الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر (نسخة منقحة)
.الضرب الثالث من السلخ: وهو أخذ المعنى ويسير من اللفظ: وذلك من أقبح السرقات وأظهرها شناعة على السارق.فمن ذلك قول البحتري في غلام.سبقه أبو نواس فقال: وكذلك قوله أيضا: أخذه من علي بن جبلة في قوله: وكذلك قوله: أخذه من علي بن جبلة في قوله: وقد افتضح البحتري في هذه المآخذ غاية الافتضاح، هذا على بسطة باعه في الشعر وغناه عن مثلها، وقد سلك هذه الطريق فحول الشعراء ولم يستنكفوا من سلوكها، فممن فعل ذلك أبو تمام فإنه قال: سبقه عبد السلام بن رغبان المعروف بديك الجن فقال: وكذلك قال أبو تمام: أخذه من حسان بن ثابت في مدحه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ولا شك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سمع قول حسان بن ثابت حيث استخلف عمر رضي الله عنه فقال له عمر: استخلف غيري، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما حبوناك بها وإنما حبوناها بك.وهكذا فعل ابن الرومي، فمما جاء له قوله: سبقه أبو تمام فقال: وكذلك قول ابن الرومي: سبقه أبو تمام فقال: وكذلك قال ابن الرومي: سبقه منصور النمري فقال: وكذلك فعل أبو الطيب المتنبي فمما جاء منه قوله: أخذه من قول الفرزدق: وكذلك قوله أيضا: أخذه من بشار حيث قال: وكذلك قوله: أخذه ابن الرومي حيث قال: والذي عندي في الضرب المشار إليه أنه لا بد من مخالفة المتأخر المتقدم: إما بأن يأخذ المعنى فيزيده على معنى آخر، أو يوجز في لفظه، أو يكسوه عبارة أحسن من عبارته.ومن هذا الضرب ما يستعمل على وجه يزداد قبحه، وتكثر البشاعة به، وهو: أن يأخذ الشاعرين معنى من قصيدة لصاحبه على وزن وقافية، فيودعه قصيدة له على ذلك الوزن وتلك القافية، ومثاله في ذلك كمن سرق جوهرة من طوق أو نطاق ثم صاغها في مثل ما سرقها منه، والأولى به أن كان نظم تلك الجوهرة في عقد، أو صاغها في سوار أو خلخال ليكون أكتم لأمرها.وممن فعل ذلك من الشعراء فافتضح أبو الطيب المتنبي حيث قال في قصيدته التي أولها: وهذه القصيدة مصوغة على قصيدة لأبي تمام في وزنها وقافيتها أولها: وهذا المعنى الذي أورده أبو الطيب مأخوذ من بيت منها وهو: وليس في السرقات الشعرية أقبح من هذه السرقة، فإنه لم يكتف الشاعر فيها بأن يسرق المعنى حتى ينادي على نفسه أنه قد سرقه. .الضرب الرابع من السلخ: وهو أن يؤخذ المعنى فيعكس: وذلك حسن يكاد يخرجه حسنه عن حد السرقة.فمن ذلك قول أبي نواس:فقال مسلم بن الوليد في عكس ذلك: ومن هذا الباب قول ابن جعفر: وقال غيره: أما ابن جعفر فإنه تداءب وألقى عن منكبه رداء الغيرة، وأما الآخر فجاء بالضد من ذلك وتغالى به غاية الغلو.وكذلك ورد قول أبي الشيص: أخذ أبو الطيب المتنبي هذا المعنى وعكسه فقال: وهذا من السرقات الخفية جدا، ولأن يسمى ابتداعا أولى من أن يسمى سرقة.وقد توخيته في شيء من شعري فجاء حسنا، فمن ذلك قولي: أخذته من قول أبي تمام: .الضرب الخامس من السلخ: وهو أن يؤخذ بعض المعنى: فمن ذلك قول أمية بن الصلت يمدح عبد الله بن جدعان:أخذه أبو تمام فقال: فأمية بن الصلت أتى بمعنيين اثنين: أحدهما أن عطاءك زين، والآخر أن عطاء غيرك شين، وأما أبو تمام فإنه أتى بالمعنى الأول لا غير.ومن هذا الضرب قول علي بن جبلة: فقال أبو الطيب المتنبي: فعلي بن جبلة اشتمل ما قاله على معنيين أحدهما أنه فعل ما لم يفعله أحد ممن تقدمه، وإن نال منه الآخر شيئا فإنما هو مقتد به، وتابع له وأما أبو الطيب المتنبي فإنه لم يأت بالمعنى الواحد وهو أنه يفعل ما لا يفعله غيره، غير أنه أبرزه في صورة حسنة.ومن ذلك قول أبي تمام: فقال البحتري: فأبو تمام قال: إن الممدوح يرب صنيعه: أي يستديمه، ويعلم أنه إذا لم يستدمه فما ابتدأه والبحتري قال: إنه يستديم صنيعه لا غيره، وذلك بعض ما ذكره أبو تمام.