الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل الجزء الحادي عشر
[فصل: في أحكام السبق] قَوْلُهُ يَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ على الدَّوَابِّ وَالْأَقْدَامِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالسُّفُنِ وَالْمَزَارِيقِ وَغَيْرِهَا. يَعْنِي يَجُوزُ ذلك بِلَا عِوَضٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم. وقال الْآمِدِيُّ يَجُوزُ في ذلك كُلِّهِ إلَّا بِالْحَمَامِ. وَقِيلَ لَا بِالْحَمَامِ وَالطَّيْرِ. وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَصِحُّ السَّبَقُ بِلَا عِوَضٍ على أَقْدَامٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ. وَقِيلَ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَطُيُورٍ وَرِمَاحٍ وَحِرَابٍ وَمَزَارِيقَ وَشُخُوتٍ وَمَنَاجِيقٍ وَرَمْيِ أَحْجَارٍ وَسُفُنٍ وَمَقَالِيعَ. وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وفي الطُّيُورِ وَجْهَانِ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ في الرَّوْضَةِ. وقال في الْفُرُوعِ وَكَرِهَ أبو بَكْرٍ الرَّمْيَ عن قَوْسٍ فَارِسِيَّةٍ. وقال في الْفَائِقِ وَمَنَعَ منه أبو بَكْرٍ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا في كَرَاهَةِ لَعِبٍ غَيْرِ مُعِينٍ على عَدُوٍّ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. قُلْت الْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ له في ذلك قَصْدٌ حَسَنٌ. قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَكُلُّ ما يُسَمَّى لَعِبًا مَكْرُوهٌ إلَّا ما كان مُعِينًا على قِتَالِ الْعَدُوِّ ذَكَرَهُ ابن عقيل وَاقْتَصَرَ عليه. وَذَكَرَ في الْوَسِيلَةِ يُكْرَهُ الرَّقْصُ وَاللَّعِبُ كُلُّهُ وَمَجَالِسُ الشَّعْرِ. وَذَكَرَ ابن عقيل وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ لَعِبُهُ بِأُرْجُوحَةٍ وَنَحْوِهَا. وقال أَيْضًا لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ اللَّعِبِ مُطْلَقًا. وقال الْآجُرِّيُّ في النَّصِيحَةِ من وَثَبَ وَثْبَةً مَرِحًا وَلَعِبًا بِلَا نَفْعٍ فَانْقَلَبَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ عَصَى وَقَضَى الصَّلَاةَ. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ ما قد يَكُونُ فيه مَنْفَعَةٌ بِلَا مَضَرَّةٍ. قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ الْمَعْرُوفُ بِالطَّابِ وَالنَّقِيلَةِ. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا كُلُّ فِعْلٍ أَفْضَى إلَى مُحَرَّمٍ كَثِيرًا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ إذَا لم يَكُنْ فيه مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلشَّرِّ وَالْفَسَادِ. وقال أَيْضًا وما أَلْهَى وَشَغَلَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عنه وَإِنْ لم يُحَرَّمْ جِنْسُهُ كَبَيْعٍ وَتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا. الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ اللَّعِبُ بالة الْحَرْبِ قال جَمَاعَةٌ وَالثِّقَاف. نَقَلَ أبو دَاوُد لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَعَلَّمَ بِسَيْفٍ حَدِيدٍ بَلْ بِسَيْفٍ خَشَبٍ. وَلَيْسَ من اللَّهْوِ الْمُحَرَّمِ تَأْدِيبُ فَرَسِهِ وَمُلَاعَبَةُ أَهْلِهِ وَرَمْيُهُ عن قَوْسِهِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ في ذلك. وقال الزَّرْكَشِيُّ وَيَجُوزُ الصِّرَاعُ وَرَفْعُ الْحِجَارَةِ لِيُعْرَفَ الْأَشَدُّ. قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ إلَّا في الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالسِّهَامِ . هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم. وَذَكَرَ بن الْبَنَّا وَجْهًا يَجُوزُ بِعِوَضٍ في الطَّيْرِ الْمُعَدَّةِ لِأَخْبَارِ الْأَعْدَاءِ انْتَهَى. وَذَكَرَ في النَّظْمِ وَجْهًا بَعِيدًا يَجُوزُ بِعِوَضٍ في الْفِيَلَةِ. وقد صَارَعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رُكَانَةَ على شَاةٍ فَصَرَعَهُ ثُمَّ عَادَ مِرَارًا فَصَرَعَهُ فَأَسْلَمَ فَرَدَّ عليه غَنَمَهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد في مَرَاسِيلِهِ. قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا وَغَيْرُهُ مع الْكُفَّارِ من جِنْسِ جِهَادِهِمْ فَهُوَ في مَعْنَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فإن جِنْسَهَا جِهَادٌ وَهِيَ مَذْمُومَةٌ إذَا أُرِيدَ بها الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ وَالظُّلْمُ. وَالصِّرَاعُ وَالسَّبَقُ بالأقدام وَنَحْوُهُمَا طَاعَةٌ إذَا قُصِدَ بها نَصْرُ الْإِسْلَامِ وَأَخْذُ الْعِوَضِ عليه أَخْذٌ بِالْحَقِّ فَالْمُغَالَبَةُ الْجَائِزَةُ تَحِلُّ بِالْعِوَضِ إذَا كانت مِمَّا يُعِينُ على الدِّينِ كما في مُرَاهَنَةِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه. وَاخْتَارَ هذا كُلَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا مُعْتَمِدًا على ما ذَكَرَه ابن الْبَنَّا. قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ جَوَازُ الْمُرَاهَنَةِ بِعِوَضٍ في بَابِ الْعِلْمِ لِقِيَامِ الدِّينِ بِالْجِهَادِ وَالْعِلْمِ. وَهَذَا ظَاهِرُ اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وهو حَسَنٌ. وقال في الرَّوْضَةِ السَّبَقُ يَخْتَصُّ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ الْحَافِرِ فَيَعُمُّ كُلَّ ذِي حَافِرٍ وَالْخُفِّ فَيَعُمُّ كُلَّ ذِي خُفٍّ وَالنَّصْلِ فَيَخْتَصُّ بِالنِّشَابِ وَالنَّبْلِ وَلَا يَصِحُّ السَّبَقُ وَالرَّمْيُ في غيرهما [غيرها] مع الْجُعْلِ وَعَدَمِهِ. قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَلِتَعْمِيمِهِ وَجْهٌ وَيَتَوَجَّهُ عليه تَعْمِيمُ النَّصْلِ انْتَهَى.
