الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***
فائدتان: إحْدَاهُمَا: نَصْبُ الْإِمَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ قال في الْفُرُوعِ فَرْضُ كِفَايَةٍ على الْأَصَحِّ فَمَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِإِجْمَاعٍ أو بِنَصٍّ أو بِاجْتِهَادٍ أو بِنَصِّ من قَبْلَهُ عليه وَبِخَبَرٍ مُتَعَيِّنٍ لها حَرُمَ قِتَالُهُ وَكَذَا لو قَهَرَ الناس بِسَيْفِهِ حتى أَذْعَنُوا له وَدَعَوْهُ إمَامًا قَالَهُ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ رِوَايَةً وَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إمَامًا بِذَلِكَ وَقَدَّمَ روايتان [روايتين] في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فَإِنْ بُويِعَ لِاثْنَيْنِ فَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ قَالَهُ في نِهَايَةِ ابن رزين وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ قُرَشِيًّا حُرًّا ذَكَرًا عَدْلًا عَالِمًا كَافِيًا ابْتِدَاءً وَدَوَامًا قَالَهُ في نِهَايَةِ ابن رزين وَغَيْرِهِ وَلَوْ تَنَازَعَهَا اثْنَانِ متكافئكان [متكافئتان] في صِفَاتِ التَّرْجِيحِ قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ قال الْقَاضِي هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَالْأَذَانِ. الثَّانِيَةُ: هل تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عن الناس بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ لهم أَمْ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ فيه وَجْهَانِ وَخَرَّجَ الآمدي رِوَايَتَيْنِ بناء [بنى] على أَنَّ خَطَأَهُ هل هو في بَيْتِ الْمَالِ أو على عَاقِلَتِهِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْوَكَالَةِ لِعُمُومِهِمْ وَذَكَرَ في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ رِوَايَتَيْنِ في انْعِقَادِ إمَامَتِهِ بِمُجَرَّدِ الْقَهْرِ قال في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالسِّتِّينَ وَهَذَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِلْخِلَافِ في الْوِلَايَةِ وَالْوَكَالَةِ أَيْضًا وَيَنْبَنِي على هذا الْخِلَافِ انْعِزَالُهُ بِالْعَزْلِ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ فَإِنْ قُلْنَا هو وَكِيلٌ فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ وَإِنْ قُلْنَا هو وَالٍ لم يَنْعَزِلْ بِالْعَزْلِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ من تَابَعَهُ وَهَلْ لهم عَزْلُهُ إنْ كان بِسُؤَالِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ من عَزْلِ نَفْسِهِ وَإِنْ كان بِغَيْرِ سُؤَالِهِ لم يَجُزْ بِغَيْرِ خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَهُمْ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ على الْإِمَامِ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان الْإِمَامُ عَادِلًا أو لَا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَجَوَّزَ ابن عقِيلٍ وابن الْجَوْزِيِّ الْخُرُوجَ على إمَامٍ غَيْرِ عَادِلٍ وَذَكَرَا خُرُوجَ الْحُسَيْنِ على يَزِيدَ لِإِقَامَةِ الْحَقِّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ ابن رزين على ما تَقَدَّمَ قال في الْفُرُوعِ وَنُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أن ذلك لَا يَحِلُّ وَأَنَّهُ بِدْعَةٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وآمره بِالصَّبْرِ وَأَنَّ السَّيْفَ إذَا وَقَعَ عَمَّتْ الْفِتْنَةُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَتُسْفَكُ الدِّمَاءُ وَتُسْتَبَاحُ الْأَمْوَالُ وَتُنْتَهَكُ الْمَحَارِمُ الثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَلَهُمْ مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ أَنَّهُمْ لو كَانُوا جَمْعًا يَسِيرًا أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ حُكْمَ الْبُغَاةِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ بَلْ حُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وقال أبو بَكْرٍ هُمْ بُغَاةٌ أَيْضًا وهو رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا أبو الْخَطَّابِ الثَّالِثُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ سَوَاءٌ كان فِيهِمْ وَاحِدٌ مُطَاعٌ أولا وَأَنَّهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا في طَرَفٍ وِلَايَتِهِ أو وَسَطِهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأصحاب وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في التَّرْغِيبِ لَا تَتِمُّ شَوْكَتُهُمْ إلَّا وَفِيهِمْ وَاحِدٌ مُطَاعٌ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُمْ في طَرَفِ وِلَايَتِهِ وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ تَدْعُو إلَى نَفْسِهَا أو إلَى إمَامٍ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُرَاسَلَهُمْ وَيَسْأَلَهُمْ ما يَنْقِمُونَ منه وَيُزِيلَ ما يَذْكُرُونَهُ من مَظْلِمَةٍ وَيَكْشِفَ ما يَدَّعُونَهُ من شُبْهَةٍ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاءُوا وَإِلَّا قَاتَلَهُمْ يَعْنِي إذَا كان يَقْدِرُ على قِتَالِهِمْ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأصحاب وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ له قَتْلُ الْخَوَارِجِ ابْتِدَاءً وَتَتِمَّةً الْجَرِيحِ قال في الْفُرُوعِ وهو خِلَافُ ظَاهِرِ رِوَايَةِ عَبْدُوسِ بن مَالِكٍ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ في الْخَوَارِجِ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ من أصحابنَا أَنَّهُمْ بُغَاةٌ لهم حُكْمُهُمْ وَأَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَلَيْسَ بِمُرَادِهِمْ لِذِكْرِهِمْ كُفْرَهُمْ وَفِسْقَهُمْ بِخِلَافِ الْبُغَاةِ قال في الْكَافِي ذَهَبَ فُقَهَاءُ أصحابنَا إلَى أَنَّ حُكْمَ الْخَوَارِجِ حُكْمُ الْبُغَاةِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ من أَهْلِ الحديث إلَى أَنَّهُمْ كُفَّارٌ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ انتهى. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بين الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ وهو الْمَعْرُوفُ عن الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الحديث وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَنُصُوصِ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ وَأَتْبَاعِهِمْ قال في الْفُرُوعِ وَاخْتِيَارُ شَيْخِنَا يَخْرُجُ على وَجْهِ من صَوَّبَ غير مُعَيَّنٍ أو وَقَفَ لِأَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه هو الْمُصِيبُ وَهِيَ أَقْوَالٌ في مَذْهَبِنَا وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْخَوَارِجُ بُغَاةٌ مُبْتَدِعَةٌ يُكَفِّرُونَ من أتى كَبِيرَةً وَلِذَلِكَ طَعَنُوا على الْأَئِمَّةِ وَفَارَقُوا الْجَمَاعَةَ وَتَرَكُوا الْجُمُعَةَ وَمِنْهُمْ من كَفَّرَ الصَّحَابَةَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَسَائِرَ أَهْلِ الْحَقِّ وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَقِيلَ هَؤُلَاءِ كُفَّارٌ كَالْمُرْتَدِّينَ فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ ابْتِدَاءً وَقَتْلُ أَسِيرِهِمْ وَاتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ وَمَنْ قُدِرَ عليه منهم اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وهو أَوْلَى انتهى. قُلْت وهو الصَّوَابُ قال الزَّرْكَشِيُّ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذَّنْبِ وَيُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ فِيهِمْ رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ إحْدَاهُمَا: هُمْ كُفَّارٌ وَالثَّانِيَةُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِمْ.
تنبيه: قَوْلُهُ فَإِنْ فَاءُوا وَإِلَّا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ يَعْنِي وُجُوبًا جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمْ قال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ قِصَّةِ الْحُسَيْنِ ابن علِيٍّ رضي اللَّهُ عنهما وَقَوْلُهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ سَتَكُونُ فِتْنَةٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْقِتَالَ لَا يَجِبُ وَمَالَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِينَ عليهم بِسِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ على وَجْهَيْنِ يَعْنِي بِسِلَاحِ الْبُغَاةِ وَكُرَاعِهِمْ صَرَّحَ بِهِ الْأصحاب وَهُمَا رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا وَالْحَاوِي أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالثَّانِي يَجُوزُ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ.
فائدة: الْمُرَاهِقُ منهم وَالْعَبْدُ كَالْخَيْلِ قَالَهُ في التَّرْغِيبِ. قَوْلُهُ: وَلَا يُتْبَعُ لهم مُدْبِرٌ وَلَا يُجَازُ على جَرِيحٍ اعلم أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ مُدْبِرِهِمْ وَجَرِيحِهِمْ بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يُتْبَعُ مُدْبِرُهُمْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَقِيلَ في آخِرِ الْقِتَالِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ قُلْت يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ إنْ خِيفَ من اجْتِمَاعِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ تَبِعَهُمْ فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ فَعَلَ فَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا يُقَادُ بِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ الْآتِي وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالثَّانِي لَا يُقَادُ بِهِ قُلْت وهو الصَّوَابُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ في ذلك فَأَنْتَجَ شُبْهَةً.
