الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***
قَوْلُهُ وهو الِاسْتِيلَاءُ على مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ. وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. وَلَيْسَ بِجَامِعٍ لِعَدَمِ دُخُولِ غَصْبِ الْكَلْبِ وَخَمْرِ الذِّمِّيِّ وَالْمَنَافِعِ وَالْحُقُوقِ وَالِاخْتِصَاصِ. قال الْحَارِثِيُّ وَحُقُوقُ الْوِلَايَاتِ كَمَنْصِبِ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ. قال الزَّرْكَشِيُّ الِاسْتِيلَاءُ يَسْتَدْعِي الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ فَإِذَنْ قَوْلُهُ قَهْرًا زِيَادَةٌ في الْحَدِّ وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ في الْمُغْنِي انْتَهَى. قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ يَشْمَلُ الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ وَغَيْرَهُمَا فَلَوْ اقْتَصَرَ على الِاسْتِيلَاءِ لَوَرَدَ عليه الْمَسْرُوقُ وَالْمُنْتَهَبُ وَالْمُخْتَلَسُ فإن ذلك لَا يُسَمَّى غَصْبًا وَيُقَالُ اسْتَوْلَى عليه. وقال في الْمَطْلَعِ فَلَوْ قال الِاسْتِيلَاءُ على حَقِّ غَيْرِهِ لَصَحَّ لَفْظًا وَعَمَّ مَعْنًى انْتَهَى. وَقَوْلُهُ لَصَحَّ لَفْظًا لِكَوْنِ الْمُصَنِّفِ أَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ على غَيْرُ. قال وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَدَمُ دُخُولِهِمَا عليها. قُلْت قد حَكَى النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ عن غَيْرِ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا دُخُولَهُمَا على غَيْرُ. وَمِمَّنْ أَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ على غَيْرُ من الْأَصْحَابِ من تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَارِثِيُّ. وقال في الرِّعَايَتَيْنِ هو الِاسْتِيلَاءُ على مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا ظُلْمًا. وَيَرِدُ عليه ما تَقَدَّمَ. وقال في الْفُرُوعِ تَبَعًا لِلْحَارِثِيِّ هو الِاسْتِيلَاءُ على حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا ظُلْمًا. قال الْحَارِثِيُّ هذا أَسَدُّ الْحُدُودِ. قُلْت فَهُوَ أَوْلَى من حَدِّ صَاحِبِ الْمَطْلَعِ وَأَمْنَعُ فإنه يَرِدُ على حَدِّ صَاحِبِ الْمَطْلَعِ لو اسْتَوْلَى على حَقِّ غَيْرِهِ من غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا قَهْرٍ أَنَّهُ يُسَمَّى غَصْبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ ذلك مع بَقِيَّةِ حَدِّ الْمُصَنِّفِ وهو الظَّاهِرُ. وقال في الْوَجِيزِ هو الِاسْتِيلَاءُ على حَقِّ غَيْرِهِ ظُلْمًا. وَيَرِدُ عليه ما أُخِذَ من غَيْرِ قَهْرٍ. وقال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هو اسْتِيلَاءُ غَيْرِ حَرْبِيٍّ على حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ. قُلْت هو أَصَحُّ الْحُدُودِ وَأَسْلَمُهَا. وَيَرِدُ على حَدِّ غَيْرِهِ اسْتِيلَاءُ الْحَرْبِيِّ فإنه اسْتِيلَاءٌ على حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَيْسَ بِغَصْبٍ على ما يَأْتِي قَرِيبًا في كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ. وقال في الْمُحَرَّرِ هو الِاسْتِيلَاءُ على مَالِ الْغَيْرِ ظُلْمًا. وَتَابَعَهُ في الْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَمَعْنَاهُ في الْكَافِي وَالْعُمْدَةِ وَالْمُغْنِي. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ على مَالِ الْغَيْرِ ظُلْمًا يَدْخُلُ فيه مَالُ الْمُسْلِمِ وَالْمُعَاهَدِ وهو الْمَالُ الْمَعْصُومُ وَيَخْرُجُ منه اسْتِيلَاءُ الْمُسْلِمِينَ على أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ فإنه ليس بِظُلْمٍ. وَيَدْخُلُ فيه اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ على مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ فإنه ليس من الْغَصْبِ الْمَذْكُورِ حُكْمُهُ هذا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَا بِالتَّلَفِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في وُجُوبِ رَدِّ عَيْنِهِ إذَا قَدَرْنَا على أَخْذِهِ وَأَمَّا أَمْوَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ لَا يَرِدُ لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِيلَاءُ على عَيْنِهَا وَمَتَى اتلفت [أتلف] بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ على عَيْنِهَا ضُمِنَتْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في ضَمَانِهَا بِالْإِتْلَافِ وَقْتَ الْحَرْبِ. وَيَدْخُلُ فيه ما أَخَذَهُ الْمُلُوكُ وَالْقُطَّاعُ من أَمْوَالِ الناس بِغَيْرِ حَقٍّ من الْمُكُوسِ وَغَيْرِهَا. فَأَمَّا اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ فَيَدْخُلُ فيه وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ. لِأَنَّهُ ظُلْمٌ فَيَحْرُمُ عليهم قَتْلُ النُّفُوسِ وَأَخْذُ الْأَمْوَالِ إلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ. لَكِنْ يُقَالُ لَمَّا كان الْمَأْخُوذُ مُبَاحًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لم يَصِرْ ظُلْمًا في حَقِّنَا وَلَا في حَقِّ من أَسْلَمَ منهم. فَأَمَّا ما أُخِذَ من الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ أو أُتْلِفَ مِنْهُمَا في حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ أُقِرَّ قَرَارُهُ لِأَنَّهُ كان مُبَاحًا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عَفَا عنه فَهُوَ عَفْوٌ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا بِشَرْطِ الْأَمَانِ فَلَوْ تَحَاكَمَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنَانِ حَكَمْنَا بِالِاسْتِقْرَارِ انْتَهَى. قُلْت وَيَرِدُ عليه ما وَرَدَ على الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَيَرِدُ عليه ايضا الْمَسْرُوقُ وَالْمُخْتَلَسُ وَنَحْوُهُمَا. قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ الْعَقَارَ بِالْغَصْبِ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ حتى إنَّ الْقَاضِيَ وَأَكْثَرَ أَصْحَابِهِ لم يَذْكُرُوا فيه خِلَافًا. وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على أَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ نَقَلَه ابن مَنْصُورٍ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا يَحْصُلُ الْغَصْبُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ قَهْرًا ظُلْمًا كما تَقَدَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ يُعْتَبَرُ في غَصْبِ ما يُنْقَلُ نَقَلَهُ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ إلَّا ما اسْتَثْنَاهُ فيه. وفي التَّرْغِيبِ فقال إلَّا في رُكُوبِهِ دَابَّةً وَجُلُوسِهِ على فِرَاشٍ فإنه غَاصِبٌ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الرِّعَايَةِ. وقال وَمَنْ رَكِبَ دَابَّتَهُ أو جَلَسَ على فِرَاشِهِ أو سَرِيرِهِ قَهْرًا فَهُوَ غَاصِبٌ. الثَّالِثَةُ قال في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالتِّسْعِينَ من الْأَصْحَابِ من قال مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وابن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمَا وَفَرَّعُوا عليه صِحَّةَ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَضْمَنُ مَهْرَهَا وَلَوْ حَبَسَهَا عن النِّكَاحِ حتى فَاتَ بِالْكِبَرِ. وَخَالَفَ بن الْمُنَى وَجَزَمَ في تَعْلِيقِهِ بِضَمَانِ مَهْرِ الْأَمَةِ بِتَفْوِيتِ النِّكَاحِ وَذَكَرَ في الْحُرَّةِ تَرَدُّدًا لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْيَدِ عليها. قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ كَلْبًا فيه نَفْعٌ أو خَمْرَ ذِمِّيٍّ لَزِمَهُ رَدُّهُ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ لَا تُرَدُّ الْخَمْرُ وَتَلْزَمُ إرَاقَتُهَا إنْ حُدَّ وَإِلَّا لَزِمَهُ تَرْكُهُ وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ تَعْذِيرُ مُرِيقِهِ. وقال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ لو غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرَ ذِمِّيٍّ انْبَنَى وُجُوبُ رَدِّهَا على مِلْكِهَا لهم وَفِيهِ رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ وَغَيْرُهُ. إحْدَاهُمَا يَمْلِكُونَهَا فَيَجِبُ الرَّدُّ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا. وَالثَّانِيَةُ لَا يَمْلِكُونَهَا فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الرَّدِّ. وقد يُقَالُ لَا يَجِبُ. وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ على إرَاقَتِهَا إذَا أَظْهَرَهَا وَلَوْ أَتْلَفَهَا لم يَضْمَنْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَخَرَّجَ أبو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِضَمَانِ قِيمَتِهَا إذَا قُلْنَا إنَّهَا مَالٌ لهم وَأَبَاهُ الْأَكْثَرُونَ. وحكى لنا قَوْلٌ يَضْمَنُهَا الذِّمِّيُّ لِلذِّمِّيِّ. وقال في التَّرْغِيبِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ تُرَدُّ الْخَمْرُ الْمُحْتَرَمَةُ وَيُرَدُّ ما تَخَلَّلَ بيده إلَّا ما أُرِيقَ فَجَمَعَهُ آخَرُ فَتَخَلَّلَ لِزَوَالِ يَدِهِ هُنَا. وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ لنا خَمْرًا مُحْتَرَمَةً وَهِيَ خَمْرَةُ الْخَلَّالِ. وَيَأْتِي في حَدِّ الْمُسْكِرِ هل يُحَدُّ الذِّمِّيُّ بِشُرْبِهَا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
تنبيه: َانِ. أَحَدُهُمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كانت مَسْتُورَةً فَأَمَّا إذَا لم تَكُنْ مَسْتُورَةً فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا قَوْلًا وَاحِدًا. الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو غَصَبَ خَمْرَ مُسْلِمٍ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وهو صَحِيحٌ لَكِنْ لو تَخَلَّلَتْ في يَدِ الْغَاصِبِ وَجَبَ رَدُّهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَالْأَصْحَابُ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ لم تَزُلْ عنها بِالْغَصْبِ فَكَأَنَّهَا تَخَلَّلَتْ في يَدِهِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ. وقال وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ في زَوَالِ الْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ التَّخْمِيرِ فَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ الزَّوَالَ منهم الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمِلْكَ لم يَزُلْ منهم صَاحِبُ الْمُغْنِي في كِتَابِ الْحَجِّ وفي كَلَامِ الْقَاضِي ما يَدُلُّ عليه. وَبِكُلِّ حَالٍ لو عَادَ خَلًّا عَادَ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ بِحُقُوقِهِ من ثُبُوتِ الرَّهِينَةِ وَغَيْرِهَا حتى لو خَلَّفَ خَمْرًا وَدَيْنًا فَتَخَلَّلَتْ قَضَى منه دَيْنَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ في الرَّهْنِ انْتَهَى. قَوْلُهُ وَإِنْ أَتْلَفَهُ لم يَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وعنه يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ. وَخَرَّجَ يَضْمَنُهَا الذِّمِّيُّ بِمِثْلِهَا. قال في الْفُرُوعِ وعنه يَرُدُّ قِيمَتَهَا وَقِيلَ ذِمِّيٌّ. وقال في الْإِيضَاحِ يَضْمَنُ الْكَلْبَ. وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا صَادَ بِالْكَلْبِ وَغَيْرِهِ من الْجَوَارِحِ هل يَرُدُّ الصَّيْدَ وَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا أَمْ لَا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الضَّمَانِ إذَا أَسْلَمَ الْمَضْمُونُ له أو الْمَضْمُونُ عنه هل يَسْقُطُ الدَّيْنُ إذَا كان خَمْرًا. قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ على وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ على طَهَارَتِهِ بِالدَّبْغِ وَعَدَمِهَا. فَإِنْ قُلْنَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ وَجَبَ رَدُّهُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ لم يَجِبْ رَدُّهُ. وقد عَلِمْت إن الْمَذْهَبَ لَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ فَلَا يَجِبُ رَدُّهُ هُنَا. هذا هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وابن مُنَجَّا وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَ هذه الطَّرِيقَةَ في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ لَا يَجِبُ رَدُّهُ وَلَوْ قُلْنَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ. وقال في الْفُرُوعِ وفي رَدِّ جِلْدِ مَيْتَةٍ وَجْهَانِ وَقِيلَ وَلَوْ طَهُرَ. فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عِنْدَهُ أَنَّ الْخِلَافَ على الْقَوْلِ بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ. قَوْلُهُ فَإِنْ دَبَغَهُ وَقُلْنَا بِطَهَارَتِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِه ابن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ لِصَيْرُورَتِهِ مَالًا بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ الخمرة [الخمر] الْمُتَخَلَّلَةِ وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ. قال الْحَارِثِيُّ وفي هذا الْفَرْقِ بَحْثٌ. وَأَطْلَقَ في الْفُرُوعِ في لُزُومِ رَدِّهِ إذَا دَبَغَهُ الْغَاصِبُ وَجْهَيْنِ. قال الْحَارِثِيُّ وَإِنْ كان الْغَاصِبُ دَبَغَهُ فَفِي رَدِّهِ الْوَجْهَانِ الْمَبْنِيَّانِ. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَطْهُرُ لم يَجِبْ رَدُّهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ يَجِبُ رَدُّهُ إذَا قُلْنَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ في الْيَابِسَاتِ وَكَذَلِكَ قبل الدَّبْغِ وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ كما تَقَدَّمَ. وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَأَوْجُهٌ الرَّدُّ وَعَدَمُهُ. وَالثَّالِثُ إنْ قُلْنَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ أو يَنْتَفِعُ بِهِ في يَابِسٍ رَدَّهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَتْلَفَهُ فَهَدَرٌ وَإِنْ دَبَغَهُ وَقُلْنَا يَطْهُرُ رَدَّهُ انْتَهَى. قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَوْلَى على حُرٍّ لم يَضْمَنْهُ بِذَلِكَ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم. قال في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ بِغَصْبِهِ في الْأَصَحِّ. قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ الْيَدَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا على الْحُرِّ. وفي التَّلْخِيصِ وَجْهٌ بِثُبُوتِ الْيَدِ عليه. وَبَنَى على هذا هل لِمُسْتَأْجِرِ الْحُرِّ إيجَارُهُ من آخَرَ إنْ قِيلَ بِعَدَمِ الثُّبُوتِ امْتَنَعَ الْإِيجَارُ وَإِنَّمَا هو يُسَلِّمُ نَفْسَهُ وَإِلَّا فَلَا يَمْتَنِعُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو غَصَبَ دَابَّةً عليها مَالِكُهَا وَمَتَاعُهُ لم يَضْمَنْ ذلك الْغَاصِبُ قَالَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ الْكَبِيرِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ. قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيُّ. أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُهُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَضْمَنُهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَ في النَّظْمِ أَنَّ الصَّغِيرَ لو لُدِغَ أو صُعِقَ وُجُوبُ الدِّيَةِ. وقال ابن عَقِيلٍ لَا تَجِبُ كما لو مَرِضَ على الصَّحِيحِ. وَيَأْتِي هذا في أَوَائِلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يَضْمَنُ ثِيَابَهُ وَحِلْيَتَهُ على الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ. أَحَدُهُمَا يَضْمَنُهَا صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْفَائِقِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو أَصَحُّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَضْمَنُهَا جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْوَجِيزِ.
فائدة: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ في أُجْرَتِهِ مُدَّةَ حَبْسِهِ على ما يَأْتِي وَإِيجَارُ الْمُسْتَأْجِرِ له قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ في الْوَجِيزِ هُنَا بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ. قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْحَرَّ كَرْهًا فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ. وَلَوْ مَنَعَهُ الْعَمَلَ من غَيْرِ حَبْسٍ وَلَوْ عَبْدًا لم يَلْزَمْهُ أُجْرَتُهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ بَلَى فِيهِمَا. قُلْت وهو الصَّوَابُ وهو في الْعَبْدِ آكَدُ. وقال في التَّرْغِيبِ في مَنْفَعَةِ حُرٍّ وَجْهَانِ. وقال في الِانْتِصَارِ لَا يَلْزَمُهُ بِإِمْسَاكِهِ لآن الْحُرَّ في يَدِ نَفْسِهِ وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ معه كما لَا يَضْمَنُ نَفْسَهُ وَثَوْبَهُ الذي عليه بِخِلَافِ الْعَبْدِ. وَكَذَا قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَضْمَنُهُ إذَا أَمْسَكَهُ لِأَنَّ الْحُرَّ في يَدِ نَفْسِهِ وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ معه كما لَا يَضْمَنُ نَفْسَهُ وَثَوْبَهُ الذي عليه بِخِلَافِ الْعَبْدِ فإن يَدَ الْغَاصِبِ ثَابِتَةٌ عليه وَمَنْفَعَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ. قَوْلُهُ وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً فَهَلْ يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ على وَجْهَيْنِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ في الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا فيها وفي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ وهو الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ دَلَّ نَصُّهُ. وَتَقَدَّمَ في التي قَبْلَهَا ما يُسْتَأْنَسُ بِهِ في هذه الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ منه لَزِمَهُ تَخْلِيصُهُ إنْ أَمْكَنَ. وَكَذَا إنْ أَمْكَنَ تَخْلِيصُ بَعْضِهِ وَإِنْ لم يُمْكِنْ تَخْلِيصُهُ منه فَسَيَأْتِي في أَوَّلِ الْفَصْلِ الرَّابِعِ من الْبَابِ. قَوْلُهُ وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ حَرْبٌ حُكْمُهَا حُكْمُ الزَّرْعِ الذي لم يُحْصَدْ. قال في الْفَائِقِ قُلْت وَجَنَحَ ابن عقيل إلَى مُسَاوَاةِ الْحُكْمَيْنِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ في غَيْرِ الْفَائِقِ وَرَدَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ. قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالسَّبْعِينَ وَوَهَمَ أبو حَفْصٍ نَاقِلُهَا على أَنَّ من الْأَصْحَابِ من رَجَّحَهَا بِنَاءً على أَنَّ الزَّرْعَ نَبَتَ على مِلْكِ مَالِكِ الْأَرْضِ ابْتِدَاءً وَالْمَعْرُوفُ في الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ انْتَهَى. قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قال وعنه يَحْدُثُ على مِلْكِ رَبِّ الْأَرْضِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ وَمَنَعَ في تَعْلِيقِهِ من كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ. وقال لَا فَرْقَ بين ما قبل الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ على ما نَقَلَهُ حَرْبٌ. قال الْحَارِثِيُّ وَكَذَا أَوْرَدَهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ الْكَبِيرِ فِيمَا أَظُنُّ أو أَجْزِمُ وَأَوْرَدَهُ شَيْخُنَا أبو بَكْرٍ بن الصَّيْرَفِيِّ في كِتَابِ نَوَادِرِ الْمُذْهَبِ انْتَهَى. قال في الْفَائِقِ وقال الْقَاضِي يَعْقُوبُ لَا فَرْقَ بين ما قبل الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَبَنَاهُ على أَنَّ زَرْعَ الْغَاصِبِ هل يَحْدُثُ على مِلْكِ صَاحِبِ الْبَذْرِ أو صَاحِبِ الْأَرْضِ على رِوَايَتَيْنِ وَالْحُدُوثُ على مِلْكِ صَاحِبِ الْأَرْضِ هو الْمُخْتَارُ انْتَهَى. وقال أَيْضًا وَهَلْ الْقِيَاسُ كَوْنُ الزَّرْعِ لِرَبِّ الْبَذْرِ أو لِرَبِّ الْأَرْضِ الْمَنْصُوصُ الْأَوَّلُ. وقال ابن عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الثَّانِي. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا يَنْبَنِي هذا على الْمَدْفُوعِ إنْ كان النَّفَقَةُ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ مُطْلَقًا وَالْمَنْصُوصُ التَّفْرِقَةُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ على الْغَاصِبِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِلْغَاصِبِ نَفَقَةُ الزَّرْعِ وَأَمَّا مُؤْنَةُ الْحَصَادِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى.
تنبيه: قَوْلُهُ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ. هذا الْمَذْهَبُ أَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قد حَصَدَهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وقال في الرِّعَايَةِ قِيلَ أو اُسْتُحْصِدَ قَبْلَهُ ولم يَحْصُدْ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ خُيِّرَ بين تَرْكِهِ إلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه. قال الْحَارِثِيُّ تَوَاتَرَ النَّصُّ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الزَّرْعَ لِلْمَالِكِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قال الزَّرْكَشِيُّ هو قَوْلُ الْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَالشَّيْخَيْنِ انْتَهَى. قال الْحَارِثِيُّ هو قَوْلُ الْقَاضِي وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَمَنْ تَلَاهُمْ وَالْمُصَنِّفِ في سَائِرِ كُتُبِهِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ قال نَاظِمُهَا: بالإحترام اُحْكُمْ لِزَرْعِ الْغَاصِبِ *** وَلَيْسَ كَالْبَانِي أو كَالنَّاصِبِ إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكَ الزَّرْعِ *** بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَوَجْهٌ مَرْعِي أو مِلْكَهُ إنْ شَاءَ بِالْإِنْفَاقِ *** أو قِيمَةً لِلزَّرْعِ بِالْوِفَاقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَهَذَا الإحتمال لِأَبِي الْخَطَّابِ وَقِيلَ له قَلْعُهُ إنْ ضَمِنَهُ. وَاخْتَارَ ابن عقيل وَغَيْرُهُ أن الزَّرْعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَالْوَلَدِ فإنه لِسَيِّدِ الْأُمِّ لَكِنْ المنى لَا قِيمَةَ له بِخِلَافِ الْبَذْرِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ. قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في عَامَّةِ نُصُوصِهِ وَالْخِرَقِيِّ وَالشِّيرَازِيِّ وابن أبي مُوسَى فِيمَا أَظُنُّ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ . وَكَذَا قال الْحَارِثِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ من تَقَدَّمَ من الْأَصْحَابِ كَالْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وابن أبي مُوسَى عَدَمُ التَّخْيِيرِ فإن كُلًّا منهم قال الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ هو الْمُتَوَاتِرُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ولم يذكر أَحَدٌ عنه تَخْيِيرًا وهو الصَّوَابُ وَعَلَّلَهُ انْتَهَى. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ وَالْعَادَةُ بِأَنَّ من زَرَعَ فيها له نَصِيبٌ مَعْلُومٌ وَلِرَبِّهَا نَصِيبٌ قَسَمَ ما زَرَعَهُ في نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَذَلِكَ قال وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ أَنْ يَزْرَعَ معه أو يُهَايِئَهُ فيها فَأَبَى فَلِلْأَوَّلِ الزَّرْعُ في قَدْرِ حَقِّهِ بِلَا أُجْرَةٍ كَدَارٍ بَيْنَهُمَا فيها بَيْتَانِ سَكَنَ أَحَدَهُمَا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِمَّا يَلْزَمُهُ انْتَهَى. قُلْت وَهَذَا الصَّوَابُ وَلَا يَسَعُ الناس غَيْرُهُ. قَوْلُهُ وَهَلْ ذلك قِيمَتُهُ أو نَفَقَتُهُ على وَجْهَيْنِ. وَهُمَا وَجْهَانِ في نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ على الْمُصَنِّفِ وفي نُسْخَةٍ رِوَايَتَانِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ وابن مُنَجَّا. قال الْحَارِثِيُّ حَكَاهُمَا مُتَأَخِّرُو الْأَصْحَابِ وَالْمُصَنِّفُ في كِتَابِهِ الْكَبِيرِ رِوَايَتَيْنِ وَأَوْرَدَهُمَا هُنَا وَجْهَيْنِ. قال وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ. قال هو وَالشَّارِحُ وَالْمَنْقُولُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ في ذلك رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَتَذْكِرَةِ ابن عقيل وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ. أحداهما يَأْخُذُهُ بِنَفَقَتِهِ وَهِيَ ما أَنْفَقَ من الْبَذْرِ وَمُؤْنَةِ الزَّرْعِ من الْحَرْثِ. وَالسَّقْيِ وَغَيْرِهِمَا وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالشِّيرَازِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في رؤوس الْمَسَائِلِ وابن عَقِيلٍ . قال الْحَارِثِيُّ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو الْأَصْحَابِ كَالْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في كِتَابَيْ الْمُجَرَّدِ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ وابن عَقِيلٍ لِصَرِيحِ الْأَخْبَارِ المتقدمه فيه انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ زَرْعًا الْآنَ. صَحَّحَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَاخْتَارَهُ ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ. قُلْت وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ. قال ابن الزَّاغُونِيِّ أَصْلُهُمَا هل يَضْمَنُ وَلَدَ الْمَغْرُورِ بمثله أو قِيمَتِهِ. وعنه رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ يَأْخُذُهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ نَقَلَهَا مُهَنَّا قَالَهُ في الْفُرُوعِ. قال الْحَارِثِيُّ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ في كِتَابِ التَّمَامِ عن أَخِيهِ أبي الْقَاسِمِ رِوَايَةً بِالتَّخْيِيرِ وهو الظَّاهِرُ من إيرَادِ الْقَاضِي يَعْقُوبَ في التَّعْلِيقِ وَذَكَرَ نَصَّ مُهَنَّا. وقال في الْفَائِقِ وَخَرَّجَ أبو الْقَاسِمِ بن الْقَاضِي رِوَايَةً بِالْخِيَرَةِ فَكَأَنَّهُ ما اطَّلَعَ على كَلَامِ الْحَارِثِيِّ أو أَنَّ لِأَبِي الْقَاسِمِ تَخْرِيجَ رِوَايَةٍ ثُمَّ اطَّلَعَ فَوَافَقَ التَّخْرِيجَ لها. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَاحْتِمَالِ أبي الْخَطَّابِ لِرَبِّ الْأَرْضِ أُجْرَتُهَا إلَى حِينِ تَسْلِيمِ الزَّرْعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ له وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ بن الْحَارِثِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَعْنِي إذَا أَوْجَبْنَا رَدَّ النَّفَقَةِ فقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ يَرُدُّ. مِثْلَ الْبَذْرِ وَبِهِ قال ابن الزَّاغُونِيِّ لِأَنَّ الْبَذْرَ مِثْلِيٌّ وَنَصَرَهُ الْحَارِثِيُّ. وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ يَجِبُ ثَمَنُ الْبَذْرِ.
تنبيه: قال الْحَارِثِيُّ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالنَّفَقَةِ عن عِوَضِ الزَّرْعِ وَكَذَلِكَ عَبَّرَ أبو الْخَطَّابِ وَالسَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ وَلَيْسَ بِالْجَيِّدِ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمُعَوَّضِ وَدُخُولُ الزَّرْعِ في مِلْكِ الْغَاصِبِ بَاطِلٌ بِالنَّصِّ كما تَقَدَّمَ فَبَطَلَ كَوْنُهَا عِوَضًا عنه. الثَّانِي الْأَصْلُ في الْمُعَاوَضَةِ تَفَاوُتُهُمَا وَتَبَاعُدُهُمَا فَدَلَّ على انْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ. وَالصَّوَابُ أنها عِوَضُ الْبَذْرِ وَلَوَاحِقِهِ انْتَهَى.
فائدة: يُزَكِّيهِ رَبُّ الْأَرْضِ إنْ أَخَذَهُ قبل وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَإِنْ أَخَذَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عليه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. قُلْت الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ بَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ على الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ إلَى حِينِ أَخْذِهِ على الصَّحِيحِ كما تَقَدَّمَ. وَعَلَى مُقْتَضَى النُّصُوصِ وَاخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وابن أبي مُوسَى وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ يُزَكِّيهِ رَبُّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا أَنَّ الزَّرْعَ من أَصْلِهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَى هذا يَكُونُ هذا الْمَذْهَبُ. قَوْلُهُ وَإِنْ غَرَسَهَا أو بَنَى فيها أُخِذَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ وَأَرْشِ نَقْصِهَا وَأُجْرَتِهَا. وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ قال لَزِمَهُ الْقَلْعُ في الْأَصَحِّ. قال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ وَالْمَشْهُورُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وعنه لَا يُقْلَعُ بَلْ يَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ. وَعَلَيْهَا لَا يَقْلَعُ إلَّا مَضْمُونًا كَغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ كَذَلِكَ حَكَاهُمَا الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ.
تنبيه: شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ما لو كان الْغَارِسُ أو الْبَانِي أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ وهو كَذَلِكَ حتى وَلَوْ لم يَغْصِبْهُ لَكِنْ غَرَسَ أو بَنَى من غَيْرِ إذْنٍ وهو صَحِيحٌ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن رَجُلٍ غَرَسَ نَخْلًا في أَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ مُشَاعًا قال إنْ كان بِغَيْرِ إذْنِهِمْ قَلَعَ نَخْلَهُ. وَيَأْتِي هذا أَيْضًا في الشُّفْعَةِ.
