الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)} {اقترب} قَرُب {لِلنَّاسِ} أهل مكة منكري البعث {حِسَابُهُمْ} يوم القيامة {وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ} عنه {مُّعْرِضُونَ} عن التأهب له بالإِيمان.
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)} {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبّهِمْ مُّحْدَثٍ} شيئاً فشيئاً أي لفظ قرآن {إِلاَّ استمعوه وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يستهزؤون.
{لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)} {لاَهِيَةً} غافلة {قُلُوبُهُمْ} عن معناه {وَأَسَرُّواْ النجوى} أي الكلام {الذين ظَلَمُواْ} بدل من واو {هَلْ هذا} أي محمد صلى الله عليه وسلم {إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} فما يأتي به سِحْر. {أَفَتَأْتُونَ السحر} تتبعونه {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} تعلمون أنه سحر؟
{قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4)} {قَالَ} لهم {رَبِّى يَعْلَمُ القول} كائناً {فِى السمآء والأرض وَهُوَ السميع} لما أسرّوه {العليم} به.
{بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)} {بَلِ} للانتقال من غرض إلى آخر في المواضع الثلاثة {قَالُواْ} فيما أتى به من القرآن هو {أضغاث أَحْلاَمٍ} أخلاط رآها في النوم {بَلِ افتراه} اختلقه {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} فما أتى به شِعْر {فَلْيَأْتِنَا بِئَايَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ} كالناقة والعصا واليد.
{مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)} قال تعالى: {مآ ءَامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ} أي أهلها {أهلكناها} بتكذيبها ما أتاها من الآيات {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ}؟ لا.
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)} {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاًيُوحِي} وفي قراءة (نوحى) بالنون وكسر الحاء {إِلَيْهِم} لا ملائكة {فاسألوا أَهْلَ الذكر} العلماء بالتوراة والإِنجيل {إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} ذلك فإنهم يعلمونه، وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم.
{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)} {وَمَا جعلناهم} أي الرّسل {جَسَداً} بمعنى أجساداً {لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام} بل يأكلونه {وَمَا كَانُواْ خالدين} في الدنيا.
{ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9)} {ثُمَّ صدقناهم الوعد} بإنجائهم {فأنجيناهم وَمَن نَّشَآءُ} أي المصدّقين لهم {وَأَهْلَكْنَا المسرفين} المكذبين لهم.
{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)} {لَقَدْ أَنزَلْنآ إِلَيْكُمْ} يا معشر قريش {كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} لأنه بلغتكم {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} فتؤمنون به.
{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (11)} {وَكَمْ قَصَمْنَا} أهلكنا {مِن قَرْيَةٍ} أي أهلها {كَانَتْ ظالمة} كافرة {وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً ءَاخَرِينَ}.
{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)} {فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنآ} أي شَعَرَ أهل القرية بالإِهلاك {إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ} يهربون مسرعين.
{لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)} فقالت لهم الملائكة استهزاء {لاَ تَرْكُضُواْ وارجعوا إلى مَآ أُتْرِفْتُمْ} نعمتم {فِيهِ ومساكنكم لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} شيئاً من دنياكم على العادة.
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14)} {قَالُواْ يا} للتنبيه {وَيْلَنَا} هلاكنا {إِنَّا كُنَّا ظالمين} بالكفر.
{فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)} {فَمَا زَالَت تِلْكَ} الكلمات {دَعْوَاهُمْ} يدعون بها ويردّدونها {حتى جعلناهم حَصِيداً} أي كالزرع المحصود بالمناجل بأن قُتلوا بالسيف {خامدين} ميتين كخمود النار إذا طفئت.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)} {وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} عابثين، بل دالِّين على قدرتنا ونافعين عبادنا.
{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)} {لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً} ما يلهى به من زوجة أو ولد {لاتخذناه مِن لَّدُنَّآ} من عندنا من الحور العين والملائكة {إِن كُنَّا فاعلين} ذلك، لكنا لم نفعله فلم نُرِدْه.
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)} {بَلْ نَقْذِفُ} نرمي {بالحق} بالإِيمان {عَلَى الباطل} الكفر {فَيَدْمَغُهُ} يذهبه {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} ذاهب، ودَمَغَه في الأصل: أصاب دماغه بالضرب، وهو مقتل {وَلَكُمُ} يا كفار مكة {الويل} العذاب الشديد {مِمَّا تَصِفُونَ} الله به من الزوجة أو الولد.
{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)} {وَلَهُ} تعالى {مَن فِى السموات والأرض} ملكاً {وَمَنْ عِندَهُ} أي الملائكة، مبتدأ خبره {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} لا يعيون.
{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} {يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ} عنه فهو منهم كالنفَس منا لا يشغلنا عنه شاغل.
{أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)} {أَمْ} بمعنى بل للانتقال وهمزة الإنكار {اتخذوا ءَالِهَةً} كائنة {مِّنَ الأرض} كحجر وذهب وفضة {هُمْ} أي الآلهة {يُنشِرُونَ} أي يُحيون الموتى؟ لا، ولا يكون إلها إلا من يحيي الموتى.
{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)} {لَوْ كَانَ فِيهِمآ} أي السموات والأرض {ءَالِهَةٌ إِلاَّ الله} أي غيره {لَفَسَدَتَا} أي خرجتا عن نظامهما المشاهَد، لوجود التمانع بينهم على وفق العادة عند تعدّد الحاكم من التمانع في الشيء وعدم الاتفاق عليه {فسبحان} تنزيه {الله رَبِّ} خالق {العرش} الكرسي {عَمَّا يَصِفُونَ} أي الكفارُ اللّهَ به من الشريك له وغيره.
{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} عن أفعالهم.
