الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66)} {وَيَقُولُ الإنسان} المنكر للبعث أبيّ بن خلف أو الوليد بن المغيرة النازل فيه الآية: {أءِذَا} بتحقيق الهمزة الثانية وتسهيلها وإدخال ألف بينها بوجهيها وبين الأخرى {مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} من القبر كما يقول محمد؟ فالاستفهام بمعنى النفي أي: لا أُحيا بعد الموت، و«ما» زائدة للتأكيد وكذا اللام، وردّ عليه بقوله تعالى:
{أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)} {أَوْ لاَ يَذّكَّرُ إلإنسان} أصله «يتذكر» أبدلت التاء ذالاً وأدغمت في الذال. وفي قراءة بتركها وسكون الذال وضم الكاف {أَنَّا خلقناه مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} فيستدل بالابتداء على الإِعادة؟.
{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)} {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} أي المنكرين للبعث {والشياطين} أي نجمع كلاً منهم وشيطانه في سلسلة {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ} من خارجها {جِثِيّاً} على الركب: جمع (جاث)، وأصله: (جِثَوُو) أو (جِثَوِي) من (جثا) (يجثو) أو (يجثي) لغتان.
{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)} {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ} فرقة منهم {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيّاً} جراءة.
{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)} {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا} أحق بجهنم الأشد وغيره منهم {صِلِيّاً} دخولاً واحتراقاً فنبدأ بهم. وأصله «صِلَوِي» من «صلي» بكسر اللام وفتحها.
{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)} {وَأَنْ} أي ما {مِّنكُمْ} أحد {إِلاَّ وَارِدُهَا} أي داخل جهنم {كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} حَتَمَه وقضى به لا يتركه.
{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} {ثُمَّ نُنَجِّى} مشدّداً ومخففاً {الذين اتقوا} الشرك والكفر منها {وَّنَذَرُ الظالمين} بالشرك والكفر {فِيهَا جِثِيّاً} على الركب.
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)} {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} أي المؤمنين والكافرين {ءاياتنا} من القرآن {بينات} واضحات حال {قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَىُّ الفريقين} نحن وأنتم {خَيْرٌ مَّقَاماً} منزلاً ومسكناً: بالفتح من قام، وبالضم من أقام {وَأَحْسَنُ نَدِيّاً} بمعنى النادي وهو مجتمع القوم يتحدثون فيه، يعنون: نحن فنكون خيراً منكم.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)} قال تعالى: {وَكَمْ} أي كثيراً {أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ} أي أمّة من الأمم الماضية {هُمْ أَحْسَنُ أثاثا} مالاً ومتاعاً {وَرِءْياً} منظراً، من الرؤية، فكما أهلكناهم لكفرهم نُهْلِكُ هؤلاء.
{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75)} {قُلْ مَن كَانَ فِى الضلالة} شرط جوابه {فَلْيَمْدُدْ} فجوابه بمعنى الخبر أي يمدّ {لَهُ الرحمن مَدّاً} في الدنيا يستدرجه {حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العذاب} كالقتل والأسر {وَإِمَّا الساعة} المشتملة على جهنم فيدخلونها {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً} أعواناً أهُم أم المؤمنون؟ وجندهم الشياطين، وجند المؤمنين عليهم الملائكة.
{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)} {وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا} بالإِيمان {هُدًى} بما ينزل عليهم من الآيات {والباقيات الصالحات} هي الطاعة تبقى لصاحبها {خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً} أي ما يُرَدُّ إليه ويُرجع، بخلاف أعمال الكفار، والخيرية هنا في مقابلة قولهم (أيّ الفريقين خير مقاماً).
{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)} {أَفَرَءَيْتَ الذى كَفَرَ بئاياتنا} العاصي بن وائل {وَقَالَ} لخباب بن الأرت القائل له تُبْعَثُ بعد الموت والمطالب له بمال {لأُوتَيَنَّ} على تقدير البعث {مَالاً وَوَلَدًا} فأقضيك؟.
{أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)} قال تعالى: {أَطَّلَعَ الغيب} أي أَعَلِمَهُ وأن يؤتى ما قاله؟ واستغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل فحذفت {أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً} بأن يؤتى ما قاله؟.
{كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)} {كَلاَّ} أي لا يؤتي ذلك {سَنَكْتُبُ} نأمر بكتب {مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً} نزيده بذلك عذاباً فوق عذاب كفره.
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)} {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} من المال والولد {وَيَأْتِينَا} يوم القيامة {فَرْداً} لا مال له ولا ولد.
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81)} {واتخذوا} أي كفار مكة {مِن دُونِ الله} الأوثان {ءَالِهَةً} يعبدونهم {لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً} شفعاء عن الله بأن لا يعذبوا.
{كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)} {كَلاَّ} أي لا مانع من عذابهم {سَيَكْفُرُونَ} أي الآلهة {بِعِبَادَتِهِمْ} أي ينفونها كما في آية أخرى {مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} [63: 28] {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} أعواناً وأعداء.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)} {أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين} سلطانهم {عَلَى الكافرين تَؤُزُّهُمْ} تهيجهم إلى المعاصي {أَزّاً}.
{فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)} {فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} بطلب العذاب {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ} الأيام والليالي أو الأنفاس {عَدّاً} إلى وقت عذابهم.
