الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***
الصَّحِيحُ أَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ سَنَةَ تِسْعٍ من الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ عَشْرٍ وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ. قَوْلُهُ يَجِبُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ في الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وُجُوبُ الْحَجِّ في الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً إجْمَاعٌ وَالْعُمْرَةُ إذَا قُلْنَا تَجِبُ فَمَرَّةً وَاحِدَةً بِلَا خِلَافٍ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها تَجِبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ في الْعُمْدَةِ وَالْكَافِي قال الْمَجْدُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وَالْعُمْرَةُ فَرْضٌ كَالْحَجِّ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قال الزَّرْكَشِيُّ جَزَمَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ أنها سُنَّةٌ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. فَعَلَيْهَا يَجِبُ إتْمَامُهَا إذَا شَرَعَ فيها وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ. وَعَنْهُ تَجِبُ على الْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَالْأَثْرَمِ وَالْمَيْمُونِيِّ وَبَكْرِ بن مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عليها نُصُوصُهُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفَائِقِ. قَوْلُهُ بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ فَلَا يَجِبُ على كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا. إنْ كان الْكَافِرُ أَصْلِيًّا لم يَجِبْ عليه إجْمَاعًا وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعَاقَبُ عليه وَعَلَى سَائِرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ كَالتَّوْحِيدِ إجْمَاعًا وَعَنْهُ لَا يُعَاقَبُ عليه وَعَنْهُ يُعَاقَبُ على النَّوَاهِي لَا الْأَوَامِرِ وَتَقَدَّمَ ذلك في أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.
تنبيه: شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمُرْتَدَّ وهو كَذَلِكَ لَكِنْ هل يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَتِهِ في حَالِ رِدَّتِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَقْضِي ما فَاتَهُ من صَلَاةٍ وَصَوْمٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا وَلَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ بِرِدَّتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ تَبْطُلُ وَلَا يَجِبُ عليه الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَتِهِ في حَالِ رِدَّتِهِ فَقَطْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَجِبُ. وَإِنْ حَجَّ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وهو مُسْتَطِيعٌ لم يَلْزَمْهُ حَجٌّ ثَانٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ جَزَمَ بِهِ في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وابن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ في كِتَابِ الْحَجِّ وَالْإِفَادَاتِ. قال أبو الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ يَبْطُلُ الْحَجُّ بِالرِّدَّةِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ في كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَتَقَدَّمَ ذلك كُلُّهُ مُسْتَوْفًى في كِتَابِ الصَّلَاةِ فَلْيُرَاجَعْ.
فوائد: الْأُولَى لَا يَصِحُّ الْحَجُّ من الْكَافِرِ وَيَبْطُلُ إحْرَامُهُ وَيَخْرُجُ منه بِرِدَّتِهِ فيه. الثَّانِيَةُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ على الْمَجْنُونِ إجْمَاعًا لَكِنْ لَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ بِجُنُونِهِ وَلَا يَصِحُّ الْحَجُّ منه إنْ عَقَدَهُ بِنَفْسِهِ إجْمَاعًا وَكَذَا إنْ عَقَدَهُ له الْوَلِيُّ اقْتِصَارًا على النَّصِّ في الطِّفْلِ وَقِيلَ يَصِحُّ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ. الثَّالِثَةُ هل يَبْطُلُ إحْرَامُهُ بِالْجُنُونِ لِأَنَّهُ لم يَبْقَ من أَهْلِ الْعِبَادَاتِ أَمْ لَا يَبْطُلُ كَالْمَوْتِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وابن عَقِيلٍ. أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ. قُلْت وهو قِيَاسُ الصَّوْمِ إذَا أَفَاقَ جُزْءًا من الْيَوْمِ وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ الصِّحَّةُ وهو قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. فَعَلَيْهِ حُكْمُهُ حُكْمُ من أُغْمِيَ عليه. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَبْطُلُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وهو قِيَاسُ قَوْلِ الْمَجْدِ في الصَّوْمِ. الرَّابِعَةُ لَا يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْإِغْمَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وهو الْمَعْرُوفُ وَقِيلَ يَبْطُلُ. وَأَطْلَقَ ابن عقيل وَجْهَيْنِ في بُطْلَانِهِ بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ. الْخَامِسَةُ لَا يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالسُّكْرِ قَوْلًا وَاحِدًا وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ الْبُطْلَانَ من الْوَجْهِ الذي ذَكَرَه ابن عقيل في الْإِغْمَاءِ.
فائدة: قَوْلُهُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فَلَا يَجِبُ على صَبِيٍّ وَلَا عَبْدٍ. بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ مَالَ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ إلَى الْوُجُوبِ على الْعَبْدِ إذَا قُلْنَا يَمْلِكُ وفي يَدِهِ مَالٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ وَكَذَا إذَا لم يَحْتَجْ إلَى رَاحِلَةٍ لِكَوْنِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَيُمْكِنُهُ الْمَشْيُ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ. قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ وَيَعْتِقَ في الْحَجِّ قبل الْخُرُوجِ من عَرَفَةَ وفي الْعُمْرَةِ قبل طَوَافِهَا. هذا الْمَذْهَبُ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُمَا.
فائدة: لو سَعَى أَحَدُهُمَا قبل الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقُلْنَا السَّعْيُ رُكْنٌ فَهَلْ يُجْزِئُهُ هذا السَّعْيُ أَمْ لَا فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفُرُوعُ. أَحَدُهُمَا يُجْزِئُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وأبو الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ وهو الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وقال هو الْأَشْبَهُ بِتَعْلِيلِ أَحْمَدَ الْإِجْزَاءَ بِاجْتِمَاعِ الْأَرْكَانِ حَالَ الْكَمَالِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ. وقال هو قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَه ابن عقيل وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ. فَعَلَى الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ إعَادَةُ السَّعْيِ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ بِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ مُجَاوَزَةُ عَدَدِهِ وَلَا تَكْرَارُهُ وَاسْتِدَامَةُ الْوُقُوفِ مَشْرُوعٌ وَلَا قَدْرَ له مَحْدُودٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ يُجْزِئُهُ إعَادَتُهُ قال في التَّرْغِيبِ يُعِيدُهُ على الْأَصَحِّ قال في التَّلْخِيصِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ علي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا حَيْثُ قُلْنَا بالأجزاء فَلَا دَمَ عَلَيْهِمَا لِنَقْضِهِمَا في ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ كَاسْتِمْرَارِهِ. الثَّانِيَةُ حُكْمُ الْكَافِرِ يُسْلِمُ وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ حُكْمُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ فِيمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ وَيُحْرِمُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وقال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ فَعَلَى الثَّانِي يُحَلِّلُهُ الْوَلِيُّ إذَا كان فيه ضَرَرٌ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ ليس له تَحْلِيلُهُ.
تنبيه: ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُحْرِمُ عنه وَلِيُّهُ. أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ عنه غَيْرُ الْوَلِيِّ وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَقِيلَ يَصِحُّ من الْأُمِّ أَيْضًا وهو ظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم ابن عقيل وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَإِلَيْهِ مَيْلُ أبي مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةَ في الْعَصَبَةِ وَالْأُمِّ قال في الْفَائِقِ وَكَذَا الْأُمُّ وَالْعَصَبَةُ سَوَاءٌ على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قال في الرِّعَايَةِ يَصِحُّ في الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِه ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ وَأَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا الْعَصَبَةَ غير الْوَلِيِّ بِالْأُمِّ وقال في الْحَاوِيَيْنِ وفي أُمِّهِ وَعَصَبَتِهِ غَيْرِ وَلِيِّهِ وَجْهَانِ.
فائدة: الْوَلِيُّ هُنَا من يَلِي ماله فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ عنه وَلَوْ كان مُحْرِمًا وَلَوْ كان لم يَحُجَّ عن نَفْسِهِ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِحْرَامِ عنه عَقْدُهُ له.
تنبيه: ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَفْعَلُ عنه ما يَعْجِزُ عن عَمَلِهِ. أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ما لَا يَعْجِزُ عنه وهو صَحِيحٌ فَيَفْعَلُ الصَّغِيرُ كُلَّ ما يَقْدِرُ عليه كَالْوُقُوفِ وَالْمَبِيتِ وَسَوَاءٌ أَحَضَرَهُ الْوَلِيُّ أو غَيْرُهُ وما يَعْجِزُ عنه يَفْعَلُهُ الْوَلِيُّ كما قال الْمُصَنِّفُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يرمى عنه إلَّا من رَمَى عن نَفْسِهِ كَالنِّيَابَةِ في الْحَجِّ فَإِنْ قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ قُلْنَا لَا يُجْزِئُ هُنَاكَ وَقَعَ عن نَفْسِهِ هُنَا إنْ كان مُحْرِمًا بِفَرْضِهِ وَإِنْ كان حَلَالًا لم يُعْتَدَّ بِهِ وَإِنْ قُلْنَا يَقَعُ الْإِحْرَامُ بَاطِلًا فَكَذَا الرَّمْيُ هُنَا وَإِنْ أَمْكَنَ الصَّبِيَّ أَنْ يُنَاوِلَ النَّائِبَ الْحَصَاةَ نَاوَلَهُ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ تُوضَعَ الْحَصَاةُ في كَفِّهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ منه فيرمى عنه فَإِنْ وَضَعَهَا النَّائِبُ في يَدِهِ وَرَمَى بها فَجَعَلَ يَدَهُ كَالْآلَةِ فَحَسَنٌ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَطُوفَ فَعَلَهُ فَإِنْ لم يُمْكِنْهُ طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا أو رَاكِبًا وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ من الطَّائِفِ بِهِ وَكَوْنُهُ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ له الْإِحْرَامَ. فَإِنْ نَوَى الطَّوَافَ عن نَفْسِهِ وَعَنْ الصَّبِيِّ وَقَعَ عن الصَّبِيِّ كَالْكَبِيرِ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولًا لِعُذْرٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَطُوفَ عنه الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ وَسَوَاءٌ كان طَافَ عن نَفْسِهِ أو لَا وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ في ذلك كُلِّهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا لَا يُجْزِئُ عن الصَّبِيِّ كَالرَّمْيِ عن الْغَيْرِ فَعَلَى هذا يَقَعُ عن الْحَامِلِ لِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا شَرْطٌ فَهِيَ كَجُزْءٍ منه شَرْعًا. وَقِيلَ يَقَعُ هُنَا عن نَفْسِهِ كما لو نَوَى الْحَجَّ عن نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ وَالْمَحْمُولُ الْمَعْذُورُ وُجِدَتْ النِّيَّةُ منه وهو أَهْلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَلْغُوَ نِيَّتُهُ هُنَا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ لِكَوْنِ الطَّوَافِ لَا يَقَعُ عن غَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَقَوْلُهُ وَنَفَقَةُ الْحَجِّ في مَالِ وَلِيِّهِ. هذا الْمَذْهَبُ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في بَعْضِ كُتُبِهِ وأبو الْخَطَّابِ وأبو الْوَفَاءِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ هذا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ قال ابن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وهو أَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال إجْمَاعًا. وَعَنْهُ في مَالِهِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْقَاضِي في خِلَافِهِ قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْكَافِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ.
