الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
بيان للعتق الواقع بعد الموت بعدما بين الواقع في الحياة وقدمه على الاستيلاد لشموله الذكر والأنثى وله معنيان لغوي وفقهي فالأول كما في المغرب الإعتاق عن دبر وهو ما بعد الموت وتدبر في الأمر نظر في أدباره أي في عواقبه ا هـ. وفي ضياء العلوم التدبير عتق العبد والأمة بعد الموت، وتدبير الأمر النظر فيه إلى ما تصير إليه العاقبة ا هـ. والثاني ما ذكره الشيخ رحمه الله تعالى وركنه اللفظ الدال على معناه وشرائطه نوعان: عام وخاص؛ فالعام هو ما قدمناه من شرائط العتق فلا يصح إلا من الأهل في المحل منجزا، أو معلقا أو مضافا، سواء كان إلى وقت، أو إلى الملك، أو إلى سببه والخاص تعليقه بموت المولى فلو علقه بموت غيره لا يكون مدبرا وأن يكون بمطلق موته وأن يكون بموته وحده كما سيأتي، وأما صفته فالتجزؤ عنده خلافا لهما فلو دبره أحدهما اقتصر على نصيبه وللآخر عند يسار شريكه ست خيارات: الخمسة المتقدمة، والترك على حاله كما عرف في البدائع وسيأتي بيان أحكامه من عدم جواز إخراجه عن الملك في حالة الحياة ومن عتقه من الثلث بعد موت المولى إلى آخره. (قوله: هو تعليق العتق بمطلق موته) أي موت المولى فخرج بقيد الإطلاق التدبير المقيد كتعليقه بموت موصوف بصفة كما سيأتي وكذا التعليق بموته وموت غيره وخرج أيضا أنت حر بعد موتي بيوم، أو بشهر فهو وصية بالإعتاق فلا يعتق بعد موت المولى إلا بإعتاق الوارث أو الوصي كما في الذخيرة وخرج بموته تعليقه بموت غيره كقوله إن مات فلان فأنت حر فإنه لا يصير مدبرا أصلا لا مطلقا ولا مقيدا فإذا مات فلان عتق من غير شيء ولا يرد عليه تعليقه بموته إلى مدة لا يعيش مثله إليها كإن مت إلى مائة سنة فأنت حر ومثله لا يعيش إليها فإنه سيأتي أنه مدبر مطلق على المختار مع أنه لم يعلق عتقه بمطلق موت المولى؛ لأنه، وإن كان مقيدا صورة فهو مطلق معنى وأشار بالتعليق إلى أنه لو دبر عبده، ثم ذهب عقله فالتدبير على حاله، وإن كان في التدبير معنى الوصية بخلاف ما إذا أوصى برقبته لإنسان ثم جن، ثم مات حيث تبطل الوصية والفرق أن التدبير اشتمل على معنى التعليق، والتعليق لا يبطل بالجنون ولهذا لا يبطل بالرجوع ولا كذلك الوصية ولهذا جاز تدبير المكره ولا يجوز وصيته كذا في الظهيرية. (قوله: كإذا مت فأنت حر وأنت حر يوم أموت، أو عن دبر مني، أو دبرتك) بيان لبعض ألفاظه الصريحة فإنه إثبات العتق عن دبر، واليوم هنا لمطلق الوقت فيعتق مات المولى ليلا، أو نهارا لأنه قرن بفعل لا يمتد فإن نوى باليوم النهار دون الليل صحت نيته؛ لأنه نوى حقيقة كلامه، ثم لا يكون مدبرا؛ لأنه علق عتقه بما ليس بكائن لا محالة وهو موته بالنهار وربما يموت بالليل فلذا لا يكون مدبرا كذا في المبسوط أي لا يكون مدبرا مطلقا، وإنما هو مقيد فيعتق بموته نهارا وله بيعه ومثل التعليق بإذا " متى "، و " إن " والحدث كالموت فلو قال إن حدث بي