{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)} اذكر: {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين} بإيمانهم {إِلَى الرحمن وَفْداً} جمع وافد بمعنى: راكب.
{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} {وَنَسُوقُ المجرمين} بكفرهم {إلى جَهَنَّمَ وِرْداً} جمع وارد بمعنى ماش عطشان.
{لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)} {لاَّ يَمْلِكُونَ} أي الناس {الشفاعة إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً} أي شهادة أن لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)} {وَقَالُواْ} أي اليهود والنصارى ومَنْ زعم أن الملائكة بنات الله {اتخذ الرحمن وَلَداً}.
{لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)} قال تعالى لهم: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} أي منكراً عظيماً.
{تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)} {تَكَادُ} بالتاء والياء {السماوات يَتَفَطَّرْنَ} بالتاء وتشديد الطاء وفي قراءة (ينفطرنه) بالنون بالانشقاق {مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً} أي تنطبق عليهم من أجل.
{أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)} {أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً}.
{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)} قال تعالى: {وَمَا يَنبَغِى للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} أي ما يليق به ذلك.
{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} {إِن} أي ما {كُلُّ مَن فِى السماوات والأرض *إِلاَّ ءَاتِى الرحمن عَبْداً} ذليلاً خاضعاً يوم القيامة، منهم عزير وعيسى.
{لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)} {لَّقَدْ أحصاهم وَعَدَّهُمْ عَدّاً} فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم ولا واحد منهم.
{وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} {وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ القيامة فَرْداً} بلا مال ولا نصير يمنعه.
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)} {إِنَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً} فيما بينهم يتوادّون ويتحابون ويحبهم الله تعالى.
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)} {فَإِنَّمَا يسرناه} أي القرآن {بِلَسَانِكَ} العربيّ {لِتُبَشِّرَ بِهِ المتقين} الفائزين بالإِيمان {وَتُنْذِرَ} تخوِّف {بِهِ قَوْماً لُّدّاً} جمع ألدّ أي جَدِلٌ بالباطل، وهم كفار مكة.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)} {وَكَمْ} أي كثيراً {أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ} أي أمّة من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل {هَلْ تُحِسُّ} تجد {مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} صوتاً خفياً؟ لا، فكما أهلكنا أولئك نهلك هؤلاء.
{طه (1)} {طه} الله أعلم بمراده بذلك.
{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)} {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرءان} يا محمد {لتشقى} لتتعب بما فعلت بعد نزوله من طول قيامك بصلاة الليل، أي خفف عن نفسك.
{إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)} {إِلاَّ} لكن أنزلناه {تَذْكِرَةً} به {لِّمَن يخشى} يخاف الله.
{تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4)} {تَنْزِيلاً} بدلاً من اللفظ بفعله الناصب له {مِّمَّنْ خَلَق الأرض والسماوات العلى} جمع عليا، ككبرى وكُبَر.
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} هو {الرحمن عَلَى العرش} وهو في اللغة سرير الملك {استوى} استواء يليق به تعالى.
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)} {لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} من المخلوقات {وَمَا تَحْتَ الثرى} هو التراب النديّ، والمراد الأرضون السبع، لأنها تحته.
{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)} {وَإِن تَجْهَرْ بالقول} في ذكر أو دعاء، فالله غني عن الجهر به {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى} منه. أي: ما حدّثَت به النفس، وما خطر ولم تحدِّث به فلا تجهد نفسك بالجهر.
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)} {الله لآ إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الأسمآء الحسنى} التسعة والتسعون الوارد بها الحديث، والحسنى مؤنث الأحسن.
{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)} {وَهَلْ} قد {أتاك حَدِيثُ موسى}.
{إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)} {إِذْ رَءَا نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ} لامرأته {امكثوا} هنا، وذلك في مسيره من (مَدْيَنَ) طالباً مصر {إِنِّى ءَانَسْتُ} أبصرت {نَاراً لَّعَلِّى ءَاتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ} يشعله في رأس فتيلة أو عود {أَوْ أَجِدُ عَلَى النار هُدًى} أي هادياً يدلني على الطريق وكان أخطأها لظلمة الليل، وقال «لعلّ» لعدم الجزم بوفاء الوعد.
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11)} {فَلَمَّا ءاتاها} وهي شجرة عوسج {نُودِىَ ياموسى}.
{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)} {إِنِّى} بكسر الهمزة بتأويل نودي بقيل، وبفتحها بتقدير الباء {أَنَاْ} تأكيد لياء المتكلم {رَبُّكَ فاخلع نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بالواد المقدس} المطهر أو المبارك {طُوًى} بدل أو عطف بيان، بالتنوين وتركه مصروف باعتبار المكان، وغير مصروف للتأنيث باعتبار البقعة مع العلمية.
{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)} {وَأَنَا اخترتك} من قومك {فاستمع لِمَا يوحى} إليك مني.
{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} {إِنَّنِى أَنَا الله لآ إله إِلآ أَنَاْ فاعبدنى وَأَقِمِ الصلاة لِذِكْرِى} فيها.
{إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)} {إِنَّ الساعة ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} عن الناس ويظهر لهم قربها بعلاماتها {لتجزى} فيها {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى} به من خير أو شرّ.
