارُ اللَّيْلَ بِضِيَائِهِ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} أَيْ: يُلْبِسُ اللَّيْلَ النَّهَارَ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِيمَا وَصَفْتُ وَذَكَرْتُ مِنْ عَجَائِبِ خَلْقِ اللَّهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ الَّتِي خَلَقَ بِهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، لَدَلَالَاتٍ وَحُجَجًا وَعِظَاتٍ، لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا، فَيَسْتَدِلُّونَ وَيَعْتَبِرُونَ بِهَا، فَيَعْلَمُونَ أَنَّالْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ وَلَا تَجُوزُ إِلَّا لِمَنْ خَلَقَهَا وَدَبَّرَهَادُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَقْدِرُ عَلَى ضُرٍّ وَلَا نَفْعٍ وَلَا لِشَيْءٍ غَيْرِهَا، إِلَّا لِمَنْ أَنْشَأَ ذَلِكَ فَأَحْدَثَهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي أَبْدَعَ بِهَا ذَلِكَ، هِيَ الْقُدْرَةُ الَّتِي لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِحْيَاءُ مَنْ هَلَكَ مِنْ خَلْقِهِ، وَإِعَادَةُ مَا فَنِيَ مِنْهُ وَابْتِدَاعُ مَا شَاءَ ابْتِدَاعَهُ بِهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ {وَفِي الْأَرْضِ قَطْعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ}، وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مِنْهَا مُتَقَارِبَاتٌ مُتَدَانِيَاتٌ، يَقْرُبُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ بِالْجِوَارِ، وَتَخْتَلِفُ بِالتَّفَاضُلِ مَعَ تَجَاوُرِهَا وَقُرْبِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، فَمِنْهَا قِطْعَةٌ سَبَخَةٌ لَا تُنْبِتُ شَيْئًا فِي جِوَارِ قِطْعَةٍ طَيِّبَةٍ تُنْبِتُ وَتَنْفَعُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} قَالَ: السَّبَخَةُ وَالْعَذْيَةُ، وَالْمَالِحُ وَالطَّيِّبُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} قَالَ: سِبَاخٌ وعَذْوَيَّةٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} قَالَ: الْعَذْيَةُ وَالسَّبَخَةُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} يَعْنِي: الْأَرْضَ السَّبَخَةَ، وَالْأَرْضَ الْعَذْيَةَ، يَكُونَانِ جَمِيعًا مُتَجَاوِرَاتٍ، يُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} الْعَذْيَةُ وَالسَّبَخَةُ، مُتَجَاوِرَاتٌ جَمِيعًا، تُنْبِتُ هَذِهِ، وَهَذِهِ إِلَى جَنْبِهَا لَا تُنْبِتُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} طَيِّبُهَا: عَذْبُهَا، وَخَبِيثُهَا: السَّبَاخُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} قُرًى قَرُبَتْ مُتَجَاوِرَاتٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} قَالَ: قُرًى مُتَجَاوِرَاتٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْكُوفِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: {قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} قَالَ: الْأَرْضُ السَّبَخَةُ، تَلِيهَا الْأَرْضُ الْعَذْيَةُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَفِي الْأَرْضِ قَطْعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} يَعْنِي الْأَرْضَ السَّبَخَةَ وَالْأَرْضَ الْعَذْيَةَ، مُتَجَاوِرَاتٌ بَعْضُهَا عِنْدَ بَعْضٍ. حَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} قَالَ: الْأَرْضُ تُنْبِتُ حُلْوًا، وَالْأَرْضُ تُنْبِتُ حَامِضًا، وَهِيَ مُتَجَاوِرَةٌ تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} قَالَ: يَكُونُ هَذَا حُلْوًا وَهَذَا حَامِضًا، وَهُوَ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُنَّ مُتَجَاوِرَاتٌ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ يَحْيَى الرَّمْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ فِي قَوْلِهِ: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} قَالَ: عَذْيَةٌ وَمَالِحَةٌ. وَقَوْلُهُ: {وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍيُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَفِي الْأَرْضِ مَعَ الْقِطَعِ الْمُخْتَلِفَاتِ الْمَعَانِي مِنْهَا، بِالْمُلُوحَةِ وَالْعُذُوبَةِ، وَالْخَبِثِ وَالطَّيِّبِ، مَعَ تَجَاوُرِهَا وَتَقَارُبِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، بَسَاتِينٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ أَيْضًا، مُتَقَارِبَةٌ فِي الْخِلْقَةِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الطَّعُومِ وَالْأَلْوَانِ، مَعَ اجْتِمَاعِ جَمِيعِهَا عَلَى شُرْبٍ وَاحِدٍ. فَمِنْ طَيِّبٍ طَعْمُهُ مِنْهَا حَسَنٍ مَنْظَرُهُ طَيِّبَةٍ رَائِحَتُهُ، وَمِنْ حَامِضٍ طَعْمُهُ وَلَا رَائِحَةَ لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} قَالَ: مُجْتَمِعٌ وَغَيْرُ مُجْتَمِعٍ "تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ "، قَالَ: الْأَرْضُ الْوَاحِدَةُ يَكُونُ فِيهَا الْخَوْخُ وَالْكُمَّثْرَى وَالْعِنَبُ الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ، وَبَعْضُهَا أَكْثَرُ حِمْلًا مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضُهُ حُلْوٌ، وَبَعْضُهُ حَامِضٌ، وَبَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: (وَجَنَّاتٌ) قَالَ: وَمَا مَعَهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْمُثَنَّى، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: {وَزَرْعٍ وَنَخِيلٍ} بِالْخَفْضِ عَطْفًا بِذَلِكَ عَلَى "الْأَعْنَابِ "، بِمَعْنَى: وَفِي الْأَرْضِ قَطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ، وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَمِنْ زَرْعٍ وَنَخِيلٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} بِالرَّفْعِ عَطْفًا بِذَلِكَ عَلَى "الْجَنَّاتِ "، بِمَعْنَى: وَفِي الْأَرْضِ قَطْعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ، وَفِيهَا أَيْضًا زَرْعٌ وَنَخِيلٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارَبَتَا الْمَعْنَى، وَقَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَرَأَةٌ مَشْهُورُونَ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَذَلِكَ أَنَّ "الزَّرْعَ وَالنَّخِيلَ "إِذَا كَانَا فِي الْبَسَاتِينِ فَهُمَا فِي الْأَرْضِ، وَإِذَا كَانَا فِي الْأَرْضِ فَالْأَرْضُ الَّتِي هُمَا فِيهَا جَنَّةٌ، فَسَوَاءٌ وُصِفَا بِأَنَّهُمَا فِي بُسْتَانٍ أَوْ فِي أَرْضٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}. فَإِنَّ "الصِّنْوَانِ: "جَمْعُ "صِنْوٍ "، وَهِيَ النَّخَلَاتُ يَجْمَعُهُنَّ أَصْلٌ وَاحِدٌ، لَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ جَمِيعِهِ وَاثْنَيْهِ إِلَّا بِالْإِعْرَابِ فِي النُّونِ، وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ نُونُهُ فِي اثْنَيْهِ مَكْسُورَةً بِكُلِّ حَالٍ، وَفِي جَمِيعِهِ مُتَصَرِّفَةً فِي وُجُوهِ الْإِعْرَابِ، وَنَظِيرُهُ "الْقِنْوَانُ ": وَاحِدُهَا "قِنْوٌ ". وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ: (صِنْوَانٌ) قَالَ: الْمُجْتَمَعُ {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: الْمُتَفَرِّقُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: (صِنْوَانٌ): هِيَ النَّخْلَةُ الَّتِي إِلَى جَنْبِهَا نَخَلَاتٌ إِلَى أَصْلِهَا، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: النَّخْلَةُ وَحْدَهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} قَالَ: "الصِّنْوَانُ ": النَّخْلَتَانِ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} النَّخْلَةُ وَالنَّخْلَتَانِ الْمُتَفَرِّقَتَانِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: النَّخْلَةُ تَكُونُ لَهَا النَّخَلَاتُ {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} النَّخْلُ الْمُتَفَرِّقُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ، وَيَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ وَعَفَّانُ، وَاللَّفْظُ لَفْظُ أَبِي قَطَنٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، فِي قَوْلِهِ: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} قَالَ: "الصِّنْوَانُ ": النَّخْلَةُ إِلَى جَنْبِهَا النَّخَلَاتُ {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: الْمُتَفَرِّقُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ فِي قَوْلِهِ: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} قَالَ: "الصِّنْوَانُ "، النَّخَلَاتُ الثَّلَاثُ وَالْأَرْبَعُ وَالثُّنَّتَانِ أَصْلُهُنَّ وَاحِدٌ {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}، الْمُتَفَرِّقُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ فِي قَوْلِهِ: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} قَالَ: النَّخْلَتَانِ يَكُونُ أَصْلُهُمَا وَاحِدًا {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: الْمُتَفَرِّقُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {صِنْوَانٌ} يَقُولُ: مُجْتَمَعٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} يَعْنِي بِالصِّنْوَانِ: النَّخْلَةَ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا النَّخَلَاتُ، فَيَحْمِلُ بَعْضَهُ وَلَا يَحْمِلُ بَعْضَهُ، فَيَكُونُ أَصْلُهُ وَاحِدًا وَرُءُوسُهُ مُتَفَرِّقَةً. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} النَّخِيلُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ: النَّخِيلُ الْمُتَفَرِّقُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} قَالَ: مُجْتَمِعٌ، وَغَيْرُ مُجْتَمِعٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: "الصِّنْوَانُ ": مَا كَانَ أَصْلُهُ وَاحِدًا وَهُوَ مُتَفَرِّقٌ {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: الَّذِي نَبَتَ وَحْدَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: (صِنْوَانٌ) النَّخْلَتَانِ وَأَكْثَرُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} وَحْدَهَا. