الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
ذكرها عقب سجود السهو لأنها من العوارض السماوية والأول أعم موقعا لشموله المريض والصحيح فكانت الحاجة إلى بيانه أمس فقدمه وتصور مفهوم المرض ضروري إذ لا شك أن فهم المراد من لفظ المرض أجلى من فهمه من قولنا معنى يزول بحلوله في بدن الحي اعتدال الطبائع الأربع بل ذلك يجري مجرى التعريف بالأخفى وعرفه في كشف الأسرار بأنه حالة للبدن خارجة عن المجرى الطبيعي والإضافة فيه من باب إضافة الفعل إلى فاعله كقيام زيد أو إلى محله كتحريك الخشب. (قوله: تعذر عليه القيام أو خاف زيادة المرض صلى قاعدا يركع ويسجد) لقوله تعالى: {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} قال ابن مسعود وجابر وابن عمر الآية نزلت في الصلاة أي قياما إن قدروا وقعودا إن عجزوا عنه وعلى جنوبهم إن عجزوا عن القعود ولحديث عمر بن حصين أخرجه الجماعة إلا مسلما {قال كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك» زاد النسائي {فإن لم تسطيع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» ثم المصنف رحمه الله أراد بالتعذر التعذر الحقيقي بحيث لو قام سقط بدليل أنه عطف عليه التعذر الحكمي وهو خوف زيادة المرض واختلفوا في التعذر فقيل ما يبيح الإفطار وقيل التيمم وقيل بحيث لو قام سقط وقيل ما يعجزه عن القيام بحوائجه والأصح أن يلحقه ضرر بالقيام كذا في النهاية والمجتبى وغيرهما وإذا كان التعذر أعم من الحقيقي والحكمي فلا حاجة إلى جعل التعذر بمعنى التعسر وإنهم لا يريدون به عدم الإمكان كما في الذخيرة وفي المجتبى حد المرض المسقط للقيام والجمعة والمبيح للإفطار والتيمم زيادة العلة أو امتداد المرض أو اشتداده أو يجد به وجعا ا هـ. قيد بتعذر القيام أي جميعه لأنه لو قدر عليه متكئا أو متعمدا على عصا أو حائط لا يجزئه إلا كذلك خصوصا على قولهما فإنهما يجعلان قدرة الغير قدرة له قال الهندواني إذا قدر على بعض القيام يقوم ذلك ولو قدر آية أو تكبيرة ثم يقعد وإن لم يفعل ذلك خفت أن تفسد صلاته هذا هو المذهب ولا يروى عن أصحابنا خلافه وكذا إذا عجز عن القعود وقدر على الاتكاء والاستناد إلى إنسان أو إلى حائط أو إلى وسادة لا يجزئه إلا كذلك ولو استلقى لا يجزئه ودخل تحت العجز الحكمي ما لو صام رمضان صلى قاعدا وإن أفطر صلى قائما يصوم ويصلي قاعدا وما لو عجز عن السجود وقدر على القيام فإنه لا يجب عليه القيام وما لو صلى قائما سلس بوله ولو صلى قاعدا لا فإنه يصلي قاعدا بخلاف ما لو كان لو قام أو قعد سال بوله ولو استلقى لا فإنه يصلي قاعدا ولا يستلقي لأنها مستلقيا لا تجوز عند الاختيار بحال كما لا تجوز مع الحدث فاستويا وتمامه في المحيط وما لو كان في بطنها ولد فأخرجت إحدى يديه وتخاف خروج الوقت تصلي بحيث لا يلحق الولد ضرر لأن الجمع بين حق الله وحق الولد ممكن كما في التجنيس وما لو خاف من العدو إن صلى قائما أو كان في خباء لا يستطيع أن يقيم