حدث فأنت حر فهو مدبر؛ لأنه تعورف الحدث والحادث في الموت، وكذا الوفاة والهلاك؛ لأن الاعتبار للمعنى وكذا أنت حر مع موتي أو في موتي فإنه تعليق العتق بالموت، و " في " تستعار بمعنى حرف الشرط كما عرف في الأصول، وقول الزيلعي تبعا لما في المحيط إن حرف الظرف إذا دخل على الفعل يصير شرطا تسامح، وإنما هو بمعناه لأنه لو كان شرطا لطلقت في قوله لأجنبية أنت طالق في نكاحك مع أنها لا تطلق وأفاد بقوله أنت حر يوم أموت أن كل لفظ وقع به العتق للحال إذا أضيف إلى الموت فإنه يوجب التدبير كقوله أعتقتك، أو أنت عتيق، أو معتق، أو محرر بعد موتي، وفي الخانية والظهيرية: رجل قال لعبده: لا سبيل لأحد عليك بعد موتي قالوا يصير مدبرا ا هـ. ولم يقيداه بالنية مع أن " لا سبيل لي عليك " كناية لا يعتق بها إلا بالنية لا أن يفرق بين قوله لي وبين قوله لأحد وكذا بعد موتي قرينة لا تتوقف على النية، وفي الحاوي القدسي لو قال أعتقوه بعد موتي فهو مدبر ا هـ. وقيد بكون السيد واحدا؛ لأنه لو كان بين اثنين فقالا إذا متنا فأنت حر لم يصر بذلك مدبرا ولهما أن يبيعاه فإذا مات أحدهما صار مدبرا من قبل الثاني وصار حكمه حكم عبد بين رجلين دبره أحدهما، ولو كان كل واحد منهما قال: إذا مت فأنت حر، أو دبرتك أو دبرت نصيبي منك وخرج القولان منهما جميعا صار مدبرا بينهما فلا يجوز بيعه وأيهما مات عتق نصيبه وسعى العبد للآخر في قيمة نصيبه منه وكان ولاؤه بينهما كذا في الحاوي القدسي ولا فرق في العتق المضاف إلى الموت بين أن يكون معلقا بشرط آخر، أو لا فلو قال: إن كلمت فلانا فأنت حر بعد موتي فكلمه صار مدبرا؛ لأنه بعد الكلام صار التدبير مطلقا وكذا لو قال أنت حر بعد كلامك فلانا وبعد موتي فكلمه فلان كان مدبرا كذا في البدائع وذكر محمد في الأصل إذا قال: أنت حر بعد موتي إن شئت فإن نوى بقوله " إن شئت " الساعة فشاء العبد في ساعته تلك صار مدبرا؛ لأنه علق التدبير بشرط وهو المشيئة وقد وجد كما إذا قال إن دخلت الدار فأنت مدبر وإن عنى به مشيئة بعد الموت فليس للعبد مشيئة حتى يموت المولى فإن مات المولى فشاء بعد موته فهو حر من ثلثه وذكر الحاكم في مختصره أن المراد منه أن يعتقه الوصي أو الوارث. وفي المحيط ولو نهاه عن المشيئة قبل موته جاز نهيه ولا فرق في التدبير بين أن يكون منجزا، أو مضافا كما إذا قال أنت مدبر غدا، أو رأس شهر كذا فإذا جاء الوقت صار مدبرا وروى هشام عن محمد رحمه الله تعالى فيمن قال أنت مدبر بعد موتي فهو مدبر الساعة؛ لأنه أضاف التدبير إلى ما بعد الموت، والتدبير بعد الموت لا يتصور فيلغو قوله: بعد موتي فيبقى قوله: أنت مدبر، أو يجعل قوله: أنت مدبر أي أنت حر فيصير كأنه قال أنت حر بعد موتي، وفي الذخيرة معزيا إلى الأصل لو قال: أنت حر بعد موتي إن دخلت الدار لا يصح هذا التصرف عندنا أصلا بخلاف ما إذا قال أنت حر بعد موتي إن شئت والفرق أن في فصل المشيئة صححنا تصرفه بطريق