وكذلك قال البحتري: أخذه ممن تقدمه حيث قال: فالبحتري أخذ بعض هذا المعنى ولم يستوفه.وكذلك ورد قول ابن الرومي: أخذه أبو الطيب المتنبي فقال: وهذا بعض المعنى الذي تضمنه قول ابن الرومي لأنه قال: إنكم نزلتم على هام المعالي، وإن غيركم يرقى إليها رقيا، وأما المتنبي فإنه قال: إنكم إذا أردتم غاية نزلتم وأما قوله فوق السماء فإنه يغني عنه قول ابن الرومي نزلتم على هام المعالي إذ المعالي فوق كل شيء، لأنها مختصة بالعلو مطلقا. .الضرب السادس من السلخ: وهو أن يؤخذ المعنى فيزاد عليه معنى آخر: فمما جاء منه قول الأخنس بن شهاب:أخذه مسلم بن الوليد فزاد عليه وهو قوله: وكذلك ورد قول جرير في وصف أبيات من شعره. أخذه أبو تمام فزاد عليه، إذ قال في وصف قصيد له وقرن ذلك بالممدوح: وكذلك ورد قول ولد مسلمة بن عبد الملك: أخذه أبو تمام فقال: فزاد عليه بقوله: ويروى أنه نظر عبد الله بن علي رضي الله عنه عند قتال المروانية إلى فتى عليه أبهة الشرف، وهو يبلي في القتال بلاء حسنا، فناداه: يا فتى لك الأمان ولو كنت مروان بن محمد فقال: إلا أكنه فلست بدونه، قال: فلك الأمان ولو كنت من كنت، فأطرق ثم تمثل بهذين البيتين المذكورين.وكذلك ورد قول أبي تمام: أخذه من قول المعذل بن غيلان: إلا أنه زاده زيادة حسنة بقوله: ومما يجري هذا المجرى قول البحتري: أخذه من قول أبي نواس: إلا أن البحتري زاد على أبي نواس قوله أو كالحديث المعاد هكذا ورد قول البحتري أيضا: أخذه من مسلم بن الوليد في قوله: إلا أن البحتري زاد عليه بقوله: وكذلك ورد قول أبي نواس: وهذا البيت قد لهج به الناس لهجا كثيرا، ومنهم من ظنه مبتدعا لأبي نواس، ويحكى عن أبي تمام أنه دخل على ابن أبي داود، فقال له: أحسبك عاتبا يا أبا تمام، فقال إنما يعتب على واحد وأنت الناس جميعا، قال: من أين هذه يا أبا تمام؟ قال: من قول الحاذق أبي نواس، وأنشده البيت، وهذه الحكاية عندي موضوعة، لأن أبا تمام كان عارفا بالشعر، حتى إنه قال: لم أنظم شعرا حتى حفظت سبعة عشر ديوانا للنساء خاصة دون الرجال، وما كان يخفى عنه أن هذا المعنى ليس لأبي نواس، وإنما هو مأخوذ من قول جرير: إلا أن أبا نواس زاد زيادة حسنة، وذاك أن جريرا جعل الناس كلهم بني تميم، وأبا نواس جعل العالم كله في واحد، وذلك أبلغ.ومما ينتظم في هذا السلك قول الفرزدق: أخذه أبو نواس فصار أملك به، وأحسن فيه غاية الإحسان، فقال: فالفرزدق قال تستريحي من الأنساع والدبر الدوامي وليست استراحتها بمانعة من معاودة إتعابها مرة أخرى: وأما أبو نواس فإنه حرم ظهورهن على الرجال: أي أنها تعفى من السفر إعفاء مستمرا، ولا شك أن أبا نواس لم يتنبه لهذه الزيادة إلا من فعل العرب في السائبة والبحيرة.وعلى هذا الأسلوب ورد قول المتنبي: أخذه من أبي نواس في قوله: فزاد أبو الطيب زيادة صار بها أحق من أبي نواس بهذا المعنى.وكذلك قال أبو الطيب المتنبي: فأخذته أنا وزدت عليه فقلت: وهذا النوع من السرقات قليل الوقوع بالنسبة إلى غيره. .الضرب السابع من السلخ: وهو أن يؤخذ المعنى فيكسى عبارة أحسن من العبارة الأولى: وهذا هو المحمود الذي يخرج به حسنه عن باب السرقة، فمن ذلك قول أبي تمام:أخذه البحتري فقال: ومن هذا الأسلوب قولهما أيضا، فقال أبو تمام: وقال البحتري: وعلى هذا النحو ورد قول أبي نواس: أخذه أبو الطيب المتنبي فقال: ومما ينتظم في هذا السلك قول أبي الطيب المتنبي: أخذه ابن نباتة السعدي، فقال: وكذلك ورد قول أبي العلاء بن سليمان في مرثية: أخذه الشاعر المعروف بالقيسراني، فقال: وكذلك قول ابن الرومي: أخذه من تأخر عنه، فقال: ومما ينخرط في هذا السلك قول بعضهم: أخذه أبو تمام، فقال: ثم أخذه البحتري فقال: أمثال هذا كثيرة، وفيما أوردناه مقنع.
|