الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***
قَوْلُهُ (وهو تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ). هَكَذَا قال الْأَصْحَابُ زَادَ في الْمُذْهَبِ أو بِشَرْطٍ يُوجَدُ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ). هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يُعْتَقُ من كل الْمَالِ. قال في الْكَافِي وَلَا عَمَلَ عليه. قال أبو بَكْرٍ هذا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عنه. قال في الْفَوَائِدِ وهو مُتَخَرِّجٌ على أَنَّهُ عِتْقٌ لَازِمٌ كَالِاسْتِيلَادِ وَعَنْهُ يُعْتَقُ من كل الْمَالِ إذَا دَبَّرَهُ في الصِّحَّةِ دُونَ الْمَرَضِ.
فائدة: يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا نَحْوُ إنْ مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ وَمُقَيَّدًا نَحْوُ إنْ مِتّ من مرضى هذا أو عامى أو بهذا الْبَلَدِ فَأَنْتَ حُرٌّ. وَإِنْ قَالَا لِعَبْدِهِمَا إنْ مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِلْحُرِّيَّةِ بِمَوْتِهِمَا جميعا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ وَلَا يُعْتَقُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ منه وَلَا يَبِيعُ وَارِثُهُ حَقَّهُ. قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُهُ حُرٌّ. قُلْت وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قال في الْفُرُوعِ فإذا أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ بَعْدَ آخِرِهِمَا مَوْتًا فَإِنْ جَازَ تَعْلِيقُ الْحُرِّيَّةِ على صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتٍ لِآخَرَ مِنْهُمَا عَلَيْهِمَا وَإِلَّا عَتَقَ نَصِيبُ الْآخَرِ مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ. وفي سِرَايَتِهِ إنْ احْتَمَلَهُ ثُلُثُهُ الرِّوَايَتَانِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ من كل من تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم. وقال الخرقى يَصِحُّ تَدْبِيرُ الْغُلَامِ إذَا جَاوَزَ الْعَشْرَ وَالْجَارِيَةُ إذَا جَاوَزَتْ التِّسْعَ.
تنبيه: قَوْلُهُ (وَصَرِيحُهُ لَفْظُ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِالْمَوْتِ وَلَفْظُ التَّدْبِيرِ وما تَصَرَّفَ منها). مُرَادُهُ غَيْرُ لَفْظِ الْأَمْرِ وَالْمُضَارِعِ. كما تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عليه في أَوَّلِ كِتَابِ الْعِتْقِ فَلْيُرَاجَعْ.
فائدة: كِنَايَاتُ الْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ تَكُونُ لِلتَّدْبِيرِ إذَا أَضَافَ إلَيْهِ ذِكْرَ الْمَوْتِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ.
فائدة: قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا بِأَنْ يَقُولَ إنْ مِتّ في مرضى هذا أو عَامِي هذا فَأَنْتَ حُرٌّ أو مُدَبَّرٌ). وَكَذَا لو قال له إذَا قَدِمَ زَيْدٌ أو جاء رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَيَصِحُّ مُؤَقَّتًا نَحْوُ أنت مُدَبَّرٌ الْيَوْمَ نَصَّ عليه. قَوْلُهُ (وَإِنْ قال مَتَى شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ فَمَتَى شَاءَ في حَيَاةِ السَّيِّدِ صَارَ مُدَبَّرًا) بِلَا نِزَاعٍ. أَعْنِي إذَا قُلْنَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ على صِفَةٍ على ما تَقَدَّمَ في كِتَابِ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قال إنْ شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَذَلِكَ). يَعْنِي كَمَتَى شِئْت وَأَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالْفُرُوعِ. وقال أبو الْخَطَّابِ إنْ شَاءَ في الْمَجْلِسِ صَارَ مُدَبَّرًا وَإِلَّا فَلَا وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ وَالْهَادِي وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ واختاره ابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فائدة: لو قال إذَا شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ مَتَى شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ. وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ. وقال الْقَاضِي يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ وَجَزَمَ بِه ابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ.
فائدة: أُخْرَى لو قال مَتَى شِئْت بَعْدَ موتى فَأَنْتَ حُرٌّ أو أَيَّ وَقْتٍ شِئْت بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ على صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وقد تَقَدَّمَ ذلك في كِتَابِ الْعِتْقِ. وقال الْقَاضِي يَصِحُّ. فَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ ذلك على التَّرَاخِي بَعْدَ مَوْتِهِ وما كَسَبَ فَهُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قال قد رَجَعْت في تَدْبِيرِي أو أَبْطَلْته لم يَبْطُلْ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ). هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. واختاره الْقَاضِي وقال في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ هذه الرِّوَايَةُ أَجْوَدُ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهَا ابن عقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. قال في الْخُلَاصَةِ لم يَبْطُلْ على الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. وَعَنْهُ يَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ لَا يَبْطُلُ إلَّا لِقَضَاءِ دَيْنِهِ . وفي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةٌ لَا يَبْطُلُ في الْأَمَةِ فَقَطْ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ في حَمْلٍ لم يُوجَدْ وَإِنْ رَجَعَ في حَامِلٍ فَفِي حَمْلِهَا وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيِّ. قُلْت الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا فيه.
تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا قال في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا لم يَأْتِ بِصَرِيحِ التَّعْلِيقِ أو بِصَرِيحِ الْوَصِيَّةِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ. الثَّانِي قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ على صِفَةٍ. تَقَدَّمَ في كِتَابِ الْعِتْقِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ على صِفَةٍ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
فائدة: اعْلَمْ أَنَّ التَّدْبِيرَ هل هو تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ على صِفَةٍ أو هو وَصِيَّةٌ فيه رِوَايَتَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ على صِفَةٍ.
تنبيه: يَنْبَنِي على هذا الْخِلَافِ مَسَائِلُ جَمَّةٌ. منها لو قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ هل يُعْتَقُ أَمْ لَا على ما يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَمِنْهَا بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ هل يَجُوزُ أَمْ لَا على ما يَأْتِي قَرِيبًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. وَمِنْهَا هل اعْتِبَارُهُ من الثُّلُثِ أَمْ من كل الْمَالِ على ما تَقَدَّمَ في أَوَّلِ الْبَابِ وَمِنْهَا إبْطَالُ التَّدْبِيرِ وَالرُّجُوعُ عنه بِالْقَوْلِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قال ابن رَجَبٍ بَنَاهُمَا الخرقى وَالْأَصْحَابُ على هذا الْأَصْلِ. فَإِنْ قِيلَ هو وَصِيَّةٌ جَازَ الرُّجُوعُ عنه وَإِنْ قُلْنَا هو عِتْقٌ بِصِفَةٍ فَلَا. قال وَلِلْقَاضِي وأبى الْخَطَّابِ في تَعْلِيقَيْهِمَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا مَبْنِيَّتَانِ على قَوْلِنَا إنَّهُ وَصِيَّةٌ تُنَجَّزُ بِالْمَوْتِ من غَيْرِ قَبُولٍ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْوَصَايَا. وهو مُنْتَقَضٌ بِالْوَصِيَّةِ لِجِهَاتِ الْبِرِّ. قال ولأبى الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ بِنَاءُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ على جَوَازِ الرُّجُوعِ بِالْبَيْعِ أَمَّا إنْ قُلْنَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِالْفِعْلِ فَبِالْقَوْلِ أَوْلَى. وَمِنْهَا لو بَاعَ الْمُدَبَّرُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَهَلْ يَكُونُ بَيْعُهُ رُجُوعًا فَلَا يَعُودُ تَدْبِيرُهُ أَمْ لَا يَكُونُ رُجُوعًا فَيَعُودُ فيه رِوَايَتَانِ أَيْضًا بَنَاهُمَا الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ على هذا الْأَصْلِ. فَإِنْ قُلْنَا التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ بَطَلَتْ بِخُرُوجِهِ عن مِلْكِهِ ولم تَعُدْ بِعَوْدِهِ. وَإِنْ قُلْنَا هو تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ عَادَ بِعَوْدِ الْمِلْكِ بِنَاءً على أَصْلِنَا في عَوْدِ الصِّفَةِ بِعَوْدِ الْمِلْكِ في الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. وَطَرِيقَةُ الخرقى وَطَائِفَةٍ من الْأَصْحَابِ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَعُودُ بِعَوْدِ الْمِلْكِ هُنَا رِوَايَةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ ما إذَا أَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ بِالْقَوْلِ وهو يَتَنَزَّلُ على أَحَدِ أَمْرَيْنِ. إمَّا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ مُطْلَقًا بَلْ تَعُودُ بِعَوْدِهِ. وَإِمَّا أَنَّ هذا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ خَاصَّةً. وَيَأْتِي أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَمِنْهَا لو قال عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِسَنَةٍ فَهَلْ يَصِحُّ وَيُعْتَقُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ أَمْ يَبْطُلُ على رِوَايَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في كِتَابِ الْعِتْقِ فَلْيُرَاجَعْ. وَمِنْهَا لو كَاتَبَ الْمُدَبَّرَ فَهَلْ يَكُونُ رُجُوعًا عن التَّدْبِيرِ أَمْ لَا على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَمِنْهَا لو وَصَّى بِعَبْدِهِ ثُمَّ دَبَّرَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ رُجُوعٌ عن الْوَصِيَّةِ وَالثَّانِي ليس بِرُجُوعٍ. فَعَلَى هذا. فائدة: الْوَصِيَّةِ بِهِ أَنَّهُ لو أَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ بِالْقَوْلِ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى له ذَكَرَهُ في المغنى. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْبَنِي على أَنَّ التَّدْبِيرَ هل هو عِتْقٌ بِصِفَةٍ أو وَصِيَّةٍ فَإِنْ قُلْنَا هو عِتْقٌ بِصِفَةٍ قُدِّمَ على الْمُوصَى بِهِ وَإِنْ قُلْنَا هو وَصِيَّةٌ فَقَدْ ازْدَحَمَتْ وَصِيَّتَانِ في هذا الْعَبْدِ فَيَنْبَنِي على أَنَّ الْوَصَايَا الْمُزْدَحِمَةَ إذَا كان بَعْضُهَا عِتْقًا هل تُقَدَّمُ أَمْ يَتَحَاصَّ الْعِتْقُ وَغَيْرُهُ على رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْمُحَاصَّةِ فَهُوَ كما لو دَبَّرَ نِصْفَهُ وَوَصَّى بِنِصْفِهِ وَيَصِحُّ ذلك على الْمَنْصُوصِ انْتَهَى. قال في الْفَوَائِدِ وقد يُقَالُ الْمُوصَى له إنْ قِيلَ لَا يَمْلِكُ حتى يَقْبَلَ فَقَدْ سَبَقَ زَمَنُ الْعِتْقِ زَمَنَ مِلْكِهِ فَيَنْفُذُ. وَإِنْ قِيلَ يَمْلِكُ من حِينِ الْمَوْتِ فَقَدْ تَقَارَنَ زَمَنُ مِلْكِهِ وَزَمَنُ الْعِتْقِ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْعِتْقِ كما نَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في مَسْأَلَةِ من عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِبَيْعِهِ. وَمِنْهَا الْوَصِيَّةُ بِالْمُدَبَّرِ فَالْمَذْهَبُ أنها لَا تَصِحُّ ذَكَرَهَا الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ الطَّارِئَ إذَا لم يُبْطِلْ الْوَصِيَّةَ على الْمَشْهُورِ فَكَيْفَ يَصِحُّ طَرَيَان الْوَصِيَّةِ على التَّدْبِيرِ وَمُزَاحَمَتُهَا له. وَبَنَى الْمُصَنِّفُ هذه الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا على الْأُصُولِ السَّابِقَةِ. وَمِنْهَا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ هل يَتْبَعُهَا في التَّدْبِيرِ أَمْ لَا على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَلَهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَهِبَتُهُ). هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ وَالشِّيرَازِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ. قال في الْفَائِقِ هذا الْمَذْهَبُ. قال في الْفَوَائِدِ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ. قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إمَّا وَصِيَّةٌ أو تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ وَكِلَاهُمَا لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ قبل الصِّفَةِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُطْلَقًا بِنَاءً على أَنَّهُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ فَيَكُونُ لَازِمًا كَالِاسْتِيلَادِ. وَعَنْهُ لَا يُبَاعُ إلا في الدَّيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الخرقى في الْعَبْدِ فقال وَلَهُ بَيْعُهُ في الدَّيْنِ وَلَا تُبَاعُ الْمُدَبَّرَةُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وفي الْأُخْرَى الْأَمَةُ كَالْعَبْدِ انْتَهَى. وَعَنْهُ لَا تُبَاعُ إلَّا في الدَّيْنِ أو الْحَاجَةِ ذَكَرَهَا الْقَاضِي في الْجَامِعِ وَكِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الخرقى وقد تَقَدَّمَ لَفْظُهُ. وَعَنْهُ لَا تُبَاعُ الْأَمَةُ خَاصَّةً. قال في الرَّوْضَةِ وَلَهُ بَيْعُ الْعَبْدِ في الدَّيْنِ وفي بيعه [بيع] الْأَمَةِ فيه رِوَايَتَانِ. وَمِنْهَا لو جَحَدَ السَّيِّدُ التَّدْبِيرَ فَنَصُّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ ليس بِرُجُوعٍ قَدَّمَه ابن رَجَبٍ. وقال الْأَصْحَابُ إنْ قُلْنَا هو عِتْقٌ بِصِفَةٍ لم يَكُنْ رُجُوعًا وَإِنْ قُلْنَا هو وَصِيَّةٌ فَوَجْهَانِ بِنَاءً على ما إذَا جَحَدَ الموصى الْوَصِيَّةَ هل هو رُجُوعٌ أَمْ لَا. قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَإِنْ أَنْكَرَهُ لم يَكُنْ رُجُوعًا إنْ قُلْنَا تَعْلِيقٌ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ انْتَهَى. قُلْت الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا جَحَدَ الْوَصِيَّةَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا على ما تَقَدَّمَ. وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت إنْ جَوَّزْنَا الرُّجُوعَ وَحَلَفَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ بِمَا يُحْكَمُ عليه إذَا أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ.
فائدة: حُكْمُ وَقْفِ الْمُدَبَّرِ حُكْمُ بَيْعِهِ قَالَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَا حُكْمُ هِبَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ عَادَ التَّدْبِيرُ). هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَبْطُلُ التَّدْبِيرُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ على أَنَّ التَّدْبِيرَ هل هو عِتْقٌ بِصِفَةٍ أو وَصِيَّةٌ على ما تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ ذلك أَيْضًا في الْفَوَائِدِ بِأَتَمَّ من ذلك فَلْيُرَاجَعْ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ رُجُوعُهُ إلَى التَّدْبِيرِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وما وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ بَعْدَ تَدْبِيرِهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا). وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرُهُمْ. قال في الْفَوَائِدِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا في التَّدْبِيرِ كما لو وَلَدَتْهُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ كان مَوْجُودًا حَالَ التَّعْلِيقِ أو الْعِتْقِ أو حَادِثًا بَيْنَهُمَا. وَعَنْهُ في الْحَمْلِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ أَنَّهُ كَحَمْلِ مُعْتَقَةٍ بِصِفَةٍ على ما تَقَدَّمَ في أَوَاخِرِ الْبَابِ الذي قَبْلَهُ. وَعَنْهُ لَا تَتْبَعُهَا الْأُنْثَى إلَّا بِشَرْطِ السَّيِّدِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ بِخِلَافِ الذَّكَرِ قَالَهُ في الْفَائِقِ. وَاخْتَارَ في الِانْتِصَارِ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ. قال في الْفَوَائِدِ وَحَكَى الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ في تَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ رِوَايَتَيْنِ وَبَنَاهُمَا على أَنَّ التَّدْبِيرَ هل هو عِتْقٌ لَازِمٌ كَالِاسْتِيلَادِ أَمْ لَا. وَمِنْ هُنَا قال أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ مبنى على لُزُومِ التَّدْبِيرِ وَخَرَّجَ أبو الْخَطَّابِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا الْحَادِثُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَتْبَعُهَا إذَا كان مَوْجُودًا مَعَهَا في أَحَدِهِمَا من حُكْمِ وَلَدِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ بِنَاءً على أَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ. وَيَنْبَغِي على هذا أَنْ يُخَرِّجَ طَرِيقَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ الْحَادِثُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَأَمَّا ما كان مَوْجُودًا في أَحَدِ الْحَالَيْنِ فَهَلْ يَتْبَعُهَا على وَجْهَيْنِ بِنَاءً على أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَحُكْمُ وَلَدِ الْمُوصَى بها كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ انْتَهَى كَلَامُهُ في الْفوائد وقال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا قال الْأَكْثَرُونَ وَيَكُونُ مُدَبَّرًا بِنَفْسِهِ لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ. وقد نَصَّ في رِوَايَةِ ابن منصور على أَنَّ الْأُمَّ لو عَتَقَتْ في حَيَاةِ السَّيِّدِ لم يُعْتَقْ الْوَلَدُ حتى تَمُوتَ. وَعَلَى هذا لو رَجَعَ في تَدْبِيرِ الْأُمِّ وَقُلْنَا له ذلك بَقِيَ الْوَلَدُ مُدَبَّرًا هذا قَوْلُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ. وقال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ هل هو تَابِعٌ مَحْضٌ لها إنْ عَتَقَتْ عَتَقَ وَإِنْ رُقَّتْ رُقَّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ ابن أبي مُوسَى انْتَهَى. وقال في الِانْتِصَارِ هل يَبْطُلُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بِمَوْتِهِمَا قبل السَّيِّدِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُمَا اخْتَلَفَ كَلَامُهُ وَيَظْهَرُ الْحُكْمُ في وَلَدِهِمَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا قبل التَّدْبِيرِ) هذا الْمَذْهَبُ. قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَكَذَا قال غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَتْبَعُهَا حَكَاهَا أبو الْخَطَّابِ وابن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ من رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَتَأَوَّلَهَا الْمُصَنِّفُ وقال هذه الرِّوَايَةُ بَعِيدَةٌ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لو وَلَدَتْ الْمُوصَى بِوَقْفِهَا أو عِتْقِهَا قبل مَوْتِ الموصى لم يَتْبَعْهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُوصَى بِعِتْقِهَا وَقِيَاسُهُ الْأُخْرَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتْبَعَ في الْوَصِيَّةِ بِالْوَقْفِ بِنَاءً على أَنَّ فيه ثُبُوتَ التَّحْرِيرِ دُونَ التَّمْلِيكِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ. الثَّانِيَةُ وَلَدُ الْمُدَبَّرِ من أَمَةِ الْمُدَبَّرِ نَفْسِهِ كَالْمُدَبَّرِ نَصَّ عليه قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَإِنْ تَسَرَّى الْمُدَبَّرُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَوُلِدَ له فروى عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهُ في التَّدْبِيرِ وَاقْتَصَرَ عليه. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ. قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَلَا يَكُونُ وَلَدُ الْمُدَبَّرِ من أَمَتِهِ مثله في الْأَصَحِّ بَلْ يَتْبَعُ أُمَّهُ وقال في الْفُرُوعِ أَيْضًا وَوَلَدُهُ من غَيْرِ أَمَتِهِ كَالْأُمِّ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ كَالْأُمِّ. وقال في الْفَائِقِ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرِ تَابِعٌ أُمَّهُ لَا أَبَاهُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَلَا يَكُونُ وَلَدُ الْمُدَبَّرِ مثله في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قال الزَّرْكَشِيُّ والخرقى رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنَّمَا حُكِمَ على وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ. أَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرِ فَلَا يَتْبَعُ أَبَاهُ مُطْلَقًا على الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يَتْبَعُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في المغنى الْجَزْمُ بها في وَلَدِهِ من أَمَتِهِ الْمَأْذُونِ له في التَّسَرِّي بها وَيَكُونُ مُدَبَّرًا انْتَهَى.
تنبيه: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَهُ إصَابَةُ مُدَبَّرَتِهِ). أَنَّهُ سَوَاءً شَرَطَهُ أو لَا وهو صَحِيحٌ نَصَّ عليه وَلَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا. وَيَجُوزُ له وَطْءُ ابنتها [ابنتهما] إنْ لم يَكُنْ وطىء أُمَّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. قال في الْفَائِقِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ (وإذا كَاتَبَ الْمُدَبَّرَ أو دَبَّرَ الْمُكَاتَبَ جَازَ. بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو كَاتَبَ الْمُدَبَّرَ فَهَلْ يَكُونُ رُجُوعًا عن التَّدْبِيرِ إنْ قُلْنَا التَّدْبِيرُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ لم يَكُنْ رُجُوعًا. وَإِنْ قُلْنَا هو وَصِيَّةٌ انْبَنَى على أَنَّ كِتَابَةَ الْمُوصَى بِهِ هل تَكُونُ رُجُوعًا فيه وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ رُجُوعٌ. وَالْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ أَنَّ كِتَابَةَ الْمُدَبَّرِ لَيْسَتْ رُجُوعًا عن تَدْبِيرِهِ. وَنَقَل ابن الْحَكَمِ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ما يَدُلُّ على أَنَّهُ رُجُوعٌ بِنَاءً على أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ فَتَبْطُلُ بِالْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ (فَلَوْ أَدَّى عَتَقَ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قبل الْأَدَاءِ عَتَقَ إنْ حَمَلَ الثُّلُثُ ما بَقِيَ من كِتَابَتِهِ). وَإِلَّا عَتَقَ منه قَدْرُ الثُّلُثِ وَسَقَطَ من الْكِتَابَةِ بِقَدْرِ ما عَتَقَ وهو على الْكِتَابَةِ فِيمَا بَقِيَ. مُقْتَضَى قَوْلِهِ إنْ حَمَلَ الثُّلُثُ ما بَقِيَ من الْكِتَابَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ في خُرُوجِهِ من الثُّلُثِ هو ما بَقِيَ عليه من الْكِتَابَةِ. وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الخرقى وَكَلَامُهُ في الْكَافِي وَالشَّرْحِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ في المغنى وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَجَزَمُوا بِهِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ.
