الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114)} {وَلَقَدْ مَنَنَّا على موسى وهارون} بالنبوّة.
{وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)} {ونجيناهما وَقَوْمَهُمَا} بني إسرائيل {مِنَ الكرب العظيم} أي استعباد فرعون إياهم.
{وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116)} {ونصرناهم} على القبط {فَكَانُواْ هُمُ الغالبين}.
{وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117)} {وءاتيناهما الكتاب المستبين} البليغ البيان فيما أتى به من الحدود والأحكام وغيرها وهو التوراة.
{وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)} {وهديناهما الصراط} الطريق {المستقيم}.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ (119)} {وَتَرَكْنَا} أبقينا {عَلَيْهِمَا فِى الأخرين} ثناء حسناً.
{سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120)} {سلام} منا {على موسى وهارون}.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121)} {إِنَّا كذلك} كما جزيناهما {نَجْزِى المحسنين}.
{إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)} {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين}.
{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)} {وَإِنَّ إِلْيَاسَ} بالهمزة أوّله وتركه {لَمِنَ المرسلين} قيل هو ابن أخي هارون أخي موسى وقيل غيره، أُرْسِلَ إلى قوم ببعلبك ونواحيها.
{إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124)} {إِذْ} منصوب باذكر مقدّراً {قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ} الله.
{أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)} {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} اسم صنم لهم من ذهب، وبه سمي البلد أيضاً مضافاً إلى بك: أي أتعبدونه {وَتَذَرُونَ} تتركون {أَحْسَنَ الخالقين} فلا تعبدونه.
{اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126)} {الله رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءَابَآئِكُمُ الأولين} برفع الثلاثة على إضمار هو، وبنصبها على البدل من أحسن.
{فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127)} {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} في النار.
{إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128)} {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} أي المؤمنين منهم فإنهم نجوا منها.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129)} {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأخرين} ثناء حسناً.
{سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)} {سلام} منا {على إِلْ يَاسِينَ} قيل هو (إلياس) المتقدّم ذكره، وقيل: هو ومن أمن معه فجمعوا معه تغليباً، كقولهم للمهلب وقومه: المهلبون، وعلى قراءة (آل ياسين) بالمدّ أي أهله: المراد به إلياس أيضاً.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131)} {إِنَّا كذلك} كما جزيناه {نَجْزِى المحسنين}.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)} {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين}.
{وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133)} {وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ المرسلين}.
{إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134)} اذكر {إِذْ نجيناه وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ}.
{إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135)} {إِلاَّ عَجُوزاً فِى الغابرين} أي الباقين في العذاب.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (136)} {ثُمَّ دَمَّرْنَا} أهلكنا {الأخرين} كفار قومه.
{وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137)} {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} على آثارهم ومنازلهم في أسفاركم {مُّصْبِحِينَ} أي وقت الصباح يعني بالنهار.
{وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)} {وباليل أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} يا أهل مكة ما حلّ بهم فتعتبرون به؟.
{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)} {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين}.
{إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)} {إِذْ أَبَقَ} هرب {إِلَى الفلك المشحون} السفينة المملوءة حين غاضبَ قومه لما لم ينزل بهم العذاب الذي وعدهم به، فركب السفينة فوقفت في لجة البحر، فقال الملاحون: هنا عبد آبق من سيده تظهره القرعة.
{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)} {فَسَاهَمَ} قارع أهل السفينة {فَكَانَ مِنَ المدحضين} المغلوبين بالقرعة، فألقوه في البحر.
{فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)} {فالتقمه الحوت} ابتلعه {وَهُوَ مُلِيمٌ} أي آت بما يلام من ذهابه إلى البحر وركوبه السفينة بلا إذن من ربه.
{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)} {فَلَوْلآ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} الذاكرين بقوله كثيراً في بطن الحوت {لآ إله إلآ أَنتَ سبحانك إنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين} [87: 21].
{لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)} {لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} لصار بطن الحوت قبراً له إلى يوم القيامة.
{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)} {فنبذناه} أي ألقيناه من بطن الحوت {بالعرآء} بوجه الأرض: أي بالساحل من يومه أو بعد ثلاثة أو سبعة أيام أو عشرين أو أربعين يوماً {وَهُوَ سَقِيمٌ} عليل كالفرخ الممعط.
{وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)} {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} وهي القرع تظله بساق على خلاف العادة في القرع معجزة له، وكانت تأتيه وعلة صباحاً ومساء ويشرب من لبنها حتى قوي.
{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} {وأرسلناه} بعد ذلك كقبله إلى قومه بنينوى من أرض الموصل {إلى مَاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ} بل {يَزِيدُونَ} عشرين أو ثلاثين أو سبعين ألفاً.
{فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)} {فَئَامِنُواْ} عند معاينة العذاب الموعودين به {فمتعناهم} أي أبقيناهم ممتعين بمالهم {إلى حِينٍ} تنقضي آجالهم فيه.
{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)} {فاستفتهم} استخبر كفار مكة توبيخاً لهم {أَلِرَبِّكَ البنات} بزعمهم أن الملائكة بنات الله {وَلَهُمُ البنون} فيختصون بالأسنى؟
{أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150)} {أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إناثا وَهُمْ شاهدون} خلقنا فيقولون ذلك؟.
{أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151)} {أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ} كذبهم {لَيَقُولُونَ}.
{وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152)} {وَلَدَ الله} بقولهم: الملائكة بنات الله {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} فيه.
{أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)} {اصطفى} بفتح الهمزة للاستفهام، واستغنى بها عن همزة الوصل فحذفت، أي اختار {البنات عَلَى البنين}.
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154)} {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} هذَا الحكم الفاسد؟
{أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155)} {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} بإدغام التاء في الذال، أنه سبحانه وتعالى منزّه عن الولد.
{أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)} {أَمْ لَكُمْ سلطان مُّبِينٌ} حجة واضحة أن لله ولداً.
{فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)} {فَأْتُواْ بكتابكم} التوراة فأروني ذلك فيه {إِن كُنتُمْ صادقين} في قولكم ذلك.
{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)} {وَجَعَلُواْ} أي المشركين {بَيْنَهُ} تعالى {وَبَيْنَ الجنة} أي الملائكة لاجتنابهم عن الأبصار {نَسَباً} بقولهم إنها بنات الله {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة إِنَّهُمْ} أي قائلي ذلك {لَمُحْضَرُونَ} للنار يعذبون فيها.
{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)} {سبحان الله} تنزيهاً له {عَمَّا يَصِفُونَ} بأن لله ولداً.
{إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)} {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} أي المؤمنين استثناء منقطع أي فإنهم ينزِّهون الله تعالى عما يصفه هؤلاء.
{فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161)} {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} من الأصنام.
{مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162)} {مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ} أي على معبودكم، وعليه متعلق بقوله {بفاتنين} أي أحداً.
{إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)} {إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم} في علم الله تعالى.
{وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)} قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم {وَمَا مِنَّآ} معشر الملائكة أحدٌ {إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} في السموات يعبد الله فيه لا يتجاوزه.
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)} {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصآفون} أقدامنا في الصلاة.
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} {وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون} المنزِّهون الله عما لا يليق به.
{وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167)} {وَإِنْ} مخففة من الثقيلة {كَانُواْ} أي كفار مكة {لَيَقُولُونَ}.
{لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168)} {لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً} كتاباً {مِّنَ الأولين} أي من كتب الأمم الماضية.
{لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169)} {لَكُنَّا عِبَادَ الله المخلصين} العبادة له.
{فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)} قال تعالى: {فَكَفَرُواْ بِهِ} أي بالكتاب الذي جاءهم وهو القرآن الأشرف من تلك الكتب {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة كفرهم.
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171)} {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا} بالنصر {لِعِبَادِنَا المرسلين} وهي {لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} [21: 58].
{إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)} أو هي قوله: {إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون}.
{وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)} {وَإِنَّ جُندَنَا} أي المؤمنين {لَهُمُ الغالبون} للكفار بالحجة والنصرة عليهم في الدنيا، وإن لم ينتصر بعض منهم في الدنيا ففي الآخرة.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)} {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أي أعرض عن كفار مكة {حتى حِينٍ} تؤمر فيه بقتالهم.
{وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)} {وَأَبْصِرْهُمْ} إذا نزل بهم العذاب {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} عاقبة كفرهم.
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176)} فقالوا استهزاء: متى نزول هذا العذاب؟ قال تعالى تهديداً لهم. {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ}؟
{فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)} {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} بفنائهم. قال الفراء: العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم {فَسآءَ} بئس صباحاً {صَبَاحُ المنذرين} فيه إقامة الظاهر مقام المضمر.
{وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178)} {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ}.
{وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)} {وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} كرّر تأكيداً لتهديدهم وتسلية له صلى الله عليه وسلم.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)} {سبحان رَبِّكَ رَبِّ العزة} الغلبة {عَمَّا يَصِفُونَ} بأن له ولداً.
{وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)} {وسلام على المرسلين} المبلِّغين عن الله التوحيد والشرائع.
{وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} {والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} على نصرهم وهلاك الكافرين.
{ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} {ص} الله أعلم بمراده به {والقرءان ذِى الذكر} أي البيان أو الشرف، وجواب هذا القسم محذوف أي ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدّد الآلهة.
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)} {بَلِ الذين كَفَرُواْ} من أهل مكة {فِى عِزَّةٍ} حمية وتكبر عن الإِيمان {وَشِقَاقٍ} خلاف وعداوة للنبي صلى الله عليه وسلم.
{كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)} {كَمْ} أي كثيراً {أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ} أي أمّة من الأمم الماضية {فَنَادَوْاْ} حين نزول العذاب بهم {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} أي ليس الحين حين فرار، والتاء زائدة، والجملة حال من فاعل «نادوْا» أي استغاثوا والحال أن لا مهرب ولا منجى، وما اعتبر بهم كفار مكة.