صلبه فيه وإن خرج لم يستطع أن يصلي من الطين والمطر أنه يصلي قاعدا ومن به أدنى علة وهو في طريق فخاف إن نزل عن المحمل للصلاة بقي في الطريق فإنه يجوز أن يصلي الفرائض على محمله وكذا المريض الراكب إذا لم يقدر على النزول ولا على من ينزله بخلاف ما لو قدر على من ينزله واختلف المشايخ فيما إذا كان يستطيع القيام لو صلى في بيته ولو خرج إلى الجماعة يعجز عن القيام والأصح أنه يخرج إلى الجماعة ويصلي قاعدا كذا في الولوالجية وقدمنا في باب صفة الصلاة أن الفتوى على خلافه. (قوله: وموميا إن تعذر) أي يصلي موميا وهو قاعد إن تعذر الركوع والسجود لما قدمناه ولأن الطاعة بحسب الطاقة وفي المجتبى وقد كان كيفية الإيماء بالركوع والسجود مشتبها على أنه يكفيه بعض الانحناء أم أقصى ما يمكنه إلى أن ظفرت بحمد الله على الرواية وهو ما ذكره شمس الأئمة الحلواني أن المومي إذا خفض رأسه للركوع شيئا ثم للسجود جاز ولو وضع بين يديه وسائد وألصق جبهته عليها ووجد أدنى الانحناء جاز عن الإيماء وإلا فلا ومثله في تحفة الفقهاء وذكر أبو بكر إذا كان بجبهته وأنفه عذر يصلي بالإيماء ولا يلزمه تقريب الجبهة إلى الأرض بأقصى ما يمكنه وهذا نص في بابه ا هـ. ثم إذا صلى المريض قاعدا بركوع وسجود أو بإيماء كيف يقعد أما في حال التشهد فإنه يجلس كما يجلس للتشهد بالإجماع وأما في حالة القراءة وحال الركوع روي عن أبي حنيفة أنه يجلس كيف شاء من غير كراهة إن شاء محتبيا وإن شاء متربعا وإن شاء على ركبتيه كما في التشهد وقال زفر يفترش رجله اليسرى في جميع صلاته والصحيح ما روي عن أبي حنيفة لأن عذر المرض أسقط عنه الأركان فلأن يسقط عنه الهيئات أولى كذا في البدائع وفي الخلاصة والتجنيس والولوالجية الفتوى على قول زفر لأن ذلك أيسر على المريض ولا يخفى ما فيه بل الأيسر عدم التقييد بكيفية من الكيفيات والمذهب الأول وفي الخلاصة وإن لم يقدر على السجود من جرح أو خوف أو مرض فالكل سواء ومن صلى وبجبهته جرح لا يستطيع السجود عليه لم يجزه الإيماء وعليه أن يسجد على أنفه وإن لم يسجد على أنفه لم يجزه ثم قال وفي الزيادات رجل بحلقه جراح لا يقدر على السجود ويقدر على غيره من الأفعال فإنه يصلي قاعدا بالإيماء ا هـ. وبهذا ظهر أن تعذر أحدهما كاف للإيماء بهما وفي البدائع أن الركوع يسقط عمن يسقط عنه السجود وإن كان قادرا على الركوع ا هـ. ولم أر حكم ما إذا تعذر الركوع دون السجود وكأنه غير واقع وفي القنية أخذته شقيقة لا يمكنه السجود يومئ. (قوله: وجعل سجوده أخفض) أي أخفض من ركوعه لأنه قائم مقامهما فأخذ حكمهما وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة المريض {إن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه» وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {من لم يقدر على السجود فليجعل سجوده ركوعا وركوعه إيماء والركوع أخفض من الإيماء» كذا في البدائع وظاهره كغيره أنه يلزمه جعل السجود أخفض من