فائدة: لو عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ كان ما في يَدِهِ له. وَلَوْ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ مع الْعَجْزِ عن أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ كان ما في يَدِهِ لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قبل الْعَجْزِ عن جَمِيعِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وما في يَدِهِ له عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وابن حَمْدَانَ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ لِلْوَرَثَةِ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عن الْأَصْحَابِ وهو الْمَذْهَبُ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك إذَا أَوْلَدَ الْمُكَاتَبَةَ في بَابِ الْكِتَابَةِ.
فائدة: لو أَوْلَدَ أَمَتَهُ ثُمَّ كَاتَبَهَا أو كَاتَبَهَا ثُمَّ أَوْلَدَهَا جَازَ لَكِنْ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مُطْلَقًا. وَلَوْ دَبَّرَ أُمَّ وَلَدِهِ لم يَصِحَّ إذْ لَا.
فائدة: فيه وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَ بن حَمْدَانَ الصِّحَّةَ إنْ جَازَ بَيْعُهَا وَقُلْنَا التَّدْبِيرُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ. قَوْلُهُ (وإذا دَبَّرَ شِرْكًا له في عَبْدٍ لم يَسْرِ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ شَرِيكُهُ سَرَى إلَى الْمُدَبَّرِ وَعَنْهُ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ لِسَيِّدِهِ). هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يسرى في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. فَعَلَى هذا يَصِيرُ مُدَبَّرًا كُلَّهُ وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ بِقِيمَتِهَا. قَوْلُهُ (وإذا أَسْلَمَ مُدَبَّرُ الْكَافِرِ لم يُقَرَّ في يَدِهِ وَتُرِكَ في يَدِ عَدْلٍ يُنْفِقُ عليه من كَسْبِهِ وما فَضَلَ فَلِسَيِّدِهِ وَإِنْ أَعْوَزَ فَعَلَيْهِ تَمَامُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ في التَّدْبِيرِ وَنَقُولُ بِصِحَّةِ رُجُوعِهِ). اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ مُدَبَّرُ الْكَافِرِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ إذَا اسْتَدَامَ تَدْبِيرُهُ لَكِنْ لَا يُقَرُّ في يَدِهِ وَيُتْرَكُ في يَدِ عَدْلٍ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو احْتِمَالٌ في المغنى وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَه ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عنه فَإِنْ أَبَى بِيعَ عليه وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ. وَتَقَدَّمَ في آخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ إذَا أَسْلَمَ عبد الْكَافِرِ الْقِنِّ وَأَحْكَامُهُ.
.
فائدة: لو أَسْلَمَ مُكَاتَبُ الْكَافِرِ لَزِمَهُ إزَالَةُ يَدِهِ عنه فَإِنْ أَبَى بِيعَ عليه بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ لم تُقَرَّ في يَدِهِ وَجُعِلَتْ عِنْدَ عَدْلٍ يُنْفِقُ عليها من كَسْبِهَا. وَإِنْ أَعْوَزَ لَزِمَ السَّيِّدَ تَمَامُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَإِنْ أَسْلَمَ حَلَّتْ له وَعَنْهُ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا. وَعَنْهُ يُسْتَسْعَى في قِيمَتِهَا ثُمَّ تُعْتَقُ. وَنَقَلَ مُهَنَّا تُعْتَقُ بِإِسْلَامِهَا. وَتَأْتِي هذه الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَوَاخِرِ بَابِ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَكَذَا لو أَسْلَمَتْ مُدَبَّرَتُهُ مُسْتَوْفَاةً مُحَرَّرَةً. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ لم يُحْكَمْ عليه إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَهَلْ يَحْكُمُ عليه بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أو بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْعَبْدِ على رِوَايَتَيْنِ). وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَالْهِدَايَةُ وَالْمُذْهَبُ وَالْمُسْتَوْعِبُ وَالْخُلَاصَةُ. إحْدَاهُمَا يُحْكَمُ عليه بِذَلِكَ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَالنَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ الخرقى وَالْوَجِيزُ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُمْ. وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ وَكَذَا الْحُكْمُ في الْكِتَابَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُحْكَمُ عليه إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ. وَيَأْتِي ذلك في أَحْكَامِ الشُّهُودِ بِهِ. وَتَقَدَّمَ في الْفَوَائِدِ هل يَكُونُ إنْكَارُهُ رُجُوعًا أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ رُجُوعٌ لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ. قَوْلُهُ (وإذا [وإذ] قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ). هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جماهير [الجماهير] الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمْ واختاره الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفُرُوعِ في بَابِ الْمُوصَى له. وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ فَيُعْتَقُ. وَهَذَا ما قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في آخِرِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. وقال في فَوَائِدِ الْقَوَاعِدِ فيه طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا بِنَاؤُهُ على الرِّوَايَتَيْنِ إنْ قُلْنَا هو عِتْقٌ بِصِفَةٍ عَتَقَ وَإِنْ قُلْنَا وَصِيَّةٌ لم يُعْتَقْ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابن عقِيلٍ وَغَيْرِهِ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ على الرِّوَايَتَيْنِ وهي [وهو] طَرِيقَةُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لم يُعَلِّقْهُ على مَوْتِهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ. وقال في الْفُرُوعِ في بَابِ الْمُوصَى له وَلَوْ قَتَلَ الوصى الْمُوصَى وَلَوْ خَطَأً بَطَلَتْ وَلَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ بَعْدَ جُرْحِهِ. وقال جَمَاعَةٌ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ وَمِثْلُهَا التَّدْبِيرُ فَإِنْ جَعَلَ عِتْقًا بِصِفَةٍ فَوَجْهَانِ انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَهِيَ بَيْعُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ بِمَالٍ في ذِمَّتِهِ). زَادَ غَيْرُهُ بِعِوَضٍ مُبَاحٍ مَعْلُومٍ مُؤَجَّلٍ. وَلَيْسَتْ الْكِتَابَةُ مُخَالِفَةً لِلْأَصْلِ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الذِّمَّةُ. قَوْلُهُ (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ). هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي والمغنى وَالشَّارِحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ وَاجِبَةٌ إذَا ابْتَغَاهَا من سَيِّدِهِ أَجْبَرَهُ عليها بِقِيمَتِهِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في تَفْسِيرِهِ. قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وهو مُتَّجَهٌ. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَى قِيَاسِهِ وُجُوبُ الْعِتْقِ في قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنْك وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ وَقَدَّمَ في الرَّوْضَةِ أنها مُبَاحَةٌ.
فائدة: لَا تَصِحُّ كِتَابَةُ الْمَرْهُونِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ. وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت تَجُوزُ كَعِتْقِهِ وهو الصَّوَابُ وَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْمُسْتَأْجَرِ. قَوْلُهُ (لِمَنْ يُعْلَمُ فيه خَيْرًا وهو الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ). هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ الْمُكْتَسِبُ الصَّدُوقُ. وقال في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَتُسْتَحَبُّ مع كَسْبِ الْعَبْدِ وَأَمَانَتِهِ وَصِدْقِهِ. وقال في الْوَاضِحِ وَالْوَجِيزِ وَالتَّبْصِرَةِ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ مع كَسْبِ الْعَبْدِ فَقَطْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ ابن عبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ في كِتَابِ الْعِتْقِ فَأَسْقَطُوا الْأَمَانَةَ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تُكْرَهُ كِتَابَةُ من لَا كَسْبَ له على رِوَايَتَيْنِ). وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ. إحْدَاهُمَا تُكْرَهُ كِتَابَتُهُ وهو الْمَذْهَبُ. قال الْقَاضِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَرَاهَةُ وَاخْتَارَه ابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ والتصحيح [والصحيح] وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تُكْرَهُ فَتُسْتَحَبُّ لَكِنْ قال في الْكَافِي لو دَعَا من لَا كَسْبَ له سَيِّدَهُ إلَى الْكِتَابَةِ لم يُجْبَرْ رِوَايَةً وَاحِدَةً. قال الْمُصَنِّفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ في الْمُكَاتَبِ فَإِنْ كان مِمَّنْ يَتَضَرَّرُ بِالْكِتَابَةِ وَيَضِيعُ لِعَجْزِهِ عن الْإِنْفَاقِ على نَفْسِهِ وَلَا يَجِدُ من يُنْفِقُ عليه كُرِهَتْ كِتَابَتُهُ وَإِنْ كان يَجِدُ من يَكْفِيهِ مُؤْنَتَهُ لم تُكْرَهْ كِتَابَتُهُ. وَعَنْهُ تُكْرَهُ كِتَابَةُ الْأُنْثَى.