{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4)} {وَعَجِبُواْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ} رسول من أنفسهم ينذرهم ويخوّفهم النار بعد البعث وهو النبي صلى الله عليه وسلم {وَقَالَ الكافرون} فيه وضع الظاهر موضع المضمر {هذا ساحر كَذَّابٌ}.
{أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)} {أَجَعَلَ الألهة إلها واحدا} حيث قال لهم قولوا (لا إله إلا الله) أي كيف يسع الخلق كلهم إله واحد {إِنَّ هذا لَشَئ عُجَابٌ} أي عجيب.
{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)} {وانطلق الملأ مِنْهُمْ} من مجلس اجتماعهم عند أبي طالب وسماعهم فيه من النبي صلى الله عليه وسلم قولوا: لا إله إلا الله {أَنِ امشوا} أي يقول بعضهم لبعض: امشوا {وَاْصْبِرُواْ على ءَالِهَتِكُمْ} اثبتوا على عبادتها {إِنَّ هَذَا} المذكور من التوحيد {لَشَئ يُرَادُ} منا.
{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)} {مَّا سَمِعْنَا بهذا فِى الملة الأخرة} أي ملة عيسى {إن} ما {هاذآ إِلاَّ اختلاق} كذب.
{أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)} {أَءُنزِلَ} بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين وتركه {عَلَيْهِ} على محمد صلى الله عليه وسلم {الذكر} القرآن {مّن بَيْنِنَا} وليس بأكبرنا ولا أشرفنا؟ أي لم يُنْزَلُ عليه؟ قال تعالى {بْل هُمْ فَى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى} وحيي: أي القرآن، حيث كذبوا الجائي به {بَل لَّمَّا} لم {يَذُوقُواْ عَذَابِ} ولو ذاقوه لصدّقوا النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ولا ينفعهم التصديق حينئذ.
{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)} {أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العزيز} الغالب {الوهاب} من النبوّة وغيرها فيعطونها من شاؤوا.
{أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)} {أَمْ لَهُم مٌّلْكُ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} إن زعموا ذلك {فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأسباب} الموصلة إلى السماء فيأتوا بالوحي فيخصوا به مَن شاؤوا. وأَمْ في الموضعين بمعنى همزة الإِنكار.
{جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)} {جُندٌ مَّا} أي جندهم حقير جند {هُنَالِكَ} أي في تكذيبهم لك {مَهْزُومٌ} صفة جند» {مّن الاحزاب} صفة «جند» أيضاً: أي كالأجناد من جنس الأحزاب المتحزبين على الأنبياء قبلك، وأولئك قد قُهروا وأُهلكوا، فكذا نهلك هؤلاء.
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)} {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} تأنيث قوم باعتبار المعنى {وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد} كان يَتِدُ لكلّ من يغضب عليه أربعة أوتاد يشدّ إليها يديه ورجليه ويعذبه.
{وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13)} {وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وأصحاب لئَيْكَةِ} أي الغيضة وهم قوم شعيب عليه السلام {أولئك الأحزاب}.
{إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)} {إن} ما {كُلٌّ} من الأحزاب {إِلاَّ كَذَّبَ الرسل} لأنهم إذا كذبوا واحداً منهم فقد كذبوا جميعهم، لأنّ دعوتهم واحدة، وهي دعوة التوحيد {فَحَقَّ} وجب {عِقَابِ}.
{وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)} {وَمَا يَنظُرُ} ينتظر {هؤلاءآء} أي كفار مكة {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة}، هي نفخة القيامة تحلّ بهم العذاب {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} بفتح الفاء وضمها: رجوع.
{وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)} {وَقَالُواْ} لما نزل {فأما من أوتي كتابه بيمينه} [19: 69] الخ {رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} أي كتاب أعمالنا من (قطَّ الشيء) إذا قطعه، ومعروف في اللغة أن يقال للنصيب (قِطَّ) {قَبْلَ يَوْمِ الحساب} قالوا ذلك استهزاء.
{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)} قال تعالى: {اصبر على مَا يَقُولُونَ واذكر عَبْدَنَا دَاوُدُ ذَا الأيد} أي القوّة في العبادة: كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ويقوم نصف الليل وينام ثلثه ويقوم سدسه {إِنَّهُ أَوَّابٌ} رجّاع إلى مرضاة الله.
{إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)} {إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} بتسبيحه {بالعشى} وقت صلاة العشاء {والإشراق} وقت صلاة الضحى: وهو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوؤها.
{وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)} {وَ} سخرنا {الطير مَحْشُورَةً} مجموعة إليه تسبح معه {كُلٌّ} من الجبال والطير {لَّهُ أَوَّابٌ} رجَّاع إلى طاعته بالتسبيح.
{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)} {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} قوّيناه بالحرس والجنود، وكان يحرس محرابه في كل ليلة ثلاثون ألف رجل {وءاتيءناه الحكمة} النبوّة والإِصابة في الأمور {وَفَصْلَ الخطاب} البيان الشافي في كل قصد.