فائدة: قال في الْمُسْتَوْعِبِ الْمُدْبِرُ من انْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُ لَا الْمُتَحَرِّفُ إلَى مَوْضِعٍ وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ يَحْرُمُ قَتْلُ من تَرَكَ الْقِتَالَ. قَوْلُهُ: وَمَنْ أُسِرَ من رِجَالِهِمْ حُبِسَ حتى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ ثُمَّ يُرْسَلَ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ يُخَلَّى إنْ أُمِنَ عَوْدُهُ وقال في التَّرْغِيبِ لَا يُرْسَلُ مع بَقَاءِ شَوْكَتِهِمْ قُلْت وهو الصَّوَابُ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ من أَطْلَقَ فَعَلَى هذا لو بَطَلَتْ شَوْكَتُهُمْ وَلَكِنْ يُتَوَقَّعُ اجْتِمَاعُهُمْ في الْحَالِ فَفِي إرْسَالِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ إرْسَالِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ حَبْسُهُ ليخلي أَسِيرُنَا. قَوْلُهُ: فَإِنْ أُسِرَ صَبِيٌّ أو امْرَأَةٌ فَهَلْ يُفْعَلُ بِهِ ذلك أو يُخَلَّى في الْحَالِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وأطلقهما في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابن منجا أَحَدُهُمَا يُفْعَلُ بِهِ كما يُفْعَلُ بِالرَّجُلِ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُخَلَّى في الْحَالِ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قُلْت الصَّوَابُ النَّظَرُ إلَى ما هو أَصْلَحُ من الْإِمْسَاكِ وَالْإِرْسَالِ وَلَعَلَّ الْوَجْهَيْنِ مَبْنِيَّانِ على ذلك. قَوْلُهُ: وَلَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْعَدْلِ ما أَتْلَفُوهُ عليهم حَالَ الْحَرْبِ من نَفْسٍ أو مَالٍ بِلَا نِزَاعٍ وَتَقَدَّمَ في كَفَّارَةِ الْقَتْلِ هل يَجِبُ على الْقَاتِلِ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ وَهَلْ يَضْمَنُ الْبُغَاةُ ما أَتْلَفُوهُ على أَهْلِ الْعَدْلِ في الْحَرْبِ على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ إحْدَاهُمَا: لَا يَضْمَنُونَ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَاخْتَارَهُ ابن عبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا قُلْت فَيُعَايَى بها وَالرِّوَايَةُ. الثَّانِيَةُ: يَضْمَنُونَ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ في الْقَوَدِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت إنْ ضَمِنَ الْمَالَ احْتَمَلَ الْقَوَدُ وَجْهَيْنِ انتهى. قُلْت الصَّوَابُ وُجُوبُ الْقَوَدِ وَالْوَجْهَانِ أَيْضًا في تَحَتُّمِ الْقَتْلِ بَعْدَهَا قَالَهُ في الْفُرُوعِ.
فائدة: قَوْلُهُ: وما أَخَذُوا في حَالِ امْتِنَاعِهِمْ من زَكَاةٍ أو خَرَاجٍ أو جِزْيَةٍ لم يُعَدْ عليهم وَلَا على صَاحِبِهِ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ نَصَّ عليه في الْخَوَارِجِ إذَا غَلَبُوا على بَلَدٍ وَأَخَذُوا منه الْعُشْرَ وَقَعَ مَوْقِعَهُ قال الْقَاضِي في الشَّرْحِ هذا مَحْمُولٌ على أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِتَأْوِيلٍ وقال في مَوْضِعٍ إنَّمَا يُجْزِئُ أَخْذُهُمْ إذَا نَصَبُوا لهم إمَامًا قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في مَوْضِعٍ من الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ اخْتِيَارًا وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّوَقُّفُ فِيمَا أَخَذَهُ الْخَوَارِجُ من الزَّكَاةِ وقال الْقَاضِي وقد قِيلَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلَفَ الْأَئِمَّةِ الْفُسَّاقِ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْأَعْشَارِ وَالصَّدَقَاتِ إلَيْهِمْ وَلَا إقَامَةُ الْحُدُودِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَحْوُهُ. قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَى ذِمِّيٌّ دَفْعَ جِزْيَتِهِ إلَيْهِمْ لم تُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَفِيهِ احْتِمَالٌ تُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ إذَا كان بَعْدَ الْحَوْلِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ دَفْعَ خَرَاجِهِ إلَيْهِمْ فَهَلْ تُقْبَلُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ على وَجْهَيْنِ عِبَارَتُهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ كَذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ شَمِلَ كَلَامُهُ مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: إذَا كان مُسْلِمًا وَادَّعَى ذلك فَأَطْلَقَ في قَبُولِ قَوْلِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ أَحَدُهُمَا لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقْبَلُ مع يَمِينِهِ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمَسْأَلَةُ. الثَّانِيَةُ: إذَا كان ذِمِّيًّا وَأَطْلَقَ في قَبُولِ قَوْلِهِ بلا [بل] بَيِّنَةٌ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَحَدُهُمَا لَا يُقْبَلُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقْبَلُ. قَوْلُهُ: مع يَمِينِهِ جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وهو ظَاهِرُ ما صَحَّحَهُ في النَّظْمِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ يُقْبَلُ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ. قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا يُنْقَضُ من حُكْمِ حَاكِمِهِمْ إلَّا ما يُنْقَضُ من حُكْمِ غَيْرِهِ هذا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وقال ابن عَقِيلٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ ما لم يَكُونُوا دُعَاةً ذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ وَذَكَرَ في الْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ وَالشَّرْحِ أَنَّ الْأَوْلَى رَدُّ كِتَابِهِ قبل الْحَكَمِ بِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ ابن عقِيلٍ وَغَيْرَهُ فَسَّقُوا الْبُغَاةَ.
فائدة: لو ولي الْخَوَارِجُ قَاضِيًا لم يَجُزْ قَضَاؤُهُ عِنْدَ الْأصحاب وفي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ احْتِمَالٌ بِصِحَّةِ قَضَاءِ الْخَارِجِيِّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ كما لو أَقَامَ الْحَدَّ أو أَخَذَ جِزْيَةً وَخَرَاجًا وَزَكَاةً. قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَعَانُوهُمْ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ إلَّا أَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ عليهم مَعُونَةُ من اسْتَعَانَ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوُ ذلك فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ إذَا قَاتَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مع الْبُغَاةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَدَّعُوا شُبْهَةً أو لَا فَإِنْ لم يَدَّعُوا شُبْهَةً كما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يُنْتَقَضُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَصِيرُونَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ حُكْمُهُمْ حُكْمَ الْبُغَاةِ وَعَلَى الثَّانِي أَيْضًا في أَهْلِ عَدْلٍ وَجْهَانِ قال في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ فَفِي أَهْلِ عَدْلٍ وَجْهَانِ انتهى. قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ الْعَكْسَ أَوْلَى وهو أَنَّهُمْ إذَا قَاتَلُوا مع الْبُغَاةِ وَقُلْنَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ فَهَلْ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ إذَا قَاتَلُوا مع أَهْلِ الْعَدْلِ هذا ما يَظْهَرُ وَإِنْ ادَّعَوْا شُبْهَةً كَظَنِّهِمْ وُجُوبَهُ عليهم وَنَحْوَهُ لم يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال في التَّرْغِيبِ في نَقْضِ عَهْدِهِمْ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ: وَيَغْرَمُونَ ما أَتْلَفُوهُ من نَفْسٍ وَمَالٍ يَعْنِي أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا قَاتَلُوا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وقال في الْفُرُوعِ وَيَضْمَنُونَ ما أَتْلَفُوهُ في الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ لَا يَضْمَنُونَ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت وَإِنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ فَلَا يَضْمَنُ.
تنبيه: قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ وَأَمَّنُوهُمْ لم يَصِحَّ أَمَانُهُمْ وَأُبِيحَ قَتْلُهُمْ يَعْنِي لِغَيْرِ الَّذِينَ أَمَّنُوهُمْ فَأَمَّا الَّذِينَ أَمَّنُوهُمْ فَلَا يُبَاحُ لهم ذلك وهو ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: وَإِنْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ ولم يَجْتَمِعُوا لِحَرْبٍ لم يُتَعَرَّضْ لهم بَلْ تَجْرِي الْأَحْكَامُ عليهم كَأَهْلِ الْعَدْلِ قال في الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قُلْت منهم أبو بَكْرٍ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَنِهَايَةِ ابن رزين وَغَيْرِهِمْ وَسَأَلَهُ الْمَرْوَزِيِّ عن قَوْمٍ من أَهْلِ الْبِدَعِ يَتَعَرَّضُونَ وَيُكَفِّرُونَ قال لَا تَعَرَّضُوا لهم قُلْت وَأَيُّ شَيْءٍ تَكْرَهُ أَنْ يُحْبَسُوا قال لهم وَالِدَاتٌ وَأَخَوَاتٌ وقال في رِوَايَةِ ابن منصور الْحَرُورِيَّةُ إذَا دَعَوْا إلَى ما هُمْ عليه إلَى دِينِهِمْ فَقَاتِلْهُمْ وَإِلَّا فَلَا يُقَاتَلُونَ وَسَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ الْأُطْرُوشُ عن قَتْلِ الْجَهْمِيِّ قال أَرَى قَتْلَ الدُّعَاةِ منهم وَنَقَل ابن الْحَكَمِ أَنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ قال عَمْرُو ابن عبَيْدٍ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَى ذلك إذَا جَحَدَ الْعِلْمَ وَذَكَرَ له الْمَرُّوذِيُّ عَمْرَو ابن عبَيْدٍ قال كان لَا يُقِرُّ بِالْعِلْمِ وَهَذَا كَافِرٌ وقال له الْمَرُّوذِيُّ الْكَرَابِيسِيُّ يقول من لم يَقُلْ لَفْظُهُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ فقال هو الْكَافِرُ.