فائدة: قَوْلُهُ في الشُّرُوطِ أَحَدُهَا تَعْيِينُ الْمَرْكُوبِ يَعْنِي بِالرُّؤْيَةِ وَالرُّمَاةِ سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أو جَمَاعَتَيْنِ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قال في التَّرْغِيبِ في عَدَدِ الرُّمَاةِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَرْكُوبَانِ من نَوْعٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ بين عَرَبِيٍّ وَهَجِينٍ. وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ وهو وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي ذَكَرَهُ في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ. قال في الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ بِنَاءً على تَسَاوِيهِمَا في السَّهْمِ. وقال في التَّرْغِيبِ وَتَسَاوِيهِمَا في النَّجَابَةِ وَالْبَطَالَةِ وَتَكَافُئِهِمَا. قَوْلُهُ وَلَا بين قَوْسٍ عَرَبِيٍّ وَفَارِسِيٍّ. وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ. وقال هذا الْمَذْهَبُ. وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ وهو وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا يَجُوزُ الرَّمْيُ بِالْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وقال أبو بَكْرٍ لَا يَجُوزُ قَالَهُ في الْفَائِقِ. وقال في الْفُرُوعِ وَكَرِهَهُ أبو بَكْرٍ كما تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. الثَّانِيَةُ إذَا عَقَدَا النِّضَالَ ولم يَذْكُرَا قَوْسًا صَحَّ في ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي وَيَسْتَوِيَانِ في الْعَرَبِيَّةِ أو غَيْرِهَا. وقال غَيْرُهُ لَا يَصِحُّ حتى يَذْكُرَا نَوْعَ الْقَوْسِ الذي يَرْمِيَانِ عنه في الِابْتِدَاءِ. قَوْلُهُ وَمَدَى الرَّمْيِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يُعْرَفُ ذلك إمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ أو بِالذِّرَاعِ نَحْوُ مِائَةِ ذِرَاعٍ أو مِائَتَيْ ذِرَاعٍ وما لم تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ وهو ما زَادَ على ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ فَلَا يَصِحُّ. وقد قِيلَ إنَّهُ ما رَمَى في أَرْبَعِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَّا عُقْبَةَ بن عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه.
فائدة: لَا يَصِحُّ تُنَاضِلُهُمَا على أَنَّ السَّبَقَ لِأَبْعَدِهِمَا رَمْيًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ زَادَ في التَّرْغِيبِ من غَيْرِ تَقْدِيرٍ. وَقِيلَ يَصِحُّ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَهُ في الْفَائِقِ وهو الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الرُّمَاةِ الْآنَ في أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ. قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا مُبَاحًا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنَّهُ تَمْلِيكٌ بِشَرْطِ سَبْقِهِ فَلِهَذَا قال في الِانْتِصَارِ في شَرِكَةِ الْعِنَانِ الْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ فَإِنْ أَخْرَجَا مَعًا لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ من غَيْرِ مُحَلِّلٍ. قال وَعَدَمُ الْمُحَلِّلِ أَوْلَى وَأَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ من كَوْنِ السَّبَقِ من أَحَدِهِمَا وَأَبْلَغُ في تَحْصِيلِ مَقْصُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا وهو بَيَانُ عَجْزِ الْآخَرِ وَأَنَّ الْمَيْسِرَ وَالْقِمَارَ منه لم يَحْرُمْ لِمُجَرَّدِ الْمُخَاطَرَةِ بَلْ لِأَنَّهُ أَكْلٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ أو لِلْمُخَاطَرَةِ المتضمنه له انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ. قَوْلُهُ يُكَافِئُ فَرَسُهُ فَرَسَيْهِمَا أو بَعِيرُهُ بَعِيرَيْهِمَا أو رَمْيُهُ رَمْيَيْهِمَا فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَحْرَزَ سَبَقَيْهِمَا وَإِنْ سَبَقَاهُ أَحْرَزَا سَبَقَيْهِمَا ولم يَأْخُذَا منه شيئا وَإِنْ سَبَقَ أَحَدَهُمَا أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ وَإِنْ سَبَقَ معه الْمُحَلِّلُ فَسَبَقُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا بِلَا نِزَاعٍ في ذلك كُلِّهِ.
تنبيه: ظَاهِرُ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا الِاكْتِفَاءُ بِالْمُحَلِّلِ الْوَاحِدِ وَلَا يَكُونُ أَكْثَرَ من وَاحِدٍ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم. قال الْآمِدِيُّ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ من وَاحِدٍ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ بِهِ. وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يَجُوزُ أَكْثَرُ من وَاحِدٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي. قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَا أَنَّ السَّابِقَ يُطْعِمُ السَّبَقَ أَصْحَابَهُ أو غَيْرَهُمْ لم يَصِحَّ الشَّرْطُ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ شَرْطُ السَّبْقِ للاستاذ وَلِشِرَاءِ قَوْسٍ وَكِرَاءِ حَانُوتٍ وَإِطْعَامِهِ لِلْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعِينُ على الرَّمْيِ. قَوْلُهُ وفي صِحَّةِ الْمُسَابَقَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ وَالْمُسَابَقَةُ جِعَالَةٌ. هذا الْمَذْهَبُ اخْتَارَه ابن حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ هِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ ليس لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَهِيَ كَالْإِجَارَةِ لَكِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ وَأَحَدِ الرَّامِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ. وفي التَّرْغِيبِ احْتِمَالٌ بِعَدَمِ اللُّزُومِ في حَقِّ الْمُحَلِّلِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ مَغْبُوطٌ كَمُرْتَهِنٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ الْفَضْلُ لِأَحَدِهِمَا فَيَكُونُ له الْفَسْخُ دُونَ صَاحِبِهِ. وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَا يُؤْخَذُ رَهْنٌ وَلَا كَفِيلٌ بِعِوَضِهِمَا. وقال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَغَيْرِهِمَا على هذا الْوَجْهِ يَجُوزُ فَسْخُهُ وَالِامْتِنَاعُ منه وَالزِّيَادَةُ في الْعِوَضِ. زَادَ غَيْرُهُمْ وَأَخْذُهُ بِهِ رَهْنًا أو كَفِيلًا. قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهَا ليس لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا لَكِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ وَأَحَدِ الرَّامِيَيْنِ وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الرَّاكِبَيْنِ وَلَا تَلَفِ أَحَدِ الْقَوْسَيْنِ. وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ على هذا الْقَوْلِ. وَقَوْلُهُ وَيَقُومُ وَارِثُ الْمَيِّتِ مَقَامَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ له وَارِثٌ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ من تَرِكَتِهِ. هذا إذَا قُلْنَا إنَّهَا لَازِمَةٌ. فَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهَا جَائِزَةٌ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ وَارِثَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا يُقِيمُ الْحَاكِمُ من يَقُومُ مَقَامَهُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت هذا الْمَذْهَبُ وهو كَالصَّرِيحِ الْمَقْطُوعِ بِهِ في كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ لِقَطْعِهِمْ بِفَسْخِهَا بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ على الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ كما قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْحَاوِي. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ وَارِثُهُ كَهُوَ في ذلك ثُمَّ الْحَاكِمُ جَزَمَ بِهِ ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفَائِقِ وهو كَالصَّرِيحِ في الْبُلْغَةِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْكَافِي وَجَزَمَ بِهِ فيه. لَكِنْ جَعَلَ الْوَارِثَ بِالْخِيَرَةِ في ذلك وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. قال في الْفُرُوعِ وَالْبُلْغَةِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ فيه قبل الْعَمَلِ وَلَوْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ على الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ بَلْ يَبْدَأُ بِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ قبل الْعِوَضِ. قَوْلُهُ وَالسَّبَقُ في الْخَيْلِ بِالرَّأْسِ إذَا تَمَاثَلَتْ الْأَعْنَاقُ وفي مُخْتَلِفَيْ الْعُنُقِ وَالْإِبِلِ بِالْكَتِفِ. وكذا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ. وقال في الْفُرُوعِ وَالسَّبَقُ بِالرَّأْسِ في مُتَمَاثِلِ عُنُقِهِ وفي مُخْتَلِفِهِ وَإِبِلٍ بِكَتِفِهِ وَكَذَا قال في الْوَجِيزِ. وقال في الْمُحَرَّرِ وَالسَّبَقُ في الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ سَبَقُ الْكَتِفِ وَتَبِعَهُ في الْمُنَوِّرِ. وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالسَّبَقُ في الْخَيْلِ بِالْعُنُقِ وَقِيلَ بِالرَّأْسِ. زَادَ في الْكُبْرَى مع تَسَاوِي الْأَعْنَاقِ. ثُمَّ قال فِيهِمَا وفي مُخْتَلِفَيْ الْعُنُقِ وَالْإِبِلِ بِالْكَتِفِ. زَادَ في الْكُبْرَى أو بِبَعْضِهِ ثُمَّ قال فِيهِمَا وَقُلْت في الْكُلِّ بِالْأَقْدَامِ انْتَهَى. وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَإِنْ شَرَطَ السَّبَقَ بِأَقْدَامٍ مَعْلُومَةٍ كَثَلَاثَةٍ أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ لم يَصِحَّ. قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَنِّبَ أَحَدُهُمَا مع فَرَسِهِ فَرَسًا يُحَرِّضُهُ على الْعَدْوِ وَلَا يَصِيحُ بِهِ في وَقْتِ سِبَاقِهِ. هذا الْمَذْهَبُ أَعْنِي فِعْلَ ذلك مُحَرَّمٌ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وقال ابن رَزِينٍ في مُخْتَصَرِهِ يَكْرَهَانِ. وَفَسَّرَ الْقَاضِي الْجَنْبَ بِأَنْ يُجَنِّبَ فَرَسًا آخَرَ معه فإذا قَصَّرَ الْمَرْكُوبُ رَكِبَ الْمَجْنُوبَ. قَوْلُهُ في الْمُنَاضَلَةِ وَيُشْتَرَطُ لها شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ على من يُحْسِنُ الرَّمْيَ فَإِنْ كان في أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ من لَا يُحْسِنُهُ بَطَلَ الْعَقْدُ فيه وَأُخْرِجَ من الْحِزْبِ الْآخَرِ مِثْلُهُ وَلَهُمْ الْفَسْخُ إنْ أَحَبُّوا. فَظَاهِرُهُ عَدَمُ بُطْلَانِ الْعَقْدِ لِقَوْلِهِ وَلَهُمْ الْفَسْخُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وفي بُطْلَانِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ بِنَاءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وقد عَلِمْت قَبْلُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ في الْبَاقِي على الصَّحِيحِ فَكَذَا هُنَا.
فوائد: الْأُولَى لو عَقَدَ النِّضَالَ جَمَاعَةٌ لِيَقْتَسِمُوا بَعْدَ الْعَقْدِ حِزْبَيْنِ بِرِضَاهُمْ لَا بِقُرْعَةٍ صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَمَالَا إلَيْهِ. فَعَلَى هذا إذَا تَفَاصَلُوا عَقَدُوا النِّضَالَ بَعْدَهُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُجْعَلُ لِكُلِّ حِزْبٍ رَئِيسٌ فَيَخْتَارُ أَحَدُهُمَا وَاحِدًا ثُمَّ يَخْتَارُ الْآخَرُ آخَرَ حتى يَفْرُغَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالْخِيرَةِ اقْتَرَعَا وَلَا يَقْتَسِمَانِ بِقُرْعَةٍ وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ رَئِيسِ الْحِزْبَيْنِ وَاحِدًا وَلَا الْخِيَرَةِ في تَمَيُّزِهِمَا إلَيْهِ وَلَا السَّبَقِ عليه. الثَّانِيَةُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِوَاءُ عَدَدِ الرُّمَاةِ على الصَّحِيحِ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ. وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُمَا وَجْهَانِ في التَّرْغِيبِ وَاحْتِمَالَانِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَاحْتِمَالُ وَجْهَيْنِ في الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. الثَّالِثَةُ لَا يَصِحُّ شَرْطُ إصَابَةٍ نَادِرَةٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فيه إصَابَةٌ مُمْكِنَةٌ في الْعَادَةِ. قَوْلُهُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ الرَّمْيِ هل هو مُنَاضَلَةً أو مُبَادَرَةً. وَكَذَا هل هو مُحَاطَّةٌ وهو حَطُّ ما تَسَاوَيَا فيه بِإِصَابَةٍ من رَشْقٍ مَعْلُومٍ مع تَسَاوِيهِمَا في الرَّمَيَاتِ فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ. قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَجِبُ بَيَانُ حُكْمِ الْإِصَابَةِ هل هِيَ مُنَاضَلَةٌ أو غَيْرُهَا وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى اشْتِرَاطِ ذلك لِأَنَّ مُقْتَضَى النِّضَالِ الْمُبَادَرَةُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا وَيُسَنُّ أَنْ يَصِفَا الْإِصَابَةَ فَيَقُولَانِ خَوَاصِلُ وَنَحْوُهُ. وَقِيلَ يَجِبُ. قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَا خَوَاسِقُ وهو ما خَرَقَ الْغَرَضَ وَثَبَتَ فيه. هَكَذَا قال أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. ثُمَّ قال وَقِيلَ أو مَرِقَ وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ ثَقْبِهِ أو خَدْشِهِ أو نَقْبِهِ ولم يَثْبُتْ فيه فَوَجْهَانِ انْتَهَى. قَوْلُهُ وَإِنْ تَشَاحَّا في الْمُبْتَدِئِ بِالرَّمْيِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا . هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ يُقَدَّمُ من له مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبَقِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَاخْتَارَ في التَّرْغِيبِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْمُبْتَدِئِ مُتَّهَمًا. قَوْلُهُ وَإِنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ فَوَقَعَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ فَإِنْ كان شَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ احْتَسَبَ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كان خَوَاسِقَ لم يُحْتَسَبْ له بِهِ وَلَا عليه. هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ. وقال الْقَاضِي نَنْظُرُ فَإِنْ كانت صَلَابَةُ الْهَدَفِ كَصَلَابَةِ الْغَرَضِ فَثَبَتَ في الْهَدَفِ احْتَسَبَ له بِهِ وَإِلَّا فَلَا يُحْتَسَبُ له بِهِ وَلَا عليه. قَوْلُهُ وَإِنْ عَرَضَ عَارِضٌ من كَسْرِ قَوْسٍ أو قَطْعِ وَتَرٍ أو رِيحٍ شَدِيدَةٍ لم يَحْتَسِبْ عليه بِالسَّهْمِ. ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُحْتَسَبُ له بِهِ إنْ أَصَابَ وهو أَحَدُ الْأَوْجُهِ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَقِيلَ يَحْتَسِبُ عليه بِالسَّهْمِ إنْ أَخْطَأَ. وَقِيلَ لَا يَحْتَسِبُ عليه وَلَا له وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا أَشْهَرُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ عَرَضَ لِأَحَدِهِمَا كَسْرُ قَوْسٍ أو قَطْعُ وَتَرٍ أو رِيحٌ في يَدِهِ أو رَدَّتْ سَهْمَهُ عَرْضًا فَأَصَابَ حُسِبَ له وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ بَلَى. قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلْأَمِينِ وَالشُّهُودِ مَدْحُ أَحَدِهِمَا لِمَا فيه من كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَقِيلَ يَحْرُمُ اخْتَارَهُ ابن عقيل. قُلْت وهو قَوِيٌّ في النَّظَرِ. وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ الْجَوَازُ في مَدْحِ الْمُصِيبِ وَالْكَرَاهَةُ في عَيْبِ غَيْرِهِ. قال وَيَتَوَجَّهُ في شَيْخِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مَدْحُ الْمُصِيبِ من الطَّلَبَةِ وَعَيْبُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ انْتَهَى. قُلْت إنْ كان مَدْحُهُ يُفْضِي إلَى تَعَاظُمِ الْمَمْدُوحِ أو كَسْرِ قَلْبِ غَيْرِهِ قوى التَّحْرِيمُ وَإِنْ كان فيه تَحْرِيضٌ على الِاشْتِغَالِ وَنَحْوِهِ قَوِيَ الِاسْتِحْبَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ وَهِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ. هذا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أنها إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ وَاخْتَارَهُ ابن عقيل وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو أَمَسُّ بِالْمَذْهَبِ. وقال اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في النَّظْمِ وَالْفُرُوعِ. قال الْحَارِثِيُّ وَيَدْخُلُ على الْأَوَّلِ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَيْسَ بِإِعَارَةٍ. وقال الْفَرْقُ بين الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ يَسْتَفِيدُ بِهِ التَّصَرُّفَ في الشَّيْءِ كما يَسْتَفِيدُهُ فيه بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْإِبَاحَةُ رَفْعُ الْحَرَجِ عن تَنَاوُلِ ما ليس مَمْلُوكًا له فَالتَّنَاوُلُ مُسْتَنِدٌ إلَى الْإِبَاحَةِ وفي الْأَوَّلِ مُسْتَنِدٌ إلَى الْمِلْكِ. وقال في تَعْلِيلِ الْوَجْهِ الثَّانِي فإن الْمَنْفَعَةَ لو مُلِكَتْ بِمُجَرَّدِ الْإِعَارَةِ لَاسْتَقَلَّ الْمُسْتَعِيرُ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ كما في الْمَنْفَعَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ.