تنبيه: مَحَلُّ الْخِلَافِ يَخْتَصُّ فِيمَا يَزِيدُ على نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَبِمَا إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ لِلْحَجِّ بِهِ تَمْرِينًا على الطَّاعَةِ زَادَ الْمَجْدُ وَمَالُهُ كَثِيرٌ يَحْمِلُ ذلك وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالْحَاوِي. وَغَيْرُهُمْ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَنَفَقَةُ الْحَجِّ وَقِيلَ الزَّائِدَةُ على نَفَقَةِ حَضَرِهِ وَكَفَّارَتِهِ وَدِمَاؤُهُ تَلْزَمُهُ في مَالِهِ انْتَهَى. وقال الْمَجْدُ أَمَّا سَفَرُ الصَّبِيِّ معه لِتِجَارَةٍ أو خِدْمَةٍ أو إلَى مَكَّةَ لِيَسْتَوْطِنَهَا أو لِيُقِيمَ بها لِعِلْمٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا يُبَاحُ له السَّفَرُ بِهِ في وَقْتِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَمَعَ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِهِ فَلَا نَفَقَةَ على الْوَلِيِّ رِوَايَةً وَاحِدَةً بَلْ على الْجِهَةِ الْوَاجِبَةِ فيها بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِحْرَامِ انْتَهَى. وَتَابَعَهُ في الْفُرُوعِ وقال يُؤْخَذُ هذا من كَلَامِ غَيْرِهِ من التَّصَرُّفِ لِمَصْلَحَتِهِ. قَوْلُهُ وكفارته [كفارته] في مَالِ وَلِيِّهِ. وهو الْمَذْهَبُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ. قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ يَلْزَمُ ذلك الْوَلِيَّ في أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَشَرْح ابن رَزِينٍ فقال وما لَزِمَهُ من الْفِدْيَةِ فَعَلَى وَلِيِّهِ إجْمَاعًا ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ قال ابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ نَفَقَةُ الْحَجِّ وَمُتَعَلِّقَاتُهُ الْمُجْحِفَةُ بِالصَّبِيِّ تَلْزَمُ الْمُحْرِمَ بِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَكُونُ في مَالِ الصَّبِيِّ قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ.
تنبيه: مَحَلُّ الْخِلَافِ في وُجُوبِ الْكَفَّارَاتِ فِيمَا يَفْعَلُهُ الصَّبِيُّ فِيمَا إذَا كان يَلْزَمُ الْبَالِغَ كَفَّارَتُهُ مع الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أو فَعَلَهُ بِهِ الْوَلِيُّ لِمَصْلَحَتِهِ كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ لِبَرْدٍ أو تَطْبِيبِهِ لِمَرَضٍ. فَأَمَّا إنْ فَعَلَهُ الْوَلِيُّ لَا لِعُذْرٍ فَكَفَّارَتُهُ عليه كَمَنْ حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَأَمَّا ما لَا يَلْزَمُ الْبَالِغَ فيه كَفَّارَةٌ مع الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ كَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ في. الْأَشْهَرِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ في رِوَايَةٍ وَالْوَطْءِ وَالتَّقْلِيمِ على تَخْرِيجٍ فَلَا كَفَّارَةَ فيه إذَا فَعَلَهُ الصَّبِيُّ لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ على الْوَلِيِّ بِسَبَبِ الصَّبِيِّ وَدَخَلَهَا الصَّوْمُ صَامَ عنه لِوُجُوبِهَا عليه ابْتِدَاءً. الثَّانِيَةُ وَطْءُ الصَّبِيِّ كَوَطْءِ الْبَالِغِ نَاسِيًا يَمْضِي في فَاسِدِهِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ احْتِمَالًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ وَقِيلَ يَصِحُّ قبل بُلُوغِهِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ. وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْمَذْهَبُ إذَا تَحَلَّلَ الصَّبِيُّ من إحْرَامِهِ لِفَوَاتٍ أو إحْصَارٍ لَكِنْ إذَا أَرَادَ الْقَضَاءَ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَزِمَهُ أَنْ يُقَدِّمَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ على الْمَقْضِيَّةِ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ فَهُوَ كَالْبَالِغِ يُحْرِمُ قبل الْفَرْضِ بِغَيْرِهِ على ما يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ وَمَتَى بَلَغَ في الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ في حَالٍ يُجْزِئُهُ عن حَجَّةِ الْفَرْضِ لو كانت صَحِيحَةً فإنه يَمْضِي فيها ثُمَّ يَقْضِيهَا وَيُجْزِئُهُ ذلك عن حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ كما يَأْتِي نَظِيرُهُ في الْعَبْدِ قَرِيبًا. قُلْت فَيُعَايَى بها. وَيَأْتِي حُكْمُ حَصْرِ الصَّبِيِّ أَيْضًا في بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ. قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْإِحْرَامُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ من غَيْرِ إذْنِهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وقال ابن عَقِيلٍ يَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ إحْرَامِهِ بِغَصْبِهِ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ قد حَجَّ في بُدْنِ غَصْبٍ فَهُوَ آكَدُ من الْحَجِّ بِمَالِ. غَصْبٍ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ ليس بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ قال فَيَكُونُ هذا الْمَذْهَبَ وَنَصَرَهُ وَسَبَقَ مِثْلُهُ في الِاعْتِكَافِ عن جَمَاعَةٍ. قال وَدَلَّ اعْتِبَارُ الْمَسْأَلَةِ بِالْغَصْبِ على تَخْرِيجِ رِوَايَةٍ إنْ أُجِيزَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى. قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَا فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا. يَعْنِي الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ فذكر الْمُصَنِّفُ هُنَا حُكْمَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ. أَمَّا حُكْمُ الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِوَاجِبٍ كَالنَّذْرِ أو بِتَطَوُّعٍ فَإِنْ كان بِوَاجِبٍ فَتَارَةً يُحْرِمُ بِإِذْنِهِ وَتَارَةً يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ كان بِتَطَوُّعٍ فَتَارَةً أَيْضًا يُحْرِمُ بِإِذْنِهِ وَتَارَةً يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَإِنْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ إذَا قُلْنَا يَصِحُّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ كما هو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وابن منجا في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَه ابن حامد وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَه ابن رزين وابن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى ليس له تَحْلِيلُهُ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ هذا الْأَشْهَرُ وهو منها وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ. وَذَكَرَ ابن عقيل قَوْلَ أَحْمَدَ لَا يُعْجِبُنِي مَنْعُ السَّيِّدِ عَبْدَهُ من الْمُضِيِّ في الْإِحْرَامِ زَمَنَ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وقال إنْ لم يَخْرُجْ منه وُجُوبُ النَّوَافِلِ بِالشُّرُوعِ كان بَلَاهَةً وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْفُرُوعِ. فَإِنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ بِإِذْنِهِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له تَحْلِيلُهُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَعَنْهُ له تَحْلِيلُهُ.
فائدة: لو بَاعَهُ سَيِّدُهُ وهو مُحْرِمٌ فَمُشْتَرِيهِ كَبَائِعِهِ في تَحْلِيلِهِ وَعَدَمِهِ وَلَهُ الْفَسْخُ إنْ لم يَعْلَمْ إلَّا أَنْ يَمْلِكَ بَائِعُهُ تَحْلِيلَهُ فَيُحَلِّلُهُ. وَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ بِرُجُوعِ السَّيِّدِ عن إذْنِهِ فَهُوَ كما لو لم يَأْذَنْ وَإِنْ لم يَعْلَمْ فَفِيهِ الْخِلَافُ في عَزْلِ الْوَكِيلِ قبل عِلْمِهِ على ما يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في بَابِ الْوَكَالَةِ. وَأَمَّا إنْ كان إحْرَامُهُ بِوَاجِبٍ مِثْلُ إنْ نَذَرَ الْحَجَّ فإنه يَلْزَمُهُ قال الْمَجْدُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا. وَهَلْ لِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ بِإِذْنِهِ أو بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ كان بِإِذْنِهِ لم يَجُزْ له تَحْلِيلُهُ وَإِنْ كان بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهَلْ له مَنْعُهُ أَمْ لَا لِوُجُوبِهِ عليه كَوَاجِبِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ. إحْدَاهُمَا له مَنْعُهُ منه وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَه ابن حامد وَالْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ. قُلْت وهو الصَّوَابُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ليس له مَنْعُهُ منه وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنْ كان النَّذْرُ مُعَيَّنًا بِوَقْتٍ لم يَمْلِكْ مَنْعَهُ منه لِأَنَّهُ قد لَزِمَهُ على الْفَوْرِ وَإِنْ كان مُطْلَقًا فَلَهُ مَنْعُهُ منه قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على خِلَافِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ.