فوائد: الْأُولَى: قَوْلُهُ: فَإِنْ سَبُّوا الْإِمَامَ عَزَّرَهُمْ وَكَذَا لو سَبُّوا عَدْلًا فَلَوْ عَرَضُوا لِلْإِمَامِ أو لِلْعَدْلِ بِالسَّبِّ فَفِي تَعْزِيرِهِمْ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي أَحَدُهُمَا يُعَزَّرُ قُلْت وهو الصَّوَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُعَزَّرُ قال في الْمُذْهَبِ فَإِنْ صَرَّحُوا بِسَبِّ الْإِمَامِ عَزَّرَهُمْ. الثَّانِيَةُ: قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في مُبْتَدِعٍ دَاعِيَةٍ له دُعَاةٌ أَرَى حَبْسَهُ وَكَذَا قال في التَّبْصِرَةِ على الْإِمَامِ مَنْعُهُمْ وَرَدْعُهُمْ وَلَا يُقَاتِلُهُمْ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبِهِ فَكَبُغَاةٍ وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا في الْحَرُورِيَّةِ الدَّاعِيَةُ يُقَاتَلُ كَبُغَاةٍ وَنَقَل ابن مَنْصُورٍ يُقَاتَلُ من مَنَعَ الزَّكَاةَ وَكُلُّ من مَنَعَ فَرِيضَةً فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُ حتى يَأْخُذُوهَا منه وَاخْتَارَهُ أبو الْفَرَجِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال أَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عن شَرِيعَةٍ مُتَوَاتِرَةٍ من شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ قِتَالُهَا حتى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ كَالْمُحَارِبِينَ وَأَوْلَى وقال في الرَّافِضَةِ شَرٌّ من الْخَوَارِجِ اتِّفَاقًا قال وفي قَتْلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا وَنَحْوِهِمَا وَكُفْرِهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ قَتْلِهِ كَالدَّاعِيَةِ وَنَحْوِهِ. الثَّالِثَةُ: من كَفَّرَ أَهْلَ الْحَقِّ وَالصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ بِتَأْوِيلٍ فَهُمْ خَوَارِجُ بُغَاةٌ فَسَقَةٌ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ هُمْ كُفَّارٌ قُلْت وهو الصَّوَابُ وَاَلَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ قال في التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ وَهِيَ أَشْهَرُ وَذَكَرَ ابن حامد أَنَّهُ لَا خِلَافَ فيه وَذَكَرَ ابن عقِيلٍ في الْإِرْشَادِ عن أصحابنَا تَكْفِيرُ من خَالَفَ في أَصْلٍ كَخَوَارِجَ وَرَوَافِضَ وَمُرْجِئَةٍ وَذَكَرَ غَيْرُهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَنْ قال لم يَخْلُقْ اللَّهُ الْمَعَاصِيَ أو وَقَفَ فِيمَنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ وَفِيمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا غير مُسْتَحِلٍّ وَأَنَّ مُسْتَحِلَّهُ كَافِرٌ وقال في الْمُغْنِي يَخْرُجُ في كل مُحَرَّمٍ اُسْتُحِلَّ بِتَأْوِيلٍ كَالْخَوَارِجِ وَمَنْ كَفَّرَهُمْ فَحُكْمُهُمْ عِنْدَهُ كَمُرْتَدِّينَ قال في الْمُغْنِي هذا مُقْتَضَى قَوْلِهِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ نُصُوصُهُ صَرِيحَةٌ على عَدَمِ كُفْرِ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا كَفَّرَ الْجَهْمِيَّةَ لَا أَعْيَانَهُمْ قال وَطَائِفَةٌ تَحْكِي عنه رِوَايَتَيْنِ في تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ مُطْلَقًا حتى الْمُرْجِئَةَ وَالشِّيعَةَ الْمُفَضِّلَةَ لِعَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه قال وَمَذَاهِبُ الأئمة [للأئمة] الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَبْنِيَّةٌ على التَّفْضِيلِ بين النَّوْعِ وَالْعَيْنِ وَنَقَلَ محمد ابن عوْفٍ الْحِمْصِيُّ من أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ النبي عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من الْإِسْلَامِ الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ وَالرَّافِضَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ فقال لَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ وَلَا تُصَلُّوا عليهم وَنَقَلَ محمد بن منصور الطُّوسِيُّ من زَعَمَ أَنَّ في الصَّحَابَةِ خَيْرًا من أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه فَوَلَّاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَدْ افْتَرَى عليه وَكَفَرَ فَإِنْ زَعَمَ بِأَنَّ اللَّهَ يقر [قر] الْمُنْكَرَ بين أَنْبِيَائِهِ في الناس فَيَكُونُ ذلك سَبَبَ ضَلَالَتِهِمْ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ من قال عِلْمُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ كَفَرَ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ الْقَدَرِيُّ لَا نُخْرِجُهُ عن الْإِسْلَامِ وقال في نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ من سَبَّ صَحَابِيًّا مُسْتَحِلًّا كَفَرَ وَإِلَّا فَسَقَ وَقِيلَ وَعَنْهُ يَكْفُرُ نَقَلَ عبد اللَّهِ فِيمَنْ شَتَمَ صَحَابِيًّا الْقَتْلَ أَجْبُنُ عنه وَيُضْرَبُ ما أَرَاهُ على الْإِسْلَامِ وَذَكَرَ ابن حامد في أُصُولِهِ كُفْرَ الْخَوَارِجِ وَالرَّافِضَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وقال من لم يُكَفِّرْ من كَفَّرْنَاهُ فَسَقَ وَهُجِرَ وفي كُفْرِهِ وَجْهَانِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ هو وَغَيْرُهُ من رواية [رواة] الْمَرُّوذِيِّ وَأَبِي طَالِبٍ وَيَعْقُوبَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ وقال من رَدَّ مُوجِبَاتِ الْقُرْآنِ كَفَرَ وَمَنْ رَدَّ ما تَعَلَّقَ بِالْأَخْبَارِ وَالْآحَادِ الثَّابِتَةِ فَوَجْهَانِ وَأَنَّ غَالِبَ أصحابنَا على كُفْرِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ وَذَكَرَ ابن حامد في مَكَان آخَرَ إنْ جَحَدَ أَخْبَارَ الْآحَادِ كَفَرَ كَالْمُتَوَاتِرِ عِنْدَنَا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ فَأَمَّا من جَحَدَ الْعِلْمَ بها فَالْأَشْبَهُ لَا يَكْفُرُ وَيَكْفُرُ في نَحْوِ الْإِسْرَاءِ وَالنُّزُولِ وَنَحْوِهِ من الصِّفَاتِ وقال في إنْكَارِ المعتزل [المعتزلة] اسْتِخْرَاجَ قَلْبِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَإِعَادَتَهُ في كُفْرِهِمْ بِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً على أَصْلِهِ في الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ عِلْمَ اللَّهِ وَأَنَّهُ صِفَةٌ له وَعَلَى من قال لَا أُكَفِّرُ من لَا يُكَفِّرُ الْجَهْمِيَّةَ. الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَإِنْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ لِعَصَبِيَّةٍ أو طَلَبِ رِئَاسَةٍ فَهُمَا ظَالِمَتَانِ وَتُضَمَّنُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ما أَتْلَفَتْ على الْأُخْرَى وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ لَكِنْ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ جُهِلَ قَدْرُ ما نَهَبَتْهُ كُلُّ طَائِفَةٍ من الْأُخْرَى تساوتا [تساويا] كَمَنْ جَهِلَ قَدْرَ الْمُحَرَّمِ من مَالِهِ أَخْرَجَ نِصْفَهُ وَالْبَاقِي له وقال أَيْضًا أَوْجَبَ الْأصحاب الضَّمَانَ على مَجْمُوعِ الطَّائِفَةِ وَإِنْ لم يُعْلَمْ عَيْنُ الْمُتْلَفِ وقال أَيْضًا وَإِنْ تَقَاتَلَا تَقَاصَّا لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ وَالْمُعِينَ سَوَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. الْخَامِسَةُ: لو دخل أَحَدٌ فِيهِمَا لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا فَقُتِلَ وَجُهِلَ قَاتِلُهُ ضَمِنَتْهُ الطَّائِفَتَانِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ: فَمَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ أو جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ أو وَحْدَانِيَّتَهُ أو صِفَةً من صِفَاتِهِ قال ابن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ أو جَحَدَ صِفَةً من صِفَاتِهِ الْمُتَّفَقِ على إثْبَاتِهَا. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: أو سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى أو رَسُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَفَرَ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَا لو كان مُبْغِضًا لِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو لِمَا جاء بِهِ اتِّفَاقًا.
تنبيه: قَوْلُهُ فَمَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ أو جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ أو وَحْدَانِيَّتَهُ أو صِفَةً من صِفَاتِهِ أو اتَّخَذَ لِلَّهِ صَاحِبَةً أو وَلَدًا أو جَحَدَ نَبِيًّا أو كِتَابًا من كُتُبِ اللَّهِ أو شيئا منه أو سَبَّ اللَّهَ أو رَسُولَهُ كَفَرَ بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ وَمُرَادُهُ إذَا أتى بِذَلِكَ طَوْعًا وَلَوْ هَازِلًا وكان ذلك بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ طَوْعًا وَقِيلَ وَكَرْهًا قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الْأصحاب أَنَّ هذه الْأَحْكَامَ مُتَرَتِّبَةٌ عليه حَيْثُ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ طَوْعًا أو كَرْهًا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال وَالْأَصَحُّ بِحَقٍّ يَعْنِي إذَا أُكْرِهَ على الْإِسْلَامِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ على الْأَصَحِّ.
