الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***
إحْدَاهُمَا لو بَنَى فِيمَا يَظُنُّهُ مِلْكَهُ جَازَ نَقْضُهُ لِتَفْرِيطِهِ وَيَرْجِعُ على من غَرَّهُ ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ في الشَّفِيعِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ لو أَخَذَ منه ما اشْتَرَاهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ رَدَّ بَائِعُهُ ما قَبَضَهُ منه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَقِيلَ إنْ سَبَقَ الْمِلْكُ الشِّرَاءَ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ في الدَّعْوَى. قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْعَمَ الْمَغْصُوبَ لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عليه يَعْنِي على الْآكِلِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ لم يَعْلَمْ وقال له الْغَاصِبُ كُلْهُ فإنه طَعَامِي اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ على الْغَاصِبِ. على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ الضَّمَانُ على الْآكِلِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَقُلْ يَعْنِي وَإِنْ لم يَقُلْ هو طَعَامِي بَلْ قال له كُلْ فَفِي أَيِّهِمَا يَسْتَقِرُّ عليه الضَّمَانُ وَجْهَانِ. أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَحْكُونَ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا في الْمُغْنِي رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيِّ. أَحَدُهُمَا يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ على الْغَاصِبِ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَسْتَقِرُّ على الْآكِلِ. وقال الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالسَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ وابن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ إنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عليه وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ ضَمَّنَ الْآكِلَ فَفِي رُجُوعِهِ على الْغَاصِبِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على رِوَايَتَيْ الْمَغْصُوبِ لَكِنَّ الْقَاضِيَ قال ذلك فِيمَا إذَا قال هو طَعَامِي فَكُلْهُ وَغَيْرُهُ ذَكَرَهُ في الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ ولم يَعْلَمْ لم يَبْرَأْ نَصَّ عليه في رَجُلٍ له عِنْدَ رَجُلٍ تبعه فَأَوْصَلَهَا إلَيْهِ على أنها صِلَةٌ أو هَدِيَّةٌ ولم يَعْلَمْ كَيْفَ هذا قال الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ عَالِمًا أَنَّهُ طَعَامُهُ بريء غَاصِبُهُ وَكَذَا لو أَكَلَهُ بِلَا إذْنِهِ. فَإِنْ لم يَعْلَمْ وقال له الْغَاصِبُ كُلْهُ فإنه طَعَامِي لم يَبْرَأْ الْغَاصِبُ أَيْضًا. وَإِنْ لم يَقُلْ ذلك بَلْ قَدَّمَهُ إلَيْهِ وقال كُلْهُ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ وهو ظَاهِرُ النَّصِّ الْمَذْكُورِ. قال الْحَارِثِيُّ نَصَّ عليه من وُجُوهٍ وَذَكَرَهَا وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْحَارِثِيِّ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَبْرَأَ بِنَاءً على ما إذَا أَطْعَمَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فإنه يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ على الْآكِلِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كما تَقَدَّمَ وَذَكَرَه ابن أبي مُوسَى تَخْرِيجًا.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لو أَطْعَمَهُ لِدَابَّةِ الْمَغْصُوبِ منه أو لِعَبْدِهِ لم يَبْرَأْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصُ. قال في الْفَائِقِ وَلَوْ أَطْعَمَهُ لِدَابَّتِهِ مع عِلْمِهِ بريء من الْغَصْبِ وَإِلَّا فَلَا نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قال في الْفُرُوعِ لِغَيْرِ عَالِمٍ بِغَصْبِهِ. قال جَمَاعَةٌ أو لِدَابَّتِهِ اسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ عليه. وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إنْ جَهِلَ مَالِكُهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. الثَّالِثُ لَا يَبْرَأُ إنْ قال هو لي وَإِلَّا بريء انْتَهَى. الثَّانِيَةُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لو وَهَبَ الْمَغْصُوبَ لِمَالِكِهِ أو أَهْدَاهُ إلَيْهِ بريء على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ تَسْلِيمًا تَامًّا وَكَذَا إنْ بَاعَهُ أَيْضًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ أو أَقْرَضَهُ إيَّاهُ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. قال في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهُ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وقال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسِّتِّينَ وَالْمَشْهُورُ في الْهِبَةِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ نَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ تَحَمَّلَ مِنَّتَهُ وَرُبَّمَا كَافَأَهُ على ذلك. وَاخْتَارَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّهُ يَبْرَأُ لِأَنَّ الْمَالِكَ تَسَلَّمَهُ تسلما [تسليما] تَامًّا وَعَادَتْ سُلْطَتُهُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَقَدَّمَ في الْفُرُوعِ أَنَّ أَخْذَهُ بِهِبَةٍ أو شِرَاءٍ أو صَدَقَةٍ أَنَّهُ كَإِطْعَامِهِ لِرَبِّهِ على ما تَقَدَّمَ. وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إنْ أَهْدَاهُ إلَيْهِ أو جَعَلَهُ صَدَقَةً لم يَبْرَأْ على الْأَصَحِّ. قال الْحَارِثِيُّ وَالْمَنْصُوصُ عَدَمُ الْبَرَاءَةِ اخْتَارَه ابن أبي مُوسَى وَالْقَاضِيَانِ أبو يَعْلَى وَيَعْقُوبُ بن إبْرَاهِيمَ انْتَهَى. قَوْلُهُ وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ مَالِكِهِ أو أَوْدَعَهُ إيَّاهُ أو أَجَّرَهُ أو اسْتَأْجَرَهُ على قِصَارَتِهِ وَخِيَاطَتِهِ لم يَبْرَأْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ. وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ. قال الْحَارِثِيُّ فَالنَّصُّ قَاضٍ بِعَدَمِ الْبَرَاءَةِ انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي في غَيْرِ الرَّهْنِ وَقِيلَ يَبْرَأُ. قال في الْفُرُوعِ وقال جَمَاعَةٌ يَبْرَأُ في وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا. قال الشَّارِحُ وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَبْرَأُ. قُلْت وَرَأَيْته في نُسْخَةٍ قُرِئَتْ على الْمُصَنِّفِ. وقال أبو الْخَطَّابِ يَبْرَأُ.
فائدة: لو أَبَاحَهُ مَالِكُهُ لِلْغَاصِبِ فَأَكَلَهُ قبل عِلْمِهِ ضَمِنَ ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي. قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ يَعْنِي بِعَدَمِ الضَّمَانِ. قال وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ غَيْرُ الطَّعَامِ كَهُوَ في ذلك وَلَا فَرْقَ. قال في الْفُنُونِ في مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ يَبْقَى الضَّمَانُ بِدَلِيلِ ما لو قَدَّمَ له شَوْكَهُ الذي غَصَبَهُ منه فَسَجَرَهُ وهو لَا يَعْلَمُ انْتَهَى. وما ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ في تَعْلِيقِهِ في الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ ولم يَخُصَّهُ بِالطَّعَامِ بَلْ قال كُلُّ تَصَرُّفٍ تَصَرَّفَ بِهِ الْأَجْنَبِيُّ في مال [حال] غَيْرِهِ وقد أَذِنَ فيه مَالِكُهُ ولم يَعْلَمْ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ انْتَهَى. ولم يَرْتَضِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قُلْت قال في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالسِّتِّينَ وما ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ بَعِيدٌ جِدًّا وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِاعْتِقَادِ فِيمَا ليس بِمَضْمُونٍ كَمَنْ وطىء امْرَأَةً يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَتَبَيَّنَتْ زَوْجَتُهُ فإنه لَا مَهْرَ عليه وَلَا غَيْرَهُ وَكَمَا لو أَكَلَ في الصَّوْمِ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ لم تَغْرُبْ فَتَبَيَّنَ أنها كانت غَرَبَتْ فإنه لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ انْتَهَى وهو الصَّوَابُ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَهُ إيَّاهُ بريء عَلِمَ أو لم يَعْلَمْ. هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفُرُوعِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ إذَا لم يَعْلَمْ لم يَبْرَأْ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ. قال الْحَارِثِيُّ وَمُقْتَضَى النَّصِّ الضَّمَانُ وَبِهِ قال ابن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وقال اخْتَارَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ ما قَدَّمَهُ في الْكَافِي ولم يُعَارِضْهُ الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعُ فإن الْمُصَنِّفَ جَزَمَ بِالْبَرَاءَةِ فِيهِمَا. وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ فإنه تَابَعَ الْمُصَنِّفَ في الْمُغْنِي وَلَوْ أَعَادَ النَّظَرَ فَحَكَى الْخِلَافَ كما حَكَاهُ غَيْرُهُ.
فائدة: لو بَاعَهُ إيَّاهُ أو أَقْرَضَهُ فَقَبَضَهُ جَاهِلًا لم يَبْرَأْ على الْمَنْصُوصِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَبْرَأُ. قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ منه فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا لم يُقْبَلْ على الْآخَرِ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ صَدَّقَاهُ مع الْعَبْدِ لم يَبْطُلْ الْعِتْقُ. وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ على الْمُشْتَرِي وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيِّ. وقال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ إذَا صَدَّقُوهُ كلهم. يَعْنِي إذَا اتَّفَقُوا عليه كلهم وَيَعُودُ الْعَبْدُ إلَى الْمُدَّعِي.
تنبيه: الضَّمَانُ هُنَا هو ثَمَنُهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وقيل [قيل] بَلْ قِيمَتُهُ حين الْعَقْدِ. قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَقُلْنَا يَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ فَلَهُ الثَّمَنُ وَإِنْ رَدَّهُ فَلَهُ الْقِيمَةُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لو مَاتَ الْعَبْدُ وَخَلَّفَ مَالًا فَهُوَ لِلْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يُخَلِّفَ وَارِثًا فَيَأْخُذَهُ وَلَيْسَ له عليه وَلَاءٌ. قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ لَزِمَهُ مِثْلُهُ إنْ كان مَكِيلًا أو مَوْزُونًا. وكذا لو أَتْلَفَهُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ سَوَاءٌ تَمَاثَلَتْ أَجْزَاؤُهُ أو تَفَاوَتَتْ كَالْأَثْمَانِ وَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ وَغَيْرِ ذلك وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَحَكَاه ابن عبد الْبِرِّ إجْمَاعًا في الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ. قال الْحَارِثِيُّ ذَكَرَهَا الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ في كِتَابِهِ التَّمَامِ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ في رؤوس الْمَسَائِلِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا. وَذَكَرَ أَيْضًا أَخْذَ الْقِيمَةِ في نُقْرَةٍ وَسَبِيكَةٍ لِلْأَثْمَانِ وَعِنَبٍ وَرُطَبٍ وَكُمَّثْرَى. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ النُّقْرَةَ بِقِيمَتِهَا.
تنبيه: مَحَلُّ هذا إذَا كان بَاقِيًا على أَصْلِهِ فَأَمَّا مُبَاحُ الصِّنَاعَةِ كَمَعْمُولِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالصُّوفِ وَالشَّعْرِ الْمَغْزُولِ وَنَحْوِ ذلك فإنه يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عن أَصْلِهِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْوَزَ الْمِثْلُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مِثْلِهِ يوم إعْوَازِهِ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُحَرَّرِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وقال الْقَاضِي في الْخِصَالِ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ يوم الْقَبْضِ يَعْنِي يوم قَبْضِ الْبَدَلِ. قال في التَّلْخِيصِ وَذَكَرَهُ ابن عقيل. قال الْحَارِثِيُّ اخْتَارَهُ ابن عقيل. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يوم تَلَفِهِ. وَقِيلَ أَكْثَرُهُمَا يَعْنِي أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَتُهُ يوم الْبَدَلِ وَقِيمَتُهُ يوم التَّلَفِ. وَعَنْهُ يوم الْمُحَاكَمَةِ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يوم غَصْبِهِ. وَقِيلَ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَتُهُ يوم الْإِعْوَازِ وَقِيمَتُهُ يوم الْغَصْبِ وهو تَخْرِيجٌ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.
فوائد: إحْدَاهُمَا إنْ قَدَرَ على الْمِثْلِ قبل أَخْذِ الْقِيمَةِ وَجَبَ رَدُّ الْمِثْلِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وقال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمْ على ما إذَا قَدَرَ على الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ ثُمَّ عَدِمَهُ. أَمَّا إنْ عَدِمَهُ ابْتِدَاءً فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُخْرَج في وُجُوبِ أَدَاءِ الْمِثْلِ خِلَافٌ انْتَهَى. وَإِنْ كان بَعْدَ أَخْذِهَا أَجْزَأَتْ. وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا وَأَخْذُ الْمِثْلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. قال في الْفُرُوعِ لم يَرُدَّ الْقِيمَةَ في الْأَصَحِّ. قال في التَّلْخِيصِ لم يَرُدَّ الْقِيمَةَ على الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ الْمِثْلَ. الثَّانِيَةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ المثلى هو الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ. قال الْحَارِثِيُّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ كَذَلِكَ نَصَّ عليه من رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بن هَانِئٍ وَحَرْبِ بن إسْمَاعِيلَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي في السَّبِيكَةِ وَنَحْوِهَا. وقال في الْمُجَرَّدِ الْحَطَبُ وَالْخَشَبُ وَالْحَدِيدُ وَالنُّحَاسُ وَالرَّصَاصُ ليس مِثْلِيًّا لَا يَخْتَلِفُ. قال الْحَارِثِيُّ وَعُمُومُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ على خِلَافِهِ وهو الصِّحَّةُ انْتَهَى. ذَكَرَ في الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّ كُلَّ ما لَا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ كَالرِّبَوِيَّاتِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْغَالِيَةِ غَيْرُ مِثْلِيٍّ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْمُرَكَّبَاتِ وَالتَّرْكِيبِ. قال الْحَارِثِيُّ وَالصَّوَابُ إدْرَاجُهُ في الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ. وقال الْحَارِثِيُّ أَيْضًا وَلَعَمْرِي إنَّ اعْتِبَارَ المثلى بِكُلِّ ما يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ حَسَنٌ وَالتَّشَابُهُ في غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مُمْكِنٌ فَلَا مَانِعَ منه وَكَذَلِكَ ما انْقَسَمَ بِالْأَجْزَاءِ بين الشَّرِيكَيْنِ من غَيْرِ تَقْوِيمٍ مُضَافًا إلَى هذا النَّوْعِ لِوُجُودِ التَّمَاثُلِ وَانْتِفَاءِ التَّخَالُفِ انْتَهَى. الثَّالِثَةُ الدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ الرَّائِجَةُ مِثْلِيَّةٌ لِتَمَاثُلِهَا عُرْفًا وَلِأَنَّ أَخْلَاطَهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ مِثْلِيًّا ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ. قال الْحَارِثِيُّ هو قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وقد نَصَّ عليه في الْأَمَةِ من رِوَايَةِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ وَمُوسَى بن سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بن يحيى الْكَحَّالِ وفي الدَّابَّةِ من رِوَايَةِ مُهَنَّا وفي الثِّيَابِ من رِوَايَةِ الْكَحَّالِ أَيْضًا وابن مُشَيْشٍ وَمُهَنَّا. وَعَنْهُ في الثَّوْبِ وَالْقَصْعَةِ والعصى وَنَحْوِهَا يَضْمَنُهَا بِالْمِثْلِ مُرَاعِيًا لِلْقِيمَةِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قال في رِوَايَةِ مُوسَى بن سَعِيدٍ الْمِثْلُ في العصى وَالْقَصْعَةِ إذَا كُسِرَ وفي الثَّوْبِ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ شَقَّ الثَّوْبِ وَإِنْ شَاءَ مثله. قال الْمُصَنِّفُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَ الشَّقِّ. قال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قال في رِوَايَةِ الشَّالَنْجِيِّ يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ في العصى وَالْقَصْعَةِ وَالثَّوْبِ. قُلْت فَلَوْ كان الشَّقُّ قَلِيلًا قال صَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ قَلِيلًا كان أو كَثِيرًا وَذَكَرَ ذلك في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. وقال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بمثله ذَكَرَهَا بن أبي مُوسَى واختارها [واختاره] شَيْخُنَا. قال في الِاخْتِيَارَاتِ وهو الْمَذْهَبُ عِنْدَ بن أبي مُوسَى. قال الْحَارِثِيُّ هو الْمَذْهَبُ عِنْدَ بن أبي مُوسَى وَاخْتَارَهُ وَذَكَرَ لَفْظَهُ في الْإِرْشَادِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْحَقُّ. وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بمثله وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ في غَيْرِ الْحَيَوَانِ بمثله ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَ في الْوَاضِحِ وَالْمُوجَزِ أَنَّهُ يَنْقُصُ عنه عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ وَالْمُفْرَدَاتِ لو حَكَمَ حَاكِمٌ بِغَيْرِ الْمِثْلِ في المثلى وَبِغَيْرِ الْقِيمَةِ في الْمُتَقَوِّمِ لم يَنْفُذْ حُكْمُهُ ولم يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ. وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ فِيمَنْ كَسَرَ خَلْخَالًا أَنَّهُ يُصْلِحُهُ. قَوْلُهُ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ يوم تَلَفِهِ في بَلَدِهِ من نَقْدِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ وَالْمَشْهُورُ. وقال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَهُ بِقِيمَتِهِ يوم غَصْبِهِ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. قال الْحَارِثِيُّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ وأبو الْخَطَّابِ هذا التَّخْرِيجَ من قَوْلِ الْإِمَامِ. أَحْمَدَ في حَوَائِجِ الْبَقَّالِ يُعْطِيهِ على سِعْرِ يَوْمِ أَخَذَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَوَائِجَ يَمْلِكُهَا الْآخِذُ بِأَخْذِهَا بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ انْتَهَى. وَعَنْهُ بِأَكْثَرِهِمَا يَعْنِي أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَةُ يَوْمِ تَلَفِهِ وَيَوْمِ غَصْبِهِ. قال الْحَارِثِيُّ وَمِنْ الْأَصْحَابِ من حَكَى رِوَايَةً بِوُجُوبِ أَقْصَى الْقِيَمِ من يَوْمِ الْغَصْبِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ. وَنُسِبَ إلَى الْخِرَقِيِّ من قَوْلِهِ وَلَوْ غَصَبَهَا حَامِلًا فَوَلَدَتْ في يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ أَخَذَهَا سَيِّدُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا أَكْثَرُ ما كانت قِيمَتُهُ وهو اخْتِيَارُ السَّامِرِيِّ. قال الْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ وما وُجِدَتْ رِوَايَةٌ بِمَا قال الْخِرَقِيُّ. وهو عِنْدِي غَيْرُ مَنَافٍ لِلْأَوَّلِ فإن قِيمَةَ الْوَلَدِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ تَتَزَايَدُ بِتَزَايُدِ تَرْبِيَتِهِ فَتَكُونُ يوم مَوْتِهِ أَكْثَرَ ما كانت. وَعَلَى هذا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ ما قال لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ من نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وما عَدَاهُ من ذلك لَا يُعْرَفُ من نَصِّهِ انْتَهَى.