فوائد: منها لو زَرَعَ فيها شَجَرًا بِنَوَاهُ فَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ له كما في الْغِرَاسِ. وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ لِدُخُولِهِ في عُمُومِ أَخْبَارِ الزَّرْعِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَمِنْهَا لو أَثْمَرَ ما غَرَسَ الْغَاصِبُ فقال في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَنَوَادِرِ الْمُذْهَبِ الثَّمَرُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ كَالزَّرْعِ إنْ أَدْرَكَهُ أَخَذَهُ وَرَدَّ النَّفَقَةَ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْغَاصِبِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ عَلِيِّ بن سَعِيدٍ. قال في الْفُرُوعِ وَنَصُّهُ فِيمَنْ غَرَسَ أَرْضًا الثَّمَرَةُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ. وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وابن رَزِينٍ لو أَثْمَرَ ما غَرَسَهُ الْغَاصِبُ فَإِنْ أَدْرَكَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَعْدَ الْجَذَاذِ فَلِلْغَاصِبِ وَكَذَلِكَ قَبْلَهُ. وعنه لِمَالِكِ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ انْتَهَوْا. قال ابن رَزِينٍ عن الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ليس بِشَيْءٍ. قال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لِلْغَاصِبِ بِكُلِّ حَالٍ. وَحَكَاهُ ابن الزاغوني في كِتَابِ الشُّرُوطِ رِوَايَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قال وَهَذَا أَصَحُّ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ. قال وَالْقِيَاسُ على الزَّرْعِ ضَعِيفٌ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ ما قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَمِنْهَا لو جَصَّصَ الدَّارَ وَزَوَّقَهَا فَحُكْمُهَا كَالْبِنَاءِ قَالَهُ في الْكَافِي وَلَوْ وَهَبَ ذلك لِمَالِكِهَا فَفِي إجْبَارِهِ على قَبُولِهِ وَجْهَانِ كَالصَّبْغِ في الثَّوْبِ على ما يَأْتِي. وَمِنْهَا لو غَصَبَ أَرْضًا فَبَنَاهَا دَارًا بِتُرَابٍ منها وَآلَاتٍ من الْمَغْصُوبِ منه فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً وَإِنْ كانت آلَاتُهَا من مَالِ الْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ دُونَ بِنَائِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا غَصَبَ الْأَرْضَ وَالْبِنَاءُ له فلم يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ مَالِهِ فَلَوْ أَجَّرَهَا فَالْأُجْرَةُ لَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا. نَقَلَ بن مَنْصُورٍ فِيمَنْ بَنَى فيها وَيُؤَجِّرُهَا الْغَلَّةَ على النَّصِيبِ. وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ أَيْضًا وَيَكُونُ شَرِيكًا بِزِيَادَةِ بِنَاءٍ. وَمِنْهَا لو طَلَبَ أَخْذَ الْبِنَاءِ أو الْغِرَاسِ بِقِيمَتِهِ وَأَبَى مَالِكُهُ إلَّا الْقَلْعَ فَلَهُ ذلك وَلَا يُجْبَرُ على أَخْذِ الْقِيمَةِ وفي الْبِنَاءِ تَخْرِيجٌ إذَا بَذَلَ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ الْقِيمَةِ أَنَّهُ يُجْبَرُ على قَبُولِهَا إذَا لم يَكُنْ في النَّقْضِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وهو لِلْمُصَنِّفِ وَالْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ. وَذَكَرَ ابن عقيل رِوَايَةً فيه لَا يَلْزَمُهُ وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهُ وَنَقَلَه ابن الْحَكَمِ. وَرَوَى الْخَلَّالُ فيه عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها مَرْفُوعًا له ما نَقَصَ. قال أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ هذا مَنَعَنَا من الْقِيَاسِ. وَنَقَلَ جَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ فيها لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ وَجَزَمَ بِه ابن رَزِينٍ وزاد وَتَرَكَهُ بِأُجْرَةٍ انْتَهَى. وَمِنْهَا إذَا اتَّفَقَا على الْقِيمَةِ فَالْوَاجِبُ قِيمَةُ الْغِرَاسِ مَقْلُوعًا حَكَاه ابن أبي مُوسَى وَغَيْرُهُ. وَإِنْ وَهَبَهُمَا الْغَاصِبُ لِرَبِّ الْأَرْضِ لِيَدْفَعَ عن نَفْسِهِ كُلْفَةَ الْقَلْعِ فَقَبِلَهُ جَازَ. وَإِنْ أَبَى إلَّا الْقَلْعَ وكان في قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لم يُجْبَرْ على الْقَبُولِ وَإِنْ لم يَكُنْ له في الْقَلْعِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَفِي إجْبَارِهِ على الْقَوْلِ احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ. قال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ وَهَبَهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ لم يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ إنْ أَرَادَ الْقَلْعَ وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ انْتَهَى. قُلْت الْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ. وَمِنْهَا لو غَصَبَ أَرْضًا وَغِرَاسًا من شَخْصٍ وَاحِدٍ فَغَرْسُهُ فيها فَالْكُلُّ لِمَالِكِ الْأَرْضِ فَإِنْ طَالَبَهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِقَلْعِهِ وَلَهُ في قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ أُجْبِرَ عليه وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَنَقْصُهَا وَنَقْصُ الْغِرَاسِ. وَإِنْ لم يَكُنْ في قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لم يُجْبَرْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ يُجْبَرُ وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَهُ ابْتِدَاءً فَلَهُ مَنْعُهُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ مَبْنِيًّا كما تَقَدَّمَ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لو غَرَسَ الْمُشْتَرِي من الْغَاصِبِ ولم يَعْلَمْ بِالْحَالِ فقال ابن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَتَبِعَهُ عليه الْمُتَأَخِّرُونَ لِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْصِ على من غَرَّهُ. قال الْحَارِثِيُّ الْحُكْمُ كما تَقَدَّمَ قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. وقال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ وَلَا يقلع [بقلع] مَجَّانًا نَقَلَهُ حَرْبٌ وَيَعْقُوبُ بن بُخْتَانَ قال وَلَا يَثْبُتُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ سِوَاهُ وهو الصَّحِيحُ انْتَهَى. وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ما هو أَعَمُّ من ذلك في الْبَابِ في قَوْلِهِ وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا وَبَنَى فيها فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً. الثَّانِيَةُ الرَّطْبَةُ وَنَحْوُهَا هل هِيَ كَالزَّرْعِ في الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ أو كَالْغِرَاسِ فيه احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَقَوَاعِدِ بن رَجَبٍ وَالزَّرْكَشِيِّ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَالزَّرْعِ قَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال لِأَنَّهُ زَرْعٌ ليس له فَرْعٌ قَوِيٌّ فَأَشْبَهَ الْحِنْطَةَ. قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَدْخُلُ في عُمُومِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قُلْت وَكَذَا غَيْرُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي هو كَالْغِرَاسِ. قال النَّاظِمُ وَكَالْغَرْسِ في الْأَقْوَى الْمُكَرَّرِ جَزُّهُ. وَيَأْتِي قَرِيبًا لو حَفَرَ في الْأَرْضِ بِئْرًا. قَوْلُهُ وَإِنْ غصب [غصبه] لَوْحًا فَرَقَعَ بِهِ سَفِينَةً لم يُقْلَعْ حتى ترسى. يَعْنِي إذَا كان يَخَافُ من قَلْعِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ هو الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ يُقْلَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فيه حَيَوَانٌ مُحْتَرَمٌ أو مَالٌ لِلْغَيْرِ جَزَمَ بِهِ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وهو احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ. قال الْحَارِثِيُّ وَمُطْلَقُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى يَقْتَضِيهِ فإنه قال من اغْتَصَبَ سَاجَةً فَبَنَى عليها حَائِطًا أو جَعَلَهَا في سَفِينَةٍ قُلِعَتْ من الْحَائِطِ أو السَّفِينَةِ وَإِنْ اسْتُهْدِمَا بِالْقَلْعِ انْتَهَى.
فائدة: حَيْثُ يَتَأَخَّرُ الْقَلْعُ فَلِلْمَالِكِ الْقِيمَةُ ثُمَّ إذَا أَمْكَنَ الرَّدُّ أَخَذَهُ مع. الْأَرْشِ إنْ نَقَصَ وَاسْتَرَدَّ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ كما لو أَبَقَ الْمَغْصُوبُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت وقد شَمَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي حَيْثُ قال وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبْقَ أو فَرَسًا فَشَرَدَ أو شيئا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مع بَقَائِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ. وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ تَتَعَيَّنُ له الْأُجْرَةُ إلَى أَنْ يُقْلَعَ لَكَانَ مُتَّجَهًا. قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ وَخِيفَ عليه من قَلْعِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا لِلْغَاصِبِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَيَذْبَحُ الْحَيَوَانَ على وَجْهَيْنِ. إذَا غَصَبَ خَيْطًا وَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَخَافَ على الْحَيَوَانِ بِقَلْعِهِ أو لَا فَإِنْ لم يَخَفْ عليه بِقَلْعِهِ قَلَعَ. وَإِنْ خِيفَ عليه فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا أو لَا فَإِنْ لم يَكُنْ مَأْكُولًا فَلَا يَخْلُو أما أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا أو لَا فَإِنْ كان غير مُحْتَرَمٍ كَالْمُرْتَدِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهَا فَلَهُ قَلْعُهُ منه بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كان مُحْتَرَمًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا أو غَيْرَهُ فَإِنْ كان آدَمِيًّا لم يُقْلَعْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ إذَا خِيفَ عليه الضَّرَرُ وَتُؤْخَذُ قِيمَتُهُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ لَا تُؤْخَذُ قِيمَتُهُ إلَّا إذَا خِيفَ تَلَفُهُ وَيُقْلَعُ كَغَيْرِهِ من الْحَيَوَانَاتِ الْمُحْتَرَمَةِ فإنه لَا بُدَّ فيها من خَوْفِ التَّلَفِ على الصَّحِيحِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْفَائِقِ وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ لِأَنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِالتَّلَفِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي وابن عَقِيلٍ. وَإِنْ كان مَأْكُولًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْغَاصِبِ أو لَا فَإِنْ لم يَكُنْ لِلْغَاصِبِ لم يُقْلَعْ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَغَيْرِهِمْ. وَإِنْ كان لِلْغَاصِبِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وابن مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا يُذْبَحُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُذْبَحُ وَتُرَدُّ قِيمَتُهُ قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ إنْ كان مُعَدًّا لِلْأَكْلِ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالدَّجَاجِ وَنَحْوِهِ ذُبِحَ وَرَدَّهُ وَإِلَّا فَلَا وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو حَسَنٌ وَأَطْلَقَهُنَّ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ بِمَوْتِ الْآدَمِيِّ. قال ابن شِهَابٍ الْحَيَوَانُ أَكْثَرُ حُرْمَةً من بَقِيَّةِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَنْعُ مَائِهِ منه وَلَوْ قَتَلَهُ دَفْعًا عن مَالِهِ قُتِلَ لَا عن نَفْسِهِ.
فوائد: الْأُولَى لو غَصَبَ جَوْهَرَةً فَابْتَلَعَتْهَا بَهِيمَةٌ فقال الْأَصْحَابُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَيْطِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ. وقال إنْ كانت مَأْكُولَةً ذُبِحَتْ على الْأَشْهَرِ. وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجَوْهَرَةَ مَتَى كانت أَكْثَرَ قِيمَةً من. الْحَيَوَانِ ذَبَحَ الْحَيَوَانَ وَرُدَّتْ إلَى مَالِكِهَا وَضَمَانُ الْحَيَوَانِ على الْغَاصِبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا. الثَّانِيَةُ لو ابْتَلَعَتْ شَاةُ رَجُلٍ جَوْهَرَةَ آخَرَ غير مَغْصُوبَةٍ وَتَوَقَّفَ الْإِخْرَاجُ على الذَّبْحِ ذُبِحَتْ بِقَيْدِ كَوْنِ الذَّبْحِ أَقَلَّ ضَرَرًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا. قال الْحَارِثِيُّ وَاخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الْقَيْدِ وَعَلَى مَالِكِ الْجَوْهَرَةِ ضَمَانُ نَقْصِ الذَّبْحِ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ مَالِكُ الشَّاةِ بِكَوْنِ يَدِهِ عليها فَلَا شَيْءَ له لِتَفْرِيطِهِ. الثَّالِثَةُ لو أَدْخَلَتْ الشَّاةُ رَأْسَهَا في قُمْقُمٍ وَنَحْوِهِ ولم يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِذَبْحِهَا أو كَسْرِهِ فَهُنَا حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةً فَلِلْأَصْحَابِ فيها طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ منهم الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ إنْ كان لَا بِتَفْرِيطٍ من أَحَدٍ كُسِرَ الْقِدْرُ وَوَجَبَ الْأَرْشُ على مَالِكِ الْبَهِيمَةِ وَإِنْ كان بِتَفْرِيطِ مَالِكِهَا بِأَنْ أَدْخَلَ رَأْسَهَا بيده أو كانت يَدُهُ عليها وَنَحْوُهُ ذُبِحَتْ من غَيْرِ ضَمَانٍ. وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ وَجْهًا بِعَدَمِ الذَّبْحِ فَيَجِبُ الْكَسْرُ وَالضَّمَانُ. وَإِنْ كانت بِتَفْرِيطِ مَالِكِ الْقِدْرِ بِأَنْ أَدْخَلَهُ بيده أو أَلْقَاهَا في الطَّرِيقِ كُسِرَتْ وَلَا أَرْشَ قال ذلك الْحَارِثِيُّ. الطَّرِيقُ الثَّانِي وهو ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ اعْتِبَارُ أَقَلِّ الضَّرَرَيْنِ إنْ كان الْكَسْرُ هو الْأَقَلَّ تَعَيَّنَ وَإِلَّا ذُبِحَ وَالْعَكْسُ كَذَلِكَ. ثُمَّ التَّفْرِيطُ من أَيِّهِمَا حَصَلَ كان الضَّمَانُ عليه وَإِنْ لم يَحْصُلْ من وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالضَّمَانُ على مَالِكِ الْبَهِيمَةِ إنْ كُسِرَ الْقِدْرُ وَإِنْ ذُبِحَتْ الْبَهِيمَةُ فَالضَّمَانُ على صَاحِبِ الْقِدْرِ وَإِنْ اتَّفَقَا على تَرْكِ الْحَالِ على ما هو عليه لم يَجُزْ. وَلَوْ قال من عليه الضَّمَانُ أنا أُتْلِفُ مَالِي وَلَا أَغْرَمُ شيئا لِلْآخَرِ كان له ذلك. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَكُونَ غير مَأْكُولَةٍ فَتُكْسَرُ الْقِدْرُ وَلَا تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ بِحَالٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قال الْحَارِثِيُّ قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ من الْأَصْحَابِ. وَعَلَى هذا لو اتَّفَقَا على الْقَتْلِ لم يُمَكَّنَا. وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَأْكُولِ على ما تَقَدَّمَ. وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ كانت الْجِنَايَةُ من مَالِكِهَا أو الْقَتْلُ أَقَلَّ ضَرَرًا. قُلْت وهو الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَظَاهِرُ الْحَارِثِيِّ الْإِطْلَاقُ. الرَّابِعَةُ لو سَقَطَ دِينَارٌ أو دِرْهَمٌ أو أَقَلُّ أو أَكْثَرُ في مِحْبَرَةِ الْغَيْرِ وَعَسِرَ إخْرَاجُهُ فَإِنْ كان بِفِعْلِ مَالِكِ الْمِحْبَرَةِ كُسِرَتْ مَجَّانًا مُطْلَقًا. وَإِنْ كان بِفِعْلِ مَالِكِ الدِّينَارِ فقال الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ يُخَيَّرُ بين تَرْكِهِ فيها وَبَيْنَ كَسْرِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا. وَعَلَى هذا لو بَذَلَ مَالِكُ الْمِحْبَرَةِ لِمَالِكِ الدِّينَارِ مِثْلَ دِينَارِهِ فَقِيلَ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فيه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ في إجْبَارِ مَالِكِ الْمِحْبَرَةِ على الْكَسْرِ ابْتِدَاءً وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا لَا يُجْبَرُ قَالَا وَعَلَيْهِ نَقْضُ الْمِحْبَرَةِ. قال الْحَارِثِيُّ وَيَجِبُ على هذا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِ بَذْلِ الدِّينَارِ انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْبَرُ وَعَلَى مَالِكِ الدِّينَارِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ هو حَاصِلُ ما قال الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ من التَّخْيِيرِ بين التَّرْكِ وَالْكَسْرِ. وَكَيْفَمَا كان لو بَادَرَ وَكَسَرَ عُدْوَانًا لم يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ من قِيمَتِهَا وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ كان السُّقُوطُ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ بِأَنْ سَقَطَ من مَكَان أو أَلْقَاهُ طَائِرٌ أو هِرٌّ وَجَبَ الْكَسْرُ وَعَلَى رَبِّ الدِّينَارِ الْأَرْشُ. فَإِنْ كانت الْمِحْبَرَةُ ثَمِينَةً وَامْتَنَعَ رَبُّ الدِّينَارِ من ضَمَانِهَا في مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ فقال ابن عَقِيلٍ قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنْ يُقَالَ له إنْ شِئْت أَنْ تَأْخُذَ فَاغْرَمْ وَإِلَّا فَاتْرُكْ وَلَا شَيْءَ لَك. قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَقْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُقُوطُ حَقِّهِ من الْكَسْرِ هُنَا وَيَصْطَلِحَانِ عليه. وَلَوْ غَصَبَ الدِّينَارَ وَأَلْقَاهُ في مِحْبَرَةِ آخَرَ أو سَقَطَ فيها بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَالْكَسْرُ مُتَعَيِّنٌ وَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُهَا إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُ الْكَسْرِ على التَّبْقِيَةِ فَيَسْقُطَ وَيَجِبُ على الْغَاصِبِ ضَمَانُ الدِّينَارِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَتَابَعَهُمَا الْحَارِثِيُّ. الْخَامِسَةُ لو حَصَلَ مُهْرٌ أو فَصِيلٌ في دَارِهِ لِآخَرَ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ بِدُونِ نَقْضِ الْبَابِ وَجَبَ النَّقْضُ. ثُمَّ إنْ كان عن تَفْرِيطِ مَالِكِ الدَّارِ بِأَنْ غَصَبَهُ وَأَدْخَلَهُ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ كان لَا عن تَفْرِيطٍ من أَحَدٍ فَضَمَانُ النَّقْضِ على مَالِكِ الْحَيَوَانِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ احْتِمَالًا بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ الضَّرَرَيْنِ فَإِنْ كان النَّقْضُ أَقَلَّ فَكَمَا قُلْنَا وَإِنْ كان أَكْثَرَ ذُبِحَ. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَوْلَى. وَعَلَى هذا إنْ كان الْحَيَوَانُ غير مَأْكُولٍ تَعَيَّنَ النَّقْضُ. وَإِنْ كان عن تَفْرِيطِ مَالِكِ الْحَيَوَانِ لم يُنْقَضْ وَذُبِحَ وَإِنْ زَادَ ضَرَرُهُ حَكَاهُ في الْمُغْنِي. وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وُجُوبَ النَّقْضِ وَغُرْمَ الْأَرْشِ. وَكَلَامُ ابن عقيل نَحْوُهُ أو قَرِيبٌ منه قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وقال الْأَوَّلُ الصَّحِيحُ. وَإِنْ كان الْمَغْصُوبُ خَشَبَةً فَأَدْخَلَهَا الدَّارَ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْفَصِيلِ يُنْقَضُ الْبَابُ لِإِخْرَاجِهَا. السَّادِسَةُ لو بَاعَ دَارًا وَفِيهَا ما يَعْسُرُ إخْرَاجُهُ فقال الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ يُنْقَضُ الْبَابُ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ النَّقْضِ. وقال الْمُصَنِّفُ يُعْتَبَرُ أَقَلُّ الضَّرَرَيْنِ إنْ زَادَ بَقَاؤُهُ في الدَّارِ أو تَفْكِيكُهُ إنْ كان مُرَكَّبًا أو ذَبَحَهُ إنْ كان حَيَوَانًا على النَّقْضِ نُقِضَ مع الْأَرْشِ. وَإِنْ كان بِالْعَكْسِ فَلَا نَقْضَ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ. قال وَيَصْطَلِحَانِ إمَّا بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ مُشْتَرِي الدَّارِ أو غَيْرُ ذلك انْتَهَى. قَوْلُهُ وَلَوْ غَصَبَ جَارِحًا فَصَادَ بِهِ أو شبكه أو شَرَكًا فَأَمْسَكَ شيئا أو فَرَسًا فَصَادَ عليه أو غَنِمَ فَهُوَ لِمَالِكِهِ. إذَا غَصَبَ جَارِحًا فَصَادَ بِهِ أو فَرَسًا فَصَادَ عليه فَالصَّيْدُ لِلْمَالِكِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وجزم بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَلِرَبِّهِ في الْأَظْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ في الصَّيْدِ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ في غَيْرِ الْكَلْبِ. وَقِيلَ هو لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي. قال الْحَارِثِيُّ وهو قَوِيٌّ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ في صَيْدِ الْكَلْبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ في الْكَلْبِ. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَوَجَّهُ فِيمَا إذَا غَصَبَ فَرَسًا وَكَسَبَ عليه مَالًا أَنْ يَجْعَلَ الْكَسْبَ بين الْغَاصِبِ وَمَالِكِ الدَّابَّةِ على قَدْرِ نَفْعِهِمَا بِأَنْ تُقَوَّمَ مَنْفَعَةُ الرَّاكِبِ وَمَنْفَعَةُ الْفَرَسِ ثُمَّ يُقْسَمُ الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا. وَتَقَدَّمَ ذلك في الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يَلْزَمُ الْغَاصِبَ أُجْرَةُ مُدَّةِ اصْطِيَادِهِ أَمْ لَا فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وقال هو الصَّحِيحُ. قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَلَا أُجْرَةَ لِرَبِّهِ مُدَّةَ اصْطِيَادِهِ في الْأَظْهَرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَلْزَمُهُ وهو قِيَاسُ قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ في صَيْدِ الْعَبْدِ على ما يَأْتِي قَرِيبًا. وَأَمَّا سَهْمُ الْفَرَسِ الْمَغْصُوبَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا في بَابِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ في قَوْلِهِ وَمَنْ غَصَبَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عليه فَسَهْمُهُ لِمَالِكِهِ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فيه هُنَاكَ. فَأَمَّا إذَا غَصَبَ شَبَكَةً أو شَرَكًا فَصَادَ بِهِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لِمَالِكِهِ وهو الْمَذْهَبُ. قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِه ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَكُونُ لِلْغَاصِبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ. وقال في الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صَيْدَ الْكَلْبِ وَالْقَوْسِ وَقِيلَ وَكَذَا أُحْبُولَةٌ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ في كُتُبِ الْخِلَافِ قالوا على قِيَاسِ قَوْلِهِ رِبْحُ الدَّرَاهِمِ لِمَالِكِهَا.
