الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ رَبَّكَ إِذِ اسْتَخْرَجَ وَلَدُ آدَمَ مِنْ أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، فَقَرَّرَهُمْ بِتَوْحِيدِهِ، وَأَشْهَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ شَهَادَتَهُمْ بِذَلِكَ، وَإِقْرَارَهُمْ بِهِ. كَمَا:- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ يَعْنِي عَرَفَةَ فَأَخْرَجَ مَنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قَبَلًا فَقَالَ: " {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا}..." الْآيَةَ، إِلَى {بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}»، ". حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَ كُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ قَالَ: سَأَلَتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قَالَ: سَأَلَتُ عَنْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَسَحَ رَبُّكَ ظَهَرَ آدَمَ، فَخَرَجَتْ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِنَعْمَانَ هَذِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَيَعْقُوبُ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا كُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} قَالَ: مَسَحَ رَبُّكَ ظَهَرَ آدَمَ، فَخَرَجَتْ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِنَعْمَانَ هَذَا الَّذِي وَرَاءَ عَرَفَةَ، وَأَخَذَ مِيثَاقَهُمْ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}، اللَّفْظُ لِحَدِيثِ يَعْقُوبَ. وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومَ، عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: {قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَخْبَرْنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ، أَهْبَطَهُ بَدَهْنَا، أَرْضٍ بِالْهِنْدِ، فَمَسَحَ اللَّهُ ظَهْرَهُ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ بَارِئُهَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُهْبِطَ آدَمُ حِينَ أُهْبِطَ، فَمَسَحَ اللَّهُ ظَهْرَهُ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَالَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}، ثُمَّ تَلَا {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}، فَجَفَّ الْقَلَمُ مِنْ يَوْمئِذٍ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، أَخَذَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ ظَهْرِهِ مِثْلَ الذَّرِّ، فَقَبَضَ قَبْضَتَيْنِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ: "ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ "، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ: " ادْخُلُوا النَّارَ وَلَا أُبَالِي ". حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَسَحَ اللَّهُ ظَهَرَ آدَمَ، فَأَخْرَجَ كُلَّ طِيبٍ فِي يَمِينِهِ، وَأَخْرَجَ كُلَّ خَبِيثٍ فِي الْأُخْرَى. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَسَحَ اللَّهُ ظَهَرَ آدَمَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قَالَ: لِمَا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسْحَ ظَهْرَهُ بدَحْنَا، وَأَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} قَالَ: فَيُرَوْنَ يَوْمئِذٍ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لِمَا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ مِيثَاقَهُ، فَمَسَحَ ظَهْرَهُ، فَأَخَذَ ذُرِّيَّتَهُ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، فَكَتَبَ آجَالَهُمْ وَأَرْزَاقَهُمْ وَمَصَائِبَهُمْ، {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}. قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قَالَ: لِمَا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، أَخَذَ مِيثَاقَهُ أَنَّهُ رَبُّهُ، وَكَتَبَ أَجَلَهُ وَمَصَائِبَهُ، وَاسْتَخْرَجَ ذَرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ، وَأَخَذَ مِيثَاقَهُمْ، وَكَتَبَ آجَالَهُمْ وَأَرْزَاقَهُمْ وَمَصَائِبَهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} قَالَ: مَسَحَ اللَّهُ ظَهْرَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ بِبَطْنِ نُعْمَانَ، وَادٍ إِلَى جَنْبِ عَرَفَةَ، وَأَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مَنْ ظَهْرِهِ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخْرَجَ اللَّهُ ذَرِّيَّةَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ ظَهْرِهِ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، وَهُوَ فِي آذِيٍّ مِنَ الْمَاءِ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لِلضِّحَاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، ابْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ قَالَ: فَقَالَ: يَا جَابِرُ إِذَا أَنْتَ وَضَعَتِ ابْنِي فِي لَحْدِهِ، فَأَبْرِزْ وَجْهَهُ، وَحُلَّ عَنْهُ عُقَدَهُ، فَإِنَّ ابْنِي مُجْلَسٌ وَمَسْئُولٌ! فَفَعَلَتُ بِهِ الَّذِي أَمَرَنِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ، قُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، عَمَّ يُسْأَلُ ابْنُكَ؟ مَنْ يَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ قَالَ: يُسْأَلُ عَنِ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قُلْتُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَمَا هَذَا الْمِيثَاقُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْبِ آدَمَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّهَ مَسَحَ صُلْبَ آدَمَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالْأَرْزَاقِ، فَلَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يُولَدَ مَنْ أُعْطِيَ الْمِيثَاقُ يَوْمئِذٍ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ الْآخَرَ فَوَفَّى بِهِ نَفْعَهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ أَدْرَكَ الْمِيثَاقَ الْآخَرَ فَلَمْ يَفِ بِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ مَاتَ صَغِيرًا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الْمِيثَاقَ الْآخَرَ مَاتَ عَلَى الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى الْفِطْرَةِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ، حَدَّثَهُمْ «عَنِ الْأَسْودِ بْنِ سَرِيعٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ غَزَوَاتٍ قَالَ: فَتَنَاوَلَ الْقَوْمُ الذُّرِّيَّةَ بَعْدَ مَا قَتَلُوا الْمُقَاتِلَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَاوَلُونَ الذُّرِّيَّةَ؟ " فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسُوا أَبْنَاءَ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ! أَلَّا إِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةُ تُولَدُ إِلَّا وُلِدَتْ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَمَا تَزَالُ عَلَيْهَا حَتَّى يَبِينَ عَنْهَا لِسَانُهَا، فَأَبَوَاهَا يُهَوِّدَانِهَا أَوْ يَنْصُرَانِهَا" قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، قَالَ: " {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}». حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْأَجْلَحِ، عَنِ الضَّحَّاكِ وَعَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) قَالَ: "أَخَذُوا مِنْ ظَهْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ بِالْمُشْطِ مِنَ الرَّأْسِ، فَقَالَ لَهُمْ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين» ". حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فِي قَوْلِهِ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) قَالَ: أَخَذَهُمْ كَمَا يَأْخُذُ الْمُشْطُ مِنَ الرَّأْسِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ حُمَيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) قَالَ: أَخَذَهُمْ كَمَا يَأْخُذُ الْمُشْطَ عَنِ الرَّأْسِ. قَالَ ابْنُ حُمَيدٍ: كَمَا يُؤْخَذُ بِالْمُشْطِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عِبَادَةَ، وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ}، فَقَالَ عُمْرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ بِيَمِينِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: "خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ". ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: "خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ; وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدُ لِلنَّارِ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهُ النَّار». حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ جُعْثُمٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُمْرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ عِمَارَةَ، «عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ رَجُلٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ: سَأَلَتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قَالَ: سَأَلَتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: "خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، ثُمَّ أَجْلَسَهُ فَمَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، فَأَخْرَجَ ذَرْءًا، فَقَالَ: "ذَرْءٌ ذَرَأَتْهُمْ لِلْجَنَّةِ"، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، فَقَالَ: "ذَرْءٌ ذَرَأَتْهُمْ لِلنَّارِ، يَعْمَلُونَ فِيمَا شِئْتُ مِنْ عَمَلٍ، ثُمَّ أَخْتِمُ لَهُمْ بِأَسْوَأِ أَعْمَالِهِمْ فَأُدْخِلُهُمُ النَّارَ".» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ أَخْرَجَ ذَرِّيَّتَهُ مِنْ صُلْبِهِ مِثْلَ الذَّرِّ، فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ رَبُّنَا، ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِهِ، حَتَّى يُولَدَ كُلُّ مَنْ أَخَذَ مِيثَاقَهُ لَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}،.. إِلَى قَوْلِهِ: {قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ لِمَا خَلَقَ آدَمَ مَسْحَ ظَهَّرَهُ، وَأَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ كُلَّهُمْ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، فَأَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَجَعَلَ مَعَ بَعْضِهِمُ لنُّورَ، وَإِنَّهُ قَالَ لِآدَمَ: هَؤُلَاءِ ذَرِّيَّتُكَ آخِذٌ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ: أَنَا رَبُّهُمْ، لِئَلَّا يُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، وَعَلَيَّ رِزْقُهُمْ. قَالَ آدَمُ: فَمَنْ هَذَا الَّذِي مَعَهُ النُّورُ؟ قَالَ: هُوَ دَاوُدُ. قَالَ: يَا رَبِّ كَمْ كَتَبْتَ لَهُ مِنَ الْأَجَلِ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: كَمْ كَتَبَتْ لِي؟ قَالَ: أَلْفَ سَنَةٍ، وَقَدْ كَتَبْتُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ كَمْ يُعَمَّرُ وَكَمْ يَلْبَثُ. قَالَ: يَا رَبِّ زِدْهُ. قَالَ: هَذَا الْكِتَابُ مَوْضُوعٌ فَأَعْطِهِ إِنْ شِئْتَ مِنْ عُمْرِكَ! قَالَ: نَعَمَ. وَقَدْ جَفَّ الْقَلَمُ عَنْ أَجَلِ سَائِرِ بَنِي آدَمَ، فَكَتَبَ لَهُ مِنْ أَجَلِ آدَمَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَصَارَ أَجَلُهُ مِائَةَ سَنَةٍ. فَلَمَّا عُمِّرَ تِسْعَ مِائَةِ سَنَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ; فَلَمَّا رَآهُ آدَمُ قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ لَهُ: قَدِ اسْتَوْفَيْتَ أَجَلَكَ. قَالَ لَهُ آدَمُ: إِنَّمَا عُمِّرْتُ تِسْعَ مِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَبَقِيَ أَرْبَعُونَ سَنَةً. قَالَ: فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ لِلْمَلِكِ، قَالَ الْمَلِكُ: قَدْ أَخْبَرَنِي بِهَا رَبِّي. قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ! فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ رَجَعْتُ إِلَيْكَ لِمَا كُنْتُ أَعْلَمُ مِنْ تَكْرِمَتِكَ إِيَّاهُ. قَالَ اللَّهُ: ارْجِعْ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ أَعْطَى ابْنَهُ دَاوُدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ مُوسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ضَرْبَ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ، فَخَرَجَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ لِلْجَنَّةِ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْجَنَّةِ. ثُمَّ ضَرَبَ مَنْكِبَهُ الْأَيْسَرَ، فَخَرَجَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ لِلنَّارِ سَوْدَاءَ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ النَّارِ. ثُمَّ أَخَذَ عُهُودَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ لَهُ وَلِأَمْرِهِ، وَالتَّصْدِيقِ بِهِ وَبِأَمْرِهِ، بَنِي آدَمَ كُلِّهِمْ، فَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا وَعَرَفُوا وَأَقَرُّوا. وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَخْرَجَهُمْ عَلَى كَفِّهِ أَمْثَالَ الْخَرْدَلِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لِمَا أَخْرَجَهُمْ قَالَ: يَا عِبَادَ اللَّهِ أَجِيبُوا اللَّهَ- "وَالْإِجَابَةُ": الطَّاعَةُ- فَقَالُوا: أَطَعْنَا، اللَّهُمَّ أَطَعْنَا، اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ! قَالَ: فَأَعْطَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَنَاسِكِ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ". قَالَ: ضَرَبَ مَتْنَ آدَمَ حِينَ خَلَقَهُ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ أَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ ظَهْرِهِ مِثْلَ الذَّرِّ، فَكَلَّمَهُمْ، ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِهِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ تَكَلَّمَ فَقَالَ: "رَبِّيَ اللَّهُ ". فَقَالَ: وَكُلُّ خَلْقٍ خُلِقَ فَهُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ بِنَعْمَانَ-وَنَعْمَانُ مِنْ وَرَاءِ عَرَفَةَ- "أَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}، عَنِ الْمِيثَاقِ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: جَمَعَهُمْ يَوْمئِذٍ جَمِيعًا، مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ اسْتَنْطَقَهُمْ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ )، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ، وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ نَعْلَمْ بِهَذَا! اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي، وَلَا رَبَّ غَيْرِي، وَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، وَأَنِّي سَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلًا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَسَأَنُزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي! قَالُوا: شَهِدْنَا أَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا، لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ لَنَا غَيْرُكَ. فَأَقَرُّوا لَهُ يَوْمئِذٍ بِالطَّاعَةِ، وَرَفَعَ عَلَيْهِمْ أَبَاهُمْ آدَمَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ، فَرَأَى مِنْهُمُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ، وَحَسَنَ الصُّورَةِ، وَدُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَبِّ لَوْلَا سَاوَيْتَ بَيْنَهُمْ! قَالَ: فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُشْكَرَ. قَالَ: وَفِيهِمُ لْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ لسَّلَامُ يَوْمئِذٍ مَثَلُ السُّرُجِ. وَخَصَّ الْأَنْبِيَاءَ بِمِيثَاقٍ آخَرَ قَالَ اللَّهُ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}، [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 7] وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}، [سُورَةُ الرُّومِ: 30] وَفِي ذَلِكَ قَالَ: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى}، [سُورَةُ النَّجْمِ: 56] يَقُولُ: أَخَذْنَا مِيثَاقَهُ مَعَ النُّذُرِ الْأُولَى، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}، [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 102]، [وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى] {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}، [سُورَةُ يُونُسَ: 74] قَالَ: كَانَ فِي عِلْمِهِ يَوْمَ أَقَرُّوا بِهِ، مَنْ يُصَدِّقُ وَمَنْ يُكَذِّبُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) قَالَ: أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهَرِ آدَمَ، وَجَعَلَ لِآدَمَ عُمْرَ أَلْفَ سَنَةٍ. قَالَ: فَعَرَضُوا عَلَى آدَمَ، فَرَأَى رَجُلًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ لَهُ نُورٌ فَأَعْجَبَهُ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ دَاوُدُ، قَدْ جُعِلَ عُمْرُهُ سِتِّينَ سَنَةً! فَجَعَلَ لَهُ مِنْ عُمْرِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً; فَلِمَا احْتُضِرَ آدَمُ، جَعَلَ يُخَاصِمُهُمْ فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ أَعْطَيْتُهَا دَاوُدَ ! قَالَ: فَجَعَلَ يُخَاصِمُهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) قَالَ: أَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ ظَهْرِهِ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، فَعَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَآجَالِهِمْ! قَالَ: فَعَرَضَ عَلَيْهِ رُوحُ دَاوُدَ فِي نُورٍ سَاطِعٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، نَبِيٌّ خَلِيفَةٌ. قَالَ: كَمْ عُمْرُهُ؟ قَالَ: سِتُّونَ سَنَةً قَالَ: زِيدُوهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: وَالْأَقْلَامُ رَطْبَةٌ تَجْرِي. فَأُثْبِتَ لِدَاودَ الْأَرْبَعُونَ، وَكَانَ عُمْرُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلْفَ سَنَةٍ; فَلَمَّا اسْتَكْمَلَهَا إِلَّا الْأَرْبَعِينَ سَنَةً، بُعِثَ إِلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ: يَا آدَمُ أُمِرْتُ أَنْ أَقْبِضَكَ قَالَ: أَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: فَرَجَعَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ آدَمَ يَدَّعِي مِنْ عُمْرِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً! قَالَ: أَخْبِرْ آدَمَ أَنَّهُ جَعَلَهَا لِابْنِهِ داودَ وَالْأَقْلَامُ رَطْبَةٌ! فَأُثْبِتَتْ لِدَاودَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، بِنَحْوِهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ} قَالَ: أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ حَتَّى أُخِذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقُ، ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي صُلْبِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ نَضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قَالَ: أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ حَتَّى أُخِذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقُ، ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي صُلْبِهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي بِسِطَامَ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: حَيْثُ ذَرَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: خَلَقَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، ثُمَّ أَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ ظَهْرِهِ، فَكَلَّمَهُمُ للَّهُ وَأَنْطَقَهُمْ، فَقَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِهِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا قَدْ تَكَلَّمَ فَقَالَ: "رَبِّيَ اللَّهُ "، وَإِنَّ الْقِيَامَةَ لَنْ تَقُومَ حَتَّى يُولَدَ مَنْ كَانَ يَوْمئِذٍ أُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ )، [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 83] وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}، [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 149] يَعْنِي: يَوْمَ أَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ: حَدَّثَنَا عُمْرُ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: أَخْرَجَ اللَّهُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَمْ يَهْبِطْ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ مَسَحَ صَفْحَةَ ظَهْرِهِ الْيُمْنَى، فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّتَهُ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، أَبْيَضَ، مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ، فَقَالَ لَهُمْ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي! وَمَسَحَ صَفْحَةَ ظَهْرِهِ الْيُسْرَى، فَأَخْرَجَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ سُودًا، فَقَالَ: ادْخُلُوا النَّارَ وَلَا أُبَالِي! فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: "أَصْحَابُ الْيَمِينِ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ"، ثُمَّ أُخِذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقُ، فَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ طَائِعِينَ، وَطَائِفَةٌ كَارِهِينَ عَلَى وَجْهِ التَّقِيَّةِ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: "وَطَائِفَةٌ عَلَى وَجْهِ التَّقِيَّةِ" فَقَالَ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ: " {شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} ". فَلِذَلِكَ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إِلَّا وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ رَبَّهُ اللَّهُ، وَلَا مُشْرِكٍ إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ لِابْنِهِ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}، وَالْأُمَّةُ: الدِّينُ {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}، [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 23] وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}، [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 83] وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}، [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 149] يَعْنِي يَوْمَ أُخِذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ: ("مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتَهُمْ") قَالَ: مَسَحَ اللَّهُ عَلَى صُلْبِ آدَمَ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَخَذَ مِيثَاقَهُمْ أَنَّهُ رَبُّهُمْ، فَأَعْطُوهُ ذَلِكَ، وَلَا تَسْأَلْ أَحَدًا كَافِرًا وَلَا غَيْرَهُ مَنْ رَبُّكَ؟ إِلَّا قَالَ: "اللَّهُ ". وَقَالَ الْحَسَنُ مَثَلَ ذَلِكَ أَيْضً. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ، وَيَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍ الْقُرَظِيِّ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قَالَ: أَقَرَّتِ الْأَرْوَاحُ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ أَجْسَادُهَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَتَادَةَ النَّصْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُبْدَأُ الْأَعْمَالُ أَمْ قَدْ قُضِيَ الْقَضَاءُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ، ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَفَاضَ بِهِمْ فِي كَفَّيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ"، فَأَهْلُ الْجَنَّةِ مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ النَّار». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَيَزِيدُ قَالَا حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَتَادَةَ النَّصْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي [عَبْدُ اللَّهِ بْنُ] أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَرْثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنْ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاخْتَلَفَ فِي قَوْلِهِ: {شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}، فَقَالَ السُّدِّيَّ: هُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ إِذْ أَقَرَّ بَنُو آدَمَ بِرُبُوبِيَّتِهِ حِينَ قَالَ لَهُمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ فَقَالُوا: "بَلَى". فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: " {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} ". فَقَالَ اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ: شَهِدْنَا عَلَيْكُمْ بِإِقْرَارِكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّكُمْ، كَيْلَا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. وَقَدْ ذُكِرَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى، وَالْخَبَرُ الْآخَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ خَبَّرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ بَعْضِ بَنِي آدَمَ لِبَعْضٍ، حِينَ أَشْهَدَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ}، وَأَشْهَدَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِإِقْرَارِهِمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ أَيْضًا عَمَّنْ قَالَهُ قَبْلُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ صَحِيحًا، وَلَا أَعْلَمُهُ صَحِيحًا; لِأَنَّ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَى حِفْظِهِمْ وَإِتْقَانِهِمْ حَدَّثُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، فَوَقَفُوهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْحَدِيثِ هَذَا الْحَرْفَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَيْبَةَ عَنْهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْهُ صَحِيحًا، فَالظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَبَّرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ بَنِي آدَمَ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ، لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَقَالَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُقِرِّينَ حِينَ أَقَرُّوا، فَقَالُوا: "بَلَى": شَهِدْنَا عَلَيْكُمْ بِمَا أَقْرَرْتُمْ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، كَيْلَا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: شَهِدْنَا عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّكُمْ، كَيْلَا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: " {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} "، إِنَّا كُنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ، وَكُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْهُ أَوْ تَقُولُوا: {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ}، اتَّبَعْنَا مِنْهَاجَهُمْ (أَفَتُهْلِكُنَا)، بِإِشْرَاكِ مَنْ أَشْرَكَ مِنْ أَبَائِنًا، وَاتِّبَاعِنَا مِنْهَاجَهُمْ عَلَى جَهْلٍ مِنَّا بِالْحَقِّ؟ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}، بِمَا فَعَلَ الَّذِينَ أَبْطَلُوا فِي دَعْوَاهُمْ إِلَهًا غَيْرَ اللَّهِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: "أَنْ يَقُولُوا" بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: شَهِدْنَا لِئَلَّا يَقُولُوا، عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْغَيَبِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: {أَنْ تَقُولُوا}، بِالتَّاءِ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ مِنَ الشُّهُودِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، مُتَّفِقَتَا التَّأْوِيلِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمَا، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْحِكَايَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} وَ(لَيُبَيِّنُنَّهُ) [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 187]، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِرَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمَا فَصَلْنَا يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَبَيِّنًا فِيهَا مَا فَعَلْنَا بِالْأُمَمِ السَّالِفَةِ قَبْلَ قَوْمِكَ، وَأَحْلَلْنَا بِهِمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ بِكُفْرِهِمْ وَإِشْرَاكِهِمْ فِي عِبَادَتِي غَيْرِي، كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ غَيْرَهَا وَنُبَيِّنُهَا لِقَوْمِكَ، لِيَنْـزَجِرُوا وَيَرْتَدِعُوا، فَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِي وَيَتُوبُوا مِنْ شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، فَيَرْجِعُوا إِلَى الْإِيمَانِ وَالْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِي وَإِفْرَادِ الطَّاعَةِ لِي وَتَرْكِ عِبَادَةِ مَا سِوَايَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاتْلُ"، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى قَوْمِكَ "نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا"، يَعْنِي خَبَرَهُ وَقِصَّتَهُ. وَكَانَتْ آيَاتُ اللَّهِ لِلَّذِي آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا فِيمَا يُقَالُ: اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَقِيلَ: النُّبُوَّةُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قَالَ: هُوَ بَلْعَمُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: هُوَ بَلْعَمُ بْنُ أبر. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: بَلْعَمُ بْنُ أبر. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وَابْنُ أَبِي عُدَيٍّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَلَمْ يَقِلْ: "بْنُ أبر". حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: بَلْعَمُ بْنُ أبر. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ بَلْعَمُ بْنُ بَاعِرٍ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} إِلَى {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}، هُوَ بَلْعَمُ بْنُ أبر. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرْنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مَنْصُورِ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَثَّلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ابْنُ أبُر، بِضَمِّ "الْبَاءِ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِيَ مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ يُقَالُ لَهُ: بَلْعَمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قَالَ: بَلْعَامُ بْنُ بَاعِرٍ، مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِيَ حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ فِي الَّذِي {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قَالَ: هُوَ بَلْعَامُ. وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: هُوَ بَلْعَمُ. قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: هُوَ بَلْعَمُ. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: هُوَ بَلْعَامُ. حَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ بَلْعَمُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ بَلْعَمُ. وَقَالَتْ ثَقِيفٌ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ بَلْعَمُ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِيَ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِيَ عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِيَ أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يُدْعَى بَلْعَمُ، مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قَالَ: هُوَ رَجُلٌ مَنْ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ يُقَالُ لَهُ: بَلْعَمُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ غُطَيْفٍ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ يَعْقُوبَ وَنَافِعِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قَالَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: هُوَ صَاحِبُكُمْ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَوَهَبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، بِمَثَلِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} قَالَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قَالَ: هُوَ صَاحِبُكُمْ يَعْنِي أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ. قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ فَضَالَّةَ أَوِ ابْنِ فَضَالَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: هُوَ أُمَيَّةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: تَذَاكَرُوا فِي جَامِعِ دِمَشْقَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا}، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَـزَلَتْ فِي بَلْعَمَ بْنِ بَاعُورَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَـزَلَتْ فِي الرَّاهِبِ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العاصِ، فَقَالُوا: فِيمَنْ نَـزَلَتْ هَذِهِ؟ قَالَ: نَـزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ: {الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قَالَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يُشَكُّ فِيهِ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ: بَلْعَمُ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي كَانَ أُوتِيَهَا، الَّتِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتِ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لِمَا انْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً يَعْنِي الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً}، [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 26] بُعِثَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ نَبِيًّا، فَدَعَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْجَبَّارِينَ، فَبَايَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ. وَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: "بَلْعَم" وَكَانَ عَالَمًا يَعْلَمُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ الْمَكْتُومَ، فَكَفَرَ، وَأَتَى الْجَبَّارِينَ، فَقَالَ: لَا تَرْهَبُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنِّي إِذَا خَرَجْتُمْ تُقَاتِلُونَهُمْ أَدْعُو عَلَيْهِمْ دَعْوَةً فَيَهْلَكُونَ! وَكَانَ عِنْدَهُمْ فِيمَا شَاءَ مِنَ الدُّنْيَا، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ النِّسَاءَ مِنْ عِظَمِهِنَّ، فَكَانَ يَنْكِحُ أَتَانًا لَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}: أَيْ تَبَصَّرَ، فَانْسَلَخَ مِنْهَا، إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: " بَلْعَم "، وَكَانَ يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قَالَ: كَانَ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْآيَاتُ الَّتِي كَانَ أُوتِيَهَا كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلْعَامُ بْنُ بَاعِر أُوتِيَ كِتَابًا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ غَيْرِهِ قَالَ: الْحَارِثُ: قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: يَعْنِي: عَنْ غَيْرِ نَفْسِهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ نَبِيٌّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَعْنِي بَلْعَمَ، أُوتِيَ النُّبُوَّةَ، فَرَشَاهُ قَوْمُهُ عَلَى أَنْ يَسْكُتَ، فَفَعَلَ وَتَرَكَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْآيَةِ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}، فَحَدَّثَ عَنْ سَيَّارٍ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ " بَلْعَامُ "، وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ، وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْلُوَ عَلَى قَوْمِهِ خَبَرَ رَجُلٍ كَانَ اللَّهُ آتَاهُ حُجَجَهُ وَأَدِلَّتَهُ، وَهِيَ "الْآيَاتُ". وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى "الْآيَاتِ": الْأَدِلَّةُ وَالْأَعْلَامُ، فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كَانَ اللَّهُ آتَاهُ ذَلِكَ "بَلْعَم" وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أُمَيَّةَ. وَكَذَلِكَ "الْآيَاتُ" إِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْحُجَّةِ الَّتِي هِيَ بَعْضُ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنَـزَلَها عَلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ، فَتَعَلُّمُهَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَعَنَاهُ بِهَا; فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كَانَ أُوتِيَهَا "بَلْعَم" وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ "أُمَيَّةَ "، لِأَن" أُمَيَّةَ " كَانَ، فِيمَا يُقَالُ، قَدْ قَرَأَ مَنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى كِتَابٍ أَنَـزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ أَمَرَ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَتْلُوَ عَلَى قَوْمِهِ نَبَّأَهُ أَوْ بِمَعْنَى اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ أَوْ بِمَعْنَى النُّبُوَّةِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ "أُمَيَّةُ "; لِأَن" أُمَيَّةَ " لَا تَخْتَلِفُ الْأُمَّةُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أُوتِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا خَبَرَ بِأَيِّ ذَلِكَ الْمُرَادِ، وَأَيِّ الرَّجُلَيْنِ الْمَعْنِيِّ، يُوجِبُ الْحُجَّةَ، وَلَا فِي الْعَقْلِ دَلَالَةٌ عَلَى أَيِّ ذَلِكَ الْمَعْنِيُّ بِهِ مِنْ أَيٍّ. فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مَا قَالَ اللَّهُ، وَنُقِرُّ بِظَاهِرِ التَّنـْزِيلِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْوَحْيُ مِنَ اللَّهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا}، فَإِنَّهُ يَعْنِي: خَرَجَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي كَانَ اللَّهُ آتَاهَا إِيَّاهُ، فَتَبَرَّأَ مِنْهَا. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نـَزَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.... يَعْنِي بِالْجَبَّارِينَ وَمَنْ مَعَهُ، أَتَاهُ يَعْنِي بَلْعَمَ أَتَاهُ بَنُو عَمِّهِ وَقَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّ مُوسَى رَجُلٌ حَدِيدٌ، وَمَعَهُ جُنُودٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ إِنْ يَظْهَرْ عَلَيْنَا يُهْلِكْنَا. فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَ عَنَّا مُوسَى وَمِنْ مَعَهُ. قَالَ: إِنِّي إِنْ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَ مُوسَى وَمِنْ مَعَهُ ذَهَبَتْ دُنْيَايَ وَآخِرَتِي! فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى دَعَا عَلَيْهِمْ، فَسَلَخَهُ اللَّهُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ اللَّهُ آتَاهُ آيَاتِهِ فَتَرَكَهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قَالَ: نـُزِعَ مِنْهُ الْعِلْمُ. وَقَوْلُهُ: {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ}، يَقُولُ: فَصَيَّرَهُ لِنَفْسِهِ تَابِعًا يَنْتَهِي إِلَى أَمْرِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَيُخَالِفُ أَمْرَ رَبِّهِ فِي مَعْصِيَةِ الشَّيْطَانِ وَطَاعَةِ الرَّحْمَنِ. وَقَوْلُهُ: {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}، يَقُولُ: فَكَانَ مِنَ الْهَالِكِينَ، لِضَلَالِهِ وَخِلَافِهِ أَمْرَ رَبِّهِ، وَطَاعَةَ الشَّيْطَانِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَا هَذَا الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا بِآيَاتِنَا الَّتِي آتَيْنَاهُ {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}، يَقُولُ: سَكَنَ إِلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْأَرْضِ، وَمَالَ إِلَيْهَا، وَآثَرَ لَذَّتَهَا وَشَهَوَاتِهَا عَلَى الْآخِرَةِ " {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} "، وَرَفَضَ طَاعَةَ اللَّهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ. وَكَانَتْ قِصَّةُ هَذَا الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ خَبَّرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي خَبَرِهِ وَأَمْرِهِ، مَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَ الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْآيَةِ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}، فَحَدَّثَ عَنْ سَيَّارٍ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ بَلْعَامُ، وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ، وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ قَالَ: وَإِنَّ مُوسَى أَقْبَلَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُرِيدُ الْأَرْضَ الَّتِي فِيهَا بَلْعَامُ أَوْ قَالَ الشَّأْمَ قَالَ: فَرُعِبُ النَّاسُ مِنْهُ رُعْبًا شَدِيدًا. قَالَ: فَأَتَوْا بَلْعَامَ، فَقَالُوا: ادْعُ اللَّهَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَجَيْشِهِ! قَالَ: حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي أَوْ حَتَّى أُؤَامِرَ قَالَ: فَوَامَرَ فِي الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ، فَقِيلَ لَهُ: لَا تَدْعُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ عِبَادِي، وَفِيهِمْ نَبِيُّهُمْ! قَالَ: فَقَالَ لِقَوْمِهِ: إِنِّي قَدْ وَامَرْتُ رَبِّيَ فِي الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ، وَإِنِّي قَدْ نُهِيتُ. قَالَ: فَأَهْدَوْا إِلَيْهِ هَدِيَّةً فَقَبِلَهَا. ثُمَّ رَاجَعُوهُ، فَقَالُوا: ادْعُ عَلَيْهِمْ! فَقَالَ: حَتَّى أُوَامِرَ! فَوَامَرَ، فَلَمْ يَحُرْ إِلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَقَالَ: قَدْ وَامَرْتُ فَلَمْ يَحُرْ إِلَيَّ شَيْءٌ! فَقَالُوا: لَوْ كَرِهَ رَبُّكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَيْهِمْ، لَنَهَاكَ كَمَا نَهَاكَ الْمَرَّةَ الْأُولَى. قَالَ: فَأَخَذَ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، فَإِذَا دَعَا عَلَيْهِمْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ الدُّعَاءُ عَلَى قَوْمِهِ; وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ أَنْ يُفْتَحَ لِقَوْمِهِ، دَعَا أَنْ يُفْتَحَ لِمُوسَى وَجَيْشِهِ أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَالَ: فَقَالُوا مَا نَرَاكَ تَدْعُو إِلَّا عَلَيْنَا! قَالَ: مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِي إِلَّا هَكَذَا، وَلَوْ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مَا اسْتُجِيبَ لِي، وَلَكِنْ سَأَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ عَسَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَلَاكُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الزِّنَا، وَإِنَّهُمْ إِنْ وَقَعُوا بِالزِّنَا هَلَكُوا، وَرَجَوْتُ أَنْ يُهْلِكَهُمُ للَّهُ، فَأَخْرِجُوا النِّسَاءَ فَلْيَسْتَقْبِلْنَهُمْ، وَإِنَّهُمْ قَوْمٌ مُسَافِرُونَ، فَعَسَى أَنْ يَزِنُوا فَيَهْلَكُوا. قَالَ: فَفَعَلُوا، وَأَخْرَجُوا النِّسَاءَ يَسْتَقْبِلْنَهُمْ. قَالَ: وَكَانَ لِلْمَلِكِ ابْنَةٌ، فَذُكِرَ مِنْ عِظَمِهَا مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ! قَالَ: فَقَالَ أَبُوهَا، أَوْ بَلْعَامَ: لَا تُمَكِّنِي نَفْسَكِ إِلَّا مِنْ مُوسَى ! قَالَ: وَوَقَعُوا فِي الزِّنَا. قَالَ: وَأَتَاهَا رَأْسُ سِبْطٍ مِنْ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهِ قَالَ: فَقَالَتْ: مَا أَنَا بِمُمَكِّنَةٍ نَفْسِي إِلَّا مِنْ مُوسَى ! قَالَ: فَقَالَ: إِنَّ مِنْ مَنْـزِلَتِي كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّ مِنْ حَالِي كَذَا وَكَذَا! قَالَ: فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِيهَا تَسْتَأْمِرُهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهَا: فَأَمْكِنِيهِ. قَالَ: وَيَأْتِيهِمَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَارُونَ وَمَعَهُ الرُّمْحُ فَيَطْعَنُهُمَا قَالَ: وَأَيَّدَهُ اللَّهُ بِقُوَّةٍ فَانْتَظَمَهُمَا جَمِيعًا، وَرَفَعَهُمَا عَلَى رُمْحِهِ. قَالَ: فَرَآهُمَا النَّاسُ أَوْ كَمَا حَدَّثَ. قَالَ: وَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطَّاعُونَ. قَالَ: فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ: فَحَدَّثَنِي سَيَّارٌ أَنَّ بَلْعَامًا رَكِبَ حَمَّارَةً لَهُ، حَتَّى إِذَا أَتَى الْفُلُولَ أَوْ قَالَ: طَرِيقًا بَيْنَ الْفُلُولِ جَعَلَ يَضْرِبُهَا وَلَا تُقْدِمُ. قَالَ: وَقَامَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: عَلَّامَ تَضْرِبُنِي؟ أَمَا تَرَى هَذَا الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ! قَالَ: فَإِذَا الشَّيْطَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: فَنَـزَلَ فَسَجَدَ لَهُ، قَالَ اللَّهُ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} قَالَ: فَحَدَّثَنِي بِهَذَا سَيَّارٌ، وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَبَلَغَنِي حَدِيثُ رَجُلٍ مَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُحَدِّثُ: أَنْ مُوسَى سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَطْبَعَهُ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. قَالَ: فَفَعَلَ اللَّهُ. قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ مُوسَى قَتَلَهُ بَعْدُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، أَنَّهُ حَدَّثَ: أَنَّ مُوسَى لِمَا نـَزَلَ فِي أَرْضِ بَنِي كَنْعَانَ مِنْ أَرْضِ الشَّأْمِ [وَكَانَ بَلْعَمُ بِبَالِعَةَ، قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ. فَلَمَّا نـَزَلَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ الْمَنـْزِلَ] أَتَى قَوْمُ بَلْعَمَ إِلَى بَلْعَمَ، فَقَالُوا لَهُ: يَا بَلْعَمُ، إِنَّ هَذَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَدْ جَاءَ يُخْرِجُنَا مِنْ بِلَادِنَا وَيَقْتُلُنَا وَيُحِلُّهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيُسْكِنُهَا، وَإِنَّا قَوْمَكَ، وَلَيْسَ لَنَا مَنـْزِلٌ، وَأَنْتَ رَجُلٌ مُجَابُ الدَّعْوَةِ، فَاخْرُجْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ! فَقَالَ: وَيْلَكُمْ! نَبِيُّ اللَّهِ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ، كَيْفَ أَذْهَبُ أَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَأَنَا أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ!! قَالُوا: مَا لَنَا مِنْ مَنـْزِلٍ! فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ يُرَقِّقُونَهُ، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ، حَتَّى فَتَنُوهُ فَافْتُتِنَ. فَرَكِبَ حَمَّارَةً لَهُ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْجَبَلِ الَّذِي يَطْلَعُهُ عَلَى عَسْكَرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَهُوَ جَبَلُ حُسْبَانَ. فَلَمَّا سَارَ عَلَيْهَا غَيْرَ كَثِيرٍ رَبَضَتْ بِهِ، فَنَـزَلَ عَنْهَا، فَضَرَبَهَا، حَتَّى إِذَا أَذْلَقَهَا قَامَتْ فَرَكِبَهَا فَلَمْ تَسِرْ بِهِ كَثِيرًا حَتَّى رَبَضَتْ بِهِ. فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَامَتْ فَرَكِبَهَا فَلَمْ تَسِرْ بِهِ كَثِيرًا حَتَّى رَبَضَتْ بِهِ. فَضَرَبَهَا حَتَّى إِذَا أَذْلَقَهَا، أَذِنَ اللَّهُ لَهَا، فَكَلَّمَتْهُ حُجَّةً عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: وَيَحُكَّ يَا بَلْعَمُ! أَيْنَ تَذْهَبُ؟ أَمَا تَرَى الْمَلَائِكَةَ أَمَامِيَ تَرُدُّنِي عَنْ وَجْهِي هَذَا؟ أَتَذْهَبُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ تَدْعُو عَلَيْهِمْ! فَلَمَّ يَنْـزِعْ عَنْهَا يَضْرِبُهَا، فَخَلَّى اللَّهُ سَبِيلَهَا حِينَ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ. قَالَ: فَانْطَلَقَتْ حَتَّى أَشْرَفَتْ بِهِ عَلَى رَأْسِ جَبَلِ حُسْبَانَ عَلَى عَسْكَرِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ، جَعْلَ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، فَلَا يَدْعُو عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ إِلَّا صُرِفَ بِهِ لِسَانُهُ إِلَى قَوْمِهِ، وَلَا يَدْعُو لِقَوْمِهِ بِخَيْرٍ إِلَّا صُرِفَ لِسَانُهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ قَوْمُهُ: أَتَدْرِي يَا بَلْعَمُ مَا تَصْنَعُ؟ إِنَّمَا تَدْعُو لَهُمْ، وَتَدْعُو عَلَيْنَا! قَالَ: فَهَذَا مَا لَا أَمْلِكُ، هَذَا شَيْءٌ قَدْ غَلَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَانْدَلَعَ لِسَانُهُ فَوَقَعَ عَلَى صَدْرِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ ذَهَبَتِ الْآنَ مِنِّي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمَكْرُ وَالْحِيلَةُ، فَسَأَمْكُرُ لَكُمْ وَأَحْتَالُ، جَمِّلُوا النِّسَاءَ وَأَعْطُوهُنَّ السِّلَعَ، ثُمَّ أَرْسَلُوهُنَّ إِلَى الْعَسْكَرِ يَبِعْنَهَا فِيهِ، وَمُرُوهُنَّ فَلَا تَمْنَعُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ أَرَادَهَا، فَإِنَّهُمْ إِنْ زَنَى مِنْهُمْ وَاحِدٌ كُفِيتُمُوهُمْ! فَفَعَلُوا; فَلَمَّا دَخَلَ النِّسَاءُ الْعَسْكَرَ مَرَّتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ اسْمُهَا " كَسْبَى ابْنَةُ صور"، رَأْسُ أَمَتِهِ، بِرَجُلٍ مِنْ عُظَمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ زمري بْنُ شلوم، رَأْسُ سِبْطِ شَمْعُونَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَأَخَذَ بِيَدِهَا حِينَ أَعْجَبَهُ جَمَالُهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا حَتَّى وَقَفَ بِهَا عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: إِنِّي أَظُنُّكَ سَتَقُولُ هَذِهِ حَرَامٌ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: أَجَلْ هِيَ حَرَامٌ عَلَيْكَ لَا تَقْرَبْهَا! قَالَ: فَوَاللَّهِ لَا نُطِيعُكَ فِي هَذَا، فَدَخَلَ بِهَا قُبَّتَهُ فَوَقَعَ عَلَيْهَا. وَأَرْسَلَ اللَّهُ الطَّاعُونَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ فنحاص بْنُ العيزار بْنِ هَارُونَ، صَاحِبَ أَمْرِ مُوسَى، وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أُعْطِيَ بَسْطَةً فِي الْخَلْقِ وَقُوَّةً فِي الْبَطْشِ، وَكَانَ غَائِبًا حِينَ صَنَعَ زمري بْنُ شلوم مَا صَنَعَ. فَجَاءَ وَالطَّاعُونُ يَحُوسُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأُخْبِرَ الْخَبَرَ، فَأَخَذَ حَرْبَتَهُ. وَكَانَتْ مِنْ حَدِيدٍ كُلِّهَا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ الْقُبَّةَ وَهُمَا مُتَضَاجِعَانِ، فَانْتَظَمَهُمَا بِحَرْبَتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمَا رَافِعُهُمَا إِلَى السَّمَاءِ، وَالْحَرْبَةُ قَدْ أَخَذَهَا بِذِرَاعِهِ، وَاعْتَمَدَ بِمِرْفَقِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ، وَأَسْنَدَ الْحَرْبَةَ إِلَى لَحْيَيْهِ، وَكَانَ بِكْرَ الْعِيزَارِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَكَذَا نَفْعَلُ بِمَنْ يَعْصِيكَ! وَرُفِعَ الطَّاعُونُ، فَحُسِبَ مَنْ هَلَكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الطَّاعُونِ، فِيمَا بَيْنُ أَنْ أَصَابَ زِمري الْمَرْأَةَ إِلَى أَنَّ قَتْلَهُ فنحاص، فَوُجِدُوا قَدْ هَلَكَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَالْمُقَلِّلُ يَقُولُ: عِشْرُونَ ألفاً فِي سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ. فَمِنْ هُنَالِكَ تُعْطِي بَنُو إِسْرَائِيلَ وَلَدَ فنحاص بْنِ العيزار بْنِ هَارُونَ مِنْ كُلِّ ذَبِيحَةٍ ذَبَحُوهَا الْقِبَةَ وَالذِّرَاعَ وَاللَّحْيَ، لِاعْتِمَادِهِ بِالْحَرْبَةِ عَلَى خَاصِرَتِهِ وَأَخْذِهِ إِيَّاهَا بِذِرَاعِهِ وَإِسْنَادِهِ إِيَّاهَا إِلَى لِحْيَيْهِ وَالْبِكْرَ مِنْ كُلِّ أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، لِأَنَّهُ كَانَ بِكْرَ الْعِيزَارِ. فَفِي بَلْعَمَ بْنِ بَاعُورَ، أَنَـزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}، يَعْنِي بَلْعَمَ، {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}،.. إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: انْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ بَلْعَمُ، فَأَتَى الْجَبَّارِينَ فَقَالَ: لَا تَرْهَبُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنِّي إِذَا خَرَجْتُمْ تُقَاتِلُونَهُمْ أَدْعُو عَلَيْهِمْ فَيَهْلَكُونَ فَخَرَجَ يُوشِعُ يُقَاتِلُ الْجَبَّارِينَ فِي النَّاسِ. وَخَرَجَ بَلْعَمُ مَعَ الْجَبَّارِينَ عَلَى أَتَانِهِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَلْعَنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، دَعَا عَلَى الْجَبَّارِينَ، فَقَالَ الْجَبَّارُونَ: إِنَّكَ إِنَّمَا تَدْعُو عَلَيْنَا! فَيَقُولُ: إِنَّمَا أَرَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ الْمَدِينَةِ، أَخَذَ مَلَكٌ بِذَنَبِ الْأَتَانِ، فَأَمْسَكَهَا، فَجَعَلَ يُحَرِّكُهَا فَلَا تَتَحَرَّكُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ ضَرْبَهَا، تَكَلَّمَتْ فَقَالَتْ: أَنْتَ تَنْكِحُنِي بِاللَّيْلِ وَتَرْكَبُنِي بِالنَّهَارِ؟ وَيَلِي مِنْكَ! وَلَوْ أَنِّي أَطَقْتُ الْخُرُوجَ لَخَرَجْتُ، وَلَكِنَّ هَذَا الْمَلَكَ يَحْبِسُنِي. وَفِي بَلْعَمَ يَقُولُ اللَّهُ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا}.. الْآيَةَ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ سَمِعَ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ: قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ: أَرُونِي مُوسَى، فَأَنَا أَفْتِنُهُ! قَالَ: فَتَطَيَّبَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى رَجُلٍ يُشْبِهُ مُوسَى، فَوَاقَعَهَا، فَأَتَى ابْنُ هَارُونَ فَأُخْبِرَ، فَأَخَذَ سَيْفًا، فَطَعَنَ بِهِ فِي إِحْلِيلِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ قُبُلِهَا ثُمَّ رَفَعَهُمَا حَتَّى رَآهُمَا النَّاسُ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مُوسَى، فَفَضُلَ آلُ هَارُونَ فِي الْقُرْبَانِ عَلَى آلِ مُوسَى بِالْكَتَدِ وَالْعَضُدِ وَالْفَخِذِ قَالَ: فَهُوَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا، يَعْنِي بَلْعَمَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَرَفَعْنَاهُ بِعِلْمِهِ بِهَا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}، لَرَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ لَرَفَعْنَا عَنْهُ الْحَالَ الَّتِي صَارَ إِلَيْهَا مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ بِآيَاتِنَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}: لَدَفَعْنَاهُ عَنْهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}: لَدَفَعْنَاهُ عَنْهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَمَّ الْخَبَرَ بِقَوْلِهِ: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}، أَنَّهُ لَوْ شَاءَ رَفَعَهُ بِآيَاتِهِ الَّتِي آتَاهُ إِيَّاهَا. وَالرَّفْعُ يَعُمُّ مَعَانِيَ كَثِيرَةً، مِنْهَا الرَّفْعُ فِي الْمَنْـزِلَةِ عِنْدَهُ، وَمِنْهَا الرَّفْعُ فِي شَرَفِ الدُّنْيَا وَمَكَارِمهَا. وَمِنْهَا الرَّفْعُ فِي الذِّكْرِ الْجَمِيلِ وَالثَّنَاءِ الرَّفِيعِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَنَى كُلَّ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لِرَفَعَهُ، فَأَعْطَاهُ كُلُّ ذَلِكَ، بِتَوْفِيقِهِ لِلْعَمَلِ بِآيَاتِهِ الَّتِي كَانَ آتَاهَا إِيَّاهُ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ أَنْ لَا يَخُصَ مِنْهُ شَيْءٌ، إِذْ كَانَ لَا دَلَالَةَ عَلَى خُصُوصِهِ مِنْ خَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (بِهَا)، فَإِنَّ ابْنَ زَيْدٍ قَالَ فِي ذَلِكَ كَالَّذِي قُلْنَا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}، بِتِلْكَ الْآيَاتِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ قَالُوا فِيهِ نَحْوَ قَوْلِنَا فِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}، يَعْنِي: رَكَنَ إِلَى الْأَرْضِ. قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} قَالَ: نـَزَعَ إِلَى الْأَرْضِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "أَخْلَدَ": سَكَنَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلعَامُ بْنُ بَاعِرٍ أُوتِيَ كِتَابًا، فَأَخْلَدَ إِلَى شَهَوَاتِ الْأَرْضِ وَلَذَّتِهَا وَأَمْوَالِهَا، لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ. حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}، أَمَّا {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}: فَاتَّبَعَ الدُّنْيَا، وَرَكَنَ إِلَيْهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَصِلُ "الْإِخْلَادِ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْإِبْطَاءُ وَالْإِقَامَةُ، يُقَالُ مِنْهُ: "أَخْلَدَ فُلَانٌ بِالْمَكَانِ"، إِذَا أَقَامَ بِهِ وَأَخْلَدَ نَفْسُهُ إِلَى الْمَكَانِ" إِذَا أَتَاهُ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ: لِمَـنِ الدِّيَـارُ غَشِـيتُهَا بِـالْفَدْفَدِ *** كَـالْوَحْيِ فِـي حَجَـرِ الْمَسِـيلِ الْمُخْلِدِ يَعْنِي الْمُقِيمَ، وَمِنْهُ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ: بِأَبْنَـاءِ حَـيٍّ مِـنْ قَبَـائِلَ مَـالِكٍ *** وَعَمْـرِو بـْنِ يَرْبُـوعٍ أَقَامُوا فَأَخْلَدُوا وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ: "أَخْلَدَ": لَزِمَ وَتَقَاعَسَ وَأَبْطَأَ، و"الْمُخَلَّدُ" أَيْضًا: هُوَ الَّذِي يَبْطُئُ شَيْبُهُ مِنَ الرِّجَالِ وَهُوَ مِنَ الدَّوَابِّ، الَّذِي تَبْقَى ثَنَايَاهُ حَتَّى تَخْرُجَ رُبَاعِيَتَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}، فَإِنَّ ابْنُ زَيْدٍ قَالَ فِي تَأْوِيلِهِ، مَا: حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} قَالَ: كَانَ هَوَاهُ مَعَ الْقَوْمِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمِثْلَ هَذَا الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا، مِثْلُ الْكَلْبِ الَّذِي يَلْهَثُ، طَرَدْتُهُ أَوْ تَرَكْتُهُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ جَعَلَ اللَّهُ مَثَلَهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَثَّلَهُ بِهِ فِي اللَّهْثِ، لِتَرْكِهِ الْعَمَلَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ الَّتِي آتَاهَا إِيَّاهُ، وَإِعْرَاضِهِ عَنْ مَوَاعِظَ اللَّهِ الَّتِي فِيهَا إِعْرَاضُ مَنْ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ: إِذْ كَانَ سَوَاءً أَمْرُهُ، وُعِظَ بِآيَاتِ اللَّهِ الَّتِي آتَاهَا إِيَّاهُ، أَوْ لَمْ يُوعَظْ، فِي أَنَّهُ لَا يَتَّعِظُ بِهَا، وَلَا يَتْرُكُ الْكُفْرَ بِهِ، فَمَثَلُهُ مَثَلُ الْكَلْبِ الَّذِي سَوَاءٌ أَمْرُهُ فِي لَهْثِهِ، طُرِدَ أَوْ لَمْ يُطْرَدْ، إِذْ كَانَ لَا يَتْرُكُ اللَّهْثَ بِحَالٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَاِ أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ} قَالَ: تَطْرُدُهُ، هُوَ مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْكِتَابَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِيَ حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ مُجَاهِدٌ: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ} قَالَ: تَطْرُدُهُ بِدَابَّتِكَ وَرِجْلِكَ "يَلْهَثُ"، قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْكِتَابَ وَلَا يَعْمَلُ بِمَا فِيهِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْكَلْبُ مُنْقَطِعُ الْفُؤَادِ، لَا فُؤَادَ لَهُ، إِنْ حَمَلْتَ عَلَيْهِ يَلْهَثُ، أَوْ تَتْرُكُهُ يَلْهَثُ. قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يَتْرُكُ الْهُدَى لَا فُؤَادَ لَهُ، إِنَّمَا فُؤَادَهُ مُنْقَطِعٌ. حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ بَعْضِهِمْ: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}، فَذَلِكَ هُوَ الْكَافِرُ، هُوَ ضَالٌّ إِنْ وَعَظَتْهُ وَإِنْ لَمْ تَعِظْهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ الْحِكْمَةُ لَمْ يَحْمِلْهَا، وَإِنَّ تُرِكَ لَمْ يَهْتَدِ لِخَيْرٍ، كَالْكَلْبِ إِنْ كَانَ رَابِضًا لَهَثَ وَإِنَّ طُرِدَ لَهَثَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آتَاهُ اللَّهُ آيَاتِهِ فَتَرَكَهَا، فَجَعَلَ اللَّهُ مَثَلَهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ: " {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} ". حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ}، الْآيَةَ، هَذَا مَثَلٌ ضَرْبَهُ اللَّهُ لِمَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْهُدَى، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ وَتَرَكَهُ قَالَ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: هُوَ الْمُنَافِقُ " {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} " قَالَ: هَذَا مَثَلُ الْكَافِرِ مَيِّتِ الْفُؤَادِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا مَثَّلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْكَلْبِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَلْهَثُ كَمَا يَلْهَثُ الْكَلْبُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}، وَكَانَ بَلْعَمُ يَلْهَثُ كَمَا يَلْهَثُ الْكَلْبُ. وَأَمَّا "تَحْمِلُ عَلَيْهِ": فَتَشُدُّ عَلَيْهِ. قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ لِتَرْكِهِ الْعَمَلَ بِآيَاتِ اللَّهِ الَّتِي آتَاهَا إِيَّاهُ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: سَوَاءٌ وُعِظَ أَوْ لَمْ يُوعَظْ، فِي أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ أَمْرَ رَبِّهِ، كَمَا سَوَاءٌ حُمِلَ عَلَى الْكَلْبِ وَطُرِدَ أَوْ تُرِكَ فَلَمْ يُطْرَدْ، فِي أَنَّهُ لَا يَدَعُ اللَّهْثَ فِي كِلْتَا حَالَتَيْهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ، لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}، فَجَعَلَ ذَلِكَ مِثْلَ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ اللُّهَاثَ لَيْسَ فِي خِلْقَةِ كُلِّ مُكَذِّبٍ كُتِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ الْإِنَابَةِ مِنْ تَكْذِيبِهِ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُِ اللَّهُ لَهُمْ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ لِلَّذِي وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، كَمَا هُوَ لِسَائِرِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ، مَثَلٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبْتُهُ لِهَذَا الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا، مِثْلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِنَا وَأَعْلَامِنَا وَأَدِلَّتِنَا، فَسَلَكُوا فِي ذَلِكَ سَبِيلَ هَذَا الْمُنْسَلِخِ مِنْ آيَاتِنَا الَّذِي آتَيْنَاهَا إِيَّاهُ، فِي تَرْكِهِ الْعَمَلَ بِمَا آتَيْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ}، فَإِنَّهُ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاقْصُصْ، يَا مُحَمَّدُ، هَذَا الْقَصَصَ، الَّذِي اقْتَصَصْتُهُ عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا، وَأَخْبَارَ الْأُمَمِ الَّتِي أَخْبَرْتُكَ أَخْبَارَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَاقْتَصَصْتُ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ وَنَبَأَ أَشْبَاهِهِمْ، وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عُقُوبَتِنَا، وَنـَزَلَ بِهِمْ حِينَ كَذَبُوا رُسُلَنَا مِنْ نِقْمَتِنَا عَلَى قَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمِنْ قِبْلِكَ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِيَتَفَكَّرُوا فِي ذَلِكَ، فَيَعْتَبِرُوا وَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِنَا، لِئَلَّا يَحِلُّ بِهِمْ مِثْلُ الَّذِي حَلَّ بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ النِّقَمِ وَالْمَثُلَاتِ، وَيَتَدَبَّرُهُ الْيَهُودُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَعْلَمُوا حَقِيقَةَ أَمْرِكَ وَصِحَّةَ نُبُوَّتِكَ، إِذْ كَانَ نَبَأُ " {الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} " مِنْ خَفِيِّ عُلُومِهِمْ، وَمَكْنُونِ أَخْبَارِهِمْ، لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا أَحْبَارُهُمْ، وَمَنْ قَرَأَ الْكُتُبَ وَدَرَسَهَا مِنْهُمْ. وَفِي عَلْمِكَ بِذَلِكَ وَأَنْتَ أُمِّيٌّ لَا تَكْتُبُ، وَلَا تَقْرَأُ، وَلَا تَدْرُسُ الْكُتُبَ، وَلَمْ تُجَالِسْ أَهْلَ الْعِلْمِ الْحُجَّةُ الْبَيِّنَةُ لَكَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولُ، وَأَنَّكَ لَمْ تَعْلَمْ مَا عَلِمَتَ مِنْ ذَلِكَ، وَحَالُكَ الْحَالُ الَّتِي أَنْتَ بِهَا، إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ أَبُو النَّضْرِ يَقُولُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ قَدْ جِئْتُهُمْ بِخَبَرٍ مَا كَانَ فِيهِمْ مِمَّا يُخْفُونَ عَلَيْكَ " {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} "، فَيَعْرِفُونَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الْخَبَرِ عَمَّا مَضَى فِيهِمْ إِلَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِ اللَّهِ وَأَدْلَّتِهِ فَجَحَدُوهَا، وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَنْقُصُونَ حُظُوظَهَا، وَيَبْخَسُونَهَا مَنَافِعَهَا، بِتَكْذِيبِهِمْ بِهَا لَا غَيْرَهَا. وَقِيلَ: " {سَاءَ مَثَلًا} " مِنَ السُّوءِ"، بِمَعْنَى: بِئْسَ مَثَلًا [مَثَلُ الْقَوْمِ] وَأُقِيمَ "الْقَوْمُ" مَقَامَ "الْمَثَلِ"، وَحُذِفَ "الْمَثَلُ"، إِذْ كَانَ الْكَلَامُ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ}، [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 177] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَلَكِنَّ الْبَرَّ، بِرُ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِرَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
|