الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***
{وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)} {مَنَافِعُ} لباس أصوافها {وَمَشَارِبُ} ألبانها. {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)} {جُندٌ} شيعة، أو أعوان أي المشركون جند الأصنام {مُحْضَرُونَ} في النار، أو عند الحساب، أو في الدفع عن الأصنام وهي لا تدفع عنهم. قال قتادة: كانوا في الدنيا يغضبون لآلهتهم إذا ذُكرت بسوء وآلهتهم لا تنصرهم. {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)} {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ} أُبي بن خلف جادل في البعث، أو العاص بن وائل أخذ عظماً من البطحاء ففته بيده ثم قال يا محمد: أيحيي هذا الله بعد ما بلى. قال: نعم يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم فنزلت «ع» {خَصِيمٌ} مجادل {مُّبِينٌ} حجة، يجوز أن يذكِّره بذلك نعمه، أو يدله به على قدرته على البعث. {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)} {مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ} الذي قدر على إخراج النار من الشجر مع ما بينهما من التضاد قادر على البعث. قيل تُقدح النار من كل شجر إلا العناب وقيل الشجر محمد صلى الله عليه وسلم والنار الهدى والنور الذي جاء به {تُوقِدُونَ} تقتبسون الدين. {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} {أَن يَقُولَ لَهُ كُن} بأمره فيوجد، أو ليس في كلامهم أخف ولا أسرع من كن فجعلها مثلاً لأمره في السرعة. {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} {مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ} خزائنه، أو ملكه وفيه مبالغة. {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1)} {وَالصَّآفَّاتِ} الملائكة صُفُوفاً في السماء، أو في الصلاة عند ربهم «ح» أو صافة أجنحتها في الهواء قائمة حتى يأمرها الله تعالى بما يريد، أو هم عباد السماء أو جماعة المؤمنين صافِّين في الصلاة والقتال. {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2)} {فَالزَّاجِرَاتِ} الملائكة لزجرها السحاب، أو عن المعاصي، أو آيات القرآن الزواجر الأمر والنهي التي زجر الله تعالى بهما عباده. {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)} {فَالتَّالِيَاتِ} الملائكة تقرأ كتب الله، أو الأنبياء يتلون الذكر على أُممهم «ع» أو ما يُتلى في القرآن من أخبار الأُمم السالفة. أقسم بذلك، أو برب ذلك تعظيماً له فحذف. {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)} {رَّبُّ السَّمَاوَاتِ} خالقها، أو مالكها {الْمَشَارِقِ} مشارق الشمس صيفاً وشتاء مائة وثمانون مشرقاً تطلع كل يوم في مطلع فتنتهي إلى آخرها ثم ترجع في تلك المطالع حتى تعود إلى أولها قاله السدي وهو بعيد. {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)} {وَحِفْظاً} للسماء من كل شيطان مارد، أو جعلنا من الكواكب حفظاً من كل شيطان قاله السدي {مَّارِدٍ} متجرد من الخير. {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)} {لا يَسَّمَّعُونَ} منعوا من السمع والتسمع، أو يتسمعون ولا يسمعون «ع» {الْمَلإِ الأَعْلَى} السماء الدنيا، أو الملائكة {وَيُقْذَفُونَ} يرمون من كل مكان. {دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)} {دُحُوراً} قذفاً بالنار، أو طرداً بالشهب، أو الدحور الدفع بعنف. {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)} {خَطِفَ الْخَطْفَةَ} وثب الوثبة «ع»، أو استرق السمع. {شِهَابٌ} نجم {ثَاقِبٌ} مضيء، أو ماضي، أو محرق، أو يثقب، أو يستوقد من قولهم أثقب زندك أي استوقد نارك. {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)} {فَاسْتَفْتِهِمْ} فحاجهم، أو سلهم من استفتاء المفتي {أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} السماوات والأرض والجبال، أو السموات والملائكة، أو الأمم الماضية هلكوا وهم أشد خلقاً من هؤلاء {طِينٍ لاَّزِبٍ} «خلق آدم من ماء وتراب ونار»، أو لزج، أو لاصق، أو لازق وهو الذي لزق بما أصابه واللاصق الذي يلصق بعضه ببعض، أو اللازب واللازم بمعنى قيل نزلت في ركانة بن عبد يزيد وأبي الأشد بن [أسيد بن كلاب الجحمي]. {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)} {بل عجبتُ} أنكرت، أو حلوا محل من يتعجب منه لأن الله تعالى لا يتعجب إذ التعجب بحدوث العلم بما لم يعلم وبالفتح عجبت يا محمد من القرآن حين أُعطيته، أو من الحق الذي جاءهم فلم يقبلوه {وَيَسْخَرُونَ} من الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم، أو من القرآن إذا تلي عليهم. {وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13)} {لا يَذْكُرُونَ} لا ينتفعون، أو لا يبصرون. {وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)} {يَسْتَسْخِرُونَ} يستهزئون قيل ذلك في ركانه وأبي الأشد. {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)} «{دَاخِرُونَ} صاغرون». {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)} {زَجْرَةٌ} صيحة أي النفخة الثانية. {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)} {الدِّينِ} الجزاء، أو الحساب. {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)} {يَوْمُ الْفَصْلِ} بين الحق والباطل، أو القضاء بين الخلق. {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22)} {وَأَزْوَاجَهُمْ} أشباههم المرابي مع المرابين والزاني مع الزناة وشارب الخمر مع شاربيه، أو قرناءهم «ع»، أو أشياعهم، أو نساؤهم الموافقات على الكفر. {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ} إبليس، أو الشياطين، أو الأصنام. {مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)} {فَاهْدُوهُمْ} دلوهم، أو وجهوهم، أو ادعوهم و{صِرَاطِ الْجَحِيمِ} طريق النار. {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} {مَّسْئُولُونَ} عن قول لا إله إلا الله، أو عما دعوا إليه من بدعة مأثور أو عن جلسائهم، أو عن ولاية علي، أو محاسبون، أو مسئولون بقوله {مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} [الصافات: 25] توبيخاً وتقريعاً. {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25)} {لا تَنَاصَرُونَ} لا ينصر بعضكم بعضاً، أو لا يمنع بعضكم بعضاً عن دخول النار، أو لا يتبع بضعكم بعضاً في النار يعني العابد والمعبود. {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)} {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} عام «ع»، أو أقبل الإنس على الجن، {يَتَسَآءَلُونَ} يتلاومون، أو يتوانسون. {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)} {إِنَّكُمْ كُنتُمْ} قاله الإنس والجن، أو الضعفاء للمستكبرين «ع» {عَنِ الْيَمِينِ} تقهروننا بالقوة «ع» واليمين القوة، أو من قبل ميامنكم، أو من قبل الخير فتصدونا عنه «ح»، أو من حيث نأمنكم، أو من قبل الدين، أو من قبل النصيحة واليُمْن، والعرب تتيمن بما جاء عن اليمين، أو من قبل الحق. {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45)} {بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} الخمر الجاري، أو الذي لم يعصر، والماء المعين هو الظاهر للعيون، أو الشديد الجري من قولهم أمعن في كذا إذا اشتد دخوله فيه. {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)} {غَوْلٌ} صداع «ع»، أو وجع البطن، أو أدنى مكروه، أو إثم، أو لا تغتال عقولهم {يُنزَفُونَ} لا تنزف عقولهم ولا يذهب حلمهم بالسكر، أو لا يبولون «ع» برأ الله خمرهم عن السكر والبول والصداع والقيء بخلاف خمر الدنيا، أو لا تفنى خمرهم من نزف الركيَّة، بفتح الزاي ذهاب العقل وبكسرها فناء الخمر. {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48)} {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} قصرن نظرهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى سواهم واقتصر على كذا قنع به وعدل عن غيره {عِينٌ} حسان الصور، أو عظام الأعين. {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)} {بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} لؤلؤ في صدفة «ع»، أو بيض مصون في قشره شبهن ببيض النعام يكنه الريش من الغبار والريح فهو أبيض إلى الصفرة، أو شبههن ببطن البيض إذا لم تناله يد أو شبههن ببياضه حين ينزع قشره أو بالحساء الذي يكون بين قشر البيضة العليا ولبابها. {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)} {يَتَسَآءَلُونَ} يسأل أهل الجنة كما يسأل أهل النار. {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)} {قَرِينٌ} في الدنيا شيطان يغويه فلا يطيعه، أو شريك له يدعوه إلى الكفر فلا يجيبه «ع»، أو الأخوان المذكوران في سورة الكهف. {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53)} {لَمَدِينُونَ} محاسبون، أو مجازون «ع». {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)} {قَالَ هَلْ} قال لأهل الجنة، أو الملائكة هل أنتم {مُّطَّلِعُونَ} في النار. {فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)} {سَوَآءِ الْجَحِيمِ} وسطها سمي الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب قال قتادة: فوالله لولا أن الله تعالى عَرَّفه إياه لما كان يعرفه لقد تغير حِبْره وسِبْره يعني حسنه وتخطيطه. {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56)} {قَالَ تَاللَّهِ} قاله المؤمن لقرينه الكافر {لَتُرْدِينِ} لتباعدني من الله تعالى، أو لتهلكني لو أطعتك. {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)} {نِعْمَةُ رَبِّى} بالإيمان. {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)} {نُّزُلاً} النزل الرزق الواسع أصله الطعام الذي يصلح أن ينزلوا معه {شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} قوت أهل النار مرة الثمرة خشنة اللمس منتنة الريح، ولما نزلت قال [كفار] قريش ما نعرف هذه الشجرة وقال ابن الزِّبَعْرَى الزقوم رطب البربر والزبد فقال أبو جهل يا جارية أبغينا تمراً وزبداً ثم قال لأصحابه تزقموا هذا الذي يوعدنا محمد بالنار. {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)} {فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ} بما ذكرنا أنهم قالوه فيها، أو شدة عذاب لهم. {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)} {تَخْرُجُ فِى أَصْلِ الْجَحِيمِ} وصفها بذلك لاختلافهم فيها قال قطرب: الزقوم من خبيث النبات وهو كل طعام قتال، أو أعلمهم بذلك جواز بقائها في النار لأنها تنبت فيها قيل تنبت في الباب السادس وتحي بلهب النار كما تحي أشجارنا بالماء. {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)} {رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} شبهها بها لاستقباحها في النفوس وإن لم تشاهد قال: امرؤ القيس: أيقتلنِي والمَشرفيُّ مُضاجِعي *** وَمسنُونةٌ زُرْقٌ كأنيابِ أغوالِ شبهها بالأغوال وإن لم ترها الناس، أو شبهها بحية قبيحة الرأس يسميها العرب شيطاناً، أو أراد شجراً بين مكة والمدينة سمي رؤوس الشياطين. {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)} {لَشَوْباً} مزاجاً {مِّنْ حَمِيمٍ} الحار الداني من الإحراق وسمي القريب حميماً لقربه من القلب والمحموم لقرب حرارته من الإحراق. أحم الله ذلك من لقاء ***........................... أي قَرَّبه، فيمزج الزقوم بالحميم لتجمع حرارة الحميم ومرارة الزقوم. {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)} {مَرْجِعَهُمْ} مأواهم في النار، أو يدل على أنهم إذا أكلوا الزقوم وشربوا الحميم ليسوا في النار بل في عذاب آخر، أو مرجعهم بعد أكل الزقوم إلى عذاب الجحيم، والجحيم: النار الموقدة، أو هم في النار {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44] ثم يرجعون إلى مواضعهم. {فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)} {يُهْرَعُونَ} يُسرعون الإهراع: إسراع المشي برعدة، أو يُستحثون من خلفهم، أو يُزعجون إلى الإسراع. {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)} {نَادَانَا} دعانا على قومه بالهلاك لما يئس من إيمانهم ليطهر الأرض منهم، أو ليكونوا عبرة لغيرهم ممن بعدهم. {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)} {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} كانوا ثمانية. نوح وأولاده الثلاثة وأربع نسوة {الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} أذى قومه، أو غرق الطوفان. {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)} {هُمُ الْبَاقِينَ} فالناس كلهم من ذريته العرب والعجم أولاد سام والروم والترك والصقالبة أولاد يافث والسودان أولاد حام «ع». {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78)} {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأَخِرِينَ} الثناء الحسن، أو لسان صدق للأنبياء كلهم، أو قوله {سَلاَمٌ على نُوحٍ فِي العالمين} [الصافات: 79]. {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)} {شِيعَتِهِ} من أهل دينه، أو على سنته ومنهاجه يعني إبراهيم من شيعة نوح، أو شيعة محمد صلى الله عليه وسلم قيل الشيعة الأعوان أخذ من الأشياع الحطب الصغار يوضع مع الكبار لتعين على وقودها. {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)} {سَلِيمٍ} من الشك «أو ناصح لله تعالى في خلقه، أو الذي يحب للناس ما يحب لنفسه وسلم الناس من غشه وظلمه وأسلم لله تعالى بقلبه ولسانه»، أو مخلص، أو لا يكون لعاناً. {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)} {فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ} استدل