فائدة: صَيْدُ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَسَائِرُ أَكْسَابِهِ لِلسَّيِّدِ بِلَا نِزَاعٍ وفي لُزُومِ أُجْرَتِهِ مُدَّةَ اصْطِيَادِهِ وَعَمَلِهِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ في الْجَارِحَةِ. قال في التَّلْخِيصِ وَلَا تَدْخُلُ أُجْرَتُهُ تَحْتَهُ إذَا قُلْنَا بِضَمَانِ الْمَنَافِعِ. قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَرَهُ أو غَزْلًا فَنَسَجَهُ أو فِضَّةً. أو حَدِيدًا فَضَرَبَهُ إبَرًا أو أَوَانِي أو خَشَبًا فَنَجَرَهُ بَابًا وَنَحْوَهُ أو شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا رَدَّ ذلك بِزِيَادَتِهِ وَأَرْشِ نَقْصِهِ وَلَا شَيْءَ له. وَكَذَا لو غَصَبَ طِينًا فَضَرَبَهُ لَبِنًا أو جَعَلَهُ فَخَّارًا أو حَبًّا فَطَحَنَهُ وَنَحْوَ ذلك. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا ما يُغَيِّرُ الْمَغْصُوبَ عن صِفَتِهِ وَيَنْقُلُهُ إلَى اسْمٍ آخَرَ كما مَثَّلَ وَنَحْوِهِ فَفِي هذا يَكُونُ الْحُكْمُ كما قال الْمُصَنِّفُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ. قال الْحَارِثِيُّ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ من أَهْلِ الْمَذْهَبِ منهم الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وأبو عَلِيِّ بن شِهَابٍ وابن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ قال وهو الْمُخْتَارُ. قال في التَّلْخِيصِ هذا الصَّحِيحُ عِنْدِي وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. وعنه يَكُونُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَهُ في الْفَائِقِ. قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ إنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ فَالْغَاصِبُ شَرِيكُ الْمَالِكِ بِالزِّيَادَةِ انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وقال رَجَّحَهُ الْأَكْثَرُ في الْخِلَافِ انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ وابن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ. وَقِيلَ لِلْغَاصِبِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فَقَطْ إذَا كانت الزِّيَادَةُ مِثْلَهَا فَصَاعِدًا أَوْمَأَ إلَيْه ابن أبي مُوسَى ذَكَرَهُ عنه في التَّلْخِيصِ. قال الْحَارِثِيُّ قَالَه ابن أبي مُوسَى وَالشِّيرَازِيُّ. فَعَلَى هذا إنْ عَمِلَ ولم يَسْتَأْجِرْ فَلَا شَيْءَ له قَالَهُ الشِّيرَازِيُّ في الْمُبْهِجِ. وقال أبو بَكْرٍ يَمْلِكُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ قبل تَغْيِيرِهِ وهو رِوَايَةٌ نَقَلَهَا محمد بن الْحَكَمِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ قَالَا هو قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عنه فإن مُحَمَّدًا مَاتَ قبل أبي عبد اللَّهِ بِنَحْوٍ من عِشْرِينَ سَنَةً. قُلْت مَوْتُهُ قبل أبي عبد اللَّهِ بِعِشْرِينَ سَنَةً لَا يَدُلُّ على أَنَّهُ رَجَعَ عنه بَلْ لَا بُدَّ من دَلِيلٍ على رُجُوعِهِ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قال نَحْوَهُ فقال وَلَيْسَ يَلْزَمُ من تَقَدُّمِ الْوَفَاةِ الرُّجُوعُ إذْ من الْجَائِزِ تَقَدُّمُ سَمَاعِ من تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ وكان يَجِبُ على ما قاله إلْغَاءُ ما خَالَفَ أبو بَكْرٍ فيه لِرِوَايَةِ من تَأَخَّرَ مَوْتُهُ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ انْتَهَى. وعنه يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بين الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ. قال في الْفَائِقِ وهو الْمُخْتَارُ.
تنبيه: أَدْخَلَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يُغَيِّرُ الْمَغْصُوبَ عن صِفَتِهِ قَصْرَ الثَّوْبِ وَذَبْحَ الشَّاةِ وَشَيَّهَا. قال في الْفُرُوعِ فذكر جَمَاعَةٌ أَنَّهُ كَالنَّوْعِ الْأَوَّلِ. قُلْت منهم صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. قال الْحَارِثِيُّ وقد أَدْرَجَ هو وَغَيْرُهُ في هذا الْأَصْلِ قِصَارَةَ الثَّوْبِ وَلَيْسَ بِالْمُخْتَارِ لِانْتِفَاءِ سَلْبِ الِاسْمِ وَالْمَعْنَى.
تنبيه: ثَانٍ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ ذَبْحَ الْغَاصِبِ لِلْحَيَوَانِ الْمَغْصُوبِ لَا يُحَرِّمُ أَكْلَهُ وهو كَذَلِكَ على الصَّحِيحِ وَيَأْتِي ذلك عِنْدَ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ وفي بَابِ الْقَطْعِ في السَّرِقَةِ.
فائدة: ما صوره الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ في هذه الْمَسْأَلَةِ يَنْقَسِمُ إلَى مُمْكِنِ الرَّدِّ إلَى. الْحَالَةِ الْأُولَى كَالْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي وَالدَّرَاهِمِ فَيُجْبَرُ الْمَالِكُ على الْإِعَادَةِ قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ. والي غَيْرِ مُمْكِنٍ كَالْأَبْوَابِ وَالْفَخَّارِ وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ إفْسَادُهُ وَلَا لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عليه فِيمَا عَدَا الْأَبْوَابِ وَنَحْوِهَا. وقال ابن عَقِيلٍ في الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ من التُّرَابِ لِلْمَالِكِ رَدُّهَا وَمُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِ التُّرَابِ. قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا فَحَفَرَ فيها بِئْرًا وَوَضَعَ تُرَابَهَا في أَرْضِ مَالِكِهَا لم يَمْلِكْ طَمَّهَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ من ضَمَانِ ما يَتْلَفُ بها في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. إذَا حَفَرَ بِئْرًا أو شَقَّ نَهْرًا وَنَحْوَهُ في أَرْضٍ غَصَبَهَا فَطَالَبَهُ الْمَالِكُ بِطَمِّهَا لَزِمَهُ ذلك إنْ كان لِغَرَضٍ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ طَمَّهَا ابْتِدَاءً فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ أو لَا فَإِنْ كان لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَإِسْقَاطِ ضَمَانِ ما يَقَعُ فيها أو يَكُونُ قد نَقَلَ تُرَابَهَا إلَى مِلْكِهِ أو مِلْكِ غَيْرِهِ أو إلَى طَرِيقٍ يَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيغِهِ فَلَهُ طَمُّهَا من غَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ لَا يَمْلِكُ طَمَّهَا إلَّا بِإِذْنِهِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ على ما يَأْتِي من كَلَامِهِمَا. وَإِنْ لم يَكُنْ له غَرَضٌ صَحِيحٌ في ذلك وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قد وَضَعَ التُّرَابَ في أَرْضِ مَالِكِهَا أو في مَوَاتٍ أو أَبْرَأَهُ من ضَمَانِ ما يَتْلَفُ بها قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أو مَنَعَهُ منه فَهَلْ يَمْلِكُ طَمَّهَا فيه وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيِّ. أَحَدُهُمَا لَا يَمْلِكُ طَمَّهَا وهو الصَّحِيحُ نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَمْلِكُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَإِنْ غَصَبَ دَارًا فَحَفَرَ فيها بِئْرًا ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا مَالِكُهَا فَأَرَادَ الْغَاصِبُ طَمَّ الْبِئْرِ لم يَكُنْ له ذلك. وقال الْقَاضِي له ذلك من غَيْرِ رِضَى الْمَالِكِ. وقال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ ليس له ذلك إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ من ضَمَانِ ما يَتْلَفُ فيها انْتَهَيَا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُذْهَبِ. قال في التَّلْخِيصِ وَأَصْلُ اخْتِلَافِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ هل الرِّضَى الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ لِلْحَفْرِ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْمُقَارِنِ انْتَهَى. وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَإِنْ حَفَرَ فيها بِئْرًا أو نَحْوَهَا فَلَهُ طَمُّهَا مُطْلَقًا. وَإِنْ سَخِطَ رَبُّهَا فَأَوْجُهٌ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ. وَالثَّالِثُ إنْ أَبْرَأَهُ من ضَمَانِ ما يَتْلَفُ بها وَصَحَّ في وَجْهٍ فَلَا. زَادَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجْهًا رَابِعًا وهو إنْ كان غَرَضُهُ فيه صَحِيحًا كَدَفْعِ ضَرَرٍ وَخَطَرٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا فَلَا. وَخَامِسًا وهو إنْ تَرَكَ تُرَابَهَا في أَرْضِ غَيْرِ رَبِّهَا فَلَا. وَقِيلَ بَلَى مع غَرَضٍ صَحِيحٍ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ ذلك وَالصَّحِيحُ منه.
تنبيهانِ: أَحَدُهُمَا في الْقَوْلِ الْمَحْكِيِّ عن الْقَاضِي. قال الْحَارِثِيُّ إذَا كان مَأْخُوذًا من غَيْرِ كِتَابِ الْمُجَرَّدِ فَنَعَمْ وَإِنْ كان من الْمُجَرَّدِ فَكَلَامُهُ فيه مُوَافِقٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ فإنه قال وَذَكَرَ كَلَامَهُ. قُلْت النَّاقِلُ عن الْقَاضِي تِلْمِيذُهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وهو أَعْلَمُ بِكَلَامِهِ من غَيْرِهِ وَلِلْقَاضِي في مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ الْقَوْلَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَكُتُبُهُ كَثِيرَةٌ. الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ من ضَمَانِ ما يَتْلَفُ بها أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَبْرَأُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وابن عَقِيلٍ وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا كَلَامُهُ في الرِّعَايَتَيْنِ في ذلك وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ. قال الْحَارِثِيُّ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْخِلَافُ في صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَفِيهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ أو بَيْضًا فَصَارَ فِرَاخًا أو نَوًى فَصَارَ غِرَاسًا. قال في الِانْتِصَارِ أو غُصْنًا فَصَارَ شَجَرَةً رَدَّهُ وَلَا شَيْءَ له وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَيَتَخَرَّجُ فيها مِثْلُ الذي قَبْلَهَا. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْغَاصِبُ. فَعَلَى هذا يَتَخَرَّجُ لنا أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ كَالْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا انْتَهَى. وَذَلِكَ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِمَّا تَقَدَّمَ من تَغْيِيرِ الْعَيْنِ وَتَبَدُّلِ اسْمِهَا.