فائدة: حُكْمُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وما جَرَى مَجْرَاهُ حُكْمُ الْمَغْصُوبِ في اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِيَوْمِ التَّلَفِ وَكَذَا الْمُتْلَفِ بِلَا غَصْبٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَتَقَدَّمَتْ الْإِحَالَةُ على هذا الْمَكَانِ في أَوَاخِرِ خِيَارِ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ في بَلَدِهِ هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَيْ في بَلَدِ غَصْبِهِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ من نَقْدِ الْبَلَدِ الذي تَلِفَ فيه لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَمَانِهِ جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي. قال الْحَارِثِيُّ عن الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَذَا قال أبو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ مَحَلُّ الضَّمَانِ فَاخْتُصَّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ. قال وفي هذا نَظَرٌ فإنه إنَّمَا يَتَمَشَّى على اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِيَوْمِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ إذَنْ مَحَلُّ الضَّمَانِ. أَمَّا على اعْتِبَارِهِ بِيَوْمِ التَّلَفِ كما هو الصَّحِيحُ فَالِاعْتِبَارُ إذَنْ إنَّمَا هو بِمَحَلِّ التَّلَفِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الضَّمَانِ حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهُ فيه فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِهِ. وقد أَشَارَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ إلَى ما قُلْنَا. فإنه قال لو غُصِبَ في بَلَدٍ وَتَلِفَ في بَلَدٍ آخَرَ وَلَقِيَهُ في ثَالِثٍ كان له الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَةِ أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ من بَلَدِ الْغَصْبِ وَالتَّلَفِ إلَّا أَنْ نَقُولَ الِاعْتِبَارُ بِيَوْمِ الْقَبْضِ فَيُطَالِبُ بِالْقِيمَةِ في بَلَدِ الْغَصْبِ انْتَهَى. قُلْت قد صَرَّحَ في التَّلْخِيصِ بِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ في بَلَدِ الْغَصْبِ في هذا الْمَحَلِّ من كِتَابِهِ فقال وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ في بَلَدِ الْغَصْبِ. وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ إنْ كان في الْبَلَدِ نَقْدٌ أَخَذَ منه وَإِنْ كان فيه نُقُودٌ أَخَذَ من غَالِبِهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنْ يَكُونَ من جِنْسِ الْمَغْصُوبِ مِثْلَ الْمَصُوغِ وَنَحْوِهِ على ما يَأْتِي.
فوائد: الْأُولَى لو نَسَجَ غَزْلًا أو عَجَنَ دَقِيقًا فَقِيلَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ جَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ. وَقِيلَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ أو الْقِيمَةُ. قال في التَّلْخِيصِ وهو أَوْلَى عِنْدِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ لَا قِصَاصَ في الْمَالِ مِثْلُ شَقِّ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ وَمُوسَى بن سَعِيدٍ وَالشَّالَنْجِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ في ذلك. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وابن أبي مُوسَى. وَتَقَدَّمَ النَّقْلُ في ذلك قَرِيبًا في قَوْلِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ مِثْلِيًّا. وَيَأْتِي هل يُقْتَصُّ من اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا في بَابِ ما يُوجِبُ الْقِصَاصَ. الثَّالِثَةُ لو غَصَبَ جَمَاعَةٌ مُشَاعًا فَرَدَّ وَاحِدٌ منهم سَهْمَ وَاحِدٍ إلَيْهِ لم يَجُزْ. له حتى يعطى شُرَكَاءَهُ نَصَّ عليه وَكَذَا لو صَالَحُوهُ عنه بِمَالٍ نَقَلَهُ حَرْبٌ. قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَشَاعِ. الرَّابِعَةُ لو زَكَّاهُ رَبُّهُ رَجَعَ بها قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وقال ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْمَعَالِي لَا يَرْجِعُ. قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ. وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ أَنَّهُ كَمَنْفَعَةٍ. قَوْلُهُ فَإِنْ كان مَصُوغًا أو تِبْرًا تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ هذا الْمَذْهَبُ. قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وقال قَالَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ. قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَشْهُورُ. وقال الْقَاضِي يَجُوزُ تَقْوِيمُهُ بِجِنْسِهِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ قال وهو الْأَظْهَرُ. وقال الْحَارِثِيُّ إذَا اسْتَهْلَكَ ذَهَبًا أو فِضَّةً فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَا مَضْرُوبَيْنِ أو لَا فَإِنْ كَانَا مَضْرُوبَيْنِ فَمِثْلِيَّانِ. وَإِنْ كَانَا غير مَضْرُوبَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَا مَصُوغَيْنِ أو لَا. فَإِنْ لم يَكُونَا مَصُوغَيْنِ فَإِنْ قِيلَ بِمِثْلِيَّتِهِ كما هو الصَّوَابُ فَيَضْمَنَانِ بِالْمِثْلِ. وَإِنْ قِيلَ بِتَقْوِيمِهِ وهو الْوَارِدُ في الْكِتَابِ فَإِنْ كان من جِنْسِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَاسْتَوَيَا زِنَةً وَقِيمَةً فَمَضْمُونٌ بِالزِّنَةِ من نَقْدِ الْبَلَدِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَمَضْمُونٌ بِغَيْرِ الْجِنْسِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وابن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا. وَإِنْ كان مُغَايِرًا لِجِنْسِ نَقْدِ الْبَلَدِ بِأَنْ كان الْمُتْلَفُ ذَهَبًا وَنَقْدُ الْبَلَدِ دَرَاهِمَ أو بِالْعَكْسِ ضَمِنَ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ. وَإِنْ كَانَا مَصُوغَيْنِ فَإِنْ قِيلَ بِالْمِثْلِيَّةِ في مِثْلِهِ كما تَقَدَّمَ وَجَبَ الْمِثْلُ زِنَةً وَصُورَةً وَإِنْ قِيلَ بِالتَّقْوِيمِ كما هو الْمَشْهُورُ فَإِنْ اتَّحَدَا قِيمَةً وَوَزْنًا لِسُوءِ الصِّنَاعَةِ ضَمِنَ بِزِنَتِهِ من نَقْدِ الْبَلَدِ كَيْفَ كان وَإِنْ اخْتَلَفَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ من غَيْرِ الْجِنْسِ. وقال الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ يَجُوزُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ من الْجِنْسِ وهو الْأَظْهَرُ انْتَهَى.
تنبيه: مَحَلُّ هذا إذَا كان مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ فَأَمَّا مُحَرَّمُ الصِّنَاعَةِ كَالْأَوَانِي وَحُلِيِّ الرِّجَالِ الْمُحَرَّمِ فإنه لم يَجُزْ ضَمَانُهُ بِأَكْثَرَ من وَزْنِهِ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ ذَكَرَهَا في الرِّعَايَتَيْنِ. وزاد في الْكُبْرَى فقال وَقِيلَ إنْ جَازَ اتِّخَاذُهُ ضَمِنَ كَالْمُبَاحِ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ فَإِنْ كان مُحَلًّى بِالنَّقْدَيْنِ مَعًا قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا وَأَعْطَاهُ بِقِيمَتِهِ عَرْضًا. جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. قال الْحَارِثِيُّ فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ من غَيْرِ الْجِنْسِ وهو الْعَرْضُ مُقَوَّمًا بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَعَلَّلَهُ وقال هذا على أَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافَقَتِهِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. أَمَّا على أَصْلِ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ فَجَائِزٌ تَضْمِينُهُ بِالْجِنْسِ على ما مَرَّ انْتَهَى. قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَغْصُوبِ فَنَقَصَتْ قِيمَةُ باقية كَزَوْجَيْ خُفٍّ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ يُرَدُّ الْبَاقِي وَقِيمَةُ التَّالِفِ وَأَرْشُ النَّقْصِ. هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ لَا أَصْلَ له وَلِوَهَائِهِ أَعْرَضَ عنه غَيْرُ وَاحِدٍ من الْأَصْحَابِ مع الِاطِّلَاعِ على إيرَادِ أبي الْخَطَّابِ له وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ أو فَرَسًا فَشَرَدَ أو شيئا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مع بَقَائِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَإِنْ قَدَرَ عليه بَعْدَ رَدِّهِ أَخَذَ الْقِيمَةَ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالُوا يَرُدُّ الْقِيمَةَ لِلْغَاصِبِ بِعَيْنِهَا إنْ كانت بَاقِيَةً وَيَرُدُّ زَوَائِدَهَا الْمُتَّصِلَةَ من سَمْنٍ وَنَحْوِهِ وَلَا يَرُدُّ الْمُنْفَصِلَةَ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كانت تَالِفَةً فَمِثْلُهَا إنْ كانت مِثْلِيَّةً أو قِيمَتُهَا إنْ كانت مُتَقَوِّمَةً. وَهَلْ لِلْغَاصِبِ حَبْسُ الْعَيْنِ لِاسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ. قال في التَّلْخِيصِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ قال وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا هل يَحْبِسُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ على رَدِّ الثَّمَنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْبِسُ بَلْ يَدْفَعَانِ إلَى عَدْلٍ لِيُسَلِّمَ إلَى كل وَاحِدٍ مَالَهُ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ.
فائدة: إذَا أَخَذَ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ من الْغَاصِبِ مَلَكَهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قال الْحَارِثِيُّ قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا لَا يَمْلِكُهَا وَإِنَّمَا حَصَلَ بها الِانْتِفَاعُ في مُقَابَلَةِ ما فَوَّتَهُ الْغَاصِبُ فما اجْتَمَعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ منه نَقَلَهُ عنه في الْفُرُوعِ. وقال الزَّرْكَشِيُّ وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ لَا يَمْلِكُهَا وَإِنَّمَا يُبَاحُ له الِانْتِفَاعُ بها بِإِزَاءِ ما فَاتَهُ من مَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ. قال الْقَاضِي يَعْقُوبُ في تَعْلِيقِهِ لَا يَمْلِكُهَا وَإِنَّمَا جُعِلَ الِانْتِفَاعُ بها عِوَضًا عَمَّا فَوَّتَهُ الْغَاصِبُ. قال الْحَارِثِيُّ يَجِبُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ بِيَوْمِ التَّعَذُّرِ. قال في التَّلْخِيصِ وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ على أَخْذِهَا وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ منها. وَلَا يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالْبَدَلِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ جَوَازُ الْأَخْذِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فَتَوَقَّفَ على خِيرَتِهِ.
فائدة: لَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ فَلَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَلَا يَعْتِقُ عليه لو كان قَرِيبَهُ. وَيَسْتَحِقُّهُ الْمَالِكُ بِنَمَائِهِ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إلَى حِينِ دَفْعِ الْبَدَلِ على ما يَأْتِي. قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ. رَأَيْت في نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ على الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهَا خطة فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قال الْحَارِثِيُّ وَلَيْسَ بِالْجَيِّدِ. قُلْت وهو بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ له مِثْلًا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ وَرَأَيْت في نُسَخٍ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ وَالْحَارِثِيِّ وابن مُنَجَّا وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابن عبدوس وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في شَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ وَإِنْ انْقَلَبَ خَلًّا رَدَّهُ وما نَقَصَ من قيمة الْعَصِيرِ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَصِيرِ لِأَنَّ الْخَلَّ عَيْنَهُ كَحَمَلٍ صَارَ كَبْشًا. وقال الْحَارِثِيُّ وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ وهو الْأَقْوَى وَنَصَرَهُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ.
فائدة: لو غَلَى الْعَصِيرُ فَنَقَصَ غَرِمَ أَرْشَ نَقْصِهِ وَكَذَا يَغْرَمُ نَقْصَهُ على الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. قال في الْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مَاءٌ. قَوْلُهُ وَإِنْ كان لِلْمَغْصُوبِ أُجْرَةٌ فَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ في يَدِهِ. يَعْنِي إذَا كانت تَصِحُّ إجَارَتُهُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في قَضَايَا كَثِيرَةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ عن ذلك. قال أبو بَكْرٍ هذا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عنه لِأَنَّ الرَّاوِيَ لها عنه محمد بن الْحَكَمِ وقد مَاتَ قبل الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِعِشْرِينَ سَنَةً. قُلْت مَوْتُهُ قبل الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يَدُلُّ على رُجُوعِهِ بَلْ لَا بُدَّ من دَلِيلٍ يَدُلُّ على رُجُوعِهِ غير ذلك. ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قال قَرِيبًا من ذلك فقال الِاسْتِدْلَال على الرُّجُوعِ بِتَقَدُّمِ وَفَاةِ مُحَمَّدِ بن الْحَكَمِ لَا يَصِحُّ فإن من تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ من الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ منهم من سمع قبل سَمَاعِ مُحَمَّدِ بن الْحَكَمِ لَا سِيَّمَا أبو طَالِبٍ فإنه قَدِيمُ الصُّحْبَةِ لِأَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. قال وَأَحْسَنُ منه التَّأَنُّسُ بِمَا روى أَنَّ بن مَنْصُورٍ بَلَغَهُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَجَعَ عن بَعْضِ الْمَسَائِلِ التي عَلَّقَهَا فَجَمَعَهَا في جِرَابٍ وَحَمَلَهَا على ظَهْرِهِ وَخَرَجَ إلَى بَغْدَادَ وَعَرَضَ خُطُوطَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عليه في كل مَسْأَلَةٍ فَأَقَرَّ له بها ثَانِيًا. فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذلك كان بَعْدَ مَوْتِ بن الْحَكَمِ وَقَبْلَ وَفَاةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِيَسِيرٍ وابن مَنْصُورٍ مِمَّنْ رَوَى الضَّمَانَ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عن رِوَايَةِ بن الْحَكَمِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك في الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ أو غَزْلًا فَنَسَجَهُ. قال في الْفُرُوعِ هُنَا وَنَقَلَ بن الْحَكَمِ لَا أُجْرَةَ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ انْتَفَعَ بِهِ أو لَا. وَظَاهِرُ الْمُبْهِجِ التَّفْرِقَةُ يَعْنِي إنْ انْتَفَعَ بِهِ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرَ ما نُقِلَ عنه. وقد نَقَلَ بن مَنْصُورٍ إنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِهِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ بِقَدْرِ ما اسْتَعْمَلَهَا إلَى رَدِّهِ أو إتْلَافِهِ أو رَدِّ قِيمَتِهِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لو كان الْعَبْدُ ذَا صَنَائِعَ لَزِمَهُ أُجْرَةُ أَعْلَاهَا فَقَطْ. الثَّانِيَةُ مَنَافِعُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ.
