الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
أخره في القران لتأخره عنه رتبة كما قدمه وهو في اللغة من المتاع أو المتعة وهو الانتفاع أو النفع وفي الشريعة ما ذكره بقوله: (وهو أن يحرم بعمرة من الميقات فيطوف لها ويسعى ويحلق أو يقصر وقد حل منها ويقطع التلبية بأول الطواف ثم يحرم بالحج يوم التروية من الحرم ويحج) فقوله من الميقات للاحتراز عن مكة فإنه ليس لأهلها تمتع ولا قران لا للاحتراز عن دويرة أهله أو غيرها كما بيناه في القران، ولم يقيد إحرامها بأشهر الحج؛ لأنه ليس بشرط لكن أداء أكثر طوافها فيها شرط فلو طاف الأقل في رمضان مثلا ثم طاف الباقي في شوال ثم حج من عامه كان متمتعا، وإنما لم يقيد الطواف به لما يصرح به في هذا الباب، وإنما ذكر الحلق لبيان تمام أفعال العمرة لا؛ لأنه شرط في التمتع؛ لأنه مخير بينه وبين بقائه محرما بها إلى أن يدخل إحرام الحج ولا يرد عليه المتمتع الذي ساق الهدي فإنه لا يجوز له الحلق للعمرة حتى لو حلق لها لزمه دم؛ لأن سوق الهدي عارض منعه من التحلل على خلاف الأصل، وفي قوله ثم يحرم بالحج دلالة على تراخي إحرامه عن أفعالها فخرج القران ولم يقيد الحج بأن يكون من عامه للعلم به؛ لأن معنى التمتع الترفق بأداء النسكين في سفرة واحدة. ولا يشترط أن يكون من عام الإحرام بالعمرة بل من عام فعلها حتى لو أحرم بعمرة في رمضان، وأقام على إحرامه إلى شوال من العام القابل ثم طاف لعمرته من القابل ثم حج من عامه ذلك كان متمتعا بخلاف من وجب عليه أن يتحلل من الحج بعمرة كفائت الحج فأخر إلى قابل فتحلل بها في شوال وحج من عامه ذلك لا يكون متمتعا؛ لأنه ما أتى بأفعالها عن إحرام عمرة بل للتحلل عن إحرام الحج فلم تقع هذه الأفعال معتدا بها عن العمرة فلم يكن متمتعا، وقوله يوم التروية بيان للجواز وإلا فالأفضل أن يكون قبله للمسارعة إلى الخير، وقوله من الحرم بيان للميقات المكاني لأهل مكة ولم يقيد بعدم الإلمام بأهله فيما بينهما إلماما صحيحا لما يصرح به قريبا، وحاصله أنه إن ألم بينهما بأهله إلماما صحيحا بطل تمتعه وإلا فلا، والصحيح منه أن لا يكون العود مستحقا عليه يقال ألم بأهله نزل وهو يزور إلماما أي غبا كذا في المغرب، وإنما يقطع التلبية فيها بأوله لما صححه أبو داود عن ابن عباس أنه عليه السلام كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر ولم يذكر طواف القدوم؛ لأنه ليس على المتمتع طواف قدوم كذا في المبتغى أي لا يكون مسنونا في حقه بخلاف القارن؛ لأن المتمتع حين قدومه محرم بالعمرة فقط، وليس لها طواف قدوم ولا صدر، والحكمة فيه أن المعتمر متمكن من أدائها حين وصل إلى البيت، وأما الحاج فغير متمكن من طواف الزيارة لعدم وقته فسن له طواف القدوم إلى أن يجيء وقته، والطواف ركن معظم في العمرة فلا يتكرر في الصدر كالوقوف للحج لا يتكرر كذا في النهاية وفي قوله ويحج دلالة على أنه يسعى للحج، ويرمل في طوافه والذي أتى