فائدة: ذَكَرَ في الْكَافِي من صُوَرِ الِاسْتِحَالَةِ الزَّرْعُ يَصِيرُ حَبًّا. قال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فإن الزَّرْعَ إنْ كان قد سَنْبَلَ حَالَةَ الْغَصْبِ فَهُوَ من قَبِيلِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ يَصِيرَانِ تَمْرًا وَزَبِيبًا وَلَيْسَا من الْمُسْتَحِيلِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لم يَكُنْ سَنْبَلَ فَهُوَ في مَعْنَى إثْمَارِ الشَّجَرِ فَيَكُونُ من قَبِيلِ الْمُتَوَلِّدِ لَا الْمُسْتَحِيلِ لِوُجُودِ الذَّاتِ عَيْنًا انْتَهَى. قَوْلُهُ وَإِنْ نَقَصَ لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ بِقِيمَتِهِ رَقِيقًا كان أو غَيْرَهُ. قال الْأَصْحَابُ وَلَوْ بِنَبَاتِ لِحْيَةِ أَمْرَدَ وَقَطْعِ ذَنَبِ حِمَارٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ. وقال عليه جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ أَنَّ الرَّقِيقَ يُضْمَنُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ في الْإِتْلَافِ. فَيَجِبُ في يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ وفي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ وَعَلَى هذا فَقِسْ. فَإِنْ كان النَّقْصُ مِمَّا لَا مقدر [يقدر] فيه كَنَقْصِهِ لِلْكِبَرِ أو الْمَرَضِ أو شَجَّهُ دُونَ الْمُوضِحَةِ فَعَلَيْهِ ما نَقَصَ مع الرَّدِّ فَقَطْ. قال الْحَارِثِيُّ هذه الرِّوَايَةُ أَقْوَى. وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا وَانْفَرَدَ الْمُصَنِّفُ بهذا التَّخْرِيجِ هُنَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وعنه في عَيْنِ الدَّابَّةِ من الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ رُبُعُ قِيمَتِهَا نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَشْهُورُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. فقال الْقَاضِي في رِوَايَتَيْهِ وأبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ الْخِلَافُ في عَيْنِ الدَّابَّةِ من الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قال الزَّرْكَشِيُّ وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ على ذلك. وقال في الْفُرُوعِ وَخَصَّ في الرَّوْضَةِ هذه الرِّوَايَةَ بِعَيْنِ الْفَرَسِ وَجَعَلَ في عَيْنِ غَيْرِهَا ما نَقَصَ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ إنَّمَا قال في عَيْنِ الدَّابَّةِ انْتَهَى. قال الْحَارِثِيُّ من الْأَصْحَابِ من قَصَرَ الْخِلَافَ على عَيْنِ الْفَرَسِ دُونَ. الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ وَأَبِي الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ وَالْقَاضِي يَعْقُوبَ وَأَبِي الْمَوَاهِبِ الْحُسَيْنِ بن مُحَمَّدِ الْعُكْبَرِيِّ في آخَرِينَ وَاخْتَارَ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْلَ بِالْمُقَدَّرِ. قال وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فإن لَفْظَ الدَّابَّةِ يَشْمَلُ الْبَغْلَ وَالْفَرَسَ وَالْحِمَارَ وَكَذَلِكَ صِيغَةُ الدَّلِيلِ الْمُتَمَسَّكِ بِهِ فَالتَّخْصِيصُ خِلَافُ الْأَصْلِ مع أَنَّا نَجِدُ في الْفَرَسِ خَصَائِصَ تُنَاسِبُ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِهِ لَكِنْ ما أَخَذْنَا فيه غير الْقِيَاسِ وَلَا يُمْكِنُ إعْمَالُ ما ذَكَرْنَا من الْمُنَاسَبَةِ انْتَهَى. قُلْت وَمِمَّنْ خَصَّ الرِّوَايَةَ بِعَيْنِ الْفَرَسِ من الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ في الْعَيْنَيْنِ ما نَقَصَ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ. قال الْحَارِثِيُّ كَذَلِكَ قال الْأَصْحَابُ لَا أَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فيه. قال وَعَنْ أبي حَنِيفَةَ نِصْفُ الْقِيمَةِ اعْتِبَارًا بِالرُّبُعِ في إحْدَاهُمَا. قال وهو أَظْهَرُ انْتَهَى. وَيَأْتِي إذَا شَقَّ ثَوْبًا أو أَتْلَفَ عَصًا أو قَصْعَةً أو كَسَرَ خَلْخَالًا وَنَحْوَهُ في ضَمَانِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ في الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْخِلَافُ فيه. وَيَأْتِي وَقْتُ لُزُومِ قِيمَتِهِ في أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّادِسِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
تنبيه: دخل في قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ تَلِفَ لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ بِقِيمَتِهِ لو جَنَى على حَيَوَانٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا وهو كَذَلِكَ فَيَجِبُ عليه ضَمَانُ ما نَقَصَ من أُمِّهِ بِالْجِنَايَةِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ. وقال أبو بَكْرٍ يَجِبُ ضَمَانُ جَنِينِ الْبَهَائِمِ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ كَجَنِينِ الْأَمَةِ. قال في الْقَوَاعِدِ وَقِيَاسُهُ جَنِينُ الصَّيْدِ في الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمَا نَقَصَ أُمَّهُ أَيْضًا وَيَأْتِي في مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ. قال وَلَوْ أَلْقَتْ الْبَهِيمَةُ بِالْجِنَايَةِ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ في الرَّهْنِ. أَحَدُهُمَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ حَيًّا لَا غَيْرُ. وَالثَّانِي عليه أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ أو ما نَقَصَتْ الْأُمُّ انْتَهَى. قُلْت الثَّانِي هو الصَّوَابُ. قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَهُ وَجَنَى عليه ضَمِنَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ. وَهَذَا مُفَرَّعٌ على الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ من الْقِيمَةِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قال الشَّارِحُ إذَا جَنَى الْغَاصِبُ على الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ جِنَايَةً مُقَدَّرَةً الدِّيَةُ. فَعَلَى قَوْلِنَا ضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ يَكُونُ الْوَاجِبُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ كما لو جَنَى عليه من غَيْرِ غَصْبٍ. وَإِنْ قُلْنَا ضَمَانُ الْغَصْبِ غَيْرُ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ وهو الصَّحِيحُ فَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ من أَرْشِ النَّقْصِ أو دِيَةِ ذلك الْعُضْوِ. وَجَزَمَ بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ. قال في الْفُرُوعِ يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرِهِمَا على الْأَصَحِّ. عنه أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمَا نَقَصَ. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في الْفَصْلِ الثَّالِثِ من بَابِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وابن عَقِيلٍ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. لَكِنْ هذه الرِّوَايَةُ أَعَمُّ من أَنْ يَكُونَ الْجَانِي الْغَاصِبَ أو غَيْرَهُ. قال الْحَارِثِيُّ وُجُوبُ أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مُفَرَّعٌ على الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ لِاجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ بِالْيَدِ وَالْجِنَايَةِ. مِثَالُهُ لو كانت الْقِيمَةُ أَلْفًا فَنَقَصَتْ بِالْقَطْعِ أَرْبَعَمِائَةٍ فَالْوَاجِبُ خَمْسُمِائَةٍ وَلَوْ نَقَصَ سِتَّمِائَةٍ كان هو الْوَاجِبَ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ فَكَذَلِكَ في السِّتِّمِائَةِ لِأَنَّهُ على وَفْقِ الْمُوجَبِ وَفِيمَا قَبْلَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ لِأَنَّهُ ما نَقَصَ.
فائدة: لو غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَزَادَتْ الْقِيمَةُ إلَى أَلْفَيْنِ ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ فَنَقَصَ أَلْفًا فَيَجِبُ أَلْفٌ على كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ نَقَصَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَالْوَاجِبُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ على الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا. أَمَّا بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ فَظَاهِرٌ وَبِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ يَكُونُ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ فإذا اسْتَوَيَا كان أَوْلَى. وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ يَعْنِي الْمُقَدَّرَ فَعَلَيْهِ أَلْفٌ فَقَطْ. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا لِإِفْضَائِهِ إلَى إلْغَاءِ أَثَرِ الْيَدِ مع وُجُودِهَا انْتَهَى. وَإِنْ نَقَصَ خَمْسُمِائَةٍ فقال الْحَارِثِيُّ فَعَلَى رِوَايَةِ الْمُقَدَّرِ عليه أَلْفٌ وَعَلَى رِوَايَةِ ما نَقَصَ عليه خَمْسُمِائَةٍ فَقَطْ وهو ظَاهِرٌ وَكَذَا قال غَيْرُهُ.
تنبيهانِ: الْأَوَّلُ تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا على الْعَبْدِ إذَا جَنَى عليه الْغَاصِبُ أو جني عليه في حَالِ غَصْبِهِ وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ وهو ما إذَا جَنَى عليه من غَيْرِ غَصْبٍ وقد ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في بَابِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ في الْفَصْلِ الثَّالِثِ. الثَّانِي قَوْلُهُ وَإِنْ جَنَى عليه غَيْرُ الْغَاصِبِ فَلَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ وَيَرْجِعُ الْغَاصِبُ على الْجَانِي بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَلَهُ تَضْمِينُ الْجَانِي أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَتَضْمِينُ الْغَاصِبِ ما بَقِيَ من النَّقْصِ. هذا مُفَرَّعٌ على الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ. أَمَّا على الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ من شَاءَ مِنْهُمَا وَقَرَارُ الضَّمَانِ على الْجَانِي لِمُبَاشَرَتِهِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وهو وَاضِحٌ. قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَخَصَاهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ وَرَدُّ قِيمَتِهِ. وَكَذَا لو قَطَعَ يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ أو لِسَانَهُ أو ما تَجِبُ فيه الدِّيَةُ كَامِلَةً من الْحُرِّ فإنه يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَرَدُّ قِيمَتِهِ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قال الْحَارِثِيُّ فيه ما في الذي قَبْلَهُ من الْخِلَافِ غير أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ لِاسْتِغْرَاقِ الْقِيمَةِ في الْمُقَدَّرِ وَإِنْ لم تَنْقُصْ الْقِيمَةُ بِالْخِصَاءِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ يَرُدُّهُ وَمَعَهُ قِيمَتُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ انْتَهَى. قَوْلُهُ وَإِنْ نَقَصَتْ الْعَيْنُ أَيْ قِيمَةُ الْعَيْنِ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ لم يَضْمَنْ نَصَّ عليه. وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه. قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ. قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ حتى إنَّ الْقَاضِيَ قال لم أَجِدْ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةً بِالضَّمَانِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وعنه يَضْمَنُ اخْتَارَه ابن أبي مُوسَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَهُ في الْفَائِقِ وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ يَضْمَنُ نَقْصَهُ مع تَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ إذَا تَلِفَ وَإِلَّا فَلَا. وقال الْحَارِثِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ ما لم يَتَّصِلْ التَّلَفُ بِالزِّيَادَةِ. فَإِنْ اتَّصَلَ بِأَنْ غَصَبَ ما قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَارْتَفَعَ السِّعْرُ إلَى مِائَتَيْنِ وَتَلِفَتْ الْعَيْنُ ضَمِنَ الْمِائَتَيْنِ وَجْهًا وَاحِدًا إذْ الضَّمَانُ مُعْتَبَرٌ بِيَوْمِ التَّلَفِ. وَإِنْ كان مِثْلِيًّا فَالْوَاجِبُ الْمِثْلُ بِلَا خِلَافٍ. وقال في التَّلْخِيصِ لو غَصَبَ شيئا يُسَاوِي خَمْسَةً فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى دِرْهَمٍ ثُمَّ تَلِفَ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَهَذَا على اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِحَالَةِ الْغَصْبِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ بِالْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا اسْتَرْسَلَ إلَيْهِ من كَلَامِ بَعْضِ الْمُخَالِفِينَ. وَلَوْ تَلِفَ نِصْفُ الْعَيْنِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى دِرْهَمٍ فَرَجَعَ الْبَاقِي إلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ رَدَّ الْبَاقِيَ وَمَعَهُ قِيمَةُ التَّالِفِ نِصْفُ دِرْهَمٍ. وفي التَّلْخِيصِ يَرُدُّ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَلَيْسَ بِالْمَذْهَبِ كما قُلْنَا. قال الْحَارِثِيُّ وَإِنَّمَا أَوْرَدْته تَنْبِيهًا. قَوْلُهُ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ لِمَرَضٍ ثُمَّ عَادَتْ بِبُرْئِهِ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَارِثِيِّ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَنَصُّهُ يَضْمَنُ. وَحَكَى الْحَارِثِيُّ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ بِالضَّمَانِ قال وهو عِنْدِي قوى بَلْ أَقْوَى وَرَدَّ أَدِلَّةَ الْأَصْحَابِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لم يَطَّلِعْ على ما ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ من النَّصِّ. فَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَهُ وَرُبَّمَا كان الْمَذْهَبَ. وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال نَصَّ عليه.
فائدة: لو اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ مَعِيبًا مع الْأَرْشِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ في يَدِ مَالِكِهِ فقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا لَا يَجِبُ رَدُّ الْأَرْشِ لِاسْتِقْرَارِهِ بِأَخْذِ الْعَيْنِ نَاقِصَةً وَكَذَا لو أَخَذَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِ أَرْشٍ ثُمَّ زَالَ في يَدِهِ لم يَسْقُطْ الْأَرْشُ كَذَلِكَ. قال الْحَارِثِيُّ وما يُذْكَرُ من الِاسْتِقْرَارِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ. قال وَالصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ الْوُجُوبُ بِقَدْرِ النَّقْصِ الْحَادِثِ في الْمُدَّةِ وَيَجِبُ رَدُّ ما زَادَ إنْ كان. قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَ من جِهَةٍ أُخْرَى مِثْلُ أن تَعَلَّمَ صَنْعَةً فَعَادَتْ الْقِيمَةُ ضَمِنَ النَّقْصَ. وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُهُ. قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ لِسِمَنٍ أو نَحْوِهِ ثُمَّ نَقَصَتْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ. وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ. قال في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ ضَمِنَ على الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وعنه إذَا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ذَكَرَهَا بن أبي مُوسَى وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ في الْفَائِقِ. قَوْلُهُ وَإِنْ عَادَ مِثْلَ الزِّيَادَةِ الْأُولَى من جِنْسِهَا. مِثْلُ إنْ كانت قِيمَتُهَا مِائَةً فَزَادَتْ إلَى أَلْفٍ لِسِمَنٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ هَزَلَتْ فَعَادَتْ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ سَمِنَتْ فَزَادَتْ إلَى أَلْفٍ لم يَضْمَنْهَا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُهَا وهو الْمَذْهَبُ. قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ لِنَصِّهِ في الْخَلْخَالِ يُكْسَرُ قال يُصْلِحُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وهو أَحَدُ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا أَقْيَسُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَضْمَنُهَا قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ ضَمِنَهَا في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ. قَوْلُهُ وَإِنْ كانت من غَيْرِ جِنْسِ الْأُولَى لم يَسْقُطْ ضَمَانُهَا. وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيِّ وقال هذا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ يَسْقُطُ الضَّمَانُ ذَكَرَهُ ابن عقيل وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ.
فائدة: من صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ لو كان الذَّاهِبُ عِلْمًا أو صِنَاعَةً فَتَعَلَّمَ عِلْمًا آخَرَ أو صِنَاعَةً أُخْرَى قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هو كَعَوْدِ السِّمَنِ يَجْرِي فيها الْوَجْهَانِ. قال الْحَارِثِيُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ وَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ نَقْصًا غير مُسْتَقِرٍّ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ خُيِّرَ بين أَخْذِ مِثْلِهَا وَبَيْنَ تَرْكِهَا حتى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا وَيَأْخُذَهَا وَأَرْشَ نَقْصِهَا. هذا أَحَدُ الْوُجُوهِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ. قال الْمُصَنِّفُ قَوْلُ أبي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقِيلَ له أَرْشُ ما نَقَصَ بِهِ من غَيْرِ تَخْيِيرٍ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ. وَقِيلَ يَضْمَنُهُ بِبَدَلِهِ كما في الْهَالِكِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ الشَّرِيفِ أبي جَعْفَرٍ وبن. عَقِيلٍ وَالْقَاضِي يَعْقُوبَ بن إبْرَاهِيمَ وَالشِّيرَازِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ وَالشَّرِيفِ الزَّيْدِيِّ وَاخْتَارَه ابن بَكْرُوسٍ. وَخَيَّرَهُ في التَّرْغِيبِ بين أَخْذِهِ مع أَرْشِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ بَدَلِهِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ.