تنبيه: قال الْحَارِثِيُّ أبو بَكْرٍ الْمُبْهَمُ في الْكِتَابِ هو الْخَلَّالُ وَإِطْلَاقُ أبي بَكْرٍ في عُرْفِ الْأَصْحَابِ إنَّمَا هو أبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ لَا الْخَلَّالُ وَإِنْ كان يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ من كَلَامِ أبي بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ كما قال فإنه أَدْخَلَ في جَامِعِ الْخَلَّالِ شيئا من كَلَامِهِ فَرُبَّمَا اشْتَبَهَ بِكَلَامِ الْخَلَّالِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ وابن عَقِيلٍ وَغَيْرَهُمَا من أَهْلِ الْمَذْهَبِ إنَّمَا حَكَوْهُ عن الْخَلَّالِ انْتَهَى. قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ شيئا فَعَجَزَ عن رَدِّهِ فَأَدَّى قِيمَتَهُ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْقِيمَةِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ. إنْ كان قبل أَدَاءِ الْقِيمَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَإِنْ كان بَعْدَ أَدَائِهَا فَأَطْلَقَ في وُجُوبِهَا الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وقال ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ. أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ على مِلْكِ الْمَغْصُوبِ منه وَالْمَنْفَعَةِ. فَعَلَى هذا الْوَجْهِ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ إلَى رَدِّهِ مع بَقَائِهِ.
فائدة: قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَضْمَنُ رَائِحَةَ الْمِسْكِ وَنَحْوَهُ خِلَافًا لِلِانْتِصَارِ لَا نَقْدًا لِتِجَارَةٍ. قُلْت الذي يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِالضَّمَانِ في ذَهَابِ رَائِحَةِ الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ كَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهَا بَاطِلَةٌ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ قال الشَّارِحُ هذا أَظْهَرُ. قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ. قال في التَّلْخِيصِ في بَابِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَثُرَتْ تَصَرُّفَاتُهُ في أَعْيَانِ الْمَغْصُوبَاتِ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ الْكُلِّ على الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ذَكَرَهُ في كِتَابِ الْبَيْعِ في الشَّرْطِ السَّابِعِ. وَالْأُخْرَى صَحِيحَةٌ. وَعَنْهُ تَصِحُّ مَوْقُوفَةً على الْإِجَازَةِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفَائِقِ. وقال وَقِيلَ الصِّحَّةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا لم يُبْطِلْهُ الْمَالِكُ من الْعُقُودِ انْتَهَى. قُلْت قال الشَّارِحُ وقد ذَكَرَ شَيْخُنَا في الْكِتَابِ الْمَشْرُوحِ رِوَايَةً انها صَحِيحَةٌ. وَذَكَرَهَا أبو الْخَطَّابِ قال وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ في الْعُقُودِ بِمَا إذَا لم يُبْطِلْهُ الْمَالِكُ. فَأَمَّا إنْ اخْتَارَ الْمَالِكُ إبْطَالَهُ فَأَخَذَ الْمَعْقُودَ عليه فَلَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا. وَأَمَّا ما لم يُدْرِكْهُ الْمَالِكُ فَوَجْهُ التَّصْحِيحِ فيه أَنَّ الْغَاصِبَ تَطُولُ مُدَّتُهُ وَتَكْثُرُ تَصَرُّفَاتُهُ فَفِي الْقَضَاءِ ببطلانها [بطلانها] ضَرَرٌ كَثِيرٌ وَرُبَّمَا عَادَ الضَّرَرُ على الْمَالِكِ انْتَهَى. وقال ما قَالَهُ الشَّارِحُ وَالْقَاضِي في خِلَافِهِ وابن عَقِيلٍ نَقَلَهُ عنهما في الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَةَ مَرَّةً كما هُنَا وَمَرَّةً قال يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ كما قال الشَّارِحُ وقال هو أَشْبَهُ من الْإِطْلَاقِ. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لم أَرَ من تَقَدَّمَ الْمُصَنِّفَ وَأَبَا الْخَطَّابَ في إيرَادِهَا. وقال أَيْضًا وَأَمَّا الصِّحَّةُ على الْإِطْلَاقِ فَلَا أَعْلَمُ بِهِ أَيْضًا سِوَى نَصِّهِ على مِلْكِ الْمَالِكِ كَرِبْحِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ كما سَنُورِدُهُ في مَسْأَلَةِ الرِّبْحِ. وقال عن كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في تَقْيِيدِ الرِّوَايَةِ أَمَّا طُولُ مُدَّةِ الْغَصْبِ وَكَثْرَةُ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ فَلَا يَطَّرِدُ بَلْ كَثِيرٌ من الْمَغْصُوبِ لَا يُتَصَرَّفُ فيه بِعَقْدٍ أَصْلًا وَبِتَقْدِيرِ الِاطِّرَادِ غَالِبًا.
تنبيه: َانِ. أَحَدُهُمَا بَنَى الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَجَمَاعَةٌ تَصَرُّفَ الْغَاصِبِ على تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ فَأَثْبَتَ فيه ما في تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ من رِوَايَةِ الِانْعِقَادِ مَوْقُوفًا على إجَازَةِ الْمَالِكِ. قال الْحَارِثِيُّ وَمِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ من جَعَلَ هذه التَّصَرُّفَاتِ من نَفْسِ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ قال وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. ثُمَّ قال وَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِالْفُضُولِيِّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِفُرُوقٍ جَيِّدَةٍ. الثَّانِي هذا الْخِلَافُ الْمَحْكِيُّ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وقد قَسَّمَهَا الْمُصَنِّفُ قِسْمَيْنِ عِبَادَاتٌ وَعُقُودٌ. فَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَفِيهَا مَسَائِلُ. منها الْوُضُوءُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَالْوُضُوءُ من إنَاءٍ مَغْصُوبٍ وَغُسْلُ النَّجَاسَةِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَالصَّلَاةُ في مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ. وقد تَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالْآنِيَةِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ. وَمِنْهَا الْحَجُّ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ كما قال الْمُصَنِّفُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَصَّ عليه. قال ابن أبي مُوسَى وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. قال في الْخُلَاصَةِ بَاطِلٌ على الْأَصَحِّ. قال الشَّارِحُ بَاطِلٌ على الْأَظْهَرِ. قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ. قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ يَبْطُلُ في كل عِبَادَةٍ على الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ عنه يُجْزِئُهُ مع الْكَرَاهَةِ قَالَه ابن أبي مُوسَى وَاخْتَارَهُ ابن عقيل. قال الْحَارِثِيُّ وهو أَقْوَى. قُلْت وهو الصَّوَابُ فَيَجِبُ بَدَلُ الْمَالِ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ. وَمِنْهَا الْهَدْيُ الْمَغْصُوبُ لَا يُجْزِئُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ عَلِيِّ بن سَعِيدٍ. وَعَنْهُ الصِّحَّةُ مَوْقُوفَةٌ على إجَازَةِ الْمَالِكِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ على الْفَرْقِ بين أَنْ يَعْلَمَ أنها لِغَيْرِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَبَيْنَ أَنْ يَظُنَّ أنها لِنَفْسِهِ فَيُجْزِئُهُ في رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٍّ. وَسَوَّى كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ بَيْنَهُمَا في حِكَايَةِ الْخِلَافِ. قال في الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ وَلَا يَصِحُّ. وَإِنْ كان الثَّمَنُ مَغْصُوبًا لم يُجْزِئْهُ أَيْضًا اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ أو في الذِّمَّةِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت لو قِيلَ بِالْإِجْزَاءِ إذَا اشْتَرَاهُ في الذِّمَّةِ لَكَانَ مُتَّجِهًا. وَمِنْهَا لو أَوْقَعَ الطَّوَافَ أو السَّعْيَ أو الْوُقُوفَ على الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ فَفِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَا الصَّلَاةِ في الْبُقْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت النَّفْسُ تَمِيلُ إلَى صِحَّةِ الْوُقُوفِ على الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ. وَمِنْهَا أَدَاءُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ في الزَّكَاةِ غَيْرُ مُجْزِئٍ. قال الْحَارِثِيُّ ثُمَّ إنَّ أَبَا الْخَطَّابِ صَرَّحَ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ في الزَّكَاةِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ كما انْتَظَمَهُ عُمُومُ إيرَادِ الْكِتَابِ. فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ما ذَكَرْنَا من أَدَاءِ الْمَغْصُوبِ عن الْغَاصِبِ وهو الصَّحِيحُ فَهَذَا شَيْءٌ لَا يَقْبَلُ نِزَاعًا أَلْبَتَّةَ لَمَا فيه من النَّصِّ فَلَا يُتَوَهَّمُ خِلَافُهُ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَدَاءُ عن الْمَالِكِ بِأَنْ أَخْرَجَ عنه من النِّصَابِ الْمَغْصُوبِ وهو بَعِيدٌ جِدًّا فإن الْوَاقِعَ من التَّصَرُّفِ لِلْعِبَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ عن الْغَاصِبِ نَفْسِهِ فَلَا. يَقْبَلُ أَيْضًا خِلَافًا لِاتِّفَاقِنَا على اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ من الْأَدَاءِ فَيَقْهَرَهُ الْإِمَامُ على الْأَخْذِ منه فَيُجْزِئُ في الظَّاهِرِ وَلَيْسَ هذا بِوَاحِدٍ من الْأَمْرَيْنِ فَلَا يُجْزِئُ بِوَجْهٍ. وَمِنْهَا كُلُّ صَدَقَةٍ من كَفَّارَةٍ أو نَذْرٍ أو غَيْرِهِمَا كَالزَّكَاةِ سَوَاءٌ. وَمِنْهَا عِتْقُ الْمَغْصُوبِ لَا يَنْفُذُ بِلَا خِلَافٍ في الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَمِنْهَا الْوَقْفُ لَا يَنْفُذُ في الْمَغْصُوبِ قَوْلًا وَاحِدًا. لَكِنْ لو كان ثَمَنُ الْمُعْتَقِ أو الْمَوْقُوفِ مَغْصُوبًا فَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ لم يَنْفُذْ وَإِنْ اشْتَرَى في الذِّمَّةِ ثُمَّ نَقَدَهُ فَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ إفَادَةِ الْمَالِكِ لم يَنْفُذْ وَإِنْ قِيلَ بِالْإِفَادَةِ نَفَذَ الْعِتْقُ وَالْوَقْفُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَمَّا الْعُقُودُ من الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ حِكَايَةُ الرِّوَايَةِ بِالصِّحَّةِ وَالْكَلَامُ عليها وَالرِّوَايَةُ بِالْوَقْفِ على الْإِجَازَةِ.
تنبيه: قَوْلُهُ وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ. أَيْ التي يُحْكَمُ عليها بِصِحَّةٍ أو فَسَادٍ احْتِرَازًا من غَيْرِ الْحُكْمِيَّةِ كَإِتْلَافِ الْمَغْصُوبِ كَأَكْلِهِ الطَّعَامَ أو إشْعَالِهِ الشَّمْعَ وَنَحْوِهِمَا وَكَلُبْسِهِ الثَّوْبَ وَنَحْوِهِ فإن هذا لَا يُقَالُ فيه صَحِيحٌ وَلَا فَاسِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قال ابن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْوَجِيزِ وَقَوْلُهُ الْحُكْمِيَّةُ احْتِرَازٌ من التَّصَرُّفَاتِ الصُّورِيَّةِ. فَالْحُكْمِيَّةُ ما له حُكْمٌ من صِحَّةٍ وَفَسَادٍ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ وَنَحْوِهِ. وَالصُّورِيَّةُ كَطَحْنِ الْحَبِّ وَنَسْجِ الْغَزْلِ وَنَجْرِ الْخَشَبِ نَحْوِهِ انْتَهَى وهو كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. قَوْلُهُ وَإِنْ اتَّجَرَ بِالدَّرَاهِمِ فَالرِّبْحُ لِمَالِكِهَا. يَعْنِي إذَا اتَّجَرَ بِعَيْنِ الْمَالِ أو بِثَمَنِ الْأَعْيَانِ الْمَغْصُوبَةِ فَالْمَالُ وَرِبْحُهُ لِمَالِكِهَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال أَصْحَابُنَا الرِّبْحُ لِلْمَالِكِ وَالسِّلَعُ الْمُشْتَرَاةُ له وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بن الْجَعْدِ رضي اللَّهُ عنه. وَنَقَلَ حَرْبٌ في خَبَرِ عُرْوَةَ إنَّمَا جَازَ لِأَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ جَوَّزَهُ له وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْفُنُونِ وَالتَّرْغِيبِ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ إنْ صَحَّ الشِّرَاءُ وَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُ. وقال الْحَارِثِيُّ وَيَتَخَرَّجُ من الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلرِّبْحِ وهو الْأَقْوَى انْتَهَى. وَعَنْهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ. وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِعَيْنِهِ إنْ قُلْنَا النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى في ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا فَكَذَلِكَ. يَعْنِي الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ أَيْضًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى في الذِّمَّةِ أو بَاعَ سَلَمًا ثُمَّ أَقْبَضَ الْمَغْصُوبَ وَرَبِحَ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ على الْمَذْهَبِ وَالْإِقْبَاضُ فَاسِدٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبَرِّئٍ وَصِحَّةُ الْعَقْدِ نَصَّ عليها في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ. وَحَكَى الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ وَجْهًا يَكُونُ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا على إجَازَةِ الْمَالِكِ إنْ أَجَازَهُ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ قال وهو أَصَحُّ ما يُقَالُ في الْمَسْأَلَةِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو مَأْخُوذٌ من مِثْلِهِ في مَسْأَلَةِ الْفُضُولِيِّ قال وهو مُشْكِلٌ إذْ كَيْفَ يَقِفُ تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ على إجَازَةِ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَأَمَّا الرِّبْحُ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لِلْمَالِكِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ. قال الشَّارِحُ هذا الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ. قال الْحَارِثِيُّ هو ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ حتى أبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ. وقال في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ إذَا اشْتَرَى في ذِمَّتِهِ بِنِيَّةِ نَقْدِهَا فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ وَاخْتَارَهُ ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ الرِّبْحُ لِلْمُشْتَرِي وهو احْتِمَالٌ في الشَّرْحِ وهو قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى. فَعَلَيْهَا يَجُوزُ له الْوَطْءُ وَنَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. وَعَلَى هذا إنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ من شُبْهَةٍ بيده اشْتَرَى في ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا وَقَالَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَذَكَرَهُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
فوائد: الْأُولَى لو اتَّجَرَ بالوديعة [الوديعة] فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ ليس لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا من الْإِمَامِ أَحْمَدَ مُقْتَضٍ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ وَفْقُ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ في تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ وهو أَقْوَى انْتَهَى. الثَّانِيَةُ لو قَارَضَ بِالْمَغْصُوبِ أو الْوَدِيعَةِ فَالرِّبْحُ على ما تَقَدَّمَ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ على الْمَالِكِ وَإِنْ عَلِمَ فَلَا شَيْءَ له على الْغَاصِبِ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَهُ عليه أُجْرَةُ الْمِثْلِ. الثَّالِثَةُ إجَارَةُ الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ وهو كَالْبَيْعِ كما تَقَدَّمَ وهو دَاخِلٌ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأُجْرَةُ لِلْمَالِكِ نَصَّ عليه. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُسَمَّى هو الْوَاجِبُ لِلْمَالِكِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وقال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ إنَّ الْوَاجِبَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو أَقْوَى. الرَّابِعَةُ لو أَنْكَحَ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ فَفِي الْبُطْلَانِ وَالصِّحَّةِ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمَتْنِ. قال الْحَارِثِيُّ وَالتَّصْحِيحُ لَا أَصْلَ له فإنه مُقْتَضٍ لِنَفْيِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ في النِّكَاحِ وهو خِلَافُ الْمَذْهَبِ. لَكِنْ قد يَقْرَبُ إجْرَاؤُهُ مَجْرَى الْفُضُولِيِّ فَتَأْتِي رِوَايَةُ الِانْعِقَادِ مع الْإِجَازَةِ. الْخَامِسَةُ لو وَهَبَ الْمَغْصُوبَ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ الْبُطْلَانُ على ما تَقَدَّمَ. السَّادِسَةُ تَذْكِيَةُ الْغَاصِبِ الْحَيَوَانَ الْمَأْكُولَ وفي إفَادَتِهَا لِحِلِّ الْأَكْلِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا هو مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَحِلُّ قال الْحَارِثِيُّ وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ انْتَهَى. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وهو قَوْلُ غَيْرِ أبي بَكْرٍ من الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. وقد نَبَّهَ عليه الْمُصَنِّفُ قبل ذلك فِيمَا إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ وَشَوَاهَا. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك في ذَبْحِ السَّارِقِ الْحَيَوَانَ الْمَسْرُوقَ في بَابِ الْقَطْعِ في السَّرِقَةِ. وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ التَّذْكِيَةُ بِالْآلَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَكَذَلِكَ التَّزَوُّجُ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ وفي كُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافٌ يَأْتِي. قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا في قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أو قَدْرِهِ أو صِنَاعَةٍ فيه فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ. لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا.