الوصية، وتعليق الوصية بالمشيئة صحيح وتعذر تصحيح هذا التصرف بطريق الوصية؛ لأن تعليق الوصية بدخول الموصى له الدار باطل ا هـ. وفي المحيط لو قال لأمة: إن ملكتك فأنت حرة بعد موتي فولدت فاشتراهما تصير الأم مدبرة دون الولد لأن التدبير ثبت في الأم والولد منفصل عنها قبل الملك فلا يتصور سراية حق التدبير إلى الولد كما لو قال: إن ملكتك فأنت حرة فملكها عتقت ولا يعتق ولد ولدته قبل الملك فكذا هذا ولو قال المولى: ولدت قبل التدبير وقالت: بل بعده فالقول للمولى مع يمينه على علمه والبينة لها ا هـ. وفي الظهيرية: أنت حر الساعة بعد موتي يعتق بعد الموت ا هـ. وأشار المصنف بهذه الألفاظ إلى أنه لو قال: أوصيت لك برقبتك، أو عتقك، أو نفسك أو أوصيت لك بثلث مالي فإنه يكون مدبرا؛ لأن التدبير وصية فإذا أتى بصريحها كان مدبرا بالأولى ولأن الإيصاء للعبد برقبته إزالة ملكه عن رقبته؛ لأنه لا يثبت الملك للعبد في رقبته إلا بإعتاقه فهو كبيع نفس العبد منه ولو قال العبد لا: أقبل فهو مدبر وليس رده بشيء كما في الظهيرية وعن أبي يوسف فيمن أوصى بسهم من ماله لعبده فإنه يعتق بعد موته ولو أوصى له بجزء من ماله لم يعتق لأن السهم عبارة عن السدس فكان سدس رقبته داخلا في الوصية فأما الجزء عبارة عن شيء مبهم والتعيين فيه للورثة فلم تكن الرقبة داخلة تحت الوصية كذا في المحيط وما عن أبي يوسف هنا جزم به في الاختيار وذكر الولوالجي: لو قال مريض أعتقوا فلانا بعد موتي إن شاء الله تعالى صح الإيصاء وفرق بين هذا وبين ما إذا قال: هو حر بعد موتي إن شاء الله تعالى حيث لا يصح، والفرق أن في المسألة الأولى أمرا بالإعتاق، والاستثناء في الأمور باطل، وفي المسألة الثانية إيجاب، والاستثناء في الإيجاب صحيح ا هـ. (قوله: فلا يباع ولا يوهب) شروع في بيان أحكامه وقال الشافعي رحمه الله تعالى: يجوز؛ لأنه تعليق العتق بالشرط فلا يمتنع به البيع والهبة كما في سائر التعليقات وكما في المدبر المقيد ولأن التدبير وصية وهي غير مانعة من ذلك ولنا قوله: عليه السلام: «المدبر لا يوهب ولا يورث ولا يباع وهو حر من الثلث} ولأنه سبب الحرية؛ لأن الحرية تثبت بعد الموت ولا سبب غيره ثم جعله سببا في الحال أولى لوجوده في الحال وعدمه بعد الموت لأن ما بعد الموت حال بطلان أهلية التصرف فلا يمكن تأخير السببية إلى زمان بطلان الأهلية بخلاف سائر التعليقات؛ لأن المانع من السببية قائم قبل الشرط؛ لأنه يمين، واليمين مانع، والمنع هو المقصود وإنه يضاد وقوع الطلاق والعتاق فأمكن تأخير السبب إلى زمان الشرط لقيام الأهلية عنده فافترقا ولأنه وصية، والوصية خلافة في الحال لوراثة، وإبطال السبب لا يجوز، وفي البيع وما يضاهيه ذلك أراد بالبيع الإخراج عن الملك بعوض وبالهبة الإخراج بغير عوض فكأنه قال لا يخرج عن الملك وفي الذخيرة وغيرها: كل تصرف لا يقع في الحر نحو البيع والإمهار فإنه يمنع في المدبر والمدبرة؛ لأن المدبر