الركوع حتى لو سواهما لا يصح ويدل عليه أيضا ما سيأتي. (قوله: ولا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه فإن فعل وهو يخفض رأسه صح وإلا لا) أي وإن لم يخفض رأسه لم يجز لأن الفرض في حقه الإيماء ولم يوجد فإن لم يخفض فهو حرام لبطلان الصلاة المنهي عنه بقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} وأما نفس الرفع المذكور فمكروه صرح به في البدائع وغيره لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض يعوده فوجده يصلي كذلك فقال: إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد وإلا فأوم برأسك وروي أن عبد الله بن مسعود دخل على أخيه يعوده فوجده يصلي ويرفع إليه عود فيسجد عليه فنزع ذلك من يد من كان في يده وقال هذا شيء عرض لكم الشيطان أوم بسجودك وروي أن ابن عمر رأى ذلك من مريض فقال أتتخذون مع الله آلهة ا هـ. واستدل للكراهة في المحيط بنهيه عليه السلام عنه وهو يدل على كراهة التحريم وأراد بخفض الرأس خفضها للركوع ثم للسجود أخفض من الركوع حتى لو سوى لم يصح كما ذكره الولوالجي في فتاويه ولو رفع المريض شيئا يسجد عليه ولم يقدر على الأرض لم يجز إلا أن يخفض برأسه لسجوده أكثر من ركوعه ثم يلزقه بجبينه فيجوز لأنه لما عجز عن السجود وجب عليه الإيماء والسجود على الشيء المرفوع ليس بالإيماء إلا إذا حرك رأسه فيجوز لوجود الإيماء لا لوجود السجود على ذلك الشيء ا هـ. وصححه في الخلاصة قيد بكون فرضه الإيماء لعجزه عن السجود إذ لو كان قادرا على الركوع والسجود فرفع إليه شيء فسجد عليه قالوا إن كان إلى السجود أقرب منه إلى القعود جاز وإلا فلا كذا في المحيط وفي السراج الوهاج ثم إذا وجد الإيماء فهو مصل بالإيماء على الأصح لا بالسجود حتى لا يجوز اقتداء من يركع ويسجد به. (قوله: وإن تعذر القعود أومأ مستلقيا أو على جنبه) لأن الطاعة بحسب الاستطاعة والتخير بين الاستلقاء على القفا والاضطجاع على الجنب جواب الكتب المشهورة كالهداية وشروحها وفي القنية مريض اضطجع على جنبه وصلى وهو قادر على الاستلقاء قيل يجوز والأظهر أنه لا يجوز وإن تعذر الاستلقاء يضطجع على شقه الأيمن أو الأيسر ووجهه إلى القبلة ا هـ. وهذا الأظهر خفي والأظهر الجواز وقدم المصنف الاستلقاء لبيان الأفضل وهو جواب المشهور من الروايات وعن أبي حنيفة أن الأفضل أن يصلي على شقه الأيمن وبه أخذ الشافعي لحديث عمران بن حصين السابق وللتصريح به في الآية ولأن استقبال القبلة يحصل به ولهذا يوضع في الحد هكذا ليكون مستقبلا للقبلة فأما المستلقي يكون مستقبل السماء وإنما يستقبل القبلة رجلاه فقط ولنا ما روي عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «قال في المريض إن لم يستطع قاعدا فعلى القفا يومئ إيماء» ولأن التوجه إلى القبلة بالقدر الممكن فرض وذلك في الاستلقاء لأن الإيماء هو تحريك الرأس فإذا صلى مستلقيا يقع إيماؤه إلى القبلة وإذا صلى على الجنب يقع منحرفا عنها ولا يجوز