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)} {فَلاَ يَصُدَّنَّكَ} يصرفنَّك {عَنْهَا} أي عن الإِيمان بها {مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا واتبع هواه} في إنكارها {فتردى} أي فتهلك إن صددت عنها.
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)} {وَمَا تِلْكَ} كائنة {بِيَمِينِكَ ياموسى} الاستفهام للتقرير ليرتب عليه المعجزة فيها.
{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18)} {قَالَ هِىَ عَصَاىَ أَتَوَكَّؤُاْ} أعتمد {عَلَيْهَا} عند الوثوب والمشي {وَأَهُشُّ} أخبط ورق الشجر {بِهَا} ليسقط {على غَنَمِى} فتأكله {وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ} جمع (مأربة) مثلث الراء أي: حوائج {أخرى} كحمل الزاد والسقاء وطرد الهوام، زاد في الجواب بيان حاجاته بها.
{قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19)} {قَالَ أَلْقِهَا ياموسى}.
{فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)} {فألقاها فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ} ثعبان عظيم {تسعى} تمشي على بطنها سريعاً كسرعة الثعبان الصغير المسمى (بالجان) المعبر به فيها في آية أخرى [31: 28].
{قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)} {قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ} منها {سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا} منصوب بنزع الخافض أي: إلى حالتها {الأولى} فأدخل يده في فمها فعادت عصا، وتبيّن أن موضع الإِدخال موضع مسكها بين شعبتيها، وأرى ذلك السيد موسى لئلا يجزع إذا انقلبت حية لدى فرعون.
{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى (22)} {واضمم يَدَكَ} اليمنى بمعنى الكفّ {إلى جَنَاحِكَ} أي جنبك الأيسر تحت العضد إلى الإِبط وأخرجها {تَخْرُجْ} خلاف ما كانت عليه من الأدمة {بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي برص تضيء كشعاع الشمس تغشِي البصر {ءَايَةً أخرى} وهي بيضاء حالان من فضمها تخرج.
{لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى (23)} {لِنُرِيَكَ} بها إذا فعلت ذلك لإِظهارها {مِنْ ءاياتنا} الآية {الكبرى} أي العظمى على رسالتك، وإذا أراد عودها إلى حالتها الأولى فضمها إلى جناحه كما تقدّم وأخرجها.
{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)} {اذهب} رسولاً {إلى فِرْعَوْنَ} ومن معه {إِنَّهُ طغى} جاوز الحدّ في كفره إلى ادّعاء الألوهية.
{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)} {قَالَ رَبِّ اشرح لِى صَدْرِى} وسِّعه لتحمّل الرسالة.
{وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)} {وَيَسِّرْ} سَهِّل {لِى أَمْرِى} لأبلّغها.
{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)} {واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى} حدثت من احتراقه بجمرة وضعها بفيه وهو صغير.
{يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)} {يَفْقَهُواْ} يفهموا {قَوْلِي} عند تبليغ الرسالة.
{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29)} {واجعل لِّى وَزِيراً} معيناً عليها {مِّنْ أَهْلِى}.
{هَارُونَ أَخِي (30)} {هارون} مفعول ثان {أَخِى} عطف بيان.
{اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)} {اشدد بِهِ أَزْرِى} ظهري.
{وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)} {وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى} أي: الرسالة، والفعلان بصيغتي الأمر والمضارع المجزوم وهو جواب الطلب.
{كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33)} {كَىْ نُسَبِّحَكَ} تسبيحاً {كَثِيراً}.
{وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)} {وَنَذْكُرَكَ} ذكراً {كَثِيراً}.
{إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)} {إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً} عالماً فأنعمت بالرسالة.
{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36)} {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} منّاً عليك.
{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37)} {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أخرى}.
{إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)} {إِذْ} للتعليل {أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ} مناماً أو إلهاماً لما ولدتك وخافت أن يقتلك فرعون في جملة من يولد {مَا يوحى} في أمرك.
{أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)} ويبدل منه {أَنِ اقذفيه} ألقيه {فِى التابوت فاقذفيه} بالتابوت {فِي اليم} بحر النيل {فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل} أي شاطئه، والأمر بمعنى الخبر {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَّهُ} وهو فرعون {وَأَلْقَيْتُ} بعد أن أخذك {عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى} لِتُحَبَّ في الناس فأحبك فرعون وكل من رآك {وَلِتُصْنَعَ على عَيْنِى} تربى على رعايتي وحفظي لك.
{إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)} {إِذْ} للتعليل {تَمْشِى أُخْتُكَ} مريم لتتعرّف خبرك وقد أحضروا مراضع وأنت لا تقبل ثدي واحدة منها {فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ}؟ فأجيبت فجاءت بأُمّه فقبل ثديها {فرجعناك إلى أُمِّكَ كَى تَقَرَّ عَيْنُها} بلقائك {وَلاَ تَحْزَنْ} حينئذ {وَقَتَلْتَ نَفْساً} هو القبطي بمصر، فاغتممت لقتله من جهة فرعون {فنجيناك مِنَ الغم وفتناك فُتُوناً} اختبرناك بالإِيقاع في غير ذلك وخلصناك منه {فَلَبِثْتَ سِنِينَ} عشراً {فِى أَهْلِ مَدْيَنَ} بعد مجيئك إليها من مصر عند شعيب النبيّ وزوجك بابنته {ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ} في علمي بالرسالة وهو أربعون سنة من عمرك {ياموسى}.