باق على حكم ملك المولى إلا أنه انعقد له سبب الحرية فكل تصرف يبطل هذا السبب يمنع المولى منه ا هـ. فلذا لا تجوز الوصاية به ولا رهنه لأن الرهن والارتهان من باب إيفاء الدين واستيفائه عندنا فكان من باب تمليك العين وتملكها كذا في البدائع ومن هنا يعلم أن شرط الواقفين في كتبهم أنها لا تخرج إلا برهن شرط باطل؛ إذ الوقف أمانة في يد مستعيرة فلا يتأتى الإيفاء والاستيفاء بالرهن سنوضحه إن شاء الله تعالى، وفي الظهيرية فإن باعه وقضى القاضي بجواز بيعه نفذ قضاؤه ويكون ذلك فسخا للتدبير حتى لو عاد إليه يوما من الدهر بوجه من الوجوه، ثم مات لا يعتق وهذا مشكل؛ لأنه يبطل بقضاء القاضي ما هو مختلف فيه وما هو مختلف فيه لزوم التدبير لا صحة التعليق فينبغي أن يبطل وصف اللزوم لا غير ا هـ. وسيأتي في البيوع أن بيع المدبر باطل لا يملك بالقبض فلو باعه المولى فرفعه العبد إلى قاض حنفي وادعى عليه أو على المشتري فحكم الحنفي ببطلان البيع ولزوم التدبير فإنه يصير متفقا عليه فليس للشافعي أن يقضي بجواز بيعه بعده كما في فتاوى الشيخ قاسم وهو موافق للقواعد فينبغي أن يكون كالحر فلو جمع بينه وبين قن ينبغي أن يسري الفساد إلى القن كما سنبينه إن شاء الله تعالى في محله، وفي الولوالجية من التدبير: رجل قال: هذه أمتى إن احتجت إلى بيعها أبيعها، وإن بقيت بعد موتي فهي حرة فباعها جاز كذا في فتاوى الصدر الشهيد ا هـ. ولم يصرح بأنها مدبرة تدبيرا مطلقا أو مقيدا وفيها من كتاب الحيل لو أراد أن يدبر عبده على وجه يملك بيعه يقول: إذا مت وأنت في ملكي فأنت حر فهذا يكون مدبرا مقيدا فيملك بيعه فإذا مات وهو في ملكه عتق ا هـ. فكذا في المسألة الأولى يكون مدبرا مقيدا لكن ذكر الولوالجي رحمه الله في آخر الوصايا لو قال لعبده: إن مت وأنت في ملكي فأنت حر فله أن يبيعه؛ لأنه لما مات لم يبق في ملكه فلم يعتق ا هـ. وهو ليس بمخالف لقوله في الحيل: إنه يعتق بموته؛ لأن قوله في الوصايا لا يعتق معناه لو مات بعد بيعه، وأما لو مات وهو في ملكه فإنه يعتق وأشار المصنف بعدم جواز تمليكه إلى أنه لو كان المدبر بين اثنين أعتقه أحدهما وهو موسر وضمن قيمة نصيب شريكه عتق المدبر ولم يتغير الولاء لأن العتق ههنا ثبت من جهة المدبر في الحقيقة لا من جهة الذي أعتقه؛ لأن المعتق بأداء الضمان لا يملك نصيب الشريك ههنا؛ لأن المدبر لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك، وإنما وجب الضمان لإثبات الحيلولة بين المدبر والمولى أما أن يقال: إن المعتق يتملك نصيب صاحبه من المدبر فلا ولما كان هذا طريق العتق كان المعتق هو المدبر فلذا كان الولاء لهما على الشركة كما كان أولا كذا في الذخيرة ولا يرد عليه أنه يقبل الانتقال بالقضاء؛ لأنه بالقضاء ينفسخ التدبير، وأما ههنا فالتدبير باق ولكن كان ينبغي أنه لو ضم إلى قن وبيعا صفقة واحدة أن يسري الفساد إلى القن كالحر وسيتضح في محله إن شاء الله تعالى. وقيد بالبيع ونحوه؛ لأنه يجوز إعتاقه كأم الولد لأنه إيصال إلى حقيقة الحرية عاجلا وتجوز كتابتهما لما فيها من تعجيل الحرية، وفي المحيط، وإذا ولدت المدبرة من السيد فهي أم ولد وقد بطل التدبير؛ لأن أمية الولد أقوى في إفادة العتق من التدبير لأنها تعتق من جميع المال بخلاف المدبرة فإنها تعتق من الثلث فيبطل بها التدبير كالبيع إذا ورد على الرهن ا هـ. (قوله: ويستخدم ويؤجر وتوطأ وتنكح) أي ويستخدم المدبر ويؤجر وكذا المدبرة وتوطأ المدبرة أي يجوز للمولى ذلك ويجوز أن يزوجها جبرا عليها وكذا المدبر كما تقدم في نكاح الرقيق، وإنما جازت هذه التصرفات؛ لأن الملك ثابت فيه وبه تستفاد ولاية هذه التصرفات وضابطها كما في الذخيرة أن كل تصرف يقع في الحر فإنه لا يمنع في المدبر والمدبرة؛ لأنه لا يبطل ما انعقد له من السبب وأفاد المصنف رحمه الله بجواز ذلك أن أكساب المدبر والمدبرة للمولى وكذا أرشهما وكذا مهرها للمولى لأنهما بقيا على حكم ملك المولى كذا في الذخيرة، ومن أحكامه أن دينه لا يتعلق برقبته؛ لأنها لا تحتمل البيع ويتعلق بكسبه ويسعى في ديونه بالغة ما بلغت ومنها أن جنايته على المولى وهو الأقل من قيمته ومن أرش الجناية ولا يضمن المولى أكثر من قيمة واحدة، وإن كثرت الجنايات على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، وولد المدبرة بمنزلتها كالحرة فيعتق بموت سيد أمه إن كان التدبير مطلقا أما ولد المدبرة تدبيرا مقيدا فلا يكون مدبرا ووقع في بعض نسخ الهداية أن ولد المدبر مدبر بالتذكير وليس بصحيح لأن التبعية إنما هي للأم لا للأب، وتدبير الحمل وحده جائز كعتقه فإن ولدته لأقل من ستة أشهر كان مدبرا، وإلا فلا. (قوله: وبموته يعتق من ثلثه) أي بموت المولى يعتق المدبر من ثلث مال المولى لما روينا من قوله عليه السلام: «وهو حر من الثلث» ولأن التدبير وصية؛ لأنه تبرع مضاف إلى وقت الموت، والحكم غير ثابت في الحال فينفذ من الثلث ولكونه وصية حتى لو قتله المدبر فإنه يسعى في جميع قيمته؛ لأنه لا وصية للقاتل، وأم الولد إذا قتلت مولاها فإنها تعتق ولا شيء عليها إن كان القتل خطأ كذا في شرح الطحاوي وذكر قاضي خان في كتاب الحجر: أن المحجور عليه يصح تدبيره وبموته سفيها يعتق المدبر ويسعى في قيمته مدبرا فإن كانت قيمته مدبرا عشرة يسعى في عشرة ا هـ. مع أنه نقل قبله أن وصية المحجور عليه جائزة من ثلث ماله وأطلق في الموت فشمل الحكمي بالردة بأن ارتد المولى عن الإسلام - والعياذ بالله تعالى - ولحق بدار الحرب؛ لأنها مع اللحاق تجري مجرى الموت وكذا المستأمن إذا اشترى عبدا في دار الإسلام فدبره ولحق بدار الحرب فاسترق الحربي عتق مدبره كذا في البدائع وأطلق في التدبير فشمل ما إذا كان في الصحة، أو في المرض؛ لأنه وصية في الحالين ويعتبر من ثلث المال يوم مات المولى كما في الوصايا، وفي المحيط أن المدبر يعتق في آخر جزء من أجزاء حياة المولى ا هـ. وهو التحقيق وعليه يحمل كلامهم. (قوله: ويسعى في ثلثيه لو فقيرا - وكله لو مديونا) أي يسعى المدبر للورثة في ثلثي قيمته لو كان المولى فقيرا ليس له مال إلا هو، وفي جميع قيمته لو كان المولى مديونا دينا يستغرق ماله لما ذكرنا أنه وصية، ومحل نفاذها الثلث والدين مقدم عليها. اعلم أن المدبر في زمن سعايته كالمكاتب عند الإمام وعندهما حر مديون فتتفرع الأحكام فلا تقبل شهادته ولا يزوج نفسه عنده لما في المجمع من الجنايات ولو ترك مدبرا فقتل خطأ - وهو يسعى للوارث - فعليه قيمته لوليه وقالا: ديته على عاقلته ا هـ. وهكذا في الكافي وعلله بما ذكرناه وكذا المنجز عتقه في مرض الموت إذا لم يخرج من الثلث فإنه في زمن سعايته كالمكاتب عنده فلا تقبل شهادته كما في شهادات البزازية وحكم جنايته كجناية المكاتب كما في شرح المجمع للمصنف وقولهم هنا يعتق المدبر بموت المولى من ثلث المال يدل عليه فإن لم يخرج من الثلث لم يعتق حتى يسعى ويؤديها، قيدنا بكون الدين مستغرقا؛ لأن الدين لو كان أقل من قيمته فإنه يسعى في قدر الدين، والزيادة على الدين ثلثها وصية، ويسعى في ثلثي الزيادة كذا في شرح الطحاوي وذكر في المجتبى أن القدوري أجمل القيمة ولم يبين أنه يسعى في قيمته قنا، أو مدبرا وذكر في بط أنه يسعى في قيمته مدبرا وذكر محمد في كتاب الحجر إذا دبر السفيه، ثم مات يسعى الغلام في قيمته مدبرا وليس عليه نقصان التدبير كالصالح إذا دبر ومات وعليه ديون ا هـ. وقدمنا أن المفتى به أن قيمة المدبر ثلثا قيمته قنا واختار الصدر الشهيد أنها النصف، وفي الولوالجية: وهو المختار؛ لأن الانتفاع بالمملوك نوعان انتفاع بعينه وانتفاع ببدله وهو الثمن والانتفاع بالعين قائم وبالبدل فائت ا هـ. وفي الظهيرية: وعتق المدبر يعتبر من ثلث المال مطلقا كان، أو مقيدا ا هـ. ولم يبينه المصنف؛ لأنه إذا علم حكم المطلق فالمقيد أولى، وفي فتح القدير: إذا دبره، ثم كاتبه، ثم مات المولى وهو يخرج من ثلثه عتق بالتدبير وسقطت عنه الكتابة فإن لم يكن له مال غيره فإنه يخير إن شاء سعى في جميع بدل الكتابة بجهة عقد الكتابة وإن شاء سعى في ثلثي قيمته بالتدبير وهذا عند الإمام؛ لأن العتق يتجزى عنده وقد تلقاه جهتا حرية فيتخير أيهما شاء، وعند أبي يوسف يسعى في الأقل منهما بغير خيار وعند محمد يسعى في الأقل من ثلثي قيمته ومن ثلثي بدل الكتابة ولو كاتبه، ثم دبره فعند أبي حنيفة يتخير بين أن يسعى في ثلثي قيمته، أو ثلثي بدل الكتابة وعندهما يسعى في أقلهما عينا، وتمامه فيه، وذكر في الحاوي القدسي: لو قال لعبده: أنت حر، أو مدبر أمر بالبيان فإن مات على ما كان فإن كان القول منه في الصحة عتق نصفه من جميع المال ونصفه من الثلث ا هـ. (قوله: ويباع لو قال إن مت من سفري، أو من مرضي، أو إلى عشر سنين، أو عشرين سنة، أو أنت حر بعد موت فلان ويعتق إن وجد الشرط) بيان للمدبر المقيد وأحكامه، وحاصله أن يعلق عتقه بموته على صفة لا بمطلقة