الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
وبقي الكلام في الإطعام في أمور ثلاثة: كيفيته وجنس الطعام ومستحقه فأما كيفيته فظاهر المذهب أن الواجب تمليك كل إنسان من المساكين القدر الواجب له من الكفارة, ولو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه سواء فعل ذلك بالقدر الواجب أو أقل, أو أكثر ولو غدى كل واحد بمد لم يجزئه, إلا أن يملكه إياه وهذا مذهب الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه يجزئه إذا أطعمهم القدر الواجب لهم وهو قول النخعي, وأبي حنيفة وأطعم أنس في فدية الصيام قال أحمد: أطعم شيئا كثيرا وصنع الجفان وذكر حديث حماد بن سلمة عن ثابت, عن أنس وذلك لقول الله تعالى: ولا يجب التتابع في الإطعام نص عليه أحمد, في رواية الأثرم وقيل له: تكون عليه كفارة يمين فيطعم اليوم واحدا, وآخر بعد أيام وآخر بعد حتى يستكمل عشرة؟ فلم ير بذلك بأسا وذلك لأن الله تعالى لم يشترط التتابع فيه ولو وطئ في أثناء الإطعام لم تلزمه إعادة ما مضى منه وبه قال أبو حنيفة, والشافعي وقال مالك: يستأنف لأنه وطئ في أثناء كفارة الظهار فوجب الاستئناف كالصيام ولنا أنه وطئ في أثناء ما لا يشترط التتابع فيه, فلم يوجب الاستئناف كوطء غير المظاهر منها أو كالوطء في كفارة اليمين, وبهذا فارق الصيام. قال: [ولو أعطى مسكينا مدين من كفارتين في يوم واحد أجزأ في إحدى الروايتين] وهذا مذهب الشافعي, لأنه دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب فأجزأ كما لو دفع إليه المدين في يومين والأخرى, لا يجزئه وهو قول أبي حنيفة لأنه استوفى قوت يوم من كفارة فلم يجزئه الدفع إليه ثانيا في يومه كما لو دفعهما إليه من كفارة واحدة فعلى هذه الرواية, يجزئه عن إحدى الكفارتين وهل له الرجوع في الأخرى؟ ينظر فإذا كان أعلمه أنها عن كفارة فله الرجوع وإلا فلا ويتخرج أن لا يرجع بشيء, على ما ذكرناه في الزكاة والرواية الأولى أقيس وأصح فإن اعتبار عدد المساكين أولى من اعتبار عدد الأيام, ولو دفع إليه ذلك في يومين أجزأ ولأنه لو كان الدافع اثنين أجزأ عنهما, فكذلك إذا كان الدافع واحدا ولو دفع ستين مدا إلى ثلاثين فقيرا من كفارة واحدة أجزأه من ذلك ثلاثون ويطعم ثلاثين آخرين, وإن دفع الستين من كفارتين أجزأه ذلك على إحدى الروايتين ولا يجزئ في الأخرى إلا عن ثلاثين والأمر الثاني أن المجزئ في الإطعام ما يجزئ في الفطرة, وهو البر والشعير والتمر, والزبيب سواء كانت قوته أو لم تكن وما عداها فقال القاضي: لا يجزئ إخراجه, سواء كان قوت بلده أو لم يكن لأن الخبر ورد بإخراج هذه الأصناف على ما جاء في الأحاديث التي رويناها ولأنه الجنس المخرج في الفطرة, فلم يجزئ غيره كما لو لم يكن قوت بلده وقال أبو الخطاب: عندي أنه يجزئه الإخراج من جميع الحبوب التي هي قوت بلده كالذرة, والدخن والأرز لأن الله تعالى قال: والأفضل عند أبي عبد الله إخراج الحب لأنه يخرج به من الخلاف, وهي حالة كماله لأنه يدخر فيها ويتهيأ لمنافعه كلها, بخلاف غيره فإن أخرج دقيقا جاز لكن يزيد على قدر المد قدرا يبلغ المد حبا أو يخرجه بالوزن لأن للحب ريعا, فيكون في مكيال الحب أكثر مما في مكيال الدقيق قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: فيعطى البر والدقيق؟ فقال: أما الذي جاء فالبر ولكن إن أعطاهم الدقيق بالوزن جاز وقال الشافعي لا يجزئ لأنه ليس بحال الكمال, لأجل ما يفوت به من وجوه الانتفاع فلم يجز كالهريسة ولنا قول الله تعالى: ولا تجزئ القيمة في الكفارة نقلها الميموني والأثرم وهو مذهب الشافعي وخرج بعض أصحابنا من كلام أحمد رواية أخرى, أنه يجزئه وهو ما روى الأثرم أن رجلا سأل أحمد قال أعطيت في كفارة خمسة دوانيق؟ فقال: لو استشرتني قبل أن تعطي لم أشر عليك, ولكن أعط ما بقي من الأثمان على ما قلت لك وسكت عن الذي أعطى وهذا ليس برواية وإنما سكت عن الذي أعطى [لأنه] مختلف فيه فلم ير التضييق عليه فيه الأمر الثالث, أن مستحق الكفارة هم المساكين الذين يعطون من الزكاة لقول الله تعالى: ويجوز دفع الكفارة إلى من ظاهره الفقر فإن بان غنيا فهل تجزئه؟ فيه وجهان بناء على الروايتين في الزكاة وإن بان كافرا, أو عبدا لم يجزئه وجها واحدا قال: ومن ابتدأ صوم الظهار من أول شعبان, أفطر يوم الفطر وبنى وكذلك إن ابتدأ من أول ذي الحجة, أفطر يوم النحر وأيام التشريق وبنى على ما مضى من صيامه وجملة ذلك أنه إذا تخلل صوم الظهار زمان لا يصح صومه عن الكفارة مثل أن يبتدئ الصوم من أول شعبان, فيتخلله رمضان ويوم الفطر أو يبتدئ من ذي الحجة فيتخلله يوم النحر وأيام التشريق, فإن التتابع لا ينقطع بهذا ويبني على ما مضى من صيامه وقال الشافعي: ينقطع التتابع ويلزمه الاستئناف لأنه أفطر في أثناء الشهرين بما كان يمكنه التحرز منه, فأشبه إذا أفطر بغير ذلك أو صام عن نذر أو كفارة أخرى ولنا أنه زمن منعه الشرع عن صومه في الكفارة, فلم يقطع التتابع كالحيض والنفاس فإن قال: الحيض والنفاس غير ممكن التحرز منه قلنا: قد يمكن التحرز من النفاس بأن لا تبتدئ الصوم في حال الحمل ومن الحيض إذا كان طهرها يزيد على الشهرين, بأن تبتدئ الصوم عقيب طهرها من الحيضة ومع هذا فإنه لا ينقطع التتابع به ولا يجوز للمأموم مفارقة إمامه لغير عذر, ويجوز أن يدخل معه المسبوق في أثناء الصلاة مع علمه بلزوم مفارقته قبل إتمامها ويتخرج في أيام التشريق رواية أخرى أنه يصومها عن الكفارة, ولا يفطر إلا يوم النحر وحده فعلى هذا إن أفطرها استأنف لأنها أيام أمكنه صيامها في الكفارة ففطرها يقطع التتابع كغيرها إذا ثبت هذا, فإنه إن ابتدأ الصوم من أول شعبان أجزأه صوم شعبان عن شهر ناقصا كان أو تاما وأما شوال, فلا يجوز أن يبدأ به من أوله لأن أوله يوم الفطر وصومه حرام فيشرع في صومه من اليوم الثاني, ويتمم شهرا بالعدد ثلاثين يوما وإن بدأ من أول ذي الحجة إلى آخر المحرم قضى أربعة أيام وأجزأه لأنه بدأ بالشهرين من أولهما ولو ابتدأ صوم الشهرين من يوم الفطر, لم يصح صوم يوم الفطر وصح صوم بقية الشهر وصوم ذي القعدة, ويحتسب له بذي القعدة ناقصا كان أو تاما لأنه بدأه من أوله وأما شوال فإن كان تاما صام يوما من ذي الحجة, مكان يوم الفطر وأجزأه وإن كان ناقصا, صام من ذي الحجة يومين لأنه لم يبدأه من أوله وإن بدأ بالصيام من أول أيام التشريق وقلنا: يصح صومها عن الفرض فإنه يحتسب له بالمحرم ويكمل صوم ذي الحجة بتمام ثلاثين يوما من صفر وإن قلنا: لا يصح صومها عن الفرض صام مكانها من صفر. ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر, ومن أثنائه لا نعلم في هذا خلافا لأن الشهر اسم لما بين الهلالين ولثلاثين يوما فأيهما صام فقد أدى الواجب, فإن بدأ من أول شهر فصام شهرين بالأهلة أجزأه ذلك, تامين كانا أو ناقصين إجماعا وبهذا قال الثوري وأهل العراق, ومالك في أهل الحجاز والشافعي وأبو ثور, وأبو عبيد وغيرهم لأن الله تعالى قال: فصل: فإن نوى صوم شهر رمضان عن الكفارة لم يجزئه عن رمضان, ولا عن الكفارة وانقطع التتابع حاضرا كان أو مسافرا لأنه تخلل صوم الكفارة فطر غير مشروع وقال مجاهد, وطاوس: يجزئه عنهما وقال أبو حنيفة: إن كان حاضرا أجزأه عن رمضان دون الكفارة لأن تعيين النية غير مشترط لرمضان وإن كان في سفر, أجزأه عن الكفارة دون رمضان وقال صاحباه: يجزئ عن رمضان دون الكفارة سفرا وحضرا ولنا أن رمضان متعين لصومه, محرم صومه عن غيره فلم يجزئه عن غيره كيومي العيدين, ولا يجزئ عن رمضان لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى) وهذا ما نوى رمضان فلا يجزئه, ولا فرق بين الحضر والسفر لأن الزمان متعين وإنما جاز فطره في السفر رخصة فإذا تكلف وصام, رجع إلى الأصل فإن سافر في رمضان المتخلل لصوم الكفارة وأفطر لم ينقطع التتابع لأنه زمن لا يستحق صومه عن الكفارة فلم ينقطع التتابع بفطره كالليل.
|