{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)} {واصطنعتك} اخترتك {لِنَفْسِى} بالرسالة.
{اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)} {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ} إلى الناس {بئاياتي} التسع {وَلاَ تَنِيَا} تفترا {فِى ذِكْرِى} بتسبيح وغيره.
{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)} {اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} بادِّعائِهِ الربوبية.
{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً} في رجوعه عن ذلك {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} يتعظ {أَوْ يخشى} الله فيرجع، والترجي بالنسبة إليهما لعلمه تعالى بأنه لا يرجع.
{قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)} {قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ} أي يعجل بالعقوبة {أَوْ أَن يطغى} علينا أي يتكبر.
{قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)} {قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِى مَعَكُمآ} بعوني {أَسْمَعُ} ما يقول {وأرى} ما يفعل.
{فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)} {فَأْتِيَاهُ فَقُولآ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسراءيل} إلى الشام {وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ} أي خلِّ عنهم من استعمالك إياهم في أشغالك الشاقة كالحفر والبناء وحمل الثقيل {قَدْ جئناك بِئَايَةٍ} بحجة {مِن رَبِّكَ} على صدقنا بالرسالة {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} أي السلامة له من العذاب.
{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)} {إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنآ أَنَّ العذاب على مَن كَذَّبَ} ما جئنا به {وتولى} أعرض عنه، فأتياه وقالا جميع ما ذكر.
{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49)} {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى}؟ اقتصر عليه لأنه الأصل ولإدلاله عليه بالتربية.
{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} {قَالَ رَبُّنَا الذى أعطى كُلَّ شَئ} من الخلق {خَلْقَهُ} الذي هو عليه متميز به عن غيره {ثُمَّ هدى} الحيوان منه إلى مطعمه ومشربه ومنكحه وغير ذلك.
{قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)} {قَالَ} فرعون {فَمَا بَالُ} حال {القرون} الأمم {الأولى} كقوم نوح وهود ولوط وصالح في عبادتهم الأوثان؟.
{قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)} {قَالَ} موسى {عِلْمُهَا} أي علم حالهم محفوظ {عِندَ رَبِّى فِى كتاب} هو اللوح المحفوظ يجازيهم عليها يوم القيامة {لاَّ يَضِلُّ} يغيب {رَبِّىَ} عن شيء {وَلاَ يَنسَى} ربي شيئاً.
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53)} هو {الذى جَعَلَ لَكُمُ} في جملة الخلق {الأرض مَهْدَاً} فراشاً {وَسَلَكَ} سهَّل {لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً} طرقاً {وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مآءً} مطراً. قال تعالى تتميماً لما وصفه به موسى وخطاباً لأهل مكة {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أزواجا} أصنافاً {مِّن نبات شتى} صفة (أزواجاً) أي مختلفة الألوان والطعوم وغيرهما. و(شتى) جمع (شتيت) كمريض ومرضى، من شتّ الأمر: تفرّق.
{كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54)} {كُلُواْ} منها {وارعوا أنعامكم} فيها جمع (نَعَم) وهي الإِبل والبقر والغنم، يقال: رعت الأنعام ورعيتها، والأمر للإِباحة وتذكير النعمة، والجملة حال من ضمير أخرجنا أي مبيحين لكم الأكل ورعي الأنعام {إِنَّ فِى ذلك} المذكور هنا {لأيات} لَعِبَراً {لأُوْلِى النهى} لأصحاب العقول، جمع (نُهْيَة) كغُرْفة وغُرَف، سمي به العقل لأنه ينهى صاحبه عن ارتكاب القبائح.
{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)} {مِنْهَا} أي من الأرض {خلقناكم} بخلق أبيكم آدم منها {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} مقبورين بعد الموت {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ} عند البعث {تَارَةً} مرّة {أخرى} كما أخرجناكم عند ابتداء خلقكم.
{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)} {وَلَقَدْ أريناه} أي أبصرنا فرعون {ءاياتنا كُلَّهَا} التسع {فَكَذَّبَ} بها وزعم أنه سحر {وأبى} أن يوحِّد الله تعالى.
{قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57)} {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا} مصر، ويكون لك الملك فيها {بِسِحْرِكَ ياموسى}؟.
{فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)} {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ} يعارضه {فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً} لذلك {لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلآ أَنتَ مَكَاناً} منصوب بنزع الخافض (في) {سُوًى} بكسر أوله وضمه أي وسطاً تستوي إليه مسافة الجائي من الطرفين.
{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)} {قَالَ} موسى {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} يوم عيدٍ لهم يتزينون فيه ويجتمعون {وَأَن يُحْشَرَ الناس} يجمع أهل مصر {ضُحًى} وقّته للنظر فيما يقع.
{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)} {فتولى فِرْعَوْنُ} أدبر {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} أي ذوي كيده من السحرة {ثُمَّ أتى} بهم الموعد.
{قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)} {قَالَ لَهُمْ موسى} وهم اثنان وسبعون مع كل واحد حبل وعصا {وَيْلَكُمْ} أي ألزمكم الله الويل {لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِباً} بإشراك أحد معه {فَيُسْحِتَكُم} بضم الياء وكسر الحاء وبفتحهما أي يهلككم. {بِعَذَابٍ} من عنده {وَقَدْ خَابَ} خسر {مَنِ افترى} كَذَبَ على الله.
{فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)} {فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} في موسى وأخيه {وَأَسَرُّواْ النجوى} أي الكلام بينهم فيهما.
{قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)} {قَالُواْ} لأنفسهم {إِنْ هذان} لأبي عمرو ولغيره هذين وهو موافق للغة من يأتي في المثنى بالألف في أحواله الثلاث {لساحران يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى} مؤنث أمثل بمعنى أشرف أي بأشرافكم بميلهم إليهما لغلبتهما.
{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)} {فَاجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} من السحر، بهمزة وصل وفتح الميم مِن «جَمَع» أي لَمَّ. وبهمزة قطع وكسر الميم من «أَجْمَعَ»: أحكم {ثُمَّ ائتوا صَفّاً} حال: أي مصطفين {وَقَدْ أَفْلَحَ} فاز {اليوم مَنِ استعلى} غلب.
{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)} {قَالُواْ ياموسى} اختر {إِمَّآ أَن تُلْقِىَ} عصاك أي أوّلاً {وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى} عصاه.
{قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)} {قَالَ بَلْ أَلْقُواْ} فألقَوْا {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ} أصله «عُصُوو» وقلبت الواوان ياءين وكسرت العين والصاد {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا} حيات {تسعى} على بطونها.
{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)} {فَأَوْجَسَ} أحسّ {فِى نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} أي خاف من جهة أن سحرهم من جنس معجزاته أن يلتبس أمره على الناس فلا يؤمنوا به.
{قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)} {قُلْنَا} له {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى} عليهم بالغَلَبة.
{وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)} {وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ} وهي عصاه {تَلْقَفْ} تبتلع {مَا صَنَعُواْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ ساحر} أي جنسه {وَلاَ يُفْلِحُ الساحر حَيْثُ أتى} بسحره، فألقى موسى عصاه فَتَلَقَّفَت كلَّ ما صنعوه.
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)} {فَأُلْقِىَ السحرة سُجَّداً} خرُّوا ساجدين لله تعالى {قَالُواْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هارون وموسى}.
{قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)} {قَالَ} فرعون {ءَامَنتُمْ} بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفاً {لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ} أنا {لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} معلمكم {الذى عَلَّمَكُمُ السحر فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خلاف} حال بمعنى مختلفة أي الأيدي اليمنى والأرجل اليسرى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النخل} أي عليها {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنآ} يعني نفسه وربّ موسى {أَشَدُّ عَذَاباً وأبقى} أدوم على مخالفته.
{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)} {قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ} نختارك {على مَا جَآءَنَا مِنَ البينات} الدالة على صدق موسى {والذى فَطَرَنَا} خلقنا، قسم أو عطف على ما {فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ} أي اصنع ما قلته {إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياوة الدنيآ} النصب على الاتساع أي فيها وتُجْزَى عليه في الآخرة.
{إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)} {إِنَّآ ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خطايانا} من الإِشراك وغيره {وَمآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر} تعلماً وعملاً لمعارضة موسى {والله خَيْرٌ} منك ثواباً إذا أطيع {وأبقى} منك عذاباً إذا عُصِيَ.
{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74)} قال تعالى {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} كافراً كفرعون {فَإِنَّ لَهُ} نار {جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا} فيستريح {وَلاَ يَحْيَا} حياة تنفعه.
{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75)} {وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصالحات} الفرائض والنوافل {فأولئك لَهُمُ الدرجات العلى} جمع «عُلْيا» مؤنث (أعلى).
{جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)} {جنات عَدْنٍ} أي إقامة بيان له {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا وذلك جَزَآءُ مَن تزكى} تطهّر من الذنوب.
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)} {وَلَقَدْ أَوْحَيْنآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى} بهمزة قطع من «أسرى» وبهمزة وصل وكسر النون من «سرى» لغتان أي سر بهم ليلاً من أرض مصر {فاضرب} اجعل {لَهُمْ} بالضرب بعصاك {طَرِيقاً فِى البحر يَبَساً} أي يابساً فامتثل ما أمر به وأيبس الله الأرض فمرّوا فيها {لاَّ تخاف دَرَكاً} أي أن يدركك فرعون {وَلاَ تخشى} غرقاً.
{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)} {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} وهو معهم {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم} أي البحر {مَا غَشِيَهُمْ} فأغرقهم معه.
{وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)} {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ} بدعائهم إلى عبادته {وَمَا هدى} بل أوقعهم في الهلاك، خلاف قوله {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} [29: 40].
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80)} {يابنى إسراءيل قَدْ أنجيناكم مِّنْ عَدُوِّكُمْ} فرعون بإغراقه {وواعدناكم جَانِبَ الطور الأيمن} فنؤتي موسى التوراة للعمل بها {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى} هما (التُرْنَجَبين) و(الطير السُّماني) بتخفيف الميم والقصر، والمنادى من وُجِدَ من اليهود زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وخوطبوا بما أنعم الله به على أجدادهم زمن النبي موسى توطئة لقوله تعالى لهم:
{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)} {كُلُواْ مِن طيبات مَا رزقناكم} أي المنعم به عليكم {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} بأن تكفروا النعمة به {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى} بكسر الحاء: أي يجب، وبضمها: أي ينزل {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى} بكسر اللام وضمها {فَقَدْ هوى} سقط في النار.