الانحراف عنها من غير ضرورة وقيل إن المرض الذي كان بعمران باسور فكان لا يستطيع أن يستلقي على قفاه والمراد في الآية الاضطجاع يقال فلان وضع جنبه إذا نام وإن كان مستلقيا بخلاف الوضع في اللحد لأنه ليس على الميت فعل يجب توجيهه إلى القبلة ليوضع مستلقيا فكان الاستقبال في الوضع على الجنب وأطلق في تعذر القعود فشمل التعذر الحكمي كما لو قدر على القعود ولكن بزغ الماء من عينيه فأمره الطبيب أن يستلقي أياما على ظهره ونهاه عن القعود والسجود أجزأه أن يستلقي ويصلي بالإيماء لأن حرمة الأعضاء كحرمة النفس كذا في البدائع وفي الخلاصة وإذا لم يقدر على القعود صلى مضطجعا على قفاه متوجها نحو القبلة ورأسه إلى المشرق ورجلاه إلى المغرب وفي المجتبى وينبغي للمستلقي أن ينصب ركبتيه إن قدر حتى لا يمد رجليه إلى القبلة وفي العناية يجعل وسادة تحت رأسه حتى يكون شبه القاعد ليتمكن من الإيماء بالركوع والسجود لأن حقيقة الاستلقاء تمنع الأصحاء عن الإيماء فكيف بالمرضى واقتصار المصنف على بيان البدل للأركان الثلاثة أعني القيام والركوع والسجود إشارة إلى أن القراءة لا بدل لها عند العجز عنها فيصلي بغير القراءة وفي المجتبى قيل في الأمي والأخرس يجب تحريك الشفة واللسان كتلبية الحج وقيل لا يجب وإذا لم يعرف إلا قوله الحمد لله يأتي به في كل ركعة ولا يكررها بخلاف التحيات في التشهد فإنه يكررها قدر التشهد لكون القعود مقدرا ا هـ. وأشار بسقوط الأركان عند العجز إلى سقوط الشرائط عند العجز عنها بالأولى فلو كان وجه المريض إلى غير القبلة ولم يقدر على التحويل إليها بنفسه ولا بغيره يصلي كذلك لأنه ليس في وسعه إلا ذلك ولا إعادة عليه بعد البرء في ظاهر الجواب لأن العجز عن تحصيل الشرائط لا يكون فوق العجز عن تحصيل الأركان وثمة لا تجب الإعادة فهاهنا أولى كذا في البدائع وفي الخلاصة فإن وجد أحدا يحوله فلم يأمره وصلى إلى غير القبلة جاز عند أبي حنيفة بناء على أن الاستطاعة بقوة الغير ليست بثابتة عنده وعلى هذا لو صلى على فراش نجس ووجد أحدا يحوله إلى مكان طاهر ثم قال مريض مجروح تحته ثياب نجسة إن كان بحال لا يبسط تحته شيء إلا تنجس من ساعته له أن يصلي على حاله وكذا لو لم يتنجس الثاني إلا أنه يزداد مرضه له أن يصلي فيه ا هـ. وفي الولوالجية المريض إذا كان لا يمكنه الوضوء أو التيمم وله جارية فعليها أن توضئه لأنها مملوكة وطاعة المالك واجبة إذا عري عن المعصية وإذا كان له امرأة لا يجب عليها أن توضئه لأن هذا ليس من حقوق النكاح إلا إذا تبرعت فهو إعانة على البر والعبد المريض إذا كان لا يستطيع أن يتوضأ يجب على مولاه أن يوضئه بخلاف المرأة المريضة حيث لا يجب على الزوج أن يتعاهدها لأن المعاهدة إصلاح الملك وإصلاح الملك على المالك وأما المرأة حرة فكان إصلاحها عليها ا هـ. وفي التجنيس قال أبو حنيفة في متوضئ لا يقدر على مكان طاهر وقد حضرت الصلاة صلى بالإيماء ثم يعيد ما صلى بالإيماء قضاء لحق الوقت