تنبيه: قال الْحَارِثِيُّ تَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ لِلْعَارِيَّةِ بِمَا قال تَوَسُّعٌ لَا يَحْسُنُ اسْتِعْمَالُهُ في هذا الْمَقَامِ إذْ الْهِبَةُ مَصْدَرٌ وَالْمَصَادِرُ لَيْسَتْ أَعْيَانًا والعارية نَفْسُ الْعَيْنِ وَلَيْسَتْ بِمَعْنَى الْفِعْلِ. قال وَالْأَوْلَى إيرَادُ التَّعْرِيفِ على لَفْظِ الْإِعَارَةِ فَيُقَالُ الْإِعَارَةُ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ.
فوائد: ُ. الْأُولَى تَجِبُ إعَارَةُ الْمُصْحَفِ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى الْقِرَاءَةِ فيه ولم يَجِدْ غَيْرَهُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَخَرَّجَهُ ابن عقيل في كُتُبٍ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهَا من الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ واهل الفتاوي وَأَنَّ ذلك وَاجِبٌ نَقَلَهُ في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ. قَوْلُهُ تَجُوزُ في كل الْمَنَافِعِ إلَّا مَنَافِعَ الْبُضْعِ. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ في الْجُمْلَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إعَارَةُ كَلْبِ الصَّيْدِ وَفَحْلِ الضِّرَابِ اخْتَارَهُ ابن عقيل. وَنَسَبَهُ الْحَارِثِيُّ إلَى التَّذْكِرَةِ ولم أَرَهُ فيها في هذا الْبَابِ. وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إعَارَةُ أَمَةٍ شَابَّةٍ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَامْرَأَةٍ جَزَمَ بِهِ في التَّبْصِرَةِ وَالْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ. وَقِيلَ تَجِبُ الْعَارِيَّةُ مع غِنَى الْمَالِكِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ. الثَّانِيَةُ يَحْرُمُ اعارة ما يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ لِمُحَرَّمٍ فَهَذَا التَّحْرِيمُ لِعَارِضٍ. الثَّالِثَةُ يُشْتَرَطُ فيها كَوْنُ الْعَيْنِ مُنْتَفَعًا بها مع بَقَاءِ عَيْنِهَا. وَاسْتَثْنَى الْحَارِثِيُّ جَوَازَ إعَارَةِ الْعَنْزِ وَشَبَهِهَا لِأَخْذِ لَبَنِهَا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ في ذلك وَعَلَّلَهُ. قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إعَارَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ. يَعْنِي لِلْخِدْمَةِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وقال في الْفُرُوعِ في بَابِ الْإِجَارَةِ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ مُسْلِمٍ لِخِدْمَةِ ذِمِّيٍّ على الْأَصَحِّ وَكَذَا إعَارَتُهُ. وقال في بَابِ الْعَارِيَّةِ وَيَجُوزُ إعَارَةُ ذِي نَفْعٍ جَائِزٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ مع بَقَاءِ عَيْنِهِ إلَّا الْبُضْعَ وما حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ لِمَحْرَمٍ. وفي التَّبْصِرَةِ وَعَبْدًا مُسْلِمًا لِكَافِرٍ وَيَتَوَجَّهُ كَإِجَارَةٍ. وَقِيلَ فيه بِالْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا انْتَهَى. وقال في الرِّعَايَةِ وَلَا يُعَارُ كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا. وَقُلْت إنْ جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ جَازَ إعَارَتُهُ وَإِلَّا فَلَا. وقال الْحَارِثِيُّ لَا يَتَخَرَّجُ هُنَا من الْخِلَافِ مِثْلُ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ فَتَدْخُلُ في جِنْسِ الْبِيَاعَاتِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ. قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ إعَارَةُ الْأَمَةِ الشَّابَّةِ لِرَجُلٍ غَيْرِ مَحْرَمِهَا. هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْفَائِقِ. قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ. قال الْحَارِثِيُّ قال أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ تَنْزِيهًا. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ جَزَمَ بِهِ في التَّبْصِرَةِ وَالْكَافِي وَالْوَجِيزِ بِتَحْرِيمِهِ. قال ابن عَقِيلٍ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا من الْعُزَّابِ. قُلْت وهو الصَّوَابُ وقال النَّاظِمُ: وَأَنْ يَسْتَعِيرَ الْمُشْتَهَاةَ أَجْنَبِيٌّ *** إنْ تُخَفْ خَلْوَةٌ وَالْحَظْرُ لما [لها] أَبْعَدُ وقال في الْمُغْنِي لَا تَجُوزُ إعَارَتُهَا إنْ كانت جَمِيلَةً إنْ كان يَخْلُو بها أو يَنْظُرُ إلَيْهَا. وقال في التَّلْخِيصِ إنْ كانت بَرْزَةً جَازَ إعَارَتُهَا مُطْلَقًا. قال في الْبُلْغَةِ تُكْرَهُ إعَارَةُ الْجَارِيَةِ من غَيْرِ مَحْرَمٍ أو امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَرْزَةً. قَوْلُهُ وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ ما لم يَأْذَنْ أَيْ الْمُعِيرُ في شَغْلِهِ بِشَيْءٍ يَسْتَضِرُّ الْمُسْتَعِيرُ بِرُجُوعِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ في الْجُمْلَةِ. قال الْحَارِثِيُّ عليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ إنْ عَيَّنَ مُدَّةً تَعَيَّنَتْ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى. وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ قبل انْتِفَاعِهِ بها مع الْإِطْلَاقِ. قال الْقَاضِي قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِيهِ ذَكَرَهُ في التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ. قال الْقَاضِي الْقَبْضُ شَرْطٌ في لُزُومِهَا. وقال أَيْضًا يَحْصُلُ بها الْمِلْكُ مع عَدَمِ قَبْضِهَا. وقال ابن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ في ضَمَانِ الْمَبِيعِ الْمُتَعَيِّنِ بِالْعَقْدِ الْمِلْكُ أَبْطَأُ حُصُولًا وَأَكْثَرُ شُرُوطًا من الضَّمَانِ بِإِبَاحَةِ الطَّعَامِ بِتَقْدِيمِهِ إلَى مَالِكِهِ وَضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ بِعَارِيَّةِ الْعَيْنِ وَلَا مِلْكَ فإذا حَصَلَ بِالتَّعْيِينِ هذا الْإِبْطَاءُ فَأَوْلَى حُصُولُ الْإِسْرَاعِ وهو الضَّمَانُ . قال الْحَارِثِيُّ وقال الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ له الرُّجُوعُ قبل الِانْتِفَاعِ حتى بَعْدَ وَضْعِ الْخَشَبِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ عليه. قال وهو مُشْكِلٌ على الْمَذْهَبِ جِدًّا فإن الْمَالِكَ لَا يَمْلِكُ الِامْتِنَاعَ من الْإِعَارَةِ ابْتِدَاءً فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ بَعْدُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ على حَالَةِ ضَرَرِ الْمَالِكِ أو حَاجَتِهِ إلَيْهِ انْتَهَى. قُلْت يتصور [بتصور] ذلك في غَيْرِ ما قال وهو حَيْثُ لم تَلْزَمْ الْإِعَارَةُ لِتَخَلُّفِ شَرْطٍ أو وُجُودِ مَانِعٍ على ما تَقَدَّمَ.