فائدة: لو اخْتَلَفَا في تَلَفِ الْمَغْصُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ في تَلَفِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. قال في الْفُرُوعِ قُبِلَ قَوْلُ الْغَاصِبِ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في التَّلْخِيصِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لِلْمَغْصُوبِ منه أَنْ يُطَالِبَ الْغَاصِبَ بِبَدَلِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقِيلَ ليس له مُطَالَبَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ. قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا في رَدِّهِ أو عَيْبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. لَكِنْ لو شَاهَدَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَبْدَ مَعِيبًا عِنْدَ الْغَاصِبِ فقال الْمَالِكُ حَدَثَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وقال الْغَاصِبُ بَلْ كان فيه قبل غَصْبِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في شَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالشَّرْحِ. وقال وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَالِكِ كما لو تَبَايَعَا وَاخْتَلَفَا في عَيْبٍ هل كان عِنْدَ الْبَائِعِ أو حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فإن فيه رِوَايَةً أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ كَذَلِكَ هذا إذْ الْأَصْلُ السَّلَامَةُ وَتَأَخُّرُ الْحُدُوثِ عن وَقْتِ الْغَصْبِ انْتَهَى. قُلْت هذه الرِّوَايَةُ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ هُنَاكَ على ما تَقَدَّمَ في الْخِيَارِ في الْعَيْبِ. قَوْلُهُ وَإِنْ بَقِيَتْ في يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا تَصَدَّقَ بها عَنْهُمْ بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَاللُّقَطَةِ. إذَا بَقِيَ في يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَصْحَابَهَا فَسَلَّمَهَا إلَى الْحَاكِمِ بريء من عُهْدَتِهَا بِلَا نِزَاعٍ وَيَجُوزُ له التَّصَدُّقُ بها عَنْهُمْ بِشَرْطِ ضَمَانِهَا وَيَسْقُطُ عنه إثْمُ الْغَصْبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. قال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ لم يذكر أَصْحَابُنَا فيه خِلَافًا. وقال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَيَتَصَدَّقُ بها عنه على الصَّحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يُعْجِبُنِي الصَّدَقَةُ بها. وقال في الْغُنْيَةِ عليه ذلك. وَنَقَلَ أَيْضًا على فُقَرَاءِ مَكَانِهِ إنْ عَرَفَهُ. وَنَقَلَ صَالِحٌ أو بِقِيمَتِهِ. وَلَهُ شِرَاءُ عَرْضٍ بِنَقْدٍ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا تَجُوزُ محاباه قَرِيبٍ وَغَيْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَظَاهِرُ نَقْلِ حَرْبٍ في الثَّانِيَةِ الْكَرَاهَةُ. قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ في غَيْرِ مَوْضِعٍ انْتَهَى. وَعَنْهُ ليس له الصَّدَقَةُ بها ذَكَرَهَا الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وهو تَخْرِيجٌ في الشَّرْحِ وَالْفَائِقِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا قال الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الرُّهُونُ وَالْوَدَائِعُ وَسَائِرُ الْأَمَانَاتِ. كَالْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ نُصُوصًا في ذلك. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَرْهُونِ في آخِرِ الرَّهْنِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا من ذلك في بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي عِنْدَ حُكْمِ الْهَدِيَّةِ وَالرِّشْوَةِ. وَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ في بَابِهَا وَهَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ الْأَخْذُ أَمْ لَا. الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ هذه الْأَشْيَاءُ في يَدِهِ وَقُلْنَا له الصَّدَقَةُ بها أَنْ يَأْخُذَ منها لِنَفْسِهِ إذَا كان من أَهْلِ الصَّدَقَةِ نَصَّ عليه. وَخَرَّجَ الْقَاضِي جَوَازَ الْأَكْلِ منها إذَا كان فَقِيرًا على الرِّوَايَتَيْنِ في شِرَاءِ الْوَصِيِّ من نَفْسِهِ نَقَلَهُ عنه ابن عقيل في فُنُونِهِ وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْغَاصِبِ إذَا تَابَ.
تنبيه: ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بها إلَّا مع عَدَمِ مَعْرِفَةِ أَرْبَابِهَا سَوَاءٌ كان قَلِيلًا أو كَثِيرًا وهو الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ له الصَّدَقَةُ بها إذَا عَلِمَ رَبَّهَا وَشَقَّ دَفْعُهُ إلَيْهِ وهو يَسِيرٌ كَحَبَّةٍ. وَقَطَعَ بِهِ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ فقال له الصَّدَقَةُ بِهِ عنه نَصَّ عليه في مَوَاضِعَ. وقال الْحَارِثِيُّ إذَا عَلِمَ الْغَاصِبُ الْمَالِكَ فَهُنَا حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا انْقِطَاعُ خَبَرِهِ لِغَيْبَةٍ إمَّا ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَالتِّجَارَةِ وَالسِّيَاحَةِ وَمَضَتْ مُدَّةُ الْإِيَاسِ وَلَا وَارِثَ له تَصَدَّقَ بها كما لو جَهِلَ نَصَّ عليه وَإِمَّا ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ كَالْمَفْقُودِ من بَيْنِ أَهْلِهِ أو في مهلكه أو بين الصَّفَّيْنِ وَنَحْوِهِ وَكَذَلِكَ أَرْبَعُ سِنِينَ وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَلَا وَارِثَ له تَصَدَّقَ بِهِ أَيْضًا نَصَّ عليه وَإِنْ كان له وَارِثٌ سَلَّمَ إلَيْهِ. وَأَنْكَرَ أبو بَكْرٍ الزِّيَادَةَ على الْأَرْبَعِ سِنِينَ وقال لَا مَعْنَى لِلْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ في ذلك. قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ هل يُقَسَّمُ مَالُ الْمَفْقُودِ لِلْمُدَّةِ التي تُبَاحُ زَوْجَتُهُ فيها أو لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَقَطْ على رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ لم تَمْضِ الْمُدَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ فَفِي الْمَالِ الْمُحَرَّمِ يَتَعَيَّنُ التَّسْلِيمُ إلَى الْحَاكِمِ من غَيْرِ انْتِظَارٍ. وَأَمَّا ما اُؤْتُمِنَ عليه كَالْوَدِيعَةِ وَالرَّهْنِ فَلَيْسَ عليه الدَّفْعُ إلَيْهِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُعْلَمَ وُجُودُهُ فَإِنْ كان غَائِبًا سَلَّمَ إلَى وَكِيلِهِ وَإِلَّا فَإِلَى الْحَاكِمِ وَإِنْ كان حَاضِرًا فَإِلَيْهِ أو إلَى وَكِيلِهِ. وَإِنْ عُلِمَ مَوْتُهُ فَإِلَى وَرَثَتِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ له وَرَثَةٌ تَصَدَّقَ بِهِ نَصَّ عليه وَلَا يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ فيه شَيْءٌ. وَيَأْتِي إذَا كَسَبَ مَالًا حَرَامًا بِرِضَى الدَّافِعِ وَنَحْوَهُ في بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي عِنْدَ الْكَلَامِ على الْهَدِيَّةِ لِلْحَاكِمِ.
تنبيه: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَاللُّقَطَةِ قال الْحَارِثِيُّ الْأَلْيَقُ فيه التَّشْبِيهُ بِأَصْلِ الضَّمَانِ لَا في مَضْمُونِ الصَّدَقَةِ وَالضَّمَانِ فإن الْمَذْهَبَ في اللُّقَطَةِ التَّمَلُّكُ لَا التَّصَدُّقُ انْتَهَى. قُلْت بَلْ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ التَّصَدُّقِ بِاللُّقَطَةِ التي لَا تُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ على ما يَأْتِي من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في اللُّقَطَةِ. قال الشَّارِحُ هُنَا وَعَنْهُ في اللُّقَطَةِ لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بها فَيَتَخَرَّجُ هُنَا مِثْلُهُ.
فوائد: إحْدَاهَا قال في الْفُرُوعِ لم يذكر الْأَصْحَابُ في ذلك سِوَى الصَّدَقَةِ بها. وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بن هَانِئٍ يَتَصَدَّقُ بها أو يَشْتَرِي بها كُرَاعًا أو سِلَاحًا يُوقَفُ هو مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. قُلْت قد ذَكَرَ ذلك الْحَارِثِيُّ وقال عن ذلك يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الصَّدَقَةِ انْتَهَى. قال في الْفُرُوعِ وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ عَمَّنْ مَاتَ وكان يَدْخُلُ في أُمُورٍ تنكره [تكره] فَيُرِيدُ بَعْضُ وَلَدِهِ التَّنَزُّهَ فقال إذَا دَفَعَهَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَأَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ عليه وَاسْتَحْسَنَ أَنْ يُوقِفَهَا على الْمَسَاكِينِ وَيَتَوَجَّهُ على أَفْضَلِ الْبِرِّ. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تُصْرَفُ في الْمَصَالِحِ وَقَالَهُ في وَدِيعَةٍ وَغَيْرِهَا. وقال قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَنَّهُ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أبي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَهَذَا مُرَادُ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ الْكُلَّ صَدَقَةٌ. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ من تَصَرَّفَ فيه بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لم يَضْمَنْ. وقال ليس لِصَاحِبِهِ إذَا عُرِفَ رَدُّ الْمُعَاوَضَةِ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عليها شَرْعًا لِلْحَاجَةِ كَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلِيَّ له وَلَا حَاكِمَ. مع أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقْفُ الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ لِفَقْدِ الْمَالِكِ وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ الرِّوَايَتَانِ. وقال فِيمَنْ اشْتَرَى مَالَ مُسْلِمٍ من التتر [التتار] لَمَّا دَخَلُوا الشَّامَ إنْ لم يُعْرَفْ صَاحِبُهُ صُرِفَ في الْمَصَالِحِ وَأَعْطَى مُشْتَرِيَهُ ما اشْتَرَاهُ بِهِ لِأَنَّهُ لم يَصِرْ لها إلَّا بِنَفَقَتِهِ وَإِنْ لم يَقْصِدْ ذلك كما رَجَّحَهُ فِيمَنْ اتَّجَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ وَرَبِحَ. وَنَصَّ في وَدِيعَةٍ تُنْتَظَرُ كَمَالِ مَفْقُودٍ وَأَنَّ جَائِزَةَ الْإِمَامِ أَحَبُّ إلَيْهِ من الصَّدَقَةِ. قال الْقَاضِي إنْ لم يَعْرِفْ أَنَّ عَيْنَهُ مَغْصُوبٌ فَلَهُ قَبُولُهُ. وَسَوَّى ابن عقيل وَغَيْرُهُ بين وَدِيعَةٍ وَغَصْبٍ ذَكَرَهُمَا الْحَلْوَانِيُّ كَرَهْنٍ. الثَّانِيَةُ إذَا تَصَدَّقَ بِالْمَالِ ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ خُيِّرَ بين الْأَجْرِ وَبَيْنَ الْأَخْذِ من الْمُتَصَدِّقِ فَإِنْ اختارالأجر فَذَاكَ وَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ فَلَهُ ذلك وَالْأَجْرُ لِلْغَارِمِ نَصَّ عليه في الرَّهْنِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. الثَّالِثَةُ إذَا لم يَبْقَ دِرْهَمٌ مُبَاحٌ فقال في النَّوَادِرِ يَأْكُلُ عَادَتَهُ لَا ما له عنه غَنِيَّةٌ كَحَلْوَاءَ وَفَاكِهَةٍ. قَوْلُهُ وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ ضَمِنَهُ. سَوَاءٌ كان عَمْدًا أو سَهْوًا. وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غير الْمُحْتَرَمِ لَا يَضْمَنُهُ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ وَالصَّائِلِ وَالْعَبْدِ في حَالِ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ وَنَحْوِهِ وهو كَذَلِكَ.
تنبيه: يُسْتَثْنَى من قَوْلِهِ وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا ضَمِنَهُ الْحَرْبِيُّ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْمُسْلِمِ فإنه لَا يَضْمَنُهُ.
فوائد: منها قال في الْفَائِقِ قُلْت وَلَوْ أَتْلَفَ لِغَيْرِهِ وَثِيقَةً بِمَالٍ لَا يَثْبُتُ ذلك الْمَالُ إلَّا بها فَفِي إلْزَامِهِ ما تَضَمَّنْته احْتِمَالَانِ. إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ كَقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ انْتَهَى. قُلْت وَهَذَا الصَّوَابُ. وقال في الْفُرُوعِ في بَابِ الْقَطْعِ في السَّرِقَةِ وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَةُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ وَمَعًا عَشْرَةٌ ضَمِنَ ثَمَانِيَةً قِيمَةَ الْمُتْلَفِ خَمْسَةٌ وَنَقْصَ التَّفْرِقَةِ ثَلَاثَةٌ. وَقِيلَ دِرْهَمَيْنِ وَلَا قَطْعَ. قال وَضَمَانُ ما في وَثِيقَةٍ أَتْلَفَهَا إنْ تَعَذَّرَ يَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عليها انْتَهَى. وقال ابن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وقد يَخْرُجُ الضَّمَانُ لِلْوَثِيقَةِ من مَسْأَلَةِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي إحْضَارَ الْمَكْفُولِ أو ضَمَانَ ما عليه وَهُنَا إمَّا أَنْ يُحْضِرَ الْوَثِيقَةَ أو يَضْمَنَ ما فيها إنْ تَعَذَّرَتْ. وَمِنْهَا لو أُكْرِهَ على إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ فَقِيلَ يَضْمَنُهُ مُكْرِهُهُ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي في كِتَابِهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عن الْمُنْكَرِ وابن عَقِيلٍ في عُمَدِ الْأَدِلَّةِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ. وَقِيلَ هو كَمُضْطَرٍّ. قال في التَّلْخِيصِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ وهو احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي في بَعْضِ تَعَالِيقِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ. وقال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ أُكْرِهَ على إتْلَافِهِ ضَمِنَهُ يَعْنِي الْمُبَاشِرَ وَقَطَعَ بِهِ انْتَهَى. فإذا ضَمِنَ الْمُبَاشِرُ إنْ كان جَاهِلًا رَجَعَ على مُكْرِهِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ. وَإِنْ كان عَالِمًا لم يَرْجِعْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ يَرْجِعُ لِإِبَاحَةِ إتْلَافِهِ وَوُجُوبِهِ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ على الْقَتْلِ ولم يَخْتَرْهُ بِخِلَافِ مُضْطَرٍّ. وَهَلْ لِمَالِكِهِ مُطَالَبَةُ مُكْرَهِهِ إذَا كان الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَالِمًا وَقُلْنَا له الرُّجُوعُ عليه فيه وَجْهَانِ. وقال في الرِّعَايَتَيْنِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. قُلْت له مُطَالَبَتُهُ. فَإِنْ قُلْنَا له مُطَالَبَتُهُ وَطَالَبَهُ رَجَعَ على الْمُتْلِفِ إنْ لم يَرْجِعْ عليه. وَقِيلَ الضَّمَانُ بَيْنَهُمَا. وَمِنْهَا لو أَذِنَ رَبُّ الْمَالِ في إتْلَافِهِ فَأَتْلَفَهُ لم يَضْمَنْ الْمُتْلِفُ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وقال ابن عَقِيلٍ إنْ عَيَّنَ الْوَجْهَ الْمَأْذُونَ فيه مع غَرَضٍ صَحِيحٍ لم يَضْمَنْ. وقال في الْفُنُونِ لو أَذِنَ في قَتْلِ عَبْدِهِ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ لِلَّهِ وَأَثِمَ وَلَوْ أَذِنَ في إتْلَافِ مَالِهِ سَقَطَ الضَّمَانُ وَالْمَأْثَمُ وَلَا كَفَّارَةَ. وقال بَعْدَ ذلك يُمْنَعُ من تَضْيِيعِ الْحَبِّ وَالْبَذْرِ في الْأَرْضِ السَّبِخَةِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. قال في الْفُرُوعِ وَسَبَقَ أَنَّهُ يَحْرُمُ في الْأَشْهَرِ دَفْنُ شَيْءٍ مع الْكَفَنِ. قَوْلُهُ وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عن طَائِرٍ أو حَلَّ قَيْدَ عَبْدٍ أو رِبَاطَ فَرَسٍ ضَمِنَهُ. هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قال في التَّلْخِيصِ قال أَصْحَابُنَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ في جَمِيعِ ذلك سَوَاءٌ تَعَقَّبَ ذلك فِعْلُهُ أو تَرَاخَى عنه. قال في الْقَوَاعِدِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ. قال الْحَارِثِيُّ لَا يَخْتَلِفُ فيه الْمَذْهَبُ. وقال في الْفُنُونِ إنْ كان الطَّائِرُ مُتَأَلِّفًا لم يَضْمَنْهُ. وقال أَيْضًا الصَّحِيحُ التَّفْرِقَةُ بين ما يُحَالُ الضَّمَانُ على فِعْلِهِ كَالْآدَمِيِّ وَبَيْنَ ما لَا يُحَالُ عليه الضَّمَانُ كَالْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ فإذا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ لم يَضْمَنْ. وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا ذَهَبُوا عَقِبَ الْفَتْحِ وَالْحَلِّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهُ سَوَاءٌ ذَهَبَ عَقِبَ فِعْلِهِ أو مُتَرَاخِيًا عنه وَسَوَاءٌ هَيَّجَ الطَّائِرَ وَالدَّابَّةَ حتى ذَهَبَا أو لم يُهَيِّجْهُمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ.