بالتشبه وإنما يعيد لأن العذر جاء من قبل العبد وقال محمد لا يصلي الماشي وهو يمشي ولا السابح وهو يسبح في البحر ولا السائف وهو يضرب بالسيف لأن هذه الأفعال منافية للصلاة ولهذا {شغل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاته يوم الخندق لأجل القتال ثم قال الغريق في البحر إذا حضرته الصلاة إن وجد ما يتعلق به أو كان ماهرا في السباحة بحيث يمكنه الصلاة بالإيماء من غير أن يحتاج فيه إلى عمل كثير افترض عليه أداء الصلاة لأنه قادر ولو لم يجد ما يتعلق به ولم يكن ماهرا في السباحة يعذر بالتأخير إلى أن يخرج لأنه غير قادر على أداء الصلاة» ا هـ. وفي القنية مريض لا يمكنه الصلاة إلا بأصوات مثل أوه ونحوه يجب عليه أن يصلي ولو اعتقل لسانه يوما وليلة فصلى صلاة الأخرس ثم انطلق لسانه لا تلزمه الإعادة. (قوله: وإلا أخرت) أي وإن لم يقدر على الإيماء برأسه أخرت الصلاة إلى القدرة وفي الهداية وقوله أخرت عنه إشارة إلى أنه لا تسقط الصلاة عنه وإن كان العجز أكثر من يوم وليلة إذا كان مفيقا هو الصحيح لأنه يفهم مضمون الخطاب بخلاف المغمى عليه ا هـ. وذهب شيخ الإسلام وقاضي خان وقاضي غني إلى أن الصحيح هو السقوط عن الكثرة لا القلة وفي الظهيرية وهو ظاهر الرواية وعليه الفتوى وفي الخلاصة وهو المختار لأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب وصحح في البدائع وجزم به الولوالجي وصاحب التجنيس مخالفا لما في الهداية واختاره المصنف في الكافي وصححه في الينابيع ورجحه في فتح القدير بالقياس على المغمى عليه ا هـ. وعلى هذا فمعنى قوله عليه السلام فالله أحق بقبول العذر أي عذر السقوط وعلى ما اختاره صاحب الهداية معناه بقبول عذر التأخير كذا في معراج الدراية واستشهد قاضي خان بما ذكره محمد فيمن قطعت يداه من المرفقين ورجلاه من الساقين لا صلاة عليه فثبت أن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب ورده في التبيين بأنه لا دليل فيه على السقوط لأن هناك العجز متصل بالموت وكلامنا فيما إذا صح المريض حتى لو مات المريض أيضا من ذلك الوجه ولم يقدر على الصلاة لا يجب عليه القضاء حتى لا يلزمه الإيصاء به فصار كالمسافر والمريض إذا أفطرا في رمضان وماتا قبل الإقامة والصحة ا هـ. ثم اعلم أن ظاهر ما في بعض الكتب يوهم أن في المسألة ثلاثة أقوال عدم السقوط مطلقا والسقوط مطلقا والتفصيل وليس كذلك فإن الفوائت إذا كانت صلاة يوم وليلة أو أقل فعليه القضاء بالإجماع كما في البدائع وغاية البيان إنما محل الاختلاف فيما إذا كثرت وزادت على يوم وليلة فليس فيها إلا قولان ولأن قاضي خان صحح التفصيل في الفتاوى وصاحب الهداية صحح عدم السقوط مطلقا فيما إذا برأ من مرضه أما إذا مات منه فإنه يلقى الله ولا شيء عليه اتفاقا ينبغي أن يقال إن محله إذا لم يقدر في مرضه على الإيماء بالرأس أما إن قدر عليه بعد عجزه فإنه يلزمه القضاء وإن كان القضاء يجب موسعا لتظهر فائدته في الإيصاء بالإطعام عنه وفي السراج الوهاج أن هذا المسألة على أربعة أوجه إن دام به المرض أكثر من يوم وليلة وهو لا يعقل لا يقضي إجماعا وإن كان أقل من يوم وليلة أو يوما وليلة وهو يعقل قضى إجماعا وإن كان أكثر وهو يعقل أو أقل وهو لا يعقل فهو محل الاختلاف وفي القنية ولا فدية في الصلاة حالة الحياة بخلاف الصوم ولو كان يشتبه على المريض أعداد الركعات أو السجدات لنعاس يلحقه لا يلزمه الأداء ولو أداها بتلقين غيره ينبغي أن يجزئه ا هـ. (قوله: ولم يوم بعينه وقلبه وحاجبه) وقال زفر يومئ بحاجبه فإن عجز فبعينيه فإن عجز فبقلبه وقال الشافعي بعينيه وقلبه وقال الحسن بحاجبيه وقلبه ويعيد إذا صح والصحيح مذهبنا لحديث عمران وابن عمر فإن لم يستطع الإيماء برأسه فالله أحق بقبول العذر منه ولأن فرض السجود تعلق بالرأس دون العين والقلب والحاجب فلا ينقل إليها كاليد واعتبارا بالصوم والحج حيث لا ينتقلان إلى القلب بالعجز وفي فتاوى قاضي خان المريض إذا عجز عن الإيماء فحرك رأسه عن أبي حنيفة أنه قال تجوز صلاته وقال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل لا يجوز لأنه لم يوجد منه الفعل ا هـ. فعلى هذا حقيقة الإيماء إنما هي طأطأة الرأس. (قوله: وإن تعذر الركوع والسجود لا القيام أومأ قاعدا) لأن ركنية القيام للتوصل به إلى السجدة لما فيها من نهاية التعظيم وإذا كان لا يتعقبه السجود لا يكون ركنا فيتخير والأفضل هو الإيماء قاعدا لأنه أشبه بالسجود ولا ترد صلاة الجنازة حيث لم يلزمه ثمة سقوط القيام بسبب سقوط السجود لأن صلاة الجنازة ليست بصلاة حقيقة بل هي دعاء وفي المجتبى وإن أومأ بالسجود قائما لم يجزه وهذا أحسن وأقيس كما لو أومأ بالركوع جالسا لا يصح على الأصح. ا هـ. والظاهر من المذهب جواز الإيماء بهما قائما وقاعدا كما لا يخفى وذكر الولوالجي في فتاويه رجل به جرح إن صلى بالإيماء قائما لا يسيل جرحه وإن ركع وسجد يسيل جرحه يصلي قائما ويومئ للركوع ثم يجلس ويومئ للسجود ليكون أداء الصلاة مع الطهارة فإن لم يفعل كذلك وصلى قائما هكذا ويومئ إيماء لا تجوز صلاته لأن الإيماء للسجود جالسا أقرب إلى حقيقة السجود ا هـ. وأومأ بالهمز كذا في السراج الوهاج. (قوله: ولو مرض في صلاته يتم بما قدر) يعني قاعدا يركع ويسجد أو مومئا إن تعذر أو مستلقيا إن لم يقدر لأنه بناء الأدنى على الأعلى فصار كالاقتداء وهذا هو المشهور وعن أبي يوسف أنه إذا صار إلى حالة الإيماء يستقبل الصلاة لأن تحريمته انعقدت موجبة للركوع والسجود فلا تجوز بدونهما ووجه المشهور أنه إذا بنى كان بعض الصلاة كاملا وبعضها ناقصا وإذا استقبل كانت كلها ناقصة فلأن يؤدي بعضها كاملا أولى وهو الصحيح. (قوله: ولو صلى قاعدا يركع ويسجد فصح بنى ولو كان موميا لا) أي لو كان يصلي بالإيماء فصح لا يبني لأنه لا يجوز اقتداء الراكع بالمومئ فكذا البناء ويجوز اقتداء القائم بالقاعد الذي يركع ويسجد خلافا لمحمد كما سبق قيد بكونه صلى بالإيماء لأنه لو