الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: " {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} "، مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِمَا قَالَ فِرْعَوْنُ لِلْمَلَأِ مِنْ قَوْمِهِ: "سَنَقْتُلُ أَبْنَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ": {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ} عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فِيمَا يَنُوبُكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ "وَاصْبِرُوا" عَلَى مَا نَالَكُمْ مِنَ الْمَكَارِهِ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ. وَكَانَ قَدْ تَبِعَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مَا:- حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لِمَا آمَنَتِ السَّحَرَةُ، اتَّبَعَ مُوسَى سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، يَقُولُ: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُورِثَكُمْ إِنْ صَبَرْتُمْ عَلَى مَا نَالَكُمْ مِنْ مَكْرُوهٍ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ، وَاحْتَسَبْتُمْ ذَلِكَ، وَاسْتَقَمْتُمْ عَلَى السَّدَادِ أَرْضَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، بِأَنْ يُهْلِكَهُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِيهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يُورِثُ أَرْضَهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، يَقُولُ: وَالْعَاقِبَةُ الْمَحْمُودَةُ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَرَاقَبَهُ، فَخَافَهُ بِاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ وَأَدَّى فَرَائِضَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتِنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى، حِينَ قَالَ لَهُمْ " {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} " (أُوذِينَا) بِقَتْلِ أَبْنَائِنَا {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا}، يَقُولُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا بِرِسَالَةِ اللَّهِ إِلَيْنَا، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يُقْتَلُ أَوْلَادَهُمُ لذُّكُورَ حِينَ أَظَلَّهُ زَمَانُ مُوسَى عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتِنَا}، يَقُولُ: وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتِنَا بِرِسَالَةِ اللَّهِ، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ لِمَا غَلَبَتْ سَحَرَتُهُ، وَقَالَ لِلْمَلَأِ مِنْ قَوْمِهِ مَا قَالَ، أَرَادَ تَجْدِيدَ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ بِقَتْلِ أَبْنَائِهِمْ وَاسْتِحْيَاءِ نِسَائِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْمَ مُوسَى قَالُوا لِمُوسَى ذَلِكَ، حِينَ خَافُوا أَنْ يُدْرِكَهُمْ فِرْعَوْنُ وَهُمْ مِنْهُ هَارِبُونَ، وَقَدْ تَرَاءَى الْجَمْعَانِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُوسَى {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا}، كَانُوا يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَنَا وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَنَا {وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتِنَا}، الْيَوْمَ يُدْرِكُنَا فِرْعَوْنُ فَيَقْتُلُنَا. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا}، مِنْ قَبْلِ إِرْسَالِ اللَّهِ إِيَّاكَ وَبَعْدَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ فَنَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى فِرْعَوْنَ قَدْ رَدِفَهُمْ، قَالُوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}، وَقَالُوا: {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا}، كَانُوا يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَنَا وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَنَا {وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}، الْيَوْمَ يُدْرِكُنَا فِرْعَوْنُ فَيَقْتُلُنَا إِنَّا لَمُدْرِكُونَ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَارَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى هَجَمُوا عَلَى الْبَحْرِ، فَالْتَفَتُوا فَإِذَا هُمْ برَهْجِ دَوَابِ فِرْعَوْنَ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى " {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتِنَا} "، هَذَا الْبَحْرُ أَمَامَنَا وَهَذَا فِرْعَوْنُ بِمَنْ مَعَهُ! قَالَ: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}. وَقَوْلُهُ: {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ}، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: لَعَلَّ رَبَّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدْوَكُمْ: فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ)، يَقُولُ: يَجْعَلُكُمْ تُخْلِفُونَهُمْ فِي أَرْضِهِمْ بَعْدَ هَلَاكِهِمْ، لَا تَخَافُونَهُمْ وَلَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ غَيْرَهُمْ {فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}، يَقُولُ: فَيَرَى رَبُّكُمْ مَا تَعْمَلُونَ بِعَدَّهُمْ، مِنْ مُسَارَعَتِكُمْ فِي طَاعَتِهِ، وَتَثَاقُلِكُمْ عَنْهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدِ اخْتَبَرْنَا قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَأَتْبَاعَهُ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ "بِالسِّنِينَ"، يَقُولُ: بالجُدوبِ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، وَالْقُحُوطِ. يُقَالُ مِنْهُ: "أَسْنَتَ الْقَوْمُ"، إِذَا أَجْدَبُوا. {وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ}، يَقُولُ: وَاخْتَبَرْنَاهُمْ مَعَ الْجَدُوبِ بِذَهَابِ ثِمَارِهِمْ وَغَلَّاتِهِمْ إِلَّا الْقَلِيلَ {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}، يَقُولُ: عِظَةٌ لَهُمْ وَتَذْكِيرًا لَهُمْ، لِيَنْـزَجِرُوا عَنْ ضَلَالَتِهِمْ، وَيَفْزَعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِالتَّوْبَةِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ}، قَالَ: سِنِي الْجُوعِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: (بِالسِّنِينَ)، الْجَائِحَةِ {وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ}، دُونَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبِيدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيَّبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حيوةَ فِي قَوْلِهِ: {وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ}، قَالَ: حَيْثُ لَا تَحْمِلُ النَّخْلَةُ إِلَّا تَمْرَةً وَاحِدَةً. حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا تَحْمِلُ النَّخْلَةُ إِلَّا ثَمَرَةً. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ: {وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ}، قَالَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا تَحْمِلُ النَّخْلَةُ إِلَّا ثَمَرَةً. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ}، أَخَذَهُمُ اللَّهُ بِالسِّنِينَ، بِالْجُوعِ، عَامًا فَعَامًا {وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ}، فَأَمَّا "السِّنِينُ" فَكَانَ ذَلِكَ فِي بَادِيَتِهِمْ وَأَهِلَ مَوَاشِيهِمْ وَأَمَّا "بِنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ" فَكَانَ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِهِمْ وَقُرَاهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِذَا جَاءَتْ آلَ فِرْعَوْنَ الْعَافِيَةُ وَالْخِصْبُ وَالرَّخَاءُ وَكَثْرَةُ الثِّمَارِ، وَرَأَوْا مَا يُحِبُّونَ فِي دُنْيَاهُمْ {قَالُوا لَنَا هَذِهِ}، نَحْنُ أَوْلَى بِهَا {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}، يَعْنِي جُدُوبَ وَقُحُوطَ وَبَلَاءَ {يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}، يَقُولُ: يَتَشَاءَمُوا وَيَقُولُوا: ذَهَبَتْ حُظُوظُنَا وَأَنْصِبَاؤُنَا مِنَ الرَّخَاءِ وَالْخِصْبِ وَالْعَافِيَةِ، مُذْ جَاءَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ}، الْعَافِيَةُ وَالرَّخَاءُ {قَالُوا لَنَا هَذِهِ}، نَحْنُ أَحَقُّ بِهَا {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}، بَلَاءٌ وَعُقُوبَةٌ (يَطِيرُوا)، يَتَشَاءَمُوا بِمُوسَى. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}، قَالُوا: مَا أَصَابَنَا هَذَا إِلَّا بِكَ يَا مُوسَى وَبِمَنْ مَعَكَ، مَا رَأَيْنَا شَرًّا وَلَا أَصَابَنَا حَتَّى رَأَيْنَاكَ! وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ}، قَالَ: الْحَسَنَةُ مَا يُحِبُّونَ. وَإِذَا كَانَ مَا يَكْرَهُونَ قَالُوا: مَا أَصَابَنَا هَذَا إِلَّا بِشُؤْمِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ظَلَمُوا! قَالَ قَوْمُ صَالِحٍ: {اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ}، فَقَالَ اللَّهُ: {طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}، [سُورَةُ النَّمْلِ: 47].