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)} {أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ} تعالى: أي سواه {ءَالِهَةً}؟ فيه استفهام توبيخ {قُلْ هَاتُواْ برهانكم} على ذلك ولا سبيل إليه {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ} أي أمَّتي وهو القرآن {وَذِكْرُ مَن قَبْلِى} من الأمم وهو التوراة والإِنجيل وغيرهما من كتب الله، ليس في واحد منها أنّ مع الله إلها مما قالوا، تعالى عن ذلك {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق} أي توحيد الله {فَهُمْ مُّعْرِضُونَ} عن النظر الموصل إليه.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} {وَمآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى} وفي قراءة (نوحي) بالنون وكسر الحاء {إِلَيْهِ أَنَّهُ لآ إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون} أي وحِّدوني.
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)} {وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً} من الملائكة {سُبْحَانَهُ بَلْ} هم {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} عنده والعبودية تنافى الولادة.
{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)} {لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول} لا يأتون بقولهم إلا بعد قوله {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} أي بعده.
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)} {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي ما عملوا وما هم عاملون {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} تعالى أن يشفع له {وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ} تعالى {مُشْفِقُونَ} أي خائفون.
{وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)} {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّى إله مّن دُونِهِ} أي الله: أي غيره، وهو إبليس دعا إلى عبادة نفسه وأمر بطاعتها {فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ} كما نجزيه {نَجْزِى الظالمين} أي المشركين.
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)} {أَوَلَمْ} بواو وتركها {يَرَ} يعلم {الذين كَفَرُواْ أَنَّ السموات والأرض كَانَتَا رَتْقاً} سدّاً بمعنى مسدودة {ففتقناهما} جعلنا السماء سبعاً والأرض سبعاً أوفتق السماء أن كانت لا تمطر فأمطرت، وفتقُ الأرض: إن كانت لا تُنبت فأنبتت {وَجَعَلْنَا مِنَ المآء} النازل من السماء والنابع من الأرض {كُلَّ شَئ حَىٍّ} من نبات وغيره: أي فالماء سبب لحياته {أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} بتوحيدي؟
{وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)} {وَجَعَلْنَا فِى الأرض رَوَاسِىَ} جبالاً ثوابت ل {أَن} لا {تَمِيدَ} تتحرك {بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا} أي الرواسي {فِجَاجاً} مسالك {سُبُلاً} بدل طرقاً نافذة واسعة {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} إلى مقاصدهم في الأسفار.
{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)} {وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً} للأرض كالسقف للبيت {مَّحْفُوظاً} عن الوقوع {وَهُمْ عَنْ ءاياتها} من الشمس والقمر والنجوم {مُّعْرِضُونَ} لا يتفكرون فيها فيعلمون أن خالقها لا شريك له.
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)} {وَهُوَ الذى خَلَقَ اليل والنهار والشمس والقمر كُلٌّ} تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر وتابعه وهو النجوم {فِى فَلَكٍ} مستدير كالطاحونة في السماء {يَسْبَحُونَ} يسيرون بسرعة كالسّابح في الماء، وللتشبيه به أتى بضمير جمع من يعقل.
{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)} ونزل لما قال الكفار: إن محمداً صلى الله عليه وسلم سيموت {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد} البقاء في الدنيا {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن} فيها؟ لا، فالجملة الأخيرة محل الاستفهام الإِنكاري.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} في الدنيا {وَنَبْلُوكُم} نختبركم {بالشر والخير} كفقر وغنى وسقم وصحة {فِتْنَةً} مفعول له أي لننظر، أتصبرون وتشكرون، أو لا؟ {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.
{وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)} {وَإِذَا رَاكَ الذين كَفَرُواْ إِن} ما {يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً} أي مهزوءاً به، يقولون {أهذا الذى يَذْكُرُ الِهَتَكُمْ} أي يعيبها {وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن} لهم {هُمْ} تأكيد {كافرون} به إذ قالوا ما نعرفه.
{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)} ونزل في استعجالهم العذاب {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} أي إنه لكثرة عَجَله في أحواله كأنه خُلِق منه {عَنْ ءاياتي} مواعيدي بالعذاب {فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} فيه، فأراهم القتل ببدر.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)} {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} بالقيامة {إِن كُنتُمْ صادقين} فيه.
{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)} قال تعالى {لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ} يدفعون {عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يمنعون منها في القيامة، وجواب «لو» ما قالوا ذلك.
{بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)} {بَلْ تَأْتِيهِم} القيامة {بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ} تحيِّرهم {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يمهلون لتوبة أو معذرة.
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)} {وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ} فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم {فَحَاقَ} نزل {بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وهو العذاب، فكذا يحيق بمن استهزأ بك.
{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)} {قُلْ} لهم {مَن يَكْلَؤُكُم} يحفظكم {باليل والنهار مِنَ الرحمن} من عذابه إن نزل بكم، أي: لا أحد يفعل ذلك، والمخاطبون لا يخافون عذاب الله لإِنكارهم له {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ} أي القرآن {مُّعْرِضُونَ} لا يتفكرون فيه.
{أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)} {أَمْ} فيها معنى الهمزة للإِنكار، أي: أ {لَهُمْ ءَالِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ} مما يسوؤهم {مِّن دُونِنَا} أي ألهم من يمنعهم منه غيرنا؟ لا {لاَ يَسْتَطِيعُونَ} أي الآلهة {نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} فلا ينصرونهم {وَلاَ هُمْ} أي الكفار {مِنَّا} من عذابنا {يُصْحَبُونَ} يجارون، يقال: (صحبك الله) أي: حفظك وأجارك.