{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)} {وَهَلْ} معنى الاستفهام هنا التعجيب والتشويق إلى استماع ما بعده {ءاتَاكَ} يا محمد صلى الله عليه وسلم {نَبَؤُا الخصم إِذْ تَسَوَّرُوا المحراب} محراب داود؟ أي مسجده، حيث منعوا الدخول عليه من الباب لشغله بالعبادة، أي خبرهم وقصتهم.
{إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)} {إِذْ دَخَلُواْ على دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ} نحن {خَصْمَانِ} قيل فريقان ليطابق ما قبله من ضمير الجمع. وقيل اثنان، والضمير بمعناهما، والخصم يطلق على الواحد وأكثر وهما ملكان جاءا في صورة خصمين وقع لهما ما ذكر على سبيل الفرض لتنبيه داود عليه السلام على ما وقع منه، وكان له تسع وتسعون امرأة وطلب امرأة شخص ليس له غيرها وتزوّجها ودخل بها {بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ فاحكم بَيْنَنَا بالحق وَلاَ تُشْطِطْ} تَجُرْ {واهدنآ} أرشدنا {إلى سَوَآءِ الصراط} وسط الطريق الصواب.
{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)} {إِنَّ هَذآ أَخِى} أي على ديني {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} يعبر بها عن المرأة {وَلِىَ نَعْجَةٌ واحدة فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} أي اجعلني كافلها {وَعَزَّنِى} غلبني {فِى الخطاب} أي الجدال وأقرّه الآخر على ذلك.
{قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)} {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ} ليضمَّها {إلى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الخلطآء} الشركاء {لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ إلاَّ الذين ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} «ما» لتأكيد القلة، فقال الملكان صاعدين في صورتيهما إلى السماء: قضى الرجل على نفسه، فتنبه داود. قال تعالى؟ {وَظَنَّ} أي أيقن {دَاوُدُ أَنَّمَا فتناه} أوقعناه في فتنة: أي بلية بمحبته تلك المرأة {فاستغفر رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً} أي ساجداً {وَأَنَابَ}.
{فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25)} {فَغَفَرْنَا لَهُ ذلك وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى} أي زيادة خير في الدنيا {وَحُسْنَ مَئَابٍ} مرجع في الآخرة.
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} {مَئَابٍ ياداود إِنَّا جعلناك خَلِيفَةً فِى الأرض} تدبر أمر الناس {فاحكم بَيْنَ الناس بالحق وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى} أي هوى النفس {فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله} أي عن الدلائل الدالة على توحيده {إِنَّ الذين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله} أي عن الإِيمان بالله {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ} بنسيانهم {يَوْمِ الحساب} المرتب عليه تركهم الإِيمان، ولو أيقنوا بيوم الحساب لآمنوا في الدنيا.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)} {وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا باطلا}. أي عبثاً {ذلك} أي خلق ما ذكر لا لشيء {ظَنُّ الذين كَفَرُواْ} من أهل مكة {فَوَيْلٌ} وادٍ {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار}.
{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)} {أَمْ نَجْعَلُ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِى الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار} نزل لما قال كفار مكة للمؤمنين: إنا نعطى في الآخرة مثل ما تعطون. و«أم» بمعنى همزة الإِنكار.
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} {كِتَابٌ} خبر مبتدأ محذوف أي هذا {أنزلناه إِلَيْكَ مبارك لّيَدَّبَّرُواْ} أصله ليتدبروا أدغمت التاء في الدال {ءاياته} ينظروا في معانيها فيؤمنوا {وَلِيَتَذَكَّرَ} يتعظ {أُوْلُواْ الالباب} أصحاب العقول.
{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)} {وَوَهَبْنَا وَوَرِثَ سليمان} ابنه {نِعْمَ العبد} أي سليمان {إِنَّهُ أَوَّابٌ} رجّاع في التسبيح والذكر في جميع الأوقات.
{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)} {إِذْ عُرِضَ بالعشى} هو ما بعد الزوال {الصافنات} الخيل: جمع صافنة، وهي القائمة على ثلاث وإقامة الأخرى على طرف الحافر، وهو من صفن يصفن صفونا {الجياد} جمع جواد وهو السابق: المعنى أنها إذا استوقفت سكنت، وإن ركضت سبقت، وكانت ألف فرس عرضت عليه بعد أن صلى الظهر لإِرادته الجهاد عليها لعدوّ، فعند بلوغ العرض منها تسعمائة غربت الشمس ولم يكن صلى العصر فاغتمّ.
{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)} {فَقَالَ إِنِّى أَحْبَبْتُ} أي أردت {حُبَّ الخير} أي الخيل {عَن ذِكْرِ رَبِّى} أي صلاة العصر {حتى تَوَارَتْ} أي الشمس {بالحجاب} أي استترت بما يحجبها عن الأبصار.
{رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)} {رُدُّوهَا عَلَىَّ} أي الخيل المعروضة فردّوها {فَطَفِقَ مَسْحاً} بالسيف {بالسوق} جمع ساق {والأعناق} أي ذبحها وقطع أرجلها تقرّباً إلى الله تعالى حيث اشتغل بها عن الصلاة وتصدّق بلحمها فعوّضه الله تعالى خيراً منها وأسرع، وهي الريح تجري بأمره كيف شاء.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)} {وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان} ابتليناه بسلب ملكه وذلك لتزوّجه بامرأة هواها وكانت تعبد الصنم في داره من غير علمه، وكان ملكه في خاتمه فنزعه مرة عند إرادة الخلاء ووضعه عند امرأته المسماة بالأمينة على عادته فجاءها جنّيّ في صورة سليمان فأخذه منها {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَداً} هو ذلك الجني وهو (صخر) أو غيره: جلس على كرسي سليمان وعكفت عليه الطير وغيرها فخرج سليمان في غير هيئته فرآه على كرسيه وقال للناس: أنا سليمان فأنكروه {ثُمَّ أَنَابَ} رجع سليمان إلى ملكه بعد أيام بأن وصل إلى الخاتم فلبسه وجلس على كرسيه.
{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)} {قَالَ رَبِّ اغفر لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى} لا يكون {لاِحَدٍ مِّن بَعْدِى} أي سواي، نحو {فمن يهديه من بعد الله} [23: 45] أي سوى الله {إِنَّكَ أَنتَ الوهاب}.
{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)} {فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخآءً} لينة {حَيْثُ أَصَابَ} أراد.
{وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37)} {والشياطين كُلَّ بَنَّآءٍ} يبني الأبنية {وَغَوَّاصٍ} في البحر يستخرج اللؤلؤ.
{وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)} {وَءَاخَرِينَ} منهم {مُقَرَّنِينَ} مشدودين {فِى الأصفاد} القيود بجمع أيديهم إلى أعناقهم.
{هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)} وقلنا له: {هذا عَطَآؤُنَا فامنن} أعط منه من شئت {أَوْ أَمْسِكْ} عن الإِعطاء {بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي لا حساب عليك في ذلك.
{وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (40)} {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَئَابٍ} تقدم مثله.
{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)} {واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّى} أي بأني {مَسَّنِىَ الشيطان بِنُصْبٍ} بضرّ {وَعَذَابٍ} ألم، ونسب ذلك إلى الشيطان وإن كانت الأشياء كلها من الله تأدّباً معه تعالى.
{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)} وقيل له: {اركض} اضرب {بِرِجْلِكَ} الأرض، فضرب فنبعت عين ماء، فقيل {هذا مُغْتَسَلٌ} ماء تغتسل به {بَارِدٌ وَشَرَابٌ} تشرب منه، فاغتسل وشرب فذهب عنه كل داء كان بباطنه وظاهره.
{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43)} {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} أي أحيا الله له من مات من أولاده ورزقه مثلهم {رَحْمَةً} نعمة {مِّنَّا وذكرى} عظة {لأُوْلِى الألباب} لأصحاب العقول.
{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)} {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً} هو حزمة من حشيش أو قضبان {فاضرب بِّهِ} زوجتك، وكان قد حلف ليضربنّها مائة ضربة لإِبطائها عليه يوماً {وَلاَ تَحْنَثْ} بترك ضربها، فأخذ مائة عود من الإِذخر أو غيره فضربها به ضربة واحدة {إِنَّا وجدناه صَابِراً نِّعْمَ العبد} أيوب {إِنَّهُ أَوَّابٌ} رجّاع إلى الله تعالى.
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)} {واذكر عِبَادَنَا إبراهيم وإسحاق وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الأيدى} أصحاب القوى في العبادة {والأبصار} البصائر في الدين. وفي قراءة «عَبْدَنَا» وإبراهيم بيان له، وما بعده عطف على عبدنا.
{إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)} {إِنَّآ أخلصناهم بِخَالِصَةٍ} هي {ذِكْرَى الدار} الآخرة، أي ذكرها والعمل لها. وفي قراءة: بالإِضافة وهي للبيان.
{وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)} {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين} المختارين {الأخيار} جمع «خيّر» بالتشديد.
{وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)} {واذكر إسماعيل واليسع} هو نبيّ، واللام زائدة {وَذَا الكفل} اختلف في نبوَّته، قيل: كفل مائة نبيّ فرّوا إليه من القتل {وَكُلٌّ} أي كلهم {مِّنَ الأخيار} جمع «خيّر» بالتثقيل.
{هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49)} {هذا ذِكْرُ} لهم بالثناء الجميل هنا {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ} الشاملين لهم {لَحُسْنَ مَئَابٍ} مرجع في الآخرة.
{جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)} {جنات عَدْنٍ} بدل أو عطف بيان ل «حسن مآب» {مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب} منها.
{مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)} {مُّتَّكِئِينَ فِيهَا} على الأرائك {يَدْعُونَ فِيهَا بفاكهة كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ}.
