الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ}، يَعْنِي أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الَّذِي يُرِي عِبَادَهُ الْبَرْقَ وَقَوْلُهُ: (هُوَ) كِنَايَةُ اسْمِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "الْبَرْقِ "، فِيمَا مَضَى، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: (خَوْفًا) يَقُولُ: خَوْفًا لِلْمُسَافِرِ مِنْ أَذَاهُ. وَذَلِكَ أَنَّ "الْبَرْقَ "، الْمَاءُ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ سَالِمٍ أَبُو جَهْضَمٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبِي الْجَلْدِ يَسْأَلُهُ عَنِ "الْبَرْقِ "، فَقَالَ: "الْبَرْقُ "، الْمَاءُ. وَقَوْلُهُ: (وَطَمَعًا) يَقُولُ: وَطَمَعًا لِلْمُقِيمِ أَنْ يُمْطَرَ فَيَنْتَفِعُ. كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا}، يَقُولُ: خَوْفًا لِلْمُسَافِرِ فِي أَسْفَارِهِ، يَخَافُ أَذَاهُ وَمَشَقَّتَهُ (وَطَمَعًا،) لِلْمُقِيمِ، يَرْجُو بَرَكَتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ، وَيَطْمَعُ فِي رِزْقِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {خَوْفًا وَطَمَعًا} خَوْفًا لِلْمُسَافِرِ، وَطَمَعًا لِلْمُقِيمِ. وَقَوْلُهُ: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}: وَيُثِيرُ السَّحَابَ الثِّقَالُ بِالْمَطَرِ وَيَبْدَؤُهُ. يُقَالُ مِنْهُ: أَنْشَأَ اللَّهُ السَّحَابَ: إِذَا أَبْدَأَهُ، وَنَشَأَ السَّحَابُ: إِذَا بَدَأَ يَنْشَأُ نَشْأً. وَ "السَّحَابُ "فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهَا جَمْعٌ، وَاحِدَتُهَا "سَحَابَةٌ "، وَلِذَلِكَ قَالَ: "الثِّقَالُ "، فَنَعَتَهَا بِنَعْتِ الْجَمْعِ، وَلَوْ كَانَ جَاءَ: "السَّحَاب" الثَّقِيلُ كَانَ جَائِزًا، وَكَانَ تَوْحِيدًا لِلَفْظِ السَّحَابِ، كَمَا قِيلَ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا} [سُورَةُ يس: 80]. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}، قَالَ: الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} قَالَ: الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ. وَقَوْلُهُ: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّعْدِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ قَالَ كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ قَالَ: «بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ الشَّدِيدِ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ». حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَ الْحَدِيثَ: «أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ قَالَ: "سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ الْيَسَعَ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ قَالَ: سُبْحَانَ مَنْ سَبَّحْتَ لَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ قَالَ: "سُبْحَانَ الَّذِي سَبَّحْتَ لَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَخْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ قَالَ: "سُبْحَانَ مَنْ سَبَّحْتَ لَهُ أَوْ "سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالْمَلَائِكَةُ مَنْ خِيفَتِهِ . حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ قَالَ: "سُبْحَانَ مَنْ سَبَحْتَ لَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي زَكَرِيَّا يَقُولُ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الرَّعْدَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، لَمْ تُصِبْهُ صَاعِقَةٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ}، وَيُعَظِّمُ اللَّهَ الرَّعْدُ وَيُمَجِّدُهُ، فَيُثْنِي عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ، وَيُنَـزِّهُهُ مِمَّا أَضَافَ إِلَيْهِ أَهْلُ الشِّرْكِ بِهِ وَمِمَّا وَصَفُوهُ بِهِ مِنَ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ، تَعَالَى رَبُّنَا وَتَقَدَّسَ. وَقَوْلُهُ: {مِنْ خِيفَتِهِ} يَقُولُ: وَتُسَبِّحُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَةِ اللَّهِ وَرَهْبَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ}. فَقَدّ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّاعِقَةِ، فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنَ الشَّوَاهِدِ، وَذَكَرْنَا مَا فِيهَا مِنَ الرِّوَايَةِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيمَنْ أُنْـزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نـَزَلَتْ فِي كَافِرٍ مِنَ الْكَفَّارِ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ بِغَيْرِ مَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ بِهِ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ صَاعِقَةً أَهْلَكَتْهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنَيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صُحَارٍ الْعَبْدِيِّ: «أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ إِلَى جَبَّارٍ يَدْعُوهُ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ رَبَّكُمْ، أَذَهَبٌ هُوَ أَمْ فِضَّةٌ هُوَ أَمْ لُؤْلُؤٌ هُوَ؟ " قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يُجَادِلُهُمْ، إِذْ بَعَثَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ صَاعِقَةً فَذَهَبَتْ بِقِحْفِ رَأْسِهِ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ رَبِّكَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ، مِنْ لُؤْلُؤٍ أَوْ مِنْ يَاقُوتٍ؟ فَجَاءَتْ صَاعِقَةٌ فَأَخَذَتْهُ، فأَنْـزَلَ اللَّهُ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ حَدِّثْنِي مَنْ هَذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ؟ أَيَاقُوتٌ هُوَ، أَذْهَبَ هُوَ، أَمْ مَا هُوَ؟ قَالَ: فَنَـزَلَتْ عَلَى السَّائِلِ الصَّاعِقَةُ فَأَحْرَقَتْهُ، فأَنْـزَلَ اللَّهُ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ} الْآيَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي سَارَةَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبَنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «بَعْثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً رَجُلًا إِلَى رَجُلٍ مِنْ فَرَاعِنَةِ الْعَرَبِ، أَنِ ادْعُهُ لِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ أَعْتَى مِنْ ذَلِكَ! قَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهِ فَادْعُهُ. قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكَ! فَقَالَ: مَنْ رَسُولُ اللَّهِ؟ وَمَا اللَّهُ؟ أَمِنْ ذَهَبٍ هُوَ، أَمْ مِنْ فِضَّةٍ، أَمْ مِنْ نُحَاسٍ؟ قَالَ: فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَادْعُهُ " قَالَ: فَأَتَاهُ فَأَعَادَ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَادْعُهُ! قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ. فَبَيْنَمَا هَمَّا يَتَرَاجَعَانِ الْكَلَامَ بَيْنَهُمَا، إِذْ بَعَثَ اللَّهُ سَحَابَةً بِحِيَالِ رَأْسِهِ فَرَعَدَتْ، فَوَقَعَتْ مِنْهَا صَاعِقَةٌ فَذَهَبَتْ بِقِحْفِ رَأْسِهِ، فأَنْـزَلَ اللَّهُ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}». وَقَالَ آخَرُونَ: نـَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْكُفَّارِ أَنْكَرَ الْقُرْآنَ وَكَذَّبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا أَنْكَرَ الْقُرْآنَ وَكَذَّبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ صَاعِقَةً فَأَهْلَكَتْهُ، فأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}». وَقَالَ آخَرُونَ: نـَزَلَتْ فِي أَرْبَدَ أَخِي لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ هَمَّ بِقَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَعَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: نـَزَلَتْ يَعْنِي قَوْلَهُ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} فِي أَرْبَدَ أَخِي لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ؛ لِأَنَّهُ قَدِمَ أَرْبَدُ وَعَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَامِرٌ: يَا مُحَمَّدُ أَأُسْلِمُ وَأَكُونُ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: لَا! قَالَ: فَأَكُونُ عَلَى أَهْلِ الْوَبَرِ وَأَنْتَ عَلَى أَهْلِ الْمَدَرِ؟ قَالَ: لَا! قَالَ: فَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: "أُعْطِيكَ أَعِنَّةَ الْخَيْلِ تُقَاتِلُ عَلَيْهَا، فَإِنَّكَ رَجُلٌ فَارِسٌ. قَالَ: أَوْ لَيْسَتْ أَعِنَّةُ الْخَيْلِ بِيَدِي؟ أَمَا وَاللَّهِ لِأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا وَرِجَالًا مِنْ بَنِي عَامِرٍ! قَالَ لِأَرْبَدَ: إِمَّا أَنْ تَكْفِيَنِيهِ وَأَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ، وَإِمَّا أَنْ أَكْفِيَكَهُ وَتَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ. قَالَ أَرْبَدُ: اكْفِنِيهِ وَأَضْرِبُهُ. فَقَالَ ابْنُ الطُّفَيْلِ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ. قَالَ: ادْنُ! فَلَمْ يَزَلْ يَدْنُو وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادْنُ " حَتَّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَحَنَى عَلَيْهِ، وَاسْتَلَّ أَرْبَدُ السَّيْفَ، فَاسْتَلَّ مِنْهُ قَلِيلًا فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيقَهُ تَعَوُّذَ بِآيَةٍ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهَا، فَيَبِسَتْ يَدُ أَرْبَدَ عَلَى السَّيْفِ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ أَخِيهِ: أَخْشَـى عَلَى أَرْبَـدَ الْحُـتُوفَ وَلَا *** أَرْهَـبُ نَـوْءَ السِّـمَاكِ وَالْأَسَـدِ فَجَّـعَنِي الْـبَرْقُ والصَّـوَاعِقُ بـِالْ *** فَـارِسِ يَـوْمَ الْكَرِيهَـةِ النَّجُـدِ