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (صِنْوَانٌ): النَّخْلَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} وَاحِدَةً. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} قَالَ: الصِّنْوَانُ: الْمُجْتَمَعُ أَصْلُهُ وَاحِدٌ، وَغَيْرُ صِنْوَانٍ: الْمُتَفَرِّقُ أَصْلُهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} قَالَ: "الصِّنْوَانِ ": الْمُجْتَمَعُ الَّذِي أَصْلُهُ وَاحِدٌ {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: الْمُتَفَرِّقُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} أَمَّا "الصِّنْوَانُ ": فَالنَّخْلَتَانِ وَالثَّلَاثُ أُصُولُهُنَّ وَاحِدَةٌ وَفُرُوعُهُنَّ شَتَّى، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}، النَّخْلَةُ الْوَاحِدَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} قَالَ: صِنْوَانٌ: النَّخْلَةُ الَّتِي يَكُونُ فِي أَصْلِهَا نَخْلَتَانِ وَثَلَاثٌ أَصْلُهُنَّ وَاحِدٌ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} قَالَ: "الصِّنْوَانُ ": النَّخْلَتَانِ أَوِ الثَّلَاثُ يَكُنَّ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ، فَذَلِكَ يُعِدُّهُ النَّاسُ صِنْوَانًا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ: «أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَبَيْنَ الْعَبَّاسِ قَوْلٌ، فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ الْعَبَّاسُ، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَرَ عَبَّاسًا فَعَلَ بِي وَفَعَلَ! فَأَرَدْتُ أَنْ أُجِيبَهُ، فَذَكَرْتُ مَكَانَهُ مِنْكَ فَكَفَفْتُ: فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيه». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: (صِنْوَانٌ): النَّخْلَةُ الَّتِي يَكُونُ فِي أَصْلِهَا نَخْلَتَانِ وَثَلَاثٌ أَصْلُهُنَّ وَاحِدٌ؛ قَالَ: «فَكَانَ بَيْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَبَيْنَ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَوْلٌ، فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ الْعَبَّاسُ، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَمْ تَرَ عَبَّاسًا فَعَلَ بِي وَفَعَلَ! فَأَرَدْتُ أَنْ أُجِيبَهُ. فَذَكَرْتُ مَكَانَهُ مِنْكَ فَكَفَفْتُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيه». قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ شَابُورَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُؤْذُونِي فِي الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ بَقِيَّةُ آبَائِي، وَإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيه». حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، وَابْنِ أَبِي مَلِيكَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ لِعُمَرَ: يَا عُمَرُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟ ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (صِنْوَانٌ) قَالَ: فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ ثَلَاثُ نَخَلَاتٍ، كَمَثَلِ ثَلَاثَةٍ بَنِي أُمٍّ وَأَبٍ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْعَمَلِ، كَمَا يَتَفَاضَلُ ثَمَرُ هَذِهِ النَّخَلَاتِ الثَّلَاثِ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: كَمَثَلِ صَالِحِ بَنَى آدَمَ وَخَبِيثِهِمْ، أَبُوهُمْ وَاحِدٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِقُلُوبِ بَنِي آدَمَ. كَانَتِ الْأَرْضُ فِي يَدِ الرَّحْمَنِ طِينَةً وَاحِدَةً، فَسَطَحَهَا وَبَطَحَهَا، فَصَارَتِ الْأَرْضُ قِطَعًا مُتَجَاوِرَةً، فَيَنْـزِلُ عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنَ السَّمَاءِ، فَتُخْرِجُ هَذِهِ زَهْرَتَهَا وَثَمَرَهَا وَشَجَرَهَا. وَتُخْرِجُ نَبَاتَهَا وَتُحْيِي مُوَاتَهَا، وَتُخْرِجُ هَذِهِ سَبَخَهَا وَمَلْحَهَا وخَبَثَهَا، وَكِلْتَاهُمَا تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ. فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مَالِحًا، قِيلَ: إِنَّمَا اسْتُسْبِخَتْ هَذِهِ مِنْ قِبَلِ الْمَاءِ! كَذَلِكَ النَّاسُ خُلِقُوا مِنْ آدَمَ، فَتَنْـزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ تَذْكِرَةٌ، فَتَرِقُّ قُلُوبٌ فَتَخْشَعُ وَتَخْضَعُ، وَتَقْسُو قُلُوبٌ فَتَلْهُو وَتَسْهُو وَتَجْفُو. قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ مَا جَالَسَ الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ قَالَ اللَّهُ: {وَنُنَـزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 82]. وَقَوْلُهُ: {تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قَوْلِهِ (تُسْقَى). فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (تُسْقَى) " بِالتَّاءِ، بِمَعْنَى: تُسْقَى الْجَنَّاتُ وَالزَّرْعُ وَالنَّخِيلُ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّمَا قِيلَ: (تُسْقَى)، بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ "الْأَعْنَابِ ". وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ: (يُسْقَى) بِالْيَاءِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَذْكِيرِهِ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ خَبَرٌ عَنِ الْجَنَّاتِ وَالْأَعْنَابِ وَالنَّخِيلِ وَالزَّرْعِ أَنَّهَا تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ، فَذَلِكَ عَلَى "الْأَعْنَابِ " كَمَا ذَكَّرَ الْأَنْعَامَ فِي قَوْلِهِ: {مِمَّا فِي بُطُونِهِ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 66] وَأَنَّثَ بَعْدُ فَقَالَ: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}، [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 22، سُورَةُ غَافِرٍ: 80]. فَمَنْ قَالَ: (يُسْقَى) بِالْيَاءِ جَعَلَ "الْأَعْنَابَ " مِمَّا تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، مِثْلَ "الْأَنْعَامِ ". وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مَنْ قَالَ وَ(تُسْقَى) ذَهَبَ إِلَى تَأْنِيثِ "الزَّرْعِ وَالْجَنَّاتِ وَالنَّخِيلِ "، وَمَنْ ذَكَّرَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَأُكُلُهُ مُخْتَلِفٌ حَامِضٌ وَحُلْوٌ، فَفِي هَذَا آيَةٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ: {تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: تُسْقَى الْجَنَّاتُ وَالنَّخْلُ وَالزَّرْعُ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، لِمَجِيءِ (تُسْقَى) بَعْدَ مَا قَدْ جَرَى ذِكْرُهَا، وَهِيَ جِمَاعٌ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ، وَلَيْسَ الْوَجْهُ الْآخَرُ بِمُمْتَنِعٍ عَلَى مَعْنَى يُسْقَى ذَلِكَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ: أَيْ جَمِيعُ ذَلِكَ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ عَذْبٍ دُونَ الْمَالِحِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} مَاءِ السَّمَاءِ، كَمَثَلِ صَالِحِ بَنِي آدَمَ وَخَبِيثِهِمْ أَبُوهُمْ وَاحِدٌ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} قَالَ: مَاءُ السَّمَاءِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْكُوفِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} قَالَ: مَاءُ الْمَطَرِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَرَأَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} قَالَ: مَاءُ السَّمَاءِ، كَمَثَلِ صَالِحِ بَنِي آدَمَ وَخَبِيثِهِمْ أَبُوهُمْ وَاحِدٌ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ يَحْيَى الرَّمْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ: {تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} قَالَ: بِمَاءِ السَّمَاءِ. وَقَوْلُهُ: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (وَنُفَضِّلُ)، بِالنُّونِ بِمَعْنَى: وَنُفَضِّلُ نَحْنُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ: (وَيُفَضِّلُ) بِالْيَاءِ، رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ) وَيُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. غَيْرَ أَنَّ "الْيَاءَ " أَعْجَبُهُمَا إِلَيَّ فِي الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ كَلَامٍ ابْتِدَاؤُهُ {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ}، فَقِرَاءَتُهُ بِالْيَاءِ، إِذْ كَانَ كَذَلِكَ أُولَى. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ الْجَنَّاتِ مِنَ الْأَعْنَابِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخِيلِ الصِّنْوَانِ وَغَيْرِ الصِّنْوَانِ، تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ عَذْبٍ لَا مِلْحٍ، وَيُخَالِفُ اللَّهَ بَيْنَ طَعُومِ ذَلِكَ، فَيُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الطَّعْمِ، فَهَذَا حُلْوٌ وَهَذَا حَامِضٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} قَالَ: الْفَارِسِيُّ وَالدَّقَلُ، وَالْحُلْوُ وَالْحَامِضُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} قَالَ: الْأَرْضُ الْوَاحِدَةُ يَكُونُ فِيهَا الْخَوْخُ وَالْكُمَّثْرَى وَالْعِنَبُ الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ، وَبَعْضُهَا أَكْثَرُ حِمْلًا مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضُهُ حُلْوٌ وَبَعْضُهُ حَامِضٌ، وَبَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} قَالَ: بَرْنِيٌّ وَكَذَا وَكَذَا، وَهَذَا بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} قَالَ: هَذَا حَامِضٌ، وَهَذَا حُلْوٌ، وَهَذَا مُزٌّ. حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أُخْتِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} قَالَ: الدَّقَلُ وَالْفَارِسِيُّ وَالْحُلْوُ وَالْحَامِض». حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أَنِيسَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} قَالَ: الدَّقَلُ وَالْفَارِسِيُّ وَالْحُلْوُ وَالْحَامِض». وَقَوْلُهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي مُخَالَفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ هَذَا الْقِطْعِ [مِنَ] الْأَرْضِ الْمُتَجَاوِرَاتِ وَثِمَارِ جَنَّاتِهَا وَزُرُوعِهَا عَلَى مَا وَصَفْنَا وَبَيَّنَّا، لَدَلِيلًا وَاضِحًا وَعِبْرَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ اخْتِلَافَ ذَلِكَ، أَنَّ الَّذِي خَالَفَ بَيْنَهُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ الَّذِي خَالَفَ بَيْنَهُ، هُوَ الْمُخَالِفُ بَيْنَ خَلْقِهِ فِيمَا قَسَمَ لَهُمْ مِنْ هِدَايَةٍ وَضَلَالٍ وَتَوْفِيقٍ وَخِذْلَانٍ، فَوَفَّقَ هَذَا وَخَذَلَ هَذَا، وَهَدَى ذَا وَأَضَلَّ ذَا، وَلَوْ شَاءَ لَسَوَّى بَيْنَ جَمِيعِهِمْ، كَمَا لَوْ شَاءَ سَوَّى بَيْنَ جَمِيعِ أُكُلِ ثِمَارِ الْجَنَّةِ الَّتِي تَشْرَبُ شُرْبًا وَاحِدًا، وَتُسْقَى سَقْيًا [وَاحِدًا]، وَهِيَ مُتَفَاضِلَةٌ فِي الْأُكُلِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍأُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَإِنْ تَعْجَبْ} يَا مُحَمَّدُ، مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُتَّخِذِينَ مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِي فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا} وَبَلِينَا فَعُدِمْنَا {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} إِنَّا لَمُجَدَّدٌ إِنْشَاؤُنَا وَإِعَادَتُنَا خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا كُنَّا قَبْلَ وَفَاتِنَا!! تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ، وَجُحُودًا لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ} إِنْ عَجِبْتَ يَا مُحَمَّدُ، {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}، عَجِبَ الرَّحْمَنُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} قَالَ: إِنْ تَعْجَبْ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ، وَهُمْ قَدْ رَأَوْا مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وَمَا ضَرَبَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْثَالِ، فَأَرَاهُمْ مِنْ حَيَاةِ الْمَوْتَى فِي الْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ، إِنْ تَعْجَبْ مِنْ هَذِهِ فَتَعَجَّبَ مِنْ قَوْلِهِمْ: {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}، أَوَ لَا يَرَوْنَ أَنَا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ نُطْفَةٍ؟ فَالْخَلْقُ مِنْ نُطْفَةٍ أَشَدُ أَمِ الْخَلْقُ مِنْ تُرَابٍ وَعِظَامٍ؟. وَاخْتَلَفَ فِي وَجْهِ تَكْرِيرِ الِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}، بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ: {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا}، أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: الْأَوَّلُ ظَرْفٌ، وَالْآخَرُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ، كَمَا تَقُولُ: أَيَوْمَ الْجُمُعَةِ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ؟ قَالَ: وَمِنْ أَوْقَعَ اسْتِفْهَامًا آخَرَ عَلَى قَوْلِهِ: {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا}، جَعَلَهُ ظَرْفًا لِشَيْءٍ مَذْكُورٍ قَبْلَهُ، كَأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ: "تُبْعَثُونَ "، فَقَالُوا: {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا}؟ ثُمَّ جَعَلَ هَذَا اسْتِفْهَامًا آخَرَ. قَالَ: وَهَذَا بَعِيدٌ. قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ لَمْ تَجْعَلْ فِي قَوْلِكَ: (أَئِذَا) اسْتِفْهَامًا، وَجَعَلْتَ الِاسْتِفْهَامَ فِي اللَّفْظِ عَلَى (أَئِنَا)، كَأَنَّكَ قُلْتَ: أَيَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَبْدُ اللَّهِ مُنْطَلِقٌ؟ وَأَضْمَرْتَ نَفْيَهُ. فَهَذَا مَوْضِعُ مَا ابْتَدَأْتَ فِيهِ بـِ (أَئِذَا)، وَلَيْسَ بِكَثِيرٍ فِي الْكَلَامِ لَوْ قُلْتَ: "الْيَوْمَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مُنْطَلِقٌ "، لَمْ يَحْسُنْ، وَهُوَ جَائِزٌ، وَقَدْ قَالَتِ الْعَرَبُ: "مَا عَلِمْتَ إِنَّهُ لَصَالِحٌ، تُرِيدُ: إِنَّهُ لَصَالِحٌ مَا عَلِمْتَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: (أَئِذَا) جَزَاءٌ وَلَيْسَتْ بِوَقْتٍ، وَمَا بَعْدَهَا جَوَابٌ لَهَا، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الثَّانِي اسْتِفْهَامٌ، وَالْمَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: "أَإِنْ تَقُمْ يَقُومُ زَيْدٌ، وَيَقُمْ؟ "، مَنْ جَزَمَ فَلِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ جَوَابِ الْجَزَاءِ، وَمَنْ رَفَعَ فَلِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَهُ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: حَـلَفْتُ لَـهُ إِنْ تُـدْلِجِ الْلَّيْـلَ لَا يَـزَلْ *** أَمَـامَكَ بَيْـتٌ مِـنْ بُيُـوتِيَ سَـائِرُ فَجَزْمَ جَوَابَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ جَوَابِ الْجَزَاءِ، وَالْوَجْهُ الرَّفْعُ. قَالَ: فَهَكَذَا هَذِهِ الْآيَةُ. قَالَ: وَمَنْ أَدْخَلَ الِاسْتِفْهَامَ ثَانِيَةً، فَلِأَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَتَرَكَ الْجَزَاءَ الْأَوَّلَ. وَقَوْلُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ وَجَحَدُوا الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، وَقَالُوا: {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} هَمُالَّذِينَ جَحَدُوا قُدْرَةَ رَبِّهِمْ وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ، وَهُمُ الَّذِينَ فِي أَعْنَاقِهِمُ الْأَغْلَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَأُولَئِكَ (أَصْحَابُ النَّارِ)، يَقُولُ: هُمْ سُكَّانُ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (هَمْ فِيهَا خَالِدُونَ) يَقُولُ: هُمْ فِيهَا مَاكِثُونَ أَبَدًا، لَا يَمُوتُونَ فِيهَا، وَلَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُوَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} يَا مُحَمَّدُ، مُشْرِكُو قَوْمِكَ بِالْبَلَاءِ وَالْعُقُوبَةِ قَبْلَ الرَّخَاءِ وَالْعَافِيَةِ، فَيَقُولُونَ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 32] وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا حَلَّ بِمَنْ خَلَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي عَصَتْ رَبَّهَا وَكَذَّبَتْ رُسُلَهَا مِنْ عُقُوبَاتِ اللَّهِ وَعَظِيمِ بَلَائِهِ، فَمِنْ بَيْنِ أُمَّةٍ مُسِخَتْ قِرَدَةً وَأُخْرَى خَنَازِيرَ، وَمِنْ بَيْنِ أُمَّةٍ أُهْلِكَتْ بِالرَّجْفَةِ، وَأُخْرَى بِالْخَسْفِ، وَذَلِكَ هُوَ (الْمُثُلَاتُ) الَّتِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ}. وَ (الْمَثُلَاتُ)، الْعُقُوبَاتُ الْمُنَكِّلَاتُ، وَالْوَاحِدَةُ مِنْهَا: "مَثُلَةٌ "بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الثَّاءِ، ثُمَّ تُجْمَعُ "مَثُلَاتٍ "، كَمَا وَاحِدَةِ "الصَّدُقَات" "صَدُقَةٌ "، ثُمَّ تُجْمَعُ "صَدُقَاتٍ ". وَذَكَرَ أَنَّ تَمِيمًا مِنْ بَيْنِ الْعَرَبِ تَضُمُّ الْمِيمَ وَالثَّاءَ جَمِيعًا مِنَ "الْمُثُلَاتِ "، فَالْوَاحِدَة عَلَى لُغَتِهِمْ مِنْهَا: "مُثْلَةٌ "، ثُمَّ تُجْمَعُ "مُثُلَاتٍ "، مِثْلَ "غُرْفَةٍ "وَغُرُفَاتٍ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ: "مَثَلْتُ بِهِ أَمْثُلُ مَثْلًا " بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَسْكِينِ الثَّاءِ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنَّكَ أَقْصَصْتَهُ مِنْ غَيْرِهِ، قُلْتَ: "أَمْثَلْتُهُ مِنْ صَاحِبِهِ أُمْثِلُهُ إِمْثَالًا وَذَلِكَ إِذَا أَقْصَصْتَهُ مِنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ}، وَقَائِعُ اللَّهِ فِي الْأُمَمِ فِيمَنْ خَلَا قَبْلَكُمْ وَقَوْلُهُ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ}، وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ اسْتَعْجَلُوا بِالشَّرِّ قَبْلَ الْخَيْرِ، وَقَالُوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 32]. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} قَالَ: بِالْعُقُوبَةِ قَبْلَ الْعَافِيَةِ {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} قَالَ: الْعُقُوبَاتُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: (الْمَثُلَاتُ) قَالَ: الْأَمْثَالُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى: قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} قَالَ: (الْمَثُلَاتُ)، الَّذِي مَثَلَ اللَّهُ بِهِ الْأُمَمَ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي عَذَّبَهُمْ، تَوَلَّتِ الْمَثُلَاتُ مِنَ الْعَذَابِ، قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَعَرَفُوا ذَلِكَ، وَانْتَهَى إِلَيْهِمْ مَا مَثَلَ اللَّهُ بِهِمْ حِينَ عَصَوْهُ وَعَصَوَا رُسُلَهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلِيمٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ}، قَالَ: الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ هِيَ الْمَثُلَاتُ. وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَذُو سَتْرٍ عَلَى ذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْ ذُنُوبِهِ مِنَ النَّاسِ، فَتَارِكٌ فَضِيحَتَهُ بِهَا فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، وَصَافِحٌ لَهُ عَنْ عِقَابِهِ عَلَيْهَا عَاجِلًا وَآجِلًا (عَلَى ظُلْمِهِمْ)، يَقُولُ: عَلَى فِعْلِهِمْ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْنِي لَهُمْ بِفِعْلِهِ {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ}، لِمَنْ هَلَكَ مُصِرًّا عَلَى مَعَاصِيهِ فِي الْقِيَامَةِ، إِنْ لَمْ يُعَجِّلْ لَهُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، أَوْ يَجْمَعُهُمَا لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْكَلَامُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ ظَاهِرَ خَبَرٍ، فَإِنَّهُ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ وَتَهْدِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنْ هُمْ لَمْ يُنِيبُوا وَيَتُوبُوا مَنْ كَفْرِهُمْ قَبْلَ حُلُولِ نِقْمَةِ اللَّهِ بِهِمْ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ}، يَقُولُ: وَلَكِنَّ رَبَّكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا} يَا مُحَمَّدُ، مِنْ قَوْمِكَ {لَوْلَا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} هَلَّا أُنْـزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ؟ يَعْنُونَ عَلَامَةً وَحُجَّةً لَهُ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: {لَوْلَا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ كَنـْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} [سُورَةُ هُودٍ: 12] يَقُولُ اللَّهُ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} لَهُمْ، تُنْذِرُهُمْ بَأْسَ اللَّهِ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ عَلَى شِرْكِهِمْ. {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}. يَقُولُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ إِمَامٌ يَأْتَمُّونَ بِهِ وَهَادٍ يَتَقَدَّمُهُمْ، فَيَهْدِيهِمْ إِمَّا إِلَى خَيْرٍ وَإِمَّا إِلَى شَرٍّ. وَأَصْلُهُ مِنْ "هَادِي الْفَرَسِ "، وَهُوَ عُنُقُهُ الَّذِي يَهْدِي سَائِرَ جَسَدِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْمَعْنِيِّ بِالْهَادِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} هَذَا قَوْلُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ قَالَ اللَّهُ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} لِكُلِّ قَوْمٍ دَاعٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. عَنْ سُفْيَانَ. عَنِ السُّدِّيِّ. عَنْ عِكْرِمَةَ وَمَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَا مُحَمَّدٌ هُوَ "الْمُنْذِرُ " وَهُوَ "الْهَادِ ". حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بـِ "الْهَادِي " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: اللَّهَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَ: مُحَمَّدٌ "الْمُنْذِرُ "، وَاللَّهُ "الْهَادِي ". حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَ مُحَمَّدٌ "الْمُنْذِرُ "، وَاللَّهُ "الْهَادِي ". حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} قَالَ: أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ مُنْذِرٌ، وَاللَّهُ "الْهَادِي ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، قَالَ: "الْمُنْذِرُ "، النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَ: اللَّهُ هَادِي كُلِّ قَوْمٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} يَقُولُ: أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ مُنْذِرٌ، وَأَنَا هَادِي كُلِ قَوْمٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، "الْمُنْذِرُ ": مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَ "الهَادِي ": اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ آخَرُونَ: "الْهَادِي " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنَاهُ نَبِيٌّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "الْمُنْذِرُ " مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَ: نَبِيٌّ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَ: نَبِيٌّ. قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، قَالَ: لِكُلِّ قَوْمٍ نَبِيٌّ، وَالْمُنْذِرُ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَ: نَبِيٌّ. قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} يَعْنِي: لِكُلِّ قَوْمٍ نَبِيٌّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَ: نَبِيٌّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَ: نَبِيٌّ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَ: لِكُلِّ قَوْمِ نَبِيٌّ. "الْهَادِي "، النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَ "المُنْذِرُ " أَيْضًا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَرَأَ: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}.، [سُورَةُ فَاطِرٍ: 24]، وَقَالَ: {نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 56] قَالَ: نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ، بَلْ عَنَى بِهِ: وَلِكُلِّ قَوْمٍ قَائِدٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، قَالَ: إِنَّمَا أَنْتَ، يَا مُحَمَّدُ، مُنْذِرٌ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ قَادَةٌ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ أَوْ: سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَ: لِكُلِّ قَوْمٍ قَادَةٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَ: "الْهَادِي ": الْقَائِدُ، وَالْقَائِدُ: الْإِمَامُ، وَالْإِمَامُ: الْعَمَلُ. حَدَّثَنِي الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ رَافِعٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قَالَ: قَائِدٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُسْلِمٍ، بَيَّاعٌ الْهَرَوِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا نـَزَلَتْ {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، وَضَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ فَقَالَ: أَنَا الْمُنْذِرُ {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَنْكِبِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: أَنْتَ الْهَادِي يَا عَلِيُّ، بِكَ يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ بَعْدِي». وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: لِكُلِّ قَوْمٍ دَاعٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، قَالَ: دَاعٍ. وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى "الْهِدَايَةِ "، وَأَنَّهُ الْإِمَامُ الْمُتَّبَعُ الَّذِي يَقْدُمُ الْقَوْمَ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي يَهْدِي خَلْقَهُ وَيَتَّبِعُ خَلْقُهُ هُدَاهُ وَيَأْتَمُّونَ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَبِيُّ اللَّهِ الَّذِي تَأْتَمُّ بِهِ أُمَّتُهُ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا مِنَ الْأَئِمَّةِ يُؤْتَمُّ بِهِ، وَيَتَّبِعُ مِنْهَاجَهُ وَطَرِيقَتَهُ أَصْحَابُهُ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ دَاعِيًا مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا قَوْلَ أَوْلَى فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مِنْ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ مُحَمَّدًا هُوَ الْمُنْذِرُ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ بِالْإِنْذَارِ، وَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادِيًا يَهْدِيهِمْ فَيَتَّبِعُونَهُ وَيَأْتَمُّونَ بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُوَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} مُنْكِرِينَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى إِعَادَتِهِمْ خَلْقًا جَدِيدًا بَعْدَ فَنَائِهِمْ وَبَلَائِهِمْ، وَلَا يُنْكِرُونَ قُدْرَتَهُ عَلَى ابْتِدَائِهِمْ وَتَصْوِيرِهُمْ فِي الْأَرْحَامِ، وَتَدْبِيرِهِمْ وَتَصْرِيفِهِمْ فِيهَا حَالًا بَعْدَ حَالٍ فَابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَنْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا وَصَفْتُ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ}، يَقُولُ: وَمَا تَنْقُصُ الْأَرْحَامُ مِنْ حَمْلِهَا فِي الْأَشْهُرِ التِّسْعَةِ بِإِرْسَالِهَا دَمَ الْحَيْضِ (وَمَا تَزْدَادُ) فِي حَمْلِهَا عَلَى الْأَشْهُرِ التِّسْعَةِ لِتَمَامِ مَا نَقَصَ مِنَ الْحَمْلِ فِي الْأَشْهُرِ التِّسْعَةِ بِإِرْسَالِهَا دَمَ الْحَيْضِ {وَكُلُّ شَيٍّ عِنْدَهِ بِمِقْدَارٍ} لَا يُجَاوِزُ شَيْءٌ مِنْ قَدَرِهِ عَنْ تَقْدِيرِهِ، وَلَا يُقَصِّرُ أَمْرٌ أَرَادَهُ فَدَبَّرَهُ عَنْ تَدْبِيرِهِ، كَمَا لَا يَزْدَادُ حَمْلُ أُنْثَى عَلَى مَا قُدِّرَ لَهُ مِنَ الْحَمْلِ، وَلَا يُقَصِّرُ عَمَّا حُدَّ لَهُ مِنَ الْقَدْرِ. وَ "الْمِقْدَارُ "، مِفْعَالٌ مِنَ "الْقَدْرِ ". وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مَاهَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ}، قَالَ: مَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ يَوْمٍ دَمًا عَلَى حَمْلِهَا زَادَ فِي الْحَمْلِ يَوْمًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ}، يَعْنِي السِّقْطَ {وَمَا تَزْدَادُ}، يَقُولُ: مَا زَادَتِ الرَّحِمُ فِي الْحَمْلِ عَلَى مَا غَاضَتْ حَتَّى وَلَدَتْهُ تَمَامًا. وَذَلِكَ أَنَّ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ تَحْمِلُ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ، وَمِنْهُنَّ مَنْ تَحْمِلُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَمِنْهُنَّ مَنْ تَزِيدُ فِي الْحَمْلِ، وَمِنْهُنَّ مَنْ تَنْقُصُ. فَذَلِكَ الْغَيْضُ وَالزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ قَالَ: حَدَّثَنَا خُصَيْفٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} قَالَ: غَيْضُهَا، دُونَ التِّسْعَةِ وَالزِّيَادَةُ فَوْقَ التِّسْعَةِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: "الْغَيْضُ "مَا رَأَتِ الْحَامِلُ مِنَ الدَّمِ فِي حَمْلِهَا فَهُوَ نُقْصَانٌ مِنَ الْوَلَدِ، وَ "الزِّيَادَة" مَا زَادَ عَلَى التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ تَمَامٌ لِلنُّقْصَانِ وَهُوَ زِيَادَةٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} قَالَ: مَا تَرَى مِنَ الدَّمِ، وَمَا تَزْدَادُ عَلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: (يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ)، قَالَ: مَا زَادَ عَلَى التِّسْعَةِ الْأَشْهُرِ {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ}، قَالَ: الدَّمُ تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي حَمْلِهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} قَالَ: الْغَيْضُ: الْحَامِلُ تَرَى الدَّمَ فِي حَمْلِهَا فَهُوَ "الْغَيْضُ "، وَهُوَ نُقْصَانٌ مِنَ الْوَلَدِ. وَمَا زَادَ عَلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ تَمَامٌ لِذَلِكَ النُّقْصَانِ، وَهِيَ الزِّيَادَةُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} قَالَ: إِذَا رَأَتْ دُونَ التِّسْعَةِ، زَادَ عَلَى التِّسْعَةِ مِثْلُ أَيَّامِ الْحَيْضِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} قَالَ: خُرُوجُ الدَّمِ {وَمَا تَزْدَادُ} قَالَ: اسْتِمْسَاكُ الدَّمِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} إِرَاقَةُ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَخِسَّ الْوَلَدُ (وَمَا تَزْدَادُ) قَالَ: إِنْ لَمْ تُهْرِقِ الْمَرْأَةُ تَمَّ الْوَلَدُ وَعَظُمَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} قَالَ: الْمَرْأَةُ تَرَى الدَّمَ، وَتَحْمِلُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ}، قَالَ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَرَى الدَّمَ فِي حَمْلِهَا. قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} إِهْرَاقُ الدَّمِ حَتَّى يَخِسَّ الْوَلَدُ وَ"تَزْدَادُ " إِنْ لَمْ تُهْرِقِ الْمَرْأَةُ تَمَّ الْوَلَدُ وَعَظُمَ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِقْلٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: امْرَأَتِي رَأَتْ دَمًا، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ حَامِلًا! قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَكَذَا هُوَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ مُجَاهِدٌ: ذَاكَ غَيْضُ الْأَرْحَامِ: (يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)، الْوَلَدُ لَا يَزَالُ يَقَعُ فِي النُّقْصَانِ مَا رَأَتِ الدَّمَ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَقَعَ فِي الزِّيَادَةِ، فَلَا يَزَالُ حَتَّى يَتِمَّ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}. قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ}، قَالَ: "الْغَيْضُ ": الْحَامِلُ تَرَى الدَّمَ فِي حَمْلِهَا، وَهُوَ "الْغَيْضُ " وَهُوَ نُقْصَانٌ مِنَ الْوَلَدِ. فَمَا زَادَتْ عَلَى التِّسْعَةِ الْأَشْهُرِ فَهِيَ الزِّيَادَةُ، وَهُوَ تَمَامٌ لِلْوِلَادَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ}، قَالَ: كُلَّمَا غَاضَتْ بِالدَّمِ، زَادَ ذَلِكَ فِي الْحَمْلِ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَّبَادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} قَالَ: غِيضُ الرَّحِمِ: الدَّمُ عَلَى الْحَمْلِ كُلَّمَا غَاضَ الرَّحِمُ مِنَ الدَّمِ يَوْمًا زَادَ فِي الْحَمْلِ يَوْمًا حَتَّى تَسْتَكْمِلَ وَهِيَ طَاهِرَةٌ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَّبَادٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ}، قَالَ: هُوَالْحَيْضُ عَلَى الْحَمْلِ(وَمَا تَزْدَادُ) قَالَ: فَلَهَا بِكُلِّ يَوْمٍ حَاضَتْ عَلَى حَمْلِهَا يَوْمٌ تَزْدَادُهُ فِي طُهْرِهَا حَتَّى تَسْتَكْمِلَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ طَاهِرًا. قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} قَالَ: مَا رَأَتِ الدَّمَ فِي حَمْلِهَا زَادَ فِي حَمْلِهَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} مَا "تَغِيضُ ": أَقَلُّ مِنْ تِسْعَةٍ وَمَا تَزْدَادُ: أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: قَدْ يُولَدُ الْمَوْلُودُ لِسَنَتَيْنِ. قَدْ كَانَ الضَّحَّاكُ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ، وَ "الغَيْضُ ": مَا دُونُ التِّسْعَةِ (وَمَا تَزْدَادُ) فَوْقَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} قَالَ: دُونَ التِّسْعَةِ، وَمَا تَزْدَادُ: قَالَ: فَوْقَ التِّسْعَةِ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: وُلِدْتُ لِسَنَتَيْنِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ: أَنَّ أُمَّهُ حَمَلَتْهُ سَنَتَيْنِ. قَالَ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} قَالَ: مَا تَنْقُصُ مِنَ التِّسْعَةِ (وَمَا تَزْدَادُ) قَالَ: مَا فَوْقَ التِّسْعَةِ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ؛ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ}، قَالَ: كُلُّ أُنْثَى مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ وَمَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَا "الْغَيْضُ " مَا دُونَ التِّسْعَةِ الْأَشْهُرِ. قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْجَمِيلَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: لَا يَكُونُ الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، قَدْرَ مَا يَتَحَوَّلُ ظِلُّ مِغْزَلٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} قَالَ: هُوَ الْحَمْلُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَمَا دُونَ التِّسْعَةِ (وَمَا تَزْدَادُ) قَالَ: عَلَى التِّسْعَةِ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} قَالَ: حَيْضُ الْمَرْأَةِ عَلَى وَلَدِهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ}. قَالَ: "الْغَيْضُ "، السَّقْطُ (وَمَا تَزْدَادُ)، فَوْقَ التِّسْعَةِ الْأَشْهُرِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إِذَارَأَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ عَلَى الْحَمْلِ، فَهُوَ "الْغَيْضُ " لِلْوَلَدِ. يَقُولُ: نُقْصَانٌ فِي غِذَاءِ الْوَلَدِ، وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْحَمْلِ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: "الْغَيْضُوضَةُ "، أَنْ تَضَعَ الْمَرْأَةُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لِمَا دُونَ الْحَدِّ قَالَ قَتَادَةُ: وَأَمَّا الزِّيَادَةُ، فَمَا زَادَ عَلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: غَيْضُ الرَّحِمِ: أَنْ تَرَى الدَّمَ عَلَى حَمْلِهَا. فَكُلُّ شَيْءٍ رَأَتْ فِيهِ الدَّمَ عَلَى حَمْلِهَا، ازْدَادَتْ عَلَى حَمْلِهَا مِثْلَ ذَلِكَ. عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِذَا رَأَتِ الْحَامِلُ الدَّمَ كَانَ أَعْظَمَ لِلْوَلَدِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ}، "الْغَيْضُ ": النُّقْصَانُ مِنَ الْأَجَلِ، "وَالزِّيَادَةُ ": مَا زَادَ عَلَى الْأَجَلِ. وَذَلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَلِدْنَ لِعِدَّةٍ وَاحِدَةٍ، يُولَدُ الْمَوْلُودُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَعِيشُ، وَيُولَدُ لِسَنَتَيْنِ فَيَعِيشُ، وَفِيمَا بَيْنُ ذَلِكَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: وُلِدَتْ لِسَنَتَيْنِ، وَقَدْ نَبَتَتْ ثَنَايَايَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} قَالَ: غَيْضُ الْأَرْحَامِ: الْإِهْرَاقَةُ الَّتِي تَأْخُذُ النِّسَاءَ عَلَى الْحَمْلِ، وَإِذَا جَاءَتْ تِلْكَ الْإِهْرَاقَةُ لَمْ يُعْتَدْ بِهَا مِنَ الْحَمْلِ، وَنَقْصَ ذَلِكَ حَمْلَهَا حَتَّى يَرْتَفِعَ ذَلِكَ. وَإِذَا ارْتَفَعَ اسْتَقْبَلَتْ عِدَّةً مُسْتَقْبِلَةً تِسْعَةَ أَشْهُرٍ. وَأَمَّا مَا دَامَتْ تَرَى الدَّمَ، فَإِنَّ الْأَرْحَامَ تَغِيضُ وَتَنْقُصُ، وَالْوَلَدُ يَرِقُّ. فَإِذَا ارْتَفَعَ ذَلِكَ الدَّمُ رَبَا الْوَلَدُ وَاعْتَدَّتْ حِينَ يَرْتَفِعُ عَنْهَا ذَلِكَ الدَّمُ عِدَّةَ الْحَمْلِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَمَا كَانَ قَبْلَهُ فَلَا تَعْتَدُّ بِهِ، هُوَ هِرَاقَةٌ، يُبْطِلُ ذَلِكَ أَجْمَعَ أَكْتَعَ. وَقَوْلُهُ: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} إِي وَاللَّهِ، لَقَدْ حَفِظَ عَلَيْهِمْ رَزَقَهُمْ وَآجَالَهُمْ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا مَعْلُومًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ عَالِمُ مَا غَابَ عَنْكُمْ وَعَنْ أَبْصَارِكُمْ فَلَمْ تَرَوْهُ، وَمَا شَاهَدْتُمُوهُ، فَعَايَنْتُمْ بِأَبْصَارِكُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ خَلْقُهُ وَتَدْبِيرُهُ "الْكَبِيرُ الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ دُونَهُ "، "الْمُتَعَالُ " الْمُسْتَعْلِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِقُدْرَتِهِ. وَهُوَ "الْمُتَفَاعِلُ "مِنَ "الْعُلُوِّ "، مِثْلُ "الْمُتَقَارِب" مِنَ الْقُرْبِ وَ "المُتَدَانِي " مِنَ الدُّنُوِّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مُعْتَدِلٌ عِنْدَ اللَّهِ مِنْكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، الَّذِي أَسَرَّ الْقَوْلَ، وَالَّذِي جَهَرَ بِهِ، وَالَّذِي هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ فِي ظُلْمَتِهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ "وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ "، يَقُولُ: وَظَاهِرٌ بِالنَّهَارِ فِي ضَوْئِهِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. سَوَاءٌ عِنْدَهُ سِرُّ خَلْقِهِ وَعَلَانِيَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَسِرُّ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَلَا يَخْفَى. يُقَالُ مِنْهُ: "سَرَبَ يَسْرُبُ سُرُوبًا " إِذَا ظَهَرَ، كَمَا قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخُطَيْمِ: أَنَّـى سَـرَيْتِ وَكُـنْتِ غَـيْرَ سَـرُوبِ *** وَتُقَـرِّبُ الْأَحْـلامُ غَـيْرَ قَـرِيبِ يَقُولُ: كَيْفَ سَرَيْتِ بِاللَّيْلِ [عَلَى] بُعْدِ هَذَا الطَّرِيقِ، وَلَمْ تَكُونِي تَبْرُزِينَ وَتَظْهَرِينَ؟ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ السَّالِكُ فِي سَرْبِهِ: أَيْ فِي مَذْهَبِهِ وَمَكَانِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي "السِّرْبِ ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: "هُوَ آمِنٌ فِي سَرْبِهِ "، بِفَتْحِ السِّينِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: "هُوَ آمِنٌ فِي سِرْبِهِ " بِكَسْرِ السِّينِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِوَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}، يَقُولُ: هُوَ صَاحِبُ رِيبَةٍ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ. وَإِذَا خَرَجَ بِالنَّهَارِ أَرَى النَّاسَ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْإِثْمِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}، ظَاهِرٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِهِمْ، سَوَاءٌ مَنَ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ، وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} قَالَ: مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ فِي بَيْتِهِ {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}، ذَاهِبٌ عَلَى وَجْهِهِ. عِلْمُهُ فِيهِمْ وَاحِدٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ}، يَقُولُ: السِّرُّ وَالْجَهْرُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} أَمَّا "الْمُسْتَخْفِي " فَفِي بَيْتِهِ، وَأَمَّا "السَّارِبُ ": الْخَارِجُ بِالنَّهَارِ حَيْثُمَا كَانَ. الْمُسْتَخْفِي غَيْبَهُ الَّذِي يَغِيبُ فِيهِ وَالْخَارِجُ، عِنْدَهُ سَوَاءٌ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، فِي قَوْلِهِ: {مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} قَالَ: رَاكِبٌ رَأْسَهُ فِي الْمَعَاصِي {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} قَالَ: ظَاهِرٌ بِالنَّهَارِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَوَاءٌ، السِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ قَوْلُهُ: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}، أَيْ: فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَ"سَارِبٌ ": أَيْ: ظَاهِرٌ بِالنَّهَارِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ: {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} قَالَ: ظَاهِرٌ بِالنَّهَارِ. وَ "مَنْ " فِي قَوْلِهِ: {مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} رَفْعُ الْأَوْلَى مِنْهُنَّ بِقَوْلِهِ: "سَوَاءٌ ". وَالثَّانِيَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْأُولَى، وَالثَّالِثَةُ عَلَى الثَّانِيَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرهُ مُعَقِّبَاتٌ قَالُوا: "الْهَاءُ "فِي قَوْلِهِ: "لَه" مَنْ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ. وَ "الْمُعَقِّبَاتُ "الَّتِي تَعْتَقِبُ عَلَى الْعَبْدِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ إِذَا صَعِدَتْ بِالنَّهَارِ أَعْقَبَتْهَا مَلَائِكَةُ النَّهَارِ، فَإِذَا انْقَضَى النَّهَارُ صَعِدَتْ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ ثُمَّ أَعْقَبَتْهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ. وَقَالُوا: قِيلَ "مُعَقِّبَاتٌ "، وَ "المَلَائِكَةُ ": جَمْعُ "مَلَك" مُذَكَّرٌ غَيْرُ مُؤَنَّثٍ، وَوَاحِدُ "الْمَلَائِكَةِ ""مُعَقِّبٌ "، وَجَمَاعَتُهَا "مُعَقِّبَةٌ "، ثُمَّ جَمَعَ جَمْعَهُ أَعْنِي جَمْعَ "مُعَقِّب" بَعْدَ مَا جُمِعَ "مُعَقِّبَةً " وَقِيلَ "مُعَقِّبَاتٍ "، كَمَا قِيلَ: "سَادَاتُ سَعْدٍ "، "وَرِجَالَاتُ بَنِي فُلَانٍ "، جَمْعُ "رِجَالٍ ". وَقَوْلُهُ: {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}، يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ}، مِنْ قُدَّامِ هَذَا الْمُسْتَخْفِي بِاللَّيْلِ وَالسَّارِبِ بِالنَّهَارِ {وَمِنْ خَلْفِهِ}، مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، يَعْنِي ابْنَ زَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} قَالَ: الْمَلَائِكَةُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْقُشَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ كِنَانَةَ الْعَدَوِيِّ قَالَ: «دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْعَبْدِ كَمْ مَعَهُ مِنْ مَلَكٍ؟ قَالَ: مَلَكٌ عَلَى يَمِينِكَ عَلَى حَسَنَاتِكَ، وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ، فَإِذَا عَمِلْتَ حَسَنَةً كُتِبَتْ عَشْرًا، وَإِذَا عَمِلَتْ سَيِّئَةً قَالَ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ لِلَّذِي عَلَى الْيَمِينِ: اكْتُبْ! قَالَ: لَا لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ! فَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا قَالَ: نَعَمِ اكْتُبْ أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْهُ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ، مَا أَقَلَّ مُرَاقَبَتَهُ لِلَّهِ، وَأَقَلَّ اسْتِحْيَاءَهُ مِنَّا! يَقُولُ اللَّهُ: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، [سُورَةُ ق: 18]، وَمَلَكَانِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ، يَقُولُ اللَّهُ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، وَمَلَكٌ قَابِضٌ عَلَى نَاصِيَتِكَ، فَإِذَا تَوَاضَعْتَ لِلَّهِ رَفَعَكَ، وَإِذَا تَجَبَّرْتَ عَلَى اللَّهِ قَصَمَكَ، وَمَلَكَانِ عَلَى شَفَتَيْكَ لَيْسَ يَحْفَظَانِ عَلَيْكَ إِلَّا الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَمَلَكٌ قَائِمٌ عَلَى فِيكَ لَا يَدَعُ الْحَيَّةَ تَدْخُلُ فِي فِيكَ، وَمَلَكَانِ عَلَى عَيْنَيْكَ. فَهَؤُلَاءِ عَشَرَةُ أَمْلَاكٍ عَلَى كُلِّ آدَمِيٍّ، يَنـْزِلُونَ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ عَلَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، [لِأَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ سِوَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ] فَهَؤُلَاءِ عِشْرُونَ مَلَكًا عَلَى كُلِّ آدَمِيٍّ، وَإِبْلِيسُ بِالنَّهَارِ وَوَلَدُهُ بِاللَّيْل». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} الْمَلَائِكَةُ {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ}، قَالَ: مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ حَفَظَةٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، فَالْمُعَقِّبَاتُ هُنَّ مِنَّ أَمْرِ اللَّهِ، وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} قَالَ: مَلَائِكَةٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمَنْ خَلْفِهِ، فَإِذَا جَاءَ قَدَرُهُ خَلَّوْا عَنْهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّوْا عَنْهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: الْحَفَظَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، قَالَ: مَلَائِكَةٌ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} قَالَ: مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ، يَعْقُبُونَ مَلَائِكَةَ النَّهَارِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} هَذِهِ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَذَكَرَ لَنَا أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي قِرَاءَةِ أُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَرَقِيبٌ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ}، قَالَ: مَلَائِكَةٌ يَتَعَاقَبُونَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} قَالَ: الْمَلَائِكَةُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: "مُعَقِّبَاتٌ "، قَالَ: الْمَلَائِكَةُ تَعَاقَبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَبَلَغَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَجْتَمِعُونَ فِيكُمْ عِنْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْح» وَقَوْلُهُ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مِثْلُ قَوْلِهِ: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}، [سُورَةُ ق: 17]. قَالَ: الْحَسَنَاتُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَالسَّيِّئَاتُ مِنْ خَلْفِهِ، الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَالَّذِي عَنْ شِمَالِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ. حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا يُحَدِّثُ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا لَهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ يَحْفَظُهُ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْهَوَامِّ، فَمَا مِنْهَا شَيْءٌ يَأْتِيهِ يُرِيدُهُ إِلَّا قَالَ: وَرَاءَكَ! إِلَّا شَيْئًا يَأْذَنُ اللَّهُ فِيهِ فَيُصِيبُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}، قَالَ: يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بـِ "الْمُعَقِّبَاتِ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الْحَرَسَ، الَّذِي يَتَعَاقَبُ عَلَى الْأَمِيرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} قَالَ: ذَلِكَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا لَهُ حَرَسٌ مِنْ دُونِهِ حَرَسٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}، يَعْنِي: وَلِيَّ الشَّيْطَانِ، يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَرَسُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ شَرْقِيٍّ: أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} قَالَ: الْمَوَاكِبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، قَالَ: هُوَ السُّلْطَانُ الْمُحْتَرِسُ مِنَ اللَّهِ، وَهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: "الْهَاءُ "، فِي قَوْلِهِ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} مِنْ ذِكْرِ "مَنِ " الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} "وَأَنَّ الْمُعَقِّبَاتِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ "، هِيَ حَرَسُهُ وَجَلَاوِزَتُهُ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: "ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ "؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} أَقْرَبُ إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} مِنْهُ إِلَى عَالَمِ الْغَيْبِ، فَهِيَ لِقُرْبِهَا مِنْهُ أَوْلَى بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِهِ، وَأَنَّ يَكُونَ الْمَعْنِيَّ بِذَلِكَ هَذَا، مَعَ دَلَالَةِ قَوْلِ اللَّهِ: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} عَلَى أَنَّهُمُ الْمَعْنِيُّونَ بِذَلِكَ. وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَكَرَ قَوْمًا أَهْلَ مَعْصِيَةٍ لَهُ وَأَهْلَ رِيبَةٍ، يَسْتَخْفُونَ بِاللَّيْلِ وَيُظْهِرُونَ بِالنَّهَارِ، وَيَمْتَنِعُونَ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ بِحَرَسٍ يَحْرُسُهُمْ، وَمَنْعَةٍ تَمْنَعُهُمْ مَنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ أَنْ يَحُولُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَأْتُونَ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِذَا أَرَادَ بِهِمْ سُوءًا لَمْ يَنْفَعْهُمْ حَرَسُهُمْ، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ حِفْظُهُمْ. وَقَوْلُهُ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَرْفِ عَلَى نَحْوِ اخْتِلَافِهِمْ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ}. فَمَنْ قَالَ: "الْمُعَقِّبَاتُ " هِيَ الْمَلَائِكَةُ قَالَ: الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ هُمْ أَيْضًا الْمَلَائِكَةُ. وَمِنْ قَالَ: "الْمُعَقِّبَاتُ " هِيَ الْحَرَسُ وَالْجَلَاوِزَةُ مِنْ بَنِي آدَمَ قَالَ: الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ هُمْ أُولَئِكَ الْحَرَسُ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: (مِنْ أَمْرِ اللَّهِ). فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حِفْظُهُمْ إِيَّاهُ مِنْ أَمْرِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} بِأَمْرِ اللَّهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ: (بِأَمْرِ اللَّهِ) إِلَى مَعْنَى أَنَّ حِفْظَهَا إِيَّاهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، يَقُولُ: بِإِذْنِ اللَّهِ، فَالْمُعَقِّبَاتُ: هِيَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، قَالَ: الْمَلَائِكَةُ: الْحَفَظَةُ، وَحِفْظُهُمْ إِيَّاهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنِ ابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، قَالَ: الْحَفَظَةُ هُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ}، رُقَبَاءٌ {وَمِنْ خَلْفِهِ} مِنْ أَمْرِ اللَّهِ {يَحْفَظُونَهُ}. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْجَارُودِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ}، رَقِيبٌ {وَمِنْ خَلْفِهِ}. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، قَالَ: الْمَلَائِكَةُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، قَالَ: الْمَلَائِكَةُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} قَالَ: الْحَفَظَةُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ: يَحْفَظُونَهُ بِأَمْرِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}: أَيْ بِأَمْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ (بِأَمْرِ اللَّهِ). حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} قَالَ: مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ حَفَظَةٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: تَحْفَظُهُ الْحَرَسُ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} يَعْنِي: وَلِيَّ الشَّيْطَانِ، يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَرَسُ يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمَنْ خَلْفِهِ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِي، فَإِنِّي إِذَا أَرَدْتُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ. حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ الضُّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ شَرْقِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} قَالَ: الْجَلَاوِزَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَ"أَمْرُ اللَّهِ " الْجِنُّ، وَمَنْ يَبْغِي أَذَاهُ وَمَكْرُوهَهُ قَبْلَ مَجِيءِ قَضَاءِ اللَّهِ، فَإِذَا جَاءَ قَضَاؤُهُ خَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ الضُّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} قَالَ: مِنَ الْجِنِّ. حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا يُحَدِّثُ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا لَهُ مَلِكٌ مُوَكَّلٌ يَحْفَظُهُ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْهَوَامِّ، فَمَا مِنْهُمْ شَيْءٌ يَأْتِيهِ يُرِيدُهُ إِلَّا قَالَ: وَرَاءَكَ إِلَّا شَيْئًا يَأْذَنُ اللَّهُ فَيُصِيبُهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: لَوْ تَجَلَّى لِابْنِ آدَمَ كُلُّ سَهْلٍ وَحَزَنٍ لَرَأَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيَاطِينَ. لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِكُمْ مَلَائِكَةً يَذُبُّونَ عَنْكُمْ فِي مَطْعَمِكُمْ وَمَشْرَبِكُمْ وَعَوْرَاتِكُمْ إذًا لَتُخُطِّفْتُمْ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ أَبِي مُجْلَزٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ مُرَادٍ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَ: احْتَرِسْ، فَإِنَّ نَاسًا مِنْ مُرَادٍ يُرِيدُونَ قَتْلَكَ! فَقَالَ: إِنَّ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مَلَكَيْنِ يَحْفَظَانِهِ مِمَّا لَمْ يُقَدَّرْ، فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّيَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَإِنَّ الْأَجَلَ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَمَعَهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ يَذُودُ عَنْهُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لِلَّذِي قُدِّرَ لَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: يَحْفَظُونَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، قَالَ: يَحْفَظُونَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي ابْنُ جُرَيْجٍ بِقَوْلِهِ: "يَحْفَظُونَ عَلَيْهِ "، الْمَلَائِكَةَ الْمُوَكَّلَةَ بِابْنِ آدَمَ، بِحِفْظِ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ، وَهِيَ "الْمُعَقِّبَاتُ " عِنْدَنَا، تَحْفَظُ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)، أَنَّ الْحَفَظَةَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، أَوْ تَحْفَظُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ "الْهَاءُ "الَّتِي فِي قَوْلِهِ: (يَحْفَظُونَهُ) وُحِّدَتْ وَذُكِّرَتْ وَهِيَ مُرَادٌ بِهَا الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْ ذِكْرِ "مَن" الَّذِي هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ وَأَنْ يَكُونَ "الْمُسْتَخْفِي بِاللَّيْلِ " أُقِيمَ ذِكْرُهُ مَقَامَ الْخَبَرِ عَنْ سَيِّئَاتِهِ وَحَسَنَاتِهِ، كَمَا قِيلَ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}، [سُورَةُ يُوسُفَ: 82]. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ خِلَافَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا:- حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} قَالَ: أَتَى عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَأَرْبَدُ بْنُ رَبِيعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَامِرٌ: مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ أَنَا اتَّبَعْتُكَ؟ قَالَ: أَنْتَ فَارِسٌ، أُعْطِيكَ أَعِنَّةَ الْخَيْلِ. قَالَ: لَا. قَالَ: "فَمَا تَبْغِي؟ قَالَ: لِيَ الشَّرْقُ وَلَكَ الْغَرْبُ. قَالَ: لَا. قَالَ: فَلِي الْوَبَرُ وَلَكَ الْمَدَرُ. قَالَ: لَا. قَالَ: لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ إذًا خَيْلًا وَرِجَالًا. قَالَ: يَمْنَعُكَ اللَّهُ ذَاكَ وَابْنَا قَيْلَةَ يُرِيدُ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ. قَالَ: فَخَرَجَا، فَقَالَ عَامِرٌ لِأَرْبَدَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَنَا لَمُمْكِنًا لَوْ قَتَلْنَاهُ مَا انْتَطَحَتْ فِيهِ عَنْـزَانِ، وَلَرَضُوا بِأَنْ نَعْقِلَهُ لَهُمْ وَأَحَبُّوا السِّلْمَ وَكَرِهُوا الْحَرْبَ إِذَا رَأَوْا أَمْرًا قَدْ وَقَعَ. فَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ شِئْتَ، فَتَشَاوَرَا، وَقَالَ: ارْجِعْ وَأَنَا أَشْغَلُهُ عَنْكَ بِالْمُجَادَلَةِ، وَكُنْ وَرَاءَهُ فَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً. فَكَانَا كَذَلِكَ: وَاحِدٌ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْآخَرُ قَالَ: اقْصُصْ عَلَيْنَا قَصَصَكَ. قَالَ: مَا تَقَوُلُ؟ قَالَ: قُرْآنَكَ! فَجَعَلَ يُجَادِلُهُ وَيَسْتَبْطِئُهُ، حَتَّى قَالَ: مَالَكَ حُشِمْتَ؟ قَالَ: وَضَعْتُ يَدَيْ عَلَى قَائِمِ سَيْفِي [فَيَبِسَتْ]، فَمَا قَدَرْتُ عَلَى أَنْ أُحْلِيَ وَلَا أُمِرُّ وَلَا أُحَرِّكُهَا. قَالَ: فَخَرَجَا، فَلَمَّا كَانَا بِالْحَرَّةِ، سَمِعَ بِذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَخَرَجَا إِلَيْهِمَا، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَأْمَتُهُ، وَرُمْحُهُ بِيَدِهِ، وَهُوَ مُتَقَلِّدُ سَيْفَهُ. فَقَالَا لِعَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ: يَا أَعْوَرُ [حِسًّا] يَا أَبْلَخُ، أَنْتَ الَّذِي يَشْرُطُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ لَوْلَا أَنَّكَ فِي أَمَانٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رِمْتَ الْمَنـْزِلَ حَتَّى نَضْرِبَ عُنُقَكَ، وَلَكِنْ [لَا نَسْتَعِينُ]. وَكَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ عَلَيْهِ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيرِ، [ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ]؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ أَبُوهُ حَيًا لَمْ يَفْعَلْ بِي هَذَا! ثُمَّ قَالَ لِأَرْبَدَ: اخْرُجْ أَنْتَ يَا أَرْبَدُ إِلَى نَاحِيَةِ عَدَنَةَ، وَأَخْرُجُ أَنَا إِلَى نَجْدٍ، فَنَجْمَعُ الرِّجَالَ فَنَلْتَقِي عَلَيْهِ. فَخَرَجَ أَرْبَدُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّقَمِ، بَعَثَ اللَّهُ سَحَابَةً مِنَ الصَّيْفِ فِيهَا صَاعِقَةٌ! فَأَحْرَقَتْهُ. قَالَ: وَخَرَجَ عَامِرٌ حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الْجَرِيرُ، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الطَّاعُونَ، فَجَعَلَ يَصِيحُ: يَا آلَ عَامِرٍ، أَغُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبِكْرِ تَقْتُلُنِي! يَا آلَ عَامِرٍ، أَغُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبِكْرِ تَقْتُلُنِي، وَمَوْتٌ أَيْضًا فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةَ! وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ قِيسٍ. فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: (يَحْفَظُونَهُ) تِلْكَ الْمُعَقِّبَاتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَقِّبَاتٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، تِلْكَ الْمُعَقِّبَاتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. وَقَالَ لِهَذَيْنَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: {يُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} الْآيَةَ، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}. قَالَ وَقَالَ لَبِيدٌ فِي أَخِيهِ أَرْبَدَ، وَهُوَ يَبْكِيهِ: أَخْشَـى عَلَى أَرْبَـدَ الْحُـتُوفَ وَلَا *** أَرْهَـبُ نَـوْءَ السِّـمَاكِ وَالْأَسَـدِ فَجَّـعَنِي الرَّعْـدُ وَالصَّـوَاعِقُ بِـالْ *** فَـارِسِ يَـوْمَ الْكَرِيهَـةِ النَّجُـدِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، قَوْلٌ بَعِيدٌ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ، مَعَ خِلَافِهِ أَقْوَالَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ "الْهَاءَ " فِي قَوْلِهِ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} مِنْ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُجْرِ لَهُ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَا فِي الَّتِي قَبْلَ الْأُخْرَى ذِكْرٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى قَوْلِهِ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ بَعِيدٌ، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْآيَاتِ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَكَوْنُهَا عَائِدَةً عَلَى "مَنِ " الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَهَا وَالْخَبَرُ بَعْدَهَا عَنْهُ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: سَوَاءٌ مِنْكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ، وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِفِسْقِهِ وَرِيبَتِهِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَسَارِبٌ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ مُمْتَنِعًا بِجُنْدِهِ وَحَرَسِهِ الَّذِينَ يَتَعَقَّبُونَهُ مِنْ أَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ أَنْ يَحُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْ يُقِيمُوا حَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ}، مِنْ عَافِيَةٍ وَنِعْمَةٍ، فَيُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَيُهْلِكُهُمْ {حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} مِنْ ذَلِكَ بِظُلْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَاعْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَتَحِلَّ بِهِمْ حِينَئِذٍ عُقُوبَتُهُ وَتَغْيِيرُهُ. وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} يَقُولُ: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَخْفُونَ بِاللَّيْلِ وَيَسْرُبُونَ بِالنَّهَارِ، لَهُمْ جُنْدٌ وَمَنَعَةٌ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ، يَحْفَظُونَهُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ هَلَاكًا وَخِزْيًا فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، {فَلَا مَرَدَّ لَهُ} يَقُولُ: فَلَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّ ذَلِكَ عَنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} يَقُولُ: وَمَا لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَ "الهَاءُ وَالْمِيمُ "فِي "لَهُم" مِنْ ذِكْرِ الْقَوْمِ الَّذِينَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا}. مِنْ دُونِ اللَّهِ (مِنْ وَالٍ) يَعْنِي: مِنْ وَالٍ يَلِيهِمْ وَيَلِي أَمْرَهُمْ وَعُقُوبَتُهُمْ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُ: "السُّوءُ ": الْهَلَكَةُ، وَيَقُولُ: كُلُّ جُذَامٍ وَبِرَصٍ وَعَمًى وَبَلَاءٍ عَظِيمٍ فَهُوَ "سُوءٌ " مَضْمُومٌ الْأَوَّلَ، وَإِذَا فُتِحَ أَوَّلُهُ فَهُوَ مَصْدَرٌ: "سُؤْتُ "، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: "رَجُلُ سَوْءٍ ". وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} وَمَنْ هُوَ ظَاهِرٌ بِاللَّيْلِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: "خَفَيْتُ الشَّيْءَ ": إِذَا أَظْهَرْتُهُ، وَكَمَا قَالَ أَمُرُؤ الْقَيْسِ: فَـإِنْ تَكْتُمُـوا الـدَّاءَ لَا نَخْفِـهِ *** وَإِنْ تَبْعَثُـوا الْحَـرْبَ لَا نَقْعُـدِ وَقَالَ: وَقَدْ قُرِئَ {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [سُورَةُ طَهَ: 15] بِمَعْنَى: أُظْهِرُهَا. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}، "السَّارِبُ ": هُوَ الْمُتَوَارِي، كَأَنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى أَنَّهُ صَارَ فِي السَّرَبِ بِالنَّهَارِ مُسْتَخْفِيًا. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: إِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ}، أَيّ مُسْتَتِرٍ بِاللَّيْلِ مِنَ الِاسْتِخْفَاءِ {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}: وَذَاهِبٌ بِالنَّهَارِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: "سَرَبَتِ الْإِبِلُ إِلَى الرَّعْيِ، وَذَلِكَ ذَهَابُهَا إِلَى الْمَرَاعِي وَخُرُوجُهَا إِلَيْهَا. وَقِيلَ: إِنَّ "السُّرُوبَ "بِالْعَشِيِّ، وَ "السُّرُوح" بِالْغَدَاةِ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي تَأْنِيثِ "مُعَقِّبَاتٌ "، وَهِيَ صِفَةٌ لِغَيْرِ الْإِنَاثِ. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: إِنَّمَا أُنِّثَتْ لِكَثْرَةِ ذَلِكَ مِنْهَا، نَحْوَ: "نَسَّابَةٌ "، وَ"عَلَّامَةٌ "، ثُمَّ ذُكِّرَ لِأَنَّ الْمَعْنِيَّ مُذَكَّرٌ، فَقَالَ: "يَحْفَظُونَهُ ". وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِنَّمَا هِيَ "مَلَائِكَةٌ مُعَقِّبَةٌ "، ثُمَّ جُمِعَتْ "مُعَقِّبَاتٌ "، فَهُوَ جَمْعُ جَمْعٍ، ثُمَّ قِيلَ: "يَحْفَظُونَهُ "؛ لِأَنَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُنَا فِي مَعْنَى: "الْمُسْتَخْفِي بِاللَّيْلِ وَالسَّارِبِ بِالنَّهَارِ ". وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ فِي ذَلِكَ، فَقَوْلٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَجْهٌ، خِلَافٌ لِقَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَحَسْبُهُ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى فَسَادِهِ، خُرُوجُهُ عَنْ قَوْلِ جَمِيعِهِمْ. وَأَمَّا "الْمُعَقِّبَاتُ "، فَإِنَّ "التَّعْقِيبَ " فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، الْعُودُ بَعْدَ الْبَدْءِ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الشَّيْءِ بَعْدَ الِانْصِرَافِ عَنْهُ، مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ}، أَيْ: لَمْ يَرْجِعْ، وَكَمَا قَالَ سَلَامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ: وَكَرُّنـَا الْخَـيْلَ فِي آثَـارِهِمْ رُجُعًـا *** كُـسَّ السَّـنَابِكِ مِـنْ بَـدْءٍ وَتَعْقِيـبِ يَعْنِي: فِي غَزْوٍ ثَانٍ عَقَّبُوا، وَكَمَا قَالَ طَرَفَةُ: وَلَقَدْ كُـنْتُ عَلَيْكُـمْ عَاتِبًـا *** فَعَقَبْتُـمْ بِذَنُـوبٍ غَـيْرِ مُـرِّ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: "عَقَبْتُمْ "، رَجَعْتُمْ. وَأَتَاهَا التَّأْنِيثُ عِنْدَنَا، وَهِيَ مِنْ صِفَةِ الْحَرَسِ الَّذِي يَحْرُسُونَ الْمُسْتَخْفِي بِاللَّيْلِ وَالسَّارِبِ بِالنَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ عُنِيَ بِهَا "حَرَسٌ مُعَقِّبَةٌ "، ثُمَّ جُمِعَتِ "الْمُعَقِّبَةُ "فَقِيلَ: "مُعَقِّبَات" فَذَلِكَ جَمْعُ جَمْعِ "الْمُعَقِّبِ "، وَ "المُعَقِّبُ "، وَاحِدُ "الْمُعَقِّبَةِ "، كَمَا قَالَ لَبِيَدٌ: حَـتَّى تَهَجَّـرَ فِي الـرَّوَاحِ وَهَاجَـهُ *** طَلَـبَ الْمُعَقِّـبِ حَقَّـهُ الْمَظْلُـومُ وَ "الْمُعَقِّبَاتُ "، جَمْعُهَا، ثُمَّ قَالَ: "يَحْفَظُونَهُ "، فَرَدَّ الْخَبَرَ إِلَى تَذْكِيرِ الْحَرَسِ وَالْجُنْدِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مَعْنَاهُ: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يَحْفَظُونَهُ، وَلَيْسَ مِنْ أَمْرِهِ [يَحْفَظُونَهُ]، إِنَّمَا هُوَ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ. قَالَ: وَيَكُونُ يَحْفَظُونَهُ ذَلِكَ الْحِفْظَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَبِإِذْنِهِ، كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ: "أَجَبْتُكَ مِنْ دُعَائِكَ إِيَّايَ، وَبِدُعَائِكَ إِيَّايَ ". وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ، مَعْنَى ذَلِكَ: يَحْفَظُونَهُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ، كَمَا قَالُوا: "أَطْعَمَنِي مِنْ جُوعٍ، وَعَنْ جُوعٍ " وَ"كَسَانِي عَنْ عُرْيٍ، وَمِنْ عُرْيٍ ". وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ أَوْلَى الْقَوْلِ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، مِنْ صِفَةِ حَرَسِ هَذَا الْمُسْتَخْفِي بِاللَّيْلِ، وَهِيَ تَحْرُسُهُ ظَنًّا مِنْهَا أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُ أَمْرَ اللَّهِ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ حَرَسَهُ ذَلِكَ لَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا إِذَا جَاءَ أَمْرُهُ، فَقَالَ: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}.
|