فوائد: لو أَفْسَدَ الْعَبْدُ حجة بِالْوَطْءِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فيه وَالْقَضَاءُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْقَضَاءِ في حَالِ الرِّقِّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ ليس لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ منه وَإِنْ كان شُرُوعُهُ فِيمَا أَفْسَدَهُ بِإِذْنِهِ هذا الصَّحِيحُ وَقِيلَ له مَنْعُهُ حَكَاهُ الْقَاضِي في شَرْحِ الْمُذْهَبِ نَقَلَهُ عنه ابن رجب. وإذا لم يَكُنْ بِإِذْنِهِ فَفِي مَنْعِهِ من الْقَضَاءِ وَجْهَانِ كَالْمَنْذُورِ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. قُلْت الْأَوْلَى جَوَازُ الْمَنْعِ ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ الْفُرُوعِ قَدَّمَ ذلك في بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ في أَحْكَامِ الْعَبْدِ. وَأَيْضًا فإنه قال كَالْمَنْذُورِ وَالْمَذْهَبُ له مَنْعُهُ من الْمَنْذُورِ كما تَقَدَّمَ. وَهَلْ يَلْزَمُ الْعَبْدَ الْقَضَاءُ لِفَوَاتٍ أو إحْصَارٍ فيه الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ في الْحُرِّ الصَّغِيرِ. وَإِنْ عَتَقَ قبل أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَزِمَهُ من ذلك لَزِمَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ خَالَفَ فَحُكْمُهُ كَالْحُرِّ على ما تَقَدَّمَ يَبْدَأُ بِنَذْرٍ أو غَيْرِهِ قبل حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَإِنْ عَتَقَ في الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ في حَالٍ يُجْزِئُهُ عن حَجَّةِ الْفَرْضِ لو كانت صَحِيحَةً فإنه يَمْضِي فيها وَيُجْزِئُهُ ذلك عن حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال ابن عَقِيلٍ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ انْتَهَى. وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ جِنَايَةٍ كَحُرٍّ مُعْسِرٍ. وَإِنْ تَحَلَّلَا لِحَصْرٍ أو حَلَّلَهُ سَيِّدُهُ لم يَتَحَلَّلْ قبل الصَّوْمِ وَلَيْسَ له مَنْعُهُ نَصَّ عليه وَقِيلَ في إذْنِهِ فيه وفي صَوْمٍ آخَرَ في إحْرَامٍ بِلَا إذْنِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ وَوَجَدَ الْهَدْيَ لَزِمَهُ وَيَأْتِي هذا وَغَيْرُهُ في آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مُسْتَوْفًى. وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ ولم يَصُمْ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عنه ذَكَرَهُ في الْفُصُولِ وَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ صَامَ وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ أو أَقْرَنَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ على سَيِّدِهِ إنْ أَذِنَ فيه انْتَهَى وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَهَدْيُ تَمَتُّعِ الْعَبْدِ وَقِرَانِهِ عليه وَقِيلَ على سَيِّدِهِ إنْ أَذِنَهُ فِيهِمَا وَقِيلَ ما لَزِمَهُ من دَمٍ فَعَلَى سَيِّدِهِ إنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا صَامَ قال في الْكُبْرَى قُلْت بَلْ يَلْزَمُهُ وَحْدَهُ. وَيَأْتِي حُكْمُ حَصْرِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ في بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ أَيْضًا هذا حُكْمُ الْعَبْدِ وَتَقَدَّمَ أَحْكَامُ حَجِّ الْمُكَاتَبِ في أَوَّلِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ. واما أَحْكَامُ الْمَرْأَةِ فإذا أَحْرَمَتْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِوَاجِبٍ أو تَطَوُّعٍ فَإِنْ كان بِوَاجِبٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِنَذْرٍ أو بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كان بِتَطَوُّعٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِهِ أو بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَإِنْ كان بِتَطَوُّعٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ له تَحْلِيلَهَا وهو الْمَذْهَبُ. وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وقال هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وابن حَامِدٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَجَزَمَ بِه ابن منجا في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ أبو الْحُسَيْنِ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ هذا الْأَشْهَرُ . قال الزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ أَشْهَرُهُمَا وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ذَكَرُوهُ في بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيُّ. وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِنَفْلٍ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ له تَحْلِيلُهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَلَهُ الرُّجُوعُ ما لم يُحْرِمْ. وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِنَذْرٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ قُلْنَا في إحْرَامِهَا بِالتَّطَوُّعِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا فَهُنَا بِطَرِيقِ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا هُنَاكَ فَهَلْ يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا هُنَا فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْقَوَاعِدِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ. قُلْت وهو الصَّوَابُ. وَالثَّانِيَةُ ليس له تَحْلِيلُهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِه ابن رزين في شَرْحِهِ قال في الْمُغْنِي في مَكَان وَلَيْسَ له مَنْعُهَا من الْحَجِّ الْمَنْذُورِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخَانِ. وَقِيلَ له تَحْلِيلُهَا إنْ كان النَّذْرُ غير مُعَيَّنٍ وَإِنْ كان مُعَيَّنًا لم يَمْلِكْهُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِنَذْرٍ بِإِذْنِهِ لم يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا قَوْلًا وَاحِدًا.
فائدة: حَيْثُ جَازَ له تَحْلِيلُهَا فَحَلَّلَهَا فلم نقبل [تقبل] أَثِمَتْ وَلَهُ مُبَاشَرَتُهَا. قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ من حَجِّ الْفَرْضِ وَلَا تَحْلِيلُهَا إنْ أَحْرَمَتْ بِهِ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اسْتَكْمَلَتْ الْمَرْأَةُ شُرُوطَ الْحَجِّ وَأَرَادَتْ الْحَجَّ لم يَكُنْ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا منه وَلَا تَحْلِيلُهَا إنْ أَحْرَمَتْ بِهِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً وَعَنْهُ له تَحْلِيلُهَا قال في التَّلْخِيصِ وَقِيلَ فيه رِوَايَتَانِ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ منه مَنْعُهَا قال وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَحْرَمَتْ قبل الْمِيقَاتِ. واما إذَا لم تَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ الْحَجِّ فَلَهُ مَنْعُهَا من الْخُرُوجِ له وَالْإِحْرَامِ بِهِ فَلَوْ خَالَفَتْ وَأَحْرَمَتْ وَالْحَالَةُ هذه لم يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَمْلِكُهُ وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ.
فوائد: الْأُولَى حَيْثُ قُلْنَا ليس له مَنْعُهَا فَيُسْتَحَبُّ لها أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ وَنَقَلَ صَالِحٌ ليس له مَنْعُهَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَخْرُجَ حتى تَسْتَأْذِنَهُ. وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ إنْ كان غَائِبًا كَتَبَتْ إلَيْهِ فَإِنْ أَذِنَ وَإِلَّا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ. وقال ابن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ نَصَّ أَحْمَدُ في رِوَايَةِ صَالِحٍ على أنها لَا تَحُجُّ إلَّا بِإِذْنِهِ وَأَنَّهُ ليس له مَنْعُهَا قال فَعَلَى هذا يُجْبَرُ على الْإِذْنِ لها. الثَّانِيَةُ لو أَحْرَمَتْ بِوَاجِبٍ فَحَلَفَ زَوْجُهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أنها لَا تَحُجُّ الْعَامَ لم يَجُزْ أَنْ تَحِلَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَقَل ابن مَنْصُورٍ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ وَاخْتَارَه ابن أبي مُوسَى كما لو مَنَعَهَا عَدُوٌّ من الْحَجِّ إلَّا أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهَا. وَنَقَلَ مُهَنَّا وَسُئِلَ عن الْمَسْأَلَةِ فقال قال عَطَاءٌ الطَّلَاقُ هَلَاكٌ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ. وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا بِمَنْعِ الْإِحْرَامِ وقال هو أَظْهَرُ وَأَقْيَسُ ذَكَرَهُ في أَوَّلِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ. وَسَأَلَه ابن إبْرَاهِيمَ عن عَبْدٍ قال إذَا دخل أَوَّلُ يَوْمٍ من رَمَضَانَ فامراته طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لم يُحْرِمْ أَوَّلَ يَوْمٍ من رَمَضَانَ قال يُحْرِمُ وَلَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ إذَا عَلِمَ منه رُشْدًا. فَجَوَّزَ أَحْمَدُ إسْقَاطَ حَقِّ السَّيِّدِ لِضَرَرِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مع تَأَكُّدِ حَقِّ الْآدَمِيِّ. وَرَوَى عبد اللَّهِ عنه لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَمْنَعَهُ قال في الِانْتِصَارِ فَاسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ. الثَّالِثَةُ ليس لِلْوَالِدِ مَنْعُ وَلَدِهِ من حَجٍّ وَاجِبٍ وَلَا تَحْلِيلُهُ منه وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ طَاعَتُهُ فيه وَلَهُ مَنْعُهُ من التَّطَوُّعِ كَالْجِهَادِ لَكِنْ ليس له تَحْلِيلُهُ إذَا أَحْرَمَ لِلُزُومِهِ بِشُرُوعِهِ. وَيَلْزَمُهُ طَاعَةُ وَالِدَيْهِ في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَيَحْرُمُ طَاعَتُهُمَا فيها. وَلَوْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ أَخَّرَهَا نَصَّ على ذلك كُلِّهِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَا فَاسِقَيْنِ وهو ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا فِيمَا فيه نَفْعٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عليه فَإِنْ شَقَّ عليه ولم يَضُرَّهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى. وَظَاهِرُ رِوَايَةِ أبي الْحَارِثِ وَجَعْفَرٍ لَا طَاعَةَ لَهُمَا إلَّا في الْبِرِّ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ لَا طَاعَةَ في مَكْرُوهٍ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ لَا طَاعَةَ لَهُمَا في تَرْكِ مُسْتَحَبٍّ وقال الْمَجْدُ وَتَبِعَه ابن تميم وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ له مَنْعُ وَلَدِهِ من سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ وقال أَحْمَدُ فِيمَنْ يَتَأَخَّرُ عن الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِأَجْلِ أبيه لَا يُعْجِبُنِي هو يَقْدِرُ يَبَرُّ أَبَاهُ بِغَيْرِ هذا. وقال في الْغُنْيَةِ يَجُوزُ تَرْكُ النَّوَافِلِ لِطَاعَتِهِمَا بَلْ الْأَفْضَلُ طَاعَتُهُمَا. وَيَأْتِي فِيمَنْ يَأْمُرُهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ بِالطَّلَاقِ في كِتَابِ الطَّلَاقِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ في أَمْرِهِ بِنِكَاحِ مُعَيَّنَةٍ. الرَّابِعَةُ ليس لِوَلِيِّ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ مَنْعُهُ من حَجِّ الْفَرْضِ وَلَكِنْ يَدْفَعُ نَفَقَتَهُ إلَى ثِقَةٍ لِيُنْفِقَ عليه في الطَّرِيقِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَزَادَتْ نَفَقَتُهُ على نَفَقَةِ الْحَجِّ ولم يَكْتَسِبْ الزَّائِدَ فَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ وَصَحَّحَ في النَّظْمِ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ ذَكَرَهُ في أَوَاخِرِ الْحَجْرِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَلَهُ في الْأَصَحِّ مَنْعُهُ منه وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ وَإِلَّا فَلَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ فَإِنْ مَنَعَهُ فَأَحْرَمَ فَهُوَ كَمَنْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ. قَوْلُهُ الْخَامِسُ الِاسْتِطَاعَةُ وهو أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً. هذا الْمَذْهَبُ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَصَّ عليه وَاعْتَبَرَ ابن الجوزي في كَشْفِ الْمُشْكِلِ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ في حَقِّ من يَحْتَاجُهُمَا فَأَمَّا من أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ عبد الْحَلِيمِ وَلَدُ الْمَجْدِ وَوَالِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ في الْقُدْرَةِ بِالتَّكَسُّبِ وقال هذا ظَاهِرٌ على أَصْلِنَا فإن عِنْدَنَا يُجْبَرُ الْمُفْلِسُ على الْكَسْبِ وَلَا يُجْبَرُ على الْمَسْأَلَةِ قال وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ الْحَجِّ عليه إذَا كان قَادِرًا على الْكَسْبِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ كان مُتَوَجِّهًا على أَصْلِنَا وقال الْقَاضِي ما قَالَهُ في كَشْفِ الْمُشْكِلِ وزاد فقال تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ على تَحْصِيلِهِ بِصَنْعَةٍ أو مَسْأَلَةٍ إذَا كانت عَادَتَهُ انْتَهَى. وَقِيلَ من قَدَرَ أَنْ يَمْشِيَ من مَكَّةَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ فَيَدْخُلُ في الْآيَةِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَحَبُّ الْحَجُّ لِمَنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ وَيُكْرَهُ لِمَنْ له حِرْفَةٌ الْمَسْأَلَةُ قال أَحْمَدُ لَا أُحِبُّ له ذلك. وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في قَوْلِ أَحْمَدَ لَا أُحِبُّ كَذَا هل هو لِلتَّحْرِيمِ أو الْكَرَاهَةِ على وَجْهَيْنِ على ما يَأْتِي في آخِرِ الْكِتَابِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يُشْتَرَطُ الزَّادُ سَوَاءٌ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أو بَعُدَتْ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَلِهَذَا قال ابن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ الْحَجُّ. بَدَنِيٌّ مَحْضٌ وَلَا يَجُوزُ دَعْوَى أَنَّ الْمَالَ شَرْطٌ في وُجُوبِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَحْصُلُ الْمَشْرُوطُ بِدُونِهِ وهو الْمُصَحَّح لِلْمَشْرُوطِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَلْزَمُهُ وَلَا مَالَ له انْتَهَى. وَيُشْتَرَطُ مِلْكُ الزَّادِ فَإِنْ لم يَكُنْ في الْمَنَازِلِ لَزِمَهُ حَمْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ في الْمَنَازِلِ لم يَلْزَمْهُ حَمْلُهُ إنْ كان بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَإِنْ وَجَدَهُ بِزِيَادَةٍ فَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا حُكْمُهُ حُكْمُ شِرَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ إذَا عُدِمَ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ التَّيَمُّمِ وَهَذَا هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالْفُرُوعِ. وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ هُنَا بَذْلُ الزِّيَادَةِ التي لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ في شِرَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وَفَرَّقُوا بين التَّيَمُّمِ وَبَيْنَ هذا بِأَنَّ الْمَاءَ يَتَكَرَّرُ عَدَمُهُ وَالْحَجُّ الْتَزَمَ فيه الْمَشَاقَّ فَكَذَا الزِّيَادَةُ في ثَمَنِهِ إنْ كانت لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ لِئَلَّا يَفُوتَ نَقَلَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا الْقُدْرَةُ على وِعَاءِ الزَّادِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ منه. وَأَمَّا الرَّاحِلَةُ فَيُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عليها مع الْبُعْدِ وَقَدْرُهُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَقَطْ إلَّا مع الْعَجْزِ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وقال في الْكَافِي وَإِنْ عَجَزَ عن الْمَشْيِ وَأَمْكَنَهُ الْحَبْوُ لم يَلْزَمْهُ قال في الْفُرُوعِ وهو مُرَادُ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ في الرَّاحِلَةِ صَالِحَةٌ لِمِثْلِهِ. يَعْنِي في الْعَادَةِ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الناس لِأَنَّ اعْتِبَارَ الرَّاحِلَةِ لِلْقَادِرِ على الْمَشْيِ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ ولم يَذْكُرْهُ بَعْضُهُمْ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَاعْتَبَرَ في الْمُسْتَوْعِبِ إمْكَانَ الرُّكُوبِ مع أَنَّهُ قال رَاحِلَةٌ تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ.
تنبيه: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في قَوْلِهِ عن الرَّاحِلَةِ تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذلك في الزَّادِ وهو صَحِيحٌ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ في الزَّادِ يَلْزَمُهُ لِظَاهِرِ. النَّصِّ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَرْكِ الْحَجِّ بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ قال وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ انْتَهَى. قُلْت قَطَعَ بِذَلِكَ في الْوَجِيزِ فقال وَوَجَدَ زَادًا وَمَرْكُوبًا صَالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ وقال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ بِالزَّادِ أَنْ لَا يَحْصُلَ معه ضَرَرٌ لِرَدَاءَتِهِ.
فائدة: إذَا لم يَقْدِرْ على خِدْمَةِ نَفْسِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ اعْتَبَرَ من يَخْدُمُهُ لِأَنَّهُ من سَبِيلِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ عَادَةُ مِثْلِهِ في الزَّادِ وَيَلْزَمُهُ لو أَمْكَنَهُ لَزِمَهُ عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ. قَوْلُهُ فَاضِلًا عن مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ على الدَّوَامِ. اعْلَمْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كِفَايَتُهُ وَكِفَايَةُ عِيَالِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ بِلَا خِلَافٍ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ له إذَا رَجَعَ ما يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ على الدَّوَامِ من عَقَارٍ أو بِضَاعَةٍ أو صِنَاعَةٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْعُمْدَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَمُحَرَّرِهِ وَالْإِفَادَاتِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ لِاقْتِصَارِهِمْ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وقال في الرَّوْضَةِ وَالْكَافِي يُعْتَبَرُ كِفَايَةُ عِيَالِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ فَقَطْ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ نَقَلَ أبو طَالِبٍ يَجِبُ عليه الْحَجُّ إذَا كان معه نَفَقَةٌ تُبَلِّغُهُ مَكَّةَ وَيَرْجِعُ وَيَخْلُفُ نَفَقَةً لِأَهْلِهِ حتى يَرْجِعَ.
تنبيه: ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَاضِلًا عن قَضَاءِ دَيْنِهِ. أَنَّهُ سَوَاءٌ كان حَالًّا أو مُؤَجَّلًا وَسَوَاءٌ كان لِآدَمِيٍّ أو لِلَّهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَأَنْ لَا يَكُونَ عليه دَيْنٌ حَالٌّ يُطَالَبُ بِهِ بِحَيْثُ لو قَضَاهُ لم يَقْدِرْ على كَمَالِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ انْتَهَى . فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لو كان مُؤَجَّلًا أو كان حَالًّا وَلَكِنْ لَا يُطَالَبُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عليه ولم يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْوُجُوبِ.
فائدة: إذَا خَافَ الْعَنَتَ من يَقْدِرُ على الْحَجِّ قَدَّمَ النِّكَاحَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ لِوُجُوبِهِ إذَنْ وَحَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا لَكِنْ نُوزِعَ في ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ. وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْحَجَّ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ كما لو لم يَخَفْهُ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ من مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ. وَكَذَا ما لَا بُدَّ له منه.
فائدة: لو فَضَلَ من ثَمَنِ ذلك ما يَحُجُّ بِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ منه ما يَكْفِيهِ لَزِمَهُ الْحَجُّ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَلَوْ احْتَاجَ إلَى كُتُبِهِ لم يَلْزَمْهُ بَيْعُهَا فَلَوْ اسْتَغْنَى بِإِحْدَى النُّسْخَتَيْنِ لِكِتَابٍ بَاعَ الْأُخْرَى قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَمَنْ تَبِعَهُمَا. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في أَوَّلِ بَابِ الْفِطْرَةِ. قَوْلُهُ فَمَنْ كَمُلَتْ فيه هذه الشُّرُوطُ وَجَبَ عليه الْحَجُّ على الْفَوْرِ. هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ على الْفَوْرِ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ ذَكَرَهَا بن حَامِدٍ وَاخْتَارَهُ أبو حَازِمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَذَكَرَه ابن أبي مُوسَى وَجْهًا. زَادَ الْمَجْدُ مع الْعَزْمِ على فِعْلِهِ في الْجُمْلَةِ. وَيَأْتِي في كِتَابِ الْغَصْبِ إذَا حَجَّ بِمَالِ غَصْبٍ.
فائدة: لو أَيْسَرَ من لم يَحُجَّ ثُمَّ مَاتَ من تِلْكَ السَّنَةِ قبل التَّمَكُّنِ من الْحَجِّ فَهَلْ يَجِبُ قَضَاءُ الْحَجِّ عنه فيه رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ. قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ عن السَّعْيِ إلَيْهِ لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لَا يرجي بروه لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ عنه من يَحُجَّ عنه وَيَعْتَمِرَ من بَلَدِهِ وقد أَجْزَأَ عنه وَإِنْ عُوفِيَ. هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ لو اعْتَدَّتْ من رَفْعِ حَيْضِهَا بِسَنَةٍ لم تَبْطُلْ عِدَّتُهَا بِعَوْدِ حَيْضِهَا قال الْمَجْدُ وَهِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا. يَعْنِي إذَا اسْتَنَابَ الْعَاجِزُ ثُمَّ عُوفِيَ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على خِلَافٍ هُنَا لِلْخِلَافِ هُنَاكَ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو عُوفِيَ قبل فَرَاغِ النَّائِبِ أَنَّهُ يُجْزِئُ أَيْضًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا أَصَحُّ قال في الْفُرُوعِ أَجْزَأَهُ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي. وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ قال الْمُصَنِّفُ الذي يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وهو أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ. وَأَمَّا إذَا بريء قبل إحْرَامِ النَّائِبِ فإنه لَا يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. الثَّانِيَةُ أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِالْعَاجِزِ لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لَا يرجي بُرْؤُهُ من كان نِضْوَ الْخِلْقَةِ لَا يَقْدِرُ على الثُّبُوتِ على الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ أو كانت الْمَرْأَةُ ثَقِيلَةً لَا يَقْدِرُ مِثْلُهَا أَنْ يَرْكَبَ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَأَطْلَقَ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ عَدَمَ الْقُدْرَةِ. قَوْلُهُ لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ عنه من يَحُجَّ عنه وَيَعْتَمِرَ يَعْنِي يَكُونُ ذلك على الْقُدْرَةِ كما تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ من بَلَدِهِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَقِيلَ يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عنه من مِيقَاتِهِ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ.