وَقَدْ ذَكَرْتُ قَبْلَ خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ بِنَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَقَوْلُهُ: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ}، يَقُولُ: وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِالصَّوَاعِقِ أَصَابَهُمْ فِي حَالِ خُصُومَتِهِمْ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ شَدِيدَةٌ مُمَاحَلَتُهُ فِي عُقُوبَةِ مَنْ طَغَى عَلَيْهِ وَعَتَا وَتَمَادَى فِي كُفْرِهِ. وَ "الْمِحَالُ ": مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَاحَلْتُ فُلَانًا فَأَنَا أُمَاحِلُهُ مُمَاحَلَةً وَمِحَالًا وَ"فَعَلْتُ " مِنْهُ: "مَحَلْتُ أَمْحَلُ مَحْلًا إِذَا عَرَّضَ رَجُلٌ رَجُلًا لِمَا يُهْلِكُهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: "وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ "، وَمِنْهُ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ: فَـرْعُ نَبْـعِ يَهْـتَزُّ فِي غُصُـنِ الْمَجْ *** دِ غَزِيـرُ النَّـدَى شَـديدُ الْمِحَـالِ هَكَذَا كَانَ يَنْشُدُهُ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى فِيمَا حُدِّثْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْهُ. وَأَمَّا الرُّوَاةُ بَعْدُ فَإِنَّهُمْ يَنْشُدُونَهُ: فَـرْعُ فَـرْعٍ يَهْـتَزُّ فِي غُصُنِ الْمَجْ *** دِ كِثـيرُ النَّـدَى عَظِيـمُ الْمِحَـالِ وَفَسَّرَ ذَلِكَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَزَعَمَ أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْعُقُوبَةَ وَالْمَكْرَ وَالنَّكَالَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ: وَلَبْسٍ بَيْـنَ أَقْـوَامٍ فَكُـلٌ *** أَعَـدَّ لَـهُ الشَّـغَازِبَ وَالْمِحَـالَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قَالَ: شَدِيدُ الْأَخْذِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قَالَ: شَدِيدُ الْقُوَّةِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} أَيِ الْقُوَّةِ وَالْحِيلَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: {شَدِيدُ الْمِحَالِ} يَعْنِي: الْهَلَاكَ قَالَ: إِذَا مَحَلَ فَهُوَ شَدِيدٌ وَقَالَ قَتَادَةُ: شَدِيدُ الْحِيلَةِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}، قَالَ: جِدَالُ أَرْبَدَ {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قَالَ: مَا أَصَابَ أَرْبَدَ مِنَ الصَّاعِقَةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَدِيدُ الْحَوْلِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قَالَ: شَدِيدُ الْقُوَّةِ، "الْمِحَالُ ": الْقُوَّةُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ قَتَادَةَ فِي تَأْوِيلِ "الْمِحَالِ " أَنَّهُ الْحِيلَةُ، وَالْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} بِفَتْحِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّ الْحِيلَةَ لَا يَأْتِي مَصْدَرُهَا "مِحَالًا "بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَلَكِنْ قَدْ يَأْتِي عَلَى تَقْدِيرِ "الْمَفْعَلَة" مِنْهَا، فَيَكُونُ مَحَالَةً، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: "الْمَرْءُ يَعْجِزُ لَا مَحَالَةَ، وَ "المَحَالَةُ "فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، "الْمَفْعَلَة" مِنَ الْحِيلَةِ، فَأَمَّا بِكَسْرِ الْمِيمِ، فَلَا تَكُونُ إِلَّا مَصْدَرًا، مِنْ "مَاحَلْتُ فُلَانًا أَمَاحِلُهُ مِحَالًا "، وَ "المُمَاحَلَةُ " بَعِيدَةُ الْمَعْنَى مِنَ "الْحِيلَةِ ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَا أَعْلَمَ أَحَدًا قَرَأَهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا قُلْنَا مِنَ الْقَوْلِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِلَّهِ مِنْ خَلْقِهُ الدَّعْوَةُ الْحَقُّ، وَ "الدَّعْوَةُ "هِيَ "الْحَق" كَمَا أُضِيفَتِ الدَّارُ إِلَى الْآخِرَةِ فِي قَوْلِهِ: (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ) [سُورَةُ يُوسُفَ: 109]، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى. وَإِنَّمَا عَنَى بِالدَّعْوَةِ الْحَقِّ، تَوْحِيدَ اللَّهِ وَشَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {دَعْوَةُ الْحَقِّ}، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} قَالَ: التَّوْحِيدُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ}: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَيْسَتْ تَنْبَغِي لِأَحَدٍ غَيْرِهِ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: فَلَانٌ إِلَهُ بَنِي فَلَانٍ. وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالْآلِهَةُ الَّتِي يَدْعُونَهَا الْمُشْرِكُونَ أَرْبَابًا وَآلِهَة. وَقَوْلُهُ: (مِنْ دُونِهِ) يَقُولُ: مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: (مِنْ دُونِهِ) الْآلِهَةَ أَنَّهَا مُقَصِّرَةٌ عَنْهُ، وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَهًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أَتُوعِـدُنِي وَرَاءَ بَنِـي رِيَـاحٍ؟ *** كَـذَبْتَ لَتَقْصُـرَنَّ يَـدَاكَ دُونِـي يَعْنِي: لَتَقْصُرَنَّ يَدَاكَ عَنِّي. وَقَوْلُهُ: {لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} يَقُولُ: لَا تُجِيبُ هَذِهِ الْآلِهَةُ الَّتِي يَدْعُوهَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ آلِهَةً بِشَيْءٍ يُرِيدُونَهُ مِنْ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ}، يَقُولُ: لَا يَنْفَعُ دَاعِيَ الْآلِهَةِ دُعَاؤُهُ إِيَّاهَا إِلَّا كَمَا يَنْفَعُ بَاسِطُ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ بَسْطُهُ إِيَّاهُمَا إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَيْهِ فِي إِنَاءٍ، وَلَكِنْ لِيَرْتَفِعَ إِلَيْهِ بِدُعَائِهِ إِيَّاهُ وَإِشَارَتُهُ إِلَيْهِ وَقَبْضِهِ عَلَيْهِ. وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ لِمَنْ سَعَى فِيمَا لَا يُدْرِكُهُ مَثَلًا بِالْقَابِضِ عَلَى الْمَاءِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: فـإنِّي وإيَّـاكُمْ وَشَـوْقًا إلَيْكُـمُ *** كَقَـابِضِ مَـاءٍ لَـمْ تَسِـقْهُ أَنَامِلُـهْ يَعْنِي بِذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا كَمَا فِي يَدِ الْقَابِضِ عَلَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ عَلَى الْمَاءِ لَا شَيْءَ فِي يَدِهِ. وَقَالَ آخَرُ: فَـأَصْبَحْتُ مِمَّـا كـانَ بَيْنِـي وبَيْنَهَـا *** مِـنَ الْـوُدِّ مِثْـلَ الْقَـابِضِ الْمَاءَ بِالْيَدِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} قَالَ: كَالرَّجُلِ الْعَطْشَانِ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى الْبِئْرِ لِيَرْتَفِعَ الْمَاءُ إِلَيْهِ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} يَدْعُو الْمَاءَ بِلِسَانِهِ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ بِيَدِهِ، وَلَا يَأْتِيهِ أَبَدًا. قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْأَعْرَجُ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {لِيَبْلُغَ فَاهُ} يَدْعُوهُ لِيَأْتِيَهُ وَمَا هُوَ بِآتِيهِ، كَذَلِكَ لَا يَسْتَجِيبُ مَنْ هُوَ دُونَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} يَدْعُو الْمَاءَ بِلِسَانِهِ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ بِيَدِهِ، فَلَا يَأْتِيهِ أَبَدًا.
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ. عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ حَجَّاجٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ الْأَعْرَجُ عَنْ مُجَاهِدٍ: {لِيَبْلُغَ فَاهُ} قَالَ: يَدْعُوهُ لِأَنْ يَأْتِيَهُ وَمَا هُوَ بِآتِيهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَجِيبُ مَنْ دُونَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} وَلَيْسَ بِبَالِغِهِ حَتَّى يَتَمَزَّعَ عُنُقُهُ وَيَهْلَكَ عَطَشًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ؛ أَيْ هَذَا الَّذِي يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ هَذَا الْوَثَنَ وَهَذَا الْحَجَرَ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا وَلَا يَسُوقُ إِلَيْهِ خَيْرًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ سُوءًا حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ، كَمَثَلِ هَذَا الَّذِي بَسَطَ ذَارِعِيهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَلَا يَبْلُغُ فَاهُ وَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى يَمُوتَ عَطَشًا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَتَنَاوَلَ خَيَالَهُ فِيهِ، وَمَا هُوَ بِبَالِغٍ ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ}، فَقَالَ: هَذَا مَثَلُ الْمُشْرِكِ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الرَّجُلِ الْعَطْشَانِ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى خَيَالِهِ فِي الْمَاءِ مِنْ بَعِيدٍ، فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} إِلَى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} يَقُولُ: مَثَلُ الْأَوْثَانِ وَالَّذِينَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَهُ الْعَطَشُ حَتَّى كَرَبَهُ الْمَوْتُ وَكَفَّاهُ فِي الْمَاءِ قَدْ وَضَعَهُمَا لَا يَبْلُغَانِ فَاهُ، يَقُولُ اللَّهُ: لَا تَسْتَجِيبُ الْآلِهَةُ وَلَا تَنْفَعُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهَا حَتَّى يَبْلُغَ كَفَّا هَذَا فَاهُ، وَمَا هُمَا بِبَالِغَتَيْنِ فَاهُ أَبَدًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} قَالَ: لَا يَنْفَعُونَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَمَا يَنْفَعُ هَذَا بِكَفَّيْهِ، يَعْنِي بَسْطَهُمَا إِلَى مَا لَا يَنَالُ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُونَ: فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} وَلَيْسَ الْمَاءُ بِبَالِغٍ فَاهُ مَا قَامَ بَاسِطًا كَفَّيْهِ لَا يَقْبِضُهُمَا {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}. قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرْبَهُ اللَّهُ لِمَنِ اتَّخَذَ مَنْ دُونِ اللَّهِ إِلَهًا أَنَّهُ غَيْرُ نَافِعِهِ، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ سُوءًا حَتَّى يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} يَقُولُ: وَمَادُعَاءُ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِمَا يَدْعُو مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْآلِهَةِ (إِلَّا فِي ضَلَالٍ)، يَقُولُ: إِلَّا فِي غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ وَلَا هُدًى؛ لِأَنَّهُ يُشْرِكُ بِاللَّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنِ امْتَنَعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُونَ مَنْ دُونِ اللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ لِلَّهِ شُرَكَاءَ مِنْ إِفْرَادِ الطَّاعَةِ وَالْإِخْلَاصِ بِالْعِبَادَةِ لَهُ فَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ طَوْعًا، فَأَمَّا الْكَافِرُونَ بِهِ فَإِنَّهُمْ يَسْجُدُونَ لَهُ كَرْهًا حِينَ يُكْرَهُونَ عَلَى السُّجُودِ. كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا}، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَسْجُدُ طَائِعًا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَسْجُدُ كَارِهًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: كَانَ رَبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} قَالَ: بَلَى يَا رَبَّاهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} قَالَ: مَنْ دَخَلَ طَائِعًا، هَذَا طَوْعًا (وَكَرْهًا) مَنْ لَمْ يَدْخُلْ إِلَّا بِالسَّيْفِ. وَقَوْلُهُ: {وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} يَقُولُ: وَيَسْجُدُ أَيْضًا ظِلَالُ كُلِّ مَنْ سَجَدَ طَوْعًا وَكَرْهًا بِالْغُدُوَاتِ وَالْعَشَايَا. وَذَلِكَ أَنَّ ظِلَّ كُلِّ شَخْصٍ فَإِنَّهُ يَفِيءُ بِالْعَشِيِّ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ}، [سُورَةُ النَّحْلِ: 48]. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}، يَعْنِي: حِينَ يَفِيءُ ظِلُّ أَحَدِهِمْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شَمَالِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} قَالَ: ظَلُّ الْمُؤْمِنِ يَسْجُدُ طَوْعًا وَهُوَ طَائِعٌ، وَظِلُ الْكَافِرِ يَسْجُدُ طَوْعًا وَهُوَ كَارِهٌ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} قَالَ: ذُكِرَ أَنَّ ظِلَالَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا تَسْجُدُ لَهُ، وَقَرَأَ: {سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 48]. قَالَ: تِلْكَ الظِّلَالُ تَسْجُدُ لِلَّهِ. وَ "الْآصَالُ ": جَمْعُ أُصُلٍ، وَ "الأُصُلُ ": جَمْعُ "أَصِيلٍ "، وَ "الأَصِيلُ ": هُوَ الْعَشِيُّ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ: لَعَمْـرِي لَأَنْـتَ الْبَيْـتُ أُكْـرِمُ أَهْلَـهُ *** وَأَقْعُـدُ فِي أَفْيَائِـهِ بِالْأَصَـائِلِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ: مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمُدَبِّرُهَا، فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ اللَّهُ. وَأَمْرُ اللَّهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: "اللَّهُ "، فَقَالَ لَهُ: قُلْ، يَا مُحَمَّدُ: رَبُّهَا، الَّذِي خَلَقَهَا وَأَنْشَأَهَا، هُوَ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَهُوَ اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا أَجَابُوكَ بِذَلِكَ فَقُلْ لَهُمْ: أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَوْلِيَاءَ لَا تَمْلِكُ لِأَنْفُسِهَا نَفْعًا تَجْلِبُهُ إِلَى نَفْسِهَا، وَلَا ضُرًّا تَدْفَعُهُ عَنْهَا، وَهِيَ إِذْ لَمْ تَمْلِكْ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهَا، فَمِنْ مِلْكِهِ لِغَيْرِهَا أَبْعَدُ فَعَبَدْتُمُوهَا، وَتَرَكْتُمْعِبَادَةَ مَنْ بِيَدِهِ النَّفْعُ وَالضُّرُّ وَالْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ وَتَدْبِيرُ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا. ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَثَلًا فَقَالَ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ الَّذِي بِيَدِهِ نَفْعُهُمْ وَضُرُّهُمْ مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ: {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى} الَّذِي لَا يُبْصِرُ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدِي لِمَحَجَّةٍ يَسْلُكُهَا إِلَّا بِأَنْ يُهْدَى وَ "البَصِيرُ " الَّذِي يَهْدِي الْأَعْمَى لِمَحَجَّةِ الطَّرِيقِ الَّذِي لَا يُبْصِرُ؟ إِنَّهُمَا لَا شَكَّ لِغَيْرِ مُسْتَوَيَيْنِ. يَقُولُ: فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُبْصِرُ الْحَقَّ فَيَتْبَعُهُ وَيَعْرِفُ الْهُدَى فَيَسْلُكُهُ، وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لَا تَعْرِفُونَ حَقًّا وَلَا تُبْصِرُونَ رَشَدًا. وَقَوْلُهُ: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ الَّتِي لَا تُرَى فِيهَا الْمَحَجَّةُ فَتُسْلَكُ وَلَا يُرَى فِيهَا السَّبِيلُ فَيُرْكَبُ وَالنُّورُ الَّذِي تُبْصَرُ بِهِ الْأَشْيَاءُ وَيَجْلُو ضَوْءُهُ الظَّلَامَ؟ يَقُولُ: إِنْ هَذَيْنَ لَا شَكَّ لِغَيْرِ مُسْتَوَيَيْنِ، فَكَذَلِكَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ، إِنَّمَا صَاحِبُهُ مِنْهُ فِي حَيْرَةٍ يَضْرِبُ أَبَدًا فِي غَمْرَةٍ لَا يَرْجِعُ مِنْهُ إِلَى حَقِيقَةٍ، وَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ صَاحِبُهُ مِنْهُ فِي ضِيَاءٍ يَعْمَلُ عَلَى عِلْمٍ بِرَبِّهِ، وَمَعْرِفَةٍ مِنْهُ بِأَنَّ لَهُ مُثِيبًا يُثِيبُهُ عَلَى إِحْسَانِهِ وَمُعَاقِبًا يُعَاقِبُهُ عَلَى إِسَاءَتِهِ وَرَازِقًا يَرْزُقُهُ وَنَافِعًا يَنْفَعُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}، أَمَّا {الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} فَالْكَافِرُ وَالْمُؤْمِنُ وَأَمَّا {الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} فَالْهُدَى وَالضَّلَالَةِ. وَقَوْلُهُ: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: أَخَلَقَ أَوْثَانُكُمُ الَّتِي اتَّخَذْتُمُوهَا أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ خَلْقًا كَخَلْقِ اللَّهِ، فَاشْتَبَهَ عَلَيْكُمْ أَمْرُهَا فِيمَا خَلَقَتْ وَخَلَقَ اللَّهُ فَجَعَلْتُمُوهَا لَهُ شُرَكَاءَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، أَمْ إِنَّمَا بِكُمُ الْجَهْلُ وَالذَّهَابُ عَنِ الصَّوَابِ؟ فَإِنَّهُ لَا يُشْكِلُ عَلَى ذِي عَقْلٍ أَنَّ عِبَادَةَ مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ مِنَ الْفِعْلِ جَهْلٌ، وَأَنَّ الْعِبَادَةَ إِنَّمَا تَصْلُحُ لِلَّذِي يُرْجَى نَفْعُهُ وُيخْشَى ضَرُّهُ، كَمَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُشْكِلٍ خَطَؤُهُ وَجَهْلُ فَاعِلِهِ، كَذَلِكَ لَا يُشْكِلُ جَهْلُ مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ مَنْ يَرْزُقُهُ وَيَكْفُلُهُ ويَمُونُهُ، مَنْ لَا يَقْدِرُ لَهُ عَلَى ضَرَرٍ وَلَا نَفْعٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} حَمَلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ شَكُّوا فِي الْأَوْثَانِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ}، خَلَقُوا كَخَلْقِهِ، فَحَمَلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ شَكُّوا فِي الْأَوْثَانِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} ضُرِبَتْ مَثَلًا. وَقَوْلُهُ: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَقَرُّوا لَكَ أَنَّ أَوْثَانَهُمُ الَّتِي أَشْرَكُوهَا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ لَا تَخْلُقُ شَيْئًا، فَاللَّهُ خَالِقُكُمْ وَخَالِقُ أَوْثَانِكُمْ وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَا وَجْهُ إِشْرَاكِكُمْ مَا لَا يَخْلُقُ وَلَا يَضُرُّ؟ وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، يَقُولُ: وَهُوَ الْفَرْدُ الَّذِي لَا ثَانِيَ لَهُ (الْقَهَّارُ)، الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأُلُوهَةَ وَالْعِبَادَةَ، لَا الْأَصْنَامُ وَالْأَوْثَانُ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مَثَلٌ ضَرْبَهُ اللَّهُ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْإِيمَانِ بِهِ وَالْكُفْرِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَثَلُ الْحَقِّ فِي ثَبَاتِهِ وَالْبَاطِلِ فِي اضْمِحْلَالِهِ، مَثَلُ مَاءٍ أَنْـزَلَهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}، يَقُولُ: فَاحْتَمَلَتْهُ الْأَوْدِيَةُ بِمَلْئِهَا، الْكَبِيرُ بِكِبَرِهِ، وَالصَّغِيرُ بِصِغَرِهِ {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا}، يَقُولُ: فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ الَّذِي حَدَثَ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي أَنْـزَلَهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ، زَبَدًا عَالِيًا فَوْقَ السَّيْلِ. فَهَذَا أَحَدُ مَثَلَيِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَالْحَقُّ هُوَ الْمَاءُ الْبَاقِي الَّذِي أَنْـزَلَهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ، وَالزَّبَدُ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ هُوَ الْبَاطِلُ. وَالْمَثَلُ الْآخَرُ: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَثَلٌ آخَرُ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، مَثَلُ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ يُوقِدُ عَلَيْهَا النَّاسُ فِي النَّارِ طَلَبَ حِلْيَةٍ يَتَّخِذُونَهَا أَوْ مَتَاعٍ، وَذَلِكَ مِنَ النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ، يُوقِدُ عَلَيْهِ لِيُتَّخَذَ مِنْهُ مَتَاعٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، {زَبَدٌ مِثْلُهُ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ زَبَدٌ مِثْلُهُ، يَعْنِي: مِثْلَ زَبَدِ السَّيْلِ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَيَذْهَبُ بَاطِلًا كَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِزَبَدِ السَّيْلِ وَيَذْهَبُ بَاطِلًا. وَرَفْعُ "الزَّبَدِ " بِقَوْلِهِ: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ}. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ زَبَدٌ مِثْلُ زَبَدِ السَّيْلِ فِي بِطُولِ زَبَدِهِ، وَبَقَاءِ خَالِصِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ}، يَقُولُ: كَمَا مَثَّلَ اللَّهُ مَثَلَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، فِي بُطُولِ الْكُفْرِ وَخَيْبَةِ صَاحِبِهِ عِنْدَ مُجَازَاةِ اللَّهِ، بِالْبَاقِي النَّافِعِ مِنْ مَاءِ السَّيْلِ وَخَالِصِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، كَذَلِكَ يُمَثِّلُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} يَقُولُ: فَأَمَّا الزَّبَدُ الَّذِي عَلَا السَّيْلَ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالنُّحَاسَ وَالرَّصَاصَ عِنْدَ الْوَقُودِ عَلَيْهَا، فَيَذْهَبُ بِدَفْعِ الرِّيَاحِ وَقَذْفِ الْمَاءِ بِهِ، وَتَعَلُّقِهِ بِالْأَشْجَارِ وَجَوَانِبِ الْوَادِي {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ} مِنَ الْمَاءِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ، فَالْمَاءُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ فَتَشَرَبُهُ، وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ تَمْكُثُ لِلنَّاسِ {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} يَقُولُ: كَمَا مَثَّلَ هَذَا الْمَثَلَ لِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، كَذَلِكَ يُمَثِّلُ الْأَمْثَالَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوِدَّيْةٌ بِقَدَرِهَا} فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ، احْتَمَلَتْ مِنْهُ الْقُلُوبُ عَلَى قَدْرِ يَقِينِهَا وَشَكِّهَا، فَأَمَّا الشَّكُّ فَلَا يَنْفَعُ مَعَهُ الْعَمَلُ، وَأَمَّا الْيَقِينُ فَيَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَهْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً}، وَهُوَ الشَّكُّ {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}، وَهُوَ الْيَقِينُ، كَمَا يُجْعَلُ الْحُلِيُّ فِي النَّارِ فَيُؤْخَذُ خَالِصُهُ وَيُتْرَكُ خَبَثُهُ فِي النَّارِ، فَكَذَلِكَ يَقْبَلُ اللَّهُ الْيَقِينَ وَيَتْرُكُ الشَّكَّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا}، يَقُولُ: احْتَمَلَ السَّيْلُ مَا فِي الْوَادِي مِنْ عُودٍ وَدِمْنَةٍ، {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ} فَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحِلْيَةُ وَالْمَتَاعُ وَالنُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ، وَلِلنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ خَبَثٌ، فَجَعَلَ اللَّهُ مَثَلَ خَبَثِهِ كَزَبَدِ الْمَاءِ. فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ الْأَرْضَ فَمَا شَرِبَتْ مِنَ الْمَاءِ فَأَنْبَتَتْ. فَجَعَلَ ذَلِكَ مَثَلَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَبْقَى لِأَهْلِهِ، وَالْعَمَلِ السَّيْءِ يَضْمَحِلُّ عَنْ أَهْلِهِ، كَمَا يَذْهَبُ هَذَا الزَّبَدُ، فَكَذَلِكَ الْهُدَى وَالْحَقُّ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَمَنْ عَمِلَ بِالْحَقِّ كَانَ لَهُ، وَبَقِيَ كَمَا يَبْقَى مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فِي الْأَرْضِ. وَكَذَلِكَ الْحَدِيدُ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ تُجْعَلَ مِنْهُ سِكِّينٌ وَلَا سَيْفٌ حَتَّى يَدْخُلَ فِي النَّارِ فَتَأْكُلُ خَبَثَهُ، فَيَخْرُجُ جَيِّدُهُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ. فَكَذَلِكَ يَضْمَحِلُّ الْبَاطِلُ إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأُقِيمَ النَّاسُ، وَعُرِضَتِ الْأَعْمَالُ، فَيَزِيغُ الْبَاطِلُ وَيَهْلَكُ، وَيَنْتَفِعُ أَهْلُ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، ثُمَّ قَالَ: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ} إِلَى: {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}، فَقَالَ: ابْتِغَاءَ حِلْيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، أَوْ مَتَاعِ الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ. قَالَ: كَمَا أَوْقَدَ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ فَخَلَصَ خَالَصُهُ. قَالَ: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}، كَذَلِكَ بَقَاءُ الْحَقِّ لِأَهْلِهِ فَانْتَفَعُوا بِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: {أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}، قَالَ: مَا أَطَاقَتْ مَلْأَهَا {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} قَالَ: انْقَضَى الْكَلَامُ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ فَقَالَ: {وَمِمَّا تُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حَلَّيْةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} قَالَ: الْمَتَاعُ: الْحَدِيدُ وَالنُّحَاسُ وَالرَّصَاصُ وَأَشْبَاهُهُ {زَبَدٌ مِثْلُهُ} قَالَ: خَبَثُ ذَلِكَ مِثْلُ زَبَدِ السَّيْلِ. قَالَ: {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}، وَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جَفَاءً، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ قَوْلُهُ: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} قَالَ: جُمُودًا فِي الْأَرْضِ، {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}، يَعْنِي الْمَاءَ. وَهُمَا مَثَلَانِ: مَثَلُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {زَبَدًا رَابِيًا} السَّيْلُ مِثْلُ خَبَثِ الْحَدِيدِ وَالْحِلْيَةِ {فَيَذْهَبُ جُفَاءً} جُمُودًا فِي الْأَرْضِ {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}، الْحَدِيدُ وَالنُّحَاسُ وَالرَّصَاصُ وَأَشْبَاهُهُ. وَقَوْلُهُ: {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}، إِنَّمَا هُمَا مَثَلَانِ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ- يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ- فِي قَوْلِهِ: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} قَالَ: بِمَلَئِهَا {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا}، قَالَ: الزَّبَدُ: السَّيْلُ {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}، قَالَ: خَبَثُ الْحَدِيدِ وَالْحِلْيَةِ {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} قَالَ: جُمُودًا فِي الْأَرْضِ {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} قَالَ: الْمَاءُ وَهُمَا مَثَلَانِ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}، الصَّغِيرُ بِصِغَرِهِ، وَالْكَبِيرُ بِكِبَرِهِ {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} أَيْ عَالِيًا {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} وَ "الجَفَاءُ ": مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّجَرِ {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}. هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَمْثَالٍ ضَرْبَهَا اللَّهُ فِي مَثَلٍ وَاحِدٍ. يَقُولُ: كَمَا اضْمَحَلَّ هَذَا الزَّبَدُ فَصَارَ جُفَاءً لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا تُرْجَى بَرَكَتُهُ، كَذَلِكَ يَضْمَحِلُّ الْبَاطِلُ عَنْ أَهْلِهِ كَمَا اضْمَحَلَّ هَذَا الزَّبَدُ، وَكَمَا مَكَثَ هَذَا الْمَاءُ فِي الْأَرْضِ، فَأَمْرَعَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ وَأَخْرَجَتْ نَبَاتَهَا، كَذَلِكَ يَبْقَى الْحَقُّ لِأَهْلِهِ كَمَا بَقِيَ هَذَا الْمَاءُ فِي الْأَرْضِ، فَأَخْرَجَ اللَّهُ بِهِ مَا أَخْرَجَ مِنَ النَّبَاتِ قَوْلُهُ: {وَمِمَّا تُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ} الْآيَةَ، كَمَا يَبْقَى خَالِصُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حِينَ أُدْخِلَ النَّارَ وَذَهَبَ خَبَثُهُ، كَذَلِكَ يَبْقَى الْحَقُّ لِأَهْلِهِ قَوْلُهُ: {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}، يَقُولُ: هَذَا الْحَدِيدُ وَالصُّفْرُ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ فِيهِ مَنَافِعُ. يَقُولُ: كَمَا يَبْقَى خَالِصُ هَذَا الْحَدِيدِ وَهَذَا الصُّفْرِ حِينَ أُدْخِلَ النَّارَ وَذَهَبَ خَبَثُهُ، كَذَلِكَ يَبْقَى الْحَقُّ لِأَهْلِهِ كَمَا بَقِيَ خَالِصُهُمَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}، الْكَبِيرُ بِقَدَرِهِ، وَالصَّغِيرُ بِقَدَرِهِ {زَبَدًا رَابِيًا} قَالَ: رَبَا فَوْقَ الْمَاءِ الزَّبَدُ "وَمِمَّا تُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ " قَالَ: هُوَ الذَّهَبُ إِذَا أُدْخِلَ النَّارَ بَقِيَ صَفْوُهُ وَنُفِيَ مَا كَانَ مِنْ كَدَرِهِ. وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً}، يَتَعَلَّقُ بِالشَّجَرِ فَلَا يَكُونُ شَيْئًا، هَذَا مَثَلُ الْبَاطِلِ {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}، وَهَذَا يُخْرِجُ النَّبَاتَ، وَهُوَ مَثَلُ الْحَقِّ {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} قَالَ: "الْمَتَاعُ "، الصُّفْرُ وَالْحَدِيدُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ: بَلَغَنِي فِي قَوْلِهِ: {أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} قَالَ: إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} الصَّغِيرُ عَلَى قَدَرِهِ، وَالْكَبِيرُ عَلَى قَدَرِهِ، وَمَا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدَرِهِ {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} يَقُولُ: عَظِيمًا، وَحَيْثُ اسْتَقَرَّ الْمَاءُ يَذْهَبُ الزَّبَدُ جُفَاءً فَتَطِيرُ بِهِ الرِّيحُ فَلَا يَكُونُ شَيْئًا، وَيَبْقَى صَرِيحُ الْمَاءِ الَّذِي يَنْفَعُ النَّاسَ، مِنْهُ شَرَابُهُمْ وَنَبَاتُهُمْ وَمَنْفَعَتُهُمْ {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}، وَمِثْلُ الزَّبَدِ كُلُّ شَيْءٍ يُوقَدُ عَلَيْهِ فِي النَّارِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالنُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ، فَيَذْهَبُ خَبَثُهُ وَيَبْقَى مَا يَنْفَعُ فِي أَيْدِيهِمْ، وَالْخُبْثُ وَالزَّبَدُ مِثْلُ الْبَاطِلِ، وَالَّذِي يَنْفَعُ النَّاسَ مِمَّا تَحَصَّلَ فِي أَيْدِيهِمْ مِمَّا يَنْفَعُهُمُ الْمَالُ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَمِمَّا تُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} " قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. فَقَرَأَ: {أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} هَذَا الزَّبَدُ لَا يَنْفَعُ {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}، هَذَا لَا يَنْفَعُ أَيْضًا قَالَ: وَبَقِيَ الْمَاءُ فِي الْأَرْضِ فَنَفَعَ النَّاسَ، وَبَقِيَ الْحَلْيُّ الَّذِي صَلَحَ مِنْ هَذَا، فَانْتَفَعَ النَّاسُ بِهِ {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}، وَقَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} قَالَ: الصَّغِيرُ بِصِغَرِهِ، وَالْكَبِيرُ بِكِبَرِهِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَضَرَبَ مَثَلَ الْحَقِّ كَمَثَلِ السَّيْلِ الَّذِي يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ، وَضَرَبَ مَثَلَ الْبَاطِلِ كَمَثَلِ الزَّبَدِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ النَّاسَ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: {رَابِيًا}، عَالِيًا مُنْتَفِخًا، مِنْ قَوْلِهِمْ: رَبَا الشَّيْءَ يَرْبُو رُبُوًا فَهُوَ رَابٍ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّشْزِ مِنَ الْأَرْضِ كَهَيْئَةِ الْأَكَمَةِ: "رَابِيَةٌ "، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}. [سُورَةُ الْحَجِ: 5، سُورَةُ فُصِّلَتْ: 39]. وَقِيلَ لِلنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ "الْمَتَاعُ "؛ لِأَنَّهُ يُسْتَمْتَعُ بِهِ، وَكُلُّ مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ النَّاسُ فَهُوَ "مَتَاعٌ "، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: تَمَتَّـعْ يـا مُشَـعَّثُ إِنَّ شَـيْئًا *** سَـبَقْتَ بِـهِ الْمَمَـاتَ هُـوَ الْمَتَـاعُ وَأَمَّا الْجُفَاءُ فَإِنِّي: حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: يُقَالُ: قَدْ أَجْفَأَتِ الْقِدْرُ، وَذَلِكَ إِذَا غَلَتْ فَانْصَبَّ زَبَدُهَا، أَوْ سَكَنَتْ فَلَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَيَذْهَبُ جُفَاءً} تُنْشِفُهُ الْأَرْضُ، وَقَالَ: يُقَالُ: جَفَا الْوَادِي وَأَجْفَى فِي مَعْنَى نَشِفَ، "وَانْجَفَى الْوَادِي ، إِذَا جَاءَ بِذَلِكَ الْغُثَاءِ، "وَغَثَى الْوَادِي فَهُوَ يَغْثَى غَثْيًا وَغَثَيَانًا "وَذُكِرَ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ: "جَفَأْتُ الْقِدْرَ أَجْفَؤُهَا "، إِذَا أَخْرَجْتُ جُفَاءَهَا، وَهُوَ الزَّبَدُ الَّذِي يَعْلُوهَا وَ"أَجْفَأْتُهَا إِجْفَاء" لُغَةٌ. قَالَ: وَقَالُوا: "جَفَأَتِ الرَّجُلَ جَفْأً ": صَرَعْتُهُ. وَقِيلَ: {فَيَذْهَبُ جُفَاءً} بِمَعْنَى "جَفَأً "؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "جَفَأَ الْوَادِي غُثاءَهُ، فَخَرَجَ مَخْرَجَ الِاسْمِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، كَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي مَصْدَرِ كُلِّ مَا كَانَ مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ اجْتَمَعَ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ كـَ "الْقُمَاشِ وَالدُّقَاقِ وَالْحُطَامِ وَالْغُثَاءِ "، تُخْرِجُهُ عَلَى مَذْهَبِ الِاسْمِ، كَمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ: "أَعْطَيْتُهُ عَطَاءً "، بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ، وَلَوْ أُرِيدَ مِنَ "الْقُمَاشِ "، الْمَصْدَرُ عَلَى الصِّحَّةِ لَقِيلَ: "قَدْ قَمَشَهُ قَمْشًا ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمَّا الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ فَآمَنُوا بِهِ حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَأَطَاعُوهُ فَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ وَصَدَّقُوهُ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى، وَهِيَ الْجَنَّةُ، كَذَلِكَ:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى} وَهِيَ الْجَنَّةُ. وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لِلَّهِ حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَالْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَلَمْ يُطِيعُوهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَلَمْ يَتْبَعُوا رَسُولَهُ فَيَصْدُقُوهُ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، فَلَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْ شَيْءٍ وَمِثْلَهُ مَعَهُ مِلْكًا لَهُمْ، ثُمَّ قُبِلَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَقُبِلَ مِنْهُمْ بَدَلًا مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَعِوَضًا، لَافْتَدَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ مِنْهُ، يَقُولُ اللَّهُ: {أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ}، يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لِلَّهِ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ: يَقُولُ: لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ كُلِّهَا، فَلَا يَغْفِرُ لَهُمْ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَكِنْ يُعَذِّبُهُمْ عَلَى جَمِيعِهَا. كَمَا:- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنٌ، عَنْ فَرَقَدٍ السَّبَخِيِّ قَالَ: قَالَ لَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: (سُوءُ الْحِسَابِ) أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ لَهُمْ عَنْ شَيْءٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي فَرَقَدٌ السَّبِخِيُّ قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: يَا فَرَقَدُ أَتُدْرِي مَا "سُوءُ الْحِسَابِ "؟ قُلْتُ: لَا! قَالَ: هُوَ أَنْ يُحَاسَبَ الرَّجُلُ بِذَنْبِهِ كُلِّهِ لَا يُغْفَرُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُ: (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ) يَقُولُ: وَمَسْكَنُهُمُ الَّذِي يُسْكَنُونَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَهَنَّمُ ((وَبِئْسَ الْمِهَادُ)، يَقُولُ: وَبِئْسَ الْفِرَاشُ وَالْوَطَاءُ جَهَنَّمُ الَّتِي هِيَ مَأْوَاهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىإِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَهَذَا الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي أَنْـزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، يَا مُحَمَّدُ، حَقٌّ فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيُصَدِّقُ وَيَعْمَلُ بِمَا فِيهِ، كَالَّذِي هُوَ أَعْمَى فَلَا يَعْرِفُ مَوْقِعَ حُجَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِهِ وَلَا يَعْلَمُ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ فَرَائِصِهِ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ}، قَالَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ انْتَفَعُوا بِمَا سَمِعُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَعَقَلُوهُ وَوَعَوْهُ، قَالَ اللَّهُ: {كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}، قَالَ: عَنِ الْخَيْرِ فَلَا يُبْصِرُهُ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ} يَقُولُ: إِنَّمَا يَتَّعِظُ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَعْتَبِرُ بِهَا ذَوُو الْعُقُولِ، وَهِيَ "الْأَلْبَابُ " وَاحِدُهَا "لُبٌّ ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّمَا يَتَّعِظُ وَيَعْتَبِرُ بِآيَاتِ اللَّهِ أُولُو الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يُوفُونَ بِوَصِيَّةِ اللَّهِ الَّتِي أَوْصَاهُمْ بِهَا {وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}، وَلَا يُخَالِفُونَ الْعَهْدَ الَّذِي عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ إِلَى خِلَافِهِ، فَيَعْمَلُوا بِغَيْرِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَيُخَالِفُوا إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "الْعَهْدِ "وَ "المِيثَاق" فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}، فَبَيَّنَ مَنْ هُمْ، فَقَالَ: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}، فَعَلَيْكُمْ بِوَفَاءِ الْعَهْدِ، وَلَا تَنْقُضُوا هَذَا الْمِيثَاقَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَى وَقَدَّمَ فِيهِ أَشَدَّ التَّقْدِمَةِ، فَذَكَرَهُ فِي بِضْعٍ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا، نَصِيحَةً لَكُمْ وتقدِمَةً إِلَيْكُمْ، وَحُجَّةً عَلَيْكُمْ، وَإِنَّمَا يَعْظُمُ الْأَمْرُ بِمَا عَظَّمَهُ اللَّهُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ، فَعَظَّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّهُ. قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ». وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ الرَّحِمَ الَّتِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِوَصْلِهَا فَلَا يَقْطَعُونَهَا (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ)، يَقُولُ: وَيَخَافُونَ اللَّهَ فِي قَطْعِهَا أَنْ يَقْطَعُوهَا، فَيُعَاقِبُهُمْ عَلَى قَطْعِهَا وَعَلَى خِلَافِهِمْ أَمْرَهُ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}، يَقُولُ: وَيَحْذَرُونَ مُنَاقَشَةَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي الْحِسَابِ، ثُمَّ لَا يَصْفَحُ لَهُمْ عَنْ ذَنْبٍ، فَهُمْ لِرَهْبَتِهِمْ ذَلِكَ جَادُّونَ فِي طَاعَتِهِ، مُحَافِظُونَ عَلَى حُدُودِهِ. كَمَا:- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ فِي قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} قَالَ: الْمُقَايَسَةُ بِالْأَعْمَالِ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ فَرَقَدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: (سُوءُ الْحِسَابِ) أَنْ يُحَاسِبَ مَنْ لَا يَغْفِرُ لَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}، قَالَ: فَقَالَ: وَمَا (سُوءُ الْحِسَابِ)؟ قَالَ: الَّذِي لَا جَوَازَ فِيهِ. حَدَّثَنِي ابْنُ سِمَانٍ الْقَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ فَرَقَدٍ قَالَ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ: تَدْرِي مَا (سُوءُ الْحِسَابِ)؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي قَالَ: يُحَاسَبُ الْعَبْدُ بِذَنْبِهِ كُلِّهِ لَا يُغْفَرُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةًوَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى الْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللَّهِ، وَتَرْكِ نَقْضِ الْمِيثَاقِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}، طَلَبَ تَعْظِيمِ اللَّهِ، وَتَنـْزِيهًا لَهُ أَنْ يُخَالَفَ فِي أَمْرِهِ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرًا كَرِهَ إِتْيَانَهُ فَيَعْصِيهِ بِهِ {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}، يَقُولُ: وَأَدُّوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا فِي أَوْقَاتِهَا {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} يَقُولُ: وَأَدَّوْا مِنْ أَمْوَالِهِمْ زَكَاتَهَا الْمَفْرُوضَةَ وَأَنْفَقُوا مِنْهَا فِي السُّبُلِ الَّتِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالنَّفَقَةِ فِيهَا (سِرًّا) فِي خَفَاءً "وَعَلَانِيَةً " فِي الظَّاهِرِ. كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} يَعْنِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}. يَقُولُ الزَّكَاةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ "الصَّبْرُ "، الْإِقَامَةُ. قَالَ: وَقَالَ "الصَّبْرُ " فِي هَاتَيْنِ، فَصَبْرٌ لِلَّهِ عَلَى مَا أَحَبَّ وَإِنَّ ثَقُلَ عَلَى الْأَنْفُسِ وَالْأَبْدَانِ، وَصَبْرٌ عَمَّا يَكْرَهُ وَإِنْ نَازَعَتْ إِلَيْهِ الْأَهْوَاءُ. فَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ مِنَ الصَّابِرِينَ. وَقَرَأَ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}. [سُورَةُ الرَّعْدِ: 24] وَقَوْلُهُ: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}، يَقُولُ: وَيَدْفَعُونَ إِسَاءَةَ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّاسِ، بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ. كَمَا:- حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}، قَالَ: يَدْفَعُونَ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ، لَا يُكَافِئُونَ الشَّرَّ بِالشَّرِّ، وَلَكِنْ يَدْفَعُونَهُ بِالْخَيْرِ. وَقَوْلُهُ: {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتَهُمْ، هُمُ الَّذِينَ {لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}، يَقُولُ: هُمُ الَّذِينَ أَعْقَبَهُمُ اللَّهُ دَارَ الْجِنَانِ، مِنْ دَارِهِمُ الَّتِي لَوْ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ كَانَتْ لَهُمْ فِي النَّارِ، فَأَعْقَبَهُمُ اللَّهُ مِنْ تِلْكَ هَذِهِ. وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ عَقِيبَ طَاعَتِهِمْ رَبَّهُمْ فِي الدُّنْيَا، دَارُ الْجِنَانِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْوَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ (جَنَّاتُ عَدْنٍ)، تَرْجَمَةٌ عَنْ (عُقْبَى الدَّارِ) كَمَا يُقَالُ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ "، فَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ الرَّجُلُ الْمَقُولُ لَهُ: "نِعْمَ الرَّجُلُ "، وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: أُولَئِكَ لَهُمْ عَقيِبَ طَاعَتِهِمْ رَبَّهُمُ الدَّارُ الَّتِي هِيَ جَنَّاتُ عَدْنٍ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: (عَدَنٍ)، وَأَنَّهُ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ الَّتِي لَا ظَعْنَ مَعَهَا. وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُهَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ وَهُمُ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَفَعَلُوا الْأَفْعَالَ الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ}، وَهِيَ نِسَاؤُهُمْ وَأَهْلُوهُمْ وَ"ذُرِّيَّاتُهُمْ ".. وَ"صَلَاحُهُمْ " إِيمَانُهُمْ بِاللَّهِ وَاتِّبَاعُهُمْ أَمْرَهُ وَأَمْرَ رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. كَمَا:- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ} قَالَ: مَنْ آمَنَ فِي الدُّنْيَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ} قَالَ: مَنْ آمَنُ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ. وَقَوْلُهُ: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ}، يَقُولُ: تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، مَنْ كُلِّ بَابٍ مِنْهَا، يَقُولُونَ لَهُمْ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} عَلَى طَاعَةِ رَبِّكُمْ فِي الدُّنْيَا {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}. وَذُكِرَ أَنَّ لِجَنَّاتِ عَدْنٍ خَمْسَةَ آلَافِ بَابٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا يُقَالُ لَهُ "عَدَنٌ "، حَوْلَهُ الْبُرُوجُ وَالْمُرُوجُ، فِيهِ خَمْسَةُ آلَافِ بَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ خَمْسَةُ آلَافِ حِبَرَةٍ، لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا نبيٌ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} قَالَ: مَدِينَةُ الْجَنَّةِ، فِيهَا الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ وَأَئِمَّةُ الْهُدَى، وَالنَّاسُ حَوْلَهُمْ بِعَدَدِ الْجَنَّاتِ حَوْلَهَا. وَحُذِفَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}، "يَقُولُونَ "، اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَمَا حُذِفَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا}. [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 12] حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنِي أرطاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مَشْيَخَةِ الْجُنْدِ يُقَالُ لَهُ "أَبُو الْحَجَّاجِ "، يَقُولُ: جَلَسْتُ إِلَى أَبِي أُمَامَةَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَكُونُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَعِنْدَهُ سِمَاطَانِ مِنْ خَدَمٍ، وَعِنْدَ طَرَفِ السِّمَاطَيْنِ بَابٌ مُبَوَّبٌ، فَيُقْبِلُ الْمَلَكُ يَسْتَأْذِنُ؛ فَيَقُولُ أَقْصَى الْخَدَمِ لِلَّذِي يَلِيهِ: "مَلَكٌ يَسْتَأْذِنُ "، وَيَقُولُ الَّذِي يَلِيهِ لِلَّذِي يَلِيهِ: مَلَكٌ يَسْتَأْذِنُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُؤْمِنَ فَيَقُولُ: ائْذَنُوا. فَيَقُولُ: أَقْرَبُهُمْ إِلَى الْمُؤْمِنِ ائْذَنُوا. وَيَقُولُ الَّذِي يَلِيهِ لِلَّذِي يَلِيهِ: ائْذَنُوا. فَكَذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ أَقْصَاهُمُ الَّذِي عِنْدَ الْبَابِ، فَيَفْتَحُ لَهُ، فَيَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي قُبُورَ الشُّهَدَاءِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ حَوْلٍ فَيَقُولُ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنَعَمْ عُقْبَى الدَّارِ "، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ قَالُوا فِي ذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِنَا فِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} قَالَ: عَلَى دِينِكُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} قَالَ: حِينَ صَبَرُوا بِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ فَقَدَّمُوهُ. وَقَرَأَ: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}، حَتَّى بَلَغَ: {وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: ] وَصَبَرُوا عَمَّا كَرِهَ اللَّهُ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ، وَصَبَرُوا عَلَى مَا ثَقُلَ عَلَيْهِمْ وَأَحَبَّهُ اللَّهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ. وَقَرَأَ: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} فَإِنَّ مَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ فِي قَوْلِهِمْ {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} قَالَ: الْجَنَّةُ مِنَ النَّارِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَمَّاالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ، وَنَقْضُهُمْ ذَلِكَ، خِلَافُهُمْ أَمْرَ اللَّهِ، وَعَمَلُهُمْ بِمَعْصِيَتِهِ {مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}، يَقُولُ: مِنْ بَعْدِ مَا وَثَّقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لِلَّهِ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا عُهِدَ إِلَيْهِمْ {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}، يَقُولُ: وَيَقْطَعُونَ الرَّحِمَ الَّتِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِوَصْلِهَا {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ}، فَسَادُهُمْ فِيهَا: عَمَلُهُمْ بِمَعَاصِي اللَّهِ {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ}، يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ لَهُمُ اللَّعْنَةُ، وَهِيَ الْبُعْدُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَالْإِقْصَاءُ مِنْ جِنَانِهِ {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} يَقُولُ: وَلَهُمْ مَا يَسُوءُهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 31]، وَنَقْضُ الْعَهْدِ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}، يَعْنِي: سُوءُ الْعَاقِبَةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا لَمْ تَمْشِ إِلَى ذِي رَحِمَكَ بِرِجْلِكَ وَلَمْ تُعْطِهِ مِنْ مَالِكَ فَقَدْ قَطَعْتَهُ». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 103، ]، أَهُمُ الْحَرُورِيَّةُ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّ الْحَرُورِيَّةَ {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}، فَكَانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ الْفَاسِقِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: كُنْتُ أُمْسِكُ عَلَى سَعْدٍ الْمُصْحَفَ، فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ يُوَسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهُ فِي رِزْقِهِ، فَيَبْسُطُ لَهُ مِنْهُ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا ذَلِكَ (وَيَقْدِرُ)، يَقُولُ: وَيُقْتِرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ فِي رِزْقِهِ وَعَيْشِهِ، فَيُضَيِّقُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْإِقْتَارُ {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَفَرِحَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بُسِطَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الرِّزْقِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ بِمَا بَسَطَ لَهُمْ فِيهَا، وَجَهِلُوا مَا عِنْدَ اللَّهِ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ. ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ قَدْرٍ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فِيمَا لِأُهِلِ الْإِيمَانِ بِهِ عِنْدَهُ فِي الْآخِرَةِ وَأَعْلَمَ عِبَادَهُ قِلَّتَهُ، فَقَالَ: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ}، يَقُولُ: وَمَا جَمِيعُ مَا أَعْطَى هَؤُلَاءِ فِي الدُّنْيَا مِنَ السَّعَةِ وَبُسِطَ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الرِّزْقِ وَرَغَدِ الْعَيْشِ، فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ فِي الْآخِرَةِ (إِلَّا مَتَاعٌ) قَلِيلٌ، وَشَيْءٌ حَقِيرٌ ذَاهِبٌ. كَمَا:- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: (إِلَّا مَتَاعٌ) قَالَ: قَلِيلٌ ذَاهِبٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ}، قَالَ: قَلِيلٌ ذَاهِبٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ فِي قَوْلِهِ: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} قَالَ: كَزَادِ الرَّاعِي يُزَوِّدُهُ أَهْلُهُ: الْكَفَّ مِنَ التَّمْرِ، أَوِ الشَّيْءَ مِنَ الدَّقِيقِ، أَوِ الشَّيْءَ يَشْرَبُ عَلَيْهِ اللَّبَنَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَقُولُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ، مُشْرِكُو قَوْمِكَ: هَلَّا أُنْـزِلَ عَلَيْكَ آيَةٌ مِنْ رَبِّكَ، إِمَّا مَلَكٌ يَكُونُ مَعَكَ نَذِيرًا، أَوْ يُلْقَى إِلَيْكَ كَنْـزٌ؟ فَقُلْ: إِنِ اللَّهَ يُضِلُّ مِنْكُمْ مَنْ يَشَاءُ أَيُّهَا الْقَوْمُ، فَيَخْذُلُهُ عَنْ تَصْدِيقِي وَالْإِيمَانِ بِمَا جِئْتُهُ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّي {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}، فَرَجَعَ إِلَى التَّوْبَةِ مَنْ كُفْرِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، فَيُوَفِّقُهُ لِاتِّبَاعِي وَتَصْدِيقِي عَلَى مَا جِئْتُهُ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، وَلَيْسَ ضَلَالُ مَنْ يَضِلُّ مِنْكُمْ بِأَنْ لَمْ يُنَـزَّلْ عَلِيَّ آيَةٌ مِنْ رَبِّي وَلَا هِدَايَةُ مَنْ يَهْتَدِي مِنْكُمْ بِأَنَّهَا أُنْـزِلَتْ عَلِيَّ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِيَدِ اللَّهِ، يُوَفِّقُ مَنْ يَشَاءُ مِنْكُمْ لِلْإِيمَانِ وَيَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ مِنْكُمْ فَلَا يُؤْمِنُ. وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى "الْإِنَابَةِ "، فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}: أَيْ مَنْ تَابَ وَأَقْبَلَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} بِالتَّوْبَةِ الَّذِينَ آمَنُوا. وَ (الَّذِينَ آمَنُوا) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، رَدٌّ عَلَى "مَنْ "؛ لِأَنَّ "الَّذِينَ آمَنُوا "، هُمْ "مَنْ أَنَابَ "، تَرْجَمَ بِهَا عَنْهَا. وَقَوْلُهُ: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ}، يَقُولُ: وَتَسْكُنُ قُلُوبُهُمْ وَتَسْتَأْنِسُ بِذِكْرِ اللَّهِ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} يَقُولُ: سَكَنَتْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَاسْتَأْنَسَتْ بِهِ. وَقَوْلُهُ: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، يَقُولُ: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَسْكُنُ وَتَسْتَأْنِسُ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} لِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} قَالَ: لِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، الصَّالِحَاتُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَذَلِكَ الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَهُمْ رَبُّهُمْ {طُوبَى لَهُمْ}. وَ "طُوبَى " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بـِ "لَهُمْ ". وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ يَقُولُ: ذَلِكَ رَفْعٌ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: "وَيْلٌ لِعَمْرٍو ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا أَوْثِرُ الرَّفْعَ فِي (طُوبَى) لِحُسْنِ الْإِضَافَةِ فِيهِ بِغَيْرِ "لَامٍ "، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهِ "طُوبَاكَ "، كَمَا يُقَالُ: "وَيْلَكَ "، وَ"وَيَبْكَ "، وَلَوْلَا حُسْنُ الْإِضَافَةِ فِيهِ بِغَيْرِ لَامٍ، لَكَانَ النَّصْبُ فِيهِ أَحْسَنَ وَأَفْصَحَ، كُمًّا النَّصْبُ فِي قَوْلِهِمْ: "تَعِسًا لِزَيْدٍ، وَبُعْدًا لَهُ وَسُحْقًا " أَحْسَنُ، إِذْ كَانَتِ الْإِضَافَةُ فِيهَا بِغَيْرِ لَامٍ لَا تَحْسُنُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {طُوبَى لَهُمْ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: نِعْمَ مَا لَهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَرَوْرِيُّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْكَلْبِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ نَافِعٍ قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةُ عَنْ "طُوبَى لَهُمْ " قَالَ: نِعْمَ مَا لَهُمْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ نَافِعٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {طُوبَى لَهُمْ} قَالَ: نِعْمَ مَا لَهُمْ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {طُوبَى لَهُمْ} قَالَ: نِعْمَ مَا لَهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: غِبْطَةٌ لَهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {طُوبَى لَهُمْ} قَالَ: غِبْطَةٌ لَهُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: فَرَحٌ وَقُرَّةُ عَيْنٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ وَالْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {طُوبَى لَهُمْ}، يَقُولُ: فَرَحٌ وَقُرَّةُ عَيْنٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: حُسْنَى لَهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {طُوبَى لَهُمْ}، يَقُولُ: حُسْنَى لَهُمْ، وَهِيَ كَلِمَةٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ. {طُوبَى لَهُمْ}، هَذِهِ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ، يَقُولُ الرَّجُلُ: طُوبَى لَكَ: أَيْ أَصَبْتَ خَيْرًا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: خَيْرٌ لَهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: خَيْرٌ لَهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: {طُوبَى لَهُمْ}، قَالَ: الْخَيْرُ وَالْكَرَامَةُ الَّتِي أَعْطَاهُمُ اللَّهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: {طُوبَى لَهُمْ}، اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَنَّةِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ، الْجَنَّةُ لَهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {طُوبَى لَهُمْ} قَالَ: اسْمُ الْجَنَّةِ، بِالْحَبَشِيَّةِ. حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {طُوبَى لَهُمْ}، قَالَ: اسْمُ أَرْضِ الْجَنَّةِ، بِالْحَبَشِيَّةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَشْجُوجٍ فِي قَوْلِهِ: {طُوبَى لَهُمْ} قَالَ: (طُوبَى): اسْمُ الْجَنَّةِ بِالْهِنْدِيَّةِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ مَهْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَشْجُوجٍ قَالَ: اسْمُ الْجَنَّةِ بِالْهِنْدِيَّةِ: (طُوبَى). حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {طُوبَى لَهُمْ} قَالَ: الْجَنَّةُ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {طُوبَى لَهُمْ} قَالَ: الْجَنَّةُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَفَرَغَ مِنْهَا قَالَ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}، وَذَلِكَ حِينَ أَعْجَبَتْهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {طُوبَى لَهُمْ}، قَالَ الْجَنَّةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: {طُوبَى لَهُمْ}: شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَالِمٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {طُوبَى لَهُمْ}، شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: {طُوبَى لَهُمْ}: شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ يَقُولُ لَهَا: "تَفَتَّقِي لِعَبْدِي عَمَّا شَاءَ "! فَتَتَفَتَّقُ لَهُ عَنِ الْخَيْلِ بِسُرُوجِهَا وَلُجُمِهَا، وَعَنِ الْإِبِلِ بِأَزِمَّتِهَا، وَعَمَّا شَاءَ مِنَ الْكُسْوَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: (طُوبَى): شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، كُلُّ شَجَرِ الْجَنَّةِ مِنْهَا، أَغْصَانُهَا مِنْ وَرَاءِ سُورِ الْجَنَّةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يُقَالُ لَهَا (طُوبَى)، يَقُولُ اللَّهُ لَهَا: تفَتَّقِي فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنِ ابْنِ ثَوْرٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَلَاءُ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: {طُوبَى لَهُمْ} قَالَ: هِيَ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهَا (طُوبَى). حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَسَّانَ أَبِي الْأَشْرَسِ، عَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ قَالَ: (طُوبَى): شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ دَارٌ إِلَّا فِيهَا غُصْنٌ مِنْهَا، فَيَجِيءُ الطَّائِرُ فَيَقَعُ، فَيَدْعُوهُ، فَيَأْكُلُ مِنْ أَحَدِ جَنْبَيْهِ قَدِيدًا وَمِنَ الْآخَرِ شِوَاءً، ثُمَّ يَقُولُ: "طِرْ "، فَيَطِيرُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الشَّأْمِ قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ أَخَذَ لُؤْلُؤَةً فَوَضَعَهَا عَلَى رَاحَتَيْهِ، ثُمَّ دَمْلَجَهَا بَيْنَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ غَرَسَهَا وَسَطَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: امْتَدِّي حَتَّى تَبْلُغِي مَرْضَاتِي ". فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ تَفَجَّرَتْ مِنْ أُصُولِهَا أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَهِيَ "طُوبَى ". حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا يَقُولُ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يُقَالُ لَهَا: "طُوبَى "، يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِئَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا؛ زَهْرُهَا رِيَاطٌ، وَوَرَقُهَا بُرُودٌ وَقُضْبَانُهَا عَنْبَرٌ، وَبَطْحَاؤُهَا يَاقُوتٌ، وَتُرَابُهَا كَافُورٌ، وَوَحَلُهَا مِسْكٌ، يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارُ الْخَمْرِ وَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ، وَهِيَ مَجْلِسٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، فَبَيْنَا هُمْ فِي مَجْلِسِهِمْ إِذْ أَتَتْهُمْ مَلَائِكَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ، يَقُودُونَ نُجُبًا مَزْمُومَةً بِسَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ، وُجُوهُهَا كَالْمَصَابِيحِ مِنْ حُسْنِهَا، وَبَرُهَا كَخَزِّ الْمِرْعِزَّى مَنْ لِينِهِ، عَلَيْهَا رِحَالٌ أَلْوَاحُهَا مِنْ يَاقُوتٍ، وَدَفُوفُهَا مَنْ ذَهَبٍ، وَثِيَابُهَا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، فَيُنِيخُونَهَا وَيَقُولُونَ: إِنَّ رَبَّنَا أَرْسَلَنَا إِلَيْكُمْ لِتَزُورُوهُ وَتُسَلِّمُوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَيَرْكَبُونَهَا، قَالَ: فَهِيَ أَسْرَعُ مِنَ الطَّائِرِ، وَأَوْطَأُ مِنَ الْفِرَاشِ نُجُبًا مِنْ غَيْرِ مَهْنَةٍ، يَسِيرُ الرَّجُلُ إِلَى جَنْبِ أَخِيهِ وَهُوَ يُكَلِّمُهُ وَيُنَاجِيهِ، لَا تُصِيبُ أُذُنُ رَاحِلَةٍ مِنْهَا أُذُنَ صَاحِبَتِهَا، وَلَا بَرْكُ رَاحِلَةٍ بِرْكَ صَاحَبْتِهَا، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لِتَتَنَحَّى عَنْ طُرُقِهِمْ لِئَلَّا تَفْرُقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَأَخِيهِ. قَالَ: فَيَأْتُونَ إِلَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَيُسْفِرُ لَهُمْ عَنْ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَيْهِ، فَإِذَا رَأَوْهُ قَالُوا: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، وَحُقَّ لَكَ الْجَلَالُ وَالْإِكْرَامُ ". قَالَ: فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ: "أَنَا السَّلَامُ، وَمَنَّى السَّلَامُ، وَعَلَيْكُمْ حَقَّتْ رَحْمَتِي وَمَحَبَّتِي، مَرْحَبًا بِعِبَادِي الَّذِينَ خَشُونِي بِغَيْبٍ وَأَطَاعُوا أَمْرِي ".