فائدة: قال أبو الْخَطَّابِ لَا يُمْلَكُ مَكِيلٌ وَمَوْزُونٌ بِلَفْظِ الْعَارِيَّةِ وَإِنْ سَلَّمَ وَيَكُونُ قَرْضًا فإنه يَمْلِكُ بِهِ وَبِالْقَبْضِ. وقال في الِانْتِصَارِ لَفْظُ الْعَارِيَّةِ في الْأَثْمَانِ قَرْضٌ. وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَإِنْ اسْتَعَارَهُمَا لِلنَّفَقَةِ فَقَرْضٌ. وَقِيلَ لَا يَجُوزُ. وَنَقَلَ صَالِحٌ مِنْحَةُ لَبَنٍ هو الْعَارِيَّةُ وَمِنْحَةُ وَرِقٍ هو الْقَرْضُ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ خِلَافًا في صِحَّةِ إعَارَةِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ لِلتَّجَمُّلِ وَالزِّينَةِ. وقال في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا يَصِحُّ إعَارَةُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِلْوَزْنِ وَالتَّزْيِينِ. زَادَ في الرِّعَايَةِ لِتَزْيِينِ امْرَأَةٍ أو مَكَان. وقال في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ لو أَعَارَهُ شيئا وَشَرَطَ عليه الْعِوَضَ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا على وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وَيَكُونُ كِنَايَةً عن الْقَرْضِ فَيَمْلِكُ بِالْقَبْضِ إذَا كان مَكِيلًا أو مَوْزُونًا ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ وَالْقَاضِي في خِلَافِهِ. وقال أبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ في مَوْضِعٍ يَصِحُّ عِنْدَنَا شَرْطُ الْعِوَضِ في الْعَارِيَّةِ انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَفْسُدُ بِذَلِكَ. وَجَعَلَهُ أبو الْخَطَّابِ في مَوْضِعٍ آخَرَ الْمَذْهَبَ لِأَنَّ الْعِوَضَ يُخْرِجُهَا عن مَوْضُوعِهَا. قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلدَّفْنِ لم يَرْجِعْ حتى يَبْلَى الْمَيِّتُ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ حتى يَبْلَى وَيَصِيرَ رَمِيمًا. وقال ابن الْجَوْزِيِّ يُخْرِجُ عِظَامَهُ وَيَأْخُذُ أَرْضَهُ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَهُ حَائِطًا لِيَضَعَ عليه أَطْرَافَ خَشَبِهِ لم يَرْجِعْ ما دَامَ عليه. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ بِالرُّجُوعِ وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ. قَوْلُهُ فَإِنْ سَقَطَ عنه لِهَدْمٍ أو غَيْرِهِ لم يَمْلِكْ رَدَّهُ. هذا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ أُعِيدَ الْحَائِطُ بِآلَتِهِ الْأُولَى أو بِغَيْرِهَا جَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفُرُوعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ. قال الْحَارِثِيُّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي وابن عَقِيلٍ في آخَرِينَ من الْأَصْحَابِ. قال وقال الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ في بَابِ الصُّلْحِ له إعَادَتُهُ إلَى الْحَائِطِ. قال وهو الصَّحِيحُ اللَّائِقُ بِالْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْبَيْتَ مُسْتَمِرٌّ فَكَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مُسْتَمِرًّا. قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلزَّرْعِ لم يَرْجِعْ إلَى الْحَصَادِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُحْصَدُ قَصِيلًا فَيَحْصُدُهُ في وَقْتِ قَصْلِهِ عُرْفًا بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي حُكْمُ الْأُجْرَةِ من حِينِ رُجُوعِهِ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَهَا لِلْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَشَرَطَ عليه الْقَلْعَ في وَقْتٍ أو عِنْدَ رُجُوعِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَزِمَهُ الْقَلْعُ بِلَا نِزَاعٍ مَجَّانًا. وَقَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطٍ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَإِنْ شَرَطَ على الْمُسْتَعِيرِ الْقَلْعَ وَشَرَطَ عليه تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ لَزِمَهُ مع الْقَلْعِ تَسْوِيَتُهَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ شَرَطَ عليه الْقَلْعَ ولم يَشْرِطْ عليه تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ لم يَلْزَمْهُ تَسْوِيَتُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. قال في الْفُرُوعِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ. قال جَمَاعَةٌ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَالْحَالَةُ هذه. قال في الْقَوَاعِدِ إنْ شَرَطَ الْمُعِيرُ عليه قَلْعَهُ لَزِمَهُ ذلك وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ عليه الْقَلْعَ لم يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمُعِيرُ النَّقْصَ. وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ لَا يَضْمَنُ النَّقْصَ. قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. يَعْنِي إذَا قَلَعَهُ الْمُسْتَعِيرُ وَالْحَالَةُ ما تَقَدَّمَ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ ولم يَشْتَرِطْ عليه الْمُعِيرُ الْقَلْعَ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَجَزَمَ بِهِ فيه وفي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ في الْخُطْبَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ. قال في الْفُرُوعِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ قَالَهُ جَمَاعَةٌ كما تَقَدَّمَ. فَإِنْ قال ذلك بعد ما ذَكَرَ شَرْطَ الْقَلْعِ وَعَدَمَ شَرْطِهِ وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسَّبْعِينَ. وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ لَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ إلَّا مع الْإِطْلَاقِ. قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى الْقَلْعَ فَلِلْمُعِيرِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ. يَعْنِي إذَا أَبَى الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ في الْحَالِ التي لَا يُجْبَرُ فيها فَلِلْمُعِيرِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ مُهَنَّا وابن مَنْصُورٍ. وَكَذَا نَقَلَ عنه جَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ لَكِنْ قال في رِوَايَتِهِ يَتَمَسَّكُهُ بِالنَّفَقَةِ. قال الْحَارِثِيُّ وَلَا بُدَّ من رِضَى الْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وهو الصَّحِيحُ فَإِنْ أَبَى ذلك يَعْنِي الْمُعِيرُ من دَفْعِ الْقِيمَةِ وَأَرْشِ النَّقْصِ وَامْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ من الْقَلْعِ وَدَفْعِ الْأَجْرِ بَيْعًا لَهُمَا فَإِنْ أَبَيَا الْبَيْعَ تُرِكَ بِحَالِهِ. قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنْ أَبَيَاهُ بَقِيَ فيها مَجَّانًا في الْأَصَحِّ حتى يَتَّفِقَا. وَقُلْت بَلْ يَبِيعُهُمَا الْحَاكِمُ انْتَهَى. فَلَوْ أَبَى أَحَدُهُمَا فَهَلْ يُجْبَرُ على الْبَيْعِ مع صَاحِبِهِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ أُجْبِرَ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُجْبَرُ صَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَتَجْرِيدُ الْعِنَايَةِ وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ.