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)} {وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} من الشرك {وَءَامَنَ} وَحَّد الله {وَعَمِلَ صالحا} يصدق بالفرض والنفل {ثُمَّ اهتدى} باستمراره على ما ذكر إلى موته.
{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83)} {وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ} لمجيء ميعاد أخذ التوراة {ياموسى}؟.
{قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)} {قَالَ هُمْ أُوْلآءِ} أي بالقرب مني، يأتون {على أَثَرِى وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى} عني: أي زيادة في رضاك وقبل الجواب أتى بالاعتذار بحسب ظنه.
{قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)} وتخلف المظنون لما {قَالَ} تعالى {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ} أي بعد فراقك لهم {وَأَضَلَّهُمُ السامرى} فعبدوا العجل.
{فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)} {فَرَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غضبان} من جهتهم {أَسِفاً} شديد الحزن {قَالَ ياقوم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} أي صدقاً أنه يعطيكم التوراة؟ {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد} مدّة مفارقتي إياكم {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ} يجب {عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ} بعبادتكم العجل {فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى} وتركتم المجيء بعدي؟.
{قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)} {قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} مثلث الميم أي بقدرتنا أو أمرنا {ولكنا حُمِّلْنَآ} بفتح الحاء مخففاً، وبضمها وكسر الميم مشدّداً {أَوْزَاراً} أثقالاً {مِّن زِينَةِ القوم} أي حلي قوم فرعون استعارها منهم بنو إسرائيل بعلَّة عرس فبقيت عندهم {فقذفناها} طرحناها في النار بأمر السامريّ {فكذلك} كما ألقينا {أَلْقَى السامرى} ما معه من حليهم ومن التراب الذي أخذه من أثر حافر فرس جبريل على الوجه الآتي.
{فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)} {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً} صاغه من الحليّ {جَسَداً} لحماً ودماً {لَّهُ خُوَارٌ} أي صوت يُسمع أي انقلب كذلك بسبب التراب الذي أثره الحياة فيما يوضع فيه، ووضعه بعد صوغه في فمه {فَقَالُواْ} أي السامريُّ وأتباعه {هاذآ إلهكم وإله موسى فَنَسِىَ} موسى ربه هنا وذهب يطلبه.
{أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)} قال تعالى: {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَ} ن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي أنه {لاَ يَرْجِعُ} العجل {إِلَيْهِمْ قَوْلاً} أي لا يردّ لهم جواباً؟ {وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً} أي دَفْعَه {وَلاَ نَفْعاً} أي جَلْبَه أي فكيف يُتّخذ إلها؟.
{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90)} {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هارون مِن قَبْلُ} أي قبل أن يرجع موسى {ياقوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن فاتبعونى} في عبادته {وَأَطِيعُواْ أَمْرِى} فيها.
{قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91)} {قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ} نزال {عَلَيْهِ عاكفين} على عبادته مقيمين {حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى}.
{قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)} {قَالَ} موسى بعد رجوعه {ياهارون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ} بعبادته.
{أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)} {أ} ن {لا تَتَّبِعَنِ} لا زائدة {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى} بإقامتك بين من يعبد غير الله تعالى؟.
{قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)} {قَالَ} هارون {يَبْنَؤُمَّ} بكسر الميم وفتحها أراد أمي، وذكرها أعطف لقلبه {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى} وكان أخذها بشماله {وَلاَ بِرَأْسِى} وكان أخذ شعره بيمينه غضباً {إِنِّى خَشِيتُ} لو اتبعتك ولا بدّ أن يتبعني جمع ممن لم يعبدوا العجل {أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إسراءيل} وتغضب عليَّ {وَلَمْ تَرْقُبْ} تنتظر {قَوْلِي} فيما رأيته في ذلك.
{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95)} {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ} فما شأنك الداعي إلى ما صنعت {ياسامري}؟.
{قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)} {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ} بالياء والتاء أي علمت ما لم يعلموه {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ} تراب {أَثَرِ} حافر فرس {الرسول} جبريل {فَنَبَذْتُهَا} ألقيتها في صورة العجل المصاغ {وكذلك سَوَّلَتْ} زينتْ {لِى نَفْسِى} ألقي فيها أن آخذ قبضة من تراب ما ذكر وألقيها على ما لا روح له يصير له روح، ورأيت قومك طلبوا منك أن تجعل لهم إلها فحدثتني نفسي أن يكون ذلك العجل إلههم.
{قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)} {قَالَ} له موسى {فاذهب} من بيننا {فَإِنَّ لَكَ فِى الحياوة} أي مدّة حياتك {أَن تَقُولَ} لمن رأيته {لاَ مِسَاسَ} أي لا تقربني، فكان يهيم في البرية وإذا مس أحداً أو مسه أحد حُمَّاً جميعاً {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً} لعذابك {لَّن تُخْلَفَهُ} بكسر اللام: أي لن تغيب عنه، وبفتحها أي بل تبعث إليه {وانظر إلى إلهك الذى ظَلْتَ} أصله ظللت بلامين أُولاهما مكسورة وحذفت تخفيفاً أي دمت {عَلَيْهِ عَاكِفاً} أي مقيماً تعبده {لَّنُحَرِّقَنَّهُ} بالنار {ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِى اليم نَسْفاً} نذرينه في هواء البحر، وفعل موسى بعد ذبحه ما ذكره.
