الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَمْ تَنْظُرْ يَا مُحَمَّدُ {إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} يَقُولُ: غَيَّرُوا مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ، فَجَعَلُوهَا كُفْرًا بِهِ، وَكَانَ تَبْدِيلُهُمْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا فِي نَبِيِّ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى قُرَيْشٍ، فَأَخْرَجَهُ مِنْهُمْ، وَابْتَعَثَهُ فِيهِمْ رَسُولًا رَحْمَةً لَهُمْ، وَنِعْمَةً مِنْهُ عَلَيْهِمْ، فَكَفَرُوا بِهِ، وَكَذَّبُوهُ، فَبَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِهِ كُفْرًا. وَقَوْلُهُ: {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} يَقُولُ: وَأَنْـزَلُوا قَوْمَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ دَارَ الْبَوَارِ، وَهِيَ دَارُ الْهَلَاكِ، يُقَالُ مِنْهُ: بَارَ الشَّيْءُ يَبُورُ بَوْرًا: إِذَا هَلَكَ وَبَطَلَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الزِّبْعَرِيِّ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: يَـا رَسُـولَ الْمَلِيـكِ إِنَّ لِسَـانِي *** رَاتِـقٌ مَـا فَتَقْـتُ إِذْ أَنَـا بُـورُ ثُمَّ تَرْجَمَ عَنْ دَارِ الْبَوَارِ، وَمَا هِيَ؟ فَقِيلَ {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} يَقُولُ: وَبِئْسَ الْمُسْتَقَرُّ هِيَ جَهَنَّمُ لِمَنْ صَلَاهَا. وَقِيلَ: إِنَّالَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا: بَنُو أُمَيَّةَ، وَبَنُو مَخْزُومٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَا ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ} قَالَ: هُمَا الْأَفْجَرَانِ مِنا قُرَيْشٍ: بَنُو الْمُغِيرَةِ، وَبَنُو أُمَيَّةَ، فَأَمَّا بَنُو الْمُغِيرَةِ فَكُفِيتُمُوهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ؛ وَأَمَّا بَنُو أُمَيَّةَ فَمُتِّعُوا إِلَى حِينٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُمْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذِهِ الْآيَةُ {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}؟ قَالَ: هُمُ الْأَفْجَرَانِ مِنا قُرَيْشٍ أَخْوَالِي وَأَعْمَامُكَ، فَأَمَّا أَخْوَالِي فَاسْتَأْصَلَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَمَّا أَعْمَامُكَ فَأَمْلَى اللَّهُ لَهُمْ إِلَى حِينٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو ذِي مُرٍّ، عَنْ عَلِيٍّ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: الْأَفْجَرَانِ مِنا قُرَيْشٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرٍو ذِي مُرٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ وَشَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرٍو ذِي مُرٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَوْلَهُ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: بَنُو الْمُغِيرَةِ وَبَنُو أُمَيَّةَ، فَأَمَّا بَنُو الْمُغِيرَةِ، فَقَطَعَ اللَّهُ دَابِرَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَمَّا بَنُو أُمَيَّةَ فَمُتِّعُوا إِلَى حِينٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرًا ذَا مُرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: الْأَفْجَرَانِ مِنا بَنِي أَسَدٍ وَبَنِي مَخْزُومٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ. يَعْنِي فِي قَوْلِهِ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَسَأَلَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمِيعٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبُطَيْنِ، عَنْ أَبِي أَرْطَأَةَ، عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} قَالَ: هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ، هَكَذَا قَالَ أَبُو السَّائِبِ مُسْلِمٌ الْبُطَيْنُ، عَنْ أَبِي أَرْطَأَةَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سُمَيْعٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} قَالَ: كُفَّارُ قُرَيْشٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ يُحَدِّثُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: كَفَّارُ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: ثنا بَسَّامٌ الصَّيْرَفِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ، ذَكَرَ أَنَّ عَلِيًّا قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: سَلُونِي قَبْلَ أَنْ لَا تَسْأَلُونِي، وَلَنْ تَسْأَلُوا بَعْدِي مِثْلِي، فَقَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ فَقَالَ، مَنِ {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}؟ قَالَ: مُنَافِقُو قُرَيْشٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا بِسَامٌ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ الطَّنَافِسِيَّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَنِ {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}؟ قَالَ: فِي قُرَيْش. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا بَسَّامٌ الصَّيْرَفِيُّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} قَالَ: مُنَافِقُو قُرَيْشٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَفَّانُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنا أَهْلِ بَدْرٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُمْ وَاللَّهِ أَهْلُ مَكَّةَ {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا صَالِحُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبَى إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرًا ذَا مُرٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}. قَالَ: هُمَا الْأَفْجَرَانِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَقَطَعَ اللَّهُ دَابِرَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَمُتِّعُوا إِلَى حِينٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ {بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} قَالَ: كُفَّارُ قُرَيْشٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُفَّارُ قُرَيْشٍ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} كَفَّارُ قُرَيْشٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُمْ وَاللَّهِ {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قُرَيْشٌ. أَوْ قَالَ: أَهْلُ مَكَّةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: قَتْلَى يَوْمِ بَدْرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَا هُمْ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. حَدَّثَنَا أَبُو كَرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: هُمْ وَاللَّهِ أَهْلُ مَكَّةَ. قَالَ: أَبُو كُرَيْبٍ: قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي كُفَّارَهُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنا أَهْلِ بَدْرٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} قَالَ: هُمُ الْأَفْجَرَانِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنا بَنِي مَخْزُومٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ، أَمَّا بَنُو مَخْزُومٍ فَإِنَّ اللَّهَ قَطَعَ دَابِرَهُمْ يَوْمَ بَدْر، وَأَمَّا بَنُو أُمَيَّةَ فَمُتِّعُوا إِلَى حِينٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} قَالَ: هُمُ الْقَادَةُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَا هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ، مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا}... الْآيَةَ، قَالَ: هُمْ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا مِنا قُرَيْشٍ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}... الْآيَةَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُما أَهْلُ مَكَّةَ: أَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ قَتَلَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ اللَّهُ: {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: هُمْ قَادَةُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا}. حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ، بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} فَهُوَ جَبَلَةُ بْنُ الْأَيْهَمِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُ مِنَ الْعَرَبِ فَلَحِقُوا بِالرُّومِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: أَحَلُّوا مَنْ أَطَاعَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: الْهَلَاكُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: أَصْحَابُ بَدْرٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {دَارَ الْبَوَارِ} النَّارُ. قَالَ: وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ وَأَخْبَرَك بِهِ، فَقَالَ {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} هِيَ دَارُهُمْ فِي الْآخِرَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا لِرَبِّهِمْ أَنْدَادًا، وَهِيَ جِمَاعٌ نِدٌّ، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى النِّدِّ، فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ. كَمًّا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} وَالْأَنْدَادُ: الشُّرَكَاءُ. وَقَوْلِهِ {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ (لِيُضِلُّوا) بِمَعْنَى: كَيْ يُضِلُّوا النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِمَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: "لِيَضِلُّوا" بِمَعْنَى: كَيْ يَضِلَّ جَاعِلُو الْأَنْدَادِ لِلَّهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ {قُلْ تَمَتَّعُوا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لَهُمْ: تَمَتَّعُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَعِيدًا مِنَ اللَّهِ لَهُمْ، لَا إِبَاحَةَ لَهُمُ التَّمَتُّعَ بِهَا، وَلَا أَمْرًا عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ، وَلَكِنْ تَوْبِيخًا وَتَهَدُّدًا وَوَعِيدًا، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} يَقُولُ: اسْتَمْتَعُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا سَرِيعَةُ الزَّوَالِ عَنْكُمْ، وَإِلَى النَّارِ تَصِيرُونَ عَنْ قَرِيبٍ، فَتَعْلَمُونَ هُنَالِكَ غِبَّ تَمَتُّعِكُمْ فِي الدُّنْيَا بِمَعَاصِي اللَّهِ وَكُفْرِكُمْ فِيهَا بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُما سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْ) يَا مُحَمَّدُ {لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} بِكَ، وَصَدَّقُوا أَنَّ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي (يُقِيمُوا الصَّلَاةَ) يَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: فَلْيُقِيمُوا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِمْ بِحُدُودِهَا، وَلِيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ، فَخَوَّلْنَاهُمْ مِنْ فَضْلِنَا سِرًّا وَعَلَانِيَةً، فَلْيُؤَدُّوا مَا أَوْجَبْتُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ فِيهَا سِرًّا وَإِعْلَانًا {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ} يَقُولُ: لَا يُقْبَلُ فِيهِ فِدْيَةٌ وَعِوَضٌ مِنْ نَفْسٍ وَجَبَ عَلَيْهَا عِقَابُ اللَّهِ بِمَا كَانَ مِنْهَا مِنْ مَعْصِيَةِ رَبِّهَا فِي الدُّنْيَا، فَيَقْبَلُ مِنْهَا الْفِدْيَةَ، وَتُتْرَكُ فَلَا تُعَاقَبُ. فَسَمَّى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْفِدْيَةَ عِوَضًا، إِذْ كَانَ أَخْذُ عِوَضٍ مِنْ مُعْتَاضٍ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ {وَلَا خِلَالٌ} يَقُولُ: وَلَيْسَ، هُنَاكَ مُخَالَّةُ خَلِيلٍ، فَيَصْفَحُ عَمَّنِ اسْتَوْجَبَ الْعُقُوبَةَ عَنِ الْعِقَابِ لِمُخَالَّتِهِ، بَلْ هُنَالِكَ الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ، فَالْخِلَالُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: خَالَلْتُ فُلَانًا فَأَنَا أَخَالُّهُ مُخَالَّةً وَخِلَالًا وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: صَـرَفْتُ الْهَوَى عَنْهُنَّ مِنْ خَشْيَهِ الرَّدَى *** وَلَسْـتُ بِمَقْـلِيِّ الْخِـلَالِ وَلَا قَـالِي وَجَزْمُ قَوْلِهِ (يُقِيمُوا الصَّلَاةَ) بِتَأْوِيلِ الْجَزَاءِ، وَمَعْنَاهُ: الْأَمْرُ يُرَادُ قُلْ لَهُمْ لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْد اللَّه، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} يَعْنِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ {وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} يَقُولُ: زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا هُشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ} قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ عَلِمَ أَنَّ فِي الدُّنْيَا بُيُوعًا وَخِلَالًا يَتَخَالُّونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا، فَيَنْظُرُ رَجُلٌ مَنْ يُخَالِلْ وَعَلَامَ يُصَاحِبُ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فَلْيُدَاوِمْ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّهَا سَتَنْقَطِعُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّه الَّذِي أَنْشَأَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍأَيُّهَا النَّاسُ، وَأَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ غَيْثًا أَحْيَا بِهِ الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ، فَأَثْمَرَتْ رِزْقًا لَكُمْ تَأْكُلُونَهُ {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ} وَهِيَ السُّفُنُ {لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} لَكُمْ تَرْكَبُونَهَا وَتَحْمِلُونَ فِيهَا أَمْتِعَتَكُمْ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ} مَاؤُهَا شَرَابٌ لَكُمْ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ وَإِخْلَاصَ الطَّاعَةِ لَهُ، مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، لَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ضُرٍّ وَلَا نَفْعٍ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ أَوْثَانِكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ وَآلِهَتِكُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي الزَّعْفَرَانِيَّ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ} قَالَ: بِكُلِّ بَلْدَةٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} وَفَعَلَ الْأَفْعَالَ الَّتِي وَصَفَ {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} يَتَعَاقَبَانِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، لِصَلَاحِ أَنْفُسِكُمْ وَمَعَاشِكُمْ (دَائِبَيْنِ) فِي اخْتِلَافِهِمَا عَلَيْكُمْ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمَا دَائِبَانِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ وَاصِلٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} قَالَ: دُءُوبُهُمَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} يَخْتَلِفَانِ عَلَيْكُمْ بِاعْتِقَابٍ، إِذَا ذَهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا بِمَنَافِعِكُمْ وَصَلَاحِ أَسْبَابِكُمْ، فَهَذَا لَكُمْ لِتَصَرُّفِكُمْ فِيهِ لِمَعَاشِكُمْ، وَهَذَا لَكُمْ لِلسَّكَنِ تَسْكُنُونَ فِيهِ، وَرَحْمَةٌ مِنْهُ بِكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَعْطَاكُمْ مَعَ إِنْعَامِهِ عَلَيْكُمْ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ تَسْخِيرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي سَخَّرَهَا لَكُمْ وَالرِّزْقِ الَّذِي رَزَقَكُمْ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ وَغُرُوسِهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَأَلْتُمُوهُ، وَرَغِبْتُمْ إِلَيْهِ شَيْئًا، وَحَذَفَ الشَّيْءَ الثَّانِي اكْتِفَاءً بِمَا الَّتِي أُضِيفَتْ إِلَيْهَا كُلُّ، وَإِنَّمَا جَازَ حَذْفُهُ، لِأَنَّ مَنْ تُبَعِّضُ مَا بَعْدَهَا، فَكَفَتْ بِدَلَالَتِهَا عَلَى التَّبْعِيضِ مِنَ الْمَفْعُولِ، فَلِذَلِكَ جَازَ حَذْفُهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} يَعْنِي بِهِ: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي زَمَانِهَا شَيْئًا، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا قِيلَ عَلَى التَّكْثِيرِ، نَحْوَ قَوْلِ الْقَائِلِ: فُلَانٌ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَتَاهُ كُلُّ النَّاسِ، وَهُوَ يَعْنِي بَعْضَهُمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}. وَقِيلَ أَيْضًا: إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ سَأَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ، فَقِيلَ {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} أَيْ قَدْ آتَى بَعْضَكُمْ مِنْهُ شَيْئًا، وَآتَى آخَرَ شَيْئًا مِمَّا قَدْ سَأَلَهُ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: مَعْنَاهُ: وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ لَوْ سَأَلْتُمُوهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ سُؤْلِكُمْ، وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ لِلرَّجُلِ، لَمْ يَسْأَلْكَ شَيْئًا: وَاللَّهُ لَأُعْطِيَنَّكَ سُؤْلَكَ مَا بَلَغَتْ مَسْأَلَتُكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ. فَأَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا رَغِبْتُمْ إِلَيْهِ فِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} وَرَغِبْتُمْ إِلَيْهِ فِيهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} قَالَ: مِنْ كُلِّ الَّذِي سَأَلْتُمُوهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ الَّذِي سَأَلْتُمُوهُ وَالَّذِي لَمْ تَسْأَلُوهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا خَلْفٌ، يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ، قَالَ: ثنا مَحْبُوبٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ رُكَانَةَ بْنِ هَاشِمٍ {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} وَقَالَ: مَا سَأَلْتُمُوهُ وَمَا لَمْ تَسْأَلُوهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ " {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} " بِتَنْوِينِ كُلِّ وَتَرْكِ إِضَافَتِهَا إِلَى "مَا" بِمَعْنَى: وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَمْ تَسْأَلُوهُ وَلَمْ تَطْلُبُوهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعِبَادَ لَمْ يَسْأَلُوهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَخَلَقَ ذَلِكَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلُوهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: ثنا بَزِيعٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: " {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} " قَالَ: مَا لَمْ تَسْأَلُوهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: " {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} " وَيُفَسِّرُهُ: أَعْطَاكُمْ أَشْيَاءً مَا سَأَلْتُمُوهَا وَلَمْ تَلْتَمِسُوهَا، وَلَكِنْ أَعْطَيْتُكُمْ بِرَحْمَتِي وَسَعَتِي. قَالَ الضَّحَّاكُ: فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ أَعْطَانَا اللَّهُ مَا سَأَلْنَاهُ وَلَا طَلَبْنَاهُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُبْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} " يَقُولُ: أَعْطَاكُمْ أَشْيَاءً مَا طَلَبْتُمُوهَا وَلَا سَأَلْتُمُوهَا، صَدَقَ اللَّهُ كَمْ مِنْ شَيْءٍ أَعْطَانَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلْنَاهُ إِيَّاهُ وَلَا خَطَرَ لَنَا عَلَى بَالٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: " {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} " قَالَ: لَمْ تَسْأَلُوهُ مِنْ كُلِّ الَّذِي آتَاكُمْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ إِضَافَةُ "كُلٍّ " إِلَى "مَا" بِمَعْنَى: وَآتَاكُمْ مِنْ سُؤْلِكُمْ شَيْئًا. عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا وَرَفْضِهِمُ الْقِرَاءَةَ الْأُخْرَى.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ تَعُدُّوا أَيُّهَا النَّاسُ نِعْمَةَ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ لَا تُطِيقُوا إِحْصَاءَ عَدَدِهَاوَالْقِيَامَ بِشُكْرِهَا إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ لَكُمْ عَلَيْهَا. {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} يَقُولُ: إِنَّالْإِنْسَان الَّذِي بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا لَظَلُومٌ: يَقُولُ: لَشَاكِرٌ غَيْرَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، فَهُوَ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَاضِعٌ الشُّكْرِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْعَمَ وَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِ إِخْلَاصَ الْعِبَادَةِ لَهُ، فَعَبَدَ غَيْرَهُ وَجَعَلَ لَهُ أَنْدَادًا لِيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَذَلِكَ هُوَ ظُلْمُهُ، وَقَوْلُهُ (كَفَّارٌ) يَقُولُ: هُوَ جُحُودُ نِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ لِصَرْفِهِ الْعِبَادَةَ إِلَى غَيْرِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَتَرْكِهِ طَاعَةَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: إِنَّ حَقَّ اللَّهِ أَثْقَلُ مِنْ أَنْ تَقُومَ بِهِ الْعِبَادُ، وَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصِيَهَا الْعِبَادُ، وَلَكِنْ أَصْبَحُوا تَوَّابِينَ وَأَمْسَوْا تَوَّابِينَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَ} اُذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} يَعْنِي الْحَرَمَ، {بَلَدًا آمِنًا} أَهْلُهُ وَسُكَّانُهُ {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} يُقَالُ مِنْهُ: جَنَّبْتُهُ الشَّرَّ فَأَنَا أَجْنُبُهُ جَنْبًا وَجَنَّبْتُهُ الشَّرَّ، فَأَنَا أُجَنِّبُهُ تَجْنِيبًا، وَأَجْنَبْتُهُ ذَلِكَ فَأَنَا أُجَنِّبُهُ إِجْنَابًا، وَمَنْ جَنَبْتُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: وَتَنْفُـضُ مَهْـدَهُ شَـفَقًا عَلَيْـهِ *** وَتَجْنِبُـهُ قَلَائِصُنَـا الصِّعَابَـا وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَبْعِدْنِي وَبَنِيَّ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَالْأَصْنَامُ: جَمْعُ صَنَمٍ، وَالصَّنَمُ: هُوَ التِّمْثَالُ الْمُصَوَّرُ، كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ فِي صِفَةِ امْرَأَةٍ: وَهْنَانَـةٌ كَـالزُّونِ يُجْـلَى صَنَمُـها *** تَضْحَـكُ عَـنْ أَشْـنَبَ عَـذْبٍ مَلْثَمُـها وَكَذَلِكَ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} قَالَ: فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ دَعْوَتَهُ فِي وَلَدِهِ، قَالَ: فَلَمْ يَعْبُدْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ صَنَمًا بَعْدَ دَعْوَتِهِ. وَالصَّنَمُ: التِّمْثَالُ الْمُصَوَّرُ، مَا لَمْ يَكُنْ صَنَمًا فَهُوَ وَثَنٌ، قَالَ: وَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَجَعَلَ هَذَا الْبَلَدَ آمَنَا، وَرَزَقَ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَجَعَلَهُ إِمَامًا، وَجَعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتَقَبَّلَ دُعَاءَهُ، فَأَرَاهُ مَنَاسِكَهُ، وَتَابَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ يَقُصُّ وَيَقُولُ فِي قَصَصِهِ: مَنْ يَأْمَنُ مِنَ الْبَلَاءِ بَعْدَ خَلِيلِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ، حِينَ يَقُولُ: رَبِّ {اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}. وَقَوْلُهُ {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} يَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ الْأَصْنَامَ أَضْلَلْنَ: يَقُولُ: أَزَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى وَسَبِيلِ الْحَقِّ حَتَّى عَبَدُوهُنَّ، وَكَفَرُوا بِكَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} يَعْنِي الْأَوْثَانَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} قَالَ: الْأَصْنَامُ. وَقَوْلُهُ {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} يَقُولُ: فَمَنْ تَبِعَنِي عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِكَ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَكَ وَفِرَاقِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَإِنَّهُ مِنِّي: يَقُولُ: فَإِنَّهُ مُسْتَنٌّ بِسُنَّتِي، وَعَامِلٌ بِمِثْلِ عَمَلِي {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يَقُولُ: وَمَنْ خَالَفَ أَمْرِي فَلَمْ يَقْبَلْ مِنِّي مَا دَعَوْتُهُ إِلَيْهِ، وَأَشْرَكَ بِكَ، فَإِنَّهُ غَفُورٌ لِذُنُوبِ الْمُذْنِبِينَ الْخَطَّائِينَ بِفَضْلِكَ، وَرَحِيمٌ بِعِبَادِكَ تَعْفُو عَمَّنْ تَشَاءُ مِنْهُمْ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} اسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ خَلِيلِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ لَا وَاللَّهِ مَا كَانُوا طَعَّانِينَ وَلَا لَعَّانِينَ، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ مِنْ أَشَرِّ عِبَادِ اللَّهِ كُلُّ طَعَّانٍ لَعَّانٍ، قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بَكْرَ بْنَ سُؤَادَةَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وَقَالَ عِيسَى {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتِي، اللَّهُمَّ أُمَّتِي، وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَاسْأَلْهُ مَا يُبْكِيهِ؟ فَأَتَاهُ جِبْرَئِيلُ فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، قَالَ: فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرَئِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَقُلْ لَهُ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُك».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِرَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ هَذَا الْقَوْلَ حِينَ أَسْكَنَ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُهَاجَرَ-فِيمَا ذُكِرَ- مَكَّةَ. كَمَا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَالْحُسْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: نُبِّئْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ لَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَا أَحْدَثَ نِسَاءُ الْعَرَبِ جَرُّ الذُّيُولِ أن أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: لَمَّا فَرَّتْ مِنا سَارَّةَ، أَرْخَتْ مِنْ ذَيْلِهَا لِتُعَفِّيَ أَثَرهَا، فَجَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَمَعَهَا إِسْمَاعِيلُ حَتَّى انْتَهَى بِهِمَا إِلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ، فَوَضَعَهُمَا ثُمَّ رَجَعَ، فَاتَّبَعَتْهُ، فَقَالَتْ: إِلَى أَيِ شَيْءٍ تَكِلُنَا؟ إِلَى طَعَامٍ تَكِلُنَا؟ إِلَى شَرَابٍ تَكِلُنَا؟ فَجَعَلَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا. قَالَ: فَرَجَعَتْ وَمَضَى حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ، أَقْبَلُ عَلَى الْوَادِي فَدَعَا، فَقَالَ {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} قَالَ: وَمَعَ الْإِنْسَانَةِ شَنَّةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَنَفِدَ الْمَاءُ فَعَطِشَتْ وَانْقَطَعَ لِبَنُهَا، فَعَطِشَ الصَّبِيُّ، فَنَظَرَتْ أَيَّ الْجِبَالِ أَدْنَى مِنَ الْأَرْضِ، فَصَعِدَتا بِالصَّفَا، فَتَسَمَّعَتْ هَلْ تَسْمَعُ صَوْتًا أَوْ تَرَى أَنِيسًا؟ فَلَمْ تَسْمَعْ، فَانْحَدَرَتْ، فَلَمَّا أَتَتْ عَلَى الْوَادِي سَعَتْ وَمَا تُرِيدُ السَّعْيَ، كَالْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ الَّذِي يَسْعَى وَمَا يُرِيدُ السَّعْيَ، فَنَظَرَتْ أَيَّ الْجِبَالِ أَدْنَى مِنَ الْأَرْضِ، فَصَعِدَتِ الْمَرْوَةَ فَتَسَمَّعَتْ هَلْ تَسْمَعُ صَوْتًا، أَوْ تَرَى أَنِيسًا، فَسَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ كَالْإِنْسَانِ الَّذِي يُكَذِّبُ سَمْعَهُ: صَهٍ، حَتَّى اسْتَيْقَنَتْ، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَنِي صَوْتَكَ فَأَغِثْنِي، فَقَدْ هَلَكْتُ وَهَلَكَ مَنْ مَعِي، فَجَاءَ الْمَلِكُ فَجَاءَ بِهَا حَتَّى انْتَهَى بِهَا إِلَى مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَضَرَبَ بِقَدَمِهِ فَفَارَتْ عَيْنًا، فَعَجِلَتِ الْإِنْسَانَةُ فَجَعَلَتْ فِي شَنِّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللَّهُ أمَّ إِسْمَاعِيلَلَوْلَا أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَتا زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا ". وَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: لَا تَخَافِي الظَّمَأَ عَلَى أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ، فَإِنَّمَا هِيَ عَيْنٌ لِشُرْبِ ضِيفَانِ اللَّهِ، وَقَالَ: إِنَّ أَبَا هَذَا الْغُلَامِ سَيَجِيءُ، فَيَبْنِيَانِ لِلَّهِ بَيْتًا هَذَا مَوْضِعُهُ، قَالَ: وَمَرَّتْ رُفْقَةٌ مِنا جُرْهُمٍ تُرِيدُ الشَّامَ، فَرَأَوُا الطَّيْرَ عَلَى الْجَبَلِ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّيْرَ لِعَائِفٌ عَلَى مَاءٍ، فَهَلْ عَلِمْتُمْ بِهَذَا الْوَادِي مِنْ مَاءٍ؟ فَقَالُوا: لَا فَأَشْرَفُوا فَإِذَا هُمْ بِالْإِنْسَانَةِ، فَأَتَوْهَا فَطَلَبُوا إِلَيْهَا أَنْ يَنْـزِلُوا مَعَهَا، فَأَذِنَتْ لَهُمْ، قَالَ: وَأَتَى عَلَيْهَا مَا يَأْتِي عَلَى هَؤُلَاءِ النَّاسِ مِنَ الْمَوْتِ، فَمَاتَتْ، وَتَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ فَسَأَلَ عَنْ مَنْـزِلِ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى دُلَّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجِدْهُ، وَوَجَدَ امْرَأَةً لَهُ فَظَّةً غَلِيظَةً، فَقَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَقُولِي لَهُ: جَاءَ هُنَا شَيْخٌ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّهُ يَقُولُ لَكَ: إِنِّي لَا أَرْضَى لَكَ عَتَبَةَ بَابِكَ فَحَوِّلْهَا، وَانْطَلَقَ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: ذَلِكَ أَبِي وَأَنْتِ عَتَبَةُ بِأَبِي، فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى مِنْهُمْ، وَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَنْـزِلِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَمْ يَجِدْهُ، وَوَجَدَ امْرَأَةً لَهُ سَهْلَةً طَلِيقَةً، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ انْطَلَقَ زَوْجُكِ؟ فَقَالَتْ: انْطَلَقَ إِلَى الصَّيْدِ، قَالَ: فَمَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتْ: اللَّحْمُ وَالْمَاءُ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي لَحْمِهِمْ وَمَائِهِمْ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي لَحْمِهِمْ وَمَائِهِمْ ثَلَاثًا، وَقَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَأَخْبِرِيهِ، قَوْلِي: جَاءَ هُنَا شَيْخٌ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّهُ يَقُولُ لَكَ: قَدْ رَضِيتُ لَكَ عَتَبَةَ بَابِكَ، فَأَثْبِتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَتْهُ. قَالَ: ثُمَّ جَاءَ الثَّالِثَةَ، فَرَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْت». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْمَاعِيلَ وَهَاجَرَ، فَوَضَعَهُمَا بِمَكَّةَ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَلَمَّا مَضَى نَادَتْهُهَاجَرُ: يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّمَا أَسْأَلُكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تَضَعَنِي بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا ضَرْعٌ وَلَا زَرْعٌ، وَلَا أَنِيسٌ، وَلَا زَادٌ وَلَا مَاءٌ؟ قَالَ: رَبِّي أَمَرَنِي، قَالَتْ: فَإِنَّهُ لَنْ يُضَيِّعُنَا قَالَ: فَلَمَّا قَفَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ} يَعْنِي مِنَ الْحُزْنِ {وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}. فَلَمَّا ظَمِئَ إِسْمَاعِيلُ جَعَلَ يَدْحَضُ الْأَرْضَ بِعَقِبِهِ، فَذَهَبَتا هَاجَرُحَتَّى عَلَتِ الصَّفَا، وَالْوَادِي يَوْمئِذٍ لَاخٍ، يَعْنِي عَمِيقَ، فَصَعِدَتا الصَّفَا، فَأَشْرَفَتْ لِتَنْظُرَ هَلْ تَرَى شَيْئًا؟ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَانْحَدَرَتْ فَبَلَغَتِ الْوَادِي، فَسَعَتْ فِيهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْهُ، فَأَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَصَعِدَتْ فَاسْتَشْرَفَتْ هَلْ تَرَى شَيْئًا، فَلَمْ تَرَ شَيْئًا. فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَاءَتْ مِنَ الْمَرْوَةِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ يَدْحَضُ الْأَرْضَ بِعَقِبِهِ، وَقَدْ نَبَعَتِ الْعَيْنُ وَهِيَ زَمْزَمُ. فَجَعَلَتْ تَفْحَصُ الْأَرْضَ بِيَدِهَا عَنِ الْمَاءِ، فَكُلَّمَا اجْتَمَعَ مَاءٌ أَخَذَتْهُ بِقَدْحِهَا، وَأَفْرَغَتْهُ فِي سِقَائِهَا. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُهَا اللَّهُ لَوْ تَرَكَتْهَا لَكَانَتْ عَيْنًا سَائِحَةً تَجْرِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". قَالَ: وَكَانَتا جُرْهُمُ يَوْمئِذٍ بِوَادٍ قَرِيبٍ مِنا مَكَّةَ، قَالَ: وَلَزِمَتِ الطَّيْرُ الْوَادِيَ حِينَ رَأَتِ الْمَاءَ، فَلَمَّا رَأَتا جُرْهُمٌ الطَّيْرَ لَزِمَتِ الْوَادِي، قَالُوا: مَا لَزِمَتْهُ إِلَّا وَفِيهِ مَاءٌ، فَجَاءُوا إِلَىهَاجَرَ، فَقَالُوا: إِنْ شِئْتِ كُنَّا مَعَكِ وَآنَسْنَاكِ وَالْمَاءُ مَاؤُكِ، قَالَتْ: نَعَمْ. فَكَانُوا مَعَهَا حَتَّى شَبَّ إِسْمَاعِيلُ، وَمَاتَتْ هَاجَرُ فَتَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَ إِبْرَاهِيمُ سَارَّةَ أَنْ يَأْتِيَ، هَاجَرَ، فَأَذِنَتْ لَهُ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْـزِلَ، فَقَدِمَ إِبْرَاهِيمُ وَقَدْ مَاتَتا هَاجَرُ، فَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: لَيْسَ هَهُنَا ذَهَبَ يَتَصَيَّدُ، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ فَيَتَصَيَّدُ ثُمَّ يَرْجِعُ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: هَلْ عِنْدَكِ ضِيَافَةٌ، هَلْ عِنْدَكِ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ؟ قَالَتْ: لَيْسَ عِنْدِي، وَمَا عِنْدِي أَحَدٌ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَأَقْرِئِيهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: فَلْيُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ! وَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ، وَجَاءَ إِسْمَاعِيلُ، فَوَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ جَاءَكِ أَحَدٌ؟ فَقَالَتْ: جَاءَنِي شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، كَالْمُسْتَخِفَّةِ بِشَأْنِهِ، قَالَ: فَمَا قَالُ لَكِ؟ قَالَتْ: قَالَ لِي: أَقْرِئِي زَوْجَكِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: فَلْيُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ أُخْرَى. فَلَبِثَ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ سَارَّةَ أَنْ يَزُورَ إِسْمَاعِيلَ، فَأَذِنَتْ لَهُ، وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْـزِلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ يَصِيدُ، وَهُوَ يَجِيءُ الْآنَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَانْـزِلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ لَهَا: هَلْ عِنْدَكَ ضِيَافَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكِ خُبْزٌ أَوْ بُرٌ أَوْ تَمْرٌ أَوْ شَعِيرٌ؟ قَالَتْ: لَا. فَجَاءَتْ بِاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ، فَدَعَا لَهُمَا بِالْبَرَكَةِ، فَلَوْ جَاءَتْ يَوْمئِذٍ بِخُبْزٍ أَوْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ لَكَانَتْ أَكْثَرُ أَرْضِ اللَّهِ بُرًّا وَشَعِيرًا وَتَمْرًا، فَقَالَتْ لَهُ: انْـزِلْ حَتَّى أَغْسِلَ رَأْسَكَ، فَلَمَّ يَنْـزِلْ، فَجَاءَتْهُ بِالْمَقَامِ فَوَضَعَتْهُ عَنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، فَوَضْعَ قَدَمَهُ عَلَيْهِ، فَبَقِيَ أَثَرُ قَدَمِهِ عَلَيْهِ، فَغَسَلَتْ شَقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ حَوَّلَتِ الْمَقَامَ إِلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَغَسَلَتْ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ، فَقَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَأَقْرِئِيهِ السَّلَامَ، وَقُولِي لَهُ: قَدِ اسْتَقَامَتْ عَتَبَةُ بَابِكِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ وَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ جَاءَكِ أَحَدٌ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، شَيْخٌ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا وَأَطْيَبُهُ رِيحًا، فَقَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَقُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، وَغَسَلْتُ رَأْسَهُ، وَهَذَا مَوْضِعُ قَدَمِهِ عَلَى الْمَقَامِ. قَالَ: وَمَا قَالَ لَكِ؟ قَالَتْ: قَالَ لِي: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَأَقْرِئِيهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: قَدِ اسْتَقَامَتْ عَتَبَةُ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ، فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ، فَبَنَاهُ هُوَ وَإِسْمَاعِيلُ، فَلَمَّا بَنَيَاهُ قِيلَ: أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِقَوْمٍ إِلَّا قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ بُنِيَ لَكُمْ بَيْتٌ فَحَجُّوهُ، فَجَعْلَ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ، صَخْرَةٌ وَلَا شَجَرَةٌ وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا قَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. قَالَ: وَكَانَ بَيْنَ قَوْلِهِ {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} وَبَيِّن قَوْلِهِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} كَذَا وَكَذَا عَامًا، لَمْ يَحْفَظْ عَطَاء». حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} وَإِنَّهُ بَيْتٌ طَهَّرَهُ اللَّهُ مِنَ السُّوءِ، وَجَعَلَهُ قِبْلَةً، وَجَعَلَهُ حَرَمَهُ، اخْتَارَهُ نَبِيُّ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ لِوَلَدِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} قَالَ: مَكَّةُ لَمْ يَكُنْ بِهَا زَرْعٌ يَوْمئِذٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ كَثِيرٍ، قَالَ الْقَاسِمُ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ كَثِيرٍ "قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ": فَغَيَّرْتُهُ أَنَا فَجَعَلْتُهُ: قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَسْقَطْتُ عَمْرًا، لِأَنِّي لَا أَعْرِفُ إِنْسَانًا يُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَ عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ مَعْمَرٌ عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْن أَبِي وَدَاعَةَ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ أَيْضً عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي أُنَاسٍ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَيْلًا فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لِلْقَوْمِ: سَلُونِي قَبْل أَلَّا تَسْأَلُونِي، فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ فَأَكْثَرُوا، وَكَانَ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ أَنْ قِيلَ لَهُ: أَحَقُّ مَا سَمِعْنَا فِي الْمَقَامِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: مَاذَا سَمِعْتُمْ؟ قَالُوا: سَمِعْنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ رَسُولَ اللَّهِ حِينَ جَاءَ مِنَ الشَّامِ، كَانَ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَنْـزِلَ مَكَّةَ حَتَّى يَرْجِعَ، فَقُرِّبَ لَهُ الْمَقَامُ، فَنَـزَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: لَيْسَ كَذَاكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَكِنَّهُ حَدَّثَنَا حِينَ كَانَ بَيْنَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ وَسَارَّةَمَا كَانَ أَقْبَلَبِإِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَيُّوبَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلَبُوا النُّـزُولَ مَعَهَا وَقَدْ أَحَبَّتا أُمُّ إِسْمَاعِيلَ الْأُنْسَ، فَنَـزَلُوا وَبَعَثَوُا إِلَى أَهْلِهِمْ فَقَدِمُوا، وَطَعَامُهُمُ الصَّيْدُ، يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَرَمِ وَيَخْرُجُ إِسْمَاعِيلُ مَعَهُمْ يَتَصَيَّدُ، فَلَمَّا بَلَغَ أَنْكَحُوهُ، وَقَدْ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ قَبْلَ ذَلِكَ". قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمَّا دَعَا لَهُمَا أَنْ يُبَارِكَ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ، قَالَ لَهَا هَلْ مِنْ حَبٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الطَّعَامِ؟ قَالَتْ: لَا وَلَوْ وَجَدَ يَوْمَئِذٍ لَهَا حَبًّا لَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ فِيهِ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَ إِسْمَاعِيلَ قَاعِدًا تَحْتَ دَوْحَةٍ إِلَى نَاحِيَةِ الْبِئْرِ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَنَـزَلَ إِلَيْهِ، فَقَعَدَ مَعَهُ وَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَأَطِعْ رَبَّكَ فِيمَا أَمَرَكَ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: ابْنِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَشَارَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَكَمَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا يَأْتِيهَا السَّيْلُ مِنْ نَوَاحِيهَا، وَلَا يَرْكَبُهَا. قَالَ: فَقَامَا يَحْفِرَانِ عَنِ الْقَوَاعِدِ يَرْفَعَانِهَا وَيَقُولَانِ {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّك سَمِيعُ الدُّعَاءِ، وَإِسْمَاعِيلُ يَحْمِلُ الْحِجَارَةَ عَلَى رَقَبَتِهِ، وَالشَّيْخُ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي. فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْبُنْيَانُ وَشَقَّ عَلَى الشَّيْخِ تَنَاوُلُهُ، قَرَّبَ إِلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ هَذَا الْحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُومُ عَلَيْهِ وَيَبْنِي، وَيُحَوِّلُهُ فِي نُوَاحِي الْبَيْتِ حَتَّى انْتَهَى، يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَذَلِكَ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَقِيَامُهُ عَلَيْه». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} قَالَ: أَسْكَنَ إِسْمَاعِيلُ وَأُمَّهُ مَكَّةَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} قَالَ: حِينَ وُضِعَ إِسْمَاعِيلُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ بَعْضَ وَلَدِي بِوَادٍ غَيْر ذِي زَرْعٍ. وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ يَوْمئِذٍ مَاءٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَالِكَ مَاءٌ لَمْ يَصِفْهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الَّذِي حَرَّمْتَهُ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ أَنْ يَسْتَحِلُّوهُ. وَكَانَ تَحْرِيمُهُ إِيَّاهُ فِيمَا ذَكَرَ كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ هَذَا الْبَيْتَ أَوَّلُ مَنْ وَلِيَهُ أُنَاسٌ مِنْ طَسْمٍ، فَعَصَوْا رَبَّهُمْ وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَهُ، وَاسْتَخَفُّوا بِحَقِّهِ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ. ثُمَّ وَلِيَهُمْ أُنَاسٌ مِنْ جُرْهُمٍ فَعَصَوْا رَبَّهُمْ وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَهُ وَاسْتَخَفُّوا بِحَقِّهِ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ. ثُمَّ وُلِّيتُمُوهُ مُعَاشِرَ قُرَيْشٍ، فَلَا تَعْصُوا رَبَّهُ، وَلَا تَسْتَحِلُّوا حُرْمَتَهُ، وَلَا تَسْتَخِفُّوا بِحَقِّهِ، فَوَاللَّهِ لِصَلَاةٌ فِيهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مِئَةِ صَلَاةٍ بِغَيْرِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَعَاصِيَ فِيهِ عَلَى نَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} وَلَمْ يَأْتِ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ، وَذَلِكَ أَنَّ حَظَّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي جَمَاعَةً، أَوْ رَجُلًا أَوْ قَوْمًا، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ مَعَ "مَنْ" لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمُرَادِ مِنَ الْكَلَامِ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَهَا كَثِيرًا، فَتَقُولُ: قَتَلْنَا مِنْ بَنِي فُلَانٍ، وَطَعِمْنَا مِنَ الْكَلَأِ وَشَرِبْنَا مِنَ الْمَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ حِينَ أَسْكَنَ ابْنَهُ مَكَّةَ {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} وَقَدْ رَوَيْتُ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بَنَى الْبَيْتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ. قِيلَ: قَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ قَدْ ذَكَرْتُهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، مِنْهَا أَنَّ مَعْنَاهُ: عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ أَنْ تَرْفَعَهُ مِنَ الْأَرْضِ حِينَ رَفْعَتَهُ أَيَّامَ الطُّوفَانِ، وَمِنْهَا عِنْدَ بَيْتِكَ الْمَحْرَمِ مِنَ اسْتِحْلَالِ حُرُمَاتِ اللَّهِ فِيهِ، وَالِاسْتِخْفَافِ بِحَقِّهِ. وَقَوْلُهُ {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} يَقُولُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ يَا رَبَّنَا كَيْ تُؤَدَّى فَرَائِضُكَ مِنَ الصَّلَاةِ الَّتِي أَوْجَبْتَهَا عَلَيْهِمْ فِي بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ. وَقَوْلُهُ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} يُخْبِرُ بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ فِي دُعَائِهِ أَنْ يَجْعَلَ قُلُوبَ بَعْضِ خَلْقِهِ تَنْـزِعُ إِلَى مَسَاكِنَ ذُرِّيَّتِهِ الَّذِينَ أَسْكَنَهُمْ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِهِ الْمُحَرَّمِ. وَذَلِكَ مِنْهُ دُعَاءٌ لَهُمْ بِأَنْ يَرْزُقَهُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ. كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} وَلَوْ قَالَ أَفْئِدَةَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ لَحَجَّتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ فَهُمُ الْمُسْلِمُونَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} قَالَ: لَوْ كَانَتْ أَفْئِدَةُ النَّاسِ لَازْدَحَمَتْ عَلَيْهِ فَارِسُ وَالرُّومُ، وَلَكِنَّهُ أَفْئِدَةٌ مِنَ النَّاسِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} قَالَ: لَوْ قَالَ: أَفْئِدَةَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، لَازْدَحَمَتْ عَلَيْهِما فَارِسُ وَالرُّومُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَلِيٌّ، يَعْنِي ابْنَ الْجَعْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَأَلَتُ عِكْرِمَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} فَقَالَ: قُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَى الْبَيْتِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحُكْمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} الْبَيْتُ تَهْوِي إِلَيْهِ قُلُوبُهُمْ يَأْتُونَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَأَلَتُ عَطَاءً وَطَاوُسًا وَعِكْرِمَةَ، عَنْ قَوْلِهِ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} قَالُوا: الْحَجُّ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَا أَخْبَرَنَا سَعِيدُ، عَنِ الْحُكْمِ، عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} قَالَ: هَوَاهُمْ إِلَى مَكَّةَ أَنْ يَحُجُّوا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا آدَمُ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَأَلَتُ طَاوُسًا وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ قَوْلِهِ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} فَقَالُوا: اجْعَلْ هَوَاهُمُ الْحَجَّ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَوْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ لَحَجَّهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ، وَلَكِنَّهُ قَالَ {أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} قَالَ: تَنْـزِعُ إِلَيْهِمْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَا أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا دَعَا لَهُمْ أَنْ يَهْوَوُا السُّكْنَى بِمَكَّةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ أُنَاسًا مِنَ النَّاسِ يَهْوَوْنَ سُكْنَى أَوْ سَكَنَ مَكَّةَ. وَقَوْلُهُ {وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَارْزُقْهُمْ مِنْ ثَمَرَاتِ النَّبَاتِ وَالْأَشْجَارِ مَا رَزَقْتَ سُكَّانَ الْأَرْيَافِ وَالْقُرَى الَّتِي هِيَ ذَوَاتُ الْمِيَاهِ وَالْأَنْهَارِ، وَإِنْ كُنْتُ أَسْكَنْتُهُمْ وَادِيًا غَيْرَ ذِي زَرْعٍ وَلَا مَاءٍ. فَرَزَقَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ. كَمًّا حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، قَالَ: قَرَأَتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا دَعَا لِلْحَرَمِ {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} نَقَلَ اللَّهُ الطَّائِفَ مِنا فِلَسْطِينَ. وَقَوْلُهُ {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} يَقُولُ: لِيَشْكُرُوكَ عَلَى مَا رَزَقْتَهُمْ وَتُنْعِمُ بِهِ عَلَيْهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}. وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنِ اسْتِشْهَادِ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ إِيَّاهُ عَلَى مَا نَوَى وَقَصَدَ بِدُعَائِهِ وَقِيلِهِ {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}... الْآيَةَ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ رِضَا اللَّهِ عَنْهُ فِي مَحَبَّتِهِ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ مِنْ أَهْلِالطَّاعَةِ لِلَّهِ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُعَلَى مِثْلِ الَّذِي هُوَ لَهُ، فَقَالَ: رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا تُخْفِي قُلُوبُنَا عِنْدَ مَسْأَلَتِنَا مَا نَسْأَلُكَ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِنَا، وَمَا نُعْلِنُ مِنْ دُعَائِنَا، فَنَجْهَرُ بِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِنَا، وَمَا يَخْفَى عَلَيْكَ يَا رَبَّنَا مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ ظَاهِرٌ لَكَ مُتَجَلٍّ بَادٍ، لِأَنَّكَ مُدَبِّرُهُ وَخَالِقُهُ، فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَيْكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَإِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}. يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي عَلَى كِبَرٍ مِنَ السِّنِّ وُلْدًا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} يَقُولُ: إِنَّ رَبِّي لِسَمِيعُ دُعَائِي الَّذِي أَدْعُوهُ بِهِ، وَقَوْلِي {اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ دُعَائِي وَدُعَاءِ غَيْرِي، وَجَمِيعَ مَا نَطَقَ بِهِ نَاطِقٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: بُشِّرَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِئَةِ سَنَةٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}. يَقُولُ: رَبِّ اجْعَلْنِي مُؤَدِّيًا مَا أَلْزَمْتَنِي مِنْ فَرِيضَتِكَ الَّتِي فَرَضْتَهَا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ. {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} يَقُولُ: وَاجْعَلْ أَيْضًا مِنْ ذُرِّيَّتِي مُقِيمِي الصَّلَاةِ لَكَ. {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} يَقُولُ: رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ عَمَلِيَ الَّذِي أَعْمَلُهُ لَكَ وَعِبَادَتِي إِيَّاكَ. وَهَذَا نَظِيرُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «"إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ" ثُمَّ قَرَأَ {وَقَالَ رَبُّكُمُ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}. وَهَذَا دُعَاءٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَاسْتِغْفَارٌ مِنْهُ لَهُمَا. وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ {اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}. وَقَدْ بَيَّنَّا وَقْتَ تَبَرُّئِهِ مِنْهُ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) يَقُولُ: وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِكَ مِمَّنْ تَبِعَنِي عَلَى الدِّينِ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ، فَأَطَاعَكَ فِي أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ. وَقَوْلُهُ (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) يَعْنِي: يَقُومُ النَّاسُ لِلْحِسَابِ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحِسَابِ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ، إِذْ كَانَ مَفْهُومَا مَعْنَاهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ} يَامُحَمَّدُ(غَافِلًا) سَاهِيًا (عَمَّا يَعْمَلُ) هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ، بَلْ هُوَ عَالِمٌ بِهِمْ وَبِأَعْمَالِهِمْ مُحْصِيًا عَلَيْهِمْ، لِيَجْزِيَهُمْ جَزَاءَهُمْ فِي الْحِينِ الَّذِي قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنْ يَجْزِيَهُمْ فِيهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} قَالَ: هِيَ وَعِيدٌ لِلظَّالِمِ وَتَعْزِيَةٌ لِلْمَظْلُومِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّمَا يُؤَخِّرُ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَكَ وَيَجْحَدُونَ نُبُوَّتَكَ، لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ. يَقُولُ: إِنَّمَايُؤَخِّرُ عِقَابَهُمْ وَإِنْـزَالَ الْعَذَابِ بِهِمْ، إِلَى يَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ أَبْصَارُ الْخَلْقِ الْمُكَذِّبِينَ بِالنُّبُوَّةِ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. كَمًّا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} شَخَصَتْ فِيهِ وَاللَّهِ أَبْصَارُهُمْ، فَلَا تَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ {مُهْطِعِينَ} فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مُسْرِعِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمُؤَدَّبِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (مُهْطِعِينَ) قَالَ: النَّسَلَانُ، وَهُوَ الْخَبَبُ، أَوْ مَا دُونَ الْخَبَبِ، شَكَّ أَبُو سَعِيدٍ، يَخُبُّونَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {مُهْطِعِينَ} قَالَ: مُسْرِعِينَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {مُهْطِعِينَ} يَقُولُ: مُنْطَلَقَيْنِ عَامِدَيْنِ إِلَى الدَّاعِي. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مُدِيمِي النَّظَرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثَنَى أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {مُهْطِعِينَ} يَعْنِي بِالْإِهْطَاعِ: النَّظَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْرِفَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى {مُهْطِعِينَ} فَقِيلَ: الْإِهْطَاعُ: التَّحْمِيجُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَطْرِفُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ حَدْلَمٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ {مُهْطِعِينَ} قَالَ: الْإِهْطَاعُ: التَّحْمِيجُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ {مُهْطِعِينَ} قَالَ: شِدَّةُ النَّظَرِ الَّذِي لَا يَطْرِفُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ جُوَيْبرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ {مُهْطِعِينَ} قَالَ: شِدَّةُ النَّظَرِ فِي غَيْرِ طَرْفٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {مُهْطِعِينَ} الْإِهْطَاعُ: شِدَّةُ النَّظَرِ فِي غَيْرِ طَرْفٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {مُهْطِعِينَ} قَالَ: مُديمِي النَّظَرِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {مُهْطِعِينَ} قَالَ: الْمُهْطِعُ الَّذِي لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ. وَالْإِهْطَاعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْإِسْرَاعِ أَشْهَرُ مِنْهُ: بِمَعْنَى إِدَامَةِ النَّظَرِ، وَمِنَ الْإِهْطَاعِ بِمَعْنَى الْإِسْرَاعِ، قَوْلُ الشَّاعِرِ: وبِمُهْطِـعٍ سُـرُحٍ كَـأَنَّ زِمامَـهُ *** فِـي رَأْسِ جِـذْعٍ مِـنْ أُوَالَ مُشَـدَّبِ وَقَوْلُ الْآخَرِ: بِمُسْـتَهْطِعٍ رَسْـلٍ كَـأَنَّ جَدِيلَـهُ *** بقَيْـدُومِ رَعْـنٍ مِـنْ صَـوَامٍ مُمَنَّـعِ وَقَوْلُهُ {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} يَعْنِي رَافِعِي رُءُوسِهِمْ. وَإِقْنَاعُ الرَّأْسِ: رَفْعُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّمَّاخِ: يُبَـاكِرْنَ الْعَضَـاةَ بمُقْنَعَـاتٍ *** نَوَاجِـذُهُنَّ كَـالْحِدَإِ الْـوَقِيعِ يَعْنِي: أَنَّهُنَّ يُبَاكِرَنَ الْعَضَاةَ بِرُؤُسِهِنَّ مَرْفُوعَاتٍ إِلَيْهَا لِتَتَنَاوَلَ مِنْهَا، وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ الرَّاجِزِ: أنْغَـضَ نَحْـوِي رَأْسَـهُ وَأَقْنَعَـا *** كَأَنَّمَـا أَبْصَـرَ شَـيْئًا أَطْمَعَـا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} قَالَ: الْإِقْنَاعُ: رَفْعُ رُءُوسِهِمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَقَالَ الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} قَالَ: رَافِعِيهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: وُجُوهُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى السَّمَاءِ لَا يَنْظُرُ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} قَالَ: رَافِعًا رَأْسَهُ هَكَذَا، {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} قَالَ: رَافِعِي رُءُوسِهِمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} قَالَ: الْإِقْنَاعُ رَفْعُ رُءُوسِهِمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} قَالَ: الْمُقْنِعُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ شَاخِصًا بَصَرُهُ لَا يَطْرِفُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} قَالَ: رَافِعِيهَا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} قَالَ: الْمُقْنِعُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} قَالَ: رَافِعِي رُءُوسِهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} قَالَ: رَافِعِي رُءُوسِهِمْ. وَقَوْلُهُ {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} يَقُولُ: لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ لِشِدَّةِ النَّظَرِ أَبْصَارُهُمْ. كَمًّا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} قَالَ: شَاخِصَةُ أَبْصَارُهُمْ. وَقَوْلُهُ {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مُتَخَرِّقَةٌ لَا تَعِي مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ، فِي قَوْلِهِ {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} قَالَ: مُتَخَرِّقَةٌ لَا تَعِي شَيْئًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: ثنا مَالِكٌ وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} قَالَ: مُتَخَرِّقَةٌ لَا تَعِي شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: ثنا مَالِكٌ، يَعْنِي ابْنَ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا تَعِي شَيْئًا. وَلَمْ يَقُلْ مِنَ الْخَيْرِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، وَإِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} قَالَ أَحَدُهُمَا: خَرِبَةٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: مُتَخَرِّقَةٌ لَا تَعِي شَيْئًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} قَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ فَهِيَ كَالْخَرِبَةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَيْسَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ فِي أَفْئِدَتِهِمْ، كَقَوْلِكَ لِلْبَيْتِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ إِنَّمَا هُوَ هَوَاءٌ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} قَالَ: الْأَفْئِدَةُ: الْقُلُوبُ هَوَاءٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ، لَيْسَ فِيهَا عَقْلٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي بَكَرَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} قَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَكَانٍ تَرَدَّدُ فِي أَجْوَافِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} قَالَ: تَمُورُ فِي أَجْوَافِهِمْ، لَيْسَ لَهَا مَكَانٌ تَسْتَقِرُّ فِيهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ أَمَاكِنِهَا فَنَشِبَتْ بِالْحُلُوقِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} قَالَ: قَدْ بَلَغَتْ حَنَاجِرَهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} قَالَ: هَوَاءٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، خَرَجَتْ مِنْ صُدُورِهِمْ فَنَشِبَتْ فِي حُلُوقِهِمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} انْتُزِعَتْ حَتَّى صَارَتْ فِي حَنَاجِرِهِمْ لَا تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، وَلَا تَعُودُ إِلَى أَمْكِنَتِهَا. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهَا خَالِيَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ، وَلَا تَعْقِلُ شَيْئًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي كُلَّ أَجْوَفَ خَاوٍ: هَوَاءً، وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ: أَلَا أبْلِـغْ أَبَـا سُـفْيَانَ عَنِّـي *** فَـأَنْتَ مُجَـوَّفٌ نَخِـبٌ هَـوَاءُ وَمِنْهُ قَوْلٌ الْآخَرُ: وَلَا تَـكُ مِـنْ أخْـدانِ كُـلِّ يَرَاعَـةٍ *** هَـوَاءٍ كَسَـقْبِ الْبَـانِ جُوفٍ مَكَاسِرُها
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنْذِرِ يَا مُحَمَّدُ النَّاسَ الَّذِينَ أَرْسَلْتُكَ إِلَيْهِمْ دَاعِيًا إِلَى الْإِسْلَامِ مَا هُوَ نَازِلٌ بِهِمْ، يَوْمَ يَأْتِيهِمُ عَذَابُ اللَّهِ فِي الْقِيَامَةِ. {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} يَقُولُ: فَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، فَظَلَمُوا بِذَلِكَ أَنْفُسَهُمْ {رَبَّنَا أَخِّرْنَا} أَيْ أَخِّرْ عَنَّا عَذَابَكَ، وَأَمْهِلْنَا {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ} الْحَقَّ، فَنُؤْمِنْ بِكَ، وَلَا نُشْرِكْ بِكَ شَيْئًا، {وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} يَقُولُونَ: وَنُصَدِّقْ رُسُلَكَ فَنَتْبَعْهُمْ عَلَى مَا دَعَوْتَنَا إِلَيْهِ مِنْ طَاعَتِكَ وَاتِّبَاعِ أَمْرِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} قَالَ: مُدَّةً يَعْمَلُونَ فِيهَا مِنَ الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} يَقُولُ: أُنْذِرْهُمْ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ. وَقَوْلُهُ {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} رُفِعَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ (يَأْتِيهُمُ) فِي قَوْلِهِ (يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ) وَلَيْسَ بِجَوَابٍ لِلْأَمْرِ، وَلَوْ كَانَ جَوَابًا لِقَوْلِهِ (وَأَنْذِرِ النَّاسَ) جَازَ فِيهِ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ. أَمَّا النَّصْبُ فَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: يَـا نَـاقُ سِـيرِي عَنْقَـا فَسِـيحَا *** إِلَـى سُـلَيْمَانَ فَنَسْـتَرِيحَا وَالرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. وَذُكِرَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ سِيَابَةَ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ النَّصْبَ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ بِالْفَاءِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَكَانَ الْعَلَاءُ هُوَ الَّذِي عَلَّمَ مُعَاذًا وَأَصْحَابَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ}. وَهَذَا تَقْرِيعٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنا قُرَيْشٍ، بَعْدَ أَنْ دَخَلُوا النَّارَ بِإِنْكَارِهِمْ فِي الدُّنْيَاالْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ، يَقُولُ لَهُمْ: إِذْ سَأَلُوهُ رَفْعَ الْعَذَابِ عَنْهُمْ، وَتَأْخِيرَهُمْ لِيُنِيبُوا وَيَتُوبُوا {أَوَلَمْ تَكُونُوا} فِي الدُّنْيَا {أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} يَقُولُ: مَا لَكَمَ مِنَ انْتِقَالٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ، وَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تَمُوتُونَ، ثُمَّ لَا تُبْعَثُونَ. كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ} كَقَوْلِهِ {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى}. ثُمَّ قَالَ {مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} قَالَ: الِانْتِقَالُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} قَالَ: لَا تَمُوتُونَ لِقُرَيْشٍ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي لَيْلَى أَحَدِ بَنِي عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ: بَلَغَنِي، أَوْ ذُكِرَ لِي أَنَّ أَهْلَ النَّارِ يُنَادُونَ {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} فَرَدَّ عَلَيْهِمْ {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}... إِلَى قَوْلِهِ {لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَكَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ، فَظَلَمُوا بِذَلِكَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَكُمْ {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} يَقُولُ: وَعَلِمْتُمْ كَيْفَ أَهْلَكْنَاهُمْ حِينَ عَتَوَا عَلَى رَبِّهِمْ وَتَمَادَوْا فِي طُغْيَانِهِمْ وَكُفْرِهِمْ {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} يَقُولُ: وَمَثَّلْنَا لَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ مُقِيمِينَ الْأَشْبَاهَ، فَلَمْ تُنِيبُوا وَلَمْ تَتُوبُوا مِنْ كُفْرِكُمْ، فَالْآنَ تَسْأَلُونَالتَّأْخِيرَ لِلتَّوْبَةِحِينَ نَـزَلَ بِكُمْ مَا قَدْ نَـزَلَ بِكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، إِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كَائِنٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} يَقُولُ: سَكَنَ النَّاسُ فِي مَسَاكِنَ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ، وَقُرُونٍ بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرَةٍ مِمَّنْ هَلَكَ مِنَ الْأُمَمِ. {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} قَدْ وَاللَّهِ بَعَثَ رُسُلَهُ، وَأَنْـزَلَ كُتُبَهُ، ضَرَبَ لَكُمُ الْأَمْثَالَ، فَلَا يُصَمُّ فِيهَا إِلَّا أَصَمٌّ، وَلَا يَخِيبُ فِيهَا إِلَّا الْخَائِبُ، فَاعْقِلُوا عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} قَالَ: سَكَنُوا فِي قُرَاهُما مَدْيَنَ وَالْحَجَرِ وَالْقُرَى الَّتِي عَذَّبَ اللَّهُ أَهْلَهَا، وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ، وَضَرَبَ لَهُمُ الْأَمْثَالِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ (الْأَمْثَالَ) قَالَ: الْأَشْبَاهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ مَكَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَسَكَنْتُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ فِي مَسَاكِنِهِمْ، مَكْرَهُمْ. وَكَانَ مَكْرُهُمُ الَّذِي مَكَرُوا مَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقْرَأُ: " {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} " قَالَ: كَانَ مَلِكٌ فَرِهٌ أَخَذَ فُرُوخَ النُّسُورِ، فَعَلَفَهَا اللَّحْمَ حَتَّى شَبَّتْ وَاسْتَعْلَجَتْ وَاسْتَغْلَظَتْ. فَقَعَدَ هُوَ وَصَاحَبُهُ فِي التَّابُوتِ وَرَبَطُوا التَّابُوتَ بِأَرْجُلِ النُّسُورِ، وَعَلَّقُوا اللَّحْمَ فَوْقَ التَّابُوتِ، فَكَانَتْ كُلَّمَا نَظَرَتْ إِلَى اللَّحْمِ صَعِدَتْ وَصَعَّدَتْ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى الْجِبَالَ مَثَلَ الدُّخَانِ، قَالَا مَا تَرَى؟ قَالَ: مَا أَرَى شَيْئًا، قَالَ: وَيْحَكَ صَوِّبْ صَوِّبْ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَاصِلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، مِثْلَ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَؤُهَا: " وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ". حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَاصِلٍ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال" قَالَ: أَخَذَ ذَلِكَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ نَسْرَيْنِ صَغِيرَيْنِ فَرَبَّاهُمَا، ثُمَّ اسْتَغْلَظَا وَاسْتَعْلَجَا وَشَبَّا، قَالَ: فَأَوْثَقَ رِجْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِوَتَدٍ إِلَى تَابُوتٍ، وَجَوَّعَهُمَا، وَقَعَدَ هُوَ وَرَجُلٌ آخَرَ فِي التَّابُوتِ، قَالَ: وَرَفَعَ فِي التَّابُوتِ عَصَا عَلَى رَأْسِهِ اللَّحْمُ، قَالَ: فَطَارَا، وَجَعَلَ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: اُنْظُرْ مَاذَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى كَذَا وَكَذَا، حَتَّى قَالَ: أَرَى الدُّنْيَا كَأَنَّهَا ذُبَابٌ، فَقَالَ: صَوِّبِ الْعَصَا، فَصَوَّبَهَا فَهَبَطَا، قَالَ: فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال" قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَكَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ " وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال" مَكْرُ فَارِسَ. وَزُعِمَ أَنَّ بُخْتَنَصَّرَ خَرَجَ بِنُسُورٍ، وَجَعَلَ لَهُ تَابُوتًا يَدْخُلُهُ، وَجَعَلَ رِمَاحًا فِي أَطْرَافِهَا وَاللَّحْمَ فَوْقَهَا. أَرَاهُ قَالَ: فَعَلَتْ تَذْهَبُ نَحْوَ اللَّحْمِ حَتَّى انْقَطَعَ بَصَرُهُ مِنَ الْأَرْضِ وَأَهْلِهَا، فَنُودِيَ: أَيُّهَا الطَّاغِيَةُ أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَفَرَقَ: ثُمَّ سَمِعَ الصَّوْتَ فَوْقَهُ، فَصَوَّبَ الرِّمَاحَ، فَتَصَوَّبَتِ النُّسُورُ، فَفَزِعَتِ الْجِبَالُ مَنْ هَدَّتِهَا، وَكَادَتِ الْجِبَالُ أَنْ تَزُولَ مِنْهُ مِنْ حَسِّ ذَلِكَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ". حَدَثًا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: "وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ "كَذَا قَرَأَهَا مُجَاهِدٌ "كَادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ" وَقَالَ: إِنَّ بَعْضَ مَنْ مَضَى جَوَّعَ نُسُورًا، ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهَا تَابُوتًا فَدَخَلَهُ، ثُمَّ جَعَلَ رِمَاحًا فِي أَطْرَافِهَا لَحْمٌ، فَجَعَلَتْ تَرَى اللَّحْمَ فَتَذْهَبُ، حَتَّى انْتَهَى بَصَرُهُ، فَنُودِيَ: أَيُّهَا الطَّاغِيَةُ أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَصَوَّبَ الرِّمَاحَ، فَتَصَوَّبَتِ النُّسُورُ، فَفَزِعَتِ الْجِبَالُ، وَظَنَّتْ أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ قَامَتْ، فَكَادَتْ أَنْ تَزُولَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى" وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ ". قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ " وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ ". حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى نَحْو: "لَتَزُولُ " بِفَتْحِ اللَّامِ الْأُولَى وَرَفْعِ الثَّانِيَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دَانِيلَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: " وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ ". حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دَانِيلَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: "وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَال" قَالَ: ثُمَّ أَنْشَأَ عَلِيٌّ يُحَدِّثُ فَقَالَ: نَـزَلَتْ فِي جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ قَالَ: لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَعْلَمَ مَا فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ اتَّخَذَ نُسُورًا فَجَعَلَ يُطْعِمُهَا اللَّحْمُ حَتَّى غَلُظَتْ وَاسْتَعْلَجَتْ وَاشْتَدَّتا، وَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ شُعْبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ أَوْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال" قَالَ: نُمْرُودُ صَاحِبُ النُّسُورِ، أَمَرَ بِتَابُوتٍ فَجُعِلَ وَجَعَلَ مَعَهُ رَجُلًا ثُمَّ أَمَرَ بِالنُّسُورِ فَاحْتُمِلَ، فَلَمَّا صَعِدَ قَالَ لِصَاحِبِهِ: أَيُّ شَيْءٍ تَرَى؟ قَالَ: أَرَى الْمَاءَ وَجَزِيرَةً-يَعْنِي الدُّنْيَا- ثُمَّ صَعِدَ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: أَيُّ شَيْءٍ تَرَى؟ قَالَ: مَا نَـزْدَادُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا بُعْدًا، قَالَ: اهْبِطْ-وَقَالَ غَيْرُهُ: نُودِيَ- أَيُّهَا الطَّاغِيَةُ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: فَسَمِعَتِ الْجِبَالُ حَفِيفَ النُّسُورِ، فَكَانَتْ تَرَى أَنَّهَا أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَكَادَتْ تَزُولُ، فَهُوَ قَوْلُهُ: " وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ". حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَقْرَأُ: " وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ". وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ مَكْرُهُمْ: شِرْكُهُمْ بِاللَّهِ، وَافْتِرَاؤُهُمْ عَلَيْهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ "يَقُولُ: شِرْكُهُمْ، كَقَوْلِهِ {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ}. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال" قَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ} ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّالْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ: كَانَ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ وَأَصْغَرَ مِنْ أَنْ تَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، يَصِفُهُمْ بِذَلِكَ. قَالَ قَتَادَةُ: وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: " وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ "، وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} أَيْ لِكَلَامِهِمْ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَال" قَالَ ذَلِكَ حِينَ دَعَوْا لِلَّهِ وَلَدًا. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}. حُدِثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال" هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ {لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ مَا خَلَا الْكِسَائِيِّ {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} بِكَسْرِ اللَّامِ الْأَوْلَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ، بِمَعْنَى: وَمَا كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ. وَقَرَأَهُ الْكِسَائِيُّ: "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَال" بِفَتْحِ اللَّامِ الْأُولَى وَرَفْعِ الثَّانِيَةِ عَلَى تَأْوِيلِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: "وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَال" مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ الَّذِينَ ذَكَرْتُ أَقْوَالَهُمْ، بِمَعْنَى: اشْتَدَّ مَكْرُهُمْ حَتَّى زَالَتْ مِنْهُ الْجِبَالُ، أَوْ كَادَتْ تَزُولُ مِنْهُ، وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يُحَدِّثُ عَنْ حَمْزَةَ، عَنْ شِبْلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ عَلَى مِثْلِ قِرَاءَتِهِ "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَال" بِرَفْعِ تَزُولُ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِثُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} بِكَسْرِ اللَّامِ الْأَوْلَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ، بِمَعْنَى: وَمَا كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ اللَّامَ الْأُولَى إِذَا فُتِحَتْ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَقَدْ كَانَ مَكْرُهُمْ تَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ، وَلَوْ كَانَتْ زَالَتْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةٌ، وَفِي ثُبُوتِهَا عَلَى حَالَتِهَا مَا يُبَيِّنُ عَنْ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ، وَأُخْرَى إِجْمَاعُ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ كِفَايَةٌ عَنْ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّتِهَا وَفَسَادِ غَيْرِهَا بِغَيْرِهِ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْحُجَّةِ إِذْ كَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِفَتْحِ اللَّامِ الْأُولَى وَرَفْعِ الثَّانِيَةِ قَرَءُوا: "وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُم" بِالدَّالِ، وَهِيَ إِذَا قُرِئَتْ كَذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَعَ "وَإِنْ كَاد" فَتْحُ اللَّامِ الْأُولَى وَرَفْعُ الثَّانِيَةِ عَلَى مَا قَرَءُوا، وَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَنَا الْقِرَاءَةُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَصَاحِفَنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَطُّ مَصَاحِفِنَا وَإِنْ كَانَ بِالنُّونِ لَا بِالدَّالِ، وَإِذْ كَانَتْ كَذَلِكَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُ رَسْمِ مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الصِّحَاحُ مِنَ الْقِرَاءَةِ إِلَّا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ دُونَ مَنْ شَذَّ بِقِرَاءَتِهِ عَنْهُمْ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ} قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} يَقُولُ: مَا كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ، فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} مَا كَانَ مَكْرهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: مَا كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ يُونُسَ وَعَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} قَالَا وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِأَوْهَنُ وَأَضْعَفُ مِنْ أَنْ تَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ. - قَالَ: قَالَ هَارُونُ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَرْبَعٌ فِي الْقُرْآنِ {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} مَا كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، وَقَوْلُهُ {لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} مَا كُنَّا فَاعِلِينَ، وَقَوْلُهُ {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، وَقَوْلُهُ {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ} مَا مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ. قَالَ هَارُونُ: وَحَدَّثَنِي بِهِنَّ عَمْرُو بْنُ أَسْبَاطَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَزَادَ فِيهِنَّ وَاحِدَةً {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} مَا كُنْتَ فِي شَكٍّ {مِمَّا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ}. فَالْأَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ، إِذْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ الَّتِي ذُكِرَتْ هِيَ الصَّوَابُ لِمَا بَيَّنَّا مِنَ الدَّلَالَةِ فِي قَوْلِهِ {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} وَقَدْ أَشْرَكَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِرَبِّهِمْ وَافْتَرَوْا عَلَيْهِ فِرْيَتَهُمْ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ اللَّهِ عِلْمُ شِرْكِهِمْ بِهِ وَافْتِرَائِهِمْ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُعَاقِبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَتَهُمُ الَّتِي هُمْ أَهْلُهَا، وَمَا كَانَ شِرْكُهُمْ وَفِرْيَتُهُمْ عَلَى اللَّهِ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، بَلْ مَا ضَرُّوا بِذَلِكَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، وَلَا عَادَتْ بُغْيَةَ مَكْرُوهِهِ إِلَّا عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَمْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْغَدْرُ: مَكْرٌ، وَالْمَكْرُ كُفْرٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ} الَّذِي وَعَدَهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ، وَجَحَدَ مَا أَتَوْهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ تَثْبِيتًا وَتَشْدِيدًا لِعَزِيمَتِهِ، وَمُعَرِّفَهُ أَنَّهُ مُنْـزِلٌ مِنْ سُخْطِهِ بِمَنْ كَذَّبَهُ وَجَحَدَ نُبُوَّتَهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مَا أَتَاهُ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، مِثَالُ مَا أَنْـزَلَ بِمَنْ سَلَكُوا سَبِيلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ عَلَى مِثْلِ مِنْهَاجِهِمْ مِنْ تَكْذِيبِ رُسُلِهِمْ وَجُحُودِ نُبُوَّتِهِمْ وَرَدِّ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} يَعْنِي بِقَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} لَا يُمَانَعُ مِنْهُ شَيْءٌ أَرَادَ عُقُوبَتَهُ، قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مِنْ طَلَبَهُ، لَا يَفُوتُهُ بِالْهَرَبِ مِنْهُ. {ذُو انْتِقَامٍ} مِمَّنا كَفَرَ بِرُسُلِهِ وَكَذَّبَهُمْ، وَجَحَدَ نُبُوَّتَهُمْ، وَأَشْرَكَ بِهِ وَاتَّخَذَ مَعَهُ إِلَهَا غَيْرَهُ. وَأُضِيفُ قَوْلُهُ (مُخْلِفَ) إِلَى الْوَعْدِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، لِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعِ الِاسْمِ، وَنُصِبَ قَوْلُهُ (رُسُلَهَ) بِالْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى: فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ رُسُلَهُ وَعْدَهُ، فَالْوَعْدُ وَإِنْ كَانَ مَخْفُوضًا بِإِضَافَةِ "مُخْلِفَ" إِلَيْهِ، فَفِي مَعْنَى النَّصْبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِخْلَافَ يَقَعُ عَلَى مَنْصُوبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: كَسَوْتُ عَبْدَ اللَّهِ ثَوْبًا، وَأَدْخَلْتُهُ دَارًا؛ وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ كَذَلِكَ يَقَعُ عَلَى مَنْصُوبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، جَازَ تَقْدِيمُ أَيِّهِمَا قُدِّمَ، وَخَفْضُ مَا وَلِيَ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ فِي صُورَةِ الْأَسْمَاءِ، وَنَصْبُ الثَّانِي، فَيُقَالُ: أَنَا مُدْخَلُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّارَ، وَأَنَا مُدْخَلُ الدَّارِ عَبْدَ اللَّهِ، إِنْ قَدَّمْتَ الدَّارَ إِلَى الْمُدْخَلِ وَأَخَّرْتَ عَبْدَ اللَّهِ خَفَضْتَ الدَّارَ، إِذْ أُضِيفَ مُدْخَلُ إِلَيْهَا، وَنُصِبَ عَبْدُ اللَّهِ؛ وَإِنْ قُدِّمَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِ، وَأُخِّرَتِ الدَّارُ، خُفِضَ عَبْدُ اللَّهِ بِإِضَافَةِ مُدْخَلٍ إِلَيْهِ، وَنُصِبَ الدَّارُ؛ وَإِنَّمَا فُعِلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْفِعْلَ، أَعْنِي مُدْخَلَ، يَعْمَلُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصْبًا نَحْوَ عَمَلِهِ فِي الْآخَرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: تَـرَى الثَّـوْرَ فِيهَـا مُدْخِلَ الظِّلَ رَأْسَهُ *** وَسَـائِرُهُ بَـادٍ إِلَـى الشَّـمْسِ أَجْـمَعُ أَضَافَ مُدْخَلَ إِلَى الظِّلِّ، وَنَصَبَ الرَّأْسَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: مُدْخِلَ رَأْسَهُ الظِّلَّ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ: فَرِشْـنِي بِخَـيْرٍ لَا أَكُـونَ وَمِدْحَـتِي *** كَنَـاحِتِ يَـوْمٍ صَخْـرَةٍ بِعُسَـيْلِ وَالْعُسَيْلُ: الرِّيشَةُ جُمِعَ بِهَا الطِّيِبُ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: كَنَاحِتِ صَخْرَةٍ يَوْمًا بِعُسَيْلٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ: رُبَّ ابْـنِ عَـمٍّ لِسُـلَيْمَى مُشْـمَعِلا *** طَبَّـاخِ سَـاعَاتِ الْكَـرَى زَادِ الْكَسِـلا وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: طَبَّاخٌ زَادِ الْكَسِلِ سَاعَاتِ الْكَرَى. فَأَمَّا مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} فَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ بُعْدِهِ مِنَ الصِّحَّةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، عِنْدَ قَوْلِهِ {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو انْتِقَامٍ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ مِنا قُرَيْشٍ، وَسَائِر مَنا كَفَرَ بِاللَّهِ وَجَحَدَ نُبُوَّتَكَ وَنُبُوَّةَ رُسُلِهِ مِنْ قَبْلِكَ. فَيَوْمٌ مِنْ صِلَةِ الِانْتِقَامِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ الَّتِي عَلَيْهَا النَّاسُ الْيَوْمَ فِي دَارِ الدُّنْيَا غَيْرَ هَذِهِ الْأَرْضِ، فَتَصِيرُ أَرْضًا بَيْضَاءَ كَالْفِضَّةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} قَالَ: أَرْضٌ كَالْفِضَّةِ نَقِيَّةٌ لَمْ يَسِلْ فِيهَا دَمٌ، وَلَمْ يُعْمَلْ فِيهَا خَطِيئَةٌ، يَسْمَعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفَذُهُمُ الْبَصَرُ، حُفَاةً عُرَاةً قِيَامًا، أَحْسَبُ قَالَ: كَمَا خُلِقُوا، حَتَّى يُلْجِمَهُمُ الْعَرَقُ قِيَامًا وَحْدَهُ. قَالَ: شُعْبَةُ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ اللَّهِ ثُمَّ عَاوَدْتُهُ فِيهِ، قَالَ: حَدِّثْنِيهِ هُبَيْرَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِبَّادٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ وَرُبَّمَا قَالَ: قَالَ عَبْدَ اللَّهِ: وَرُبَّمَا لَمَّ يَقُلْ، فَقُلْتُ لَهُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يَقُولُ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قَالَ: أَرْضٌ كَالْفِضَّةِ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، لَمْ يَسِلْ فِيهَا دَمٌ، وَلَمْ يُعْمَلْ فِيهَا خَطِيئَةٌ، فَيَنْفَذُهُمُ الْبَصَرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، حُفَاةً عُرَاةً كَمَا خُلِقُوا، قَالَ: أَرَاهُ قَالَ: قِيَامًا حَتَّى يُلْجِمَهُمُ الْعَرَقُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} قَالَ: تُبَدَّلُ أَرْضًا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً كَأَنَّهَا فِضَّةٌ، لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ حَرَامٌ، وَلَمْ يُعْمَلْ فِيهَا خَطِيئَةٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قَالَ: أَرْضُ الْجَنَّةِ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، لَمْ يُعْمَلْ فِيهَا خَطِيئَةٌ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفَذُهُمُ الْبَصَرُ، حُفَاةً عُرَاةً قِيَامًا يُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قَالَ: أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَالْفِضَّةِ لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ حَرَامٌ، وَلَمْ يُعْمَلْ فِيهَا خَطِيئَةٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} قَالَ: يُجَاءُ بِأَرْضٍ بَيْضَاءَ كَأَنَّهَا سَبِيكَةُ فِضَّةٍ لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ، وَلَمْ يُعْمَلْ عَلَيْهَا خَطِيئَةٌ، قَالَ: فَأَوَّلُ مَا يُحْكَمُ بَيْنَ النَّاسِ فِيهِ فِي الدِّمَاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سِنَانٍ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جُبَيْرَةَ، عَنْ زَيْدٍ، قَالَ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ لِمَ أَرْسَلْتُ إِلَيْهِمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْهِمْ أَسْأَلُهُمْ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} إِنَّهَا تَكُونُ يَوْمَئِذٍ بَيْضَاءَ مِثْلَ الْفِضَّةِ، فَلَمَّا جَاءُوا سَأَلَهُمْ. فَقَالُوا: تَكُونُ بَيْضَاءَ مِثْلَ النَّقِي». حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قَالَ: يُبَدِّلُهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَرْضٍ مِنْ فِضَّةٍ لَمْ يُعْمَلْ عَلَيْهَا الْخَطَايَا، يُنَـزِّلُهَا الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قَالَ: أَرْضٌ كَأَنَّهَا الْفِضَّةُ، زَادَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ شَبَابَةَ: وَالسَّمَوَاتُ كَذَلِكَ أَيْضًا كَأَنَّهَا الْفِضَّةُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قَالَ: أَرْضٌ كَأَنَّهَا الْفِضَّةُ، وَالسَّمَوَاتُ كَذَلِكَ أَيْضًا. حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثني أَبُو حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النَّقِي». قَالَ سَهْلٌ أَوْ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: تُبَدَّلُ نَارًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِالْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الْأَرْضُ كُلُّهَا نَارٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْجَنَّةُ مِنْ وَرَائِهَا تَرَى أَكْوَابَهَا وَكَوَاعِبَهَا، وَالَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَفِيضُ عَرَقًا، حَتَّى يَرْشَحَ فِي الْأَرْضِ قَدَمُهُ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ حَتَّى يَبْلُغَ أَنْفَهُ وَمَا مَسَّهُ الْحِسَابُ، فَقَالُوا: مِمَّ ذَاكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: مِمَّا يَرَى النَّاسُ وَيَلْقَوْنَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الْأَرْضُ كُلُّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارٌ، وَالْجَنَّةُ مِنْ وَرَائِهَا تَرَى كَوَاعِبَهَا وَأَكْوَابَهَا، وَيُلْجِمُ النَّاسَ الْعَرَقُ، أَوْ يَبْلُغُ مِنْهُمُ الْعَرَقُ، وَلَمْ يَبْلُغُوا الْحِسَابَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ أَرْضًا مِنْ فِضَّةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنِ الْمُجَاشِعِ أَوِ الْمُجَاشِعِيِّ، شَكَّ أَبُو مُوسَى، عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قَالَ: الْأَرْضُ مِنْ فِضَّةٍ، وَالْجَنَّةُ مِنْ ذَهَبٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةَ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ثني رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُجَاشِعٍ، يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ، أَوِ ابْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي هَذَا الرَّجُلُ أُرَاهُ بِسَمَرْقَنْدَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قَالَ: الْأَرْضُ مِنْ فِضَّةٍ، وَالْجَنَّةُ مِنْ ذَهَبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُجَاشِعٍ، يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ، أَوِ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: أَقَامَنِي عَلَى رَجُلٍ بِخُرَاسَانَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي هَذَا أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ}... الْآيَةَ، فَزَعَمَ أَنَّهَا تَكُونُ فِضَّةً. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: يُبَدِّلُهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَرْضٍ مِنْ فِضَّةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: يُبَدِّلُهَا خُبْزَةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو سَعْدٍ سَعِيدُ بْنُ دَلٍّ مِنا صغانيان، قَالَ: ثنا الْجَارُودُ بْنُ مُعَاذٍ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ بِشْرٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قَالَ: تُبَدَّلُ خُبْزَةً بَيْضَاءَ يَأْكُلُ الْمُؤْمِنُ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ أَبَى مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَوْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قَالَ: خُبْزَةً يَأْكُلُ مِنْهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} قَالَ: تَصِيرُ السَّمَاوَاتُ جِنَانًا وَيَصِيرُ مَكَانَ الْبَحْرِ النَّارُ. قَالَ: وَتُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَهَا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ يَزِيدُ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «"يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ فَيَبْسُطُهَا وَيُسَطِّحُهَا وَيَمُدُّهَا مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا، ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الْأَوْلَى مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا كَانَ فِي بَطْنِهَا وَمَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا، وَذَلِكَ حِينَ يَطْوِي السَّمَاوَاتِ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ، ثُمَّ يَدْحُو بِهِمَا، ثُمَّ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ"». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوَدَيِّ، قَالَ: يُجْمَعُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَرْضٍ بَيْضَاءَ، لَمْ يُعْمَلْ فِيهَا خَطِيئَةٌ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ سَنَةً يُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ. وَقَالَتْ عَائِشَة في ذَلِكَ، مَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ وَابْنُ بَزِيعٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا بُدِّلَتِ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ، وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، أَيْنَ النَّاسُ يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الصِّرَاط». حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ وَابْنُ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَائِشَة عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: «قُلْتُلِ عَائِشَة: " يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أَيْنَ النَّاسُ يَوْمئِذٍ؟ فَقَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ "». حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْوَرَّاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ، يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ الرَّازِيِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: «" سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا بُدِّلَتِ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ، أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ؟ قَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ ". » حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَة بنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَائِشَة أُمِّ الْمُؤْمِنِينَقَالَتْ: "أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ" ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا رِبْعِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَسَدِيُّ أَخُو إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «قَالَتْ عَائِشَة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِذَا بُدِّلَتِ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ، أَيْنَ النَّاسُ يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الصِّرَاط». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ الْجُنْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، قَالَ: «قَالَتْ عَائِشَة: يَا رَسُولَ اللَّهِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: إِنَّ هَذَا الشَّيْءَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ، قَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ يَا عَائِشَة "». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثني الْوَلِيدُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ بِلَالٍ الْمُزَنِيِّ، «عَنْ عَائِشَة: أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} قَالَ: قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتِنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي، ذَاكَ إِذَا النَّاسُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّم». حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَائِشَة «قَالَتْ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمئِذٍ؟ فَقَالَ: لَقَدْ سَأَلْتِ عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي قَبْلَكِ، قَالَ: هُمْ يَوْمَئِذٍ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ"». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنْ عَائِشَة سأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْأَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانِ، قَالَ: " «سَأَلَ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ؟ قَالَ: هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْر». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ ثَوْبَانَ الْكُلَاعِيُّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذْ يَقُولُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} فَأَيْنَ الْخَلْقُ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَضْيَافُ اللَّهِ فَلَنْ يُعْجِزَهُمْ مَا لَدَيْه». وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا الْيَوْمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرَهَا، وَكَذَلِكَ السَّمَاوَاتُ الْيَوْمَ تُبَدَّلُ غَيْرَهَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْمُبْدَلَةُ أَرْضًا أُخْرَى مِنْ فِضَّةٍ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ نَارًا وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ خُبْزًا، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا خَبَرَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ أَيُّ ذَلِكَ يَكُونُ، فَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ يَصِحُّ إِلَّا مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْـزِيلُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ (وَالسَّمَاوَاتُ) قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قَالَ: أَرْضًا كَأَنَّهَا الْفِضَّةُ (وَالسَّمَاوَاتُ) كَذَلِكَ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} يَقُولُ: وَظَهَرُوا لِلَّهِ الْمُنْفَرِدِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، الَّذِي يَقْهَرُ كُلَّ شَيْءٍ فَيَغْلِبُهُ وَيُصَرِّفُهُ لِمَا يَشَاءُ كَيْفَ يَشَاءُ، فَيُحْيِي خَلْقَهُ إِذَا شَاءَ، وَيُمِيتُهُمْ إِذَا شَاءَ، لَا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَقْهَرُهُ مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءً لِمَوْقِفِ الْقِيَامَةِ.
الْقَوْلُ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتُعَايِنُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ، فَاجْتَرَمُوا فِي الدُّنْيَا الشِّرْكَ يَوْمئِذٍ، يَعْنِي: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ. {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} يَقُولُ: مُقْرِنَةً أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ إِلَى رِقَابِهِمْ بِالْأَصْفَادِ، وَهِيَ الْوَثَاقُ مِنْ غُلٍّ وَسِلْسِلَةٍ، وَاحِدُهَا: صَفَدٌ، يُقَالُ مِنْهُ: صَفَّدْتُهُ فِي الصَّفَدِ صَفْدًا وَصِفَادًا، وَالصِّفَادُ: الْقَيْدُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ: فَـآبُوا بِالنِّهَـابِ وَبِالسَّـبَايَا *** وَأُبْنَـا بِـالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَـا وَمَنْ جَعَلَ الْوَاحِدَ مِنْ ذَلِكَ صِفَادًا جَمَعَهُ: صُفُدًا لَا أَصْفَادًا، وَأَمَّا مِنَ الْعَطَاءِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ مِنْهُ: أَصْفَدْتُهُ إِصْفَادًا، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: تَضَيَّفْتُـهُ يَوْمًـا فَـأَكْرَمَ مَجْلِسِـي *** وَأَصْفَـدَنِي عِنْـدَ الزَّمَانَـةِ قَـائِدَا وَقَدْ قِيلَ فِي الْعَطَاءِ أَيْضًا: صَفَدَنِي صَفْدًا، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ: هَـذَا الثَّنَـاءُ فَـإِنْ تَسْـمَعْ لِقَائِلِـهِ *** فَمَـا عَـرَضْتُ أبَيْـتَ اللَّعْـنَ بِالصَّفَدِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} يَقُولُ: فِي وَثَاقٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدَّامِغَانِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: الْأَصْفَادُ: السَّلَاسِلُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} قَالَ: مُقَرَّنِينَ فِي الْقُيُودِ وَالْأَغْلَالِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ، يَقُولُ: الصَّفَدُ: الْقَيْدُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} قَالَ: صُفِّدَتْ فِيهَا أَيْدِيهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَرِقَابُهُمْ، وَالْأَصْفَادُ: الْأَغْلَالُ. وَقَوْلُهُ {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} يَقُولُ: قُمُصُهُمُ الَّتِي يَلْبَسُونَهَا، وَاحِدُهَا: سِرْبَالٌ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: لَعُوبٌ تُنَسِّينِي إِذَا قُمْتُ سِرْبَالِي حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} قَالَ: السَّرَابِيلُ: الْقُمُصُ. وَقَوْلُهُ {مِنْ قَطِرَانٍ} يَقُولُ: مِنَ الْقَطْرَانِ الَّذِي يُهْنَأُ بِهِ الْإِبِلُ، وَفِيهِ لُغَاتٌ ثَلَاثٌ: يُقَالُ: قَطِرَانٌ وَقَطْرَانٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَسْكِينِ الطَّاءِ مِنْهُ. وَقِيلَ: إِنَّ عِيسَى بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْرَأُ "مِنْ قِطْرَانٍ" بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَسْكِينِ الطَّاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ: جَـوْنٌ كَـأَنَّ الْعَـرَقَ الْمَنْتُوحَـا *** لَبَّسَـهُ الْقِطْـرَانَ وَالْمُسُـوحَا بِكَسْرِ الْقَافِ، وَقَالَ أَيْضًا: كَـأَنَّ قِطْرَانًـا إِذَا تَلَاهَـا *** تَـرْمِي بِـهِ الـرِّيحُ إِلَـى مَجْرَاهَـا بِالْكَسْرِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ يَقُولُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ {مِنْ قَطِرَانٍ} يَعْنِي: الْخَصْخَاصَ هِنَاءَ الْإِبِلِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ {مِنْ قَطِرَانٍ} قَالَ: قَطْرَانُ الْإِبِلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَطْرَانُ: النُّحَاسُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَطْرَانٍ: نُحَاسٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {مِنْ قَطِرَانٍ} نُحَاسٌ. حَدَّثْنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {مِنْ قَطِرَانٍ} قَالَ: هِيَ نُحَاسٌ، وَبِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ: أَعْنِي بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الطَّاءِ، وَتَصْيِيرٍ ذَلِكَ كُلِّهِ كَلِمَةً وَاحِدَةً، قَرَأَ ذَلِكَ جَمِيعُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، وَبِهَا نَقْرَأُ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: "مِنْ قِطْرٍ آنٍ" بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَسْكِينِ الطَّاءِ وَتَنْوِينِ الرَّاءِ وَتَصْيِيرِ آنٍ مِنْ نَعْتِهِ، وَتَوْجِيهُ مَعْنَى الْقِطْرِ إِلَى أَنَّهُ النُّحَاسُ، وَمَعْنَى الْآنِ، إِلَى أَنَّهُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ فِي الشِّدَّةِ. وَمِمَّنْ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَ لَنَا عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْهُ. ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرْتُ فِيهِ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قِطْرٍ آنٍ" قَالَ: قِطْرٌ، وَالْآنُ: الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قِطْرٍ آنٍ". حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَفَّانُ، قَالَ: ثنا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ لِلشَّيْءِ إِذَا انْتَهَى حَرُّهُ: قَدْ أَنِيَ حَرُّ هَذَا، قَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ مُنْذُ خُلِقَتْ فَأَنِيَ حَرُّهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قِطْرٍ آنٍ" قَالَ: الْقِطْرُ: النُّحَاسُ، وَالْآنُ: يَقُولُ: قَدْ أَنِيَ حَرُّهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ: حَمِيمٍ آنٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثنا هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قِطْرٍ آنٍ" قَالَ: مِنْ نُحَاسٍ، قَالَ: آنٍ أُنِيَ لَهُمْ أَنْ يُعَذَّبُوا بِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ " مِنْ قِطْرٍ آنٍ" قَالَ: الْآنِيُّ: الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: " مِنْ قِطْرٍ آنٍ" قَالَ: هُوَ النُّحَاسُ الْمُذَابُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ " مِنْ قِطْرٍ آنٍ" يَعْنِي: الصُّفْرَ الْمُذَابُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قِطْرٍ آنٍ" قَالَ: مِنْ نُحَاسٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، قَالَ: ثنا أَبُو حَفْصٍ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ " مِنْ قِطْرٍ آنٍ" قَالَ: مِنْ صُفْرٍ قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا "مِنْ قِطْرٍ آنٍ". وَقَوْلُهُ {وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} يَقُولُ: وَتَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ فَتُحْرِقُهَا {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} يَقُولُ: فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِمْ جَزَاءً لَهُمْ بِمَا كَسَبُوا مِنَ الْآثَامِ فِي الدُّنْيَا، كَيْمَا يُثِيبَ كُلَّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَيَجْزِيَ الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} يَقُولُ: إِنَّاللَّهَ عَالِمٌ بِعَمَلِ كُلِّ عَامِلٍ، فَلَا يَحْتَاجُ فِي إِحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ إِلَى عَقْدِ كَفٍّ وَلَا مُعَانَاةٍ، وَهُوَ سَرِيعُ حِسَابِهِ لِأَعْمَالِهِمْ، قَدْ أَحَاطَ بِهَا عِلْمًا، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الْقُرْآنُ بَلَاغٌ لِلنَّاسِ، أَبْلَغَ اللَّهُ بِهِ إِلَيْهِمْ فِي الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَأَعْذَرَ إِلَيْهِمْ بِمَا أَنْـزَلَ فِيهِ مِنْ مَوَاعِظِهِ وَعِبَرِهِ {وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} يَقُولُ: وَلِيُنْذَرُوا عِقَابَ اللَّهِ، وَيَحْذَرُوا بِهِ نَقَمَاتِهِ، أَنْـزَلَهُ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} يَقُولُ: وَلِيَعْلَمُوا بِمَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُجَجِ فِيهِ أَنَمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ، لَا آلِهَةً شَتَّى، كَمَا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، الَّذِي سَخَّرَ لَهُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَأَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَهُمْ، وَسَخَّرَ لَهُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَهُمُ الْأَنْهَارَ. {وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} يَقُولُ: وَلِيَتَذَكَّرَ فَيَتَّعِظَ بِمَا احْتَجَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ حُجَجِهِ الَّتِي فِي هَذَا الْقُرْآنِ، فَيَنْـزَجِرَ عَنْ أَنْ يَجْعَلَ مَعَهُ إِلَهًا غَيْرَهُ، وَيُشْرِكَ فِي عِبَادَتِهِ شَيْئًا سِوَاهُ أَهْلُ الْحِجَى وَالْعُقُولِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الِاعْتِبَارِ وَالِادِّكَارِ دُونَ الَّذِينَ لَا عُقُولَ لَهُمْ وَلَا أَفْهَامَ، فَإِنَّهُمْ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ} قَالَ: الْقُرْآنُ {وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} قَالَ: بِالْقُرْآنِ. {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}. آخَرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
|