كان افتتحها بالإيماء ثم قدر قبل أن يركع ويسجد بالإيماء جاز له أن يتمها لأنه لم يؤد ركنا بالإيماء وإنما هو مجرد تحريمة فلا يكون بناء القوي على الضعيف وأشار إلى أنه لو كان يومئ مضطجعا ثم قدر على القعود ولم يقدر على الركوع والسجود فإنه يستأنف وهو المختار لأن حالة القعود أقوى فلا يجوز بناؤه على الضعيف. (قوله: وللمتطوع أن يتكئ على شيء إن أعيا) أي تعب لأنه عذر أطلق في الشيء فشمل العصا والحائط وأشار إلى أن له أن يقعد أيضا عند أبي حنيفة وعندهما لا يجوز له القعود إلا إذا عجز لما مر من قبل وقيد بقوله إن أعيا لأن الاتكاء مكروه بغير عذر لأنه إساءة في الأدب وفيه اختلاف المشايخ والصحيح كراهته من غير عذر وعدم كراهة القعود من غير عذر عنده. (قوله: ولو صلى في فلك قاعدا بلا عذر صح) يعني صلى فرضا قاعدا بلا عذر صحت عند أبي حنيفة وقد أساء كما في البدائع وقالا لا يجزئه إلا من علة لأن القيام مقدور عليه فلا يترك وله أن الغالب فيها دوران الرأس وهو كالمحقق الآن أن القيام أفضل لأنه أبعد عن شبهة الخلاف والخروج أفضل إن أمكنه لأنه أمكن لقلبه والخلاف في غير المربوطة والمربوطة كالشط هو الصحيح كذا في الهداية وهو مقيد بالمربوطة بالشط أما إذا كانت مربوطة في لجة البحر فالأصح إن كان الريح يحركها شديدا فهي كالسائرة وإلا فكالواقفة ثم ظاهر الهداية والنهاية والاختيار جواز الصلاة في المربوطة في الشط مطلقا وفي الإيضاح فإن كانت موقوفة في الشط وهي على قرار الأرض فصلى قائما جاز لأنها إذا استقرت على الأرض فحكمها حكم الأرض فإن كانت مربوطة ويمكنه الخروج لم تجز الصلاة فيها لأنها إذا لم تستقر فهي كالدابة بخلاف ما إذا استقرت فإنها حينئذ كالسرير واختاره في المحيط والبدائع وفي الخلاصة وأجمعوا أنه لو كان بحالة يدور رأسه لو قام تجوز الصلاة فيها قاعدا وأراد بالصلاة قاعدا أن تكون بركوع وسجود لأنها لو كانت بالإيماء لا تجوز اتفاقا لأنه لا عذر وأطلقها فشمل ما إذا كان منفردا أو بجماعة فلو اقتدى به رجل في سفينة أخرى فإن كانت السفينتان مقرونتين جاز لأنهما بالاقتران صارتا كشيء واحد وإن كانتا منفصلتين لم يجز لأن تخلل ما بينهما بمنزلة النهر وذلك يمنع صحة الاقتداء وإن كان الإمام في سفينة والمقتدون على الحد والسفينة واقفة فإن كانت بينه وبينهم طريق أو مقدار نهر عظيم لم يصح اقتداؤهم به لأن الطريق ومثل هذا النهر يمنعان صحة الاقتداء ومن وقف على أطلال السفينة يقتدي بالإمام في السفينة صح اقتداؤه إلا أن يكون أمام الإمام لأن السفينة كالبيت واقتداء الواقف على السطح بمن هو في البيت صحيح إذا لم يكن أمام الإمام ولا يخفى عليه حاله كذا هاهنا كذا في البدائع وقيد بترك القيام لأنه لو ترك استقبال وجهه إلى القبلة وهو قادر عليه لا يجزئه في قولهم جميعا فعليهم أن يستقبلوا بوجههم القبلة كلما دارت السفينة يحول وجهه إليها كذا في الإسبيجابي. (قوله: ومن جن أو أغمي عليه خمس صلوات قضى ولو أكثر