فائدة: تَقَدَّمَ في بَابِ الْحَجْرِ صِحَّةُ كِتَابَةِ الولى رَقِيقَ الْمَوْلَى عليه وَالْكِتَابَةُ في الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ من رَأْسِ الْمَالِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وقال أبو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ في الْمَرَضِ من الثُّلُثِ. وَلَوْ كَاتَبَهُ في الصِّحَّةِ وَأَسْقَطَ دَيْنَهُ أو أَعْتَقَهُ في مَرَضِهِ اُعْتُبِرَ خُرُوجُ الْأَقَلِّ من رَقَبَتِهِ أو دَيْنِهِ من الثُّلُثِ. وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ أو أَبْرَأَهُ من الدَّيْنِ اُعْتُبِرَ أَقَلُّهُمَا من ثُلُثِهِ وَلَوْ حَمَلَ الثُّلُثُ بَعْضَهُ عَتَقَ وَبَاقِيهِ على الْكِتَابَةِ وَلَوْ أَقَرَّ في الْمَرَضِ بِقَبْضِ النُّجُومِ سَلَفًا جَازَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَاتَبَ الْمُمَيِّزُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ صَحَّ). صِحَّةُ كِتَابَةِ الْمُمَيِّزِ لِعَبْدِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ مَبْنِيَّةٌ على صِحَّةِ بَيْعِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ على ما تَقَدَّمَ في أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ وَالصَّحِيحُ صِحَّةُ بَيْعِهِ فَكَذَا كِتَابَتُهُ. وَقَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ). هذا الِاحْتِمَالُ لأبى الْخَطَّابِ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في هذا الْبَابِ. وَقِيلَ تَصِحُّ كِتَابَتُهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وفي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ تَصِحُّ من ابن عشْرٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمُمَيِّزَ صَحَّ). بِلَا نِزَاعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُكَاتِبَ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَلَا الْمَجْنُونُ وَلَوْ فَعَلَ لم يَصِحَّ وَلَا يُعْتَقَانِ بِالْأَدَاءِ بَلْ يَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِهِ إنْ كان التَّعْلِيقُ صَرِيحًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ في الْعِتْقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا يُعْتَقُ بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِهِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الصِّفَةِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَالثَّانِي لَا يُعْتَقُ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْمَذْهَبِ لَا يُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ خِلَافًا لِمَا قال الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ وَيَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ كَاتَبْتُك على كَذَا وَإِنْ لم يَقُلْ فإذا أَدَّيْت إلى فَأَنْتَ حُرٌّ). هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُشْتَرَطَ قَوْلُهُ) ذلك (أو نِيَّتُهُ). وهو لِأَبِي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وفي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ هو رِوَايَةٌ في الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ يُشْتَرَطُ قَوْلُهُ ذلك وَقِيلَ أو نِيَّتُهُ.
فائدة: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لِلْكِتَابَةِ. وقال في الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُشْتَرَطُ ذلك وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا على عِوَضٍ مَعْلُومٍ). وَلَوْ خِدْمَةً أو مَنْفَعَةً وَغَيْرَهَا. قال الْأَصْحَابُ مُبَاحٌ يَصِحُّ السَّلَمُ فيه مُنَجَّمٌ بِنَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا يُعْلَمُ قَدْرُ ما يُؤَدِّي في كل نَجْمٍ. الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها لَا تَصِحُّ إلَّا على نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا يُعْلَمُ قَدْرُ ما يُؤَدِّي في كل نَجْمٍ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. (وَقِيلَ تَصِحُّ على نَجْمٍ وَاحِدٍ). اخْتَارَه ابن أبى مُوسَى. قال في الْفَائِقِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقِيلَ تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ على خِدْمَةٍ مُفْرَدَةٍ على مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها لَا تَصِحُّ إلَّا على عِوَضٍ مَعْلُومٍ فَلَا تَصِحُّ على عَبْدٍ مُطْلَقٍ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. (وقال الْقَاضِي تَصِحُّ على عَبْدٍ مُطْلَقٍ) وَلَهُ الْوَسَطُ وَقَالَهُ أَصْحَابُ الْقَاضِي. قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَإِنْ كَاتَبَهُ على عَبْدٍ مُطْلَقٍ صَحَّ في الْأَصَحِّ وَلَهُ الْوَسَطُ وقال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِنْ كَاتَبَهُ على عَبْدٍ مُطْلَقٍ صَحَّ وَوَجَبَ الْوَسَطُ وَقِيَاسُ قَوْلِ أبى بَكْرٍ بُطْلَانُهُ.
تنبيه: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَصِحُّ حَالَّةً وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في المغنى وَالشَّارِحِ أَنَّ فيها قَوْلًا بِالصِّحَّةِ فَإِنَّهُمَا قَالَا وَلَا تَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلَةً مُنَجَّمَةً هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. فَدَلَّ أَنَّ فيها خِلَافًا وهو خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ واختاره في الْفَائِقِ فقال وَالْمُخْتَارُ صِحَّةُ الْكِتَابَةِ حَالَّةً. وقال في التَّرْغِيبِ في كِتَابَةِ من نِصْفُهُ حُرٌّ حالة [له] وَجْهَانِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ في جَوَازِ تَوْقِيتِ النَّجْمَيْنِ بِسَاعَتَيْنِ وَعَدَمِهِ فَيُعْتَبَرُ ماله وَقْعٌ في الْقُدْرَةِ على الْكَسْبِ فيه خِلَافٌ في الِانْتِصَارِ. قُلْت الصَّوَابُ الثَّانِي. وَإِنْ كان ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلُ. وَتَقَدَّمَ في أَوَاخِرِ الْعِتْقِ هل يَصِحُّ شِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ من سَيِّدِهِ بِمَالٍ في يَدِهِ أَمْ لَا. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا تَكُونُ الْكِتَابَةُ بَاطِلَةً من أَصْلِهَا على الصَّحِيحِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمْ. وَصَرَّحَ ابن عقِيلٍ بِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِشَرْطِ النُّجُومِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ. وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَصِيرُ فَاسِدَةً وَلَا تَبْطُلُ من أَصْلِهَا وَيَأْتِي الْإِشْكَالُ فِيمَا إذَا كَاتَبَهُ على عِوَضٍ مَجْهُولٍ أنها تَكُونُ فَاسِدَةً لَا بَاطِلَةً آخِرَ الْبَابِ. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ على مَالٍ وَخِدْمَةٍ سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ الْخِدْمَةُ أو تَأَخَّرَتْ). يَعْنِي تَصِحُّ الْكِتَابَةُ على مَالٍ مع خِدْمَةٍ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَالِ مُؤَجَّلًا بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ لَكِنْ لو جَعَلَ الدَّيْنَ بَعْدَ فَرَاغِ الْخِدْمَةِ بِيَوْمٍ أو أَكْثَرَ صَحَّ وَإِنْ جَعَلَ مَحَلَّهُ في الْخِدْمَةِ أو عِنْدَ انْقِضَائِهَا صَحَّ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن رزين وَغَيْرِهِمْ وَنَصَرُوهُ. وقال الْقَاضِي لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَجْمًا وَاحِدًا وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ.
فائدة: تَصِحُّ الْكِتَابَةُ على مَنْفَعَةٍ مُفْرَدَةٍ مُنَجَّمَةٍ كَخِدْمَةٍ وَعَمَلٍ في الذِّمَّةِ كَخِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَلِلْمُصَنِّفِ احْتِمَالٌ بِصِحَّتِهَا على مَنْفَعَةٍ مُفْرَدَةٍ مُدَّةً وَاحِدَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَدَّى ما كُوتِبَ عليه أو أُبْرِئَ منه عَتَقَ). هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابن عبْدُوسٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ إذَا مَلَكَ ما يُؤَدِّي صَارَ حُرًّا وَيُجْبَرُ على أَدَائِهِ.
فائدة: لو أَبْرَأَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ من حَقٍّ منها وكان مؤسرا عَتَقَ عليه كُلُّهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُعْتَقُ. قَوْلُهُ (فَلَوْ مَاتَ قبل الْأَدَاءِ كان ما في يَدِهِ لِسَيِّدِهِ في الصَّحِيحِ عنه). وَهَذَا مُفَرَّعٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو أَنَّهُ إذَا مَلَكَ ما يُؤَدِّي عن كِتَابَتِهِ ولم يُؤَدِّهِ لم يُعْتَقْ فإذا مَاتَ قبل الْأَدَاءِ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وكان ما في يَدِهِ لِسَيِّدِهِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا ملك ما يُؤَدِّي يَصِيرُ حُرًّا قبل الْأَدَاءِ فإذا مَاتَ قبل الْأَدَاءِ كان لِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ وَالْبَاقِي لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ اخْتَارَهُ هُنَا أبو بَكْرٍ وأبو الْخَطَّابِ. لَكِنْ هل يَسْتَحِقُّهُ السَّيِّدُ حَالًّا أو هو على نُجُومِهِ فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. قُلْت هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ الْحَجْرِ. وَتَقَدَّمَ في ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ إذَا عَجَزَ وَرُقَّ وَنَحْوَهُ وكان بيده مَالٌ أَخَذَهُ من الزَّكَاةِ هل يَكُونُ لِسَيِّدِهِ أو لِمَنْ أَخَذَهُ منه. قَوْلُهُ (وإذا عُجِّلَتْ الْكِتَابَةُ قبل مَحَلِّهَا لَزِمَ السَّيِّدَ الْأَخْذُ). فَشَمِلَ الْقَبْضَ مع الضَّرَرِ وَعَدَمِهِ وَكَذَا قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ والخرقى وأبو بَكْرٍ وأبو الْخَطَّابِ وَالشِّيرَازِيُّ وَالسَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قال في الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ مع الضَّرَرِ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قال الشَّارِحُ وهو الصَّحِيحُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ ذلك إذَا كان في قبضة ضَرَرٌ وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. قال الْقَاضِي وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي أَنَّ فيه تَفْصِيلًا على حَسَبِ ما ذُكِرَ في السَّلَمِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ واختاره الْمُصَنِّفُ في المغنى. قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَإِنْ عَجَّلَ ما عليه قبل مَحَلِّهِ لَزِمَ سَيِّدَهُ في الْأَصَحِّ أَخْذُهُ بِلَا ضَرَرٍ وَعَتَقَ في الْحَالِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُحَرَّرِ وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. قال في الْفَائِقِ وَلَوْ عَجَّلَ ما عليه لَزِمَ قَبْضُهُ وَعَتَقَ حَالًا نَصَّ عليه وَقُيِّدَ بِعَدَمِ الضَّرَرِ. وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ في بَابِ السَّلَمِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ وأبو بَكْرٍ لَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ مع عَدَمِ الضَّرَرِ ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ قد يَعْجِزُ فَيَرِقُّ وَلِأَنَّ بَقَاءَ الْمُكَاتَبِ في هذه الْمُدَّةِ حَقٌّ له ولم يَرْضَ بِزَوَالِهِ. فَهَذِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رِوَايَةٌ بِاللُّزُومِ مُطْلَقًا وَعَدَمِهِ مُطْلَقًا وَالثَّالِثَةُ الْفَرْقُ بين الضَّرَرِ وَعَدَمِهِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ طَرِيقَةً أُخْرَى وَهِيَ إنْ كان في الْقَبْضِ ضَرَرٌ لم يَلْزَمْهُ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ وَتَبِعَهُ في الْكَافِي.
فائدتان: إحْدَاهُمَا حَيْثُ قُلْنَا بِاللُّزُومِ لو امْتَنَعَ السَّيِّدُ من قَبْضِهِ جَعَلَهُ الْإِمَامُ في بَيْتِ الْمَالِ وَحَكَمَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. قال في الْفُرُوعِ هذا الْمَشْهُورُ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَإِنْ أَبَى السَّيِّدُ بريء الْعَبْدُ ذَكَرْنَاهُ في الْمَكْفُولِ بِهِ. نَقَلَ حَرْبٌ إنْ أَبَى مَوْلَاهُ الْأَخْذَ ما أَعْلَمُ ما زَادَهُ إلَّا خَيْرًا. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك في بَابِ السَّلَمِ. الثَّانِيَةُ في عِتْقِ الْمُكَاتَبِ بِالِاعْتِيَاضِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالصَّوَابُ الْعِتْقُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَعَدَمُ الْعِتْقِ قَالَهُ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وإذا أَدَّى وَعَتَقَ فَوَجَدَ السَّيِّدُ بِالْعِوَضِ عَيْبًا فَلَهُ أَرْشُهُ أو قِيمَتُهُ وَلَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ). هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابن منجا وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ هو كَالْبَيْعِ. وَقِيلَ يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ إنْ رَدَّهُ ولم يُعْطِهِ الْبَدَلَ وهو تَوْجِيهٌ لِلْقَاضِي. قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فَإِنْ بَانَ مَعِيبًا نَظَرْت فَإِنْ رضى بِذَلِكَ وَأَمْسَكَهُ اسْتَقَرَّ الْعِتْقُ وَإِنْ اخْتَارَ إمْسَاكَهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ أو رَدَّهُ فَلَهُ ذلك. وقال أبو بَكْرٍ قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْعِتْقُ وَلَيْسَ له الرَّدُّ وَلَهُ الْأَرْشُ.