تنبيه: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَسْتَقِرَّ الْعَفَنُ أَمَّا إنْ اسْتَقَرَّ فَالْأَرْشُ بِغَيْرِ خِلَافٍ في الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ وَإِنْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ سَوَاءٌ جَنَى على سَيِّدِهِ أو غَيْرِهِ. إنْ جَنَى على غَيْرِ سَيِّدِهِ فَعَلَى الْغَاصِبِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِلَا نِزَاعٍ وَسَوَاءٌ في ذلك ما يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَالْمَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ من النَّقْصِ الذي لَحِقَ الْعَبْدَ. وَإِنْ جَنَى على سَيِّدِهِ فَعَلَى الْغَاصِبِ أَيْضًا أَرْشُ الْجِنَايَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ على سَيِّدِهِ لِتَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ. قال الْحَارِثِيُّ إذَا جَنَى على سَيِّدِهِ فقال الْمُصَنِّفُ وأبو الْخَطَّابِ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ له بِالْقِيَاسِ على الْأَجْنَبِيِّ قال وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى هذا حَالَةَ الِاقْتِصَاصِ لِوُجُودِ الْفَوَاتِ. أَمَّا حَالَةُ عَدَمِ الِاقْتِصَاصِ فَلَا لِأَنَّ الْفَوَاتَ مُنْتَفٍ فَالضَّمَانُ مُنْتَفٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا الْفَوَاتُ مُنْتَفٍ لِأَنَّ الْغَايَةَ إذَا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِالرَّقَبَةِ وهو غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَجْنِيِّ عليه فيها حَاصِلٌ فَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ فَيَكُونُ حَالَةَ عَدَمِ الْقِصَاصِ هَدَرٌ. ثُمَّ قال بَعْدَ ذلك وَأَمَّا الْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْمَالِ كَالْخَطَأِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ فَمُتَعَلِّقَةٌ بِالرَّقَبَةِ وَعَلَى الْغَاصِبِ تَخْلِيصُهَا بِالْفِدَاءِ وَبِمَا يفدى. قال الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ من الْقِيمَةِ أو أَرْشِ الْجِنَايَةِ. ولم يُورِدُوا هُنَا الْقَوْلَ بِالْأَرْشِ بَالِغًا ما بَلَغَ كما في فِدَاءِ السَّيِّدِ لِلْعَبْدِ الْجَانِي لِأَنَّ الذي ذَكَرُوهُ هو الْأَصَحُّ لَا لِأَنَّ الْخِلَافَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ وفي كَوْنِ الْأَوَّلِ هو الْأَصَحَّ بَحْثٌ انْتَهَى.
فائدتان: إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ وَجِنَايَتُهُ على الْغَاصِبِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ. بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ وَيَضْمَنُ زَوَائِدَ الْغَصْبِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ إذَا تَلِفَتْ أو نَقَصَتْ كَالْأَصْلِ. بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ. فإذا غَصَبَ حَامِلًا أو حَائِلًا فَحَمَلَتْ عِنْدَهُ فَالْوَلَدُ مَضْمُونٌ عليه. ثُمَّ إذَا وَلَدَتْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَلِدَهُ حَيًّا أو مَيِّتًا. فَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا وكان قد غَصَبَهَا حَامِلًا فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَيَاتَهُ. وَإِنْ كان غَصَبَهَا حَائِلًا فَحَمَلَتْ وَوَلَدَتْهُ مَيِّتًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي. وَعِنْدَ أبيه أبي الْحُسَيْنِ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ لو كان حَيًّا. وقال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ. وَإِنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا وَمَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يوم تَلَفِهِ. الثَّانِيَةُ قال في الْفُرُوعِ في هذا الْبَابِ في أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَخِيرِ منه وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ما أَتْلَفَتْهُ بَهِيمَةٌ لَا يَدَ عليها ظاهرة وَلَوْ كانت مَغْصُوبَةً لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. وَعَلَّلَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ من الْمَالِكِ وَلَا ذِمَّةَ لها فَيَتَعَلَّقُ بها وَلَا قَصْدَ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا. وَيُبَيِّنُ ذلك أَنَّهُمْ ذَكَرُوا جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَأَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُهَا. وَقَالُوا لِأَنَّ جِنَايَتَهُ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَضَمِنَهَا لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ في يَدِ الْمَغْصُوبِ. فَهَذَا التَّخْصِيصُ وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ في الْبَهِيمَةِ. قال وَهَذَا فيه نَظَرٌ وَلِهَذَا قال ابن عَقِيلٍ في جِنَايَاتِ الْبَهَائِمِ لو نَقَبَ لِصٌّ وَتَرَكَ النَّقْبَ فَخَرَجَتْ منه بَهِيمَةٌ ضَمِنَهَا وَضَمِنَ ما تَجْنِي بِإِفْلَاتِهَا وَتَخْلِيَتِهَا. وقد يَحْتَمِلُ إنْ حَازَهَا وَتَرَكَهَا بِمَكَانٍ ضَمِنَ لتعدية بِتَرْكِهَا فيه بِخِلَافِ ما لو تَرَكَهَا بِمَكَانِهَا وَقْتَ الْغَصْبِ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَلِهَذَا قال الْأَصْحَابُ في نَقْلِ التُّرَابِ من الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ إنْ أَرَادَهُ الْغَاصِبُ وَأَبَى الْمَالِكُ فَلِلْغَاصِبِ ذلك مع غَرَضٍ صَحِيحٍ مِثْلُ إنْ كان نَقَلَهُ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَنْقُلُهُ لِيَنْتَفِعَ بِالْمَكَانِ أو كان طَرَحَهُ في طَرِيقٍ فَيَضْمَنُ ما يَتَجَدَّدُ بِهِ من جِنَايَةٍ على آدَمِيٍّ أو بَهِيمَةٍ. وَلَا يَمْلِكُ ذلك بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ مِثْلُ إنْ كان نَقَلَهُ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ أو طَرَفِ الْأَرْضِ التي حَفَرَهَا. وَيُفَارِقُ طَمَّ الْبِئْرِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عن غَرَضٍ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ ضَمَانُ جِنَايَةِ الْحَفْرِ. زَادَ ابن عقيل وَلَعَلَّهُ مَعْنَى كَلَامِ بَعْضِهِمْ أو جِنَايَةُ الْغَيْرِ بِالتُّرَابِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. وَمَحَلُّ هذه الْفَائِدَةِ عِنْدَ ضَمَانِ ما أَتْلَفَتْ الْبَهِيمَةُ لَكِنْ لها هُنَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ. قَوْلُهُ وَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ على وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِثْلُ أن خَلَطَ حِنْطَةً أو زَيْتًا بمثله. قال في الرِّعَايَةِ ولم يَشْتَرِكَا فِيهِمَا انْتَهَى لَزِمَهُ مِثْلُهُ منه في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ الْمَنْصُوصُ في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَأَبِي الْحَارِثِ أَنَّهُ اشْتِرَاكٌ فِيمَا إذَا خَلَطَ زَيْتَهُ بِزَيْتِ غَيْرِهِ. وَاخْتَارَه ابن حَامِدٍ وَالْقَاضِي في خِلَافِهِ وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْعُمْدَةِ. قال في الْوَجِيزِ فَهُمَا شَرِيكَانِ. وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. قال الْحَارِثِيُّ هذا أَمَسُّ بِالْمَذْهَبِ وَأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. وفي الْآخَرِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ من حَيْثُ شَاءَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ. وقال هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ. قال في الْفُرُوعِ وقال في الْوَسِيلَةِ وَالْمُوجِزِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا انْتَهَى. وقال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وهو الشَّرِكَةُ كما في الْأَوَّلِ لَكِنْ يُبَاعُ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ على الْحِصَّةِ كَذَا أَطْلَقَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ بن إبْرَاهِيمَ في تَعْلِيقِهِ وأبو الْخَطَّابِ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ وَغَيْرُهُمَا في رؤوس مَسَائِلِهِمْ حتى قالوا بِهِ في الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَقَالَهُ ابن عقيل في تَذْكِرَتِهِ. وَأَظُنُّهُ قَوْلَ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ انْتَهَى. ثُمَّ قال وَأَمَّا إجْرَاءُ هذا الْوَجْهِ في الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَوَاهٍ جِدًّا لِأَنَّهَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ وَقِسْمَتُهَا مُمْكِنَةٌ فَأَيُّ فَائِدَةٍ في الْبَيْعِ وَرَدَّ هذا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ.
فائدة: هل يَجُوزُ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَتَصَرَّفَ في قَدْرِ مَالِهِ فيه أَمْ لَا. قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ قد اخْتَلَطَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَتَنَزَّهَ عنه كُلِّهِ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ. وَأَنْكَرَ قَوْلَ من قال يَخْرُجُ منه بِقَدْرِ ما خَالَطَهُ. وَاخْتَارَ ابن عقيل في فُنُونِهِ التَّحْرِيمَ لِامْتِزَاجِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ فيه وَاسْتِحَالَةِ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا عن الْآخَرِ. وَعَلَى هذا ليس له إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ منه بِدُونِ إذْنِ الْمَغْصُوبِ منه وَهَذَا بِنَاءً على أَنَّهُ اشْتِرَاكٌ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ فَيَتَخَرَّجُ بِهِ قَدْرُ الْحَرَامِ وَلَوْ من غَيْرِهِ قَالَه ابن رَجَبٍ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ. قَوْلُهُ وَإِنْ خَلَطَهُ بِدُونِهِ أو بِخَيْرٍ منه أو بِغَيْرِ جِنْسِهِ يَعْنِي على وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ لَزِمَهُ مِثْلُهُ في قِيَاسِ التي قَبْلَهَا. قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ مِثْلُهُ. وَاخْتَارَهُ في الْكَافِي وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا وهو الْمَذْهَبُ. قال في الْفُرُوعِ فَشَرِيكَانِ بِقَدْرِ حَقِّهِمَا كَاخْتِلَاطِهِمَا من غَيْرِ غَصْبٍ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي الْحَارِثِ. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا اخْتِيَارُ من سَمَّيْنَاهُ في الْوَجْهِ الثَّالِثِ انْتَهَى. قال في الْمُذْهَبِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ. وقال الْقَاضِي أَيْضًا ما تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ كَتَالِفٍ يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ من حَيْثُ شَاءَ. فَشَمَلَ كَلَامُهُ هذه الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لو خَلَطَ الزَّيْتَ بِالشَّيْرَجِ وَدُهْنَ اللَّوْزِ بِدُهْنِ الْجَوْزِ وَدَقِيقَ. الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ فَالْمَنْصُوصُ الشَّرِكَةُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا وقد شَمَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْمِثْلِ عِنْدَ الْقَاضِي. قال الْحَارِثِيُّ وهو أَظْهَرُ. الثَّانِيَةُ لو خَلَطَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لِآخَرَ فَتَلِفَ اثْنَانِ فما بَقِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أو نِصْفَيْنِ يَتَوَجَّهُ فيه وَجْهَانِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ. قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ لِصَاحِبِ الدِّرْهَمَيْنِ نِصْفَ الْبَاقِي لَا غَيْرُ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ مَالَهُ كَامِلًا فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمِ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ دِرْهَمًا لِهَذَا وَدِرْهَمًا لِهَذَا فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمَيْنِ بِالْبَاقِي فَتَسَاوَيَا لَا يَحْتَمِلُ غير ذلك وَمَالُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ قَطْعًا بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. غَايَتُهُ أَنَّهُ أَبْهَمَ عَلَيْنَا.
فائدة: قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أو سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِزَيْتٍ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا أو قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ضَمِنَ النَّقْصَ وَإِنْ لم تَنْقُصْ ولم تَزِدْ أو زَادَتْ قِيمَتُهُمَا فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ ما لَهُمَا وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِهِ. هذه الْجُمْلَةُ لَا خِلَافَ فيها. لَكِنْ قال الْحَارِثِيُّ الضَّمِيرُ في نَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا عَائِدٌ على الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ وَالسَّوِيقِ وَالزَّيْتِ لآنها إحْدَى الْحَالَاتِ الْوَارِدَةِ في قِيمَةِ الْمَالَيْنِ من الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَالتَّسَاوِي. وفي عَوْدِهِ على مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي الثَّوْبَ وَالصَّبْغَ في صُورَةِ النَّقْصِ. مُنَاقَشَةٌ فإن ضَمَانَ الْغَاصِبِ لَا يُتَصَوَّرُ لِنُقْصَانِ الصَّبْغِ إذْ هو مَالُهُ فَلَا يَجُوزُ إيرَادُهُ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الضَّمَانِ. وَالْأَجْوَدُ أَنْ يُقَالَ تَنْقُصُ قِيمَةُ الثَّوْبِ. وَكَذَا قَوْلُهُ أو قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ليس بِالْجَيِّدِ فإنه مُتَنَاوِلٌ لِحَالَةِ النُّقْصَانِ في الصَّبْغِ دُونَ الثَّوْبِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فإن الضَّمَانَ لَا يَجِبُ على هذا التَّقْدِيرِ بِحَالٍ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ. غير أَنَّ الضَّمَانَ إنْ فُسِّرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَاصِبِ يَكُونُ النَّقْصُ مَحْسُوبًا عليه وَقِيلَ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ في حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَعًا وَبِاسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ في مَدْلُولِيهِ مَعًا فَيَتَمَشَّى انْتَهَى. فإذا حَصَلَ النُّقْصَانُ لِكَوْنِهِ مَصْبُوغًا أو لِسُوءِ الْعَمَلِ فَعَلَى الْغَاصِبِ. وَعَلَى هذا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ. فإذا كان قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَةً وَهِيَ الْآنَ بَعْدَ الصَّبْغِ ثَمَانِيَةٌ فَالنَّقْصُ على الْغَاصِبِ وَإِنْ كان لِانْخِفَاضِ سِعْرِ الثِّيَابِ فَالنَّقْصُ على الْمَالِكِ فَيَكُونُ له ثَلَاثَةٌ وَإِنْ كان لِانْخِفَاضِ سِعْرِ الصَّبْغِ فَالنَّقْصُ على الْغَاصِبِ فَيَكُونُ له ثَلَاثَةٌ وَإِنْ كان لِانْخِفَاضِهِمَا مَعًا على السَّوَاءِ فَالنَّقْصُ عَلَيْهِمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةٌ هذا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ يُحْمَلُ النَّقْصُ على الصَّبْغِ في كل حَالٍ وهو قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قَلْعَ الصَّبْغِ لم يُجْبَرْ الْآخَرُ. هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وابن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ. قال الْقَاضِي هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ يُجْبَرُ وَيَضْمَنُ النَّقْصَ سَوَاءٌ كان الْغَاصِبُ أو الْمَغْصُوبُ منه وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْبَرَ إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ النَّقْصَ. يَعْنِي إذَا اراد الْغَاصِبُ قَلْعَ صَبْغِهِ وَامْتَنَعَ الْمَغْصُوبُ منه أُجْبِرَ على تَمْكِينِهِ من قَلْعِهِ وَيَضْمَنُ النَّقْصَ وَهَذَا قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَ الصِّبْغِ فقال أَصْحَابُنَا له ذلك سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالثَّوْبِ أو لم يَضُرَّ وَيَضْمَنُ نَقْصَ الثَّوْبِ إنْ نَقَصَ. ولم يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بين ما يَهْلِكُ صبغة بِالْقَلْعِ وَبَيْنَ ما لَا يَهْلِكُ. قال الْمُصَنِّفُ وَيَنْبَغِي أَنَّ ما يَهْلِكُ بِالْقَلْعِ لَا يَمْلِكُ قَلْعَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَلْعَهُ إذَا تَضَرَّرَ بِهِ الثَّوْبُ لِأَنَّهُ قال الْمُشْتَرِي إذَا بَنَى أو غَرَسَ في الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ فَلَهُ أَخْذُهُ إذَا لم يَكُنْ في أَخْذِهِ ضَرَرٌ. وقال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ إنْ اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ منه قَلْعَ الصِّبْغِ فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا يَمْلِكُ إجْبَارَ الْغَاصِبِ عليه. وَالثَّانِي لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عليه. قال الْقَاضِي هذا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ ذلك. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِجْبَارِ من الطَّرَفَيْنِ لو نَقَصَ الثَّوْبُ بِالْقَلْعِ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ نَقَصَ الصِّبْغُ فقال في الْكَافِي لَا شَيْءَ على الْمَالِكِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو أَصَحُّ. وقال في الْمُحَرَّرِ يَضْمَنُهُ الْمَالِكُ كما في الطَّرَفِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ وَإِنْ وَهَبَ الصِّبْغَ لِلْمَالِكِ أو وَهَبَهُ تَزْوِيقَ الدَّارِ وَنَحْوِهَا فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُهَا على وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ في الصَّدَاقِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ. قُلْت فَيُعَايَى بها. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ. قال الْحَارِثِيُّ في التَّزْوِيقِ وَنَحْوِهِ هذا أَقْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لو طَلَبَ الْمَالِكُ تَمَلُّكَ الصِّبْغِ بِالْقِيمَةِ فقال الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُجْبَرُ الْغَاصِبُ على الْقَبُولِ وَاخْتَارَاهُ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا بِالْإِجْبَارِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ. الثَّانِيَةُ لو نَسَجَ الْغَزْلَ الْمَغْصُوبَ أو قَصَرَ الثَّوْبَ أو عَمِلَ الْحَدِيدَ إبَرًا أو سُيُوفًا وَنَحْوَ ذلك وَوَهَبَهُ لِمَالِكِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ. وَلَوْ سَمَّرَ بِمَسَامِيرِهِ بَابًا مَغْصُوبًا ثُمَّ وَهَبَ الْمَسَامِيرَ لِرَبِّ الْبَابِ لم يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ منهم صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ. قال في الْفُرُوعِ في الْأَصَحِّ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ صَبْغًا فَصَبَغَ بِهِ ثَوْبًا أو زَيْتًا فَلَتَّ بِهِ سَوِيقًا احْتَمَلَ أَنْ يكون [تكون] كَذَلِكَ. يَعْنِي يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا كما لو غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ بِصِبْغٍ من عِنْدِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قال الْحَارِثِيُّ ولم يذكر الْأَصْحَابُ سِوَاهُ في صُورَةِ الصَّبْغِ وَجَزَمَ بِهِ في. التَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ قِيمَتُهُ أو مِثْلُهُ إنْ كان مِثْلِيًّا لِأَنَّ الصِّبْغَ وَالزَّيْتَ صَارَا مُسْتَهْلَكَيْنِ أَشْبَهَ ما لو أَتْلَفَهُمَا. قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ في الْكِتَابِ قال وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُهُ في الصُّورَةِ السَّابِقَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُضَيِّعُ الصِّبْغَ على الْغَاصِبِ وَيَأْخُذُهُ الْمَالِكُ مَجَّانًا وَأَطْلَقَ الِاحْتِمَالَيْنِ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا. قَوْلُهُ وَإِنْ وطىء الْجَارِيَةَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ وَإِنْ كانت مُطَاوَعَةً وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ. هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وعنه لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ لِلثَّيِّبِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وَالْخِرَقِيُّ وابن عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ولم يُوجِبْ عليه سِوَى أَرْشِ الْبَكَارَةِ نَقَلَهُ عنه في الْفَائِقِ. قال الزَّرْكَشِيُّ عَدَمُ لُزُومِ مَهْرِ الثَّيِّبِ بَعِيدٌ. وعنه لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ في مَهْرِهَا وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو وَاهٍ. وَعَنْهُ لَا مَهْرَ مع الْمُطَاوَعَةِ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو جَيِّدٌ. قَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لو انْفَصَلَ مَيِّتًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِجِنَايَةٍ أو لَا. فَإِنْ كان مَاتَ بِجِنَايَةٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ من الْغَاصِبِ أو من غَيْرِهِ. فَإِنْ كانت من الْغَاصِبِ فقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا عليه عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ. وقال الْحَارِثِيُّ وَالْأَوْلَى أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ من قِيمَةِ الْوَلَدِ أو عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ. وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ من غَيْرِ الْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ بِلَا نِزَاعٍ يَرْجِعُ بِهِ على من شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ على الْجَانِي. وَإِنْ كان مَاتَ من غَيْرِ جِنَايَةٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَقِيلَ يَضْمَنُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ. قال الْحَارِثِيُّ وهو أَصَحُّ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالضَّمَانِ فَقِيلَ يَضْمَنُهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقِيلَ بِقِيمَتِهِ لو كان حَيًّا اخْتَارَهُ الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَيَحْتَمِلُ الضَّمَانَ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَقْيَسُ.