فائدة: يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْعُ مَالِهِ مُنْفَرِدًا لِمَنْ شَاءَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ لَا يَبِيعُ الْمُعِيرُ لِغَيْرِ الْمُسْتَعِيرِ. قَوْلُهُ ولم يذكر أَصْحَابُنَا عليه أُجْرَةً من حِينِ الرُّجُوعِ. يَعْنِي فِيمَا تَقَدَّمَ من الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ. وَذَكَرُوا عليه أُجْرَةً في الزَّرْعِ وَهَذَا مِثْلُهُ فَيَخْرُجُ فِيهِمَا وفي سَائِرِ الْمَسَائِلِ وَجْهَانِ. ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ عليه الْأُجْرَةَ في الزَّرْعِ من حِينِ الرُّجُوعِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَاخْتَارَ الْمَجْدُ في الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ له وَخَرَّجَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجْهًا. قال في الْقَوَاعِدِ وَيَشْهَدُ له ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ صَالِحٍ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَالْحَارِثِيُّ وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ. وَأَمَّا الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ وَالسَّفِينَةُ إذَا رَجَعَ وَهِيَ في لُجَّةِ الْبَحْرِ وَالْأَرْضُ إذَا أَعَارَهَا لِلدَّفْنِ وَرَجَعَ قبل أَنْ يَبْلَى الْمَيِّتُ وَالْحَائِطُ إذَا أَعَارَهُ لِوَضْعِ أَطْرَافِ الْخَشَبِ عليه وَرَجَعَ وَنَحْوُ ذلك فلم يذكر الْأَصْحَابُ أَنَّ عليه أُجْرَةً من حِينِ الرُّجُوعِ. وَخَرَجَ الْمُصَنِّفُ في ذلك كُلِّهِ من الْأُجْرَةِ في الزَّرْعِ وَجْهَيْنِ. وَجْهٌ بِعَدَمِ الْأُجْرَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَمَالَ الْحَارِثِيُّ إلَى عَدَمِ التَّخْرِيجِ وَأَبْدَى فَرْقًا. وَوَجْهٌ بِوُجُوبِهَا قِيَاسًا على ما ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ في الْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ في الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لَا غَيْرُ. وَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ في الْجَمِيعِ أَعْنِي وُجُوبَ الْأُجْرَةِ في الْجَمِيعِ. وَجَزَمَ في الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ بَعْدَ رُجُوعِهِ في مَسْأَلَةِ إعَارَةِ الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ وَالْحَائِطِ لِوَضْعِ الْخَشَبِ وَالسَّفِينَةِ. وَجَزَمَ في التَّبْصِرَةِ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ في مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ. اخْتَارَهُ أبو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ فِيمَا سِوَى الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ. قَوْلُهُ وَإِنْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إلَى أَرْضٍ فَنَبَتَ فيها فَهُوَ لِصَاحِبِهِ مُبْقًى إلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وهو الْمَذْهَبُ. وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ في الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَالْحَارِثِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَنَصَّ عليه. قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالسَّبْعِينَ لو حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَ إنْسَانٍ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ فيها فَهَلْ يَلْحَقُ بِزَرْعِ الْغَاصِبِ أو بِزَرْعِ الْمُسْتَعِيرِ أو الْمُسْتَأْجِرِ من بَعْدِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ على وَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ كَزَرْعِ الْمُسْتَعِيرِ وهو اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَابْنِهِ أبي الْحُسَيْنِ وابن عَقِيلٍ. وَذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالتَّلْخِيصِ. فَعَلَى هذا قال الْقَاضِي لَا أُجْرَةَ له وَاخْتَارَهُ ابن عقيل أَيْضًا ذَكَرَهُ في الْقَوَاعِدِ. وَقِيلَ له الْأُجْرَةُ وَذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ أَيْضًا عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَخْذَهُ بِقِيمَتِهِ. قال في الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَقِيلَ هو لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْبَذْرِ. وزاد في الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ بَلْ بِقِيمَتِهِ إذَنْ. زَادَ في الْكُبْرَى وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَزَرْعِ غَاصِبٍ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ الْقَوَاعِدِ. وَتَقَدَّمَ في آخِرِ الْمُسَاقَاةِ إذَا نَبَتَ السَّاقِطُ من الْحَصَادِ في عَامٍ قَابِلٍ أَنَّهُ يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ وَإِنْ حَمَلَ غَرْسَ رَجُلٍ فَنَبَتَ في أَرْضِ غَيْرِهِ فَهَلْ يَكُونُ كَغَرْسِ الشَّفِيعِ أو كَغَرْسِ الْغَاصِبِ على وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا يَكُونُ كَغَرْسِ الشَّفِيعِ على ما يَأْتِي في بَابِهِ وهو الْمَذْهَبُ. قال النَّاظِمُ هذا الْأَقْوَى وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. الْوَجْهُ الثَّانِي هو كَغَرْسِ الْغَاصِبِ على ما يَأْتِي في بَابِهِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ. وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت بَلْ كَغَرْسِ مُشْتَرِي شِقْصٍ له شُفْعَةٌ وَعَلَى كل حَالٍ يَلْزَمُ صَاحِبَ الْغَرْسِ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ.
تنبيه: قَوْلُهُ فَهَلْ يَكُونُ كَغَرْسِ الشَّفِيعِ فيه تَسَاهُلٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ فَهَلْ هو كَغَرْسِ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ الذي يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ وَلِهَذَا قال الْحَارِثِيُّ وهو سَهْوٌ وَقَعَ في الْكِتَابِ انْتَهَى. مع أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
فوائد: الْأُولَى وَكَذَا حُكْمُ النَّوَى وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ إذَا حَمَلَهُ السَّيْلُ فَنَبَتَ. الثَّانِيَةُ لو تَرَكَ صَاحِبُ الزَّرْعِ أو الشَّجَرِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الذي انْتَقَلَ إلَيْهِ من ذلك لم يَلْزَمْهُ نَقْلُهُ وَلَا أُجْرَةَ وَلَا غير ذلك. الثَّالِثَةُ لو حَمَلَ السَّيْلُ أَرْضًا بِشَجَرِهَا فَنَبَتَتْ في أَرْضٍ أُخْرَى كما كانت فَهِيَ لِمَالِكِهَا يُجْبَرُ على إزَالَتِهَا ذَكَرَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ.