فوائد: منها لو كان قَادِرًا على نَفَقَةِ رَاجِلٍ لم يَلْزَمْهُ الْحَجُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ قِيلَ هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ هو اللُّزُومُ. وَمِنْهَا لو كان قَادِرًا ولم يَجِدْ نَائِبًا فَفِي وُجُوبِهِ في ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً على إمْكَانِ السَّيْرِ على ما يَأْتِي قَرِيبًا قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وزاد فَإِنْ قُلْنَا يَثْبُتُ في ذِمَّتِهِ كان الْمَالُ الْمُشْتَرَطُ في الْإِيجَابِ على المعضوب [المغصوب] بِقَدْرِ ما نُوجِبُهُ عليه لو كان صَحِيحًا. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَثْبُتُ في ذِمَّتِهِ إذَا لم يَجِدْ نَائِبًا اشْتَرَطَ لِلْمَالِ الْمُوجَبِ عليه أَنْ لَا يَنْقُصَ عن نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِلنَّائِبِ لِئَلَّا يَكُونَ النَّائِبُ بَاذِلًا لِلطَّاعَةِ في الْبَعْضِ وهو غَيْرُ مُوجِبٍ على أَصْلِنَا كَبَذْلِ الطَّاعَةِ في الْكُلِّ. وَمِنْهَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنُوبَ عن الرَّجُلِ وَلَا إسَاءَةَ وَلَا كَرَاهَةَ في نِيَابَتِهَا عنه قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُكْرَهُ لِفَوَاتِ رَمَلٍ وَحَلْقٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ وَتَلْبِيَةٍ وَنَحْوِهَا.
تنبيه: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو رجى زَوَالُ عِلَّتِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ وهو صَحِيحٌ فَإِنْ فَعَلَ لم يُجْزِئْهُ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ وَمَنْ أَمْكَنَهُ السَّعْيُ إلَيْهِ لَزِمَهُ ذلك إذَا كان في وَقْتِ الْمَسِيرِ وَوَجَدَ طَرِيقًا آمِنًا لَا خَفَارَةَ فيه يُوجَدُ فيه الْمَاءُ وَالْعَلَفُ على الْمُعْتَادِ. يُشْتَرَطُ في الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ آمِنًا وَلَوْ كان غير الطَّرِيقِ الْمُعْتَادِ إذَا أَمْكَنَ سُلُوكُهُ بَرًّا كان أو بَحْرًا لَكِنَّ الْبَحْرَ تَارَةً يَكُونُ فيه السَّلَامَةُ وَتَارَةً يَكُونُ فيه الْهَلَاكُ وَتَارَةً يَسْتَوِي فيه الْأَمْرَانِ فَإِنْ كان الْغَالِبُ فيه السَّلَامَةَ لَزِمَهُ سُلُوكُهُ وَإِنْ كان الْغَالِبُ فيه الْهَلَاكَ لم يَلْزَمْهُ سُلُوكُهُ إجْمَاعًا وَإِنْ سَلِمَ فيه قَوْمٌ وَهَلَكَ فيه. آخَرُونَ فذكر ابن عقيل عن الْقَاضِي يَلْزَمُهُ ولم يُخَالِفْهُ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ في شَرْحِهِ. وقال ابن الْجَوْزِيِّ الْعَاقِلُ إذَا أَرَادَ سُلُوكَ طَرِيقٍ يَسْتَوِي فيه احْتِمَالُ السَّلَامَةِ وَالْهَلَاكِ وَجَبَ الْكَفُّ عن سُلُوكِهَا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال أَعَانَ على نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَهِيدًا وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ. وَيُشْتَرَطُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَكُونَ في الطَّرِيقِ خَفَارَةٌ فَإِنْ كان فيه خَفَارَةٌ لم يَلْزَمْهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال ابن حَامِدٍ إنْ كانت الْخَفَارَةُ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وهو ظَاهِرُ الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَيَّدَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي بِالْيَسِيرَةِ زَادَ الْمَجْدُ إذَا أَمِنَ الْغَدْرَ من الْمَبْذُولِ له انْتَهَى. قُلْت وَلَعَلَّهُ مُرَادُ من أَطْلَقَ بَلْ يَتَعَيَّنُ. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْخَفَارَةُ تَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا في الدَّفْعِ عن الْمُخْفَرِ وَلَا تَجُوزُ مع عَدَمِهَا كما يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ من الرَّعَايَا.
تنبيه: ظَاهِرُ قَوْلِهِ يُوجَدُ فيه الْمَاءُ وَالْعَلَفُ على الْمُعْتَادِ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُ ذلك لِكُلِّ سَفَرِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِمَشَقَّتِهِ عَادَةً وقال ابن عَقِيلٍ يَلْزَمُهُ حَمْلُ عَلَفِ الْبَهَائِمِ إنْ أَمْكَنَهُ كَالزَّادِ قال في الْفُرُوعِ وَأَظُنُّ أَنَّهُ ذَكَرَ في الْمَاءِ أَيْضًا. قَوْلُهُ وَمَنْ أَمْكَنَهُ السَّعْيُ إلَيْهِ لَزِمَهُ ذلك إذَا كان في وَقْتِ الْمَسِيرِ وَوَجَدَ طَرِيقًا آمِنًا. قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ إمْكَانَ الْمَسِيرِ وَتَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ من شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو ظَاهِرُ. كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَقَدَّمَه ابن منجا في شَرْحِهِ وَالتَّلْخِيصِ. وَعَنْهُ أَنَّ إمْكَانَ الْمَسِيرِ وَتَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ على ما يَأْتِي في الْمُحْرِمِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا ظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في الْجَامِعِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يَأْثَمُ إنْ لم يَعْزِمْ على الْفِعْلِ إذَا قَدَرَ قال ابن عَقِيلٍ يَأْثَمُ إنْ لم يَعْزِمْ كما نَقُولُ في طَرَيَان الْحَيْضِ وَتَلَفِ الزَّكَاةِ قبل إمْكَانِ الْأَدَاءِ وَالْعَزْمُ في الْعِبَادَاتِ مع الْعَجْزِ يَقُومُ مَقَامَ الْأَدَاءِ في عَدَمِ الْإِثْمِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ الذي في الصَّلَاةِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لو حَجَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ فَمَاتَ في الطَّرِيقِ تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْوُجُوبِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ لو كَمُلَتْ الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ ثُمَّ مَاتَ قبل وُجُودِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ حَجَّ عنه بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنْ أَعْسَرَ قبل وُجُودِهِمَا بَقِيَ في ذِمَّتِهِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لم يَجِبْ عليه الْحَجُّ قبل وُجُودِهِمَا.
فائدة: يَلْزَمُ الْأَعْمَى أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَيُعْتَبَرُ له قَائِدٌ كَبَصِيرٍ يَجْهَلُ الطَّرِيقَ وَالْقَائِدُ لِلْأَعْمَى كَالْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ ذَكَرَهَا ابن عقيل وابن الْجَوْزِيِّ وَأَطْلَقُوا الْقَائِدَ. وقال في الْوَاضِحِ يُشْتَرَطُ لِلْأَدَاءِ قَائِدٌ يُلَائِمُهُ أَيْ يُوَافِقُهُ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْقَائِدِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ وَزِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ وَقِيلَ وَغَيْرُ مُجْحِفَةٍ وَلَوْ تَبَرَّعَ الْقَائِدُ لم يَلْزَمْهُ لِلْمِنَّةِ. قَوْلُهُ وَمَنْ وَجَبَ عليه الْحَجُّ فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ أُخْرِجَ عنه من جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. بِلَا نِزَاعٍ وَسَوَاءٌ فَرَّطَ أو لَا وَيَكُونُ من حَيْثُ وَجَبَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ من أَقْرَبِ وَطَنَيْهِ لِيَتَخَيَّرَ الْمَنُوبَ عنه. وَقِيلَ من لَزِمَهُ بِخُرَاسَانَ فَمَاتَ بِبَغْدَادَ حَجَّ منها نَصَّ عليه كَحَيَاتِهِ. وَقِيلَ هذا هو الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لَكِنْ احْتَسَبَ له بِسَفَرِهِ من بَلَدِهِ قال في الْفُرُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُتَّجَهٌ لو سَافَرَ لِلْحَجِّ. قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَيَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَنْ يَحُجُّوا من أَصْلِ مَالِ الْمَيِّتِ عنه حتى يُخْرِجُوا هذا وَإِنْ لم تَكُنْ بِالْوَصِيَّةِ وَلَا تُجْزِئُ من مِيقَاتَيْهِ. وَقِيلَ يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عنه من مِيقَاتِهِ لِأَنَّهُ من حَيْثُ وَجَبَ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو حَجَّ عنه خَارِجًا عن بَلَدِ الْمَيِّتِ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فقال الْقَاضِي يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْقَرِيبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ. وَإِنْ كان أَكْثَرَ من مَسَافَةِ الْقَصْرِ لم يُجْزِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ وَيَكُونُ مُسِيئًا كَمَنْ وَجَبَ عليه الْإِحْرَامُ من الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ من دُونِهِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا حَجَّ عن الْمَعْضُوبِ. وَتَقَدَّمَ إذَا أَيْسَرَ ثُمَّ مَاتَ قبل التَّمَكُّنِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عنه غَيْرُ الْوَلِيِّ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ اخْتَارَه ابن عقيل في فُصُولِهِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ في بَابِ حُكْمِ قَضَاءِ الصَّوْمِ. وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ وَتَقَدَّمَ ذلك في الصَّوْمِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ آخِرُ ما بَيَّضَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ. الثَّانِيَةُ لو مَاتَ هو أو نَائِبُهُ في الطَّرِيقِ حُجَّ عنه من حَيْثُ مَاتَ فِيمَا بَقِيَ مَسَافَةً قَوْلًا وَفِعْلًا. قَوْلُهُ فَإِنْ ضَاقَ مَالُهُ عن ذلك أو كان عليه دَيْنٌ أُخِذَ لِلْحَجِّ بِحِصَّتِهِ وَحُجَّ بِهِ من حَيْثُ يَبْلُغُ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه وَعَنْهُ يَسْقُطُ الْحَجُّ سَوَاءٌ عُيِّنَ فَاعِلُهُ أو لَا. وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الدَّيْنُ لِتَأَكُّدِهِ وهو قَوْلٌ في شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ.