فوائد: إحْدَاهَا لو بَقِيَ الطَّيْرُ وَالْفَرَسُ بِحَالِهِمَا حتى نَفَّرَهُمَا آخَرُ ضَمِنَهُمَا الْمُنَفِّرُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِيَةُ لو دَفَعَ مِبْرَدًا إلَى عَبْدٍ فَبَرَدَ بِهِ قَيْدَهُ فَهَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا. حَكَى في الْفُصُولِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ فيه احْتِمَالَيْنِ وَحَكَاهُمَا في الْفُرُوعِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقُوهُمَا. قُلْت الصَّوَابُ الضَّمَانُ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَلَوْ دَفَعَ مِفْتَاحًا إلَى لِصٍّ لم يَضْمَنْ. الثَّالِثَةُ لو حَلَّ قَيْدَ أَسِيرٍ ضَمِنَ كَحَلِّ قَيْدِ الْعَبْدِ وَكَذَا لو فَتَحَ الْإِصْطَبْلَ فَضَاعَتْ الدَّابَّةُ وَكَذَا لو حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ وَسَوَاءٌ كان لِعُصُوفِ رِيحٍ أو لَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ الْعُصُوفَ. الرَّابِعَةُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لو غَرِمَ بِسَبَبِ كَذِبٍ عليه عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ رَجَعَ على الْكَاذِبِ. قُلْت وهو الصَّحِيحُ وَتَقَدَّمَ ذلك وَغَيْرُهُ في بَابِ الْحَجْرِ. الْخَامِسَةُ لو كانت الدَّابَّةُ الْمَحْمُولَةُ عَقُورًا وَجَنَتْ ضَمِنَ جِنَايَتَهَا ذَكَرَهُ ابن عقيل وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عليه في شَرْحِ الْحَارِثِيِّ كما لو حَلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ أو سَاجُورَ كَلْبٍ فَعَقَرَ. وَإِنْ أَفْسَدَتْ زَرْعَ إنْسَانٍ فَكَإِفْسَادِ دَابَّةِ نَفْسِهِ على ما يَأْتِي. السَّادِسَةُ لو وَثَبَتَ هِرَّةٌ على الطَّائِرِ بَعْدَ الْفَتْحِ ضَمِنَهُ وقد تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَكَذَا لو كَسَرَ الطَّائِرُ في خُرُوجِهِ قَارُورَةً ضَمِنَهَا. قَوْلُهُ أو حَلَّ وِكَاءَ زِقٍّ مَائِعٍ أو جَامِدٍ فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ أو بَقِيَ بَعْدَ حَلِّهِ قَاعِدًا فَأَلْقَتْهُ الرِّيحُ فَانْدَفَقَ ضَمِنَهُ. إذَا حَلَّ وِكَاءَ زِقٍّ مَائِعٍ فَانْدَفَقَ ضَمِنَهُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ كان مُنْتَصِبًا فَسَقَطَ بِرِيحٍ أو زَلْزَلَةٍ أو طَائِرٍ ضَمِنَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْحَارِثِيِّ وَنَصَرَهُ. وقال الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ ما أَلْقَتْهُ الرِّيحُ وَكَذَا قال أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وقال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ لَا يَضْمَنُ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ. وَإِنْ ذَابَ بِالشَّمْسِ وَانْدَفَقَ ضَمِنَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. قال الْحَارِثِيُّ وَافَقَ على ذلك الْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا. وقال في الْفَائِقِ قال الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ فَلَعَلَّ له قَوْلَانِ. وقال ابن عَقِيلٍ عِنْدِي لَا فَرْقَ بين حَرِّ الشَّمْسِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ فَإِمَّا أَنْ يَسْقُطَ الضَّمَانُ في الْمَوْضِعَيْنِ أو يَجِبَ فِيهِمَا وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ هُنَا أَيْضًا. وقال في الْفُرُوعِ وَإِنْ حَلَّ وِعَاءً فيه دُهْنٌ جَامِدٌ فَذَهَبَ بِرِيحٍ أَلْقَتْهُ أو شَمْسٍ فَوَجْهَانِ. قَوْلُهُ وَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً في طَرِيقٍ فَأَتْلَفَتْ. ضَمِنَ شَمَلَ مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا فَيَضْمَنُ ما أَتْلَفَتْ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَهُ ابن عقيل وابن الْبَنَّا وَلَوْ كان ما أَتْلَفَتْهُ بِنَفْحِ رِجْلِهَا نَصَّ عليه. وَمَنْ ضَرَبَهَا فَرَفَسَتْهُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ ذَكَرَهُ في الْفُنُونِ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً فَظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ يَضْمَنُ قال الْحَارِثِيُّ وَكَذَا أَوْرَدَه ابن أبي مُوسَى وأبو الْخَطَّابِ مُطْلَقًا وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ انْتَهَى. قُلْت وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ لِإِطْلَاقِهِمْ الضَّمَانَ وَقَدَّمَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ وقال هذا الْمَنْصُوصُ وَذَكَرَ النُّصُوصَ في ذلك. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَضْمَنُ إذَا لم تَكُنْ في يَدِهِ ذَكَرَهَا الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيِّ. وقال الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا كان وَاقِفًا لِحَاجَةٍ وَالطَّرِيقُ وَاسِعٌ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى نَظَرًا.
فائدة: لو تَرَكَ طِينًا في طَرِيقٍ فَزَلِقَ فيه إنْسَانٌ أو خَشَبَةً أو عَمُودًا أو حَجَرًا أو كِيسَ دَرَاهِمَ نَصَّ عليه أو أَسْنَدَ خَشَبَةً إلَى حَائِطٍ فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ ضَمِنَهُ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي في أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ إذَا صَبَّ مَاءً في طَرِيقٍ أو بَالَتْ فيها دَابَّةٌ أو رَمَى قِشْرَ بِطِّيخٍ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ أو اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا فَعَقَرَ أو خَرَقَ ثَوْبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ دخل مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. إذَا دخل بَيْتَهُ بِإِذْنِهِ فَعَقَرَهُ أو خَرَقَ ثَوْبَهُ أو فَعَلَ ذلك خَارِجَ الْبَيْتِ ضَمِنَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قال الْحَارِثِيُّ يَضْمَنُ بِغَيْرِ خِلَافٍ في الْمَذْهَبِ إذَا فَعَلَ ذلك خَارِجَ الْمَنْزِلِ. وقال إذَا دخل بِإِذْنِهِ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لم يُنَبِّهْهُ على الْكَلْبِ وَعَلَى كَوْنِهِ غير مُوثَقٍ أَمَّا إنَّ نَبَّهَ فَلَا ضَمَانَ. قال في الرِّعَايَةِ إنْ عَقَرَ خَارِجَ الدَّارِ ضَمِنَ إنْ لم يَكْفِهِ رَبُّهُ أو يُحَذِّرْ منه انْتَهَى. وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ. وَإِنْ دخل بَيْتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفَعَلَ ذلك بِهِ لم يَضْمَنُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا كان الْكَلْبُ مُوثَقًا لم يَضْمَنْ ما عَقَرَ. قَوْلُهُ وَقِيلَ في الْكَلْبِ الْعَقُورِ رِوَايَتَانِ في الْجُمْلَةِ. يَعْنِي رِوَايَتَيْنِ مُطَلَّقَتَيْنِ سَوَاءٌ دخل بِإِذْنٍ أو لَا وَسَوَاءٌ كان في مَنْزِلِ صَاحِبِهِ أو خَارِجًا عنه ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قال الْحَارِثِيُّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ في كِتَابَيْهِ وابن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ذلك من غَيْرِ خِلَافٍ في شَيْءٍ من ذلك. وَحَكَى الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ في الضَّمَانِ مُطْلَقًا من غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِذْنٍ رِوَايَتَيْنِ وهو ما حَكَى أبو الْخَطَّابِ في كِتَابَيْهِ عن الْقَاضِي وَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجَرَى على حِكَايَةِ هذا الْخِلَافِ جَمَاعَةٌ من أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ في كُتُبِهِمْ الْخِلَافِيَّةِ. وَاخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ من صَحَّحَ الضَّمَانَ وهو الْقَاضِي في الْجَامِعِ وَمِنْهُمْ من عَكَسَ وهو قَوْلُ الشَّرِيفِ وَالظَّاهِرُ من كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وابن بَكْرُوسٍ وقال وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ في الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ. قال شَيْخُنَا بن أبي عُمَرَ في شَرْحِهِ سَوَاءٌ كان في مَنْزِلِ صَاحِبِهِ أو خَارِجًا وَسَوَاءٌ دخل بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ أو لَا. قال وَلَيْسَ كَذَلِكَ فإن كَلَامَ أبي الْخَطَّابِ الذي أَخَذَ منه الْمُصَنِّفُ ذلك إنَّمَا هو وَارِدٌ في حَالَةِ الدُّخُولِ وَالْإِجْمَالُ فيه عَائِدٌ على الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ. وَكَذَلِكَ أَوْرَدَ السَّامِرِيُّ في كِتَابِهِ فقال إنْ اقْتَنَى في مَنْزِلِهِ كَلْبًا عَقُورًا فَعَقَرَ فيه إنْسَانًا إنْ كان دخل بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كان بِإِذْنِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. قال وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي على رِوَايَتَيْنِ الضَّمَانُ وَعَدَمُهُ فَإِنْ عَقَرَ خَارِجَ الْمَنْزِلِ ضَمِنَ ذَكَرَهَا بن أبي مُوسَى انْتَهَى. قال الْحَارِثِيُّ فَخَصَّصَ الْخِلَافَ بِحَالَةِ الْعَقْرِ دَاخِلَ الْمَنْزِلِ دُونَ خارجة وهو الصَّحِيحُ انْتَهَى وَهَذَا قَطَعَ بِه ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ.
فوائد: الْأُولَى إفْسَادُ الْكَلْبِ بِمَا عَدَا الْعَقْرِ كَبَوْلِهِ وَوُلُوغِهِ في إنَاءِ الْغَيْرِ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ. وَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ ما أَتْلَفَهُ غَيْرُ الْعَقُورِ لَيْلًا وَنَهَارًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ لِتَقْيِيدِهِمْ الْكَلْبَ بِالْعَقُورِ. قال الْحَارِثِيُّ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ على ما يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ وَأَمَّا ما يَحْرُمُ كَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ بِهِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْعَقُورِ في مَنْعِ الِاقْتِنَاءِ وَاسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ ما عَدَا كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى ما تَقَدَّمَ فَيَحْصُلُ الْعُدْوَانُ بِإِمْسَاكِهِ انْتَهَى. الثَّانِيَةُ لو اقْتَنَى أَسَدًا أو نَمِرًا أو ذِئْبًا وَنَحْوَ ذلك من السِّبَاعِ الْمُتَوَحِّشَةِ فَكَالْكَلْبِ الْعَقُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ في مَعْنَاهُ وَأَوْلَى لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ. الثَّالِثَةُ لو اقْتَنَى هِرَّةً تَأْكُلُ الطُّيُورَ وَتَقْلِبُ الْقُدُورَ في الْعَادَةِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ ما تُتْلِفُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا كَالْكَلْبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَقَالُوا إلَّا صَاحِبَ الْفُرُوعِ قَالَهُ الْقَاضِي. قال الْحَارِثِيُّ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. فَإِنْ لم يَكُنْ من عَادَتِهَا ذلك فَلَا ضَمَانَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَلَوْ حَصَلَ عِنْدَهُ كَلْبٌ عَقُورٌ أو سِنَّوْرٌ ضَارٌّ من غَيْرِ اقْتِنَاءٍ وَاخْتِيَارٍ وَأَفْسَدَ لم يَضْمَنْ. الرَّابِعَةُ يَجُوزُ قَتْلُ الْهِرِّ بِأَكْلِ لَحْمٍ وَنَحْوِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وقال في الْفُصُولِ له قَتْلُهَا حين أَكْلِهَا فَقَطْ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ وَنَصَرَهُ. وقال في التَّرْغِيبِ له قَتْلُهَا إذَا لم تَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ كَالصَّائِلِ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَجَّجَ نَارًا في مِلْكِهِ أو سَقَى أَرْضَهُ فَتَعَدَّى إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ إذَا كان قد أَسْرَفَ فيه أو فَرَّطَ وَإِلَّا فَلَا. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ لَا بِطَرَيَانِ رِيحٍ وَلِهَذَا قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ لو أَجَّجَهَا على سَطْحِ دَارٍ فَهَبَّتْ الرِّيحُ فَأَطَارَتْ الشَّرَرَ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ في مِلْكِهِ ولم يُفَرِّطْ وَهُبُوبُ الرِّيحِ ليس من فِعْلِهِ بِخِلَافِ ما لو أَوْقَفَ دَابَّتَهُ في طَرِيقٍ فَبَالَتْ أو رَمَى فيها قِشْرَ بِطِّيخٍ لِأَنَّهُ في غَيْرِ مِلْكِهِ فَهُوَ مُفَرِّطٌ. قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ لَا يَضْمَنُ في الْأُولَى مُطْلَقًا انْتَهَى. وقال في الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت وَإِنْ كان الْمَكَانُ مَغْصُوبًا ضَمِنَ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ فَرَّطَ وَأَسْرَفَ أو لَا إنْ لم يَكُنْ لِلسَّطْحِ سُتْرَةٌ وَبِقُرْبِهِ زَرْعٌ وَنَحْوُهُ وَالرِّيحُ هَابَّةٌ أو أَرْسَلَ في الْمَاءِ ما يَغْلِبُ وَيُفِيضُ ضَمِنَ. وَقِيلَ من أَجَّجَ نَارًا في مِلْكٍ بيده له أو لِغَيْرِهِ بِإِيجَارٍ أو إعَارَةٍ وَأَسْرَفَ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ مُنِعَ من ذلك لِأَذَى جَارِهِ ضَمِنَ وَإِنْ لم يُسْرِفْ انْتَهَى.
فائدة: قال الْحَارِثِيُّ قَوْلُهُ أَسْرَفَ فيه أو فَرَّطَ يُغْنِي الِاقْتِصَارُ على لَفْظِ التَّفْرِيطِ لِدُخُولِ الْإِسْرَافِ فيه انْتَهَى. قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَمْرَ ليس كَذَلِكَ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَكُّ عن الْآخَرِ لِأَنَّ الْإِسْرَافَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ عَمْدًا عُدْوَانًا وَأَمَّا التَّفْرِيطُ فَهُوَ التَّقْصِيرُ في الْمَأْمُورِ. وَلِذَلِكَ قال بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فَرَّطَ أو أَفْرَطَ. قَوْلُهُ وَإِنْ حَفَرَ في فِنَائِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ ضَمِنَ ما تَلِفَ بها. هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَوَّزَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ حَفْرَ بِئْرٍ لِنَفْسِهِ في فِنَائِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَلْته من خَطِّهِ في مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ في زَمَنِهِ. قال في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ وفي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ له التَّصَرُّفُ في فِنَائِهِ بِمَا شَاءَ من حَفْرٍ وَغَيْرِهِ إذَا لم يَضُرَّ. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ لم يَسُدَّ بِئْرَهُ سَدًّا يَمْنَعُ من الضَّرَرِ ضَمِنَ ما تَلِفَ بها. وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ.
فائدة: لو حَفَرَ الْحَرُّ بِئْرًا بِأُجْرَةٍ أو لَا وَثَبَتَ عِلْمُهُ أنها في مِلْكِ غَيْرِهِ نَصَّ عليه ضَمِنَ الْحَافِرُ قَالَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَنَصُّهُ هُمَا. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وقال هو مُقْتَضَى إيرَادِ بن أبي مُوسَى يَعْنِي أَنَّهُمَا ضَامِنَانِ وَإِنْ جَهِلَ ضَمِنَ الْآمِرُ. وَقِيلَ الْحَافِرُ وَيَرْجِعُ على الْآمِرِ. قَوْلُهُ وَإِنْ حَفَرَهَا في سَابِلَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ لم يَضْمَنْ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. يَعْنِي إذَا لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ بهذا الشَّرْطِ. قال في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ إنْ كانت السَّابِلَةُ وَاسِعَةً وهو قَيْدٌ حَسَنٌ كما يَأْتِي جَزَمَ بِه ابن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ لم يَضْمَنْ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ. الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَيْضًا وَالنَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ ولم يذكر الْقَاضِي غير هذه الرِّوَايَةِ. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا له قُوَّةٌ وَإِنْ كان الْمُصَنِّفُ وأبو الْخَطَّابِ صَحَّحَا غَيْرَهُ. وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ إنْ كان بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَإِلَّا ضَمِنَ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَضْمَنُ إذَا كان بِإِذْنِ الْإِمَامِ. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَكِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وابن عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ أَيْضًا. وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ سُقُوطُ الضَّمَانِ عنه فِيمَا إذَا حَفَرَهَا في مَوْضِعٍ مَائِلٍ عن الْقَارِعَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ عليه حَاجِزًا يُعْلَمُ بِهِ ليتوقى [ليتوفى].