به أولا إنما هو عن العمرة فإن سعى المتمتع ورمل في طوافه بعد إحرامه بالحج لا يعيدهما في طواف الزيارة؛ لأنهما لا يتكرران. (قوله: ويذبح فإن عجز فقد مر) أي في باب القران فإن حكمهما واحد. (قوله: فإن صام ثلاثة أيام من شوال فاعتمر لم يجزه عن الثلاثة)؛ لأن سبب وجوبه التمتع وهو في هذه الحالة غير متمتع فلا يجوز أداؤه قبل سببه. (قوله: وصح لو بعد ما أحرم بها قبل أن يطوف) أي صح صوم الثلاثة بعد ما أحرم بالعمرة قبل الطواف؛ لأنه أداء بعد السبب؛ لأنه سببه التمتع بالمعنى اللغوي، وهو الترفق لترتيبه على التمتع بالنص ومأخذ الاشتقاق علة للمترتب، والعمرة في أشهر الحج هي السبب فيه؛ لأنها التي بها يتحقق الترفق الذي كان ممنوعا في الجاهلية، وهو معنى التمتع ولما لم يمكنه الخروج عن إحرامها بلا فعل نزل الإحرام منزلتها فلذا جاز بعد إحرامها قبل الفراغ منها قيد بصوم الثلاثة لأن صوم السبعة لا يجوز إلا بعد الفراغ وإن كان السبب فيهما واحدا؛ لأن الله تعالى فصل بينهما فجعل الثلاثة في الحج أي في وقته والسبعة بعد الفراغ، وقيد بكون الصوم في شوال أي في أشهر الحج لأن الصوم قبل أشهر الحج لا يجوز سواء كان بعد ما أحرم للعمرة في أشهر الحج أو لا، وقد تقدم أن الأفضل تأخير صومها إلى السابع من ذي الحجة لرجاء القدرة على الأصل وهو الهدي. (قوله: فإن أراد سوق الهدي أحرم وساق وقلد بدنته بمزادة أو نعل ولا يشعر) بيان لأفضل التمتع اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والواو في قوله وساق بمعنى ثم لأن الأفضل أن لا يحرم بالسوق والتوجه بل يحرم بالتلبية والنية، ثم يسوق وأفاد بالتقليد أنه أفضل من التحليل وبالسوق أنه أفضل من القود إلا إذا كانت لا تنساق فيقودها، والضمير في قوله أراد عائد إلى المتمتع بمعنى مريده، والمراد بالإحرام إحرام العمرة وقيد بالبدنة؛ لأن الشاة لا يسن تقليدها والإشعار في اللغة الإعلام بأن البدنة هدي، والمراد هنا أن يشق سنامها من الجانب الأيمن كذا في شرح الأقطع وفي الهداية قالوا والأشبه هو الأيسر وهو مكروه عند أبي حنيفة حسن عندهما للاتباع الثابت في صحيح مسلم وغيره، وأجيب لأبي حنيفة بأنه مثلة وقد نهى عنه فتعارضا فرجحنا المنع لأنه قول وهو مقدم على الفعل أو نهي وهو المقدم على المبيح ورد بأنه ليس منها؛ لأنها ما يكون تشويها كقطع الأنف والأذنين فليس كل جرح مثلة ولأنه نهى عنها في أول الإسلام وفعل الإشعار في حجة الوداع فلو كان منها لم يفعله وبان إشعاره عليه السلام لصيانة الهدي؛ لأن المشركين لا يمتنعون عن تعرضه إلا به، وقال الطحاوي: إنما كره أبو حنيفة الإشعار المحدث الذي يفعل على وجه المبالغة ويخاف منه السراية إلى الموت لا مطلق الإشعار واختاره في غاية البيان وصححه وفي فتح القدير أنه الأولى. (قوله: ولا يتحلل بعد عمرته)؛ لأن سوق الهدي يمنعه من التحلل لحديث البخاري: «إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر}، وقد