بها على وقت حمى كانت تأتيه، أو سقيم فيما في عنقي من الموت، أو بما أرى من قبح عبادتكم لغير الله تعالى، أو سقيم لعلة عرضت له، أو أرسل إليه ملكهم بأن يخرج معهم من الغد إلى عيدهم فنظر إلى نجم فقال إن هذا النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقمي فكابد نبي الله صلى الله عليه وسلم عن دينه، سقيم: أي طعين وكانوا يفرون من المطعون وهذه خطيئته التي قال اغفر لي خطيئتي يوم الدين وعدها الرسول صلى الله عليه وسلم من كذبه في ذات الله. {فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)} {فَرَاغَ إِلَى ءَالِهَتِهِمْ} ذهب، أو مال إليهم، أو أقبل عليهم، أو أحال عليهم {أَلا تأْكُلُونَ} استهزاء بهم، أو وجدهم خرجوا إلى العيد وجعلوا لأصنامهم طعاماً كثيراً فقال لها ألا تأكلون تجهيلاً لمن عبدها وتعجيزاً لها. {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)} {بِالْيَمِينِ} اليد اليمنى لأن ضربها أشد، أو باليمين التي حلفها في قوله {وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] أو اليمين القوة وقوة النبوة أشد. {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)} {يَزِفُّونَ} يجرون «ع»، أو يسعون، أو يتسللون، أو يرعدون غضباً، أو يختالون وهو مشية الخيلاء ومنه أخذ زفاف العروس إلى زوجها، «وقوله يتسللون حال بين المشي والعدو ومنه زفيف النعامة لأنه بين المشي والعدو». {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)} {الأَسْفَلِينَ} في الحجة، أو في جهنم، أو المهلكين لأن الله تعالى عقب ذلك بهلاكهم، أو المقهورين لخلاصه من كيدهم فما أحرقت النار إلا وثاقه وما انتفع بها يومئذ أحد من الناس وكانت الدواب كلها تطفىء النار عنه إلا الوزغ فإنه كان ينفخها عليه فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتقله. {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)} {ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى} منقطع إليه بالعبادة، أو ذاهب إليه بقلبي وديني وعملي، أو مهاجر إليه بنفسي من أرض العراق وهو أول من هاجر من الخلق مع لوط وسارة إلى حران، أو الشام. {سَيَهْدِينِ} إلى طريق الهجرة، أو الخلاص من النار، أو إلى قول حسبي الله عليه توكلت. {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} {بِغُلامٍ} إسماعيل، أو إسحاق {حَلِيمٍ} وقور. {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)} {السَّعْىَ} مشى معه، أو العمل، أو العبادة، أو العمل الذي تقوم به الحجة وكان ابن ثلاث عشرة سنة {أَرَى فِى الْمَنَامِ} قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «رؤيا الأنبياء وحي» {مَاذَا تَرَى} من صبرك وجزعك، أو قاله امتحاناً لصبره على أمر الله تعالى ولم يقل ذلك استشارة. {مِنَ الصَّابِرِينَ} على القضاء، أو الذبح. فوجده صادق الطاعة سريع الإجابة قوي الدين. {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)} {أَسْلَمَا} اتفقا على أمر واحد، أو سلما لأمر الله تعالى فسلم إسحاق نفسه لله تعالى وسلم إبراهيم أمره لله تعالى {وَتَلَّهُ} صرعه على جبينه «ع» فالجبين ما عن يمين الجبهة وشمالها، أو أكبه لوجهه، أو وضع جبينه على تل قال إسحق: «يا أبتِ إذبحني وأنا ساجد ولا تنظر إلى وجهي فقد ترحمني فلا تذبحني». {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)} {صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ} عملت بما رأيته في النوم وكان رأى أنه قعد منه مقعد الذابح ينتظر الأمر بإمضاء الذبح ففعل ذلك، أو رأى أنه أمر بذبحه بشرط التمكين فلم يمكن وكان كلما اعتمد بالشفرة انقلبت وجُعل على حلقه صفيحة من نحاس، أو رأى أنه ذبحه وفعل ذلك فوصل إلى الأوداج بلا فصل، والذبيح «إسحاق» بن سارة كان له سبع سنين وكان مذبحه من بيت المقدس على ميلين ولدته سارة ولها تسعون سنة ولما علمت ما أراد بإسحاق بقيت يومين وماتت في الثالث، أو إسماعيل مذبحه بمنى عند الجمار التي رُمي إبليس منها في كل جمرة بسبع حصيات فَجمر بين يديه أي أسرع فسميت جماراً، أو ذبحه على الصخرة التي بأصل الجبل بمنى. {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)} {الْبَلآؤُاْ الْمُبِينُ} الاختبار العظيم، أو النعمة البينة. {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} {بِذِبْحٍ} كبش من غنم الدنيا «ح»، أو كبش نزل من الجنة وهو الذي قربه أحد ابني آدم فتقبل منه «ع»، أو كبش رعى في الجنة أربعين خريفاً، أو تيس من الأروى أُهبط عليهما من ثبير «ح» والذِبح المذبوح وبالفتح فعل الذبح {عَظِيمٍ} لرعيه في الجنة «ع»، أو لأنه ذبح بحق «ح»، أو لأنه متقبل. {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108)} {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأَخِرِينَ} الثناء الحسن، أو أن يقال {سَلاَمٌ على إِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 109]. {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)} {إِلْيَاسَ} إدريس «ع»، أو نبي من ولد هارون وجوز قوم أن يكون إلياس بن مضر. {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)} {بَعْلاً} رباً بلغة أزد شنوءة وسمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رجلاً من أهل اليمن يسوم ناقة بمنى فقال من بعل هذه؟ أي ربها، أو صنم اسمه بعل كانوا يعبدونه وبه سميت بعل بك، أو امرأة كانوا يعبدونها {أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} أحسن من قيل له خالق، أو أحسن الصانعين لأن الناس يصنعون ولا يخلقون. {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)} {إِلْ يَاسِينَ} جمع يدخل فيه جميع إلياسين، أو زاد في إسم إلياس لأنهم يغيرون الأسماء الأعجمية بالزيادة كميكال وميكائيل {إل ياسين} تسليم على آله دونه وأضافهم إليه تشريفاً له، أو هو إلياس فقيل ياسين لمؤاخاة الفواصل كطور سيناء وطور سينين، أو دخلت للجمع فيكون داخلاً في جملتهم. {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135)} {الْغَابِرِينَ} الهلكى، أو الباقين من الهلكى، أو الباقين في عذاب الله، أو الماضين في العذاب. {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)} {يُونُسَ} بعثه الله تعالى إلى نينوى من أرض الموصل بشاطىء دجلة. {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)} {أَبَقَ} فر، والآبق المار إلى حيث لا يعلم به وكان أنذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا وجعل علامته خروجه من بنيهم فلما خرج جاءتهم ريح سوداء فخافوا فدعوا الله تعالى بأطفالهم وبهائمهم فصرف الله تعالى عنهم العذاب فخرج مكايداً لقومه مغاضباً لدين ربه فركب في سفينة موقرة فلما استثقلت خافوا الغرق لريح عصفت بهم «ع» أو لحوت عارضهم فقالوا فينا مذنب لا ننجوا إلا بإلقائه فاقترعوا فخرجت القرعة عليه فألقوه فَأَمِنوا. {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)} {فَسَاهَمَ} قارع بالسهام {الْمُدْحَضِينَ} المقروعين، أو المغلوبين. {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)} {مُلِيمٌ} مسيء مذنب «ع»، أو يلوم نفسه على ما صنع، أو يلام على ما صنع. {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)} {الْمُسَبِّحِينَ} المصلين «ع»، أو القائلين {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ} الآية [الأنبياء: 87]، أو العابدين، أو التائبين. {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)} {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} إلى القيامة فيصير بطن الحوت قبراً له والتقمه ضُحىً ولفظه عشية، أو بعد ثلاثة أيام، أو سبعة، أو أربعين. {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)} {بِالْعَرَآءِ} بالساحل «ع» أو الأرض، أو موضع بأرض اليمن، أو الفضاء الذي لا يواريه نبت ولا شجر {سَقِيمٌ} كهيئة الصبي، أو الفرخ الذي ليس عليه ريش. {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)} {مِّن يَقْطِينٍ} القرع، أو كل شجرة ليس لها ساق تبقى من الشتاء إلى الصيف، أو كل شجرة لها ورق عريض، أو كل ما ينبسط على وجه الأرض من البطيخ والقثاء، أو شجرة سماها الله تعالى يقطيناً أظلته. {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} {وَأَرْسَلْنَاهُ} بعد نبذ الحوت «ع» فكأنه أرسل إلى أمة بعد أمة أو أرسل إلى الأولين فآمنوا بشريعته {«أَوْ» يَزِيدُونَ} أو للإبهام كأنه قال أرسلناه إلى أحد العددين، أو هو على شك المخاطبين، أو معناه بل يزيدون «ع» فزادوا على ذلك عشرين ألفاً مأثور، أو ثلاثين ألفاً «ع» أو بضعة وثلاثين ألفاً قاله الحكم، أو بضعه وأربعين ألفاً، أو سبعين ألفاً. {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)} {سُلْطَانٌ مُّبِينٌ} عذر بين، أو حجة واضحة، أو كتاب مبين. {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)} {بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} إشراكهم الشياطين في عبادته، أو قول يهود أصفهان إن الله صاهر الجن فكانت الملائكة من بينهم، أو الزنادقة قالوا إن الله وإبليس أخوان فالخير والنور الحيوان النافع من خلق الله والظلمة والشر والحيوان الضار من خلق الشيطان، أو قول المشركين الملائكة بنات الله فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه فمن أمهاتهم؟ فقالوا بنات سروات الجن. سموا جنة لاجتنانهم واستتارهم كالجن، أو لأنهم على الجنان، أو بطن من الملائكة يسمون الجنة {عَلِمَتِ الْجِنَّةُ} الملائكة، أو الجن أن قائل هذا القول محضر، أو علمت الجن أن أنفسهم محضرة في النار، أو للحساب. {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161)} {فَإِنَّكُمْ} أيها المشركون {وَمَا تَعْبُدُونَ} من آلهتكم. {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162)} {بِفَاتِنِينَ} بمضلين من تدعونه إلى عبادتها. {إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)} {إِلا مَنْ هُوَ صَالِ} إلا من سبق في العلم الأول أنه يصلاها «ع» أو من أوجب الله أنه يصلاها «ح». {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)} {وَمَا مِنَّآ} ملك إلاَّ له في السماء {مَقَامٌ مَّعْلُومٌ}، أو كان يصلي الرجال والنساء جميعاً حتى نزلت فتقدم الرجال وتأخر النساء. {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)} {لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ} الملائكة صفوف في السماء، أو في الصلاة، أو حول العرش ينتظرون ما يؤمرون به، أو كان الناس يصلون متبددين فلما نزلت أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصطفوا. {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} {الْمُسَبِّحُونَ} المصلون، أو المنزهون الله عما أضافه إليه المشركون فكيف يعبدوننا ونحن نعبده. {إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)} {لَهُمُ الْمَنصُورُونَ} بالحجج، أو بأنهم سينصرون، قال الحسن رضي الله تعالى عنه لم يقتل من الرسل أصحاب الشرائع أحد قط نصروا بالحجج في الدنيا وبالعذاب في الآخرة أو بالظفر إما بالإيمان، أو بالانتقام. {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)} {حَتَّى حِينٍ} يوم بدر، أو فتح مكة، أو الموت أو القيامة منسوخة، أو محكمة. {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)} {وَأَبْصِرْهُمْ} أبصر ما ضيعوا من أمري فسيبصرون ما يحل بهم من عذابي أو أبصرهم وقت النصر فسوف يبصرون ما يحل بهم، أو أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ذلك في القيامة، أو أعلمهم فسوف يعلمون. {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} {ص} اسم للقرآن، أو لله أقسم به «ع»، أو فواتح افتتح بها القرآن، أو حرف من هجاء أسماء الله تعالى، أو صدق الله، أو من المصاداة وهي المعارضة أي عارض القرآن بعملك، أو من المصاداة وهي الاتباع أي اتبع القرآن بعملك. {ذِى الذِّكْرِ} الشرف «ع»، أو البيان، أو التذكير، أو ذكر ما قبله من المكتب وجواب القسم. {بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ} [ص: 2] أو {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} [ص: 64]، أو حذف جوابه تفخيماً لتذهب النفس فيه كل مذهب، وتقدير المحذوف «قد جاء بالحق»، أو «ما الأمر كما قالوا». {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)} {عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} حمية وفراق أو تعزز واختلاف أو أنفة وعداوة. {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)} {مِّن قَرْنٍ} من أمة والقرن: زمان مدته عشرون سنة، أو أربعون، أو ستون، أو سبعون، أو ثمانون، أو مائة، أو عشرون ومائة {وَّلاتَ} بمعنى لا، أو ليس ولا يعمل إلا في الحين خاصة أي ليس حين ملجأ، أو مغاث «ع»، أو زوال، أو فِرار، والمناص: مصدر ناص ينوص والنوصُ والبوص التأخر وهو من الأضداد، أو بالنون التأخر وبالباء التقدم كانوا إذا أحسوا في الحرب بفشل قال بعضهم لبعض مناص أي حلمة واحدة ينجوا فيها من ينجو ويهلك من يهلك فمعناه أنهم لما عاينوا الموت لم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة. {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)} {أَجَعَلَ الأَلِهَةَ إِلَهَاً وَاحِداً} لما أمرهم بكلمة التوحيد قالوا أيسع لحاجتنا جميعاً إله واحد {عُجَابٌ} عجيب كطوال وطويل وقال الخليل: العجيب والطويل ماله مثل والعجاب والطوال مالا مثل له. {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)} {وَانطَلَقَ الْمَلأُ} الانطلاق الذهاب بسهولة ومنه طلاقة الوجه {الْمَلأُ} عقبة بن أبي معيط أو أبو جهل أتى أبا طالب في مرضه شاكياً من الرسول صلى الله عليه سلم ثم انطلق من عنده