تنبيهانِ: أَحَدُهُمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كانت السَّابِلَةُ وَاسِعَةً فَإِنْ كانت ضَيِّقَةً ضَمِنَ بِلَا نِزَاعٍ. قال الْحَارِثِيُّ لو حَفَرَ في سَابِلَةٍ ضَيِّقَةٍ وَجَبَ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فيه وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِيمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ من الْخِلَافِ وَإِنْ كان ظَاهِرًا لَا يُرَادُ يَشْمَلُهُ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا إذا [لما] حَفَرَ في غَيْرِ مَكَان يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ. فَأَمَّا إنْ حَفَرَ في طَرِيقٍ وَاسِعٍ في مَكَان منه يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ فَهُوَ كما لو كان الطَّرِيقُ نَفْسُهُ ضَيِّقًا. وَلَا فَرْقَ بين كَوْنِهِ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ أو خَاصَّةٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أو غَيْرِهِ. الثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِهِ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لو حَفَرَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وهو كَذَلِكَ أَذِنَ فيه الْإِمَامُ أو لم يَأْذَنْ.
فائدتان: ِ. إحْدَاهُمَا لو حَفَرَهَا في مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ أو الِارْتِفَاقِ بها أو الِانْتِفَاعِ الْعَامِ فَلَا ضَمَانَ عليه وَقَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ ذَكَرَاهُ في كِتَابِ الدِّيَاتِ. الثانية [الثاني] حُكْمُ ما لو بَنَى فيها مَسْجِدًا أو غَيْرَهُ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ كَالْخَانِ وَنَحْوِهِ نَقَلَ إسْمَاعِيلُ بن سَعِيدٍ في الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لم يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ. وَنَقَلَ عبد اللَّهِ أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فيه إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ إمَامٍ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ حُكْمَ هذه الْمَسَاجِدِ التي بُنِيَتْ في الطَّرِيقِ تُهْدَمُ. وَسَأَلَهُ محمد بن يحيى الْكَحَّالُ يَزِيدُ في الْمَسْجِدِ من الطَّرِيقِ قال لَا يُصَلَّى فيه. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ سُئِلَ عن الْمَسَاجِدِ على الْأَنْهَارِ قال أَخْشَى أَنْ يَكُونَ من الطَّرِيقِ. وَسَأَلَه ابن إبْرَاهِيمَ عن سَابَاطٍ فَوْقَهُ مَسْجِدٌ أَيُصَلَّى فيه قال لَا يُصَلَّى فيه إذَا كان من الطَّرِيقِ. قال في الْقَوَاعِدِ الْأَكْثَرُ من الْأَصْحَابِ قالوا إنْ كان بِإِذْنِ الْإِمَامِ جَازَ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ ما لم يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ. وَمِنْهُمْ من أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُ الْإِمَامِ في الْبِنَاءِ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْحَفْرِ لِدَعْوَى الْحَاجَةِ إلَى الْحَفْرِ لِنَفْعِ الطَّرِيقِ وَإِصْلَاحِهَا وَإِزَالَةِ الطِّينِ وَالْمَاءِ منها فَهُوَ كَتَنْقِيَتِهَا وَحَفْرِ هَدَفِهِ فيها وَقَلْعِ حَجَرٍ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ وَوَضْعِ الْحَصَى في حُفْرَةٍ لِيَمْلَأَهَا وَتَسْقِيفِ سَاقِيَّةٍ فيها وَوَضْعِ حَجَرٍ في طِينٍ فيها لِيَطَأَ الناس عليه فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ لَا يُضْمَنُ ما تَلِفَ بِهِ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا. قَالَا وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ في بِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُ الْإِمَامِ فيها لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ لَا تَعُمُّ انْتَهَى كَلَامُهُمَا. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ حُكْمُ ما بنى وَقْفًا على الْمَسْجِدِ في هذه الْأَمْكِنَةِ حُكْمُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لو فَعَلَ الْعَبْدُ ذلك بِأَمْرِ سَيِّدِهِ كان كَفِعْلِ نَفْسِهِ أَعْتَقَهُ أو لَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ من الْأَصْحَابِ. وقال الْحَارِثِيُّ إنْ كان مِمَّنْ يَجْهَلُ الْحَالَ فَلَا إشْكَالَ فِيمَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ كان مِمَّنْ يَعْلَمُهُ فَفِيهِ ما في مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ بِأَمْرِ السَّيِّدِ إنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ وَفِيهَا رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا الْقَوَدُ على السَّيِّدِ فَقَطْ وَالْأُخْرَى على الْعَبْدِ. فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ هُنَا بِرَقَبَتِهِ كما لو لم يَأْمُرْ السَّيِّدُ. وَإِنْ حَفَرَ بِغَيْرِ أَمْرِ السَّيِّدِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ. ثُمَّ إنْ أَعْتَقَهُ فما تَلِفَ بَعْدَ عِتْقِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَصَحُّ. وقال صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ الضَّمَانُ على الْمُعْتِقِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ فما دُونَهُ. الثَّانِيَةُ لو أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِفِعْلِ ذلك ضَمِنَ السُّلْطَانُ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ وَإِنْ بَسَطَ في مَسْجِدٍ حَصِيرًا أو عَلَّقَ فيه قِنْدِيلًا لم يَضْمَنْ ما تَلِفَ بِهِ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ.
. قال الْحَارِثِيُّ هذا ما حَكَى الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وأبو الْخَطَّابِ وَالشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ وَالسَّامِرِيُّ في آخَرِينَ عن الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ يَضْمَنُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ من التي قَبْلَهَا وَهِيَ حَفْرُ الْبِئْرِ وَكَذَلِكَ خَرَّجَهُ أبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ. قال الْحَارِثِيُّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْحَفْرَ عُدْوَانٌ لِإِبْطَالِ حَقِّ الْمُرُورِ كَذَلِكَ ما نَحْنُ فيه. وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَكِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ إنْ أَذِنَ الْإِمَامُ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا فَعَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً على الْبِئْرِ. وَتَبِعَهُ على ذلك ابن عقيل في الْفُصُولِ مع أَنَّهُمَا قَالَا قال أَصْحَابُنَا في بَوَارِي الْمَسْجِدِ لَا ضَمَانَ على فَاعِلِهِ وَجْهًا وَاحِدًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أو غَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ هذا من تَمَامِ مَصْلَحَتِهِ.
فائدة: لو نَصَبَ فيه بَابًا أو عُمُدًا أو سَقَفَهُ أو جَعَلَ فيه رَفًّا لِيَنْتَفِعَ بِهِ الناس أو بَنَى جِدَارًا أو أَوْقَدَ مِصْبَاحًا فَلَا ضَمَانَ عليه. قال أَصْحَابُنَا في بَوَارِي الْمَسْجِدِ لَا ضَمَانَ على فَاعِلِهِ وَجْهًا وَاحِدًا سَوَاءٌ كان بِإِذْنِ الْإِمَامِ أو بِغَيْرِ إذْنِهِ. قَوْلُهُ وَإِنْ جَلَسَ في مَسْجِدٍ أو طَرِيقٍ وَاسِعٍ فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ لم يَضْمَنْ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ. قال في الْفُرُوعِ وَالْأَصَحُّ لَا يَضْمَنُ. قال الشَّارِحُ وهو أَوْلَى. قال في الْفَائِقِ فِيمَا إذَا جَلَسَ في طَرِيقٍ وَاسِعٍ لم يَضْمَنْ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَضْمَنُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ في الْجَالِسِ في الطَّرِيقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا.
تنبيه: قال الْحَارِثِيُّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَيْنِ في الْمَتْنِ أَخْذًا من إيرَادِ أبي الْخَطَّابِ قال ولم أَرَهُمَا لِأَحَدٍ قَبْلَهُ . وَأَصْلُ ذلك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ما مَرَّ من الرِّوَايَتَيْنِ في رَبْطِ الدَّابَّةِ في الطَّرِيقِ. وَمَحَلُّهُ ما لم يَكُنْ الْجُلُوسُ مُبَاحًا كَالْجُلُوسِ في الْمَسْجِدِ مع الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ أو للبيع [البيع] وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِ ذلك . أَمَّا ما هو مَطْلُوبٌ كَالِاعْتِكَافِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَالْجُلُوسِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ فيه بِوَجْهٍ. وَكَذَا ما هو مُبَاحٌ من الْجُلُوسِ فيه وفي جَوَانِبِ الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ كَبَيْعِ مَأْكُولٍ وَنَحْوِهِ لِامْتِنَاعِ الْخِلَافِ فيه لِأَنَّهُ جَلَسَ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالِاخْتِصَاصِ فَهُوَ كَالْجُلُوسِ في مِلْكِهِ من غَيْرِ فَرْقٍ. وقد حَكَى الْقَاضِي الْجَزْمَ بِنَفْيِ الضَّمَانِ في الْمَسْأَلَةِ في الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ. وَهَذَا التَّقْيِيدُ حَكَاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا في كُتُبِهِ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَلَا بُدَّ منه. لَكِنَّهُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْخِلَافِ بِالْمَسْجِدِ دُونَ الطَّرِيقِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ بِالطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ إمَّا مُبَاحٌ كما ذَكَرْنَا فَلَا ضَمَانَ بِحَالٍ وَإِمَّا غَيْرُ مُبَاحٍ كَالْجُلُوسِ وَسَطَ الْجَادَّةِ فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ وَلَا بُدَّ انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ.
فائدة: حُكْمُ الِاضْطِجَاعِ في الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ حُكْمُ الْجُلُوسِ فِيهِمَا على ما تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْقِيَامُ فَلَا ضَمَانَ بِهِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ من مَرَافِقِ الطُّرُقِ كَالْمُرُورِ.
تنبيه: مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو جَلَسَ في طَرِيقٍ ضَيِّقَةٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ وهو كَذَلِكَ. وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ في مَسْأَلَةِ الِاصْطِدَامِ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا أو مِيزَابًا إلَى الطَّرِيقِ. قال في الرِّعَايَةِ نَافِذًا أو غير نَافِذٍ يَعْنِي بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَسَقَطَ على شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ. وَهَذَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ في ذلك مُحَرَّرًا في بَابِ الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا أَنْ يُشْرِعَ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا. قال في الْفُرُوعِ وَلَوْ بَعْدَ بَيْعٍ وقد طُولِبَ بِنَقْضِهِ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ انْتَهَى. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وقال في الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَوَّلَ وَلَا يَضْمَنُ بِمَا تَلِفَ بِمَا يُبَاحُ من جَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَمِيزَابٍ. فَعُلِمَ من ذلك أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ إذَا كان ذلك لَا يُبَاحُ فِعْلُهُ وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ في إخْرَاجِ الْجَنَاحِ في غَيْرِ الدَّرْبِ النَّافِذِ بِإِذْنِ أَهْلِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ. قال الْحَارِثِيُّ وَمَبْنَى هذا الْأَصْلِ أَنَّ الْإِخْرَاجَ هل يُبَاحُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ فلم يَهْدِمْهُ حتى أَتْلَفَ شيئا لم يَضْمَنْهُ. نَصَّ عليه وهو الْمَذْهَبُ. قال الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وَاَلَّذِي عليه متأخروا [متأخرو] الْأَصْحَابِ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ أَنَّ الْأَصَحَّ من الْمَذْهَبِ عَدَمُ الضَّمَانِ. قال وَأَصْلُ ذلك قَوْلُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ الْمَنْصُوصُ عنه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ لَا ضَمَانَ عليه سَوَاءٌ طُولِبَ بِنَقْضِهِ أو لم يُطَالَبْ انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَوْمَأَ في مَوْضِعٍ أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ بِنَقْضِهِ وَأَشْهَدَ عليه فلم يَفْعَلْ ضَمِنَ. وَهَذَا الْإِيمَاءُ ذَكَرَه ابن بُخْتَانَ وابن هَانِئٍ وَنَصَّ على ذلك في رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن مَنْصُورٍ ذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ في زَادِ الْمُسَافِرِ. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ ولم يُورِدْ بن أبي مُوسَى سِوَاهَا. وَكَذَلِكَ قال في رؤوس الْمَسَائِلِ وهو من كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ. وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وابن بَكْرُوسٍ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ من الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ إنْ طَالَبَهُ مُسْتَحِقٌّ بِنَقْضِهِ فَأَبَى مع إمْكَانِهِ ضَمِنَهُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ واما إنْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ فلم يَفْعَلْ فقد تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عن الْجَوَابِ فيها. وقال أَصْحَابُنَا يَضْمَنُ وقد أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالتَّفْرِيعُ عليه وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ يَضْمَنُ مُطْلَقًا. وَخَرَّجَهُ أبو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ وَجْهًا. قال الشَّارِحُ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهًا بِالضَّمَانِ مُطْلَقًا انْتَهَى. وَهَذَا اخْتَارَهُ ابن عقيل. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على بَعْضِ ذلك في أَوَاخِرِ بَابِ الصُّلْحِ.
تنبيه: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا عَلِمَ بِمَيَلَانِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. ولم يذكر في التَّرْغِيبِ الْعِلْمَ بِمَيَلَانِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَمَاعَةٍ.