{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)} {إِنَّمَآ إلهكم الله الذى لآ إله إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَئ عِلْماً} تمييز محوّل عن الفاعل أي وسع علمه كل شيء.
{كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99)} {كذلك} أي كما قصصنا عليك يا محمد هذه القصة {نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ} أخبار {مَا قَدْ سَبَقَ} من الأمم {وَقَدْ ءاتيناك} أعطيناك {مِّن لَّدُنَّا} من عندنا {ذِكْراً} قرآناً.
{مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100)} {مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ} فلم يؤمن به {فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْراً} حِمْلاً ثقيلاً من الإِثم.
{خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101)} {خالدين فِيهِ} أي في عذاب الوزر {وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ القيامة حِمْلاً} تمييز مفسر للضمير في «ساء» والمخصوص بالذم محذوف تقديره وزرهم، واللام للبيان ويبدل من يوم القيامة.
{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)} {يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصور} القَرْن، النفخة الثانية. {وَنَحْشُرُ المجرمين} الكافرين {يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} عيونهم مع سواد وجوههم.
{يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103)} {يتخافتون بَيْنَهُمْ} يتسارّون {إِن} ما {لَّبِثْتُمْ} في الدنيا {إِلاَّ عَشْراً} من الليالي بأيامها.
{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)} {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} في ذلك: أي ليس كما قالوا {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ} أعدلهم {طَرِيقَةً} فيه {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً} يستقلون لبثهم في الدنيا جدّاً لما يعاينونه في الآخرة من أهوالها.
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)} {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال} كيف تكون يوم القيامة؟ {فَقُلْ} لهم {يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفاً} بأن يفتتها كالرمل السائل ثم يطيرها بالرياح.
{فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106)} {فَيَذَرُهَا قَاعاً} منبسطاً {صَفْصَفاً} مستوياً.
{لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)} {لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً} انخفاضاً {وَلآ أَمْتاً} ارتفاعاً.
{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108)} {يَوْمَئِذٍ} أي يوم إذ نسفت الجبال {يَتَّبِعُونَ} أي الناس بعد القيام من القبور {الداعى} إلى المحشر بصوته وهو إسرافيل، يقول: (هلموا إلى عرض الرحمن) {لاَ عِوَجَ لَهُ} أي لاتباعهم: أي لا يقدرون أن لا يتبعوا {وَخَشَعَتِ} سكنت {الأصوات للرحمن فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً} صوت وطء الأقدام في نقلها إلى المحشر كصوت أخفاف الإِبل في مشيها.
{يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)} {يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة} أحداً {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن} أن يشفع له {وَرَضِىَ لَهُ قَوْلاً} بأن يقول: لا إله إلا الله.
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أمور الآخرة {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أمور الدنيا {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} لا يعلمون ذلك.
{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)} {وَعَنَتِ الوجوه} خضعت {لِلْحَىِّ القيوم} أي الله {وَقَدْ خَابَ} خسر {مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} أي شِركاً.
{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)} {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات} الطاعات {وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً} بزيادةٍ في سيئاته {وَلاَ هَضْماً} بنقص من حسناته.
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)} {وكذلك} معطوف على «كذلك نقص» أي: مثل إنزال ما ذكر {أنزلناه} أي القرآن {قُرْءاناً عَرَبِّياً وَصَرَّفْنَا} كرّرنا {فِيهِ مِنَ الوعيد لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الشِّرك {أَوْ يُحْدِثُ} القرآن {لَهُمْ ذِكْراً} بهلاك من تقدّمهم من الأمم فيعتبرون.
{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} {فتعالى الله الملك الحق} عما يقول المشركون {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرءان} بقراءته {مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} أي يفرغ جبريل من إبلاغه {وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً} أي بالقرآن، فكلما أُنزل عليه شيء منه زاد به علمه.
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلى ءَادَمَ} وصَّيناه أن لا يأكل من الشجرة {مِن قَبْلُ} أي قبل أكله منها {فَنَسِىَ} ترك عهدنا {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} حزماً وصبراً عما نهيناه عنه.
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116)} {وَ} اذكر {إِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ} وهو أبو الجنّ كان يصحب الملائكة ويعبد الله معهم {أبى} عن السجود لآدم. فقال: (أنا خير منه).
{فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)} {فَقُلْنَا يائادم إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} حواء بالمدّ {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى} تتعب بالحرث والزرع والحصد والطحن والخبز وغير ذلك، واقتصر على شقائه لأن الرجل يسعى على زوجته.
{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118)} {إِنَّ لَكَ أَ} ن {لا تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى}.
{وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)} {وَأَنَّكَ} بفتح الهمزة وكسرها عطف على اسم «إن» وجملتها {لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا} تعطش {وَلاَ تضحى} لا يحصل لك حرّ شمس الضحى لانتفاء الشمس في الجنة.
{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)} {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان قَالَ يائادم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد} أي التي يخلد من يأكل منها {وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} لا يفنى؟ وهو لازم الخلد.
{فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)} {فَأَكَلاَ} أي آدم وحوّاء {مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سوءاتهما} أي ظهر لكل منهما قُبله وقُبل الآخر ودُبره، وسمي كل منهما سوأة لأن انكشافه يسوءُ صاحبه {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} أخذا يلزقان {عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} ليستترا به {وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى} بالأكل من الشجرة.
{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)} {ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ} قَرَّبَهُ {فَتَابَ عَلَيْهِ} قَبِلَ توبته {وهدى} أي هداه إلى المداومة على التوبة.
{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)} {قَالَ اهبطا} أي آدم وحوّاء بما اشتملتما عليه من ذرّيتكما {مِنْهَا} من الجنة {جَمِيعاً بَعْضُكُمْ} بعض الذرية {لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} من ظلم بعضهم بعضاً {فَإِمَّا} فيه إدغام نون «إن» الشرطية في «ما» المزيدة {يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ اتبع هُدَاىَ} أي القرآن {فَلاَ يَضِلُّ} في الدنيا {وَلاَ يشقى} في الآخرة.
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى} أي القرآن فلم يؤمن به {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} بالتنوين مصدر بمعنى ضيقة، وفُسِّرت في حديث بعذاب الكافر في قبره {وَنَحْشُرُهُ} أي المعرض عن القرآن {يَوْمَ القيامة أعمى} أي أعمى البصر.
{قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)} {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِى أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً} في الدنيا وعند البعث؟.
{قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)} {قَالَ} الأمر {كذلك أَتَتْكَ ءاياتنا فَنَسِيتَهَا} تركتها ولم تؤمن بها {وكذلك} مثل نسيانك آياتنا {اليوم تنسى} تترك في النار.
{وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)} {وكذلك} ومثل جزائنا مَنْ أعرض عن القرآن {نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ} أشرك {وَلَمْ يُؤْمِن بئايات رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الاخرة أَشَدُّ} من عذاب الدنيا وعذاب القبر {وأبقى} أدوم.
{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)} {أَفَلَمْ يَهْدِ} يتبيّن {لَهُمْ} لكفار مكة {كَمْ} خبرية مفعول {أَهْلَكْنَا} أي كثيراً إهلاكنا {قَبْلَهُمْ مِّنَ القرون} أي الأمم الماضية بتكذيب الرسل {يَمْشُونَ} حال من ضمير لهم {فِى مساكنهم} في سفرهم إلى الشام وغيرها فيعتبروا؟ وما ذكر من أخذ «إهلاك» من فعله الخالي عن حرف مصدري لرعاية المعنى لا مانع منه {إِنَّ فِى ذَلِكَ لأيات} لَعِبَراً {لأُوْلِى النهى} لذوي العقول.
{وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)} {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} لتأخير العذاب عنهم إلى الآخرة {لَكَانَ} الإِهلاك {لِزَاماً} لازماً لهم في الدنيا {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} مضروب لهم معطوف على الضمير المستتر في «كان» وقام الفصل بخبرها مقام التأكيد.
{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)} {فاصبر على مَا يَقُولُونَ} منسوخ بآية القتال [5: 9] {وَسَبِّحْ} صَلِّ {بِحَمْدِ رَبِّكَ} حال: أي متلبساً به {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} صلاة الصبح {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} صلاة العصر {وَمِنْ ءَانَآئِ اليل} ساعاته {فَسَبِّحْ} صلّ المغرب والعشاء {وَأَطْرَافَ النهار} عطف على محل «آناء» المنصوب أي صلّ الظهر لأن وقتها يدخل بزوال الشمس، فهو طرف النصف الأول وطرف النصف الثاني {لَعَلَّكَ ترضى} بما تعطى من الثواب.
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)} {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزواجا} أصنافاً {مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحياة الدنيا} زينتها وبهجتها {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} بأن يطغوا {وَرِزْقُ رَبِّكَ} في الجنة {خَيْرٌ} مما أُوتوه في الدنيا {وأبقى} أدوم.
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)} {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر} اصبر {عَلَيْهَا لاَ نَسْئَلُكَ} نكلفك {رِزْقاً} لنفسك ولا لغيرك {نَّحْنُ نَرْزُقُكَ والعاقبة} الجنة {للتقوى} لأهلها.
{وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133)} {وَقَالُواْ} أي المشركون {لَوْلاَ} هلا {يَأْتِينَا} محمد {بِئَايَةٍ مِّن رَّبِّهِ} مما يقترحونه؟ {أَوَ لَمْ تَأْتِهِم} بالتاء والياء {بَيِّنَةُ} بيان {مَا فِى الصحف الأولى} المشتمل عليه القرآن من أنباء الأمم الماضية وإهلاكهم بتكذيب الرسل.
{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)} {وَلَوْ أَنَّآ أهلكناهم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ} قبل محمد الرسول {لَقَالُواْ} يوم القيامة {رَبَّنَا لَوْلآ} هلا {أَرسَلْتَ إِلْينَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءاياتك} المرسل بها {مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ} في القيامة {ونخزى} في جهنم؟.
{قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)} {قُلْ} لهم {كُلٌّ} منا ومنكم {مُّتَرَبِّصٌ} منتظر ما يؤول إليه الأمر {فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ} في القيامة {مَنْ أصحاب الصراط} الطريق {السوى} المستقيم {وَمَنِ اهتدى} من الضلالة أنحن أم أنتم؟.
|