فائدة: قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَا الْحُكْمُ لو جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَسَائِطَ يَتَوَكَّلُ عليهم وَيَدْعُوهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ إجْمَاعًا قال جَمَاعَةٌ من الْأصحاب أو سَجَدَ لِشَمْسٍ أو قَمَرٍ قال في التَّرْغِيبِ أو أتى بِقَوْلٍ أو فِعْلٍ صَرِيحٍ في الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ وَقِيلَ أو كَذَبَ على نَبِيٍّ أو أَصَرَّ في دَارِنَا على خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ غير مُسْتَحِلٍّ وقال الْقَاضِي رَأَيْت بَعْضَ أصحابنَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ وَالْمُسْكِرِ كُلِّهِ كَالْخَمْرِ وَلَا يَكْفُرُ بِجَحْدِ قِيَاسٍ اتِّفَاقًا لِلْخِلَافِ بَلْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ قال وَمَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَسَرَّ الْكُفْرَ فَمُنَافِقٌ وَإِنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْوَاجِبِ وفي قَلْبِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَنِفَاقٌ وَهَلْ يَكْفُرُ على وَجْهَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأصحاب لَا يَكْفُرُ إلَّا مُنَافِقٌ أَسَرَّ الْكُفْرَ قال وَمِنْ أصحابنَا من أَخْرَجَ الْحَجَّاجَ بن يُوسُفَ عن الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَانْتَهَكَ حُرَمَ اللَّهِ وَحُرَمَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ عليه يَزِيدُ بن مُعَاوِيَةَ وَنَحْوُهُ وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِخِلَافِ ذلك وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِاللَّعْنَةِ خِلَافًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ وابن الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمَا وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْكَرَاهَةُ. قَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَكَ شيئا من الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ تَهَاوُنًا لم يَكْفُرْ يَعْنِي إذَا عَزَمَ على أَنْ لَا يَفْعَلَهُ أَبَدًا اُسْتُتِيبَ وُجُوبًا كَالْمُرْتَدِّ فَإِنْ أَصَرَّ لم يَكْفُرْ وَيُقْتَلُ حَدًّا جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يَكْفُرُ إلَّا بِالْحَجِّ لَا يَكْفُرُ بِتَأْخِيرِهِ بِحَالٍ وَعَنْهُ يَكْفُرُ بِالْجَمِيعِ نَقَلَهَا أبو بَكْرٍ وَاخْتَارَهَا هو وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَعَنْهُ يَخْتَصُّ الْكُفْرُ بِالصَّلَاةِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب قال ابن شِهَابٍ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ يَخْتَصُّ الْكُفْرُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَعَنْهُ يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ إذَا قَاتَلَ عَلَيْهِمَا الْإِمَامَ وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأصحاب وَعَنْهُ لَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ خَاصَّةً وَتَقَدَّمَ ذلك في أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وباب إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مُسْتَوْفًى بِأَتَمَّ من هذا. قَوْلُهُ: فَمَنْ ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وهو بَالِغٌ عَاقِلٌ مُخْتَارٌ أَيْضًا دُعِيَ إلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَعْنِي وُجُوبًا وَضُيِّقَ عليه فَإِنْ لم يَتُبْ قُتِلَ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ قال في النَّظْمِ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأصحاب وَعَنْهُ لَا تَجِبُ الِاسْتِتَابَةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ وَيَجُوزُ قَتْلُهُ في الْحَالِ قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ وَعَنْهُ وَلَا تَأْجِيلُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ.
تنبيه: يُسْتَثْنَى من ذلك رسول الْكُفَّارِ إذَا كان مُرْتَدًّا بِدَلِيلِ رَسُولَيْ مُسَيْلِمَةَ ذَكَرَه ابن الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الهدى قُلْت فَيُعَايَى بها.
فائدة: قال ابن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ فِيمَنْ وُلِدَ بِرَأْسَيْنِ فلما بَلَغَ نَطَقَ أَحَدُ الرَّأْسَيْنِ بِالْكُفْرِ وَالْآخَرُ بِالْإِسْلَامِ إنْ نَطَقَا مَعًا فَفِي أَيِّهِمَا يَغْلِبُ احْتِمَالَانِ قال وَالصَّحِيحُ إنْ تَقَدَّمَ الْإِسْلَامُ فَمُرْتَدٌّ. قَوْلُهُ: وَإِنْ عَقَلَ الصَّبِيُّ الْإِسْلَامَ صَحَّ إسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ يَعْنِي إذَا كان مُمَيِّزًا وَهَذَا الْمَذْهَبُ كما قال الْمُصَنِّفُ هُنَا وَقَالَهُ الشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ في بَابِ اللُّقَطَةِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وقد أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ بن الْعَوَّامِ رضي اللَّهُ عنه وهو بن ثَمَانِ سِنِينَ وَكَذَلِكَ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه حَكَاهُ في التَّلْخِيصِ في بَابِ اللُّقَطَةِ وَقَالَهُ عُرْوَةُ وَعَنْهُ يَصِحُّ إسْلَامُهُ دُونَ رِدَّتِهِ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَظْهَرُ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُمَا حتى يَبْلُغَ وَعَنْهُ يَصِحُّ مِمَّنْ بَلَغَ عَشْرًا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ في صِحَّةِ إسْلَامِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأصحاب حتى إنَّ جَمَاعَةً منهم أبو مُحَمَّدٍ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي جَزَمُوا بِذَلِكَ انتهى. وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَعَنْهُ يَصِحُّ مِمَّنْ بَلَغَ سَبْعًا فَعَلَى هذه الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ قال في الِانْتِصَارِ وَيَتَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُونَ وَيُدْفَنُ في مَقَابِرِهِمْ وَأَنْ فَرِيضَتَهُ مُتَرَتِّبَةٌ على صِحَّتِهِ كَصِحَّتِهِ تَبَعًا وَكَصَوْمِ مَرِيضٍ وَمُسَافِرِ رَمَضَانَ. قَوْلُهُ: وَإِنْ أَسْلَمَ يَعْنِي الْكَافِرَ صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا وَإِنْ كان ظَاهِرُهُ في الصَّغِيرِ ثُمَّ قال لم أَدْرِ ما قُلْت لم يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَأُجْبِرَ على الْإِسْلَامِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ قال أبو بَكْرٍ وَالْعَمَلُ عليه وَجَزَمَ بِهِ ابن منجا في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَعَنْهُ يُقْبَلُ منه وَعَنْهُ يُقْبَلُ منه إنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ وَإِلَّا فَلَا وَرَوَى عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ من الصَّبِيِّ وَلَا يُجْبَرُ على الْإِسْلَامِ قال أبو بَكْرٍ هذا قَوْلٌ مُحْتَمَلٌ لِأَنَّ الصَّبِيَّ في مَظِنَّةِ النَّقْصِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا قال وَالْعَمَلُ على الْأَوَّلِ قال الْإِمَامِ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ قال لِكَافِرٍ أَسْلِمْ وَخُذْ أَلْفًا فَأَسْلَمَ ولم يُعْطِهِ فَأَبَى الْإِسْلَامَ يُقْتَلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ قال وَإِنْ أَسْلَمَ على صَلَاتَيْنِ قُبِلَ منه وَأُمِرَ بِالْخَمْسِ. قَوْلُهُ: وَلَا يُقْتَلُ حتى يَبْلُغَ وَيُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ من وَقْتِ بُلُوغِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأصحاب وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وقال في الرَّوْضَةِ تَصِحُّ رِدَّةُ مُمَيِّزٍ فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وتجري عليه أَحْكَامُ الْبُلَّغِ وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ فَإِنْ بَلَغَ مُرْتَدًّا قُتِلَ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ وَقِيلَ لَا يُقْتَلُ حتى يَبْلُغَ مُكَلَّفًا انتهى. قَوْلُهُ: وَمَنْ ارْتَدَّ وهو سَكْرَانُ لم يُقْتَلْ حتى يَصْحُوَ وَيَتِمَّ له ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ من وَقْتِ رِدَّتِهِ تَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ هذا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا قال النَّاظِمُ هذا أَظْهَرُ قَوْلَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَصَحَّحَهُ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ في كِتَابِ الطَّلَاقِ وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ اخْتَارَهُ النَّاظِمُ في كِتَابِ الطَّلَاقِ وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ: لم يُقْتَلْ حتى يَصْحُوَ وَتَتِمَّ له ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ من وَقْتِ رِدَّتِهِ وهو أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا وَغَيْرِهِمْ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ من حِينِ صَحْوِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: وَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ أو من سَبَّ اللَّهَ أو رَسُولَهُ وَالسَّاحِرِ يَعْنِي الذي يَكْفُرُ بِسِحْرِهِ على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ إحْدَاهُمَا: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وهو اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ وَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ وابن الْبَنَّا وَالشِّيرَازِيِّ في الزِّنْدِيقِ قال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ هذا الذي نَصَرَهُ الْأصحاب وهو اخْتِيَارُ أبي الْخَطَّابِ في خِلَافِهِ في السَّاحِرِ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَالشِّيرَازِيُّ في سَابِّ الرَّسُولِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْخِرَقِيُّ في قَوْلِهِ من قَذَفَ أُمَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُتِلَ وَالْأُخْرَى تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وهو اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ في السَّاحِرِ وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ وَالزِّنْدِيقِ وَآخِرُ قَوْلَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وهو اخْتِيَارُ الْقَاضِي في رِوَايَتَيْهِ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في تَعْلِيقِهِ في سَابِّ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْهُ لَا تُقْبَلُ إنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ ثَلَاثًا فَأَكْثَرَ وَإِلَّا قُبِلَتْ وقال في الْفُصُولِ عن أصحابنَا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إنْ سَبَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَا يُعْلَمُ إسْقَاطُهُ وَأَنَّهَا تُقْبَلُ إنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ في خَالِصِ حَقِّهِ وَجَزَمَ بِهِ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْخَالِقَ مُنَزَّهٌ عن النَّقَائِصِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ فإنه مَحَلٌّ لها وَلِهَذَا افْتَرَقَا وَعَنْهُ مِثْلُهُمْ فِيمَنْ وُلِدَ على الْفِطْرَةِ ثُمَّ ارْتَدَّ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
تنبيه: مَحَلُّ الْخِلَافِ في السَّاحِرِ حَيْثُ يُحْكَمُ بِقَتْلِهِ بِذَلِكَ على ما يَأْتِي في آخِرِ الْبَابِ.