فوائد: الْأَوْلَى قال الْحَارِثِيُّ وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ في حَمْلِ الْبَهِيمَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا انْفَصَلَ كَذَلِكَ. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَلَوْ وَلَدَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ. جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ أَنَّ فيه الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ. الثَّالِثَةُ لو قَتَلَهَا الْغَاصِبُ بِوَطْئِهِ وَجَبَتْ عليه الدِّيَةُ ونقله [نقله] مُهَنَّا وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ.
. الرَّابِعَةُ هذا الْحُكْمُ فِيمَا تَقَدَّمَ إذَا كان عَالِمًا. فَأَمَّا إنْ كان جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ فَالْوَلَدُ حُرٌّ لِلْغَاصِبِ نَصَّ عليه. فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا فَعَلَى الْغَاصِبِ فِدَاؤُهُ يَوْمَئِذٍ. وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا من غَيْرِ جِنَايَةٍ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ كان بِجِنَايَةٍ فَعَلَى الْجَانِي الضَّمَانُ فَإِنْ كان من الْغَاصِبِ فَغُرَّةٌ مَوْرُوثَةٌ عنه لَا يَرِثُ الْغَاصِبُ منها شيئا وَعَلَى السَّيِّدِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ. وَإِنْ كان من غَيْرِ الْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ يَرِثُهَا الْغَاصِبُ دُونَ أُمِّهِ وَعَلَى الْغَاصِبِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ لِلْمَالِكِ لو غَصَبَهَا. الْخَامِسَةُ لو غَصَبَهَا حَامِلًا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ نَقْصَ الْوِلَادَةِ كما قال الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فقال الْخِرَقِيُّ يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرَ ما كانت قِيمَتُهُ. وفي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ هل يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمِ مَاتَ أو أَكْثَرُ ما كانت على رِوَايَتَيْنِ. قال الْحَارِثِيُّ وَالْمَذْهَبُ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْمَوْتِ. وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَعَلَى ما تَقَدَّمَ من التَّفْصِيلِ. وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ وَجَبَ ضَمَانُهَا. وَكَذَلِكَ لو غَصَبَهُ مَرِيضًا فَمَاتَ في يَدِهِ بِذَلِكَ الْمَرَضِ جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهَا أو وَهَبَهَا لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ فَوَطِئَهَا فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ نَقْصُهَا وَمَهْرُهَا وَأُجْرَتُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا إنْ تَلِفَ فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ على الْآخَرِ وَلَا يَرْجِعُ الْآخَرُ عليه. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ فَضَمِنَهَا رَجَعَا على الْغَاصِبِ. اعْلَمْ إن بَيْعَ الْغَاصِبِ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ مُطْلَقًا على الْمَذْهَبِ وَفِيهِ رِوَايَةٌ يَصِحُّ وَيَقِفُ على إجَازَةِ الْمَالِكِ. وَحَكَى فيه رِوَايَةً ثَالِثَةً يَصِحُّ الْبَيْعُ على ما يَأْتِي في تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ وَالتَّفْرِيعُ على الْمَذْهَبِ وَكَذَا الْهِبَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. إذَا عَلِمْت ذلك فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ في جَوَازِ تَضْمِينِهِمَا ما كان الْغَاصِبُ يَضْمَنُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. قال في أَوَّلِ الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالتِّسْعِينَ من قَبَضَ مَغْصُوبًا من غَاصِبِهِ ولم يَعْلَمْ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ فَالْمَشْهُورُ عن الْأَصْحَابِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ في جَوَازِ تَضْمِينِهِ ما كان الْغَاصِبُ يَضْمَنُهُ من عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ انْتَهَى. وَقَطَعَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ. وَقَوْلُهُ فَضَمِنَهُمَا رَجَعَا على الْغَاصِبِ. يَعْنِي إذَا ضَمِنَ الْمُشْتَرِي أو الْمُتَّهِبُ نَقْصَهَا وَمَهْرَهَا وَأُجْرَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا وَأَرْشَ الْبَكَارَةِ إنْ كانت بِكْرًا رَجَعَا على الْغَاصِبِ بِذَلِكَ وهو الْمَذْهَبُ في الْجُمْلَةِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ جَعْفَرٍ في الْفِدَاءِ. وفي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن مَنْصُورٍ على الْمَهْرِ. وَيَأْتِي التَّفْصِيلُ في ذلك عِنْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ التي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْخِلَافُ. قَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ من أَحَدِهِمَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ بِلَا نِزَاعٍ وَيَفْدِيهِ بمثله في صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا. يَجِبُ فِدَاءُ الْوَلَدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَجَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ وَالْمَيْمُونِيِّ وَيَعْقُوبَ بن بُخْتَانَ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ فِدَاءُ أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ بَدَلُهُمْ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا. قال الْخَلَّالُ أَحْسَبُهُ قَوْلًا لِأَبِي عبد اللَّهِ أَوَّلَ وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْدِيهِمْ. قال الْحَارِثِيُّ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ ولم يُعَوِّلْ الْأَصْحَابُ على هذه الرِّوَايَةِ. قَوْلُهُ بمثله في صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا. يَعْنِي من غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ في الْجِنْسِ وَالسِّنِّ. لَكِنْ قال الْحَارِثِيُّ أَمَّا السِّنُّ فَلَا يَخْلُو من نَظَرٍ وَفِدَاؤُهُ بمثله في صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا هو إحْدَى الرِّوَايَاتِ عن الأمام أَحْمَدَ. قال ابن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قال الْحَارِثِيُّ وهو [وهي] اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وَالْقَاضِيَيْنِ أبي يَعْلَى وَيَعْقُوبَ بن إبْرَاهِيمَ في تَعْلِيقَيْهِمَا وَأَبِي الْخَطَّابِ في رؤوس مَسَائِلِهِ وَالشَّرِيفِ أبي الْقَاسِمِ الزَّيْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ. قال الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ وَهِيَ أَصَحُّ انْتَهَى. قال الزَّرْكَشِيُّ هو مُخْتَارُ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ في الْقِيمَةِ وهو لِأَبِي الْخَطَّابِ وهو وَجْهٌ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَرِوَايَةٌ في الْمُحَرَّرِ. قال الْحَارِثِيُّ وَنُسِبَ إلَى اخْتِيَارِ أبي بَكْرٍ. قُلْت قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عنه وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ. وَتَضْمِينُهُ الْمِثْلَ من الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وابن الزَّاغُونِيِّ. قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وهو أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ نَصَّ على أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا مِثْلَ له وهو مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في الْمُقْنِعِ. قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَعَنْهُ يُفْدَى كُلُّ وَصَيْفٍ بِوَصِيفَيْنِ أَوْرَدَهُ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ عن بن أبي مُوسَى في مَغْرُورِ النِّكَاحِ.
تنبيه: حَيْثُ قُلْنَا يَفْدِيهِ إمَّا بِالْمِثْلِ أو الْقِيمَةِ فَيَكُونُ ذلك يوم وَضْعِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَكُونُ الْفِدَاءُ يوم الْخُصُومَةِ وهو ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَجَعْفَرٍ وهو وَجْهٌ في الْفَائِقِ. قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ بن أبي مُوسَى حِكَايَةُ وَجْهٍ الِاعْتِبَارُ بِيَوْمِ الْحُكُومَةِ. قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ على الْغَاصِبِ. يَعْنِي بِمَا فَدَى بِهِ الْأَوْلَادَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ ابن عقيل رِوَايَةً لَا يَرْجِعُ بِفِدَاءِ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَا يَرْجِعُ بها إنْ كان مُشْتَرِيًا وَيَرْجِعُ بها الْمُتَّهِبُ. إذَا تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْمَغْصُوبِ منه وَلَا يَرْجِعُ على الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ. وفي الْمُغْنِي في بَابِ الرَّهْنِ رِوَايَةٌ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ على الْغَاصِبِ فَلَا يَرْجِعُ على الْمُشْتَرِي. وَحَكَاهُ في الْكَافِي في بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَجْهًا. وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِمِثْلِ ذلك في خِلَافِهِ قَالَه ابن رَجَبٍ. وقال هو عِنْدِي قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَقَوَّاهُ وَاسْتَدَلَّ له بِمَسَائِلَ وَنَظَائِرَ. فَعَلَى هذا يَرْجِعُ على الْغَاصِبِ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ بِلَا نِزَاعٍ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَأْخُذُ من الْغَاصِبِ ثَمَنَهَا وَيَأْخُذُ أَيْضًا نَفَقَتَهُ وَعَمَلَهُ من الْبَائِعِ الْغَارِّ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ. وقال في الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ لو بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا فَإِنْ كان الْمُشْتَرِي عَالِمًا ضَمِنَ الْمَنْفَعَةَ سَوَاءٌ انْتَفَعَ بها أو لم يَنْتَفِعْ فَإِنْ لم يَعْلَمْ فَقَرَارُ الضَّمَانِ على الْبَائِعِ الظَّالِمِ وَإِنْ انْتَزَعَ الْمَبِيعَ من يَدِ الْمُشْتَرِي فَأُخِذَتْ منه الْأُجْرَةُ وهو مَعْرُوفٌ رَجَعَ بِذَلِكَ على الْبَائِعِ الْغَارِّ انْتَهَى. وفي التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ احْتِمَالٌ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِمَا زَادَ على الثَّمَنِ وَبِهِ جَزَمَ بن الْمُنَى في خِلَافِهِ. وفي التَّرْغِيبِ أَيْضًا لَا يُطَالِبُ بِالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ قبل قَبْضِهِ. قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قُلْت وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي لَا رُجُوعَ بِمَا زَادَ على الثَّمَنِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. قال الْمُصَنِّفُ في فَتَاوِيهِ وَإِنْ انفق على أَيْتَامِ غَاصِبٍ وصيه [وصيته] مع عِلْمِهِ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ لم يَرْجِعْ وَإِلَّا رَجَعَ لِأَنَّ الموصى غَرَّهُ انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُتَّهِبِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِرَبِّهَا وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ على الْغَاصِبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. قال في الْفُرُوعِ وَيَرْجِعُ مُتَّهِبٌ في الْأَصَحِّ. وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ كَالْمُشْتَرِي. قال الْحَارِثِيُّ وفي الْكَافِي رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ فِيمَا إذَا تَلِفَ لِأَنَّهُ غَرِمَ ما أَتْلَفَهُ انْتَهَى. قَوْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّ ما حَصَلَتْ له بِهِ مَنْفَعَةٌ كَالْأُجْرَةِ وَالْمَهْرِ وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ لَا يَرْجِعُ بِهِ. هذه الرِّوَايَةُ عَائِدَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ لم يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ فَضَمِنَهُمَا رَجَعَا على الْغَاصِبِ لَكِنَّ هذه الرِّوَايَةَ رَجَعَ عنها الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ. قال الْحَارِثِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ رَجَعَ عنها الْإِمَامُ أَحْمَدُ. قال الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ رَجَعَ عن قَوْلِهِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ. وإذا كان كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ عَدَمُ الرُّجُوعِ مَذْهَبًا له في شَيْءٍ من هذه الْأُمُورِ أَصْلًا وَفَرْعًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ. قُلْت إذَا رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عن قَوْلٍ فَهَلْ يُتْرَكُ وَلَا يُذْكَرُ لِرُجُوعِهِ عنه أو يُذْكَرُ وَيُثْبَتُ في التَّصَانِيفِ تَقَدَّمَ حُكْمُ ذلك في الْخُطْبَةِ وَبَابِ التَّيَمُّمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا رَجَعَ على الْمُشْتَرِي وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ على الْغَاصِبِ فَلَا يَخْلُو من أَقْسَامٍ. أحدها ما لَا يَرْجِعُ بِهِ وهو قِيمَتُهَا إذَا تَلِفَتْ كُلُّهَا أو جُزْؤُهَا في يَدِهِ على ما تَقَدَّمَ من الْخِلَافِ. وَالثَّانِي فيه خِلَافٌ وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ وهو أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَالْمَهْرُ وَأُجْرَةُ نَفْعِهَا. فَأَمَّا أَرْشُ الْبَكَارَةِ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ. قال في الْفَائِقِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ انْتَهَى. قال الزَّرْكَشِيُّ الرُّجُوعُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وأبو بَكْرٍ قَالَهُ في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَمَّا الْمَهْرُ وَأُجْرَةُ النَّفْعِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِمَا على الْغَاصِبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ. قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَرُجُوعُهُ بِالْمَهْرِ على الْغَاصِبِ من الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يَرْجِعُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وابن أبي مُوسَى قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ. قال في الْفُرُوعِ في حُصُولِ نَفْعٍ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وابن عَقِيلٍ. قُلْت الْمُصَرَّحُ بِهِ في الْخِرَقِيِّ رُجُوعُ الْمُشْتَرِي بِالْمَهْرِ. قال الزَّرْكَشِيُّ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَهْرِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. الثَّالِثُ ما يَرْجِعُ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو قِيمَةُ الْوَلَدِ كما تَقَدَّمَ. وَالرَّابِعُ ما يَرْجِعُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وهو نَقْصُ وِلَادَةٍ وَمَنْفَعَةٌ فَائِتَةٌ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي في نَقْصِ الْوِلَادَةِ. قال الْحَارِثِيُّ وَأَدْخَلَهُ الْبَاقُونَ فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ كما في الْمَتْنِ.