قَالَ: فَيَقُولُونَ: "رَبَّنَا إِنَّا لَمْ نَعْبُدْكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ وَلَمْ نُقَدِّرْكَ حَقَّ قَدْرِكَ، فَأْذَنَ لَنَا بِالسُّجُودِ قُدَّامَكَ "قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارٍ نَصَبَ وَلَا عِبَادَةٍ، وَلَكِنَّهَا دَارُ مُلْكٍ وَنَعِيمٍ، وَإِنِّي قَدْ رَفَعْتُ عَنْكُمْ نَصَبَ الْعِبَادَةِ، فَسَلُونِي مَا شِئْتُمْ، فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ أَمْنِيَّتَهُ ". فَيَسْأَلُونَهُ، حَتَّى إِنَّ أَقْصَرَهُمْ أَمْنِيَّةً لِيَقُولَ: رَبِّ، تَنَافَسَ أَهْلُ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ فَتَضَايَقُوا فِيهَا، رَبِّ فَآتِنِي كُلَّ شَيْءٍ كَانُوا فِيهِ مِنْ يَوْمِ خِلْقَتَهَا إِلَى أَنِ انْتَهَتِ الدُّنْيَا" فَيَقُولُ اللَّهُ: لَقَدْ قَصَرَتْ بِكَ الْيَوْمَ أَمْنِيَّتُكَ، وَلَقَدْ سَأَلْتَ دُونَ مَنْـزِلَتِكَ، هَذَا لَكَ مِنِّي، وَسَأُتْحِفُكَ بِمَنْـزِلَتِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَطَائِي نَكَدٌ وَلَا تَصْرِيدٌ ". قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: "اعْرِضُوا عَلَى عِبَادِي مَا لَمْ تَبْلُغْ أَمَانِيهُمْ، وَلَمْ يَخْطُرْ لَهُمْ عَلَى بَالٍ ". قَالَ: فَيَعْرِضُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقْضُوهُمْ أَمَانِيهِمُ الَّتِي فِي أَنْفُسِهِمْ، فَيَكُونُ فِيمَا يَعْرِضُونَ عَلَيْهِمْ بِرَاذينُ مُقَرَّنَةً، عَلَى كُلِّ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا سَرِيرٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ وَاحِدَةٍ، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ مِنْهَا قُبَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ مُفْرَغَةً، فِي كُلِّ قُبَّةٍ مِنْهَا فُرُشٌ مِنْ فُرُشِ الْجَنَّةِ مُظَاهَرَةً، فِي كُلِّ قُبَّةٍ مِنْهَا جَارِيَتَانِ مِنَ الْحَوَرِ الْعَيْنِ، عَلَى كُلِّ جَارِيَةٍ مِنْهُنَّ ثَوْبَانِ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ لَوْنٌ إِلَّا وَهُوَ فِيهِمَا، وَلَا رِيحٌ طَيِّبَةٌ إِلَّا قَدْ عَبِقَتَا بِهِ، يَنْفُذُ ضَوْءُ وُجُوهِهِمَا غِلَظَ الْقُبَّةِ، حَتَّى يَظُنَّ مَنْ يَرَاهُمَا أَنَّهُمَا مَنْ دُونِ الْقُبَّةِ، يَرَى مُخَّهُمَا مِنْ فَوْقِ سُوقِهِمَا كَالسِّلْكِ الْأَبْيَضِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، يَرَيَانِ لَهُ مِنَ الْفَضْلِ عَلَى صَاحِبَتِهِ كَفَضْلِ الشَّمْسِ عَلَى الْحِجَارَةِ، أَوْ أَفْضَلَ، وَيُرَى هَوْلُهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ يَدْخُلُ إِلَيْهِمَا فَيُحَيِّيَانِهِ وَيُقَبِّلَانِهِ وَيُعَانِقَانِهِ، وَيَقُولَانِ لَهُ: "وَاللَّهِ مَا ظَنَنَّا أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ مِثْلَكَ "، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَيَسِيرُونَ بِهِمْ صَفًّا فِي الْجَنَّةِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى مَنْـزِلَتِهِ الَّتِي أُعَدَّتْ لَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ حَمَّادٍ قَالَ: شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ فِي دَارِ كُلِّ مُؤْمِنٍ غُصْنٌ مِنْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ أَبِي الْأَشْرَسِ، عَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ قَالَ: "طُوبَى "، شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَوْ أَنَّ رَجُلَا رَكِبَ قَلُوصًا جَذَعًا أَوْ جَذَعَةً، ثُمَّ دَارَ بِهَا، لَمْ يَبْلُغِ الْمَكَانَ الَّذِي ارْتَحَلَ مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ هَرَمًا. وَمَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْـزِلٌ إِلَّا فِيهِ غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ مُتَدَلٍّ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَأْكُلُوا مِنَ الثَّمَرَةِ تَدَلَّى إِلَيْهِمْ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ مَا شَاؤُوا، وَيَجِيءُ الطَّيْرُ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ قَدِيدًا وَشِوَاءً مَا شَاءُوا، ثُمَّ يَطِيرُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ بِنَحْوِ مَا قَالَ مَنْ قَالَ هِيَ شَجَرَةٌ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْقُومَسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ، عَنْ زَيْدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ الْبَكَالِيَّ: أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ يَقُولُ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي الْجَنَّةِ فَاكِهَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فِيهَا شَجَرَةٌ تُدْعَى "طُوبَى"، هِيَ تُطَابِقُ الْفِرْدَوْسَ. قَالَ: أَيُّ شَجَرِ أَرْضِنَا تُشْبِهُ؟ قَالَ: لَيْسَتْ تُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ أَرْضِكَ، وَلَكِنْ أَتَيْتَ الشَّأْمَ؟ فَقَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: فَإِنَّهَا تُشْبِهُ شَجَرَةً تُدْعَى الْجَوْزَةُ، تَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَنْتَشِرُ أَعْلَاهَا. قَالَ: مَا عِظَمُ أَصْلِهَا؟ قَالَ: لَوِ ارْتَحَلْتَ جَذَعَةً مِنْ إِبِلِ أَهْلَكَ، مَا أَحَاطَتْ بِأَصْلِهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ تَرْقُوتَاهَا هَرَمًا». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْجَزْرِيُّ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}:، شَجَرَةٌ غَرَسَهَا اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ، نَبَتَتْ بِالْحَلْيِ وَالْحُلَلِ، وَإِنَّ أَغْصَانَهَا لَتُرَى مِنْ وَرَاءِ سُورِ الْجَنَّة». حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ دَرَّاجًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الْهَيْثَمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا طُوبَى؟ قَالَ: شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةَ مِئَةِ سَنَةٍ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الرِّوَايَةَ بِهِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِي رَفْعِ قَوْلِهِ: {طُوبَى لَهُمْ} خِلَافَ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ "طُوبَى " اسْمُ شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ، فَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ، فَهُوَ اسْمٌ لِمَعْرِفَةٍ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ: {وَحُسْنُ مَآبٍ} إِلَّا الرَّفْعُ، عَطْفًا بِهِ عَلَى "طُوبَى ". وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَحُسْنُ مَآبٍ}، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَحُسْنُ مُنْقَلَبٍ؛ كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {وَحُسْنُ مَآبٍ}، قَالَ: حُسْنُ مُنْقَلَبٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِقُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَكَذَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ يَعْنِي إِلَى جَمَاعَةً قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا جَمَاعَاتٌ عَلَى مِثْلِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، فَمَضَتْ {لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}، يَقُولُ: لِتُبَلِّغَهُمْ مَا أَرْسَلْتُكَ بِهِ إِلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِيَ الَّذِي أَوْحَيْتُهُ إِلَيْكَ {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}، يَقُولُ: وَهُمْ يَجْحَدُونَ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ، وَيُكَذِّبُونَ بِهَا {قُلْ هُوَ رَبِّي}، يَقُولُ: إِنْ كَفَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلْتُكَ إِلَيْهِمْ، يَا مُحَمَّدُ بِالرَّحْمَنِ، فَقُلْ أَنْتَ: اللَّهُ رَبِّي {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}، يَقُولُ: وَإِلَيْهِ مَرْجِعِي وَأَوْبَتِي. وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "تُبْتُ مَتَابًا وَتَوْبَةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}. ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَة حِينَ صَالَحَ قُرَيْشًا كَتَبَ: "هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ: لَئِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَاتَلْنَاكَ لَقَدْ ظَلَمْنَاكَ! وَلَكِنِ اكْتُبْ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نُقَاتِلْهُمْ! فَقَالَ: لَا وَلَكِنِ اكْتُبُوا كَمَا يُرِيدُونَ إِنِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. فَلَمَّا كَتَبَ الْكَاتِبُ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، قَالَتْ قُرَيْشٌ: أَمَّا "الرَّحْمَنُ "فَلَا نَعْرِفُهُ؛ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَكْتُبُونَ: "بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ "، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنَا نُقَاتِلْهُمْ! قَالَ: لَا وَلَكِنِ اكْتُبُوا كَمَا يُرِيدُون". حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ «قَوْلُهُ: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ} الْآيَةَ، قَالَ: هَذَا لَمَّا كَاتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فِي الْحُدَيْبِيَةَ، كَتَبَ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، قَالُوا: لَا تَكْتُبِ "الرَّحْمَنَ "، وَمَا نَدْرِي مَا "الرَّحْمَنُ "، وَلَا تَكْتُبْ إِلَّا "بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ".قَالَ اللَّهُ: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} الْآيَة».
|