{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)} {بَلْ مَتَّعْنَا هؤلاءآء وَءَابآءَهُمْ} بما أنعمنا عليهم {حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر} فاغترّوا بذلك {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الأض} نقصد أرضهم {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} بالفتح على النبي صلى الله عليه وسلم {أَفَهُمُ الغالبون}؟لا، بل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
{قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45)} {قُلْ} لهم {إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بالوحى} من الله لا من قبل نفسي {وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعآء إِذَا} بتحقيق الهمزتين، وتسهيل الثانية بينها وبين الياء {مَا يُنذَرُونَ} هم لتركهم العمل بما سمعوه من الإِنذار كالصمّ.
{وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)} {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ} وقعة خفيفة {مّنْ عَذَابِ رَبّكَ لَيَقُولُنَّ ياويلنا} للتنبيه {ويْلَنآ} هلاكنا {إِنَّا كُنَّا ظالمين} بالإِشراك وتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)} {وَنَضَعُ الموازين القسط} ذوات العدل {لِيَوْمِ القيامة} أي فيه {فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} من نقص حسنة أو زيادة سيئة {وَإِن كَانَ} العمل {مِثْقَالَ} زنة {حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} أي بموزونها {وكفى بِنَا حاسبين} مَحصين كل شيء.
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)} {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان} أي التوراة الفارقة بين الحق والباطل والحلال والحرام {وَضِيَآءً} بها {وَذِكْراً} أي عظة بها {لِّلْمُتَّقِينَ}.
{الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)} {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب} عن الناس أي في الخلاء عنهم {وَهُمْ مِّنَ الساعة} أي أهوالها {مُشْفِقُونَ} أي خائفون.
{وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)} {وهذا} أي القرآن {ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أنزلناه أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}؟الاستفهام فيه للتوبيخ.
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)} {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَآ إبراهيم رُشْدَهُ مِن قَبْلُ} أي هداه قبل بلوغه {وَكُنَّا بِهِ عالمين} أي بأنه أهل لذلك.
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)} {إِذْ قَالَ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذه التماثيل} الأصنام {التى أَنتُمْ لَهَا عاكفون} أي على عبادتها مقيمون؟.
{قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)} {قَالُواْ وَجَدْنَآ ءابَاءَنَا لَهَا عابدين} فاقتدينا بهم.
{قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)} {قَالَ} لهم {لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ} بعبادتها {فِى ضلال مُّبِينٍ} بَيِّن.
{قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)} {قَالُواْ أَجِئْتَنَا بالحق} في قولك هذا {أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين} فيه؟.
{قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)} {قَالَ بَل رَّبُّكُمْ} المستحق للعبادة {رَبُّ} مالك {السموات والأرض الذى فطَرَهُنَّ} خلقهنّ على غير مثال سبق {وَأَنَاْ على ذلكم} الذي قلته {مِّنَ الشاهدين} به.
{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)} {وتالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ}.
{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)} {فَجَعَلَهُمْ} بعد ذهابهم إلى مجتمعهم في يوم عيدٍ لهم {جُذَاذاً} بضم الجيم وكسرها: فتاتاً بفأس {إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ} علّق الفأس في عنقه {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ} أي إلى الكبير {يَرْجِعُونَ} فيروا ما فُعِلَ بغيره.
{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)} {قَالُواْ} بعد رجوعهم ورؤيتهم ما فَعَلَ {مَن فَعَلَ هذا بِئَالِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين} فيه.
{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)} {قَالُواْ} أي بعضهم لبعض {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} أي يعيبهم {يُقَالُ لَهُ إبراهيم}.
{قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)} {قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ الناس} أي ظاهراً {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} عليه أنه الفاعل.
{قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62)} {قَالُواْ} له بعد إتيانه {ءَأَنْتَ} بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفاً وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه {فَعَلْتَ هذا بِئَالِهَتِنَا يإبراهيم}.
{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)} {قَالَ} ساكتاً عن فعله {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَاسْئَلُوهُمْ} عن فاعله {إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} فيه تقديم جواب الشرط، وفيما قبله تعريض لهم بأن الصنم المعلوم عجزه عن الفعل لا يكون إلها.
{فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)} {فَرَجَعُواْ إلى أَنفُسِهِمْ} بالتفكر {فَقَالُواْ} لأنفسهم {إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظالمون} أي بعبادتكم من لا ينطق.
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)} {ثُمَّ نُكِسُواْ} من الله {على رُؤُوسِهِمْ} أي رُدّوا إلى كفرهم وقالوا: والله {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاءآء يَنطِقُونَ} أي فكيف تأمرنا بسؤالهم؟.
{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66)} {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} أَي بدله {مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً} من رزق وغيره {وَلاَ يَضُرُّكُمْ} شيئاً إذا لم تعبدوه؟
{أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)} {أُفٍّ} بكسر الفاء وفتحها بمعنى مصدر أي نَتَناً وَقُبْحاً {لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} أي غيره {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أنّ هذه الأصنام لا تستحق العبادة ولا تصلح لها، وإنما يستحقها الله تعالى.
{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)} {قَالُواْ حَرِّقُوهُ} أي إبراهيم {وانصروا ءَالِهَتَكُمْ} أي بتحريقه {إِن كُنتُمْ فاعلين} نصرتها، فجمعوا له الحطب الكثير وأضرموا النار في جميعه وأوثقوا إبراهيم وجعلوه في منجنيق ورمَوْه في النار.
{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)} قال تعالى: {قُلْنَا يا نَارُ كُونِى بَرْداً وسلاما على إبراهيم} فلم تحرق منه غير وثاقه، وذهبت حرارتها وبقيت إضاءتها وبقوله «وسلاما» سلم من الموت ببردها.
{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)} {وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً} وهو التحريق {فجعلناهم الأخسرين} في مرادهم.