فائدة: لو وَصَّى بِحَجِّ نَفْلٍ أو أَطْلَقَ جَازَ من الْمِيقَاتِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ما لم تَمْنَعْ قَرِينَةٌ. وَقِيلَ من مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ وَقَدَّمَهُ في التَّرْغِيبِ كَحَجٍّ وَاجِبٍ وَمَعْنَاهُ لِلْمُصَنِّفِ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذلك في بَابِ الْمُوصَى بِهِ. قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ على الْمَرْأَةِ وُجُودُ مَحْرَمِهَا. هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا يَعْنِي أَنَّ الْمَحْرَمَ من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ كَالِاسْتِطَاعَةِ وَغَيْرِهَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ. الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَالْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ قال ابن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ أَنَّ الْمَحْرَمَ من شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. فَعَلَيْهَا يُحَجُّ عنها لو مَاتَتْ أو مَرِضَتْ مَرَضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تُوصِيَ بِهِ وَهِيَ أَيْضًا من الْمُفْرَدَاتِ. وَعَلَى الْمَذْهَبُ لم تَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ الْوُجُوبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ في بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي. وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ إلَّا في مَسَافَةِ الْقَصْرِ كما لَا يُعْتَبَرُ في أَطْرَافِ الْبَلَدِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ في الْحَجِّ الْوَاجِبِ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مع النِّسَاءِ وَمَعَ كل من أَمِنَتْهُ. وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ في الْقَوَاعِدِ من النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يُخْشَى مِنْهُنَّ وَلَا عَلَيْهِنَّ فِتْنَةٌ ذَكَرَهَا الْمَجْدُ ولم يَرْتَضِهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَحُجُّ كُلُّ امْرَأَةٍ آمِنَةٍ مع عَدَمِ الْمَحْرَمِ وقال هذا مُتَوَجِّهٌ في كل سَفَرِ طَاعَةٍ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْخُنْثَى كَالرَّجُلِ.
فائدة: قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ دُونَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسِعَةِ الْوَقْتِ حَيْثُ شَرَطَهُ ولم يَشْتَرِطْهُمَا. وَظَاهِرُ نَقْلِ أبي الْخَطَّابِ يَقْتَضِي رِوَايَةً بِالْعَكْسِ وهو أَنَّهُ قَطَعَ بِأَنَّهُمَا شَرْطَانِ. لِلْوُجُوبِ وَذَكَرَ في الْمُحَرَّرِ رِوَايَةً بِأَنَّهُ شَرْطُ لُزُومٍ قال وَالتَّفْرِقَةُ على كِلَا الطَّرِيقَيْنِ مُشْكِلَةٌ وَالصَّحِيحُ التَّسْوِيَةُ بين هذه الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ إمَّا نَفْيًا وَإِمَّا إثْبَاتًا انْتَهَى. قُلْت مِمَّنْ سَوَّى بين الثَّلَاثَةِ الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ فيه وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وابن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ وَأَشَارَ ابن عقيل إلَى أنها تُزَادُ لِلْحِفْظِ وَالرَّاحَةِ لِنَفْسِ السَّعْيِ قال في الْفُرُوعِ وما قَالَهُ الْمَجْدُ صَحِيحٌ وَذَكَرَ كَلَامَ ابن عقيل انْتَهَى. وَمِمَّنْ فَرَّقَ بين الْمَحْرَمِ وَسِعَةِ الْوَقْتِ وَأَمْنِ الطَّرِيقِ الْمُصَنِّفُ في الْمُقْنِعِ وَالْكَافِي فإنه قَدَّمَ فِيهِمَا أَنَّهُمَا من شَرَائِطِ اللُّزُومِ وَقَدَّمَ في الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ النَّاظِمُ. وَتَبِعَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ صَاحِبَ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكَ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةَ وَالْهِدَايَةَ فَقَطَعُوا بِأَنَّهُمَا من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَأَطْلَقُوا في الْمَحْرَمِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَطَعَ في الْإِيضَاحِ أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَأَطْلَقَ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ عَكْسَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَقَدَّمَ في التَّلْخِيصِ أَنَّهُمَا من شَرَائِطِ اللُّزُومِ كَالْمُصَنِّفِ وَأَطْلَقَ في الْمُحَرَّرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْفُرُوعِ التَّفْرِقَةُ فإنه أَطْلَقَ فِيهِمَا الرِّوَايَتَيْنِ منه وَعَنْهُ وقال اخْتَارَ الْأَكْثَرُ أَنَّهُمَا من شَرَائِطِ الْأَدَاءِ وَقَدَّمَ أَنَّ الْمَحْرَمَ من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فَمُوَافَقَتُهُ لِلْمَجْدِ تُنَافِي ما اصْطَلَحَهُ في الْفُرُوعِ وَظَهَرَ أَنَّ لِلْمُصَنِّفِ في هذه الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ طُرُقٍ في كُتُبِهِ الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي.
تنبيهات: الْأَوَّلُ دخل في عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في قَوْلِهِ وهو زَوْجُهَا أو من تُحَرَّمُ عليه على التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أو بِسَبَبٍ مُبَاحٍ رَابُّهَا وهو زَوْجُ أُمِّهَا وَرَبِيبُهَا وهو بن زَوْجِهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ في أُمِّ امْرَأَتِهِ يَكُونُ مَحْرَمًا لها في حَجِّ الْفَرْضِ فَقَطْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ قال الْأَثْرَمُ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أنها لم تُذْكَرْ في قَوْله تَعَالَى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أو آبَائِهِنَّ أو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} الْآيَةَ. وَعَنْهُ الْوَقْفُ في نَظَرِ شَعْرِهَا وَشَعْرِ الرَّبِيبَةِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِمَا في الْآيَةِ وَهِيَ أَيْضًا من الْمُفْرَدَاتِ. الثَّانِي قَوْلُهُ نَسَبٍ أو سَبَبٍ مُبَاحٍ. يُحْتَرَزُ منه عن السَّبَبِ غَيْرِ الْمُبَاحِ كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ أو زِنًا فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِأُمِّ الموطأة [الموطوءة] وَابْنَتِهَا لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ مُبَاحٍ. قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ كَالتَّحْرِيمِ بِاللِّعَانِ وَأَوْلَى. وَعَنْهُ بَلَى يَكُونُ مَحْرَمًا وهو قَوْلٌ في شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَاخْتَارَه ابن عقيل في الْفُصُولِ في وَطْءِ الشُّبْهَةِ لَا الزنى وهو ظَاهِرُ ما في التَّلْخِيصِ فإنه قال بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِثُبُوتِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَيَدْخُلُ في الْآيَةِ بِخِلَافِ الزنى. الثَّالِثُ قال في الْفُرُوعِ الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالشُّبْهَةِ ما جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ الْوَطْءُ الْحَرَامُ مع الشُّبْهَةِ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَنَحْوِهَا. لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ في مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ أَنَّ الْوَطْءَ في نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ. الرَّابِعُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَمَاعَةٍ أَنَّ الْمُلَاعِنَ يَكُونُ مَحْرَمًا لِلْمُلَاعَنَةِ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عليه على التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ وَلَا أَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا فَلِهَذَا قال الآدمي الْبَغْدَادِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا وهو مُرَادُ من أَطْلَقَ. الْخَامِسُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ وَأَزْوَاجُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ في التَّحْرِيمِ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ انْتَهَى. فَيَكُونُ ذلك مُسْتَثْنًى من كَلَامِ من أَطْلَقَ. وقال في الْمُحَرَّرِ الْمَحْرَمُ زَوْجُهَا أو من تَحْرُمُ عليه أَبَدًا لَا من تَحْرِيمِهَا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أو زِنًا. فَقِيلَ إنَّمَا قال ذلك لِئَلَّا يَرِدَ عليه أَزْوَاجُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ على الْمُسْلِمِ أَبَدًا بِسَبَبٍ مُبَاحٍ وهو الْإِسْلَامُ وَلَيْسُوا بِمَحَارِمَ لَهُنَّ. فَقِيلَ كان يَجِبُ اسْتِثْنَاؤُهُنَّ كما اسْتَثْنَى المزنى بها فَأُجِيبُ لِانْقِطَاعِ حُكْمِهِنَّ فَأَوْرَدَ عليه الْمُلَاعَنَةَ وَلَا جَوَابَ عنه. السَّادِسُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَبْدَ ليس بِمَحْرَمٍ لِسَيِّدَتِهِ لِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عليه على التَّأْبِيدِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَالْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ انْتَهَى قال الْقَاضِي مُوَفَّقُ الدِّينِ في شَرْحِ مَنَاسِكِ الْمُقْنِعِ وهو الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ أَمْرُهُ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ وكان أَيْضًا لَا يُؤْمَنُ عليها كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَلْزَمُ من النَّظَرِ الْمَحْرَمِيَّةُ وَعَنْهُ هو مَحْرَمٌ لها. قال الْمَجْدُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ في شَرْحِ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَحْرَمٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. السَّابِعُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ دُخُولُ الْعَبْدِ إذَا كان قَرِيبًا قال في الْفُرُوعِ وَشَرَطَ كَوْنَ الْمَحْرَمِ ذَكَرًا مُكَلَّفًا مُسْلِمًا نَصَّ عليه وَكَذَا قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِ وَاشْتَرَطَ الْحُرِّيَّةَ في الْمَحْرَمِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ.