قدمنا أنه لو حلق رأسه بعد الفراغ من عمرته وقد كان ساق الهدي لزمه دم ومقتضاه أنه يلزمه موجب كل جناية على الإحرام كأنه محرم. والحاصل أن لسوق الهدي تأثيرا في إثبات الإحرام ابتداء فكان له أثر في استدامة الإحرام أيضا بل أولى؛ لأن البقاء أسهل كذا في النهاية. (قوله: ويحرم بالحج يوم التروية وقبله أحب) لما ذكرناه في متمتع لا يسوق الهدي، وإنما ذكر يوم التروية؛ لأن الأفعال بعد ذلك تتعقب الإحرام. (قوله: فإذا حلق يوم النحر حل من إحراميه) أي من إحرامي الحج والعمرة وهو تصريح ببقاء إحرام العمرة بعد الوقوف بعرفة إلى الحلق، وأورد عليه في النهاية بأن القارن إذا قتل صيدا بعد الوقوف بعرفة لا يلزمه قيمتان، وأجاب بأن إحرام العمرة قد انتهى بالوقوف في حق سائر الأحكام وإنما يبقى في حق التحلل لا غير كأحكام الحج تنتهي بالحلق في يوم النحر، ولا يبقى إلا في حق النساء خاصة واستبعده الشارح الزيلعي وهو المراد عند إطلاق الشارح في هذا الكتاب بأن القارن إذا جامع بعد الوقوف يجب عليه بدنة للحج وللعمرة شاة وبعد الحلق قبل الطواف شاتان ا هـ. لكن صاحب النهاية لم يجزم به إنما عزاه إلى شيخ الإسلام في مبسوطه وهو اختياره وأكثر عبارات الأصحاب كما قال الشارح وفي فتح القدير وهو الظاهر إذ قضاء الأعمال لا يمنع بقاء الإحرام، والوجوب إنما هو باعتبار أنه جناية على الإحرام لا على الأعمال، والفرع المنقول في الجماع يدل على ما قلنا وقد تناقض كلام شيخ الإسلام فإنه أوجب في جماع القارن بعد الوقوف شاتين فلا يخلو من أن يكون إحرام العمرة بعد الوقوف توجب الجناية عليه شيئا أو لا فإن أوجبت لزم شمول الوجوب وإلا فشمول العدم فالحاصل أن المذهب بقاء إحرام العمرة إلى الحلق، ويحل منه في كل شيء حتى في حق النساء إذا كان متمتعا ساق الهدي؛ لأن المانع له من التحلل سوقه وقد زال بذبحه وفي القارن يحل منه في كل شيء إلا في النساء كإحرام الحج، وهذا هو الفرق بين المتمتع الذي ساق الهدي وبين القارن وإلا فلا فرق بينهما بعد الإحرام بالحج على الصحيح كما ذكرنا وفي المحيط قارن طاف لعمرته، ثم حل فعليه دمان ولا يحل من عمرته بالحلق ولو أحرم بعمرة فطاف لها ثم أضاف إليها حجة ثم حلق يحل من عمرته ولا شيء عليه؛ لأنه بمنزلة من أحرم بالحجة بعدما حلق من العمرة. (قوله: ولا تمتع ولا قران لمكي ومن حولها) لقوله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} بناء على عود اسم الإشارة إلى التمتع لا إلى الهدي بقرينة وصلها باللام وهي تستعمل فيما لنا أن نفعله بخلاف الهدي فإنه علينا فلو كان مرادا لقيل ذلك على من لم يكن، ولكونها اسم إشارة للبعيد والتمتع أبعد من الهدي ثم ظاهر الكتب متونا وشروحا وفتاوى أنه لا يصح منهم تمتع ولا قران لقولهم وإذا عاد المتمتع إلى أهله ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه. قال في غاية البيان ولهذا قلنا لم يصح تمتع المكي لوجود