فائدة: قَوْلُهُ وَحُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ في اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ. يَعْنِي أَنَّهُ كَالْمُسْتَأْجِرِ في اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ قام مَقَامَهُ وفي اسْتِيفَائِهَا بِعَيْنِهَا وما دُونَهَا في الضَّرَرِ من نَوْعِهَا إلَّا أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ في شَيْئَيْنِ. أَحَدُهُمَا لَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ وَلَا الْإِجَارَةَ على ما يَأْتِي. الثَّانِي الْإِعَارَةُ لَا يُشْتَرَطُ لها تَعْيِينُ نَوْعِ الِانْتِفَاعِ فَلَوْ أَعَارَهُ مُطْلَقًا مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِالْمَعْرُوفِ في كل ما هو مُهَيَّأٌ له كَالْأَرْضِ مَثَلًا هذا الصَّحِيحُ. وَفِيهِ وَجْهٌ أنها كَالْإِجَارَةِ في هذا ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. ذَكَرَ ذلك الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ وَالْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ بِقِيمَتِهَا يوم التَّلَفِ وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهَا. هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. قال الْحَارِثِيُّ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ على ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ وَإِنْ لم يَتَعَدَّ فيها كَثِيرٌ مُتَكَرِّرٌ جِدًّا من جَمَاعَاتٍ وَقَفَ على رِوَايَةِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ رَجُلًا وَذَكَرَهَا. قال في الْفُرُوعِ وَقَاسَ جَمَاعَةٌ هذه الْمَسْأَلَةَ على الْمَقْبُوضِ على وَجْهِ السَّوْمِ فَدَلَّ على رِوَايَةٍ مُخَرَّجَةٍ وهو مُتَّجَهٌ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ خِلَافًا لَا يَضْمَنُ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَه ابن الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الهدى. قَوْلُهُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ ذُكِرَ له ذلك فقال الْمُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ فَيَدُلُّ على نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ. فَهَذِهِ رِوَايَةٌ بِالضَّمَانِ إنْ لم يَشْرُطْ نَفْيُهُ وَجَزَمَ بها في التَّبْصِرَةِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ إنْ شَرَطَهُ وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَوْلُهُ وَكُلُّ ما كان أَمَانَةً لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ الْمُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ كما تَقَدَّمَ.
فائدة: لَا يَضْمَنُ الْوَقْفَ إذَا اسْتَعَارَهُ وَتَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ كَكُتُبِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهَا في ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ. وَعَلَى هذا لو اسْتَعَارَهُ بِرَهْنٍ ثُمَّ تَلِفَ أَنَّ الرَّهْنَ يَرْجِعُ إلَى رَبِّهِ. قُلْت فَيُعَايَى بها فِيهِمَا. قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَتْ أَجْزَاؤُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ كَخُمْلِ الْمِنْشَفَةِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. أَصْلُهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُ إذَا كان اسْتِعْمَالُهَا بِالْمَعْرُوفِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ. قال في الْفُرُوعِ لم يَضْمَنْ في الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَارِثِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَطَعَ بِهِ في التَّعْلِيقِ وَالْمُحَرَّرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَضْمَنُ وَكَلَامُهُ في الْوَجِيزِ مُحْتَمَلٌ وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لو تَلِفَتْ كُلُّهَا بِالِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ فَحُكْمُهَا كَذَلِكَ وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْمَذْهَبُ لو تَلِفَ وَلَدُ الْعَارِيَّةِ أو الزِّيَادَةُ. وفي ضَمَانِ وَلَدِ الْمُؤَجَّرَةِ والوديعة [الوديعة] الْوَجْهَانِ. وَتَقَدَّمَ في أَثْنَاءِ بَابِ الضَّمَانِ في أَوَاخِرِ الْمَقْبُوضِ على وَجْهِ السَّوْمِ حُكْمُ وَلَدِ الْجِنَايَةِ وَالضَّامِنَةِ وَالشَّاهِدَةِ وَالْمُوصَى بها. وَيَأْتِي حُكْمُ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ في بَابَيْهِمَا. الثَّانِيَةُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ بِأَنَّهُ ما تَعَدَّى بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يَضْمَنُ رَائِضٌ وَوَكِيلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعِيرٍ. قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَنَصَرَهُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ وَحَكَاهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ انْتَهَى. وَقِيلَ له ذلك. قال الشَّارِحُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ قَوْلًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي اللَّهُ عنه. وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وقال أَصْلُهُمَا هل هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ أَمْ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ فيه وَجْهَانِ. وَكَذَا هو ظَاهِرُ بَحْثِ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. قال الْحَارِثِيُّ أَصْلُ هذا ما قَدَّمْنَا من أَنَّ الْإِعَارَةَ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ. وقال عن الْوَجْهِ الثَّانِي يَتَفَرَّعُ على رِوَايَةِ اللُّزُومِ في الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ انْتَهَى. قُلْت قَطَعَ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ بِجَوَازِ إعَارَةِ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ الْمُؤَقَّتَةِ إذَا قِيلَ بِلُزُومِهَا وَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فيها انْتَهَى. قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا ليس مَبْنِيًّا فَإِنَّهُمْ قالوا هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ. وَقَالُوا ليس لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ. قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ وَذَكَرَ في الْمُنْتَخَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ. قال في التَّرْغِيبِ يَكْفِي ما دَلَّ على الرِّضَى من قَوْلٍ أو فِعْلٍ فَلَوْ سمع من يقول أَرَدْت من يُعِيرُنِي كَذَا فَأَعْطَاهُ كَفَى لِأَنَّهُ إبَاحَةُ عَقْدٍ انْتَهَى. وَقِيلَ له أَنْ يُعِيرَهَا إذَا وَقَّتَ له الْمُعِيرُ وَقْتًا وَإِلَّا فَلَا.
فائدتان: إحْدَاهُمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَأْذَنْ الْمُعِيرُ له فَأَمَّا إنْ أَذِنَ له فإنه يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وهو وَاضِحٌ. الثَّانِيَةُ ليس لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَجِّرَ ما اسْتَعَارَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعِيرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ له ذلك في الْإِعَارَةِ الْمُؤَقَّتَةِ. وَمَتَى قُلْنَا بِصِحَّتِهَا فإن الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَضْمَنُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ يَضْمَنُ. قُلْت فيعابى [فيعايى] بها. وَتَقَدَّمَ عَكْسُهَا في الْإِجَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِمِثْلِهِ وهو لو أَعَارَ الْمُسْتَأْجِرَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ من غَيْرِ تَعَدٍّ هل يَضْمَنُهَا. وَتَقَدَّمَ في بَابِ الرَّهْنِ جَوَازُ رَهْنِ الْمُعَارِ وَأَحْكَامُهُ فَلْيُعَاوَدْ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ سَهْمِ الْفَرَسِ الْمُسْتَعَارِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ.