فوائد: الْأُولَى: حُكْمُ من تَنَقَّصَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُكْمُ من سَبَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ وَلَوْ تَعْرِيضًا نَقَلَ حَنْبَلٌ من عَرَّضَ بِشَيْءٍ من ذِكْرِ الرَّبِّ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ مُسْلِمًا كان أو كَافِرًا وَأَنَّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسَأَلَه ابن مَنْصُورٍ ما الشَّتِيمَةُ التي يُقْتَلُ بها قال نَحْنُ نَرَى في التَّعْرِيضِ الْحَدَّ قال فَكَانَ مَذْهَبُهُ فِيمَا يَجِبُ فيه الْحَدُّ من الشَّتِيمَةِ التَّعْرِيضَ. الثَّانِيَةُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ في عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِمْ وَقَبُولِهَا في أَحْكَامِ الدُّنْيَا من تَرْكِ قَتْلِهِمْ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَأَمَّا في الْآخِرَةِ فَإِنْ صَدَقَتْ تَوْبَتُهُ قُبِلَتْ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ ابن عقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وفي إرْشَادِ ابن عقِيلٍ رِوَايَةً لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ بَاطِنًا وَضَعَّفَهَا وقال كَمَنْ تَظَاهَرَ بِالصَّلَاحِ إذَا أتى مَعْصِيَةً وَتَابَ منها وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأصحابهُ رِوَايَةً لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ دَاعِيَةٍ إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ اخْتَارَهَا أبو إِسْحَاقَ بن شَاقِلَا وقال ابن عَقِيلٍ في إرْشَادِهِ نَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِمَنْ أَضَلَّ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ لَا مُطَالَبَةَ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قد بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُ يَتُوبُ على أَئِمَّةِ الْكُفْرِ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ من أَئِمَّةِ الْبِدَعِ وقال في الرِّعَايَةِ من كَفَرَ بِبِدْعَةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ على الْأَصَحِّ وَقِيلَ إنْ اعْتَرَفَ بها وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ من دَاعِيَةٍ. الثَّالِثَةُ: الزِّنْدِيقُ هو الذي يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ وَيُسَمَّى مُنَافِقًا في الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا من أَظْهَرَ الْخَيْرَ وَأَبْطَنَ الْفِسْقَ فَكَالزِّنْدِيقِ في تَوْبَتِهِ في قِيَاسِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَذَكَرَهُ ابن عقِيلٍ وَحَمَلَ رِوَايَةَ قَبُولِ تَوْبَةِ السَّاحِرِ على الْمُتَظَاهِرِ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ قال في الْفُرُوعِ يُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُهُمْ لِلرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ بِأَنَّهُ لم يُوجَدْ بِالتَّوْبَةِ سِوَى ما يُظْهِرُهُ قال وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ تُقْبَلُ وهو أَوْلَى في الْكُلِّ انتهى. الرَّابِعَةُ: تُقْبَلُ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأصحاب قَاطِبَةً وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأصحابهُ رِوَايَةً لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو اُقْتُصَّ من الْقَاتِلِ أو عُفِيَ عنه هل يُطَالِبُهُ الْمَقْتُولُ في الْآخِرَةِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ قال الْإِمَامُ بن الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالتَّحْقِيقُ في الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَتْلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثلاث [ثلاثة] حُقُوقٍ حَقٌّ لِلَّهِ وَحَقٌّ لِلْمَقْتُولِ وَحَقٌّ لِلْوَلِيِّ فإذا أَسْلَمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا إلَى الْوَلِيِّ نَدَمًا على ما فَعَلَ وَخَوْفًا من اللَّهِ وَتَوْبَةً نَصُوحًا سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ أو الصُّلْحِ أو الْعَفْوِ وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ تَعَالَى عنه يوم الْقِيَامَةِ عن عَبْدِهِ التَّائِبِ الْمُحْسِنِ وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلَا يَذْهَبُ حَقُّ هذا وَلَا تَبْطُلُ تَوْبَةُ هذا انتهى. وهو الصَّوَابُ. قَوْلُهُ: وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ إسْلَامُهُ وهو أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ رِدَّتُهُ بِإِنْكَارِ فَرْضٍ أو إحْلَالِ مُحَرَّمٍ أو جَحْدِ نَبِيٍّ أو كِتَابٍ أو انْتَقَلَ إلَى دِينِ من يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ حتى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ وَيَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إلَى الْعَالَمِينَ أو يَقُولَ أنا بَرِيءٌ من كل دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ يَعْنِي يَأْتِي بِذَلِكَ مع الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ إذَا كان ارْتِدَادُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يُغْنِي. قَوْلُهُ: مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ عن كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَعَنْهُ يُغْنِي ذلك عن مُقِرٍّ بِالتَّوْحِيدِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ يَكْفِي التَّوْحِيدُ مِمَّنْ لَا يُقِرُّ بِهِ كَالْوَثَنِيِّ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ وَلِخَبَرِ أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي اللَّهُ عنهما وَقَتْلِهِ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِأَنَّهُ مَصْحُوبٌ بِمَا يَتَوَقَّفُ على الْإِسْلَامِ وَمُسْتَلْزِمٌ له وَذَكَرَ بن هُبَيْرَةَ في الْإِفْصَاحِ يَكْفِي التَّوْحِيدُ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ في حديث جُنْدُبٍ وَأُسَامَةَ قال فيه إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قال لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عُصِمَ بها دَمُهُ وَلَوْ ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ قَالَهَا فَرَقًّا من السَّيْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا.