الإلمام الصحيح ومقتضاه أنه لو أحرم بعمرة في أشهر الحج، وحل منها ثم أحرم بحج فإنه لا يلزمه دم لكن صرح في التحفة بأنه يصح تمتعهم وقرانهم فإنه نقل في غاية البيان عنها أنهم لو تمتعوا جاز، وأساءوا ويجب عليهم دم الجبر، وهكذا ذكر الإسبيجابي ثم قال ولا يباح لهم الأكل من ذلك الدم ولا يجزئهم الصوم إن كانوا معسرين فتعين أن يكون المراد بالنفي في قولهم لا تمتع ولا قران لمكي نفي الحل لا نفي الصحة، ولذا وجب دم جبر لو فعلوا، وهو فرع الصحة واشتراطهم عدم الإلمام فيما بينهما إنما هو للتمتع المنتهض سببا للثواب المترتب عليه وجوب دم الشكر فالحاصل أن المكي إذا أحرم بعمرة في أشهر الحج فإن كان من نيته الحج من عامه فإنه يكون آثما؛ لأنه عين التمتع المنهي عنه لهم فإن حج من عامه لزمه دم جناية لا دم شكر، وإن لم يكن من نيته الحج من عامه ولم يحج فإنه لا يكون آثما بالاعتمار في أشهر الحج؛ لأنهم وغيرهم سواء في رخصة الاعتمار في أشهر الحج، وما في البدائع من أن الاعتمار في أشهر الحج للمكي معصية محمول على ما إذا حج من عامه، وإذا قرن فإنه يكون آثما أيضا ويلزمه دم جناية وفي الهداية بخلاف المكي إذا خرج إلى الكوفة وقرن حيث تصح؛ لأن عمرته وحجته ميقاتيتان فصار بمنزلة الآفاقي. قال الشارحون قيد بالقران لأنه لو تمتع فإنه لا يصح ويلزمه دم جناية لوجود الإلمام الصحيح بينهما فقد فرقوا بين التمتع والقران فشرطوا في التمتع عدم الإلمام دون القران، ومقتضى الدليل أنه لا فرق بينهما في هذا الشرط، وأن المكي يأثم إذا أحرم من الميقات بهما أو بالعمرة في أشهر الحج ثم حج من عامه؛ لأن التمتع المذكور في الآية يعمهما كما قدمناه وإيجابهم دم الجناية على المكي إذا خرج إلى الميقات وتمتع مقتض لوجوب الدم على الآفاقي إذا تمتع، وقد ألم بينهما إلماما صحيحا ولم يصرحوا به، وإنما قالوا بطل تمتعه والمراد بمن حولها من كان داخل المواقيت فإنهم بمنزلة أهل مكة وإن كان بينهم وبين مكة مسيرة سفر؛ لأنهم في حكم حاضري المسجد الحرام، وفي النهاية وأما القران من المكي فيكره ويلزمه الرفض والعمرة له في أشهر الحج لا تكره ولكن لا يدرك فضيلة التمتع لأن الإلمام قطع تمتعه ا هـ. ولم يبين المرفوض وبينه في المحيط فقال مكي أحرم بعمرة وحجة رفض العمرة ومضى في الحجة وعليه عمرة ودم فإن مضى في العمرة لزمه دم لجمعه بينهما فإنه لا يجوز له الجمع فإذا جمع فقد احتمل وزرا فارتكب محظورا فلزم دم كفارة ثم لا بد من رفض أحدهما خروجا عن المعصية فرفض العمرة أولى فإن طاف لعمرته ثلاثة أشواط ثم أحرم بالحج رفض الحج عند أبي حنيفة؛ لأنه امتناع وهو أسهل من الإبطال وعندهما برفض العمرة ولو طاف لها أربعة أشواط ثم أحرم بالحج أتمهما وعليه دم لارتكابه المنهي عنه ا هـ. وفيها أيضا وذكر الإمام المحبوبي أن هذا المكي الذي خرج إلى الكوفة وقرن إنما يبيح قرانه إذا خرج من الميقات قبل دخول أشهر الحج، فأما إذا دخل أشهر الحج وهو