فوائد: ُ. إحْدَاهَا كَيْفِيَّةُ الْإِشْهَادِ اشْهَدُوا أَنِّي طَالَبْته بِنَقْضِهِ أو تَقَدَّمْت إلَيْهِ بِنَقْضِهِ ذَكَرَهُ ابن عقيل وَذَكَرَ الْقَاضِي بَعْضَهُ وكذلك كُلُّ لَفْظٍ أَدَّى إلَيْهِ. ثُمَّ الْمَيْلُ إلَى السَّابِلَةِ يَسْتَقِلُّ بها الْإِمَامُ وَمَنْ قام مَقَامَهُ وَكَذَا الْوَاحِدُ من الرَّعِيَّةِ مُسْلِمًا كان أو ذِمِّيًّا. وَإِنْ كان إلَى دَرْبٍ مُشْتَرَكٍ فَكَذَلِكَ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْوَاحِدُ من أَهْلِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ. وَإِنْ كان إلَى دَارِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ اسْتَقَلَّ بِهِ. وَإِنْ كان سَاكِنُهَا الْغَيْرَ فَكَالْمَالِكِ. وَإِنْ كان السَّاكِنُ جَمَاعَةً اسْتَقَلَّ بِهِ أَحَدُهُمْ. وَإِنْ كان غَاصِبًا لم يَمْلِكْهُ وما تَلِفَ له فَغَيْرُ مَضْمُونٍ. الثَّانِيَةُ لو سَقَطَ الْجِدَارُ من غَيْرِ مَيَلَانٍ لم يَضْمَنْ ما تَوَلَّدَ منه بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ أو إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ أو مَالَ إلَيْهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ لم يَضْمَنْ. وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى الطَّرِيقِ أو إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ. قال الْمُصَنِّفُ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا. وَمَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ بَنَاهُ مُسْتَوِيًا ثُمَّ مَالَ. الثَّالِثَةُ لَا أَثَرَ لِمُطَالَبَةِ مُسْتَأْجِرِ الدَّارِ وَمُسْتَعِيرِهَا وَمُسْتَوْدِعِهَا وَمُرْتَهِنِهَا وَلَا ضَمَانَ عليهم. فَلَوْ طُولِبَ الْمَالِكُ في هذه الْحَالِ فَإِنْ لم يُمْكِنْهُ اسْتِرْجَاعُهَا أو نَقْضُ الْحَائِطِ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ كَالْمُعِيرِ وَالْمُودِعِ وَالرَّاهِنِ إذَا أَمْكَنَهُ فِكَاكُ الرَّهْنِ ولم يَفْعَلْ ضَمِنَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ. وَإِنْ حُجِرَ على الْمَالِكِ لِسَفَهٍ أو صِغَرٍ أو جُنُونٍ فَطُولِبَ لم يَضْمَنْ. وَإِنْ طُولِبَ وَلِيُّهُ أو وَصِيُّهُ فلم يَنْقُضْهُ ضَمِنَ الْمَالِكُ قَالَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قال في الْفُرُوعِ وَلَا يَضْمَنُ وَلِيٌّ فَرَّطَ بَلْ مُوَلِّيهِ ذَكَرَهُ في الْمُنْتَخَبِ وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ. وَكَأَنَّهُ لم يَطَّلِعْ على كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَالْحَارِثِيِّ. وقال ابن عَقِيلٍ الضَّمَانُ على الْوَلِيِّ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْحَقُّ لِوُجُودِ التَّفْرِيطِ وهو التَّوْجِيهُ الذي ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ. الرَّابِعَةُ لو كان الْمَيَلَانُ إلَى مِلْكِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ إمَّا وَاحِدٌ أو جَمَاعَةٌ فَأَمْهَلَهُ الْمَالِكُ أو أَبْرَأَهُ جَازَ وَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ أَمْهَلَهُ سَاكِنُ الْمِلْكِ أو أَبْرَأَهُ فَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وقال ابن عَقِيلٍ لَا يَسْقُطُ وَلَا يَتَأَجَّلُ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا أَعْنِي السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ. قال الْحَارِثِيُّ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُبْرِئِ فَلَيْسَ كما قال لِأَنَّ من مَلَكَ حَقًّا مَلَكَ إسْقَاطُهُ وَإِنْ كان بِالنِّسْبَةِ إلَى من لم يَبْرَأْ فَنَعَمْ وَذَلِكَ على سَبِيلِ التَّفْصِيلِ لَا يَقْبَلُ خِلَافًا. وَإِنْ كان الْمَيَلَانُ إلَى دَرْبٍ لَا يَنْفُذُ أو إلَى سَابِلَةٍ فَأَبْرَأَهُ الْبَعْضَ أو أَمْهَلَهُ بريء بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُبْرِئِ أو الْمُمْهِلِ. الْخَامِسَةُ لو كان الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا فَطُولِبَ أَحَدُهُمْ بِنَقْضِهِ فقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ. السَّادِسَةُ لو بَاعَ الْجِدَارَ مَائِلًا بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ فقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالسَّامِرِيُّ في فُرُوقِهِ لَا ضَمَانَ عليه لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ من الْهَدْمِ حَالَةَ السُّقُوطِ. قال الْمُصَنِّفُ وَلَا على الْمُشْتَرِي لِانْتِفَاءِ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ. وَكَذَا الْحَكَمُ لو وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ. وَإِنْ قُلْنَا بِلُزُومِ الْهِبَةِ زَالَ الضَّمَانُ عنه بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ انْتَهَى. وقال ابن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ إنْ بَاعَهُ فِرَارًا لم يَسْقُطْ الضَّمَانُ لِأَنَّ الْمَيْلَ لَا يُسْقِطُ الْحُقُوقَ بَعْدَ وُجُوبِهَا انْتَهَى. قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عليه مُطْلَقًا. وقال ابن عَقِيلٍ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَذَا لو بَاعَ فَخًّا أو شَبَكَةً مَنْصُوبَيْنِ فَوَقَعَ فِيهِمَا صَيْدٌ في الْحَرَمِ أو مَمْلُوكٌ لِلْغَيْرِ لم يَسْقُطْ عنه ضَمَانُهُ. قال ابن رَجَبٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُخَالِفُ في هذه الصُّورَةِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ. وقال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّمَانِينَ وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ على من انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ إذَا اسْتَدَامَهُ أَمْ لَا الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ عليه كَمَنْ اشْتَرَى حَائِطًا مَائِلًا فإنه يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ فيه فإذا طُولِبَ بِإِزَالَتِهِ فلم يَفْعَلْ ضَمِنَ على رِوَايَةٍ انْتَهَى. السَّابِعَةُ إذَا تَشَقَّقَ الْحَائِطُ طُولًا لم يُوجِبْ نَقْضَهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ. وَإِنْ تَشَقَّقَ عَرْضًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَائِلِ على ما تَقَدَّمَ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ وما أَتْلَفَتْ الْبَهِيمَةُ فَلَا ضَمَانَ على صَاحِبِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ الْآتِي وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ وَسَوَاءٌ كان التَّالِفُ صَيْدَ حَرَمٍ أو غَيْرَهُ. قال في الْفُرُوعِ أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ. قال وَيَتَوَجَّهُ إلَّا الضَّارِيَةَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ. وقد قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِإِمْسَاكِهَا ضَمِنَهُ إنْ لم يُعْلِمْهُ بها. وقال في الْفُصُولِ من أَطْلَقَ كَلْبًا عَقُورًا أو دَابَّةً رَفُوسًا أو عَضُوضًا على الناس وَخَلَّاهُ في طَرِيقِهِمْ وَمَصَاطِبِهِمْ وَرِحَابِهِمْ فَأَتْلَفَ مَالًا أو نَفْسًا ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ وَكَذَا إنْ كان له طَائِرٌ جَارِحٌ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي فَأَفْسَدَ طُيُورَ الناس وَحَيَوَانَاتِهِمْ انْتَهَى. قُلْت وهو الصَّوَابُ.
فائدة: قال في الِانْتِصَارِ الْبَهِيمَةُ الصَّائِلَةُ يَلْزَمُ مَالِكَهَا وَغَيْرَهُ إتْلَافُهَا. وَكَذَا قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ إذَا عُرِفَتْ الْبَهِيمَةُ بِالصَّوْلِ يَجِبُ على مَالِكِهَا قَتْلُهَا وَعَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ إذَا صَالَتْ على وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَمَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ على وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لم يَضْمَنْ كَمُرْتَدٍّ. وَتَقَدَّمَ إذَا كانت الْبَهِيمَةُ مَغْصُوبَةً وَأَتْلَفَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ جَنَى الْمَغْصُوبَ فَعَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ. قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ في يَدِ إنْسَانٍ كَالرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ. يَعْنِي إذَا كان قَادِرًا على التَّصَرُّفِ فيها فَيَضْمَنُ ما جَنَتْ يَدُهَا أو فَمُهَا دُونَ ما جَنَتْ رِجْلُهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قال الْحَارِثِيُّ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَخِلَافُهُ الصَّغِيرُ. وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وابن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ السَّائِقُ جِنَايَةَ رِجْلِهَا. قال الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَهِيَ أَصَحُّ لِتَمَكُّنِ السَّائِقِ من مُرَاعَاةِ الرِّجْلِ بِخِلَافِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ ما جَنَتْ بِرِجْلِهَا سَوَاءٌ كان سَائِقًا أو قَائِدًا أو رَاكِبًا ذَكَرَهَا في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. قال الْحَارِثِيُّ وَأَوْرَدَ في الْمُغْنِي هذا الْخِلَافَ مُطْلَقًا في الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ وَالرَّاكِبِ وَالصَّوَابُ ما حَكَاهُ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ من التَّقْيِيدِ بِالسَّائِقِ فإنه مَأْخُوذٌ من الْقَاضِي وَالْقَاضِي إنَّمَا ذَكَرَهُ في السَّائِقِ فَقَطْ انْتَهَى. قُلْت هذا غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ من الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ جَمَاعَةً من الْأَصْحَابِ حَكَوْا الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ وَالنَّاقِلُ مُقَدَّمٌ على النَّافِي. وقال في الْمُحَرَّرِ يَضْمَنُ إذَا كان مَعَهَا رَاكِبٌ أو قَائِدٌ أو سَائِقٌ ما جَنَتْ بِيَدِهَا وَفَمِهَا وَوَطْءِ رِجْلِهَا دُونَ نَفْحِهَا ابْتِدَاءً انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ. وقال ابن الْبَنَّا إنْ نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا وهو يَسِيرُ عليها فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كان سَائِقًا ضَمِنَ ما جَنَتْ بِرِجْلِهَا.
فوائد: منها لو كَبَحَهَا بِاللِّجَامِ زِيَادَةً على الْمُعْتَادِ أو ضَرَبَهَا في الْوَجْهِ ضَمِنَ ما جَنَتْ رِجْلُهَا أَيْضًا وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ. قال الْحَارِثِيُّ لَا يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ في وُجُوبِ الضَّمَانِ وَطْئًا وَنَفْحًا. وَظَاهِرُ نَقْلِ بن هَانِئٍ في الْوَطْءِ لَا يَضْمَنُ. وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ لَا يَضْمَنُ ما أَصَابَتْ بِرِجْلِهَا أو نَفَحَتْ بها لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على حَبْسِهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا لَا يَضْمَنُ ما جَنَتْ بِذَنَبِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَرِجْلِهَا. قال في الْفُرُوعِ وَلَا ضَمَانَ بِذَنَبِهَا في الْأَصَحِّ جَزَمَ بِهِ في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ مع ذِكْرِهِمْ الْخِلَافَ في الرِّجْلِ وَقِيلَ يَضْمَنُ. قال الْحَارِثِيُّ وَالذَّنَبُ كَالرِّجْلِ يَجْرِي فيه الْخِلَافُ في السَّائِقِ وَلَا يَضْمَنُ بِهِ الرَّاكِبُ وَالْقَائِدُ كما لَا يَضْمَنُ بِالرِّجْلِ وَجْهًا وَاحِدًا كَذَا أَوْرَدَهُ في الْكَافِي انْتَهَى. وَمِنْهَا لو كان السَّبَبُ من غَيْرِ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ وَالرَّاكِبِ مِثْلَ إنْ نَخَسَهَا أو نَفَّرَهَا غَيْرُهُ فَالضَّمَانُ على من فَعَلَ ذلك جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهَا لو جَنَى وَلَدُ الدَّابَّةِ ضَمِنَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَاخْتَارَه ابن أبي مُوسَى وَالسَّامِرِيُّ وَقَطَعَا بِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ إنْ فَرَّطَ نحو أَنْ يَعْرِفَهُ شَمُوسًا وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ. وَمِنْهَا لو كان الرَّاكِبُ اثْنَانِ فَالضَّمَانُ على الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أو مَرِيضًا وَنَحْوَهُمَا وكان الثَّانِي مُتَوَلِّيًا تَدْبِيرَهَا فَيَكُونُ الضَّمَانُ عليه. قال الْحَارِثِيُّ وَإِنْ اشْتَرَكَا في التَّصَرُّفِ اشْتَرَكَا في الضَّمَانِ. وَإِنْ كان مع الدَّابَّةِ سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا على الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ الضَّمَانُ على الْقَائِدِ وَحْدَهُ. قال وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ. وَإِنْ كان مَعَهُمَا أو مع أَحَدِهِمَا رَاكِبٌ اشْتَرَكُوا في الضَّمَانِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ الضَّمَانُ على الرَّاكِبِ فَقَطْ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ يَضْمَنُ الْقَائِدُ فَقَطْ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي. وَمِنْهَا الْإِبِلُ وَالْبِغَالُ الْمُقَطَّرَةِ كَالْبَهِيمَةِ الْوَاحِدَةِ على قَائِدِهَا الضَّمَانُ وَإِنْ كان معه سَائِقٌ شَارَكَهُ في ضَمَانِ الْأَخِيرِ منها دُونَ ما قَبْلَهُ هذا إذَا كان في آخِرِهَا فَإِنْ كان في أَوَّلِهَا شَارَكَ في الْكُلِّ وَإِنْ كان فِيمَا عَدَا الْأَوَّلِ شَارَكَ في ضَمَانِ ما بَاشَرَ سَوْقَهُ دُونَ ما قَبْلَهُ وَشَارَكَ فِيمَا بَعْدَهُ. وَإِنْ انْفَرَدَ رَاكِبٌ بِالْقِطَارِ وكان على أَوَّلِهِ ضَمِنَ جِنَايَةَ الْجَمِيعِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ الْمَقْطُورُ على الْجَمَلِ الْمَرْكُوبِ يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْقَائِدِ له. فَأَمَّا الْمَقْطُورُ على الْجَمَلِ الثَّانِي فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ جِنَايَتَهُ لِأَنَّ الرَّاكِبَ الْأَوَّلَ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ عن الْجِنَايَةِ انْتَهَى. قال الْحَارِثِيُّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ فإن ما بَعْدَ الرَّاكِبِ إنَّمَا يَسِيرُ بِسَيْرِهِ وَيَطَأُ بِوَطْئِهِ فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عن الْجِنَايَةِ فَضَمِنَ كَالْمَقْطُورِ على ما تَحْتَهُ انْتَهَى. وَمِنْهَا لو انْفَلَتَتْ الدَّابَّةُ مِمَّنْ هِيَ في يَدِهِ وَأَفْسَدَتْ فَلَا ضَمَانَ نَصَّ عليه. فَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا إنْسَانٌ فَرَدَّهَا فَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ الضَّمَانُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَمِنْهَا لَا فَرْقَ في الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ بين الْمَالِكِ وَالْأَجِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ والموصى إلَيْهِ بِالْمَنْفَعَةِ وَعُمُومُ نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَقْتَضِيهِ. قَوْلُهُ وما أَفْسَدَتْ من الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيْلًا يَعْنِي يَضْمَنُهُ رَبُّهَا. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الضَّمَانُ سَوَاءٌ انْفَلَتَتْ بِاخْتِيَارِهِ أو بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ منهم بن مَنْصُورٍ وابن هَانِئٍ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ. قال الزَّرْكَشِيُّ كَذَا قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ وابن الْبَنَّا وابن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا لم يُفَرِّطْ قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وقال جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. قال ابن مُنَجَّا وَكَلَامُهُ هُنَا مُشْعِرٌ بِهِ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ على ضَمَانِ ما جَنَتْ يَدُهَا أو فَمُهَا بَعْدَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا في يَدِ إنْسَانٍ مَوْصُوفٍ بِمَا ذَكَرَ انْتَهَى. قال الْحَارِثِيُّ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا فَرَّطَ أَمَّا إذَا لم يُفَرِّطْ فإنه لَا يَضْمَنُ قَالَهُ الْقَاضِيَانِ أبو يَعْلَى وَابْنُهُ الْحُسَيْنُ وابن عَقِيلٍ وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ وَالسَّامِرِيُّ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ. قال في الْفَائِقِ وَلَوْ كَسَرَتْ الْبَابَ أو فَتَحَتْهُ فَهَدَرٌ وَلَوْ فَتَحَهُ آدَمِيٌّ ضَمِنَ.
تنبيه: قَوْلُهُ وما أَفْسَدَتْ من الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيْلًا يَضْمَنُهُ رَبُّهَا خَصَّصَ الضَّمَانَ بِالْأَمْرَيْنِ وَهَكَذَا قال في الشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَجَمَاعَةٌ. قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ في هذا الْكِتَابِ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا رِوَايَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَجَزَمَ في الْمُغْنِي والوجيز أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ سِوَى الزَّرْعِ. فقال في الْمُغْنِي إنْ أَتْلَفَتْ غير الزَّرْعِ لم يَضْمَنْ مَالِكُهَا نَهَارًا كان إتْلَافُهَا أو لَيْلًا. قال الْحَارِثِيُّ وابن مُنَجَّا ولم أَجِدْهُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ انْتَهَيَا. قُلْت هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِاقْتِصَارِهِ عليه. وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ ما أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا. قال الْحَارِثِيُّ وَكَافَّةُ الْأَصْحَابِ على التَّعْمِيمِ لِكُلِّ مَالٍ بَلْ منهم من صَرَّحَ بِالتَّسْوِيَةِ بين الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ منهم الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالسَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ. قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بِالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ أَيْضًا. وقال في الْوَاضِحِ يَضْمَنُ ما أَتْلَفَتْ لَيْلًا من سَائِرِ الْمَالِ بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ وَاضِعُهُ إلَى تَفْرِيطٍ.