فوائد: الْأُولَى: نَقَلَ أبو طَالِبٍ في الْيَهُودِيِّ إذَا قال قد أَسْلَمْت وأنا مُسْلِمٌ وَكَذَا. قَوْلُهُ: أنا مُؤْمِنٌ يُجْبَرُ على الْإِسْلَامِ قد عُلِمَ ما يُرَادُ منه وَقَالَهُ الْقَاضِي أبو يَعْلَى وابن الْبَنَّا وَغَيْرُهُمَا من الْأصحاب وَذَكَرَ في الْمُغْنِي احْتِمَالًا أَنَّ هذا في الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وَمَنْ جَحَدَ الْوَحْدَانِيَّةَ أَمَّا من كَفَرَ بِجَحْدِ نَبِيٍّ أو كِتَابٍ أو فَرِيضَةٍ أو نَحْوِ هذا فإنه لَا يَضُرُّ مُسْلِمًا بِذَلِكَ وفي مُفْرَدَاتِ أبي يَعْلَى الصَّغِيرِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْكَافِرَ لو قال أنا مُسْلِمٌ وَلَا أَنْطِقُ بِالشَّهَادَةِ يُقْبَلُ منه وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ. الثَّانِيَةُ: لو أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ على إقْرَارِهِ بِهِ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ وفي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ يَصِحُّ وَفِيهِ أَيْضًا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِكِتَابَةِ الشَّهَادَةِ. الثَّالِثَةُ: لَا يُعْتَبَرُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ إقْرَارُ مُرْتَدٍّ بِمَا جَحَدَهُ لِصِحَّةِ الشَّهَادَتَيْنِ من مُسْلِمٍ وَمِنْهُ بِخِلَافِ التَّوْبَةِ من الْبِدْعَةِ ذَكَرَهُ فيها جَمَاعَةٌ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ في الرَّجُلِ يُشْهَدُ عليه بِالْبِدْعَةِ فَيَجْحَدُ لَيْسَتْ له تَوْبَةٌ إنَّمَا التَّوْبَةُ لِمَنْ اعْتَرَفَ فَأَمَّا من جَحَدَ فَلَا. الرَّابِعَةُ: يَكْفِي جَحْدُهُ لِرِدَّتِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَرُجُوعِهِ عن حَدٍّ لَا بَعْدَ بَيِّنَةٍ بَلْ يُجَدِّدُ إسْلَامَهُ قال جَمَاعَةٌ يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ وفي الْمُنْتَخَبِ الْخِلَافُ نَقَل ابن الْحَكَمِ فِيمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ أو تَنَصَّرَ فَشَهِدَ عليه عُدُولٌ فقال لم أَفْعَلْ وأنا مُسْلِمٌ قُبِلَ. قَوْلُهُ: هو أَبَرُّ عِنْدِي من الشُّهُودِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ فَأَقَامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ صلى بَعْدَ الرِّدَّةِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في كِتَابِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: وَلَا يَبْطُلُ إحْصَانُ الْمُسْلِمِ بِرِدَّتِهِ هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب قال في الْفُرُوعِ وَيُؤْخَذُ بِحَدٍّ فَعَلَهُ في رِدَّتِهِ نَصّ عليه كَقَبْلِ رِدَّتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَظَاهِرُ ما نَقَلَهُ مُهَنَّا وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ إنْ أَسْلَمَ لَا يُؤْخَذُ بِهِ كَعِبَادَتِهِ وَعَنْهُ الْوَقْفُ وقال في الْفُرُوعِ أَيْضًا وَلَا يَبْطُلُ إحْصَانُ قَذْفٍ وَرَجْمٍ بِرِدَّةٍ فإذا أتى بِهِمَا بَعْدَ إسْلَامِهِ حُدَّ خِلَافًا لِكِتَابِ ابن رزين في إحْصَانِ رَجْمٍ. قَوْلُهُ: وَلَا عِبَادَاتُهُ التي فَعَلَهَا في إسْلَامِهِ يَعْنِي لَا تَبْطُلُ إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ الْعِبَادَاتُ التي فَعَلَهَا قبل رِدَّتِهِ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ حَجًّا أو صَلَاةً في وَقْتِهَا أو غير ذلك فَإِنْ كانت حَجًّا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بَلْ يُجْزِئُ الْحَجَّ الذي فَعَلَهُ قبل رِدَّتِهِ نَصَّ عليه قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ الْإِمَامُ بن الْقَيِّمِ وابن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ هُنَا وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ ابن عقِيلٍ في الْفُصُولِ في كِتَابِ الْحَجِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ لِابْنِ حَمْدَانَ وَاخْتَارَهُ ابن عبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْحَجِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَمَّا الصَّلَاةُ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَهَا في وَقْتِهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَجِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا وقال الْقَاضِي لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَإِنْ أَعَادَ الْحَجَّ لِفِعْلِهَا في إسْلَامِهِ الثَّانِي وَأَمَّا غَيْرُهُمَا من الْعِبَادَاتِ فقال الْأصحاب لَا تَبْطُلُ عِبَادَةٌ فَعَلَهَا في الْإِسْلَامِ إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا قَضَاءَ عليه إلَّا ما تَقَدَّمَ من الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ قال في الرِّعَايَةِ إنْ صَامَ قبل الرِّدَّةِ فَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في كِتَابِ الصَّلَاةِ فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ: وَمَنْ ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ لم يَزُلْ مِلْكُهُ بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا وَتَصَرُّفَاتُهُ مَوْقُوفَةٌ فَإِنْ أَسْلَمَ ثَبَتَ مِلْكُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ الظَّاهِرُ أَنَّ هذا بِنَاءٌ منه على ما قَدَّمَهُ في بَابِ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ من أَنَّ مِيرَاثَ الْمُرْتَدِّ فَيْءٌ وَاعْلَمْ أَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ نَقُولَ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ من الْمُسْلِمِينَ أو وَرَثَتُهُ من دِينِهِ الذي اخْتَارَهُ أو يَكُونَ فَيْئًا على ما تَقَدَّمَ في بَابِ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ فَإِنْ قُلْنَا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ من الْمُسْلِمِينَ أو من الدِّينِ الذي اخْتَارَهُ فإن تَصَرُّفَهُ في مِلْكِهِ في حَالِ رِدَّتِهِ كَالْمُسْلِمِ وَيُقَرُّ بيده وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأصحاب وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ مُرْتَدٍّ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ وَإِنْ قُلْنَا يَكُونُ فَيْئًا فَفِي وَقْتِ مَصِيرِهِ فَيْئًا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهُنَّ يَكُونُ فَيْئًا حين مَوْتِهِ مُرْتَدًّا وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ في بَابِ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالرِّوَايَةُ. الثَّانِيَةُ: يَصِيرُ فَيْئًا بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وأبو إِسْحَاقَ وابن أبي مُوسَى وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وهو قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وقال أبو بَكْرٍ يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ رُدَّ إلَيْهِ تَمْلِيكًا مُسْتَأْنَفًا وَالرِّوَايَةُ. الثَّالِثَةُ: يَتَبَيَّنُ بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا كَوْنُهُ فَيْئًا من حِينِ الرِّدَّةِ فَعَلَى الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ يُمْنَعُ من التَّصَرُّفِ فيه قَالَهُ الْقَاضِي وَأصحابهُ منهم أبو الْخَطَّابِ وأبو الْحُسَيْنِ وأبو الْفَرَجِ قال في الْوَسِيلَةِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَنَقَل ابن هَانِئٍ يُمْنَعُ منه فإذا قُتِلَ مُرْتَدًّا صَارَ مَالُهُ في بَيْتِ الْمَالِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا على هذه الرِّوَايَةِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ يُوقَفُ وَيُتْرَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ كَالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا قال ابن مُنَجَّا وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ وَيَكُونُ مِلْكُهُ مَوْقُوفًا وَكَذَلِكَ تَصَرُّفَاتُهُ على الْمَذْهَبِ انتهى. قال في الْفُرُوعِ وَجَعَلَ في التَّرْغِيبِ كَلَامَ الْقَاضِي وَأصحابهِ وَكَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَاحِدًا وكذا ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَتَبِعَه ابن الْبَنَّا وَغَيْرُهُ على ذلك وَذَكَرَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عليه لَكِنْ لم يَقُولُوا إنَّهُ يُتْرَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ بَلْ قالوا يُمْنَعُ منه وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابن الجوزي فإنه ذَكَرَ أَنَّهُ يُوقَفُ تَصَرُّفُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذلك وَإِلَّا بَطَلَ وَأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْفَظُ بَقِيَّةَ مَالِهِ قالوا فَإِنْ مَاتَ بَطَلَتْ تَصَرُّفَاتُهُ تَغْلِيظًا عليه بِقَطْعِ ثَوَابِهِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَقِيلَ إنْ لم يَبْلُغْ تَصَرُّفُهُ الثُّلُثَ صَحَّ وقال في الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَبِعَهُ على الرِّوَايَةِ الْأُولَى: التي قَدَّمَهَا وَهِيَ الْمَذْهَبُ يُقَرُّ بيده وَتَنْفُذُ فيه مُعَاوَضَاتُهُ وَتُوقَفُ تَبَرُّعَاتُهُ وَتُرَدُّ بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا لِأَنَّ حُكْمَ الرِّدَّةِ حُكْمُ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَإِنَّمَا لم يُنَفَّذْ من ثُلُثِهِ لِأَنَّ مَالَهُ يَصِيرُ فَيْئًا بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا وَلَوْ كان قد بَاعَ شِقْصًا أُخِذَ بِالشُّفْعَةِ وَقِيلَ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ الْمُنَجَّزُ وَبَيْعُ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ زَادَ في الْكُبْرَى فَإِنْ أَسْلَمَ اُعْتُبِرَ من الثُّلُثِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُجْعَلُ في بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فيه لَكِنْ إنْ أَسْلَمَ رُدَّ إلَيْهِ مِلْكًا جَدِيدًا وَعَلَيْهَا أَيْضًا لَا نَفَقَةَ لِأَحَدٍ في الرِّدَّةِ وَلَا يُقْضَى دَيْنٌ تَجَدَّدَ فيها فَإِنْ أَسْلَمَ مَلَكَهُ إذَنْ وَإِلَّا بَقِيَ فَيْئًا وَعَلَى الثَّالِثَةِ يَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ وَتُوقَفُ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا فَإِنْ أَسْلَمَ أُمْضِيَتْ وَإِلَّا تَبَيَّنَّا فَسَادَهَا وَعَلَى الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ يُنْفَقُ منه على من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَتُقْضَى دُيُونُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ أَخَذَهُ أو بَقِيَّتَهُ وَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَإِلَّا بَطَلَ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَعَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ يقضى منه ما لَزِمَهُ قبل رِدَّتِهِ من دَيْنٍ وَنَحْوِهِ وَيُنْفَقُ عليه منه مُدَّةَ الرِّدَّةِ وَقَالَهُ غَيْرُهُ.