كتقييده بموته في سفر أو مرض مخصوص، أو بمدة معينة يعيشان إلى مثلها، أو بزيادة شيء بعد موت المولى كقوله: إذا مت وغسلت، أو كفنت ودفنت فأنت حر فيعتق إذا مات استحسانا من الثلث؛ لأنه يغسل ويكفن ويدفن عقيب الموت قبل أن يتقرر ملك الوارث، أو بترداده بين الموت والقتل كقوله إذا مت أو قتلت فليس بمدبر مطلق عند أبي يوسف؛ لأنه علقه بأحد الشيئين، والقتل - وإن كان موتا - فالموت ليس بقتل وتعليقه بأحد الأمرين يمنع كونه عزيمة في أحدهما خاصة فلا يصير مدبرا ويجوز بيعه وقال زفر: هو مدبر مطلق ورجحه في فتح القدير بأنه أحسن؛ لأن التعليق في المعنى بمطلق موته؛ لأنه لا تردد في كون الكائن أحد الأمرين من الموت قتلا، أو غير قتل فهو في المعنى مطلق الموت كيفما كان وقيد بقوله إلى عشر سنين أو عشرين سنة؛ لأنه لو قال إلى مائة سنة - ومثله لا يعيش إليها في الغالب - فهو مدبر مطلق؛ لأنه كالكائن لا محالة، وهذا رواية الحسن عن أبي حنيفة، وفي التبيين أنه المختار لكن ذكر قاضي خان أن على قول أصحابنا هو مدبر مقيد وهكذا ذكره في الينابيع وجوامع الفقه. وفي فتح القدير أن المصنف كالمناقض فإنه في النكاح اعتبره توقيتا وأبطل به النكاح وهنا جعله تأبيدا موجبا للتدبير ا هـ. وقد يجاب عنه بأنه في باب النكاح اعتبره توقيتا للنهي عن النكاح الموقت ولا شك أنه موقت صورة؛ فالاحتياط في منعه تقديما للمحرم على المبيح؛ لأن النظر إلى الصورة يحرمه، وإلى المعنى يبيحه، وأما هنا فنظر إلى التأبيد المعنوي ولا مانع منه فإن الأصل اعتبار المعنى ما لم يمنع مانع فلا تناقض ولذا كان هو المختار، وإن كان الولوالجي جزم بأنه ليس بمدبر مطلق تسوية بينه وبين النكاح، وفي الظهيرية لو قال: أنت حر قبل موتي بشهر كان مدبرا مقيدا فإن مضى شهر صار مدبرا مطلقا عند بعض المشايخ لتعلق العتق بمجرد الموت وعند البعض بقي مدبرا مقيدا لتعلق العتق بموته ومضي شهر يتصل بموته ا هـ. وفي الخانية ولو مات بعد شهر قيل يعتق من الثلث وقيل من جميع المال؛ لأن على قول أبي حنيفة يستند العتق إلى أول الشهر وهو كان صحيحا فيعتق من كله وهو الصحيح ا هـ. وعلى قولهما يصير مدبرا بعد مضي الشهر قبل موته ا هـ. وفي المجتبى لو قال: أنت حر قبل موتي بشهر فليس بمدبر، وإن كان يعتق بعد موته ويجوز بيعه، ثم إذا مضى شهر قيل لا يجوز بيعه؛ لأنه صار مدبرا مطلقا، وأكثر المشايخ على أنه يجوز بيعه وهو الأصح ا هـ. وليس من التدبير أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر وهو إيصاء بالعتق حتى لا يعتق بعد موت المولى ومضي اليوم ما لم يعتقه الوصي ويجب إعتاقه فيعتقه الوصي أو الورثة كذا في المجتبى أيضا، وفي الظهيرية: وإن أوصى بعتقه بعد موته فقتل العبد خطأ بعد موته فالقيمة للورثة ا هـ. وقد ذكر المصنف أن من هذا النوع أنت حر بعد موت فلان، وظاهره أنه مدبر مقيد وليس كذلك ولذا قال في المبسوط: لو قال: أنت حر بعد موت فلان لم