لا) وهذا استحسان والقياس أن لا قضاء عليه إذا استوعب الإغماء وقت صلاة كاملة لتحقق العجز وجه الاستحسان أن المدة إذا طالت كثرت الفوائت فيحرج في الأداء وإذا قصرت قلت فلا حرج والكثير أن يزيد على يوم وليلة لأنه يدخل في حد التكرار والجنون كالإغماء على الصحيح وفي تحرير الأصول الجنون ينافي شرط العبادات وهي النية فلا تجب مع الممتد منه مطلقا للحرج وما لا يمتد طارئا جعل كالنوم من حيث إنه عارض يمنع فهم الخطاب زال قبل الامتداد ولأنه لا ينفي أصل الوجوب إذ هو بالذمة وهي له حتى ورث وملك وكان أهلا للثواب كأن نوى صوم الغد فجن فيه ممسكا كله صح فلا يقضي لو أفاق بعده ا هـ. قيد بالجنون والإغماء لأن النوم لا يسقط مطلقا حتى لو نام أكثر من يوم وليلة يقضي لو أفاق بعده ا هـ. قيد بالجنون وليلة غالبا فلا يحرج في القضاء بخلاف الإغماء لأنه مما يمتد عادة وقيده بدوام الإغماء لأنه إذا كان يفيق فيها فإنه ينظر فإن كان لإفاقته وقت معلوم مثل أن يخف عنه المرض عند الصبح مثلا فيفيق قليلا ثم يعاوده فيغمى عليه تعتبر هذه الإفاقة فيبطل ما قبلها من حكم الإغماء إذا كان أقل من يوم وليلة وإن لم يكن لإفاقته وقت معلوم لكنه يفيق بغتة فيتكلم بكلام الأصحاء ثم يغمى عليه فلا عبرة بهذه الإفاقة أطلق في الإغماء والجنون فشمل ما إذا كان بسبب فزع من سبع أو خوف من عدو فلا يجب القضاء إذا امتد إجماعا لأن الخوف بسبب ضعف قلبه وهو مرض إلا أنه يرد عليه ما إذا زال عقله بالخمر أو أغمي عليه بسبب شرب البنج أو الدواء فإنه لا يسقط عنه القضاء في الأول وإن طال اتفاقا لأنه حصل بما هو معصية فلا يوجب التخفيف ولهذا يقع طلاقه ولا يسقط أيضا في الثاني عند أبي حنيفة لأن النص ورد في إغماء حصل بآفة سماوية فلا يكون واردا في إغماء حصل بصنع العباد لأن العذر إذا جاء من جهة غير من له الحق لا يسقط الحق وقال محمد يسقط القضاء إذا كثر لأنه إنما حصل بما هو مباح كذا في المحيط وشمل ما إذا كان الجنون أصليا كما إذا بلغ مجنونا وزال وهو قول محمد فالعارض والأصلي عنده سواء في سقوط القضاء إذا كثر وعدمه إذا قل وقال أبو يوسف الأصلي كالصبا فلا قضاء مطلقا كذا في السراج الوهاج وقيد بالصلاة في تسوية الجنون بالإغماء لأن بينهما فرقا في الصوم فإنه إذا أغمي عليه قبل شهر رمضان حتى مضى رمضان كله ثم أفاق فإنه يلزمه قضاء شهر رمضان فلو جن قبل رمضان وأفاق بعدما مضى شهر رمضان لا يلزمه قضاء الصوم كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وظاهر كلامه أن الأكثرية من حيث الصلوات فإن الأكثر من خمس صلوات ست فأكثر وهو قول محمد ورواية عن أبي حنيفة وهو الأصح وعند أبي يوسف وهو رواية عنه أيضا العبرة للزيادة من حيث الساعات وفائدته تظهر فيما إذا أغمي عليه قبل الزوال فأفاق من الغد بعد الزوال فعند أبي يوسف لا يجب القضاء وعند محمد يجب إذا أفاق قبل خروج وقت الظهر والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
|