فائدة: لو أَخَذَ السَّيِّدُ حَقَّهُ ظَاهِرًا ثُمَّ قال هو حُرٌّ ثُمَّ بَانَ مُسْتَحَقًّا لم يُعْتَقْ قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ ادَّعَى السَّيِّدُ تَحْرِيمَ الْعِوَضِ قُبِلَ بِبَيِّنَةٍ. وَإِنْ لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ قُبِلَ قَوْلُ الْعَبْدِ مع يَمِينِهِ ثُمَّ يَجِبُ على السَّيِّدِ أَخْذُهُ وَيُعْتَقُ بِهِ ثُمَّ يَلْزَمُ السَّيِّدَ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ إنْ أَضَافَهُ إلَى مَالِكٍ. وَإِنْ نَكَلَ الْعَبْدُ حَلَفَ سَيِّدُهُ. وَلَهُ قبضة من دَيْنٍ غَيْرِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَتَعْجِيزُهُ وفي تَعْجِيزِهِ قبل أَخْذِ ذلك من جِهَةِ الدَّيْنِ وَجْهَانِ في التَّرْغِيبِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ. وَالِاعْتِبَارُ بِقَصْدِ السَّيِّدِ في قَبْضِهِ عن أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ وَفَائِدَتُهُ يَمِينُهُ عِنْدَ النِّزَاعِ. قُلْت قد تَقَدَّمَ في بَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ لو قَضَى بَعْضَ دَيْنِهِ أو أُبْرِئَ منه. وَبِبَعْضِهِ رَهْنٌ أو كَفِيلٌ كان عَمَّا نَوَاهُ الدَّافِعُ أو الْمُبْرِئُ من الْقِسْمَيْنِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في النِّيَّةِ بِلَا نِزَاعٍ فَيَخْرُجُ هُنَا مِثْلُهُ. قَوْلُهُ (وَيَمْلِكُ السَّفَرَ). حُكْمُ سَفَرِ الْمُكَاتَبِ حُكْمُ سَفَرِ الْغَرِيمِ على ما تَقَدَّمَ في أَوَّلِ بَابِ الْحَجْرِ. قال في الْفُرُوعِ وَلَهُ السَّفَرُ كَغَرِيمٍ. قال الْمُصَنِّفُ في المغنى وَالشَّارِحُ وقد أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا الْقَوْلَ في ذلك ولم يُفَرِّقُوا بين السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَغَيْرِهِ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ له مَنْعَهُ من السَّفَرِ الذي تَحِلُّ نُجُومُ الْكِتَابَةِ قَبْلَهُ. قال الزَّرْكَشِيُّ قُلْت وهو مُرَادُ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا لم يُقَيِّدُوا ذلك اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ لهم من الْحُرِّ الْمَدِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
تنبيه: يُسْتَثْنَى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ السَّفَرُ لِلْجِهَادِ فإنه لَا يَجُوزُ له السَّفَرُ لِذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ على ما مَرَّ في كِتَابِ الْجِهَادِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَرَطَ عليه أَنْ لَا يُسَافِرَ وَلَا يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ فَهَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ على وَجْهَيْنِ). وَهُمَا وَجْهَانِ أَيْضًا في المغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا. وَهُمَا رِوَايَتَانِ عِنْدَ أبى الْخَطَّابِ وَالشِّيرَازِيِّ وَالْمُصَنِّفِ في الْكَافِي وَالْمَجْدِ في الْمُحَرَّرِ وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا يَصِحُّ الشَّرْطُ وهو الْمَذْهَبُ. قال في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَيَصِحُّ شَرْطُ تَرْكِهِمَا على الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُحَرَّرِ. وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ صِحَّةَ شَرْطِ أَنْ لَا يُسَافِرَ. وَقَدَّمَ ابن رزين بُطْلَانَ شَرْطِ عَدَمِ سَفَرِهِ وَصِحَّةَ شَرْطِ عَدَمِ السُّؤَالِ. وقال أبو الْخَطَّابِ يَصِحُّ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُسَافِرَ وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ أَنْ لَا يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ. وقال الْقَاضِي لَا يَصِحُّ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُسَافِرَ. وقال في الْجَامِعِ وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ يَصِحُّ شَرْطُ أَنْ لَا يُسَافِرَ. وقال أبو بَكْرٍ إذَا رَآهُ يَسْأَلُ مَرَّةً في مَرَّةٍ عَجَّزَهُ كما لو حَلَّ نَجْمٌ في نَجْمٍ عَجَّزَهُ. فَاعْتَبَرَ الْمُخَالَفَةَ في مَرَّتَيْنِ كَحُلُولِ نَجْمَيْنِ وَصُحِّحَ الشَّرْطُ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الشَّرْطِ إذَا خَالَفَ كان لِسَيِّدِهِ تَعْجِيزُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ يَمْلِكُ تَعْجِيزَهُ بِسَفَرِهِ إذَا لم يمكن [يكن] رَدَّهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ. وَإِنْ أَمْكَنَ رَدُّهُ لم يَمْلِكْ تَعْجِيزَهُ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ له أَنْ يَتَزَوَّجَ وَلَا يَتَسَرَّى وَلَا يَتَبَرَّعُ وَلَا يُقْرِضُ وَلَا يُحَابِي وَلَا يَقْتَصُّ من عَبْدِهِ الْجَانِي على بَعْضِ رَقِيقِهِ وَلَا يُعْتِقُ وَلَا يُكَاتِبُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ). لَا يَتَزَوَّجُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَذْهَبُ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ عَامَّتُهُمْ. قُلْت قَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ والمغنى وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ له أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ.
فائدة: ليس لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُزَوِّجَ رَقِيقَهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَصَحَّحَهُ في الْكَافِي. وَقِيلَ له ذلك إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ. وَقِيلَ له أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ دُونَ الْعَبْدِ حَكَاهُ الْقَاضِي في خِصَالِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ. وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَسَرَّى إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ والمغنى وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ الْمَنْعُ وَعَنْهُ عَكْسُهُ ذَكَرَهُمَا في الْفُرُوعِ ولم أَرَهُمَا في غَيْرِهِ. وَلَيْسَ له أَنْ يَتَبَرَّعَ وَلَا يُقْرِضَ وَلَا يُحَابِي إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَلَيْسَ له أَنْ يَقْتَصَّ من عَبْدِهِ الْجَانِي على بَعْضِ رَقِيقِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى واختاره أبو بَكْرٍ وأبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا. وَقِيلَ يَجُوزُ له ذلك اخْتَارَهُ الْقَاضِي وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْكَافِي. وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ. وَأَمَّا الْعِتْقُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُعْتِقَهُ مَجَّانًا أو على عِوَضٍ في ذِمَّتِهِ. فَإِنْ أَعْتَقَهُ مَجَّانًا لم يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وقال أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي عِتْقُهُ مَوْقُوفٌ على انْتِهَاءِ الْكِتَابَةِ فَإِنْ عَتَقَ عَتَقُوا وَإِنْ رُقَّ رُقُّوا كما لو مَلَكَ ذَا رَحِمٍ منه وَخَرَجَ وَقْفُهُ على رِضَا السَّيِّدِ قَالَهُ في الْفَائِقِ وَإِنْ اعتقه بِمَالٍ في ذِمَّتِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ ليس له ذلك إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والمغنى وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجُوزُ. قُلْت وهو الصَّوَابُ إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً له. وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَلَيْسَ له ذلك إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي والمغنى وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجُوزُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ. وقال أبو بَكْرٍ هو مَوْقُوفٌ كَقَوْلِهِ في الْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ.