فائدة: إنَّمَا يَبْطُلُ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ فَلَوْ تَصَرَّفَ لِغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ. قَوْلُهُ: وَتُقْضَى دُيُونُهُ وَأُرُوشُ جِنَايَاتِهِ وَيُنْفَقُ على من يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ قد تَقَدَّمَ ذلك بِنَاءً على بَعْضِ الرِّوَايَاتِ دُونَ بَعْضٍ. قَوْلُهُ: وما أَتْلَفَ من شَيْءٍ ضَمِنَهُ هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَيَتَخَرَّجُ في الْجَمَاعَةِ الْمُمْتَنِعَةِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ لَا تَضْمَنَ ما أَتْلَفَتْهُ وهو احْتِمَالٌ في الْهِدَايَةِ وَعَنْهُ إنْ فَعَلَهُ في دَارِ الْحَرْبِ أو في جَمَاعَةٍ مُرْتَدَّةٍ مُمْتَنِعَةٍ لَا يَضْمَنُ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ أبو بَكْرٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ: وإذا أَسْلَمَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ ما تَرَكَ من الْعِبَادَاتِ في رِدَّتِهِ على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ وهو الْمَذْهَبُ قَالَهُ الْقَاضِي وابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ قال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الآدمي في مُنْتَخَبِهِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وابن تَمِيمٍ وَالْحَاوِي وَالرِّوَايَةُ. الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ في الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ لَكِنْ قال الْمَذْهَبُ عَدَمُ اللُّزُومِ فَعَلَى هذه لو جُنَّ بَعْدَ رِدَّتِهِ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْعِبَادَةِ زَمَنَ جُنُونِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قُلْت فَيُعَايَى بها وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ وَأَمَّا إذَا حَاضَتْ الْمُرْتَدَّةُ فإن الْوُجُوبَ يَسْقُطُ عنها قَوْلًا وَاحِدًا وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في كِتَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَجِبُ على كَافِرٍ.
تنبيه: مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ ما تَرَكَ من الْعِبَادَاتِ قبل رِدَّتِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ في كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَدَّمَه ابن حَمْدَانَ في رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى وابن تَمِيمٍ وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ اخْتَارَهُ في الْفَائِقِ قال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في كِتَابِ الصَّلَاةِ وَنَقْضِ الْوُضُوءِ تَقَدَّمَ في بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: وإذا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمَا لم يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُمَا وَلَا اسْتِرْقَاقُ أَوْلَادِهِمَا الَّذِينَ وُلِدُوا في دَارِ الْإِسْلَامِ بِلَا نِزَاعٍ وَمَنْ لم يُسْلِمْ منهم قُتِلَ بِلَا نِزَاعٍ.
فائدة: لو لَحِقَ مُرْتَدٌّ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ وما معه كَحَرْبِيٍّ وَالْمُذْهَبُ الْمَنْصُوصُ لَا يَتَنَجَّزُ جَعْلُ ما بِدَارِنَا فَيْئًا إنْ لم يَصِرْ فَيْئًا بِرِدَّتِهِ وَقِيلَ يَتَنَجَّزُ. قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ من وُلِدَ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ وُلِدَ في دَارِ الْإِسْلَامِ أو دَارِ الْحَرْبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في الْخِلَافِ وَالْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَالشَّرِيفُ وابن الْبَنَّا وَالشِّيرَازِيُّ وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَذَكَرَهُ ابن عقِيلٍ رِوَايَةً وَاخْتَارَه ابن حَامِدٍ.
تنبيه: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو كان قبل الرِّدَّةِ حَمْلًا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ ما لو حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَسْتَرِقُّ وَإِنْ اسْتَرَقَّ من حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ فإنه قال وَمَنْ لم يُسْلِمْ منهم قُتِلَ إلَّا من عَلِقَتْ بِهِ أمة في الرِّدَّةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَرِقَّ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي.
فوائد: الْأُولَى: لو مَاتَ أبو الطِّفْلِ أو الْحَمْلِ أو أبو الْمُمَيِّزِ أو مَاتَ أَحَدُهُمَا في دَارِنَا فَهُوَ مُسْلِمٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَقَطَعَ بِهِ الْأصحاب إلَّا صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَبِعَهُ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ قال ابن الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في أَحْكَامِ الذِّمَّةِ وهو قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَرُبَّمَا ادعى فيه إجْمَاعٌ مَعْلُومٌ مُتَيَقَّنٌ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ انتهى. وَذَكَرَ في الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ رِوَايَةً لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا نَقَلَ أبو طَالِبٍ في يَهُودِيٍّ أو نَصْرَانِيٍّ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ فَهُوَ مُسْلِمٌ إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَيَرِثُهُ أَبَوَاهُ وَيَرِثُ أَبَوَيْهِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ إنْ كَفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فَمُسْلِمٌ وَيَرِثُ الْوَلَدُ الْمَيِّتَ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْإِسْلَامِ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ ليس من جِهَتِهِ وَقِيلَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا كان مُمَيِّزًا وَالْمَنْصُوصُ خِلَافُهُ. الثَّانِيَةُ: مِثْلُ ذلك في الْحُكْمِ لو عُدِمَ الْأَبَوَانِ أو أَحَدُهُمَا بِلَا مَوْتٍ كَزِنَا ذِمِّيَّةٍ وَلَوْ بِكَافِرٍ أو اشْتِبَاهِ وَلَدٍ مُسْلِمٍ بِوَلَدٍ كَافِرٍ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وقال الْقَاضِي أو وُجِدَ بِدَارِ حَرْبٍ قُلْت يُعَايَى بِذَلِكَ وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في مَسْأَلَةِ الِاشْتِبَاهِ تَكُونُ الْقَافَةُ في هذا قال ما أَحْسَنَهُ وَإِنْ لم يُكَفِّرَا وَلَدَهُمَا وَمَاتَ طِفْلًا دُفِنَ في مَقَابِرِنَا نَصَّ عليه وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ قال النَّاظِمُ كَلَقِيطٍ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَرُدَّ الْأَوَّلُ وقال ابن عَقِيلٍ الْمُرَادُ بِهِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ما لم يُعْلَمْ له أَبَوَانِ كَافِرَانِ وَلَا يَتَنَاوَلُ من وُلِدَ بين كَافِرَيْنِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ كَافِرًا قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال وَيَدُلُّ على خِلَافِ النَّصِّ الْحَدِيثُ وَفَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْفِطْرَةَ فقال التي فَطَرَ اللَّهُ الناس عليها شَقِيٌّ أو سَعِيدٌ قال الْقَاضِي الْمُرَادُ بِهِ الدِّينُ من كُفْرٍ أو إسْلَامٍ قال وقد فَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ هذا في غَيْرِ مَوْضِعٍ وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ مَعْنَاهُ على الْإِقْرَارِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ حين أَخَذَهُمْ من صُلْبِ آدَمَ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنْفُسِهِمْ وَبِأَنَّ له صَانِعًا وَمُدَبِّرًا وَإِنْ عَبَدَ شيئا غَيْرَهُ وَسَمَّاهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ وَأَنَّهُ ليس الْمُرَادُ على الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَرِثُهُ وَلَدُهُ الطِّفْلُ إجْمَاعًا وَنَقَلَ يُوسُفُ الْفِطْرَةُ التي فَطَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عليها وَقِيلَ له في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ هِيَ التي فَطَرَ اللَّهُ الناس عليها الْفِطْرَةُ الْأُولَى قال نعم وَأَمَّا إذَا مَاتَ أبو وَاحِدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ في دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّا لَا نَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ دَارِنَا قال في الْمُحَرَّرِ وَفِيهِ بُعْدٌ. الثَّالِثَةُ: لو أَسْلَمَ أَبَوَا من تَقَدَّمَ أو أَحَدُهُمَا لَا جَدُّهُ وَلَا جَدَّتُهُ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا وَتَقَدَّمَ إذَا سُبِيَ الطِّفْلُ مُنْفَرِدًا أو مع أَحَدِ أَبَوَيْهِ أو مَعَهُمَا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَثْنَاءِ كِتَابِ الْجِهَادِ فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ: وَهَلْ يَقَرُّونَ على كُفْرِهِمْ على رِوَايَتَيْنِ يَعْنِي من وُلِدَ بَعْدَ الرِّدَّةِ قال في الْفُرُوعِ وَهَلْ يَقَرُّونَ بِجِزْيَةٍ أَمْ الْإِسْلَامِ وَيَرِقُّ أَمْ الْقَتْلِ فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْحَاوِي وَشَرْحِ ابن منجا وَغَيْرِهِمْ إحْدَاهُمَا: يَقَرُّونَ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في رِوَايَتَيْهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالرِّوَايَةُ. الثَّانِيَةُ: لَا يَقَرُّونَ فَلَا يُقْبَلُ منهم إلَّا الْإِسْلَامُ أو السَّيْفُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي لِاقْتِصَارِهِمَا على حِكَايَةِ هذه الرِّوَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْفَضْل ابن زِيَادٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمَذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وقال في الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ في الشَّرْحِ مع حِكَايَةِ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا وَقَعَ أبو الْوَلَدِ في الْأَسْرِ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِنْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ وهو في دَارِ الْحَرْبِ أو وهو في دَارِ الْإِسْلَامِ لم نُقِرَّهَا لِانْتِقَالِهِ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ انْتَهَيَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لم نَرَهَا لِغَيْرِهِ
فائدتان: إحْدَاهُمَا: أَطْفَالُ الْكُفَّارِ في النَّارِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه مِرَارًا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ الْوَقْفُ وَاخْتَارَ ابن عقِيلٍ وابن الْجَوْزِيِّ أَنَّهُمْ في الْجَنَّةِ كَأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ بَلَغَ منهم مَجْنُونًا نَقَلَ ذلك في الْفُرُوعِ وقال ابن حَمْدَانَ في نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ وَعَنْهُ الْوَقْفُ اخْتَارَهُ ابن عقِيلٍ وابن الْجَوْزِيِّ وأبو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ انتهى. قُلْت الذي ذَكَرَهُ في الْمُغْنِي أَنَّهُ نَقَلَ رِوَايَةَ الْوَقْفِ وَاقْتَصَرَ عليها وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَكْلِيفَهُمْ في الْقِيَامَةِ لِلْأَخْبَارِ وَمِثْلُهُمْ من بَلَغَ منهم مَجْنُونًا فَإِنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ قال وَظَاهِرُهُ يَتَّبِعُ أَبَوَيْهِ بِالْإِسْلَامِ كَصَغِيرٍ فَيُعَايَى بها نَقَل ابن مَنْصُورٍ فِيمَنْ وُلِدَ أَعْمَى أَبْكَمُ أَصَمُّ وَصَارَ رَجُلًا هو بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ هو مع أَبَوَيْهِ وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا بعد ما صَارَ رَجُلًا قال هو مَعَهُمَا قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُمَا من لم تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَقَالَهُ شَيْخُنَا وَذَكَرَ في الْفُنُونِ عن أصحابنَا لَا يُعَاقَبُ وفي نِهَايَةِ المبتدى [المبتدئ] لَا يُعَاقَبُ وَقِيلَ بَلَى إنْ قِيلَ بِحَظْرِ الْأَفْعَالِ قبل الشَّرْعِ وقال ابن حَامِدٍ يُعَاقَبُ مُطْلَقًا وَرَدَّهُ في الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لو ارْتَدَّ أَهْلُ بَلَدٍ وَجَرَى فيه حُكْمُهُمْ فَهِيَ دَارُ حَرْبٍ فَيُغْنَمُ مَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ الَّذِينَ حَدَثُوا بَعْدَ الرِّدَّةِ. قَوْلُهُ: وَالسَّاحِرُ الذي يَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ فَتَسِيرُ بِهِ في الْهَوَاءِ وَنَحْوُهُ كَاَلَّذِي يَدَّعِي أَنَّ الْكَوَاكِبَ تُخَاطِبُهُ يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قَالَهُ أصحابنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ لَا يَكْفُرُ اخْتَارَهُ ابن عقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في التَّبْصِرَةِ وَكَفَّرَهُ أبو بَكْرٍ بِعَمَلِهِ قال في التَّرْغِيبِ عَمَلُهُ أَشَدُّ تَحْرِيمًا وَحَمَل ابن عَقِيلٍ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في كُفْرِهِ على مُعْتَقَدِهِ وَأَنَّ فَاعِلَهُ يَفْسُقُ وَيُقْتَلُ حَدًّا.