فائدة: لو ادَّعَى صَاحِبُ الزَّرْعِ أَنَّ غَنَمَ فُلَانٍ نَفَشَتْ لَيْلًا وَوُجِدَ في الزَّرْعِ أَثَرُ غَنَمٍ قضى بِالضَّمَانِ على صَاحِبِ الْغَنَمِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ. وَجَعَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا من الْقِيَافَةِ في الْأَمْوَالِ وَجَعَلَهَا مُعْتَبَرَةً كَالْقِيَافَةِ في الْأَنْسَابِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ لَا يكتفي بِذَلِكَ. قُلْت وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَكُنْ هُنَاكَ غَنَمٌ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ ما أَفْسَدَتْ من ذلك نَهَارًا. ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَرْسَلَهَا بِقُرْبِ ما تُفْسِدُهُ عَادَةً أو لَا وهو أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَجَمَاعَةٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْحَقُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ من أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي. وقال الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يُرْسِلَهَا بِقُرْبِ ما تُتْلِفُهُ عَادَةً فَيَضْمَنَ. وَذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ. قُلْت وهو الصَّوَابُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
فوائد: الْأُولَى قال الْحَارِثِيُّ لو جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّوَاحِي بِرَبْطِهَا نَهَارًا وَبِإِرْسَالِهَا وَحِفْظِ الزَّرْعِ لَيْلًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لِأَنَّ هذا نَادِرٌ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ في التَّخْصِيصِ. الثَّانِيَةُ إرْسَالُ الْغَاصِبِ وَنَحْوُهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ نَهَارًا كان أو لَيْلًا وَإِرْسَالُ الْمُودِعِ كَإِرْسَالِ الْمَالِكِ في انْتِفَاءِ الضَّمَانِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ كَذَلِكَ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِحِفْظِ دَوَابِّهِ فَأَرْسَلَهَا نَهَارًا فَكَذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْكَفَّ عن الزَّرْعِ فَيَضْمَنَ فَهُوَ كَاشْتِرَاطِ الْمَالِكِ على الْمُودِعِ ضَبْطَهَا نَهَارًا. الثَّالِثَةُ لو طَرَدَ دَابَّةً من مَزْرَعَتِهِ لم يَضْمَنْ ما جَنَتْ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ فَيَضْمَنَ وَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمَزَارِعُ صَبَرَ لِيَرْجِعَ على صَاحِبِهَا. وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَهُ مُنْصَرَفٌ غَيْرُ الْمَزَارِعِ فَتَرَكَهَا فَهَدَرٌ. الرَّابِعَةُ الْحَطَبُ الذي على الدَّابَّةِ إذَا خَرَقَ ثَوْبَ آدَمِيٍّ بَصِيرٍ عَاقِلٍ يَجِدُ مُنْحَرِفًا فَهُوَ هَدَرٌ وَكَذَلِكَ لو كان مُسْتَدْبِرًا وَصَاحَ بِهِ مُنَبِّهًا له وَإِلَّا ضَمِنَهُ فِيهِمَا ذَكَرَهُ في التَّرْغِيبِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ. الْخَامِسَةُ لو أَرْسَلَ طَائِرًا فأفسد [فأفسده] أو لَقَطَ حَبًّا فَلَا ضَمَانَ قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ في الْمُغْنِي وَالْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ يَضْمَنُ مُطْلَقًا وهو الصَّحِيحُ صَحَّحَه ابن مُفْلِحٍ في الْآدَابِ وَضَعَّفَ الْأَوَّلَ وَكَذَلِكَ صَحَّحَه ابن الْقَيِّمِ في الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ ولم يَذْكُرْهَا في الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ وَمَنْ صَالَ عليه آدَمِيٌّ أو غَيْرُهُ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عن نَفْسِهِ لم يَضْمَنْهُ. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وقال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ لو دَفَعَ صَائِلًا عليه بِالْقَتْلِ لم يَضْمَنْهُ وَلَوْ دَفَعَهُ عن غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ ضَمِنَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وفي الْفَتَاوَى الرُّحْبَيَاتِ عن ابن عقيل وابن الزَّاغُونِيِّ لَا ضَمَانَ عليه أَيْضًا. قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِالْمَنْعِ من قِتَالِ اللُّصُوصِ في الْفِتْنَةِ فَيَتَرَتَّبُ عليه وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ منه إذَنْ وَهَذَا لَا عَمَلَ عليه انْتَهَى. قُلْت أَمَّا وُرُودُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ فَمُسَلَّمٌ وَأَمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْقَتْلِ فَفِي النَّفْسِ من هذا شَيْءٌ. وَخَرَّجَ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلًا بِالضَّمَانِ بِقَتْلِ الْبَهِيمِ الصَّائِلِ بِنَاءً على ما قَالَهُ أبو بَكْرٍ في الصَّيْدِ الصَّائِلِ على الْمُحْرِمِ. وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا في آخِرِ بَابِ الْمُحَارَبِينَ بِأَتَمَّ من هذا وَمَسَائِلُ أُخَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فائدة: لو حَالَتْ بَهِيمَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ ولم يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بِقَتْلِهَا فَقَتَلَهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَضْمَنَ. قُلْت وهو الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ. قُلْت قد يَقْرَبُ من ذلك ما لو انْفَرَشَ الْجَرَادُ في طَرِيقِ الْمُحْرِمِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَقْدِرُ على الْمُرُورِ إلَّا بِقَتْلِهِ هل يَضْمَنُهُ أَمْ لَا على ما تَقَدَّمَ. وَيَأْتِي نَظِيرُهَا في آخِرِ بَابِ الدِّيَاتِ. قَوْلُهُ وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفِينَةَ الْآخَرِ وما فيها. هَكَذَا أَطْلَقَ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ. قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مَحَلُّهُ إذَا فَرَّطَ. قال الْحَارِثِيُّ إنْ فَرَّطَ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ سَفِينَةَ الْآخَرِ وما فيها وَإِنْ لم يُفَرِّطْ فَلَا ضَمَانَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ في كِتَابَيْهِ وَمَنْ عَدَاهُ من الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ على نَحْوِهِ من رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ. مع أَنَّ إطْلَاقَ الْمَتْنِ لَا يَقْتَضِيهِ غير أَنَّ الْإِطْلَاقَ مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ التَّفْرِيطِ التي قَدَّمْنَاهَا على ما ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَصْحَابُ من غَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْته بَيْنَهُمْ انْتَهَى. وقال في الْفُرُوعِ وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتْلَفَ الْآخَرِ. وفي الْمُغْنِي إنْ فَرَّطَا وَقَالَهُ في الْمُنْتَخَبِ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ انْتَهَى. وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا.
تنبيه: حَيْثُ قُلْنَا بِالضَّمَانِ فَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفِينَةَ الْآخَرِ وما فيها كما قال الْمُصَنِّفُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وقال الْحَارِثِيُّ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الضَّمَانِ لِاشْتِرَاكِهِمَا في السَّبَبِ فإنه حَصَلَ من كل وَاحِدٍ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَكَانَ مُهْدَرًا في حَقِّ نَفْسِهِ مَضْمُونًا في حَقِّ الْآخَرِ كما في التَّلَفِ من جِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَجِرَاحَةِ غَيْرِهِ. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا له قُوَّةٌ. قَوْلُهُ وَإِنْ كانت إحْدَاهُمَا مُنْحَدِرَةً فَعَلَى صَاحِبِهَا ضَمَانُ الْمُصْعِدَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَلَبَهُ رِيحٌ فلم يَقْدِرْ على ضَبْطِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ. وفي الْوَاضِحِ وَجْهٌ لَا تُضْمَنُ مُنْحَدِرَةٌ. وقال في التَّرْغِيبِ السَّفِينَةُ كَدَابَّةٍ وَالْمَلَّاحُ كَرَاكِبٍ.
تنبيه: قال الْحَارِثِيُّ سَوَاءٌ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ في هذه الْحَالَةِ أو لَا على ما صَرَّحَ بِهِ في الْكَافِي وَأَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ. وقال في الْمُغْنِي إنْ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْعُدُولَ بِسَفِينَتِهِ وَالْمُنْحَدِرُ غَيْرُ قَادِرٍ وَلَا مُفَرِّطٌ فَالضَّمَانُ على الْمُصْعِدِ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا صَرِيحٌ في أَنَّ الْمُصْعِدَ يُؤَاخِذُ بِتَفْرِيطِهِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَلَّاحِ إنْ تَلِفَ الْمَالُ بِغَلَبَةِ رِيحٍ. وَلَوْ تَعَمَّدَ الصَّدْمَ فَشَرِيكَانِ في إتْلَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمَنْ فِيهِمَا. فَإِنْ قُتِلَ في الْغَالِبِ فَالْقَوَدُ وَإِلَّا شِبْهَ عَمْدٍ. وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الْمُصَادِمِ في حَقِّ نَفْسِهِ مع عَمْدٍ. وَلَوْ حَرَقَهَا عَمْدًا أو شَبَهَهُ أو خَطَأً عُمِلَ على ذلك قَالَهُ في الْفُرُوعِ. وقال الْحَارِثِيُّ إنْ عَمَدَ ما لَا يُهْلِكُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ وَكَذَا ما لو قَصَدَ إصْلَاحَهَا فَقَطَعَ لَوْحًا أو أَصْلَحَ مِسْمَارًا فَخَرَقَ مَوْضِعًا حَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالصَّحِيحِ أَنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ قَصَدَ فِعْلًا مُبَاحًا. وَهَلْ يَضْمَنُ من أَلْقَى عِدْلًا مَمْلُوءًا بِسَفِينَةٍ فَغَرَّقَهَا وما فيها أو نِصْفَهُ أو بِحِصَّتِهِ قال في الرِّعَايَةِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا. قُلْت هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا جَاوَزَ بِالدَّابَّةِ مَكَانَ الْإِجَارَةِ أو حَمَّلَهَا زِيَادَةً على الْمَأْجُورِ فَتَلِفَتْ أو زَادَ على الْحَدِّ سَوْطًا فَقَتَلَهُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ هُنَاكَ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ جَمِيعَهُ على ما تَقَدَّمَ. وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في كِتَابِ الْحُدُودِ فَكَذَلِكَ هُنَا. وَجَزَمَ في الْفُصُولِ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ ما فيها ذَكَرَهُ في أَثْنَاءِ الْإِجَارَةِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا لَمَا إذَا زَادَ على الْحَدِّ سَوْطًا في وُجُوبِ الدِّيَةِ كَامِلَةً. وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي جَعَلَهَا أَصْلًا في وُجُوبِ ضَمَانِ الدَّابَّةِ كَامِلَةً إذَا جَاوَزَ بها مَكَانَ الْإِجَارَةِ أو زَادَ على الْحَدِّ سَوْطًا. وَلَوْ أَشْرَفَتْ على الْغَرَقِ فَعَلَى الرُّكْبَانِ إلْقَاءُ بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ حَسَبَ الْحَاجَةِ. وَيَحْرُمُ إلْقَاءُ الدَّوَابِّ حَيْثُ أَمْكَنَ التَّخْفِيفُ بِالْأَمْتِعَةِ وَإِنْ أَلْجَأَتْ ضَرُورَةٌ إلَى إلْقَائِهَا جَازَ صَوْنًا لِلْآدَمِيِّينَ وَالْعَبِيدُ كَالْأَحْرَارِ. وَإِنْ تَقَاعَدُوا عن الْإِلْقَاءِ مع الْإِمْكَانِ أَثِمُوا. وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ فيه وَجْهَانِ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَدَمَهُ. وَالثَّانِي يَضْمَنُ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ. وَلَوْ أَلْقَى مَتَاعَهُ وَمَتَاعَ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ على أَحَدٍ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَإِنْ امْتَنَعَ من إلْقَاءِ مَتَاعِهِ فَلِلْغَيْرِ إلْقَاؤُهُ من غَيْرِ رِضَاهُ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ لَكِنْ يَضْمَنُهُ قَالَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وابن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَغَيْرُهُمْ. قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ مَالِكٍ رضي اللَّهُ عنه لَا يَضْمَنُ اعْتِبَارًا بِدَفْعِ الصَّائِلِ. قال وَيَتَخَرَّجُ لنا مِثْلُهُ بِنَاءً على انْتِفَاءِ الضَّمَانِ بِمَا لو أَرْسَلَ صَيْدًا من يَدِ مُحْرِمٍ. قُلْت وَهَذَا هو الصَّوَابُ. وَتَقَدَّمَ في آخِرِ الضَّمَانِ بَعْضُ ذلك وَمَسَائِلُ أُخَرُ تَتَعَلَّقُ بهذا فَلْيُعَاوَدْ. الثَّانِيَةُ لو كانت إحْدَاهُمَا وَاقِفَةً وَالْأُخْرَى سَائِرَةً فَعَلَى قَيِّمِ السَّائِرَةِ ضَمَانُ الْوَاقِفَةِ إنْ فَرَّطَ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَوَائِلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ إذَا اصْطَدَمَ نَفْسَانِ أو أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ فَاصْطَدَمَا وَنَحْوَهُمَا. قَوْلُهُ وَمَنْ أَتْلَفَ مِزْمَارًا أو طُنْبُورًا أو صَلِيبًا أو كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ أو ذَهَبٍ أو إنَاءَ خَمْرٍ لم يَضْمَنْهُ. وَكَذَا الْعُودُ وَالطَّبْلُ وَالنَّرْدُ وَآلَةُ السِّحْرِ وَالتَّعْزِيمِ وَالتَّنْجِيمِ وَصُوَرُ خَيَالٍ وَالْأَوْثَانُ وَالْأَصْنَامُ وَكُتُبُ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُضِلَّةُ وَكُتُبُ الْكُفْرِ وَنَحْوُ ذلك. وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ في الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَقَدَّمُوهُ في الْبَاقِي من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَحَّحُوهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ في الْجَمِيعِ. قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ لَا ضَمَانَ في الْمَشْهُورِ وهو منها وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ غير الصَّلِيبِ مما [بما] ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَطْلَقَ في الْمُحَرَّرِ في ضَمَانِ كَسْرِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَمْرِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَ في التَّلْخِيصِ في ضَمَانِ كَسْرِ أَوَانِي الْخَمْرِ وَشَقِّ ظُرُوفِهِ رِوَايَتَيْنِ. قال في الْمُغْنِي حَكَى أبو الْخَطَّابِ رِوَايَةً بِأَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا كَسَرَ أَوَانِيَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قال الْحَارِثِيُّ وَحَكَاهَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ في تَعْلِيقِهِ وأبو الْحُسَيْنِ في التَّمَامِ وأبو يَعْلَى الصَّغِيرُ في الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُمْ. قال الْحَارِثِيُّ إنْ أُرِيدَ ضَمَانُ الإجزاء وهو ظَاهِرُ إيرَادِهِمْ فإن بَعْضَهُمْ عَلَّلَهُ بِجَوَازِ الْمُعَاوَضَةِ عليها وَالْقَطْعُ بِسَرِقَتِهَا فَمُسَلَّمٌ وَلَكِنْ ليس مَحَلُّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فيه. وَإِنْ أُرِيدَ ضَمَانُ الْأَرْشِ وهو فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا أَعْلَمُ له وَجْهًا وَذَكَرَ مَأْخَذَهُمْ من الرِّوَايَةِ وَرَدَّهُ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ آنِيَةَ الْخَمْرِ إنْ كان يُنْتَفَعُ بها في غَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ غير آلَةِ اللَّهْوِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ غير الدُّفِّ. وَأَطْلَقَ في الرِّعَايَةِ في ضَمَانِ دُفِّ الصُّنُوجِ رِوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ دُفَّ الْعُرْسِ أَعْنِي التي ليس فيها صُنُوجٌ ذَكَرَهَا الْحَارِثِيُّ. وَحَكَى الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ رِوَايَةً بِجَوَازِ إتْلَافِهِ في اللَّعِبِ بِمَا عَدَا النِّكَاحِ وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ. وقال في الْفُنُونِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ آلَةَ اللَّهْوِ إذَا كان يُرْغَبُ في مَادَّتِهَا كَعُودٍ وَدَاقُورَةٍ.
تنبيه: مَحَلُّ الْخِلَافِ في آنِيَةِ الْخَمْرِ إذَا كان مَأْمُورًا بِإِرَاقَتِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آنِيَةِ الْخَمْرِ أَنَّهُ سَوَاءٌ قَدَرَ على إرَاقَتِهَا بِدُونِ تَلَفِ الْإِنَاءِ أو لَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ إنْ لم يَقْدِرْ على إرَاقَتِهَا إلَّا بِتَلَفِهَا لم يَضْمَنْ وَإِلَّا ضَمِنَ.
فوائد: منها لَا يَضْمَنُ مَخْزَنَ الْخَمْرِ إذَا أَحْرَقَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. نَقَلَه ابن مَنْصُورٍ وَاخْتَارَه ابن بَطَّةَ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يَضْمَنُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ.
. وقال ابن الْقَيِّمِ في الهدى يَجُوزُ تَحْرِيقُ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي وَهَدْمُهَا كما حَرَّقَ رسول اللَّهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مَسْجِدَ الضِّرَارِ وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ. وَمِنْهَا لَا يَضْمَنُ كِتَابًا فيه أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ حَرَقَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. قال في الِانْتِصَارِ فَجَعَلَهُ كَآلَةِ لَهْوٍ ثُمَّ سَلَّمَهُ على نَصِّهِ في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ في سَتْرٍ فيه تَصَاوِيرُ. وَنَصَّ على تَخْرِيقِ الثِّيَابِ السُّودِ. قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ. وَمِنْهَا لَا يَضْمَنُ حُلِيًّا مُحَرَّمًا على الرِّجَالِ لم يَسْتَعْمِلُوهُ يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ. ومنها [منها] قال صَاحِبُ الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الشِّطْرَنْجَ من آلَةِ اللَّهْوِ. قُلْت بَلْ هِيَ من أَعْظَمِهَا وقد عَمَّ الْبَلَاءُ بها. وَنَقَلَ أبو دَاوُد لَا شَيْءَ عليه فيه.
|