بمكة ثم قدم الكوفة ثم عاد وأحرم بها من الميقات لم يكن قارنا؛ لأنه لما دخل أشهر الحج وهو بمكة صار ممنوعا من القران شرعا فلا يتغير ذلك بخروجه من الميقات وتعقبه في فتح القدير بأن الظاهر الإطلاق؛ لأن كل من حل بمكان صار من أهله مطلقا. (قوله: فإن عاد المتمتع إلى بلده بعد العمرة ولم يسق الهدي بطل تمتعه وإن ساق لا) أي لا يبطل يعني إذا حج من عامه لا يلزمه دم الشكر في الأول ويلزمه في الثاني ومحمد رحمه الله تعالى أبطل التمتع فيهما؛ لأنه أداهما بسفرتين والمتمتع من يؤديهما بسفرة واحدة وهما جعلا استحقاق العود كعدمه فإنه بالهدي استدام إحرام العمرة إلى أن يحرم بالحج ويحل منهما، وظاهر كلامهم أن سوق الهدي يمنعه من التحلل وأنه التزام لإحرام الحج من عامه لكن في فتح القدير أنه لو بدا له بعد العمرة أن لا يحج من عامه لا يؤاخذ بذلك فإنه لم يحرم بالحج بعد وإذا ذبح الهدي أو أمر بذبحه يقع تطوعا ا هـ. وكذا الشارح أيضا في دليل محمد لكون العود غير مستحق عليه أنه لو بعث هديه لينحر عنه ولم يحج كان له ذلك فقولهما أن العود مستحق عليه بسوق الهدي معناه إذا أراد المتعة لا مطلقا وفي المحيط فإن ذبح الهدي ورجع إلى أهله فله أن لا يحج؛ لأنه لم يوجد منه في حق الحج إلا مجرد النية وبمجردها لا يلزمه الحج فإذا نوى أن لا يحج ارتفعت نية الحج فصار كأنه لم ينو في الابتداء وإن أراد أن ينحر هديه، ويحل ولا يرجع إلى أهله ويحج من عامه ذلك لم يكن له ذلك؛ لأنه مقيم على عزم التمتع فيمنعه الهدي من الإحلال فإن فعله ثم رجع إلى أهله ثم حج لا شيء عليه؛ لأنه غير متمتع ولو حل بمكة ونحر هديه ثم حج قبل أن يرجع إلى أهله لزمه دم لتمتعه؛ لأنه لم يلم بأهله فيما بين النسكين وعليه دم آخر؛ لأنه حل قبل يوم النحر. ا هـ. فالحاصل أنه إذا ساق الهدي لا يخلو إما أن يتركه إلى يوم النحر أو لا فإن تركه إليه فتمتعه صحيح ولا شيء عليه غيره سواء عاد إلى أهله أو لا وإن تعجل ذبحه فإما أن رجع إلى أهله أو لا فإن رجع إلى أهله فلا شيء عليه مطلقا سواء حج من عامه أو لا وإن لم يرجع إليهم فإن لم يحج من عامه فلا شيء عليه وإن حج منه لزمه دمان دم المتعة ودم الحل قبل أوانه، ورجح في فتح القدير مذهب الشافعي في أن عدم الإلمام بينهما ليس بشرط في التمتع فلا يبطل تمتعه بعوده إلى أهله سواء ساق الهدي أو لا؛ لأن الآية إنما منعت التمتع لمن كان حاضر المسجد الحرام لا لأجل إلمامهم بأهلهم بينهما بل لتيسر العمرة لهم في كل وقت بخلاف الغير قيد بقوله بعد العمرة؛ لأنه لو عاد بعدما طاف لها الأقل لا يبطل تمتعه؛ لأن العود مستحق عليه؛ لأنه ألم بأهله محرما بخلاف ما إذا طاف الأكثر، ودخل في قوله بعد العمرة الحلق فلا بد للبطلان منه؛ لأنه من واجباتها وبه التحلل فلو عاد بعد طوافها قبل الحلق ثم حج من عامه قبل أن يحلق في أهله فهو متمتع؛ لأن العود مستحق عليه عند من جعل الحرم شرطا في جواز الحلق وهو أبو حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف إن لم يكن مستحقا فهو مستحب كذا في البدائع وغيره. (قوله: ومن طاف أقل أشواط العمرة قبل أشهر الحج وأتمها فيها كان متمتعا وبعكسه لا) أي لو طاف أكثر أشواطها قبلها وأتمها فيها لا يكون متمتعا؛ لأن للأكثر حكم الكل قال الإمام الأقطع فصار ذلك أصلا في أن كل ما يتعلق بالإحرام من الأفعال فحكم أكثره حكم جميعه في باب الجواز ومنع ورود الفساد عليه. وأشار إلى أنه لا يشترط وجود إحرامها في أشهر الحج؛ لأن المعتبر إنما هو الطواف وفي المحيط ولو طاف كله في رمضان جنب أو محدث ثم أعاده في شوال لم يكن متمتعا؛ لأن طواف المحدث لا يرتفض بالإعادة فلم تقع العمرة والحج في أشهر الحج، وكذلك طواف الجنب على رواية الكرخي فكان الفرض هو الأول ولم يوجد في أشهر الحج وعلى قول غيره يرتفع الأول بالإعادة لكن تعلق بهذا الطواف في رمضان المنع عن العمرة لهذا السفر بدليل أنه لو أتم هذه العمرة ثم ابتدأ إحرام العمرة في أشهر الحج ثم اعتمر عمرة جديدة وحج من عامه لم يكن متمتعا فلا يرتفض هذا الطواف الأول بالإعادة بخلاف طواف الزيارة؛ لأنه لا يتعلق به منع عن شيء حتى ينتقض بالإعادة ا هـ. وعلم من هذا أن الاعتمار في سنة قبل أشهر الحج مانع من التمتع في سنته سواء أتى بعمرة أخرى في أشهر الحج أو لا، وإنما اختصت المتعة بأفعال العمرة في أشهر الحج؛ لأن أشهر الحج كان متعينا للحج قبل الإسلام فأدخل الله العمرة فيها إسقاطا للسفر الجديد عن الغرباء فكان اجتماعهما في وقت واحد في سفر واحد رخصة وتمتعا، وفي فتح القدير وهل يشترط في القران أيضا أن يفعل أكثر أشواط العمرة في أشهر الحج ذكر في المحيط أنه لا يشترط وكأنه مستند في ذلك إلى ما قدمناه عن محمد وقدمنا جوابه في باب القران. (قوله: وهي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة) أي أشهر الحج المرادة في قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} وهو مروي عن العبادلة الثلاثة ورواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر فالمراد حينئذ من الجمع شهران، وبعض الثالث وذكر في الكشاف فإن قلت فكيف كان الشهران وبعض الثالث أشهرا قلت اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد بدليل قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} فلا سؤال فيه إذن، وإنما يكون موضعا للسؤال لو قيل ثلاثة أشهر معلومات ا هـ. وما في غاية البيان من أنه عام مخصوص ففيه نظر؛ لأن أخص الخصوص في العام إذا كان جمعا ثلاثة لا يجوز التخصيص بعده فالأولى ما ذكره في الكشاف، وفائدة التوقيت بهذه الأشهر أن شيئا من أفعال الحج لا يجوز إلا فيها حتى إذا صام المتمتع أو القارن ثلاثة أيام قبل أشهر الحج لا يجوز، وكذا السعي بين الصفا والمروة عقب طواف القدوم لا يجوز إلا في أشهر الحج، وأنه لا يكره الإحرام بالحج فيه مع أنه يكره الإحرام بالحج في غير أشهر الحج، وأنه لو