يكن مدبرا؛ لأن موت فلان ليس بسبب للخلافة في حق هذا المولى، ووجوب حق العتق باعتبار معنى الخلافة فلو مات فلان والمولى حي عتق العبد وكذلك إن قال: أنت حر بعد موتي وموت فلان أو قال بعد موت فلان وموتي لا يكون مدبرا فإن مات فلان قبل المولى فحينئذ يصير مدبرا ا هـ. وفي البدائع لو قال: إن مات فلان فأنت حر لم يكن مدبرا؛ لأنه لم يوجد تعليق عتق عبده بموته فلم يكن هذا تدبيرا بل كان تعليقا بشرط مطلق كالتعليق بسائر الشروط من دخول الدار وكلام زيد وغير ذلك ا هـ. فإن قلت: المصنف إنما ذكره في التدبير المقيد لمساواته لحكمه من جواز البيع والعتق بالموت. قلت: بينهما فرق من جهة أخرى وهو أن المدبر بقسميه يعتق من الثلث كما قدمناه، والمعلق عتقه بشرط غير موت المولى يعتق من جميع المال إذا وجد الشرط ويبطل التعليق بموت المولى قبل وجود الشرط كما لو قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر فمات المولى قبل الدخول بطلت اليمين ولا يعتق أصلا بخلاف المدبر، وفي الظهيرية: عبد بين رجلين قال أحدهما: إن مت أنا وفلان - يعني شريكه - فأنت حر لم يكن مدبرا وكذلك لو قال الآخر مثل ذلك، فإن مات أحدهما صار العبد مدبرا من الآخر ا هـ. وإنما جاز بيع المدبر المقيد؛ لأن سبب الحرية لم ينعقد في الحال لتردد في هذا القيد لجواز أن لا يموت منه فصار كسائر التعليقات بخلاف المدبر المطلق؛ لأنه تعلق عتقه بمطلق الموت وهو كائن لا محالة وأفاد بقوله ويعتق إذا وجد الشرط أنه لا بد أن يموت في سفره هذا أو مرضه هذا، أو في المدة المعينة فلو أقام، أو صح، أو مضت المدة ثم مات لم يعتق لبطلان اليمين قبل الموت. وفي فتح القدير: من التدبير المقيد أن يقول: إن مت إلى سنة فأنت حر فإن مات قبل السنة عتق مدبرا، وإن مات المولى بعد السنة لا يعتق ومقتضى الوجه كونه لو مات في رأس السنة يعتق؛ لأن الغاية هنا لولاها تناول الكلام ما بعدها؛ لأنه يتنجز عتقه فيصير حرا بعد السنة فتكون للإسقاط ا هـ. وجوابه أن هذا الوجه ليس بمطرد لانتقاضه باليمين في قوله لا أكلمه إلى غد فإن الغاية لا تدخل في ظاهر الرواية فله أن يكلمه في الغد مع أنها غاية إسقاط وكذلك أكلت السمكة إلى رأسها لا تدخل الغاية مع أنه للإسقاط، وفي المجتبى إن مت من مرضي هذا فهو حر فقتل لا يعتق بخلاف ما لو قال في مرضي ولو قال: إن مت من مرضي وبه حمى فتحول صداعا، أو على عكسه قال محمد هو مرض واحد ا هـ. ففرق بين: " من "، و " في " وذكر الولوالجي: رجل قال لعبديه: أحدكما حر بعد موتي وأوصيت له بمائة درهم، ثم مات عتقا ولهما المائة بينهما؛ لأنه لما مات شاع العتق فيهما فتشيع الوصية أيضا ولو قال لكل واحد منهما مائة درهم تبطل إحدى المائتين لأنها وقعت لعبده ا هـ. وبه علم أن من أوصى لعبده بقدر معين من ماله لا يكون مدبرا بخلاف الإيصاء له برقبته، أو بسهم من ماله كما قدمناه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
|