{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)} {ونجيناه وَلُوطاً} ابن أخيه (هاران) من العراق {إِلَى الأرض التى بَارَكْنَا فِيهَا للعالمين} بكثرة الأنهار والأشجار وهي الشام، نزل إبراهيم بفلسطين ولوط بالمؤتفكة وبينهما يوم.
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)} {وَوَهَبْنَا لَهُ} أي لإِبراهيم وكان سأل ولداً كما ذكر في (الصافات) [100: 37- 101] {إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} أي زيادة على المسؤول، أو هو ولد الولد {وَكُلاًّ} أي هو وولداه {جَعَلْنَا صالحين} أنبياء.
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)} {وجعلناهم أَئِمَّةً} بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء يُقْتَدَى بهم في الخير {يَهْدُونَ} الناس {بِأَمْرِنَا} إلى ديننا {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات وَإِقَامَ الصلاة وَإِيتآءَ الزكواة} أي أن تُفْعَل وتُقَامُ وتُؤتَى منهم ومن أتباعهم، وحذف هاء (إقامة) تخفيف {وَكَانُواْ لَنَا عابدين}.
{وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)} {وَلُوطاً ءاتيناه حُكْماً} فصلاً بين الخصوم {وَعِلْماً ونجيناه مِنَ القرية التى كَانَت تَّعْمَلُ} أي أهلها الأعمال {الخبائث} من اللواط والرمي بالبندق واللعب بالطيور وغير ذلك {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ} مصدر ساءه نقيض سرَّه {فاسقين}.
{وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)} {وأدخلناه فِى رَحْمَتِنَآ} بأن أنجيناه من قومه {إِنَّهُ مِنَ الصالحين}.
{وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)} {وَ} اذكر {نُوحاً} وما بعده بدل منه {إِذْ نادى} دعا على قومه بقوله {رب لا تذر} [26: 71].... الخ {مِن قَبْلُ} أي قبل إبراهيم ولوط {فاستجبنا لَهُ فنجيناه وَأَهْلَهُ} الذين في سفينته {مِنَ الكرب العظيم} أي الغرق وتكذيب قومه له.
{وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)} {ونصرناه} منعناه {مِنَ القوم الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا} الدالة على رسالته أن لا يصلوا إليه بسوء {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فأغرقناهم أَجْمَعِينَ}.
{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)} {وَ} اذكر {دَاوُودَ وسليمان} أي قصتهما، ويبدل منهما {إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الحرث} هو زرع أو كرم {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم} أي رعته ليلاً بلا راع بأن انفلتت {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهدين} فيه استعمال ضمير الجمع لاثنين. قال داود: لصاحب الحرث رقاب الغنم. وقال سليمان: ينتفع بدَرِّها ونسلها وصوفها إلى أن يعود الحرث كما كان بإصلاح صاحبها فيردّها إليه.
{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)} {ففهمناها} أي الحكومة {سليمان} وحكمهما باجتهاد ورجع داود إلى سليمان وقيل بوحي والثاني ناسخ للأوّل {وَكُلاًّ} منهما {آتَيْنَاهُ حُكْمًا} نبوّة {وَعِلْماً} بأمور الدين {وَسَخَّرْنَا مَعَ داوودالجبال يُسَبِّحْنَ والطير} كذلك سُخِّرا للتسبيح معه لأمره به إذا وَجَدَ فترة لينشط له {وَكُنَّا فاعلين} تسخير تسبيحهما معه، وإن كان عجباً عندكم: أي مجاوبةً للسيد داود.
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)} {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ} وهي الدرع لأنها تلبس، وهو أوّل من صنعها وكان قبلها صفائح {لَّكُمْ} في جملة الناس {لِتُحْصِنَكُمْ} بالنون لله وبالتحتانية لداود، وبالفوقانية للبوس {لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ} حربكم مع أعدائكم {فَهَلْ أَنتُمْ} يا أهل مكة {شاكرون} نعمي بتصديق الرسول؟ أي اشكروني بذلك.
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)} {وَ} سخرنا {لسليمان الريح عَاصِفَةً} وفي آية أخرى {رُخَاءً} [36: 38] أي شديدة الهبوب وخفيفته بحسب إرادته {تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الأرض التى بَارَكْنَا فِيهَا} وهي الشام {وَكُنَّا بِكُلِّ شَئ عالمين} من ذلك علمه تعالى بأنّ ما يعطيه سليمان يدعوه للخضوع لربه، فَفِعْلُه تعالى على مقتضى عِلْمه.
{وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)} {وَ} سخرنا {مِنْ الشياطين مَن يَغُوصُونَ لَهُ} يدخلون في البحر فيُخرجون منه الجواهر لسليمان {وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلك} أي سوى الغوص من البناء وغيره {وَكُنَّا لَهُمْ حافظين} من أن يُفسدوا ما عملوا، لأنهم كانوا إذا فرغوا من عمل قبل الليل أفسدوه إن لم يُشْغَلُوا بغيره.
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} {وَ} اذكر {أَيُّوبَ} ويبدل منه {إِذْ نادى رَبَّهُ} لما ابتلي بفقد جميع ماله وولده وتمزيق جسده وهجر جميع الناس له إلا زوجته سنين ثلاثاً أو سبعاً أو ثماني عشرة وضيق عيشه {أَنِّى} بفتح الهمزة بتقدير الباء {مَسَّنِىَ الضر} أي الشدّة {وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين}.
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} {فاستجبنا لَهُ} نداءَه {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وءاتيناه أَهْلَهُ} أولاده الذكور والإِناث بأن أُحْيُوا له وكل من الصنفين ثلاث أو سبع {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} من زوجته، وزيد في شبابها، وكان له أندر للقمح وأَنْدَرٌ للشعير، فبعث الله سحابتين أفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب، وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض {رَحْمَةً} مفعول له {مِّنْ عِنْدِنَا} صفة {وذكرى للعابدين} ليصبروا فيثابوا.