فائدة: قال الْمُصَنِّفُ في المغنى وَالْكَافِي هُنَا ليس له أَنْ يَحُجَّ إنْ احْتَاجَ إلَى الأنفاق من مَالِهِ فيه. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا في الْمُقْنِعِ في بَابِ الِاعْتِكَافِ له أَنْ يَحُجَّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لانه كَالْحُرِّ الْمَدِينِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى هُنَاكَ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ له أَنْ يَحُجَّ من الْمَالِ الذي جَمَعَهُ ما لم يَأْتِ نَجْمُهُ قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي وابن عَقِيلٍ هذه الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ على أَنَّهُ يَحُجُّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَأَمَّا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يَجُوزُ انْتَهَى. قال في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ في بَابِ الِاعْتِكَافِ وَيَحُجُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ ما لم يَحِلَّ عليه نَجْمٌ في غَيْبَتِهِ نَصَّ عليه انْتَهَى فَقَطَعُوا بِذَلِكَ. وقال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وفي جَوَازِ حَجِّهِ بِمَالٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ رِوَايَتَانِ. قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ في هذا الْبَابِ في جَوَازِ حَجِّهِ بِمَالِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ رِوَايَتَانِ. وَعَنْهُ له الْحَجُّ بِلَا إذْنِهِ. وَعَنْهُ ما لم يَحِلَّ نَجْمٌ. قال في الْفُرُوعِ وَلَهُ الْحَجُّ بِمَالِهِ ما لم يَحِلَّ نَجْمٌ. وَقِيلَ مُطْلَقًا وَأَطْلَقَهُ في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَقَالُوا نَصَّ عليه. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذلك في أَوَّلِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ. قَوْلُهُ (وَوَلَاءُ من يُعْتِقُهُ وَيُكَاتِبُهُ لِسَيِّدِهِ). هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ. قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ إنْ كَاتَبَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَقِيلَ الْوَلَاءُ لِلْمُكَاتَبِ إنْ عَتَقَ زَادَ في الْفَائِقِ مع أَمْنِ ضَرَرٍ في مَالِهِ. وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إنْ أَدَّى الْأَوَّلُ ثُمَّ أَدَّى الثَّانِي فَوَلَاءُ كل وَاحِدٍ لِمُكَاتَبِهِ وَإِنْ أَدَّى الْأَوَّلُ وَعَجَزَ الثَّانِي صَارَ رَقِيقًا لِلْأَوَّلِ وَإِنْ عَجَزَ الْأَوَّلُ وَأَدَّى الثَّانِي فَوَلَاؤُهُ لِلسَّيِّدِ الْأَوَّلِ وَإِنْ أَدَّى الثَّانِي قبل عِتْقِ الْأَوَّلِ عَتَقَ. قال أبو بَكْرٍ وَوَلَاؤُهُ لِلسَّيِّدِ وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَ. وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ هو مَوْقُوفٌ إنْ أَدَّى عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ له وَإِلَّا فَهُوَ لِلسَّيِّدِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُكَفِّرُ بِالْمَالِ). هذا إحْدَى الرِّوَايَاتِ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الخرقى. وَعَنْهُ له ذلك بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي والمغنى وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ يُكَفِّرُ بِالْمَالِ مُطْلَقًا. وقال الْقَاضِي الْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ في التَّكْفِيرِ فَإِنْ أَذِنَ له سَيِّدُهُ في التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ انْبَنَى على مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ لم [له] يَصِحُّ تَكْفِيرُهُ بِغَيْرِ الصِّيَامِ مُطْلَقًا وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ صَحَّ بِالْإِطْعَامِ إذَا أَذِنَ فيه سَيِّدُهُ وَإِنْ أَذِنَ بِالتَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ فَهَلْ يَصِحُّ على رِوَايَتَيْنِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هذا التَّفْصِيلَ لَا يَتَوَجَّهُ في الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَالَ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَإِنَّمَا مِلْكُهُ نَاقِصٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّ السَّيِّدِ بِهِ فإذا أَذِنَ له صَحَّ كَالتَّبَرُّعِ.
تنبيه: حَيْثُ جَوَّزْنَا له التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ فإنه لَا يَلْزَمُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ له أَنْ يَرْهَنَ أو يُضَارِبَ بِمَالِهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ). وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ والمغنى وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ ابن منجا. أَحَدُهُمَا ليس له ذلك وهو الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ في مَوْضِعٍ آخَرَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي له ذلك اخْتَارَه ابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا في جَوَازِ بَيْعِهِ نَسَاءً وَلَوْ بَرْهَنَ وَهِبَةً بِعِوَضٍ وَحَدَّ رَقِيقَهُ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ في الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا في النَّظْمِ في الْبَيْعِ نَسَاءً. وَقَدَّمَ في المغنى وَالشَّرْحِ أَنَّهُ ليس له أَنْ يَبِيعَ نَسَاءً وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي في الْجَمِيعِ. وَجَزَمَ في الْوَجِيزِ ليس له أَنْ يَهَبَ وَلَوْ بِثَوَابٍ مَجْهُولٍ وَلَا يُحَدَّ. وَجَزَمَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ليس له أَنْ يَهَبَ وَلَوْ بِثَوَابٍ مَجْهُولٍ. وَجَزَمَ في المغنى وَالشَّرْحِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ بِالثَّوَابِ. وَقِيلَ يَجُوزُ بَيْعُهُ نَسَاءً من غَيْرِ رَهْنٍ وَلَا ضَمِينٍ. فَفِي الْبَيْعِ نَسَاءً ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الْجَوَازُ وهو تَخْرِيجٌ لِلْقَاضِي من الْمُضَارِبِ وَعَدَمِهِ وَالْجَوَازُ بِرَهْنٍ أو ضَمِينٍ. الثَّانِيَةُ ليس له أَنْ يَقْتَصَّ لِنَفْسِهِ مِمَّنْ جَنَى على طَرَفِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قال في الرِّعَايَةِ وَلَا يَقْتَصُّ لِنَفْسِهِ من عُضْوٍ وَقِيلَ أو جُرُوحٍ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ في الْأَصَحِّ وَكَذَا قال في الْفَائِقِ. قال الْقَاضِي في خِلَافِهِ وهو قِيَاسُ قَوْلِ أبى بَكْرٍ. قال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقِيلَ له ذلك اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وابن عَقِيلٍ. قُلْت وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ جِدًّا. وقد ذَكَرَ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً أَنَّ الْعَبْدَ لو وَجَبَ له قِصَاصٌ أَنَّ له طَلَبَهُ وَالْعَفْوَ عنه كما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في آخِرِ بَابِ الْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ فها هنا بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَأَحْرَى اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ له الطَّلَبُ وَلَيْسَ له الْفِعْلُ. قُلْت وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ له شِرَاءُ ذَوِي رَحِمِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ). هذا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ. قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ. وقال الْقَاضِي له ذلك نَصَّ عليه وهو الْمَذْهَبُ. قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْأَشْهَرُ. قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَلَهُ شِرَاءُ ذِي رَحِمِهِ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَقَطَعَ بِهِ الشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وابن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ في المغنى وهو من الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ إذَا وُهِبُوا له أو أوصى له بِهِمْ إذَا لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ بِمَالِهِ. وَقَطَعَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَشَرَحَ على ذلك ابن منجا. وَقِيلَ له أَنْ يَقْبَلَهُمْ في الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَوْ أَضَرَّ ذلك بِمَالِهِ. وَأَطْلَقَ الْجَوَازَ من غَيْرِ التَّقْيِيدِ بِالضَّرَرِ في الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي والمغنى وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وهو إحْدَى نُسْخَتَيْ الخرقى. قال الشَّارِحُ وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ شِرَاءَهُ فلان يَجُوزَ له بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى وَعِنْدَ من لَا يَرَى جَوَازَ شراءهم [شرائهم] بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ لَا يُجِيزُ قَبُولَهُمْ إذَا لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ بِمَالِهِ.
|