فوائد: الْأُولَى قَوْلُهُ إذَا كان بَالِغًا عَاقِلًا. بِلَا نِزَاعٍ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فيه. أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمُسْلِمِ أَمِينًا عليها. قُلْت وهو قَوِيٌّ في النَّظَرِ. قال وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ إنْ أَمِنَ عليها وقال في الرِّعَايَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الذِّمِّيَّ الْكِتَابِيَّ مَحْرَمٌ لِابْنَتِهِ الْمُسْلِمَةِ إنْ قُلْنَا يَلِي نِكَاحَهَا كَالْمُسْلِمِ انْتَهَى. قُلْت يُشْكِلُ هذا على قَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّهُمْ يَمْنَعُونَ من دُخُولِهِ الْحَرَمَ لَكِنْ لنا هُنَاكَ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ أو لِلْحَاجَةِ أو مُطْلَقًا فَيَتَمَشَّى هذا الِاحْتِمَالُ على بَعْضِ هذه الْأَقْوَالِ. الثَّانِيَةُ نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ تَجِبُ عليها نَصَّ عليه فَيُعْتَبَرُ أَنْ تَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً لها وَلَهُ. الثَّالِثَةُ لو بَذَلَتْ النَّفَقَةَ له لم يَلْزَمْ الْمَحْرَمَ غير عَبْدِهَا السَّفَرُ بها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يلزمه [لزمه]. الرَّابِعَةُ ما قَالَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ لو أَرَادَ أُجْرَةً لَا تَلْزَمُهَا قال وَيَتَوَجَّهُ أنها كَنَفَقَتِهِ كما في التَّغْرِيبِ في الزنى وفي قَائِدِ الْأَعْمَى فَدَلَّ ذلك كُلُّهُ على انه لو تَبَرَّعَ لم يَلْزَمْهَا لِلْمِنَّةِ قال وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبَ لِلْمَحْرَمِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا النَّفَقَةُ كَقَائِدِ الْأَعْمَى وَلَا دَلِيلَ يَخُصُّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ. الْخَامِسَةُ إذَا أَيِسَتْ الْمَرْأَةُ من الْمَحْرَمِ وَقُلْنَا يُشْتَرَطُ لِلُّزُومِ السَّعْيِ أو كان وَوُجِدَ وَفَرَّطَتْ بِالتَّأْخِيرِ حتى عُدِمَ فَعَنْهُ تُجَهِّزُ رَجُلًا يَحُجُّ عنها. قُلْت وهو أَوْلَى كالمعضوب [كالمغصوب]. وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على الْمَنْعِ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. قال الْمَجْدُ يُمْكِنُ حَمْلُ الْمَنْعِ على أَنَّ تَزَوُّجَهَا لَا يَبْعُدُ عَادَةً وَالْجَوَازُ على من أَيِسَتْ ظَاهِرًا أو عَادَةً لِزِيَادَةِ سِنٍّ أو مَرَضٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا يَغْلِبُ على ظَنِّهَا عَدَمُهُ. ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَتْ أو اسْتَنَابَتْ من لها مَحْرَمٌ ثُمَّ فُقِدَ فَهِيَ كَالْمَعْضُوبِ وقال الْآجُرِّيُّ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ إنْ لم يَكُنْ مَحْرَمٌ سَقَطَ فَرْضُ الْحَجِّ بِبَدَنِهَا وَوَجَبَ أَنْ يَحُجَّ عنها غَيْرُهَا قال في الْفُرُوعِ وهو مَحْمُولٌ على الْإِيَاسِ قال في التَّبْصِرَةِ إنْ لم تَجِدْ مَحْرَمًا فَرِوَايَتَانِ لِتَرَدُّدِ النَّظَرِ في حُصُولِ الْإِيَاسِ منه. قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لم يَحُجَّ عن نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ عن غَيْرِهِ وَلَا نَذْرَهُ وَلَا نَافِلَةً فَإِنْ فَعَلَ انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَأَرَادَ الْحَجَّ فَتَارَةً يُرِيدُ الْحَجَّ عن غَيْرِهِ وَتَارَةً يُرِيدُ الْحَجَّ عن نَفْسِهِ غَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ أَرَادَ الْحَجَّ عن غَيْرِهِ لم يَجُزْ فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَسَوَاءٌ كان حَجُّ الْغَيْرِ فَرْضًا أو نَفْلًا أو نَذْرًا وَسَوَاءٌ كان الْغَيْرُ حَيًّا أو مَيِّتًا هذا الْمَذْهَبُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. قال الْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ لم يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فيه وقال أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ يَقَعُ عن الْمَحْجُوجِ عنه ثُمَّ يَقْلِبُهُ الْحَاجُّ عن نَفْسِهِ. نَقَلَ إسْمَاعِيلُ الشَّالَنْجِيُّ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ قال لِمَنْ لَبَّى عن غَيْرِهِ اجْعَلْهَا عن نَفْسِك. وَعَنْهُ يَقَعُ بَاطِلًا نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ. وَعَنْهُ يَجُوزُ عن غَيْرِهِ وَيَقَعُ عنه قال الْقَاضِي وهو ظَاهِرٌ نَقَلَ محمد بن مَاهَانَ وفي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ يَقَعُ عَمَّا نَوَاهُ بِشَرْطِ عَجْزِهِ عن حَجِّهِ لِنَفْسِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَنُوبُ من لم يُسْقِطْ فَرْضَ نَفْسِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ ما قِيلَ يَنُوبُ في نَفْلٍ عَبْدٌ وَصَبِيٌّ وَيَحْرُمُ. وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَرَجَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْمَنْعَ. وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ عن نَفْسِهِ نَذْرًا أو نَافِلَةً فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ ذلك لَا يَجُوزُ وَيَقَعُ عن حَجَّةِ الْإِسْلَامِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَقَعُ ما نَوَاهُ وَعَنْهُ يَقَعُ بَاطِلًا ولم يَذْكُرْهَا بَعْضُهُمْ هُنَا منهم الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ في فُرُوعِهِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَوْهَا في التي قَبْلَهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا تُجْزِئُ عن الْمَنْذُورَةِ مع حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مَعًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ تُجْزِئُ عنهما وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ اخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ.
فوائد: إحْدَاهَا لو أَحْرَمَ بِنَفْلٍ من عليه نَذْرٌ فَفِيهِ الرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ نَقْلًا وَمَذْهَبًا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ هذا وَغَيْرَهُ الْأَشْهَرُ في أَنَّهُ يَسْلُكُ في النَّذْرِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ لَا النَّفْلِ. الثَّانِيَةُ الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. الثَّالِثَةُ لو أتى بِوَاجِبِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ فِعْلُ نَذْرِهِ وَنَفْلِهِ قبل إتْيَانِهِ بِالْآخَرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا لِوُجُوبِهِمَا على الْفَوْرِ. الرَّابِعَةُ لو حَجَّ عن نَذْرِهِ أو عن نَفْلِهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ وَقَعَتْ عن الْقَضَاءِ دُونَ ما نَوَاهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ. الْخَامِسَةُ النَّائِبُ كَالْمَنُوبِ عنه فِيمَا تَقَدَّمَ فَلَوْ أَحْرَمَ النَّائِبُ بِنَذْرٍ أو نَفْلٍ عَمَّنْ عليه حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَقَعَ عنها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَلَوْ اسْتَنَابَ عنه أو عن مَيِّتٍ وَاحِدًا في فَرْضِهِ وَآخَرَ في نَذْرِهِ في سَنَةٍ جَازَ. قال ابن عَقِيلٍ وهو أَفْضَلُ من التأخير [التأجير] لِوُجُوبِهِ على الْفَوْرِ قال في الْفُرُوعِ. كَذَا قال فَيَلْزَمُهُ وُجُوبُهُ إذًا وَيُحْرِمُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ قبل الْآخَرِ وَأَيُّهُمَا أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلًا فَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ الْأُخْرَى عن النَّذْرِ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ لم يَنْوِهِ وقال في الْفُصُولِ يُحْتَمَلُ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهُ قد يُعْفَى عن التَّعْيِينِ في بَابِ الْحَجِّ وَيَنْعَقِدُ بِهِمَا ثُمَّ يُعَيِّنُ قال وهو أَشْبَهُ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ لِاعْتِبَارِ تَعْيِينِهِ بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ يَقْدِرُ على الْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ في حَجِّ التَّطَوُّعِ على رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ والصرصرى في نَظْمِهِ. إحْدَاهُمَا يَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وَيَصِحُّ في الْأَصَحِّ قال في الْخُلَاصَةِ وَيَجُوزُ على الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَه ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ.
تنبيه: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجُوزُ له أَنْ يَسْتَنِيبَ إذَا كان عَاجِزًا يُرْجَى معه زَوَالُ عِلَّتِهِ من غَيْرِ خِلَافٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ. وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْقَادِرِ بِنَفْسِهِ على الْخِلَافِ كما تَقَدَّمَ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ.
فوائد: منها حُكْمُ الْمَحْبُوسِ حُكْمُ الْمَرِيضِ الْمَرْجُوُّ بُرْؤُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَمِنْهَا يَصِحُّ الِاسْتِنَابَةُ عن الْمَعْضُوبِ وَالْمَيِّتِ في النَّفْلِ إذَا كَانَا قد حَجَّا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ. وَمِنْهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عن أَبَوَيْهِ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنْ لم يَحُجَّا وقال بَعْضُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عنهما وَعَنْ غَيْرِهِمَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْأُمَّ وَيُقَدِّمَ وَاجِبَ أبيه على نَفْلِ أُمِّهِ نَصَّ عَلَيْهِمَا وقد تَقَدَّمَ حُكْمُ طَاعَةِ وَالِدَيْهِ في الْحَجِّ الْوَاجِبِ وَالنَّفَلِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ من حَجِّ الْفَرْضِ. وَمِنْهَا في أَحْكَامِ النِّيَابَةِ فَنَقُولُ من أَعْطَى مَالًا لِيَحُجَّ بِهِ عن شَخْصٍ بِلَا إجَارَةٍ وَلَا جَعَالَةٍ جَازَ نَصَّ عليه كَالْغَزْوِ وقال أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ دَرَاهِمَ وَيَحُجَّ عن غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ. قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُ الإجارة [للإجارة] أو أَحُجُّ حَجَّةً بِكَذَا. وَالنَّائِبُ أَمِينٌ يَرْكَبُ وَيُنْفِقُ بِالْمَعْرُوفِ منه أو مِمَّا اقْتَرَضَهُ أو اسْتَدَانَهُ لِعُذْرٍ على رَبِّهِ أو يُنْفِقُ من نَفْسِهِ وَيَنْوِي رُجُوعَهُ بِهِ وَتَرَكَهُ وَأَنْفَقَ من نَفْسِهِ فقال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا يَضْمَنُ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. قال الْأَصْحَابُ وَيَضْمَنُ ما زَادَ على الْمَعْرُوفِ وَيَرُدُّ ما فَضَلَ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ له فيه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بَلْ أَبَاحَهُ فَيُؤْخَذُ منه. وَلَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ مَاتَ مُسْتَنِيبُهُ أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ وَضَمِنَ ما أَنْفَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ لَا لِلُزُومِ ما أَذِنَ فيه قال في الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ في قَوْلِهِ حُجَّ عَنِّي بهذا فما فَضَلَ فَلَكَ ليس له أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ تِجَارَةً قبل حَجِّهِ. قال في الْفُرُوعِ وَيَجُوزُ له صَرْفُ نَقْدٍ بِآخَرَ لِمَصْلَحَتِهِ وَشِرَاءُ مَاءٍ لِلطَّهَارَةِ بِهِ وتداوى وَدُخُولُ حَمَّامٍ. وَإِنْ مَاتَ أو ضَلَّ أو صُدَّ أو مَرِضَ أو تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ أو أَعْوَزَ بَعْدَهُ لم يَضْمَنْ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ من كَلَامِهِمْ يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَمْرًا ظَاهِرًا فَبِبَيِّنَةٍ. وَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ إنْ رَجَعَ لِمَرَضٍ رَدَّ ما أَخَذَ كَرُجُوعِهِ لِخَوْفِهِ مَرَضًا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ فيه احْتِمَالٌ. وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا يُمْكِنُهُ سُلُوكُ أَقْرَبَ منه بِلَا ضَرَرٍ ضَمِنَ ما زَادَ. قال الْمُصَنِّفُ أو تَعَجَّلَ عَجَلَةً يُمْكِنُهُ تَرْكُهَا قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَيَضْمَنُ ما زَادَ على أَمْرٍ بِسُلُوكِهِ. وَلَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُحِلًّا ثُمَّ رَجَعَ لِيُحْرِمَ ضَمِنَ نَفَقَةَ تَجَاوُزِهِ وَرُجُوعِهِ. وَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَوْقَ مُدَّةِ قَصْرٍ بِلَا عُذْرٍ فَمِنْ مَالِهِ وَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إلَّا أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارًا وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً فَلَا. وَهَلْ الْوَحْدَةُ عُذْرٌ أَمْ لَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مُخْتَلِفٌ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ عُذْرٌ وَمَعْنَاهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ لِلنَّهْيِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إنْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ على أَجِيرِهِ أَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ عن الْقَافِلَةِ أو لَا يَسِيرُ في آخِرِهَا أو وَقْتَ الْقَائِلَةِ أو لَيْلًا فَخَالَفَ ضَمِنَ. فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِلَا شَرْطٍ وَالْمُرَادُ مع الْأَمْنِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ. وَمَتَى وَجَبَ الْقَضَاءُ فَمِنْهُ عن الْمُسْتَنِيبِ وَيَرُدُّ ما أَخَذَ لِأَنَّ الْحَجَّةَ لم تَقَعْ عن مُسْتَنِيبِهِ كَجِنَايَتِهِ كَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا في الرِّعَايَةِ نَفَقَةُ الْفَاسِدِ وَالْقَضَاءُ على النَّائِبِ وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ قال وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنْ حَجَّ من قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ أَجْزَأَهُ وَمَعَ عُذْرٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إنْ فَاتَ بِلَا تَفْرِيطٍ احْتَسَبَ له بالنفقة [النفقة]. فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فَعَلَيْهِ لِدُخُولِهِ في حَجٍّ ظَنَّهُ عليه فلم يَكُنْ وَفَاتَهُ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إنْ فَاتَ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا إلَّا وَاجِبًا على مُسْتَنِيبٍ فيؤدى عنه بِوُجُوبٍ سَابِقٍ. وَالدِّمَاءُ عليه وَالْمَنْصُوصُ وَدَمُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ كَنَهْيِهِ على مُسْتَنِيبِهِ إنْ أَذِنَ كَدَمِ إحْصَارٍ وَأَطْلَقَ في الْمُسْتَوْعِبِ في دَمِ إحْصَارٍ وَجْهَيْنِ. وَنَقَل ابن مَنْصُورٍ إنْ أَمَرَ مَرِيضٌ من يرمى عنه فَنَسِيَ الْمَأْمُورُ أَسَاءَ وَالدَّمُ على الْآمِرِ. قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ ما سَبَقَ من نَفَقَةِ تَجَاوُزِهِ وَرُجُوعِهِ وَالدَّمِ مع عُذْرٍ على مُسْتَنِيبِهِ كما ذَكَرُوهُ في النَّفَقَةِ في فَوَاتِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ انْتَهَى. وَإِنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الدَّمَ الْوَاجِبَ عليه على غَيْرِهِ لم يَصِحَّ شرطه [شرط] كَأَجْنَبِيٍّ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ إنْ شرطه [شرط] على نَائِبٍ لم يَصِحَّ وَاقْتَصَرَ عليه في الرِّعَايَةِ فَيُؤْخَذُ منه يَصِحُّ عَكْسُهُ. وفي صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ لِحَجٍّ أو عَمْرَةٍ رِوَايَتَا الْإِجَارَةِ على قُرْبَةٍ يَأْتِيَانِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْإِجَارَةِ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَيَلْزَمُ من اسْتَنَابَهُ إجَارَةٌ بِدَلِيلِ اسْتِنَابَةِ قَاضٍ وفي عَمَلٍ مَجْهُولٍ وَمُحْدِثٍ في صَلَاةٍ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قالوا وَاخْتَارَ بن شَاقِلَا تَصِحُّ وَذُكِرَ في الْوَسِيلَةِ الصِّحَّةُ عنه وَعَنْ الْخِرَقِيِّ. فَعَلَى هذا تُعْتَبَرُ شُرُوطُ الْإِجَارَةِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَ عَيْنَهُ لم يَسْتَنِبْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ كَتَوْكِيلٍ وَأَنْ يَسْتَنِيبَ لِعُذْرٍ. وَإِنْ أَلْزَمَ ذِمَّتَهُ بِتَحْصِيلِ حَجَّةٍ له اسْتَنَابَ فَإِنْ قال بِنَفْسِك قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ في بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ تَرَدُّدٌ فَإِنْ صَحَّتْ لم يَجُزْ أَنْ يَسْتَنِيبَ انْتَهَى. وَلَا يَسْتَنِيبُ في إجَارَةِ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ في إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَإِنْ قال بِنَفْسِك لم يَجُزْ في وَجْهٍ وفي آخَرَ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. قال الْآجُرِّيُّ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ فقال تَحُجَّ عنه من بَلَدِ كَذَا لم يَجُزْ حتى يَقُولَ تُحْرِمُ عنه من مِيقَاتِ كَذَا وَإِلَّا فَمَجْهُولَةٌ. فإذا وَقَّتَ مَكَانًا يُحْرِمُ منه فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ فَمَاتَ فَلَا أُجْرَةَ وَالْأُجْرَةُ من إحْرَامِهِ مِمَّا عَيَّنَهُ إلَى فَرَاغِهِ. قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ لَا جَهَالَةَ وَيُحْمَلُ على عَادَةِ ذلك الْبَلَدِ غَالِبًا وَمَعْنَاهُ. كَلَامُ أَصْحَابِنَا وَمُرَادُهُمْ قال وَيَتَوَجَّهُ إنْ لم يَكُنْ لِلْبَلَدِ إلَّا مِيقَاتٌ وَاحِدٌ جَازَ. فَعَلَى قَوْلِهِ يَقَعُ الْحَجُّ عن الْمُسْتَنِيبِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُ النُّسُكِ وَانْفِسَاخُهَا بِتَأْخِيرٍ وَيَأْتِي في الْإِجَارَةِ فَإِنْ قَدِمَ فَيَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ لِمَصْلَحَتِهِ وَعَدَمُهُ لِعَدَمِهَا وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ أَظْهَرُهُمَا يَجُوزُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ. وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ يَجُوزُ وَأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا. وَيَمْلِكُ ما يَأْخُذُهُ وَيَتَصَرَّفُ فيه وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ أُحْصِرَ أو ضَلَّ أو تَلِفَ ما أَخَذَهُ فَرَّطَ أو لَا وَلَا يَحْتَسِبُ له بِشَيْءٍ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَلَا يَضْمَنُ بِلَا تَفْرِيطٍ وَالدِّمَاءُ عليه وَإِنْ أَفْسَدَهُ كَفَّرَ وَمَضَى فيه وَقَضَاهُ وَتُحْسَبُ أُجْرَةُ مُسَافِرٍ قبل إحْرَامِهِ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ وَعَلَى الْأَوَّلِ قِسْطُ ما سَارَهُ لَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ رُكْنٍ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْبَاقِي. وَمَنْ ضَمِنَ الْحَجَّةَ بِأُجْرَةٍ أو جُعْلٍ فَلَا شَيْءَ له وَيَضْمَنُ ما تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ كما سَبَقَ. وقال الْآجُرِّيُّ وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ من مِيقَاتٍ فَمَاتَ قَبْلَهُ فَلَا وَإِنْ أَحْرَمَ منه ثُمَّ مَاتَ اُحْتُسِبَ منه إلَى مَوْتِهِ. وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عن مَيِّتٍ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ أَمْ لَا لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَيِّتِ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ. قُلْت الْأَوْلَى الْجَوَازُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَهُوَ كَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْإِقَالَةِ مِنْهُمَا على ما يَأْتِي في الشَّرِكَةِ. وَعَلَى الثَّانِي يُعَايَى بها. وَمَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ عن غَيْرِهِ فقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يَرُدُّ كُلَّ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لم يُؤْمَرْ بِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَنَصِّ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ إنْ أَحْرَمَ بِهِ من مِيقَاتٍ فَلَا وَمِنْ مَكَّةَ يَرُدُّ من النَّفَقَةِ ما بَيْنَهُمَا. وَمَنْ أُمِرَ بِإِفْرَادٍ فَقَرَنَ لم يَضْمَنْ كَتَمَتُّعِهِ وفي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يُعْذَرُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال. وَمَنْ أُمِرَ بِتَمَتُّعٍ فَقَرَنَ لم يَضْمَنْ وفي الرِّعَايَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ. وَعُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ كَإِفْرَادِهِ وَلَوْ اعْتَمَرَ لِأَنَّهُ أَحَلَّ فيها من الْمِيقَاتِ. وَمَنْ أُمِرَ بِقِرَانٍ فَتَمَتَّعَ وَأَفْرَدَ فَلِلْآمِرِ وَيَرُدُّ نَفَقَةً قَدْرَ ما يَتْرُكُهُ من إحْرَامِ النُّسُكِ الْمَتْرُوكِ من الْمِيقَاتِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وقال في الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ وأن من تَمَتُّعٍ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا. وَإِنْ اسْتَنَابَ شَخْصًا في حَجَّةٍ وَاسْتَنَابَهُ آخَرُ في عُمْرَةٍ فَقَرَنَ ولم يَأْذَنَا له صَحَّا له وَضَمِنَ الْجَمِيعَ كَمَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ أو عَكْسَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يَقَعُ عنهما وَيَرُدُّ نِصْفَ نَفَقَةِ من لم يَأْذَنْ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ في صِفَتِهِ قال في الْفُرُوعِ وفي الْقَوْلَيْنِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُشْبِهُ من أُمِرَ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ مِنْهُمَا لَا ضَمَانَ هُنَا وهو مُتَّجَهٌ إنْ عَدَّدَ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ انْتَهَى. قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ الصِّحَّةِ عن وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَضَمَانُ الْجَمِيعِ. وَإِنْ أُمِرَ بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ فَقَرَنَ لِنَفْسِهِ فَالْخِلَافُ. وَإِنْ فَرَّغَهُ ثُمَّ حَجَّ أو اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ صَحَّ ولم يَضْمَنْ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ مُدَّةَ مَقَامِهِ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ أُمِرَ بِإِحْرَامٍ من مِيقَاتٍ فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ أو من غَيْرِهِ أو من بَلَدِهِ فَأَحْرَمَ من مِيقَاتٍ أو في عَامٍ أو في شَهْرٍ فَخَالَفَ فقال ابن عَقِيلٍ أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ يَجُوزُ لِإِذْنِهِ فيه بِالْجُمْلَةِ وقال في الِانْتِصَارِ وَلَوْ نَوَاهُ بِخِلَافِ ما أَمَرَهُ بِهِ وَجَبَ رَدُّ ما أَخَذَهُ. وَيَأْتِي في أَوَاخِرِ بَابِ الْإِحْرَامِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بَعْضُ أَحْكَامِ من حَجَّ عن غَيْرِهِ.
|