{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)} {وَ} اذكر {إسماعيل وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل كُلٌّ مّنَ الصابرين} على طاعة الله وعن معاصيه.
{وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)} {وأدخلناهم فِى رَحْمَتِنَا} من النبوّة {إِنَّهُمْ مّنَ الصالحين} لها وسمي ذا الكفل لأنه تكفل بصيام جميع نهاره وقيام جميع ليله وأن يقضي بين الناس ولا يغضب فوفّى بذلك وقيل: لم يكن نبياً.
{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} {وَ} اذكر {ذَا النون} صاحب الحوت وهو يونس بن متّى، ويبدل منه {إِذ ذَّهَبَ مغاضبا} لقومه: أي غضبان عليهم مما قاسى منهم ولم يؤذن له في ذلك {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} أي نقضي عليه بما قضينا من حبسه في بطن الحوت أو نضيّق عليه بذلك {فنادى فِى الظلمات} ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت {أَن} أي بأن {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنِّى كُنتُ مِنَ الظالمين} في ذهابي من بين قومي بلا إذن.
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} {فاستجبنا لَهُ ونجيناه مِنَ الغم} بتلك الكلمات {وكذلك} كما نجيناه {نُنجِى المؤمنين} من كربهم إذا استغاثوا بنا داعين.
{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)} {وَ} اذكر {عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} ويبدل منه {إِذْ نادى رَبَّهُ} بقوله {رَبِّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً} أي بلا ولد يرثني {وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين} الباقي بعد فناء خلقك.
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} {فاستجبنا لَهُ} نداءه {وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى} ولداً {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} فأتت بالولد بعد عقمها {إِنَّهُمْ} أي مَنْ ذُكِرَ من الأنبياء {كَانُواْ يُسَارِعُونَ} يبادرون {فِى الخيرات} الطاعات {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً} في رحمتنا {وَرَهَباً} من عذابنا {وَكَانُواْ لَنَا خاشعين} متواضعين في عبادتهم.
{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)} {وَ} اذكر مريم { التى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} حفظته من أن ينال {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا} أي جبريل حيث نفخ في جيب درعها فحملت بعيسى {وجعلناها وابنها ءَايَةً للعالمين} الإِنس والجنّ والملائكة حيث ولدته من غير فحل.
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)} {إِنَّ هذه} أي ملة الإِسلام {أُمَّتُكُمْ} دينكم أيها المخاطبون: أي يجب أن تكونوا عليها {أُمَّةً وَاحِدَةً} حال لازمة {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاعبدون} وحِّدونِ.
{وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)} {وَتُقَطَّعُواْ} أي بعض المخاطبين {أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي تفرّقوا أمر دينهم متخالفين فيه، وهم طوائف اليهود والنصارى. قال تعالى: {كُلٌّ إِلَيْنَا راجعون} أي فنجازيه بعمله.
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)} {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ} أي لا جحود {لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتبون} بأن نأمر الحفظة بكتبه فنجازيه عليه.
{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)} {وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناهآ} أريد أهلها {أَنَّهُمْ لاَ} زائدة {يَرْجِعُونَ} أي ممتنع رجوعهم إلى الدنيا.
{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)} {حتى} غاية لامتناع رجوعهم {إِذَا فُتِحَتْ} بالتخفيف والتشديد {يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} بالهمز وتركه اسمان أعجميان لقبيلتين، ويُقَدَّر قبله مضاف، أي سدّهما وذلك قرب القيامة {وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ} مرتفع من الأرض {يَنسِلُونَ} يسرعون.
{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)} {واقترب الوعد الحق} أي يوم القيامة {فَإِذَا هِىَ} أي القصة {شاخصة أبصار الذين كَفَرُواْ} في ذلك اليوم لشدّته، يقولون {يَا} للتنبيه {وَيْلَنَا} هلاكنا {قَدْ كُنَّا} في الدنيا {فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هذا} اليوم {بَلْ كُنَّا ظالمين} أنفسنا بتكذيبنا للرسل.
{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} {إِنَّكُمْ} يا أهل مكة {وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} أي غيره من الأوثان {حَصَبُ جَهَنَّمَ} وقودها {أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} داخلون فيها.
{لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)} {لَوْ كَانَ هؤلاءآء} الأوثان {ءَالِهَةً} كما زعمتم {مَّا وَرَدُوهَا} دخلوها {وَكُلٌّ} من العابدين والمعبودين {فِيهَا خالدون}.
{لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)} {لَهُمْ} للعابدين {فِيهَا زَفِيرٌ} صوت شديد {وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ} شيئاً لشدّة غليانها.
{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)} ونزل لما قال ابن الزبعرى: عبد عزير والمسيح والملائكة، فهم في النار على مقتضى ما تقدّم: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا} المنزلة {الحسنى} ومنهم مَنْ ذُكر {أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ}.
{لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)} {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} صوتها {وَهُمْ فِي ماشتهت أَنفُسُهُمْ} من النعيم {خالدون}.
{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)} {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} وهو أن يؤمر بالعبد إلى النار {وتتلقاهم} تستقبلهم {الملائكة} عند خروجهم من القبور يقولون لهم: {هذا يَوْمُكُمُ الذى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} في الدنيا.
{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)} {يَوْمَ} منصوب ب«اذكر» مقدرا قبله {نَطْوِى السمآء كَطَىِّ السجل} اسم مَلَكَ {لِلْكِتَابِ} صحيفة ابن آدم عند موته، واللام زائدة، أو السجل الصحيفة، والكتاب بمعنى المكتوب، واللام بمعنى على وفي قراءة «للكُتُب» جمعاً {كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ} من عدم {نُّعِيدُهُ} بعد إعدامه، فالكاف متعلقة بنعيد وضميره عائد إلى (أوَّل)، وما مصدرية {وَعْداً عَلَيْنَا} منصوب بوعدنا مقدّراً قبله، وهو مؤكد لمضمون ما قبله {إِنَّا كُنَّا فاعلين} ما وعدناه.