{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)} {وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف} حابسات العين على أزواجهنّ {أَتْرَابٌ} أسنانهنّ واحدة: وهي بنات ثلاث وثلاثين سنة.
{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53)} {هذا} المذكور {مَا تُوعَدُونَ} بالغيبة وبالخطاب التفاتاً {لِيَوْمِ الحساب} أي لأجله.
{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} {إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} أي انقطاع والجملة حال من «رِزْقُنا» أو خبر ثان ل «أن» أي دائماً أو دائم.
{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55)} {هذا} المذكور للمؤمنين {وَإِنَّ للطاغين} مستأنف {لَشَرَّ مَئَابٍ}.
{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)} هو {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} يدخلونها {فَبِئْسَ المهاد} الفراش.
{هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)} {هذا} أي العذاب المفهوم مما بعده {فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ} أي ماء حارّ محرق {وَغَسَّاقٌ} بالتخفيف والتشديد: ماء يسيل من صديد أهل النار.
{وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)} {وَءَاخَرُ} بالجمع والإِفراد {مِن شَكْلِهِ} أي مثل المذكور من الحميم والغساق {أزواج} أصناف، أي عذابهم من أنواع مختلفة.
{هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59)} ويقال لهم عند دخولهم النار بأتباعهم {هذا فَوْجٌ} جمع {مُّقْتَحِمٌ} داخل {مَّعَكُمْ} النار بشدّة فيقول المتبوعون {لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} أي لا سعة عليهم {إِنَّهُمْ صَالُو النار}.
{قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)} {قَالُواْ} أي الأتباع {بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوه لَنَا} أي الكفر {فَبِئْسَ القرار} لنا ولكم النار.
{قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)} {قَالُواْ} أيضاً {رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً} أي مثل عذابه على كفره {فِى النار}.
{وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)} {وَقَالُواْ} أي كفار مكة وهم في النار {مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ} في الدنيا {مِّنَ الأشرار}.
{أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)} {أتخذناهم سِخْرِيّاً} بضم السين وكسرها: أي كنا نسخر بهم في الدنيا، والياء للنسب: أي أمفقودون هم؟ {أَمْ زَاغَتْ} مالت {عَنْهُمُ الأبصار} فلم نرهم؟ وهم فقراء المسلمين كعمار وبلال وصهيب وسلمان.
{إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)} {إِنَّ ذلك لَحَقٌّ} واجب وقوعه وهو {تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} كما تقدّم.
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65)} {قُلْ} يا محمد لكفار مكة {إِنَّمآ أَنَاْ مُنذِرٌ} مخوّف بالنار {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله الواحد القهار} لخلقه.
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)} {رَبُّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا العزيز} الغالب على أمره {الغفار} لأوليائه.
{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67)} {قُلْ} لهم {هُوَ نَبَؤٌاْ عَظِيمٌ}.
{أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)} {أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} أي القرآن الذي أنبأتكم به وجئتكم فيه بما لا يعلم إلا بوحي وهو قوله:
{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)} {مَا كَانَ لِىَ مِنْ عِلْمٍ بالملإ الأعلى} أي الملائكة {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} في شأن آدم حين قال الله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِى الارض خَلِيفَةً} [30: 2].
{إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)} {إن} ما {يُوحَى إِلَىَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ} أي إني {نَذِيرٌ مُّبِينٌ} بيِّن الإِنذار.
{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71)} اذكر {إِذْ قَالَ رَبُّكَ للملائكة إِنِّى خالق بَشَراً مِّن طِينٍ} هو آدم.
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)} {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} أتممته {وَنَفَخْتُ} أجريت {فِيهِ مِن رُّوحِى} فصار حياً، وإضافة الروح إليه تشريف لآدم والروح جسم لطيف يحيا به الإِنسان بنفوذه فيه {فَقَعُواْ لَهُ ساجدين} سجود تحية بالانحناء.
{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)} {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} فيه تأكيدان.
{إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)} {إِلاَّ إِبْلِيسَ} هو أبو الجنّ كان بين الملائكة {استكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين} في علم الله تعالى.
{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)} {قَالَ ياإبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} أي توليت خلقه، وهذا تشريف لآدم فإن كل مخلوق تولى الله خلقه {أَسْتَكْبَرْتَ} الآن على السجود؟ استفهام توبيخ {أَمْ كُنتَ مِنَ العالين} المتكبّرين فتكبرت عن السجود لكونك منهم.
{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)} {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.
{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)} {قَالَ فاخرج مِنْهَا} أي من الجنة، وقيل: من السموات {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} مطرود.
{وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)} {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إلى يَوْمِ الدين} الجزاء.
{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)} {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي الناس.
{قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80)} {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين}.
{إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81)} {إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} وقت النفخة الأولى.
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)} {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}.
{إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)} {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} أي المؤمنين.
{قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)} {قَالَ فالحق والحق أَقُولُ} بنصبهما ورفع الأوّل ونصب الثاني، فنصبه بالفعل بعده، ونصب الأول قيل بالفعل المذكور، وقيل على المصدر: أي أحق الحق، وقيل على نزع حرف القسم، ورفعه على أنه مبتدأ محذوف الخبر: أي فالحق مني، وقيل: فالحق قسمي، وجواب القسم.
{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)} {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ} بذرّيتك {وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} أي من الناس {أَجْمَعِينَ}.
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} {قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على تبليغ الرسالة {مِنْ أَجْرٍ} جُعل {وَمَآ أَنَا مِنَ المتكلفين} المتقوّلين القرآن من تلقاء نفسي.
{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)} {إِنْ هُوَ} أي ما القرآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} موعظة {للعالمين} للإِنس والجنّ العقلاء دون الملائكة.
{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)} {وَلَتَعْلَمُنَّ} يا كفار مكة {نَبَأَهُ} خبر صدقه {بَعْدَ حِينِ} أي يوم القيامة، وعلم بمعنى: عرف واللام قبلها لام قسم مقدَّر: أي والله.
{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)} {تَنزِيلُ الكتاب} القرآن مبتدأ {مِنَ الله} خبره {العزيز} في ملكه {الحكيم} في صنعه.
{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)} {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ} يا محمد {الكتاب بالحق} متعلق بأنزل {فاعبد الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين} من الشرك: أي موحداً له.
{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)} {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص} لا يستحقه غيره {والذين اتخذوا مِن دُونِهِ} الأصنام {أَوْلِيَاء} وهم كفار مكة قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} قربى مصدر بمعنى تقريباً {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} وبين المسلمين {فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ كاذب} في نسبة الولد إلى الله {كَفَّارٌ} بعبادته غير الله.
{لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)} {لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} كما قالوا {اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولداً} [26: 21 88: 19] {لاصطفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} واتخذه ولداً غير من قالوا: إنّ الملائكة بنات الله و{عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ} [30: 9] {المَسِيِحُ ابْنُ اللهِ} [30: 9] {سبحانه} تنزيهاً له عن اتخاذ الولد {هُوَ الله الواحد القهار} لخلقه.
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)} {خَلَقَ السموات والأرض بالحق} متعلق بخلق {يُكَوّرُ} يدخل {اليل علىلنهار} فيزيد {وَيُكَوّرُ النهار} يدخله {عَلَى اليل} فيزيد {وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِى} في فلكه {لأَجَلٍ مُّسَمًّى} ليوم القيامة {أَلاَ هُوَ العزيز} الغالب على أمره المنتقم من أعدائه {الغفار} لأوليائه.
{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)} {خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة} أي آدم {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} حوَّاء {وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنعام} الإِبل والبقر والغنم الضأن والمعز {ثمانية أزواج} من كلِ زوجين ذكراً وأنثى كما بيَّن في سورة (الأنعام) [143: 6] {يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أمهاتكم خَلْقاً مّن بَعْدِ خَلْقٍ} أي نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً {فِى ظلمات ثلاث} هي ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك لا إله إِلاَّ هُوَ فأنى تُصْرَفُونَ} عن عبادته إلى عبادة غيره؟
{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)} {إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنكُمْ وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر وَإِن تَشْكُرُواْ} وإن أراده من بعضهم الله فتؤمنوا {يَرْضَهُ} بسكون الهاء وضمها مع إشباع ودونه: أي الشكر {لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ} نفس {وازرة وِزْرَ} نفس {أخرى} أي لا تحمله {ثُمَّ إلى رَبّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} بما في القلوب.
{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)} {وَإِذَا مَسَّ الإنسان} أي الكافر {ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ} تضرّع {مُنِيباً} راجعاً {إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً} أعطاه إنعاماً {مِّنْهُ نَسِىَ} ترك {مَا كَانَ يَدْعُو} يتضرّع {إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} وهو الله، فما في موضع من {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً} شركاء {لِيُضِلَّ} بفتح الياء وضمها {عَن سَبِيلِهِ} دين الإِسلام {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً} بقية أجلك {إِنَّكَ مِنْ أصحاب النار}.
{أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} {أَمَّنْ} بتخفيف الميم {هُوَ قانت} قائم بوظائف الطاعات {ءَاناءَ اليل} ساعاته {ساجدا وَقَائِماً} للصلاة {يَحْذَرُ الاخرة} أي يخاف عذابها {وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ} جنة {رَبَّهِ} كمن هو عاصٍ بالكفر أو غيره؟ وفي قراءة «أَمْ مَنْ» فأم بمعنى بل والهمزة {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} أي لا يستويان كما لا يستوي العالم والجاهل {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} يتعظ {أُوْلُواْ الألباب} أصحاب العقول.
{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} {قُلْ ياعبادالذين ءَامَنُواْ اتقوا رَبَّكُمْ} أي عذابه بأن تطيعوه {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هذه الدنيا} بالطاعة {حَسَنَةٌ} هي الجنة {وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ} فهاجروا إليها من بين الكفار ومشاهدة المنكرات {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون} على الطاعة وما يبتلون به {أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} بغير مكيال ولا ميزان.