أحرم بعمرة يوم النحر فأتى بأفعالها ثم أحرم من يومه ذلك بالحج وبقي محرما إلى قابل فحج كان متمتعا قال في فتح القدير وهذا يعكر على ما تقدم ويوجب أن يضع مكان قولهم وحج من عامه ذلك في تصوير التمتع، وأحرم بالحج من عامه ذلك. ا هـ. وسيأتي في باب إضافة الإحرام إلى الإحرام أنه لو أحرم بعمرة يوم النحر وجب عليه الرفض والتحلل لارتكابه النهي فينبغي أن لا يكون متمتعا؛ لأنه مكي وعمرته وحجته مكية والمتمتع من عمرته ميقاتية وحجته مكية والقعدة بالكسر والفتح ولم يسمع في الحجة إلا الكسر. (قوله: وصح الإحرام به قبلها وكره) أي صح الإحرام بالحج قبل أشهر الحج مع الكراهة بناء على أنه شرط وليس بركن لعدم اتصال الأفعال به فجاز تقديمه على الزمان كالتقديم على المكان وكالطهارة للصلاة بخلاف تحريمتها فإنه لا يجوز تقديمها على الوقت، وإن كانت شرطا عندنا لما أن الأفعال متصلة بها لقوله تعالى: {وذكر اسم ربه فصلى} لأن الفاء للوصل والتعقيب بلا تراخ، وإنما كره للطول المفضي إلى الوقوع في محظوره أو على أنه شرط شبيه بالركن ولذا إذا أعتق العبد بعدما أحرم لا يتمكن عن أن يخرج عن ذلك الإحرام للفرض فالصحة للشرط والكراهة للشبه وأطلقوا الكراهة فهي تحريمية؛ لأنها المرادة عند إطلاقهم لها. (قوله: ولو اعتمر كوفي فيها وأقام بمكة أو بصرة وحج صح تمتعه) أراد بالكوفي الآفاقي الذي يشرع له التمتع والقران كما أن المراد بالبصرة مكان لأهل التمتع والقران سواء كان البصرة أو غيرها أما إذا أقام بمكة أو خارجها داخل المواقيت فلأن عمرته آفاقية وحجته مكية، فلذا كان متمتعا اتفاقا، وأما إذا خرج إلى مكان لأهله التمتع وليس وطنه فلأن السفرة الأولى قائمة ما لم يعد إلى وطنه، وقد اجتمع له نسكان فيها فوجب دم التمتع ثم اختلف الطحاوي والجصاص فنقل الطحاوي أن هذا قول الإمام، وأن قول صاحبيه بطلان التمتع لما أن نسكيه هذين ميقاتيان، ولا بد فيه أن تكون حجته مكية، ونقل الجصاص أنه متمتع اتفاقا قال فخر الإسلام إنه الصواب وقوى الأول الشارح وأطلق في إقامة مكة أو بصرة فشمل ما إذا اتخذهما دارا أو لا كما صرح به الإسبيجابي والكيساني فما في الهداية من التقييد باتخاذهما دارا اتفاقي وقيد بكونه اعتمر في أشهر الحج إذ لو اعتمر قبلها لا يكون متمتعا اتفاقا، وقيد بالكوفي لأن المكي لا تمتع له اتفاقا، وقيد بكونه رجع إلى غير وطنه؛ لأنه لو رجع إلى وطنه بطل تمتعه اتفاقا إذا لم يكن ساق الهدي، وعبارة المجمع وخرج إلى البصرة أولى من التعبير بالإقامة بها؛ لأن الحكم عند الإمام لا يختلف بين أن يقيم بها خمسة عشر يوما أو لا، والأول محل الخلاف وفي الثاني يكون متمتعا اتفاقا كذا في المصفى. (قوله: ولو أفسدها فأقام بمكة وقضى وحج لا إلا أن يعود إلى أهله) أي لو أفسد الكوفي عمرته فأقام بمكة وقضى العمرة من عامه لا يكون متمتعا إلا أن يرجع إلى وطنه بعد الخروج عن إحرام الفاسدة ثم يعود محرما من الميقات بعمرة ثم يحج من عامه فإنه يكون متمتعا، أما الأول فلأن سفره انتهى بالفساد فلما قضاها صارت عمرته مكية ولا تمتع لأهل مكة، وأما الثاني فلأن عمرته ميقاتية وحجته مكية فصار متمتعا ولا يضره كون العمرة قضاء عما أفسده إن كانت قضاء وفي قوله إلا أن يعود إلى أهله دلالة على أن المراد بالإقامة بمكة الإقامة بمكان غير وطنه سواء كان مكة أو غيرها ولا خلاف فيما إذا أقام بمكة، وأما إذا أقام بغيرها فهو مذهب الإمام وقالا يكون متمتعا؛ لأنه إنشاء سفر فهو كالعود إلى وطنه، وله أن سفره الأول باق ما لم يعد إلى وطنه، وقد انتهى بالفاسد وهذه المسألة أيدت نقل الطحاوي، وقيده في المبسوط بأن يجاوز المواقيت في أشهر الحج أما إذا جاوزها قبلها ثم أهل بعمرة فيها كان متمتعا عند الإمام أيضا؛ لأنه بمجاوزة الميقات صار في حكم من لم يدخل مكة إن كان في أشهر الحج فلأنه لما دخلت وهو داخل المواقيت حرم عليه التمتع كما هو حرام على أهل مكة، فلا تنقطع هذه الحرمة بخروجه من المواقيت بعد ذلك كالمكي. (قوله: وأيهما أفسد مضى فيه ولا دم عليه) يعني الكوفي إذا قدم بعمرة ثم حج من عامه ذلك فأي النسكين أفسده مضى فيه؛ لأنه لا يمكنه الخروج عن عهدة الإحرام إلا بالأفعال ولا يجب عليه دم التمتع؛ لأنه لم ينتفع بأداء نسكين صحيحين في سفر واحد وهو السبب في وجوبه، وهذا هو المراد بنفي الدم في عبارته، وإلا فمن أفسد حجه لزمه دم. (قوله: ولو تمتع وضحى لم يجزه عن المتعة)؛ لأنه أتى بغير الواجب لأن الواجب دم التمتع وإلا الأضحية فليست بواجبة عليه؛ لأنه مسافر أطلقه فشمل الرجل والمرأة، وإنما وضع محمد المسألة في المرأة إما لأنها واقعة امرأة، وإما لأن هذا إنما يشتبه على المرأة؛ لأن الجهل فيها أغلب فإذا لم يجز عن المتعة فإن كان تحلل بناء على جهله لزمه دمان دم التمتع ودم التحلل قبل أوانه وإلا فدم التمتع وقد استفيد من هذا أن دم التمتع يحتاج إلى النية، وقد يقال إنه ليس فوق طواف الركن ولا مثله وقد قدمنا أنه لو نوى به التطوع أجزأه عن الركن فينبغي أن يكون الدم كذلك بل أولى. (قوله: ولو حاضت عند الإحرام أتت بغير الطواف) {لقوله عليه السلام لعائشة حين حاضت بسرف افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري} فأفاد أن طوافها حرام، وهو من وجهين دخولها المسجد وترك واجب الطهارة فإن الطهارة واجبة في الطواف فلا يحل لها أن تطوف حتى تطهر فإن طافت كانت عاصية مستحقة لعقاب الله ولزمها الإعادة فإن لم تعد كان عليها بدنة، وتم حجها. (قوله: ولو عند الصدر تركته كمن أقام بمكة) يعني ولا شيء عليها؛ لأنه واجب يسقط بالعذر والحيض والنفاس عذر وكذا إذا أخرت طواف الزيارة إلى وقت طهرها فإنه لا يجب عليها شيء للعذر، وقد قدمنا ذلك كله في طواف الصدر وأطلق في سقوطه عمن أقام بمكة فشمل ما إذا أقام بعدما حل النفر الأول أو لا وفيه اختلاف، وقد قدمناه هناك والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
|