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)} {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزبور} بمعنى الكتاب أي كتب الله المنزلة {مِن بَعْدِ الذكر} يعنى أُمّ الكتاب الذي عند الله {إِنَّ الأرض} أرض الجنة {يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصالحون} عامٌّ في كل صالح.
{إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)} {إِنَّ فِى هذا} القرآن {لبلاغا} كفاية في دخول الجنة {لِّقَوْمٍ عابدين} عاملين به.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} {وَمَآ أرسلناك} يا محمد {إِلاَّ رَحْمَةً} أي للرحمة {للعالمين} الإِنس والجنّ بك.
{قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)} {قُلْ إِنَّمَا يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله واحد} أي ما يوحى إليَّ في أمر الإِله إلا وحدانيته {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} منقادون لما يوحى إليَّ من وحدانية الإله والاستفهام بمعنى الأمر.
{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)} {فَإِن تَوَلَّوْاْ} عن ذلك {فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ} أعلمتكم بالحرب {على سَوآءٍ} حال من الفاعل والمفعول: أي مستوين في علمه لا أستبدّ به دونكم لتتأهبوا {وإِن} ما {أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ} من العذاب أو القيامة المشتملة عليه، وإنما يعلمه الله.
{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)} {إِنَّهُ} تعالى {يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول} والفعل منكم ومن غيركم {وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} أَنتم وغيركم من السرّ.
{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)} {وإِن} ما {أَدْرِى لَعَلَّهُ} أي ما أعلمتكم به ولم يعلم وقته {فِتْنَةٌ} اختبار {لَكُمْ} ليُرى كيف صنعكم {ومتاع} تمتع {إلى حِينٍ} أي انقضاء آجالكم، وهذا مقابل للأوّل المترجى بلعل، وليس الثاني محلاً للترجي.
{قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)} {وقَل} وفي قراءة «قال» {رَبِّ احكم} بيني وبين مكذبيَّ {بالحق} بالعذاب لهم أو النصر عليهم، فَعُذِّبُوا بِبَدْرٍ وأُحُدٍ، وحُنَيْن والأحزاب والخندق ونُصِرَ عليهم {وَرَبُّنَا الرحمن المستعان على مَا تَصِفُونَ} من كذبكم على الله في قولكم: {اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً} [116: 2] وعليَّ في قولكم: {ساحرٌ} [4: 38] وعلى القرآن في قولكم: (شعر).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)} {يا أَيُّهَا الناس} يا أهل مكة وغيرهم {اتقوا رَبَّكُمُ} أي عقابه بأن تطيعوه {إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة} أي الحركة الشديدة للأرض التي يكون بعدها طلوع الشمس من مغربها الذي هو قرب الساعة {شَئ عَظِيمٌ} في إزعاج الناس الذي هو نوع من العقاب.
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ} بسببها {كُلُّ مُرْضِعَةٍ} بالفعل {عَمَّا أَرْضَعَتْ} أي تنساه {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ} أي حبلى {حَمْلَهَا وَتَرَى الناس سكارى} من شدّة الخوف {وَمَا هُم بسكارى} من الشراب {ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ} فهم يخافونه.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)} ونزل في النضر بن الحارث وجماعة {وَمِنَ الناس مَن يجادل فِى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ} قالوا: الملائكة بنات الله، والقرآن أساطير الأوّلين، وأنكروا البعث وإحياء من صار ترابا {وَيَتَّبِعُ} في جداله {كُلَّ شيطان مَّرِيدٍ} أي متمرّد.
{كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)} {كُتِبَ عَلَيْهِ} قضي على الشيطان {أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ} أي اتّبعه {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ} يدعوه {إلى عَذَابِ السعير} أي النار.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)} {ياأيها الناس} أي أهل مكة {إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ} شكَ {مّنَ البعث فَإِنَّا خلقناكم} أي أصلكم آدم {مّن تُرَابٍ ثُمَّ} خلقنا ذرّيته {مِن نُّطْفَةٍ} منيّ {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} وهي الدم الجامد {ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ} وهي لحمة قدر ما يمضغ {مُّخَلَّقَةٍ} مصوّرة تامّة الخلق {وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} أي غير تامّة الخلق {لّنُبَيّنَ لَكُمْ} كمال قدرتنا لتستدلوا بها في ابتداء الخلق على إعادته {وَنُقِرُّ} مستأنف {فِى الأرحام مَا نَشَاءُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وقت خروجه {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ} من بطون أُمّهاتكم {طِفْلاً} بمعنى أطفالاً {ثُمَّ} نعمركم {لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} أي الكمال والقوّة وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين سنة {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى} يموت قبل بلوغ الأشدّ {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر} أخسّه من الهرم والخَرَف {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} قال عكرمة: من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة {وَتَرَى الأرض هَامِدَةً} يابسة {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت} تحرّكت {وَرَبَتْ} ارتفعت وزادت {وَأَنبَتَتْ مِن} زائدة {كُلّ زَوْجٍ} صنف {بَهِيجٍ} حَسَن.
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)} {ذلك} المذكور من بدء خلق الإِنسان إلى آخر إحياء الأرض {بِأَنَّ} بسبب أن {الله هُوَ الحق} الثابت الدائم {وَأَنَّهُ يُحْىِ الموتى وَأَنَّهُ علىكل شَئ قَدِيرٌ}.
{وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} {وَأَنَّ الساعة ءاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ} شكّ {فِيهَا وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِى القبور}.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)} ونزل في أبي جهل {ومِنَ الناس مَن يجادل فِى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى} معه {وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ} له نورٌ معه.
{ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)} {ثَانِىَ عِطْفِهِ} حال أي لاوي عنقه تكبراً عن الإِيمان (والعِطف) الجانب عن يمين أو شمال {لِيُضِلَّ} بفتح الياء وضمها {عَن سَبِيلِ الله} أي دينه {لَهُ فِى الدنيا خِزْىٌ} عذاب فقتل يوم بدر {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق} أي الإِحراق بالنار، ويقال له.
{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)} {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} أي قدّمته عبر عنه بهما دون غيرهما لأن أكثر الأفعال تزاوَل بهما {وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام} أي بذي ظلم {لّلْعَبِيدِ} فيعذبهم بغير ذنب.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)} {وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} أي شك في عبادته، شبه بالحالّ على حرف جبل في عدم ثباته {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} صحة وسلامة في نفسه وماله {اطمأن بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} محنة وسقم في نفسه وماله {انقلب على وَجْهِهِ} أي رجع إلى الكفر {خَسِرَ الدنيا} بفوات ما أمِلَه منها {والأخرة} بالكفر {ذلك هُوَ الخسران المبين} البيّن.
{يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)} {يَدْعُو} يعبد {مِن دُونِ الله} من الصنم {مَا لاَ يَضُرُّهُ} إن لم يعبده {وَمَا لاَ يَنفَعُهُ} إن عبده {ذلك} الدعاء {هُوَ الضلال البعيد} عن الحق.
{يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)} {يَدْعُو لَمَنْ} اللام زائدة {ضَرُّهُ} بعبادته {أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} إن نفع بتخيله {لَبِئْسَ المولى} هو أي الناصر {وَلَبِئْسَ العشير} الصاحب هو، وعقب ذكر الشاكّ بالخسران بذكر المؤمنين بالثواب في.
{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)} {إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} من الفروض والنوافل {جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} من إكرام من يطيعه وإهانة من يعصيه.
{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)} {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله} أي محمداً صلى الله عليه وسلم نبيَّه {فِى الدنيا والاخرة فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} بِحَبْل {إِلَى السماء} أي سقف بيته يشدّه فيه وفي عنقه {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} أي ليختنق به بأن يقطع نفسه من الأرض كما في (الصحاح) {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} في عدم نصرة النبي صلى الله عليه وسلم {مَا يَغِيظُ} ه منها؟ المعنى فليختنق غيظاً منها، فلا بدّ منها.
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)} {وكذلك} أي مثل إنزالنا الآية السابقة {أنزلناه} أي القرآن الباقي {ءايات بَيّنَاتٍ} ظاهرات حال {وَأَنَّ الله يَهْدِى مَن يُرِيدُ} هداه معطوف على هاء أنزلناه.
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)} {إِنَّ الذين ءَامَنُواْ والذين هَادُواْ} هم اليهود {والصابئين} طائفة منهم {والنصارى والمجوس والذين أَشْرَكُواْ إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} بإدخال المؤمنين الجنة وإدخال غيرهم النار {إِنَّ الله على كُلِّ شَئ} من عملهم {شَهِيدٌ} عالم به علم مشاهدة.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)} {أَلَمْ تَرَ} تعلم {أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السموات وَمَن فِى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب} أي يخضع له بما يراد منه {وَكَثِيرٌ مّنَ الناس} وهم المؤمنون بزيادة على الخضوع في سجود الصلاة {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب} وهم الكافرون لأنهم أبَوا السجود المتوقف على الإِيمان {وَمَن يُهِنِ الله} يُشْقِه {فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} مُسْعِد {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} من الإِهانة والإِكرام.
{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)} {هذان خَصْمَانِ} أي المؤمنون خصم والكفار الخمسة خصم، وهو يطلق على الواحد والجماعة {اختصموا فِى رَبّهِمْ} أي في دينه {فالذين كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ} يلبسونها، يعني أحيطت بهم النار {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رءُوسِهِمْ الحميم} الماء البالغ نهاية الحرارة.
{يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)} {يُصْهَرُ} يذاب {بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ} من شحوم وغيرها {وَ} تشوى به {الْجُلُودُ}.
{وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)} {وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} لضرب رؤوسهم.
{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)} {كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا} أي النار {مِنْ غَمٍّ} يلحقهم بها {أُعِيدُواْ فِيهَا} ردُوا إليها بالمقامع {وَ} قيل لهم {ذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} أي البالغ نهاية الإِحراق.
{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)} وقال في المؤمنين {إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} بالجرّ أي منهما بأن يرصع الذهب باللؤلؤ وبالنصب عطفاً على محل من أساور {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} هو المحرّم لبسه على الرجال في الدنيا.
{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)} {وَهُدُواْ} في الدنيا {إِلَى الطيب مِنَ القول} وهو لا إله إلا الله {وَهُدُواْ إلى صراط الحميد} أي طريق الله المحمود ودينه.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} طاعته {وَ} عن {المسجد الحرام الذى جعلناه} منسكاً ومتعبداً {لِلنَّاسِ سَوَاء العاكف} المقيم {فِيهِ والباد} الطارئ {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} الباء زائدة {بِظُلْمٍ} أي بسببه بأن ارتكب منهياً، ولو شتم الخادم {نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} مؤلم: أي بعضه. ومن هذا يؤخذ خبر إنّ: أي نذيقهم من عذاب أليم.
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)} {وَ} اذكر {إِذْ بَوَّأْنَا} بيَّنَّا {لإبراهيم مَكَانَ البيت} ليبنيه، وكان قد رفع من زمن الطوفان وأمرناه {أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً وَطَهّرْ بَيْتِىَ} من الأوثان {لِلطَّائِفِينَ والقائمين} المقيمين به {والركع السجود} جمع راكع وساجد: المصلّين.