حين يئس من كفه «ع» {أَنِ امْشُواْ} اتركوه واعبدوا آلهتكم، أو امضوا في أمركم في المعاندة واصبروا على عبادة آلهتكم تقول العرب امش على هذا الأمر أي امض عليه والزمه. {إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ يُرَادُ} لما أسلم عمر وقوي به الإسلام قالوا: إِن إسلامه وقوة الإسلام لشيء يراد وأن مفارقة محمد لدينه، أو خلافه إيانا إنما يريد به الرياسة علينا والتملك لنا. {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)} {الْمِلَّةِ الأَخِرَةِ} النصراينة لأنها آخر الملل «ع»، أو فيما بين عيسى ومحمد، أو ملة قريش، أو ما سمعنا أنه يخرج ذلك في زماننا «ح» {اخْتِلاقٌ} كذب اختلقه محمد. {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)} {خَزَآئِنُ [رَحْمَةِ] رَبِّكَ} [مفاتيح] رحمته، أو مفاتيح النبوة فيعطونها من أرادوها ويمنعونها ممن أرادوا. {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)} {فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأَسْبَابِ} في السماء «ع» أو الفضل والدين، أو طرق السماء وأبوابها، أو فيعملوا في أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة. {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)} {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ} يعني قريشاً، «وما» صلة وقوله جند أي أتباع مقلدون لا عالم فيهم {مَهْزُومٌ} بَشَّره بهزيمتهم وهو بمكة فكان تأويله يوم بدر {مِّنَ الأَحْزَابِ} أحزاب إبليس وتِباعه، أو لأنهم تحزبوا على جحود ربهم وتكذيب رسله. {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)} {كَذَّبَتْ} أنت لأن القوم تذكر وتؤنث، أو هو مذكر اللفظ ولا يجوز تأنيثه إلا أن يقع المعنى على القبيلة والعشيرة. {الأَوْتَادِ} أي الكثير البنيان والبنيان يعبّر عنه بالأوتاد، أو كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها «ع»، أو كان يعذب الناس بالأوتاد، أو أراد أن ثبوت ملكه وشدة قوته كثبوت ما شد بالأوتاد. {وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13)} {وَثَمُودَ} قيل عاد وثمود أبناء عم بعث الله إلى ثمود صالحاً فآمنوا فمات صالح فارتدوا فأحياه الله تعالى وبعثه إليهم وأعلمهم أنه صالح فأكذبوه وقالوا: قد مات صالح فأتِ بآية إن كنت من الصادقين، فأتاهم الله تعالى بالناقة فكفروا وعقروها فأهلكوا «ع»، أو بعث إليهم صالح شاباً فدعاهم حتى صار شيخاً فعقروا الناقة ولم يؤمنوا حتى هلكوا {وَقَوْمُ لُوطٍ} لم يؤمنوا حتى هلكوا، وكانوا أربعمائة ألف بيت في كل بيت عشرة وما من نبي إلا يقوم معه طائفة من أمته إلا لوط فإن يقوم وحده {وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ} قوم شعيب والأيكة الغيضة «ع»، أو الملتف من النبع والسدر فأهلكوا بعذاب يوم الظلة وأرسل إلى مدين فأخذتهم الصيحة. {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)} {صَيْحَةً وَاحِدَةً} النفخة الأولى {فَوَاقٍ} بالفتح من الإفاقة وبالضم فُواق الناقة وهو قدر ما بين الحلبتين من المدة، أو كلاهما بمعنى واحد أي ما لها من ترداد «ع»، أو حبس، أو رجوع إلى الدنيا «ح» أو رحمة «ع»، أو راحة، أو تأخير لسرعتها، أو ما لهم بعدها من إفاقة. {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)} {قِطَّنَا} نصيبنا من الجنة التي وعدتنا بها، أو حظنا من العذاب استهزاءً منهم «ع»، أو رزقنا، أو أرنا منازلنا، أو عجل لنا في الدنيا كتابنا في الآخرة المذكور في قوله {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الحاقة: 19] قالوه استهزاء وأصل القط القطع ومنه قط القلم وما رأيته قط أي قطع الدهر بيني وبينه فأطلق على النصيب والكتاب والرزق لِقَطِّه من غيره وهو في الكتاب أظهر استعمالاً والقط كل كتاب يتوثق به، أو مختص بما فيه عطية وصلة. {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)} {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} فإنا نحسن إليك كما أحسنا إليه قبلك بصبره {الأَيْدِ} القوة، «ع»، أو النعمة في الطاعة والنصر في الحرب أو في العبادة والفقه في الدين كان يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر {أَوَّابٌ} تواب، أو مسبح، أو الذي يؤوب إلى الطاعة ويرجع إليها، أو الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها. {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)} {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} بالتأييد والنصر، أو بالجنود والهيبة قال قتادة: باثنين وثلاثين ألف حرس {الْحِكْمَةَ} النبوة، أو السنة أو العدل، أو العلم والفهم، أو الفضل والفطنة {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} علم القضاء والعدل فيه «ع»، أو تكليف المدعي البينة والمدعى عليه اليمين، أو «أما بعد» وهو أول من تكلم بها، أو البيان الكافي في كل غرض مقصود، أو الفصل بين الكلام الأول والكلام الثاني. {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)} {الْخَصْمِ} يقع على الواحد والأثنين والجماعة لكونه مصدراً {تَسَوَّرُواْ} أتوه من أعلى سوره {الْمِحْرَابَ} صدر المجلس ومنه محراب المسجد، أو مجلس الأشراف الذي يحارب عنه لشرف صاحبه، أو الغرفة. حدث داود نفسه أنه إن ابتُلي اعتصم فقيل له إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخد حذرك فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر من أحسن ما يكون فدرج بين يديه فهم بأخذه فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب فدنا ليأخذه فانقض فاطلع لينظره فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها وكان زوجها في الغزاة فكتب داود إلى أميرهم أن يجعل زوجها في حملة التابوت وكان حملة التابوت إما أن يفتح عليهم، أو يقتلوا فقدمه فيهم فقتل فخطب زوجته بعد عدتها فشرطت عليه إن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة من بعده وكتبت عليه بذلك كتاباً فأشهدت فيه خمسين رجلاً من بني إسرائيل فلم يشعر بفتنتها حتى ولدت سليمان وشبَّ، وتسور الملكان المحراب «ع» ولم يكونا خصمين ولا بغى أحدهما على الآخر وإنما قالا ذلك على الفرض والتقدير إن أتاك خصمان فقالا: كيت وكيت. {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)} {فَفَزِعَ} لتسورهم من غير باب، أو لإتيانهم في غير وقت جلوسه للنظر {بِالْحَقِّ} بالعدل {تُشْطِطْ} تمِل، أو تَجُر، أو تسرف، مأخوذ من البعد شطت الدار بعُدت، أو من الإفراط {سَوَآءِ الصِّرَاطِ} أرشدنا إلى قصد الحق، أو عدل القضاء. {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)} {أَخِى} صاحبي، أو على ديني {نَعْجَةً} ضرب النعجة مثلاً لداود، أو المرأة تسمى نعجة {اكْفِلْنِيهَا} ضمها إليَّ، أو أعطنيها «ح» أو تحول عنها «ع» {وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ} قهرني في الخصومة، أو غلبني على حقي من عزَّبَزَّ أي من غَلَبَ سَلَب، أو إن تكلم كان أبين مني وإن بطش كان أشد مني وإن دعا كان أكثر مني. {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)} {لَقَدْ ظَلَمَكَ} حكم عليك بالظلم بعد إقراره. وحذف ذكر الإقرار اكتفاء بفهم السامعين، أو تقديره إن كان الأمر كما تقول فقد ظلمك {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} وقليل منهم من يبغي بضعهم على بعض «ع»، أو قليل من لا يبغي بعضهم على بعض «وما» صلة مؤكدة أو بمعنى الذي تقديره: قليل الذين هم كذلك {وَظَّنَّ دَاوُدُ} علم {فَتَنَّاهُ} اختبرناه «ع»، أو ابتليناه، أو شددنا عليه في التعبد قال قتادة: قضى نبي الله على نفسه ولم يفطن لذلك فلما تبين له الذنب استغفر {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} من ذنبه وهو سماعه من أحد الخصمين وقضاؤه له قبل أن يسمع من الآخر، أو أشبع نظره من امرأة أو ريا وهي تغتسل حتى علقت بقلبه، أو نيته أنه إن قُتل بعلها تزوجها وأحسن الخلافة عليها «ح»، أو «إغراؤه زوجها ليستشهد» قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: «لو سمعت رجلاً يذكر أن داود عليه الصلاة والسلام قارف من تلك المرأة محرماً لجلدته ستين ومائة لأن حد الناس ثمانون وحدود الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ستون ومائة». {رَاكِعاً} عَبَّر بالركوع عن السجود مكث ساجداً أربعين يوماً حتى نبت المرعى من دموعه فغطى رأسه، ثم رفع رأسه وقد تقرح جبينه ومكث حيناً لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه وكان يدعو على الخطائين فلما أصاب الخطيئة كان لا يمر بوادٍ إلا قال: «اللهم اغفر للخطائين لعلك تغفر لي ولهم». {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25)} {لَزُلْفَى} كرامة، أو رحمة {مَئَابٍ} مرجع. {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} {خَلِيفَةً} لله تعالى والخلافة: النبوة، أو ملكاً، أو خليفة لمن تقدمك {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} لا تمل مع من تهواه فتجور أو لا تحكم بما تهواه فتزل {سَبِيلِ اللَّهِ} دينه، أو طاعته {بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ} تركهم العمل له، أو بإعراضهم عنه «ح».
|