فوائد: منها لو قال إنْسَانٌ لَا أَرْكَبُ الدَّابَّةَ إلَّا بِأُجْرَةٍ وقال رَبُّهَا لَا آخُذُ لها أُجْرَةً وَلَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا فَرَكِبَهَا وَتَلِفَتْ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْعَارِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال قُلْت إنْ قُدِّرَ إجَارَتُهَا فَهِيَ إجَارَةٌ مُهْدَرَةٌ وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا لو أَرْكَبَ دَابَّتَهُ مُنْقَطِعًا لِلَّهِ تَعَالَى فَتَلِفَتْ تَحْتَهُ لم يَضْمَنْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ يَضْمَنُ. وَمِنْهَا لو أَرْدَفَ الْمَالِكُ شَخْصًا فَتَلِفَتْ لم يَضْمَنْ شيئا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ يَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَمَالَ إلَيْهِ الْحَاوِي. قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْوَجِيزِ وابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ مُؤْنَةُ رَدِّهَا على الْمَالِكِ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ. قَوْلُهُ فَإِنْ رَدَّ الدَّابَّةَ إلَى اصطبل الْمَالِكِ أو غُلَامِهِ لم يَبْرَأْ من الضَّمَانِ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَتَيْنِ اخْتَارَ عَدَمَ الضَّمَانِ بِرَدِّهَا إلَى غُلَامِهِ. قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَرُدَّهَا إلَى من جَرَتْ عَادَتُهُ بِجَرَيَانِ ذلك على يَدِهِ كَالسَّائِسِ وَنَحْوِهِ. كَزَوْجَتِهِ وَالْخَازِنِ وَالْوَكِيلِ الْعَامِّ في قَبْضِ حُقُوقِهِ قَالَهُ في الْمُجَرَّدِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا إلَى من جَرَتْ عَادَتُهُ بِجَرَيَانِ ذلك على يَدِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم. وَعِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ لَا يَبْرَأُ بِدَفْعِهَا إلَى السَّائِسِ. فَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِدَفْعِهَا إلَى رَبِّهَا أو وَكِيلِهِ فَقَطْ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك في الْوَدِيعَةِ.
فائدة: لو سَلَّمَ شَرِيكٌ لِشَرِيكِهِ الدَّابَّةَ فَتَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ بِأَنْ سَاقَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ وَنَحْوَهُ لم يَضْمَنْ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ. قُلْت وهو الصَّوَابُ. قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ كَعَارِيَّةٍ إنْ كان عَارِيَّةً وَإِلَّا لم يَضْمَنْ. قُلْت قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ يُعْتَبَرُ لِقَبْضِ الْمُشَاعِ إذْنُ الشَّرِيكِ فيه فَيَكُونُ نِصْفُهُ مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا وَنِصْفُ الشَّرِيكِ أَمَانَةً. وقال في الْفُنُونِ بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ. وَيَأْتِي ذلك في قَبْضِ الْهِبَةِ. قَوْلُهُ وإذا اخْتَلَفَا فقال أَجَّرْتُك قال بَلْ أَعَرْتنِي إذَا كان الِاخْتِلَافُ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ بِلَا نِزَاعٍ وَالْحَالَةُ هذه فَلَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ. وَإِنْ كان بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِيمَا مَضَى من الْمُدَّةِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ. قال في الْفُرُوعِ وَبَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ في الْأَصَحِّ في. مَاضِيهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. قال الْحَارِثِيُّ هو قَوْلُ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ اخْتَارَهُ ابن عقيل في تَذْكِرَتِهِ. قال في الْمُسْتَوْعِبِ وهو مَحْمُولٌ على ما إذَا اخْتَلَفَا عَقِبَ قَبْضِ الْعَيْنِ وَقَبْلَ انْتِفَاعِ الْقَابِضِ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى. قال في التَّلْخِيصِ وَعِنْدِي أَنَّ كَلَامَهُ على ظَاهِرِهِ وَعَلَّلَهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَحْلِفُ على نَفْيِ الْإِعَارَةِ. وَهَلْ يَتَعَرَّضُ لِإِثْبَاتِ الْإِجَارَةِ. قال الْحَارِثِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ التَّعَرُّضُ. وقال في التَّلْخِيصِ لَا يَتَعَرَّضُ لِإِثْبَاتِ الْإِجَارَةِ وَلَا لِلْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ وَقَطَعَ بِهِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْحَقُّ. فَعَلَى هذا الْوَجْهِ يَجِبُ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ من الْمُسَمَّى أو أُجْرَةُ الْمِثْلِ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أو المدعي إنْ زَادَ عليها على وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْمُحَرَّرِ. أَحَدُهُمَا له أُجْرَةُ الْمِثْلِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي إنْ زَادَ على أُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَقِيلَ له الْأَقَلُّ من الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ اخْتَارَهُ في الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُنَّ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى مُطْلَقًا.
فائدتان: إحْدَاهُمَا وَكَذَا الْحُكْمُ لو ادَّعَى بَعْدَ زَرْعِ الْأَرْضِ أنها عَارِيَّةٌ وقال رَبُّ الْأَرْضِ بَلْ إجَارَةٌ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ. قُلْت وَكَذَا جَمِيعُ ما يَصْلُحُ لِلْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَإِنْ قال أَعَرْتُك قال بَلْ أَجَّرْتنِي وَالْبَهِيمَةُ تَالِفَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا مِثْلُهَا في الْحُكْمِ لو قال أَعَرْتنِي قال بَلْ أَوْدَعْتُك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ وَيَضْمَنُ ما انْتَفَعَ منها وَكَذَا لو اخْتَلَفَا في رَدِّهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. قَوْلُهُ وَإِنْ قال أَعَرْتنِي أو أَجَّرْتنِي قال بَلْ غَصَبْتنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. في أَنَّهُ ما أَجَّرَ وَلَا أَعَارَ بِلَا نِزَاعٍ ثُمَّ هُنَا صُورَتَانِ. إحْدَاهُمَا أَنْ يَقُولَ أَعَرْتنِي فيقول الْمَالِكُ بَلْ غَصَبْتنِي فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَالدَّابَّةُ بَاقِيَةٌ أَخَذَهَا الْمَالِكُ وَلَا مَعْنَى لِلِاخْتِلَافِ وَكَذَا إنْ كانت تَالِفَةً قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قال الْحَارِثِيُّ وَيَحْلِفُ على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ فَيَجِبُ عليه أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْقَوْلَ. قَوْلُ الْمَالِكِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحُوهُ. وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ قال أَجَّرْتنِي قال بَلْ غَصَبْتنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَصَحَّحُوهُ. وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ.
تنبيهانِ: أَحَدُهُمَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ في هذه الصُّورَةِ مع التَّلَفِ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ على الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِي لَا شَيْءَ على الرَّاكِبِ وَيَحْلِفُ وَيَبْرَأُ. وَمَعَ عَدَمِ التَّلَفِ يَرْجِعُ بِالْعَيْنِ في الْحَالِ مع الْيَمِينِ بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يَأْتِي الْوَجْهُ الْآخَرُ هُنَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَمَّا الْأُجْرَةُ فَمُتَّفِقَانِ عليها اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَفَاوَتَ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فَإِنْ كان أَجْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَكَذَلِكَ لو اسْتَوَيَا وَيَحْلِفُ على الصَّحِيحِ وَإِنْ كان الْأَجْرُ أَكْثَرَ حَلَفَ وَلَا بُدَّ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. الثَّانِي قَوْلُهُ وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ فيه تَجَوُّزٌ. قال الْحَارِثِيُّ وَلَيْسَ بِالْحَسَنِ وكان الْأَجْوَدُ أَنْ يَقُولَ الْقَابِضُ أو الرَّاكِبُ وَنَحْوُهُ إذْ قَبُولُ الْقَوْلِ يُنَافِي كَوْنَهُ غَاصِبًا انْتَهَى.
فائدة: لو قال الْمَالِكُ أَعَرْتُك قال بَلْ أَوْدَعْتنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ وَيَسْتَحِقُّ قِيمَةَ الْعَيْنِ إنْ كانت تَالِفَةً. وَلَوْ قال الْمَالِكُ أَوْدَعْتُك قال بَلْ أَعَرْتنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ أَيْضًا وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ ما انْتَفَعَ بها فَهُوَ كما لو قال غَصَبْتنِي ذَكَرَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ.
|