{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)} {وَأَذّن} نادِ {فِى الناس بالحج} فنادى على جبل أبي قبيس: (يا أيها الناس إنّ ربكم بنى بيتا) وأوجب عليكم الحج إليه فأجيبوا ربكم، والتفت بوجهه يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً، فأجابه كل من كتب له أن يحج من أصلاب الرجال وأرحام الأمّهات: «لبيك اللهم لبيك»، وجواب الأمر {يَأْتُوكَ رِجَالاً} مشاة جمع راجل كقائم وقيام {وَ} ركباناً {على كُلِّ ضَامِرٍ} أي بعير مهزول وهو يطلق على الذكر والأنثى {يَأْتِينَ} أي الضوامر حملاً على المعنى {مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} طريق بعيد.
{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)} {لّيَشْهَدُواْ} أي يحضروا {منافع لَهُمْ} في الدنيا بالتجارة أو في الآخرة أو فيهما، أقوال {وَيَذْكُرُواْ اسم الله فِى أَيَّامٍ معلومات} أي عشر ذي الحجة أو يوم عرفة أو يوم النحر إلى آخر أيام التشريق أقوال {على مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام} الإِبل والبقر والغنم التي تُنحر في يوم العيد، وما بعده من الهدايا والضحايا {فَكُلُواْ مِنْهَا} إذا كانت مستحبة {وَأَطْعِمُواْ البائس الفقير} أي الشديد الفقر.
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} {ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} أي يزيلوا أوساخهم وشعثهم كطول الظفر {وَلْيُوفُواْ} بالتشديد والتخفيف {نُذُورَهُمْ} من الهدايا والضحايا {وَلْيَطَّوَّفُواْ} طواف الإِفاضة {بالبيت العتيق} أي القديم لأنه أوّل بيت وضع للناس.
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)} {ذلك} خبر مبتدأ مقدّر: أي الأمر أو الشأن ذلك المذكور {وَمَن يُعَظّمْ حرمات الله} هي ما لا يحلّ انتهاكه {فَهُوَ} أي تعظيمها {خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ} في الآخرة {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنعام} أكلاً بعد الذبح {إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} تحريمه في {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} [3: 5] الآية فالاستثناء منقطع، ويجوز أن يكون متصلاً والتحريم لما عرض من الموت ونحوه {فاجتنبوا الرجس مِنَ الاوثان} من للبيان أي الذي هو الأوثان {واجتنبوا قَوْلَ الزور} أي الشرك بالله في تلبيتكم أو شهادة الزور.
{حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)} {حُنَفَاء للَّهِ} مسلمين عادلين عن كل دين سوى دينه {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} تأكيد لما قبله وهما حالان من الواو {وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ} سقط {مِنَ السماء فَتَخْطَفُهُ الطير} أي تأخذه بسرعة {أَوْ تَهْوِى بِهِ الريح} أي تسقطه {فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ} بعيد أي فهو لا يرجى خلاصه.
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} {ذلك} يقدّر قبله الأمرُ، مبتدأ {وَمَن يُعَظّمْ شعائر الله فَإِنَّهَا} أي فإن تعظيمها وهي البُدْنَ التي تهدى للحرم بأن تُسْتَحْسَن وتُستسمن {مِن تَقْوَى القلوب} منهم، وسميت شعائر لإِشعارها بما تعرف به أنها هَدْي كطعن حديدة بسنامها.
{لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)} {لَكُمْ فِيهَا منافع} كركوبها والحمل عليها ما لا يضرّها {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وقت نحرها {ثُمَّ مَحِلُّهَا} أي مكان حِلِّ نحرها {إلى البيت العتيق} أي عنده، والمراد الحرم جميعه.
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)} {وَلِكُلّ أُمَّةٍ} أي جماعة مؤمنة سلفت قبلكم {جَعَلْنَا مَنسَكًا} بفتح السين مصدر وبكسرها اسم مكان أي ذبحها قرباناً أو مكانه {لّيَذْكُرُواْ اسم الله على مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام} عند ذبحها {فإلهكم إله واحد فَلَهُ أَسْلِمُواْ} انقادوا {وَبَشّرِ المخبتين} المطيعين المتواضعين.
{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)} {الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ} خافت {قُلُوبُهُمْ والصابرين على مَا أَصَابَهُمْ} من البلايا {والمقيمى الصلاوة} في أوقاتها {وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} يتصدّقون.
{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)} {والبدن} جمع (بَدَنَةَ) وهي: الإِبل {جعلناها لَكُمْ مّن شعائر الله} أعلام دينه {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} نفع في الدنيا كما تقدّم، وأجرٌ في العقبى {فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا} عند نحرها {صَوَافَّ} قائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} سقطت إلى الأرض بعد النحر، وهو وقت الأكل منها {فَكُلُواْ مِنْهَا} إن شئتم {وَأَطْعِمُواْ القانع} الذي يقنع بما يُعطَى ولا يَسأل ولا يتعرّض {والمعتر} السائل أو المتعرّض {كذلك} أي مثل ذلك التسخير {سخرناها لَكُمْ} بأن تُنحر وتركب، وإلا لم تطق {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} إنعامي عليكم.
{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)} {لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا} أي لا يُرفعان إليه {ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ} أي يرفع إليه منكم العمل الصالح الخالص له مع الإِيمان {كذلك سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ} أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه {وَبَشّرِ المحسنين} أي الموحدين.
{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)} {إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين ءامَنُواْ} غوائل المشركين {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ} في أمانته {كَفُورٌ} لنعمته وهم المشركون، المعنى أنه يعاقبهم.
|