{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)} {قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين} من الشرك.
{وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)} {وَأُمِرْتُ لأَنْ} أي بأن {أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين} من هذه الأُمَّة.
{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)} {قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)} {قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى} من الشرك.
{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)} {فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مّن دُونِهِ} غيره، فيه تهديد لهم وإيذان بأنهم لا يعبدون الله تعالى {قُلْ إِنَّ الخاسرين الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة} بتخليد الأنفس في النار وبعدم وصولهم إلى الحور المعدَّة لهم في الجنة لو آمنوا {أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخسران المبين} البيِّن.
{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)} {لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ} طباق {مّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} من النار {ذلك يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ} أي المؤمنين ليتقوه يدل عليه {ياعبادفاتقون}.
{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)} {والذين اجتنبوا الطاغوت} الأوثان {أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُواْ} أقبلوا {إِلَى الله لَهُمُ البشرى} بالجنة {فَبَشِّرْ عِبَادِ}.
{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} {الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وهو ما فيه فلاحهم {أولئك الذين هَدَاهُمُ الله وأولئك هُمْ أُوْلُواْ الألباب} أصحاب العقول.
{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)} {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب} أي {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ} [119: 11] الآية {أَفَأَنتَ تُنقِذُ} تخرج {مَن فِى النار} جواب الشرط وأقيم فيه الظاهر مقام المضمر والهمزة للإِنكار، والمعنى لا تقدر على هدايته فتنقذه من النار.
{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)} {لَكِنِ الذين اتقوا رَبَّهُمْ} بأن أطاعوه {لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} أي من تحت الغرف الفوقانية والتحتانية {وَعْدَ الله} منصوب بفعله المقدّر {لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد} وعده.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)} {أَلَمْ تَرَ} تعلم {أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ} أدخله أمكنة نبع {فِى الأرض ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ} ييبس {فَتَرَاهُ} بعد الخضرة مثلاً {مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حطاما} فتاتاً {إِنَّ فِى ذَلِكَ لذكرى} تذكيرا {لاِوْلِى الألباب} يتذكرون به لدلالته على وحدانية الله تعالى وقدرته.
{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)} {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلام} فاهتدى {فَهُوَ على نُورٍ مّن رَّبّهِ} كمن طبع على قلبه؟ دلَّ على هذا {فَوَيْلٌ} كلمة عذاب {للقاسية قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ الله} أي عن قبول القرآن {أُوْلَئِكَ فِى ضلال مُّبِينٍ} بيِّن.
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كتابا} بدل من أحسن أي قرآناً {متشابها} أي يشبه بعضه بعضاً في النظم وغيره {مَّثَانِيَ} يُثَنَّى فيه الوعد والوعيد وغيرهما {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ} ترتعد عند ذكر وعيده {جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ} يخافون {رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ} تطمئنّ {جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله} أي عند ذكر وعده {ذلك} أي الكتاب {هُدَى الله يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.
{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)} {أَفَمَن يَتَّقِى} يلقى {بِوَجْهِهِ سُوءَ العذاب يَوْمَ القيامة} أي أشدّه بأن يلقى في النار مغلولة يداه إلى عنقه كمن أمن منه بدخول الجنة {وَقِيلَ للظالمين} أي كفار مكة {ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} أي جزاءه.
{كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25)} {كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} رسلهم في إتيان العذاب {فأتاهم العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} من جهة لا تخطر ببالهم.
{فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26)} {فَأَذَاقَهُمُ الله الخزى} الذلّ والهوان من المسخ والقتل وغيره {فِي الحياة الدنيا وَلَعَذَابُ الأخرة أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ} أي المكذبون {يَعْلَمُونَ} عذابها ما كذبوا.
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)} {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا} جعلنا {لِلنَّاسِ فِى هذا القرءان مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يتعَّظون.
{قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)} {قُرْءَاناً عَرَبِيّاً} حال مؤكدة {غَيْرَ ذِى عِوَجٍ} أي لبس واختلاف {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الكفر.
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)} {ضَرَبَ الله} للمشرك والموحِّد {مَثَلاً رَّجُلاً} بدل من مثلاً {فِيهِ شُرَكَاءُ متشاكسون} متنازعون سيئة أخلاقهم {وَرَجُلاً سَلَماً} خالصاً {لّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} تمييز: أي لا يستوي العبد لجماعة والعبد لواحد، فإنّ الأوّل إذا طلب منه كل من مالكيه خدمته في وقت واحد تحيَّر فيمن يخدمه منهم وهذا مثل للمشرك، والثاني مثل للموحِّد {الحمد للَّهِ} وحده {بَلْ أَكْثَرُهُمْ} أي أهل مكة {لا يَعْلَمُونَ} ما يصيرون إليه من العذاب فيشركون.
|