فائدة: من اعْتَقَدَ أَنَّ السَّحَرَ حَلَالٌ كَفَرَ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ: فَأَمَّا الذي يَسْحَرُ بِالْأَدْوِيَةِ وَالتَّدْخِينِ وَسَقْيِ شَيْءٍ يَضُرُّ فَلَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال الْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ إنْ قال سِحْرِي يَنْفَعُ وَأَقْدِرُ على الْقَتْلِ بِهِ قُتِلَ وَلَوْ لم يَقْتُلْ بِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعَزَّرُ تَعْزِيرًا بَلِيغًا بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْقَتْلَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ له تَعْزِيرُهُ بِالْقَتْلِ. قَوْلُهُ: وَيُقْتَصُّ منه إنْ فَعَلَ ما يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَكَذَا قال كَثِيرٌ من الْأصحاب وقال في الْفُرُوعِ وَيُقَادُ منه إنْ قَتَلَ غَالِبًا وَإِلَّا الدِّيَةَ وَكَذَا قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ في كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَتَقَدَّمَ ذلك مُحَرَّرًا هُنَاكَ في الْقِسْمِ الثَّامِنِ. قَوْلُهُ: فَأَمَّا الذي يُعَزِّمُ على الْجِنِّ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا فَتُطِيعَهُ فَلَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن رزين وَذَكَرَ ابن منجا أَنَّهُ قَوْلُ غَيْرِ أبي الْخَطَّابِ وَذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ في السَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعَزَّرُ تَعْزِيرًا بَلِيغًا لَا يَبْلُغُ بِهِ الْقَتْلَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَبْلُغُ بِتَعْزِيرِهِ الْقَتْلَ.
فوائد: الْأُولَى: حُكْمُ الْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ كَذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا قَالَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فَالْكَاهِنُ هو الذي له رِئِيٌّ من الْجِنِّ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ وَالْعَرَّافُ هو الذي يَحْدِسُ وَيَتَخَرَّصُ وقال في التَّرْغِيبِ الْكَاهِنُ وَالْمُنَجِّمُ كَالسَّاحِرِ عِنْدَ أصحابنَا وَأَنَّ ابن عقِيلِ فَسَّقَهُ فَقَطْ إنْ قال أَصَبْت بِحَدْسِي وَفَرَاهَتِي. الثَّانِيَةُ: لو أَوْهَمَ قَوْمًا بِطَرِيقَتِهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّنْجِيمُ كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَحْوَالِ الْفَلَكِيَّةِ على الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ من السِّحْرِ قال وَيَحْرُمُ إجْمَاعًا وَأَقَرَّ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ أَنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ عن أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ بِبَرَكَتِهِ ما زَعَمُوا أَنَّ الْأَفْلَاكَ تُوجِبُهُ وَأَنَّ لهم من ثَوَابِ الدَّارَيْنِ ما لَا تَقْوَى الْأَفْلَاكُ على أَنْ تَجْلِبَهُ. الثَّالِثَةُ: الْمُشَعْبِذُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ هو وَالْقَائِلُ بِزَجْرِ الطَّيْرِ وَالضَّارِبُ بِحَصًى وَشَعِيرٍ وَقِدَاحٍ زَادَ في الرِّعَايَةِ وَالنَّظَرِ في أَلْوَاحِ الْأَكْتَافِ إنْ لم يَكُنْ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ وَأَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ يُعَزَّرُ وَيَكُفُّ عنه وَإِلَّا كَفَرَ. الرَّابِعَةُ: يَحْرُمُ طِلْسَمٌ وَرُقْيَةٌ بِغَيْرِ عَرَبِيٍّ وَقِيلَ يَكْفُرُ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَيَحْرُمُ الرقى وَالتَّعْوِيذُ بِطَلْسَمٍ وَعَزِيمَةٍ وَاسْمِ كَوْكَبٍ وَخَرَزٍ وما وُضِعَ على نَجْمٍ من صُورَةٍ أو غَيْرِهَا الْخَامِسَةُ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في حَلِّ الْمَسْحُورِ بِسِحْرٍ وَفِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْحَلِّ وهو إلَى الْجَوَازِ أَمْيَلُ وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَمَّنْ تَأْتِيهِ مَسْحُورَةً فَيُطْلِقَهُ عنها قال لَا بَأْسَ قال الْخَلَّالُ إنَّمَا كُرِهَ فِعَالُهُ وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا كما بَيَّنَهُ مُهَنَّا وَهَذَا من الضَّرُورَةِ التي تُبِيحُ فِعْلَهَا وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَيَحْرُمُ الْعَطْفُ وَالرَّبْطُ وَكَذَا الْحَلُّ بِسِحْرٍ وَقِيلَ يُكْرَهُ الْحَلُّ وَقِيلَ يُبَاحُ بِكَلَامٍ مُبَاحٍ. السَّادِسَةُ: قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَمِنْ السِّحْرِ السَّعْيُ بِالنَّمِيمَةِ وَالْإِفْسَادِ بين الناس وَذَلِكَ شَائِعٌ عَامٌّ في الناس وَذَكَرَ في ذلك حِكَايَاتٍ حَصَلَ بها الْقَتْلُ قال في الْفُرُوعِ وما قَالَهُ غَرِيبٌ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْأَذَى بِكَلَامِهِ وَعَمَلِهِ على وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ فَأَشْبَهَ السِّحْرَ وَلِهَذَا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ وَيَنْتِجُ ما يَعْمَلُهُ السِّحْرُ أو أَكْثَرُ فيعطي حُكْمُهُ تَسْوِيَةً بين الْمُتَمَاثِلَيْنِ أو الْمُتَقَارِبَيْنِ لَا سِيَّمَا إنْ قُلْنَا يُقْتَلُ الْآمِرُ بِالْقَتْلِ على رِوَايَةٍ سَبَقَتْ فَهُنَا أَوْلَى أو الْمُمْسِكُ لِمَنْ يَقْتُلُ فَهَذَا مِثْلُهُ انتهى. السَّابِعَةُ هذه الْأَحْكَامُ كُلُّهَا في السَّاحِرِ الْمُسْلِمِ فَأَمَّا السَّاحِرُ الْكِتَابِيُّ فَلَا يُقْتَلُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأصحاب قال في الْهِدَايَةِ قال أصحابنَا لَا يُقْتَلُ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يُقْتَلُ قال في الْمُحَرَّرِ وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على قَتْلِهِ قال في الْهِدَايَةِ وَيَتَخَرَّجُ من عُمُومِ قَوْلِهِ في رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بن بُخْتَانَ الزِّنْدِيقُ وَالسَّاحِرُ كَيْفَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمَا أَنْ يُقْتَلَا وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ لَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ وقال في الْكُبْرَى وَقِيلَ يُقْتَلُ لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ.
|