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَّا مَا طَائِرُ آلِ فِرْعَوْنَ وَغَيْرِهِمْ وَذَلِكَ أَنْصِبَاؤُهُمْ مِنَ الرَّخَاءِ وَالْخِصْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْصِبَاءِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ "إِلَّا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"، أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلِجَهْلِهِمْ بِذَلِكَ كَانُوا يَطَّيَّرُونَ بِمُوسَى وَمِنْ مَعَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ}، يَقُولُ: مَصَائِبُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ اللَّهُ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ}، قَالَ: الْأَمْرُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ آلُ فِرْعَوْنَ لِمُوسَى: يَا مُوسَى، مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ عَلَامَةٍ وَدَلَالَةٍ "لِتَسْحَرنَا"، يَقُولُ: لِتَلْفِتَنَا بِهَا عَمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ دِينِ فِرْعَوْنَ {فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}، يَقُولُ: فَمَا نَحْنُ لَكَ فِي ذَلِكَ بِمُصَدِّقِينَ عَلَى أَنَّكَ مُحِقٌّ فِيمَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى "السِّحْرِ" بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي مَعْنَى: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ}، مَا:- حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، [أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهَبٍ]، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ}، قَالَ: إِنَّ مَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ وَهَذِهِ فِيهَا زِيَادَةُ "مَا".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى "الطُّوفَانِ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْمَاءُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَبَوَيْهِ أَبُو يَزِيدَ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لِمَا جَاءَ مُوسَى بِالْآيَاتِ، كَانَ أَوَّلُ الْآيَاتِ الطُّوفَانَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّمَاءَ. حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: "الطُّوفَانُ" الْمَاءُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: "الطُّوفَانُ" الْمَاءُ. قَالَ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الطُّوفَانُ" الْغَرَقُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "الطُّوفَانُ" الْمَاءُ، "وَالطَّاعُونُ"، عَلَى كُلِّ حَالٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "الطُّوفَانُ"، الْمَوْتُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الطُّوفَانُ" الْمَاءُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْمَوْتُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطُّوفَانُ الْمَوْت». حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، سَأَلَتُ عَطَاءً: مَا الطُّوفَانُ؟ قَالَ: الْمَوْتُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "الطُّوفَانُ" الْمَوْتُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ}، قَالَ: الْمَوْتُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَأَلْتُ عَطَاءً عَنِ "الطُّوفَانِ"، قَالَ: الْمَوْتُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَوْتُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَائِشَة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الطُّوفَانُ الْمَوْت». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ كَانَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ طَافَ بِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ}، قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ الطُّوفَانُ، ثُمَّ قَرَأَ {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ}، [الْقَلَمِ: 19]. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، يَزْعُمُ أَنَّ "الطُّوفَانَ" مِنَ السَّيْلِ: الْبُعَاقُ وَالدُّبَاشُ، وَهُوَ الشَّدِيدُ. وَمِنَ الْمَوْتِ الْمُبَالِغُ الذَّرِيعُ السَّرِيعُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كَثْرَةُ الْمَطَرِ وَالرِّيحِ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: "الطُّوفَانُ" مَصْدَرٌ مِثْلَ "الرُّجْحَانِ" و"النُّقْصَانِ"، لَا يُجْمَعُ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: هُوَ جَمْعٌ، وَاحِدُهَا فِي الْقِيَاسِ "الطُّوفَانَةُ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو ظَبْيَانَ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ طَافَ بِهِمْ، وَأَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "طَافَ بِهِمْ أَمْرُ اللَّهِ يَطُوفُ طُوفَانًا"، كَمَا يُقَالُ: "نَقَصَ هَذَا الشَّيْءُ يَنْقُصُ نُقْصَانًا". وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي طَافَ بِهِمُ الْمَطَرَ الشَّدِيدَ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتَ الذَّرِيعَ. وَمِنِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمَطَرَ الشَّدِيدَ قَدْ يُسَمَّى "طُوفَانًا" قَوْلُ حُسَيلٍ بْنِ عُرْفُطَةَ غَـيَّرَ الجِـدَّةُ مِـنْ آيَاتِهَـا *** خُـرُقُ الـرِّيحِ وَطُوفَـانُ الْمَطَـرْ وَيُرْوَى: خُرُقُ الرِّيحِ بِطُوفَانِ الْمَطَرْ وَقَوْلُ الرَّاعِي: تُضْحِـي إِذَا الْعِيسُ أَدْرَكْنَـا نَكَائِثَهَـا *** خَرْقَـاءَ يَعْتَادُهَـا الطُّوفَـانُ والـزُّؤُدُ وَقَوْلُ أَبِي النَّجْمِ: قَـدْ مَـدَّ طُوفَـانٌ فَبَـثَّ مَـدَدَا *** شَـهْرًا شَـآبِيبَ وَشَـهْرًا بَـرَدَا وَأَمَّا "الْقُمَّلُ"، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ السُّوسُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْحِنْطَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الْقُمَّلُ" هُوَ السُّوسُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْحِنْطَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الدَّبَى، وَهُوَ صِغَارُ الْجَرَادِ الَّذِي لَا أَجْنِحَةَ لَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الْقُمَّلُ" الدَّبَى. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: الدَّبَى، الْقُمَّلُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: "الْقُمَّلُ" هُوَ الدَّبَى. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "الْقُمَّلُ" الدَّبْيَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: "الْقُمَّلُ"، هِيَ الدَّبَى، وَهِيَ أَوْلَادُ الْجَرَادِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الْقُمَّلُ" الدَّبَى. قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قَيْسٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: "الْقُمَّلُ" بَنَاتُ الْجَرَادِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الْقُمَّلُ" الدَّبَى. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ "الْقُمَّلُ"، الْبَرَاغِيثُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ وَهَبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ}، قَالَ: زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْقُمَّلِ أَنَّهَا الْبَرَاغِيثُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ دَوَابُّ سُودٌ صِغَارٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعَتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَالْحُسْنَ قَالَا الْقُمَّلُ: دَوَابٌّ سُودٌ صِغَارٌ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَزْعُمُ أَنَّ "الْقُمَّلَ"، عِنْدَ الْعَرَبِ: الْحَمْنَانُ وَالْحَمْنَانُ ضَرْبٌ مِنَ الْقِرْدَانِ وَاحِدَتُهَا: "حَمْنَانَةٌ"، فَوْقَ الْقَمْقَامَةِ. و"الْقُمَّلُ" جَمْعٌ، وَاحِدَتُهَا "قُمَّلَةٌ"، وَهِيَ دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْقُمَّلَ تَأْكُلُهَا الْإِبِلُ فِيمَا بَلَغَنِي، وَهِيَ الَّتِي عَنَاهَا الْأَعْشَى فِي قَوْلِهِ: قَـوْمٌ تُعَـالِجُ قُمَّـلًا أَبْنَـاؤُهُمْ *** وَسَلَاسِـلًا أُجُـدًا وَبَابًـا مُؤْصَـدَا وَكَانَ الْفِرَاءُ يَقُولُ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا، فَوَاحِدُهُ "قَامِلٌ"، مِثْلَ "سَاجِدٍ" و"رَاكِعٍ"، وَإِنْ يَكُنِ اسْمًا عَلَى مَعْنَى جَمْعٍ، فَوَاحِدَتُهُ: "قُمَّلَةٌ". ذَكَرَ الْمَعَانِيَ الَّتِي حَدَّثَتْ فِي قَوْمِ فِرْعَوْنَ بِحُدُوثِ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَالسَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَحْدَثَهَا اللَّهُ فِيهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لِمَا أَتَى مُوسَى فِرْعَوْنَ قَالَ لَهُ: أَرْسَلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَأَبَى عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَهُوَ الْمَطَرُ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ مِنْهُ شَيْئًا، فَخَافُوا أَنْ يَكُونَ عَذَابًا، فَقَالُوا لِمُوسَى: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا الْمَطَرَ، فَنُؤْمِنُ لَكَ وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَلَمْ يُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَنْبَتَ لَهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ شَيْئًا لَمْ يُنْبِتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَالْكَلَأِ. فَقَالُوا: هَذَا مَا كُنَّا نَتَمَنَّى، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَسَلَّطَهُ عَلَى الْكَلَأِ فَلَمَّا رَأَوْا أَثَرَهُ فِي الْكَلَأِ عَرَفُوا أَنَّهُ لَا يُبْقِي الزَّرْعَ. فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ فَيَكْشِفُ عَنَّا الْجَرَادَ فَنُؤْمِنُ لَكَ، وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْجَرَادَ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَلَمْ يُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَاسُوا وَأَحْرَزُوا فِي الْبُيُوتِ، فَقَالُوا: قَدْ أَحْرَزْنَا فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ، وَهُوَ السُّوسُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ فَكَانَ الرَّجُلُ يُخْرِجُ عَشْرَةَ أَجْرِبَةٍ إلى الرَّحَى، فَلَا يَرُدُّ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَقْفِزَةٍ. فَقَالُوا: يَا مُوسَى، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا الْقُمَّلَ، فَنُؤْمِنُ لَكَ وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ فِرْعَوْنَ، إِذْ سَمِعَ نَقِيقَ ضِفْدَعٍ، فَقَالَ لِفِرْعَوْنَ: مَا تَلْقَى أَنْتَ وَقَوْمُكَ مِنْ هَذَا! فَقَالَ: وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ كَيْدُ هَذَا! فَمَا أَمْسَوْا حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَجْلِسُ إِلَى ذَقْنِهِ فِي الضَّفَادِعِ، وَيَهُمُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَتَثِبُ الضَّفَادِعُ فِي فِيهِ. فَقَالُوا لِمُوسَى: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفْ عَنَّا هَذِهِ الضَّفَادِعَ، فَنُؤْمِنُ لَكَ، وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! [فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا] فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ، فَكَانَ مَا اسْتَقَوْا مِنَ الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ، أَوْ مَا كَانَ فِي أَوْعِيَتِهِمْ وَجَدُوهُ دَمًا عَبِطًا، فَشَكَوَا إِلَى فِرْعَوْنَ فَقَالُوا: إِنَّا قَدِ ابْتُلِينَا بِالدَّمِ، وَلَيْسَ لَنَا شَرَابٌ! فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَحَرَكُمْ! فَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ سَحَرَنَا، وَنَحْنُ لَا نُجِدُّ فِي أَوْعِيَتِنَا شَيْئًا مِنَ الْمَاءِ إِلَّا وَجَدْنَاهُ دَمًا عَبِطًا؟ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفْ عَنَّا هَذَا الدَّمَ، فَنُؤْمِنُ لَكَ، وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَلَمْ يُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَبَوَيْهِ أَبُو يَزِيدَ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، لِمَا خَافُوا الْغَرَقَ، قَالَ فِرْعَوْنُ: يَا مُوسَى، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفْ عَنَّا هَذَا الْمَطَرَ، فَنُؤْمِنُ لَكَ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيثِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ يَعْنِي عَلَى قَوْمِ فِرْعَوْنَ الطُّوفَانَ، وَهُوَ الْمَطَرُ، فَغَرِقَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُمْ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفْ عَنَّا، وَنَحْنُ نُؤْمِنُ لَكَ، وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَنَبَتَتْ بِهِ زُرُوعُهُمْ، فَقَالُوا: مَا يَسُرُّنَا أَنَا لَمْ نُمْطَرْ. فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَأَكَلَ حُرُوثَهُمْ، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَدْعُوَ رَبَّهُ، فَيَكْشِفَهُ، وَيُؤْمِنُوا بِهِ. فَدَعَا فَكَشْفَهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ زُرُوعِهِمْ بَقِيَّةٌ فَقَالُوا: لِمَ تُؤْمِنُونَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ زَرْعِنَا بَقِيَّةٌ تَكْفِينَا؟ فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ لدَّبَى وَهُوَ الْقُمَّلُ فَلَحِسَ الْأَرْضَ كُلَّهَا، وَكَانَ يَدْخُلُ بَيْنَ ثَوْبِ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ جَلْدِهِ فَيَعَضُّهُ، وَكَانَ لِأَحَدِهِمُ لطَّعَامُ فَيَمْتَلِئُ دَبًى، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَبْنِي الْأُسْطُوَانَةَ بِالْجِصِّ، فَيُزَلِّقُهَا حَتَّى لَا يَرْتَقِيَ فَوْقَهَا شَيْءٌ، يَرْفَعُ فَوْقَهَا الطَّعَامَ، فَإِذَا صَعِدَ إِلَيْهِ لِيَأْكُلَهُ وَجَدَهُ مَلْآنَ دَبًى، فَلَمَّ يُصَابُوا بِبَلَاءٍ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الدَّبَى وَهُوَ "الرِّجْزُ" الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِمْ فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَدْعُوَ رَبَّهُ فَيَكْشِفْ عَنْهُمْ وَيُؤْمِنُوا بِهِ، فَلَمَّا كُشِفَ عَنْهُمْ، أَبَوْا أَنْ يُؤْمِنُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ لدَّمَ، فَكَانَ الْإِسْرَائِيلِيُّ يَأْتِي هُوَ وَالْقِبْطِيُّ يَسْتَقِيَانِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، فَيَخْرُجُ مَاءُ هَذَا الْقِبْطِيِّ دَمًا، وَيَخْرُجُ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ مَاءً. فَلَمَّا اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، سَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَكْشِفَهُ وَيُؤْمِنُوا بِهِ، فَكَشَفَ ذَلِكَ، فَأَبَوْا أَنْ يُؤْمِنُوا، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}، [الزُّخْرُفِ: 50] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ}، قَالَ: أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ حَتَّى قَامُوا فِيهِ قِيَامًا. ثُمَّ كَشَفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَأَخْصَبَتْ بِلَادَهُمْ خِصْبًا لَمْ تُخَصِّبْ مِثْلَهُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَرَادَ فَأَكَلَهُ إِلَّا قَلِيلًا فَلَمْ يُؤْمِنُوا أَيْضًا. فَأَرْسَلَ اللَّهُ الْقُمَّلَ وَهِيَ الدَّبَى، وَهِيَ أَوْلَادُ الْجَرَادِ فَأَكَلَتْ مَا بَقِيَ مِنْ زُرُوعِهِمِ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا. فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَوَقَعَتْ فِي آنِيَتِهِمْ وَفُرُشِهِمْ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا. ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ لدَّمَ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ تَحَوَّلَ ذَلِكَ الْمَاءُ دَمًا، قَالَ اللَّهُ: {آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ}. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زريعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ}، حَتَّى بَلَغَ: (مُجْرِمِينَ)، قَالَ: أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ حَتَّى قَامُوا فِيهِ قِيَامًا، فَدَعَوَا مُوسَى، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، ثُمَّ عَادُوا لِسُوءِ مَا يَحْضُرُ بِهِمْ. ثُمَّ أَنْبَتَتْ أَرْضَهُمْ، ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَأَكَلَ عَامَّةُ حُرُوثِهِمْ وَثِمَارِهِمْ. ثُمَّ دَعَوْا مُوسَى فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ، ثُمَّ عَادُوا بِشَرِّ مَا يَحْضُرُ بِهِمْ. فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ، هَذَا الدَّبَى الَّذِي رَأَيْتُمْ، فَأَكَلَ مَا أَبْقَى الْجَرَادُ مِنْ حُرُوثِهِمْ، فَلَحِسَهُ. فَدَعَوَا مُوسَى، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشْفَهُ عَنْهُمْ، ثُمَّ عَادُوا بِشَرٍّ مَا يَحْضُرُ بِهِمْ. ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ حَتَّى مَلَأَتْ بُيُوتَهُمْ وَأَفْنَيْتَهُمْ. فَدَعَوَا مُوسَى، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ. ثُمَّ عَادُوا بِشَرِّ مَا يَحْضُرُ بِهِمْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ لدَّمَ، فَكَانُوا لَا يَغْتَرِفُونَ مِنْ مَائِهِمْ إِلَّا دَمًا أَحْمَرَ، حَتَّى لَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ فِرْعَوْنَ، كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ، الْقِبْطِيِّ وَالْإِسْرَائِيلِيِّ، فَيَكُونُ مِمَّا يَلِي الْإِسْرَائِيلِيُّ مَاءً، وَمِمَّا يَلِي الْقِبْطِيُّ دَمًا. فَدَعَوَا مُوسَى، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ فِي تِسْعِ آيَاتٍ: السِّنِينَ، وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَأَرَاهُمْ يَدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَصَاهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ}، وَهُوَ الْمَطَرُ، حَتَّى خَافُوا الْهَلَاكَ، فَأَتَوْا مُوسَى فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا الْمَطَرَ، [إِنَّا نُؤْمِنُ لَكَ وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ]، فَأَنْبَتَ اللَّهُ بِهِ حَرْثَهُمْ، وَأَخَصَبَ بِهِ بِلَادَهُمْ، فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَا لَمْ نُمْطِرْ بِتَرْكِ دِينِنَا، فَلَنْ نُؤْمِنَ لَكَ، وَلَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَأَسْرَعَ فِي فَسَادِ ثِمَارِهِمْ وَزُرُوعِهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ [أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا الْجَرَادَ، فَإِنَّا سَنُؤْمِنُ لَكَ وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ !]. فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْجَرَادَ. وَكَانَ قَدْ بَقِيَ مَنْ زُرُوعِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ بَقَايَا، فَقَالُوا، قَدْ بَقِيَ لَنَا مَا هُوَ كَافِينَا، فَلَنْ نُؤْمِنَ لَكَ، وَلَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ وَهُوَ الدَّبَى فَتُتْبِعُ مَا كَانَ تَرَكَ الْجَرَادُ، فَجَزِعُوا وَأَحَسُّوا بِالْهَلَاكِ، قَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا الدَّبَى، فَإِنَّا سَنُؤْمِنُ لَكَ، وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمُ لدَّبَى، فَقَالُوا: مَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ، وَلَا مُرْسَلِينَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ، فَمَلَأَ بُيُوتَهُمْ مِنْهَا، وَلَقُوا مِنْهَا أَذًى شَدِيدًا لَمْ يَلْقُوا مِثْلَهُ فِيمَا كَانَ قَبْلَهُ، أَنَّهَا كَانَتْ تَثِبُ فِي قُدُورِهِمْ، فَتُفْسِدُ عَلَيْهِمْ طَعَامَهُمْ، وَتُطْفِئُ نِيرَانَهُمْ. قَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا الضَّفَادِعَ، فَقَدْ لَقِينَا مِنْهَا بَلَاءً وَأَذًى، فَإِنَّا سَنُؤْمِنُ لَكَ وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمُ لضَّفَادِعَ، فَقَالُوا: لَا نُؤْمِنُ لَكَ، وَلَا نُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ، فَجَعَلُوا لَا يَأْكُلُونَ إِلَّا الدَّمَ، وَلَا يَشْرَبُونَ إِلَّا الدَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا الدَّمَ، فَإِنَّا سَنُؤْمِنُ لَكَ، وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمُ الدَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى، لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ، وَلَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَكَانَتْ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ بَعْضُهَا عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ، لِيُكَوِّنَ لِلَّهِ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، فَأَخَذَهُمُ للَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، فَأَغْرَقَهُمْ فِي الْيَمِّ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَرْسَلَ عَلَى قَوْمِ فِرْعَوْنَ الْآيَاتَ: الْجَرَادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفَادِعَ، وَالدَّمَ، آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ. قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْكَبُ مَعَ الرَّجُلِ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ فِي السَّفِينَةِ، فَيَغْتَرِفُ الْإِسْرَائِيلِيُّ مَاءً، وَيَغْتَرِفُ الْفِرْعَوْنِيُّ دَمًا. قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ يَنَامُ فِي جَانِبٍ، فَيَكْثُرُ عَلَيْهِ الْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ أَنْ يَنْقَلِبَ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ. فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لِمَا أَتَى مُوسَى فِرْعَوْنَ بِالرِّسَالَةِ، أَبَى أَنْ يُؤْمِنَ وَأَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَاسْتَكْبَرَ قَالَ: لَنْ أُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَهُوَ الْمَاءُ أَمْطَرَ عَلَيْهِمُ السَّمَاءَ، حَتَّى كَادُوا يَهْلَكُونَ، وَامْتَنَعَ مِنْهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ، لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا هَذَا لِنُؤْمِنُنَّ لَكَ وَلِنُرْسِلُنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَدَعَا اللَّهَ فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ لَهُمْ حُرُوثَهُمْ، وَأَحْيَا بِذَلِكَ الْمَطَرِ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ بِلَادِهِمْ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نُحِبُّ أَنَّا لَمْ نَكُنْ أُمْطِرْنَا هَذَا الْمَطَرُ، وَلَقَدْ كَانَ خَيْرًا لَنَا، فَلَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَنْ نُؤْمِنَ لَكَ يَا مُوسَى ! فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَأَكَلَ عَامَّةَ حُرُوثِهِمْ، وَأَسْرَعَ الْجَرَادُ فِي فَسَادِهَا، فَقَالُوا: يَا مُوسَى، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا الْجَرَادَ، فَإِنَّا مُؤْمِنُونَ لَكَ، وَمُرْسَلُونَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَكَشْفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْجَرَادَ. وَكَانَ الْجَرَادُ قَدْ أَبْقَى لَهُمْ مِنْ حُرُوثِهِمْ بَقِيَّةً، فَقَالُوا: قَدْ بَقِيَ لَنَا مِنْ حُرُوثِنَا مَا كَانَ كَافِينَا، فَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي دِينِنَا، وَلَنْ نُؤْمِنَ لَكَ، وَلَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ، و"الْقُمَّلُ" الدَّبَى، وَهُوَ الْجَرَادُ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ أَجْنِحَةٌ فَتَتَبَّعَ مَا بَقِيَ مِنْ حُرُوثِهِمْ وَشَجَرِهِمْ وَكُلِّ نَبَاتٍ كَانَ لَهُمْ، فَكَانَ الْقُمَّلُ أَشُدَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَرَادِ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا لِلْقَمْلِ حِيلَةً، وَجَزِعُوا مِنْ ذَلِكَ. وَأَتَوْا مُوسَى، فَقَالُوا: يَا مُوسَى، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفْ عَنَّا الْقُمَّلَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَنَا شَيْءٌ، قَدْ أَكَلَ مَا بَقِيَ مِنْ حُرُوثِنَا، وَلَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الْقُمَّلَ لِنُؤْمِنُنَّ لَكَ، وَلِنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْقُمَّلَ، فَنَكَثُوا، وَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ، وَلَنْ نُرْسِلَ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ لضَّفَادِعَ، فَامْتَلَأَتْ مِنْهَا الْبُيُوتُ، فَلَمْ يُبْقَ لَهُمْ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ إِلَّا وَفِيهِ الضَّفَادِعُ، فَلَقُوا مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَلْقُوهُ فِيمَا مَضَى، فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لِنُؤْمِنُنَّ لَكَ وَلِنُرْسِلُنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! قَالَ: فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَأَنـْزَلَ اللَّهُ: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}، إِلَى: {وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقَدٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتِ الضَّفَادِعُ بَرِّيَّةً، فَلَمَّا أَرْسَلَهَا اللَّهُ عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ، سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ، فَجَعَلَتْ تُغْرِقُ أَنْفُسَهَا فِي الْقُدُورِ وَهِيَ تَغْلِي، وَفِي التَّنَانِيرِ وَهِيَ تَفُورُ، فَأَثَابَهَا اللَّهُ بِحُسْنِ طَاعَتِهَا بَرْدَ الْمَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَرَجَعَ عَدُوُّ اللَّهِ يَعْنِي فِرْعَوْنَ، حِينَ آمَنَتِ السَّحَرَةُ مَغْلُوبًا مَغْلُولًا ثُمَّ أَبَى إِلَّا الْإِقَامَةَ عَلَى الْكُفْرِ، وَالتَّمَادِيَ فِي الشَّرِّ، فَتَابَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْآيَاتِ، وَأَخَذَهُ بِالسِّنِينَ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ الطُّوفَانَ، ثُمَّ الْجَرَادَ، ثُمَّ الْقُمَّلَ، ثُمَّ الضَّفَادِعَ، ثُمَّ الدَّمَ، آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ، فَأَرْسَلَ الطُّوفَانَ وَهُوَ الْمَاءُ فَفَاضَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، ثُمَّ رَكَدَ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَحْرُثُوا، وَلَا يَعْمَلُوا شَيْئًا، حَتَّى جُهِدُوا جُوعًا; فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا مُوسَى، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لِنُؤْمِنُنَّ لَكَ، وَلِنُرْسِلُنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ، فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَأَكَلَ الشَّجَرَ، فِيمَا بَلَّغَنِي، حَتَّى إِنْ كَانَ لِيَأْكُلُ مَسَامِيرَ الْأَبْوَابِ مِنَ الْحَدِيدِ، حَتَّى تَقَعَ دَوْرُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ، فَقَالُوا مِثْلَ مَا قَالُوا، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا. فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ، فَذُكِرَ لِي أَنَّ مُوسَى أُمِرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى كَثِيبٍ حَتَّى يَضْرِبَهُ بِعَصَاهُ. فَمَضَى إِلَى كَثِيبٍ أَهْيَلَ عَظِيمٍ، فَضَرَبَهُ بِهَا، فَانْثَالَ عَلَيْهِمْ قُمَّلًا حَتَّى غَلَبَ عَلَى الْبُيُوتِ وَالْأَطْعِمَةِ، وَمَنَعَهُمُ لنَّوْمَ وَالْقَرَارَ. فَلَمَّا جَهَدَهُمْ قَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالُوا، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ لضَّفَادِعَ، فَمَلَأَتِ الْبُيُوتَ وَالْأَطْعِمَةَ وَالْآنِيَةَ، فَلَا يَكْشِفُ أَحَدٌ ثَوْبًا وَلَا طَعَامًا وَلَا إِنَاءً إِلَّا وَجَدَ فِيهِ الضَّفَادِعَ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ. فَلَمَّا جَهَدَهُمْ ذَلِكَ قَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالُوا، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا. فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ لدَّمَ، فَصَارَتْ مِيَاهُ آلِ فِرْعَوْنَ دَمًا، لَا يَسْتَقُونَ مِنْ بِئْرٍ وَلَا نَهْرٍ، وَلَا يَغْتَرِفُونَ مِنْ إِنَاءٍ، إِلَّا عَادَ دَمًا عَبِيطً. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍ الْقُرَظِيِّ: أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ كَانَتْ تَأْتِي الْمَرْأَةَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ جَهَدَهُمُ الْعَطَشُ، فَتَقُولُ: اسْقِينِي مِنْ مَائِكِ! فَتَغْرِفُ لَهَا مَنْ جَرَّتِهَا أَوْ تَصُبُّ لَهَا مَنْ قِرْبَتِهَا، فَيَعُودُ فِي الْإِنَاءِ دَمًا، حَتَّى إِنَّ كَانَتْ لِتَقُولُ لَهَا: اجْعَلِيهِ فِي فِيكِ ثُمَّ مُجيِّهِ فِي فِيَّ! فَتَأْخُذُ فِي فِيهَا مَاءً، فَإِذَا مَجَّتْهُ فِي فِيهَا صَارَ دَمًا، فَمَكَثُوا فِي ذَلِكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: الْجَرَادُ يَأْكُلُ زُرُوعَهُمْ وَنَبَاتَهُمْ، وَالضَّفَادِعُ تَسْقُطُ عَلَى فُرِشِهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ، وَالدَّمُ يَكُونُ فِي بُيُوتِهِمْ وَثِيَابِهِمْ وَمَائِهِمْ وَطَعَامِهِمْ. قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لِمَا سَالَ النِّيلُ دَمًا، فَكَانَ الْإِسْرَائِيلِيُّ يَسْتَقِي مَاءً طَيِّبًا، وَيَسْتَقِي الْفِرْعَوْنِيُّ دَمًا، وَيَشْتَرِكَانِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، فَيَكُونُ مَا يَلِي الْإِسْرَائِيلِيُّ مَاءً طَيِّبًا وَمَا يَلِي الْفِرْعَوْنِيُّ دَمًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَّ مُوسَى لَمَّا عَالَجَ فِرْعَوْنَ بِالْآيَاتِ الْأَرْبَعِ: الْعَصَا، وَالْيَدِ، وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَالسِّنِينَ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنَّ عَبْدَكَ هَذَا قَدْ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَعَتَا فِي الْأَرْضِ، وَبَغَى عَلَيَّ، وَعَلَا عَلَيْكَ، وَعَالَى بِقَوْمِهِ، رَبِّ خُذْ عَبْدَكَ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُ وَلِقَوْمِهِ نِقْمَةً، وَتَجْعَلُهَا لِقَوْمِيَّ عِظَةً، وَلِمَنْ بَعْدِي آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ! فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ لطُّوفَانَ وَهُوَ الْمَاءُ وَبُيُوتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبُيُوتُ الْقِبْطِ مُشْتَبِكَةٌ مُخْتَلِطَةٌ بَعْضُهَا فِي بَعْضِ، فَامْتَلَأَتْ بُيُوتُ الْقِبْطِ مَاءً، حَتَّى قَامُوا فِي الْمَاءِ إِلَى تَرَاقِيهِمْ، مَنْ جَلَسَ مِنْهُمْ غَرِقَ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَطْرَةٌ. فَجَعَلَتِ الْقِبْطُ تُنَادِي مُوسَى: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}! قَالَ: فَوَاثَقُوا مُوسَى مِيثَاقًا أَخَذَ عَلَيْهِمْ بِهِ عُهُودَهُمْ، وَكَانَ الْمَاءُ أَخَذَهُمْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَقَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِلَى السَّبْتِ الْآخَرِ. فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ، فَرَفَعَ عَنْهُمُ الْمَاءَ، فَأَعْشَبَتْ بِلَادَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَأَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ، ثُمَّ جَحَدُوا وَقَالُوا: مَا كَانَ هَذَا الْمَاءُ إِلَّا نِعْمَةً عَلَيْنَا، وَخِصْبًا لِبِلَادِنَا، مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. قَالَ: وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الطُّوفَانِ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي، مَوْتًا كَانَ أَوْ مَاءً! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَا يَقْرَأُ ابْنُ عُمَرَ "سُورَةَ الْعَنْكَبُوتِ" حِينَ ذَكَرَ اللَّهُ قَوْمَ نُوحٍ فَقَالَ: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}، [الْعَنْكَبُوتِ: 14]. أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتُوا، إِلَى مَنْ جَاءَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْآيَاتِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الطُّوفَانِ؟ قَالَ: فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ إِنَّ عِبَادَكَ قَدْ نَقَضُوا عَهْدَكَ، وَأَخْلَفُوا وَعْدِي، رَبِّ خُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ نِقْمَةً، وَلِقَوْمِيَ عِظَةً، وَلِمَنْ بَعَّدَهُمْ آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ! قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَلَمْ يَدْعُ لَهُمْ وَرَقَةً وَلَا شَجَرَةً وَلَا زَهْرَةً وَلَا ثَمَرَةً إِلَّا أَكْلَهُ، حَتَّى لَمَّ يُبْقِ جَنًى، حَتَّى إِذَا أَفْنَى الْخُضْرَ كُلَّهَا، أَكَلَ الْخَشَبَ، حَتَّى أَكْلَ الْأَبْوَابَ وَسُقُوفَ الْبُيُوتِ. وَابْتَلَى الْجَرَادَ بِالْجُوعِ، فَجَعْلَ لَا يَشْبَعُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بُيُوتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فعجُّوا وَصَاحُوا إِلَى مُوسَى، فَقَالُوا: يَا مُوسَى، هَذِهِ الْمَرَّةُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لِنُؤْمِنُنَّ لَكَ وَلِنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! فَأَعْطَوْهُ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ، فَدَعَا لَهُمْ رَبَّهُ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْجَرَادَ بَعْدَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ، ثُمَّ أَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ، ثُمَّ عَادُوا لِتَكْذِيبِهِمْ وَلِإِنْكَارِهِمْ، وَلِأَعْمَالِهِمْ أَعْمَالَ السَّوْءِ قَالَ: فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ، عِبَادُكَ، قَدْ نَقَضُوا عَهْدِي، وَأَخْلَفُوا مَوْعِدِي، فَخُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ نِقْمَةً، وَلِقَوْمِيَ عِظَةً، وَلِمَنْ بَعْدِي آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ! فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعَتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَالْحُسْنَ يَقُولَانِ: كَانَ إِلَى جَنْبِهِمْ كَثِيبٌ أَعَفَرُ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى مِصْرَ تُدْعَى "عَيْنَ شَمْسٍ"، فَمَشَى مُوسَى إِلَى ذَلِكَ الْكَثِيبِ، فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ ضَرْبَةً صَارَ قُمَّلًا تَدِبُّ إِلَيْهِمْ وَهِيَ دَوَابُّ سُودٌ صِغَارٌ. فَدُبَّ إِلَيْهِمُ لْقُمَّلُ، فَأَخَذَ أَشْعَارَهُمْ وَأَبْشَارَهُمْ وَأَشْفَارَ عُيُونِهِمْ وَحَوَاجِبَهُمْ، وَلَزِمَ جُلُودَهُمْ، كَأَنَّهُ الْجُدَرِيُّ عَلَيْهِمْ، فَصَرَخُوا وَصَاحُوا إِلَى مُوسَى: إِنَّا نَتُوبُ وَلَا نَعُودُ، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ! فَدَعَا رَبَّهُ فَرَفَعَ عَنْهُمُ الْقُمَّلَ بَعْدَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ. فَأَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ، ثُمَّ عَادُوا وَقَالُوا: مَا كُنَّا قَطُّ أَحَقَّ أَنْ نَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ سَاحِرٌ مِنَّا الْيَوْمَ، جَعَلَ الرَّمْلَ دَوَابَّ! وَعِزَّةِ فِرْعَوْنَ لَا نُصَدِّقُهُ أَبَدًا وَلَا نَتْبَعُهُ! فَعَادُوا لِتَكْذِيبِهِمْ وَإِنْكَارِهِمْ، فَدَعَا مُوسَى عَلَيْهِمْ فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ عِبَادَكَ نَقَضُوا عَهْدِي، وَأَخْلَفُوا وَعْدِي، فَخُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ نِقْمَةً، وَلِقَوْمِيَ عِظَةً، وَلِمَنْ بِعْدِيَ آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ! فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ لضَّفَادِعَ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَضْطَجِعُ، فَتَرْكَبُهُ الضَّفَادِعُ، فَتَكُونُ عَلَيْهِ رُكَامًا، حَتَّى مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى الشَّقِّ الْآخَرِ، وَيَفْتَحَ فَاهُ لِأَكْلَتِهِ، فَيَسْبِقُ الضُّفْدَعُ أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ، وَلَا يَعْجِنُ عَجِينًا إِلَّا تسدَّحَتْ فِيهِ، وَلَا يُطْبَخُ قِدْرًا إِلَّا امْتَلَأَتْ ضَفَادِعَ، فَعُذِّبُوا بِهَا أَشَدَّ الْعَذَابِ، فَشَكَوَا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالُوا: هَذِهِ الْمَرَّةُ نَتُوبُ وَلَا نَعُودُ! فَأَخَذَ عَهْدَهُمْ وَمِيثَاقَهُمْ. ثُمَّ دَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ لضَّفَادِعَ بَعْدَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعًا مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ. فَأَقَامُوا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ، ثُمَّ عَادُوا لِتَكْذِيبِهِمْ وَإِنْكَارِهِمْ وَقَالُوا: قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ سِحْرُهُ، يَجْعَلُ التُّرَابَ دَوَابَّ، وَيَجِيءُ بِالضَّفَادِعِ فِي غَيْرِ مَاءٍ! فَآذَوْا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ إِنَّ عِبَادَكَ نَقَضُوا عَهْدِي، وَأَخْلَفُوا وَعْدِي، فَخُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ عُقُوبَةً، وَلِقَوْمِي عِظَةً، وَلِمَنْ بَعْدِي آيَةً فِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ! فَابْتَلَاهُمُ للَّهُ بِالدَّمِ، فَأَفْسَدَ عَلَيْهِمْ مَعَايِشَهُمْ، فَكَانَ الْإِسْرَائِيلِيُّ وَالْقِبْطِيُّ يَأْتِيَانِ النَّيْلَ فَيَسْتَقِيَانِ، فَيَخْرُجُ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ مَاءً، وَيَخْرُجُ لِلْقِبْطِيِّ دَمًا، وَيَقُومَانِ إِلَى الْحُبِّ فِيهِ الْمَاءُ، فَيَخْرُجُ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ فِي إِنَائِهِ مَاءً، وَلِلْقِبْطِيِّ دَمًا. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ قَالَ: سَمِعَتُ مُجَاهِدًا، فِي قَوْلِهِ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ}، قَالَ: الْمَوْتُ "وَالْجَرَادَ" قَالَ: الْجَرَادُ يَأْكُلُ أَمْتِعَتَهَمْ وَثِيَابَهُمْ وَمَسَامِيرَ أَبْوَابِهِمْ "وَالْقُمَّلَ" هُوَ الدَّبَى، سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْجَرَادِ قَالَ: "وَالضَّفَادِعَ"، تَسْقُطُ فِي أَطْعِمَتِهِمُ لَّتِي فِي بُيُوتِهِمْ وَفِيَّ أَشْرَبَتِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: "الدَّمُ" الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، كَانَ رُعَافًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بِكِيرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَمَّا "الْقُمَّلُ" فَالْقُمَّلُ وَأَمَّا "الدَّمُ"، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ لرُّعَافَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ}، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: عَلَامَاتٍ وَدَلَالَاتٍ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ مُوسَى، وَحَقِيقَةِ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ "مُفَصَّلَاتٍ"، قَدْ فَصَلَ بَيْنَهَا، فَجَعَلَ بَعْضَهَا يَتْلُو بَعْضًا، وَبَعْضَهَا فِي إِثْرِ بَعْضٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَكَانَتْ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ بَعْضَهَا فِي إِثْرِ بَعْضٍ، لِيُكَوِّنَ لِلَّهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، فَأَخَذَهُمُ للَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، فَأَغْرَقَهُمْ فِي الْيَمِّ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ: {آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ}، قَالَ: يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، لِيُكَوِّنَ لِلَّهِ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، فَيَنْتَقِمُ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَانَتِ الْآيَةُ تَمْكُثُ فِيهِمْ مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ، وَتُرْفَعُ عَنْهُمْ شَهْرًا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ}، [الْأَعْرَافِ: 136]... الْآيَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: {آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ}: أَيْ آيَةً بَعْدَ آيَةٍ، يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِيمَا ذَكَرَ عَنْهُ فِي مَعْنَى "الْمُفَصَّلَاتِ"، مَا:- حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ قَالَ، سَمِعَتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي " {آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ} "، قَالَ: مَعْلُومَاتٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاسْتَكْبَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْحُجَجِ، عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعِهِ عَلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَتُعَظِّمُوا عَلَى اللَّهِ وَعَتَوَا عَلَيْهِ {وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}، يَقُولُ: كَانُوا قَوْمًا يَعْمَلُونَ بِمَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْفِسْقِ عُتُوًّا وَتَمَرُّدًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: " {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} "، وَلَمَّا نـَزَلَ بِهِمْ عَذَابُ اللَّهِ، وَحَلَّ بِهِمْ سُخْطُهُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ "الرِّجْزِ" الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهَ أَنَّهُ وَقَعَ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ طَاعُونًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: وَأَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا جَاءَ قَوْمُ فِرْعَوْنَ بِالْآيَاتِ الْخَمْسِ: الطُّوفَانُ وَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا وَلَمْ يُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: لِيَذْبَحْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ كَبْشًا، ثُمَّ لِيُخَضِّبْ كَفَّهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ لِيَضْرِبْ بِهِ عَلَى بَابِهِ! فَقَالَتِ الْقِبْطُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَ تُعَالِجُونَ هَذَا الدَّمَ عَلَى أَبْوَابِكُمْ؟ فَقَالُوا: إِنِ اللَّهَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ عَذَابًا، فَنَسْلَمُ وَتَهْلَكُونَ. فَقَالَتِ الْقِبْطُ: فَمَا يَعْرِفُكُمُ للَّهُ إِلَّا بِهَذِهِ الْعَلَامَاتِ؟ فَقَالُوا: هَكَذَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا! فَأَصْبَحُوا وَقَدْ طُعِنَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ سَبْعُونَ أَلْفًا، فَأَمْسَوْا وَهُمْ لَا يَتَدَافَنُونَ. فَقَالَ فِرْعَوْنُ عِنْدَ ذَلِكَ: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ}، وَهُوَ الطَّاعُونُ، {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، فَكَانَ أَوْفَاهُمْ كُلِّهُمْ فِرْعَوْنَ، فَقَالَ لِمُوسَى: اذْهَبْ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ حَيْثُ شِئْتَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَبَوَيْهِ الرَّازِّيُّ وَأَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ حَبَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} قَالَ: الطَّاعُونُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْعَذَابُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "الرِّجْزُ" الْعَذَابُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ}، أَيِ الْعَذَابَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ}، يَقُولُ: الْعَذَابُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ}، قَالَ، "الرِّجْزُ"، الْعَذَابُ الَّذِي سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَرَادِ وَالْقُمَّلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُعَاهِدُونَهُ ثُمَّ يَنْكُثُونَ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "الرِّجْزِ" فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ أَنَّهُمْ لَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ وَهُوَ الْعَذَابُ وَالسُّخْطُ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَزِعُوا إِلَى مُوسَى بِمَسْأَلَتِهِ رَبَّهُ كَشْفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ "الرِّجْزُ" كَانَ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ كَانَ عَذَابًا عَلَيْهِمْ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ "الرِّجْزُ" كَانَ طَاعُونًا، وَلَمْ يُخْبِرْنَا اللَّهُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، وَلَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ خَبَرٌ، فَنُسَلِّمُ لَهُ. فَالصَّوَابُ أَنْ نَقُولَ فِيهِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ}، وَلَا نَتَعَدَّاهُ إِلَّا بِالْبَيَانِ الَّذِي لَا تَمَانُعَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ لَمَّا حَلَّ بِهِمْ عَذَابُ اللَّهِ وَسُخْطُهُ. {قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ}، يَقُولُ: بِمَا أَوْصَاكَ وَأَمَرَكَ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى: "الْعَهْدِ"، فِيمَا مَضَى. {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ}، يَقُولُ: لَئِنْ رَفَعَتَ عَنَّا الْعَذَابَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ}، يَقُولُ: لِنُصَدِّقَنَّ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَدَعَوْتَ إِلَيْهِ وَلَنُقِرَّنَّ بِهِ لَكَ {وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}، يَقُولُ: وَلِنُخَلِّيَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَا نَمْنَعُهُمْ أَنْ يَذْهَبُوا حَيْثُ شَاؤُوا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ فَأَجَابَهُ، فَلَمَّا رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ الَّذِي أَنـَزَلَهُ بِهِمْ {إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ}، لِيَسْتَوْفُوا عَذَابَ أَيَّامِهِمُ لَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْحَيَاةِ أَجَلًا إِلَى وَقْتِ هَلَاكِهِمْ {إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}، يَقُولُ: إِذَا هُمْ يَنْقُضُونَ عُهُودَهُمُ لَّتِي عَاهَدُوا رَبَّهُمْ وَمُوسَى، وَيُقِيمُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ}، قَالَ: عَدَدٌ مُسَمًّى لَهُمْ مِنْ أَيَّامِهِمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}، قَالَ: مَا أَعْطَوْا مِنَ الْعُهُودِ، وَهُوَ حِينُ يَقُولُ اللَّهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ}، وَهُوَ الْجُوعُ {وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}، [الْأَعْرَافِ: 130].
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا نَكَثُوا عُهُودَهُمْ "انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ"، يَقُولُ: انْتَصَرْنَا مِنْهُمْ بِإِحْلَالِ نِقْمَتِنَا بِهِمْ، وَذَلِكَ عَذَابُهُ " {فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} "، وَهُوَ الْبَحْرُ، كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: دَاوِيَّـةٌ وَدُجَـى لَيْـلٍ كَأَنَّهُمَـا *** يَـمٌّ تَـرَاطَنُ فِـي حَافَاتِـهِ الـرُّومُ وَكَمَا قَالَ الرَّاجِزُ: كَبَاذِحِ الْيَمِّ سَقَاهُ الْيَمُّ *** {بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}، يَقُولُ: فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ بِحُجَجِنَا وَأَعْلَامِنَا الَّتِي أَرَيْنَاهُمُوهَا {وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}، يَقُولُ: وَكَانُوا عَنِ النِّقْمَةِ الَّتِي أَحْلَلْنَاهَا بِهِمْ، غَافِلِينَ قَبْلَ حُلُولِهَا بِهِمْ أَنَّهَا بِهِمْ حَالَّةٌ. و"الْهَاءُ وَالْأَلْفُ" فِي قَوْلِهِ: "عَنْهَا"، كِنَايَةٌ مِنْ ذَكْرَ "النِّقْمَةِ"، فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هِيَ كِنَايَةٌ مِنْ ذِكْرِ "الْآيَاتِ"، وَوَجَّهَ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ إِلَى: وَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ فَجَعَلَ إِعْرَاضَهُمْ عَنْهَا غُفُولًا مِنْهُمْ إِذْ لَمَّ يَقْبَلُوهَا، كَانَ مَذْهَبًا. يُقَالُ مِنَ "الْغَفْلَةِ"، "غَفَلَ الرَّجُلُ عَنْ كَذَا يَغْفُلُ عَنْهُ غَفْلَةً وَغُفُولًا وَغَفَلَا".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَوْرَثَنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ يَسْتَضْعِفُونَهُمْ، فَيَذْبَحُونَ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَهُمْ، وَيَسْتَخْدِمُونَهُمْ تَسْخِيرًا وَاسْتِعْبَادًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ الشَّأْمَ، وَذَلِكَ مَا يَلِي الشَّرْقَ مِنْهَا " {وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} "، يَقُولُ: الَّتِي جَعَلَنَا فِيهَا الْخَيْرَ ثَابِتًا دَائِمًا لِأَهْلِهَا. وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (وَأَوْرَثَنَا)، لِأَنَّهُ أَوْرَثَ ذَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَهْلِكِ مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْعَمَالِقَةِ. وَبِمَثَلِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: {مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا}، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}، قَالَ: الشَّأْمَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرْنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ قَالَ: سَمِعَتُ الْحَسَنَ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنِ الْحَسَنِ، " {الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} "، قَالَ: الشَّأْمَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زريعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}، هِيَ أَرْضُ الشَّأْمِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}، قَالَ: الَّتِي بَارَكَ فِيهَا، الشَّأْمُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ "أَنَّ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا"، نَصَبَ عَلَى الْمَحَلِّ، بِمَعْنَى: وَأَوْرَثَنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ فِي مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا وَأَنَّ قَوْلَهُ: "وَأَوْرَثَنَا" إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى قَوْلِهِ: {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}. وَذَلِكَ قَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَكُنْ يَسْتَضْعِفُهُمْ أَيَّامَ فِرْعَوْنَ غَيْرُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سُلْطَانٌ إِلَّا بِمِصْرَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: الَّذِينَ يُسْتَضْعَفُونَ فِي مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فِي مَشَارِقَ أَرْضَ مِصْرَ وَمَغَارِبَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ بَعِيدٌ مِنَ الْمَفْهُومِ فِي الْخِطَابِ، مَعَ خُرُوجِهِ عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَالْعُلَمَاءِ بِالتَّفْسِيرِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى}، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَفَي وَعْدُ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِتَمَامِهِ، عَلَى مَا وَعَدَهُمْ، مِنْ تَمْكِينِهِمْ فِي الْأَرْضِ، وَنَصْرِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ فِرْعَوْنَ و"كَلِمَتُهُ الْحُسْنَى"، قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [الْقِصَصِ: 6]. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}، قَالَ: ظَهَرَ قَوْمُ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ، وَ"تَمْكِينُ اللَّهِ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ"، وَمَا وَرَّثَهُمْ مِنْهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ}، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَأَهْلَكْنَا مَا كَانَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ يَصْنَعُونَهُ مِنَ الْعِمَارَاتِ وَالْمَزَارِعِ {وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}، يَقُولُ: وَمَا كَانُوا يَبْنُونَ مِنَ الْأَبْنِيَةِ وَالْقُصُورِ، وَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَخَرَّبْنَا جَمِيعَ ذَلِكَ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "التَّعْرِيشِ"، فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}، يَقُولُ: يَبْنُونَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (يُعَرِّشُونَ)، يَبْنُونَ الْبُيُوتَ وَالْمَسَاكِنَ مَا بَلَغَتْ، وَكَانَ عِنَبُهُمْ غَيْرُ مُعَرَّشٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: (يَعْرِشُونَ)، بِكَسْرِ الرَّاءِ سِوَى عَاصِمِ بْنِ أَبِي النُّجُودِ، فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِضَمِّهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي الْعَرَبِ، يُقَالُ: "عَرَشَ يَعْرِشُ وَيَعْرُشُ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمَا مَعْرُوفَانِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي "فَعَلَ"، إِذَا رَدَّتْهُ إِلَى الِاسْتِقْبَالِ، تَضُمُّ الْعَيْنَ مِنْهُ أَحْيَانًا، وَتَكْسِرُهُ أَحْيَانًا. غَيْرَ أَنَّ أَحَبَّ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ كَسْرُ "الرَّاءِ"، لِشُهْرَتِهَا فِي الْعَامَّةِ، وَكَثْرَةُ الْقَرَأَةِ بِهَا، وَأَنَّهَا أَصَحُّ اللُّغَتَيْنِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَطَعْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ بَعْدَ الْآيَاتِ الَّتِي أَرَيْنَاهُمُوهَا، وَالْعِبَرِ الَّتِي عَايَنُوهَا عَلَى يَدَيْ نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى، فَلَمْ تَزْجُرْهُمْ تِلْكَ الْآيَاتُ، وَلَمْ تَعِظْهُمْ تِلْكَ الْعِبَرُ وَالْبَيِّنَاتُ! حَتَّى قَالُوا مَعَ مُعَايَنَتِهِمْ مِنَ الْحُجَجِ مَا يَحِقُّ أَنْ يَذْكُرَ مَعَهَا الْبَهَائِمَ، إِذْ مَرُّوا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ، يَقُولُ: يَقُومُونَ عَلَى مُثُلٍ لَهُمْ يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ "اجْعَلْ لَنَا" يَا مُوسَى "إِلَهًا"، يَقُولُ: مِثَالًا نَعْبُدُهُ وَصَنَمًا نَتَّخِذُهُ إِلَهًا، كَمَا لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَصْنَامٌ يَعْبُدُونَهَا. وَلَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ لِشَيْءٍ سِوَى اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. وَقَالَ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ عَظْمَةَ اللَّهِ وَوَاجِبَ حَقِّهِ عَلَيْكُمْ، وَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْعِبَادَةُ لِشَيْءٍ سِوَى اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي ذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ}، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: "عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ"، قَالَ: تَمَاثِيلُ بَقَرٍ. فَلَمَّا كَانَ عِجْلُ السَّامِرِيِّ شُبِّهَ لَهُمْ أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ الْبَقَرِ، فَذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ شَأْنِ الْعِجْلِ: {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، وَقِيلَ: إِنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا عُكُوفًا عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ، الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ للَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَوْمٌ كَانُوا مِنْ لَخْمٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ}، قَالَ: عَلَى لَخْمٍ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا مَنَ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ أَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقِتَالِهِمْ. وَقَدْ:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيّ: أَنْ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حُنَيْنٍ، فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ، قَلَّتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لِلْكُفَّارِ ذَاتُ أَنْوَاطٍ! وَكَانَ الْكَفَّارُ يَنُوطُونَ سِلَاحَهُمْ بِسِدْرَةٍ يَعْكُفُونَ حَوْلَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ! هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: "اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً"، إِنَّكُمْ سَتَرْكَبُونَ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانَ بْنِ أَبِي سِنَانَ، عَنْ وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حُنَيْنٍ، فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ، فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ ذَاتَ أَنْوَاطٍ، فَذَكَرَ نَحْوَه». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ سِنَانَ بْنِ أَبِي سِنَانَ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ، حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانَ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ: «أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ، قَالَ: وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ، يُقَالُ لَهَا "ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ. قَالَ: "قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: " {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} "، إِنَّهَا السُّنَنُ، لِتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَّرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ قِيلِ مُوسَى لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ لَهُمْ مُوسَى: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْعُكُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَامِ، اللَّهُ مُهْلِكٌ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَمَلِ وَمُفْسِدُهُ، وَمُخَسِّرُهُمْ فِيهِ، بِإِثَابَتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِ الْعَذَابُ الْمُهِينُ " {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} "، مِنْ عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهَا، فَمُضْمَحِلٌّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ نَافِعِهِمْ عِنْدَ مَجِيءِ أَمْرِ اللَّهِ وَحُلُولِهِ بِسَاحَتِهِمْ، وَلَا مَدَافِعَ عَنْهُمْ بَأْسَ اللَّهِ إِذَا نـَزَلَ بِهِمْ، وَلَا مُنْقِذَهُمْ مِنْ عَذَابِهِ إِذَا عَذَّبَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا لَمْ يَكُنْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَا جَمِيعًا، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ}، يَقُولُ: مُهْلَكٌ مَا هُمْ فِيهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ}، يَقُولُ: خُسْرَانٌ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، قَالَ: هَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ كَهَيْئَةِ: "غَفُورٌ رَحِيمٌ"، "عَفُوٌّ غَفُورٌ". قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: "إِنَّهُ الْبَائِسَ لَمُتَبَّرٌ"، "وَإِنَّهُ الْبَائِسَ لَمُخَسَّرٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: أَسِوَى اللَّهِ أَلْتَمِسُكُمْ إِلَهًا، وَأَجْعَلُ لَكُمْ مَعْبُودًا تَعْبُدُونَهُ، وَاللَّهُ الَّذِي هُوَ خَالِقُكُمْ، فَضَّلَكُمْ عَلَى عَالَمَيْ دَهْرِكُمْ وَزَمَانَكُمْ؟ يَقُولُ: أَفَأَبْغِيكُمْ مَعْبُودًا لَا يَنْفَعُكُمْ وَلَا يَضُرُّكُمْ تَعْبُدُونَهُ، وَتَتْرُكُونَ عِبَادَةَ مِنْ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْخَلْقِ؟ إِنَّ هَذَا مِنْكُمْ لِجَهْلٌ!
|