فائدة: حُكْمُ الْمُتَّهِبِ حُكْمُ الْمُشْتَرِي وقد حَكَى الْمُصَنِّفُ هُنَا وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَجَمَاعَةٌ فيه الرِّوَايَتَيْنِ وَحَكَى الْخِلَافَ في الْمُغْنِي وَجْهَيْنِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّوَابُ فإنه مَقِيسٌ على نَصِّهِ.
فائدة: أُخْرَى حُكْمُ الثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ الْحَادِثِ في الْمَبِيعِ حُكْمُ الْمَنَافِعِ إذَا ضَمِنَهَا رَجَعَ بِبَدَلِهَا على الْغَاصِبِ وَكَذَلِكَ الْكَسْبُ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي في خِلَافِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ انْتَفَعَ بِشَيْءٍ من ذلك فَيُخَرَّجُ على الرِّوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ على الْمُشْتَرِي بِمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ عليه. اعْلَمْ أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَ من شَاءَ مِنْهُمَا أَعْنِي الْغَاصِبَ وَمَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ منه فَإِنْ ضَمَّنَ غير الْغَاصِبِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ رُجُوعِهِ على الْغَاصِبِ وَعَدَمِهِ وَإِنْ رَجَعَ على الْغَاصِبِ وهو ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَهُوَ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ. أَحَدُهَا قِيمَةُ الْعَيْنِ فَهَذَا إذَا رَجَعَ بِهِ الْمَالِكُ على الْغَاصِبِ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ بِهِ على الْمُشْتَرِي. الثَّانِي قِيمَةُ الْوَلَدِ فإذا رَجَعَ بها على الْغَاصِبِ لم يَرْجِعْ الْغَاصِبُ على الْمُشْتَرِي على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا ابن عقيل أَنَّ الْمَالِكَ إذَا ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ بِهِ على الْغَاصِبِ فَتَأْتِي الرِّوَايَةُ هُنَا أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ يَرْجِعُ بِهِ على الْمُشْتَرِي. الثَّالِثُ الْمَهْرُ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ وَالْأُجْرَةُ وَنَحْوُهُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِرُجُوعِ الْمُشْتَرِي وَالْمُتَّهِبِ على الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَهَا الْمَالِكُ هُنَاكَ لَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِمَا هُنَا إذَا ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ. وَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُمَا لَا يَرْجِعَانِ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِمَا هُنَا. الرَّابِعُ نَقْصُ الْوِلَادَةِ وَالْمَنْفَعَةُ الْفَائِتَةُ فَإِنْ رَجَعَ الْمَالِكُ على الْغَاصِبِ لم يَرْجِعْ بِهِ الْغَاصِبُ على الْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا على قَوْلِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ قد شَمَلَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ على الْمُشْتَرِي بِمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ عليه. فَحَيْثُ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا يَرْجِعُ على الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ لَا يَرْجِعُ على الْمُشْتَرِي وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ. قَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ من زَوْجٍ فَمَاتَ الْوَلَدُ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ على الْغَاصِبِ على رِوَايَتَيْنِ. مِثَالُ ذلك أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِغَصْبِهَا فَيُزَوِّجُهَا لِغَيْرِ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ فَتَلِدُ منه فَهُوَ مَمْلُوكٌ فَيَضْمَنُهُ من هو في يَدِهِ بِقِيمَتِهِ إذَا تَلِفَ. وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ على الْغَاصِبِ على رِوَايَتَيْنِ بِنَاءً على الرِّوَايَتَيْنِ في ضَمَانِ النَّفْعِ إذَا تَلِفَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي على ما تَقَدَّمَ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا يَرْجِعُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عليه بِأُجْرَةِ النَّفْعِ على ما تَقَدَّمَ قَرِيبًا فَكَذَا هذا. وَالثَّانِيَةُ لَا يَرْجِعُ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَهَا فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ اسْتَقَرَّ ضَمَانُ قِيمَتِهَا عليه وَضَمَانُ الْأُجْرَةِ على الْغَاصِبِ. إذَا اسْتَعَارَهَا من الْغَاصِبِ عَالِمًا بِغَصْبِهَا فَلَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ. فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ على الْمُسْتَعِيرِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لم يَرْجِعْ على الْغَاصِبِ مُطْلَقًا. وَإِنْ كان غير عَالِمٍ بِالْغَصْبِ فَضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لم يَرْجِعْ على الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ وَيَرْجِعُ عليه بِضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَضَمَانُ الْأُجْرَةِ على الْغَاصِبِ. وَعَنْهُ لَا يَرْجِعُ بِضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ إذَا تَلِفَتْ بِالِاسْتِيفَاءِ وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عليه في مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ. قال في الْقَوَاعِدِ وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الْمَنْفَعَةَ ابْتِدَاءً فَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا الْبِنَاءُ على الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَرْجِعُ الْقَابِضُ عليه إذَا ضَمِنَ ابْتِدَاءً رَجَعَ على الْغَاصِبِ هُنَا عليه وَإِلَّا فَلَا وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي الْخَطَّابِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ وَالْقَاضِي وابن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ على الْقَابِضِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ آخَرَ.
فائدة: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا انْتَقَلَتْ الْعَيْنُ من يَدِ الْغَاصِبِ إلَى يَدِ غَيْرِهِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ مَسْأَلَةَ الشِّرَاءِ وَمَسْأَلَةُ الْهِبَةِ وَمَسْأَلَةَ الْعَارِيَّةِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عليها. وقد ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ أَنَّ الْأَيْدِيَ الْقَابِضَةَ من الْغَاصِبِ مع عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحَالِ عَشْرَةٌ. منها الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ التي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَلَكِنْ نُعِيدُ ذِكْرَ يَدِ الْمُتَّهِبِ لِأَجْلِ نَظَائِرِهَا في الْيَدِ التَّاسِعَةِ. فَالْيَدُ الثَّالِثَةُ الْغَاصِبَةُ من الْغَاصِبِ وَحَقُّهَا أَنْ تَكُونَ أُولَى لِأَنَّهَا كَالْأَصْلِ لِلْأَيْدِي وهو أَنَّ الْيَدَ الْغَاصِبَةَ من الْغَاصِبِ يَتَعَلَّقُ بها الضَّمَانُ كَأَصْلِهَا وَيَسْتَقِرُّ عليها مع التَّلَفِ تَحْتَهَا وَلَا يُطَالَبُ بِمَا زَادَ على مُدَّتِهَا. الْيَدُ الرَّابِعَةُ يَدٌ آخِذَةٌ لِمَصْلَحَةِ الدَّافِعِ كَالِاسْتِيدَاعِ وَالْوَكَالَةِ بِغَيْرِ جُعْلٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَهَا ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمَّنَ على الْغَاصِبِ لِتَغْرِيرِهِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عليها وَلِتَلَفِ الْمَالِ تَحْتَهَا من غَيْرِ إذْنٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ في بَابِ الْمُضَارَبَةِ. قال ابن رَجَبٍ وَيَتَخَرَّجُ فيه وَجْهٌ آخَرُ لَا يَجُوزُ تَضْمِينُهَا بِحَالٍ من الْوَجْهِ الْمَحْكِيِّ كَذَلِكَ في الْمُرْتَهِنِ وَنَحْوِهِ وَأَوْلَى. وَخَرَّجَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ من مُودَعِ الْمُودِعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ له الْإِيدَاعُ فإن الضَّمَانَ على الْأَوَّلِ وَحْدَهُ. كَذَلِكَ قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وابن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْ الْأَصْحَابِ من مَنَعَ ظُهُورَهُ. الْيَدُ الْخَامِسَةُ يَدٌ قَابِضَةٌ لِمَصْلَحَتِهَا وَمَصْلَحَةِ الْغَاصِبِ كَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالْوَكِيلِ بِجُعْلٍ وَالْمُرْتَهِنِ فَالْمَشْهُورُ جَوَازُ تَضْمِينِهَا أَيْضًا وَتَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْ لِدُخُولِهَا على الْأَمَانَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وابن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ في الرَّهْنِ احْتِمَالَيْنِ آخَرَيْنِ. أَحَدُهُمَا اسْتِقْرَارُ الضَّمَانِ على الْقَابِضِ وَحَكَوْا هذا الْوَجْهَ في الْمُضَارِبِ أَيْضًا. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ تَضْمِينُهَا بِحَالٍ لِدُخُولِهَا على الْأَمَانَةِ. قال ابن رَجَبٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هو الْمَذْهَبُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَضْمِينُ الْقَابِضِ ما لم يَدْخُلْ على ضَمَانِهِ في جَمِيعِ هذه الْأَقْسَامِ. وَحَكَى الْقَاضِي وَغَيْرُهُ في الْمُضَارَبَةِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّ الضَّمَانَ في هذه الْأَمَانَاتِ يَسْتَقِرُّ على من ضَمِنَ مِنْهُمَا فَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لم يَرْجِعْ على الْآخَرِ. الْيَدُ السَّادِسَةُ يَدٌ قَابِضَةٌ عِوَضًا مُسْتَحَقًّا بِغَيْرِ عَقْدِ الْبَيْعِ كَالصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخَلْعِ وَالْعِتْقِ وَالصُّلْحِ عن دَمِ الْعَمْدِ إذَا كان مُعَيَّنًا له أو كان الْقَبْضُ وَفَاءً لِدَيْنٍ مُسْتَقَرٍّ في الذِّمَّةِ من ثَمَنِ مَبِيعٍ أو غَيْرِهِ أو صَدَاقًا وَقِيمَةَ ما تَلِفَ وَنَحْوَهُ فإذا تَلِفَتْ هذه الْأَعْيَانُ في يَدِ من قَبَضَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ فَلِلْمُسْتَحِقِّ الرُّجُوعُ على الْقَابِضِ بِبَدَلِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ على ما تَقَرَّرَ. قال وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ أَنْ لَا مُطَالَبَةَ له عليه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى في الصَّدَاقِ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ على الْقَوْلِ بِالتَّضْمِينِ فَيَرْجِعُ على الْغَاصِبِ بِمَا غَرِمَ من قِيمَةِ الْمَنَافِعِ لِتَغْرِيرِهِ إلَّا بِمَا انْتَفَعَ بِهِ فإنه مُخَرَّجٌ على الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَمَّا قِيَمُ الْأَعْيَانِ فَمُقْتَضَى ما ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بها. ثُمَّ إنْ كان الْقَبْضُ وَفَاءً عن دَيْنٍ ثَابِتٍ في الذِّمَّةِ فَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ وَإِنْ كان عِوَضًا مُتَعَيَّنًا في الْعَقْدِ لم يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ هُنَا بِاسْتِحْقَاقِهِ وَلَوْ قُلْنَا إنَّ النِّكَاحَ على الْمَغْصُوبِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِانْتِفَاءِ الصِّحَّةِ مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ الْعِلْمِ ذَكَرَهُ بن. أبي مُوسَى وَيَرْجِعُ على الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ في الْمَنْصُوصِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ. وقال في الْمُجَرَّدِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَأَمَّا عِوَضُ الْخَلْعِ وَالْعِتْقِ وَالصُّلْحِ عن دَمِ الْعَمْدِ فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا يَجِبُ الرُّجُوعُ فيها بِقِيمَةِ الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ وهو الْمَنْصُوصُ وهو قَوْلُ الْقَاضِي في أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِي يَجِبُ قِيمَةُ الْمُسْتَحَقِّ في الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عن دَمِ الْعَمْدِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فإن الْوَاجِبَ فيه قِيمَةُ الْعَبْدِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي في الْبُيُوعِ من خِلَافِهِ وَيُشْبِهُ قَوْلَ الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا جَعَلَ عِتْقَ أَمَتِهِ صَدَاقَهَا وَقُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ على ذلك أَنَّ عليها قِيمَةَ نَفْسِهَا لَا قِيمَةَ مَهْرِ مِثْلِهَا. وَعَلَى الْوَجْهِ الْمُخَرَّجِ في الْبَيْعِ أَنَّ الْمَغْرُورَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ فَهُنَا كَذَلِكَ. الْيَدُ السَّابِعَةُ يَدٌ قَابِضَةٌ بِمُعَاوَضَةٍ وَهِيَ يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ. فقال الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ إذَا ضُمِّنَتْ الْمَنْفَعَةُ لم يَرْجِعْ بها. وَلَوْ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ على الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ فَفِيهِ ما مَرَّ من زِيَادَةِ قِيمَةِ الْعَيْنِ على الثَّمَنِ وإذا ضُمِّنَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ رَجَعَتْ بها على الْغَاصِبِ لِتَغْرِيرِهِ. وفي تعليقه الْمَجْدِ يَتَخَرَّجُ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا ضَمَانَ عليه بِحَالٍ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ يَضْمَنُ الْعَيْنَ. وَهَلْ الْقَرَارُ عليه لنا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا عليه. وَالثَّانِي على الْغَاصِبِ وهو الذي ذَكَرَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ انْتَهَى. الْيَدُ الثَّامِنَةُ يَدٌ قَابِضَةٌ لِلشَّرِكَةِ وَهِيَ الْمُتَصَرِّفَةُ في الْمَالِ بِمَا يُنَمِّيهِ بِجُزْءٍ من. النَّمَاءِ كَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمَزَارِعِ وَالْمُسَاقِي وَلَهُمْ الْأُجْرَةُ على الْغَاصِبِ لِعَمَلِهِمْ له بِعِوَضٍ لم يُسَلَّمْ. فَأَمَّا الْمُضَارِبُ وَالْمَزَارِعُ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَشَرِيكُ الْعَنَانِ فَقَدْ دَخَلُوا على أَنْ لَا ضَمَانَ عليهم بِحَالٍ فإذا ضَمِنُوا على الْمَشْهُورِ رَجَعُوا بِمَا ضَمِنُوا إلَّا حِصَّتَهُمْ من الرِّبْحِ فَلَا يَرْجِعُونَ بِضَمَانِهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ في الْمُسَاقِي وَالْمَزَارِعِ نَظِيرَهُ. أَمَّا الْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَقِرَّ عليهم ضَمَانُ شَيْءٍ بِدُونِ الْقِسْمَةِ مُطْلَقًا. وَحَكَى الْأَصْحَابُ في الْمُضَارِبِ لِلْمُضَارِبِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَهُ بِنَاءً على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ على من تَلِفَ الْمَالُ بيده. وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ تَضْمِينَهُمْ بِحَالٍ وَإِنَّمَا أَعَادَ حُكْمَ الشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ لِذِكْرِ النَّمَاءِ. وَأَمَّا الْمُسَاقِي إذَا ظَهَرَ الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ تَكْمِلَةِ الْعَمَلِ فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِعَمَلِهِ على الْغَاصِبِ وإذا تَلِفَ الثَّمَنُ فَلَهُ حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا أَنْ يَتْلَفَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ كُلٍّ من الْغَاصِبِ وَالْعَامِلِ ما قَبَضَهُ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْكُلَّ لِلْغَاصِبِ فإذا ضَمَّنَهُ الْكُلَّ رَجَعَ على الْعَامِلِ بِمَا قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ. وفي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ لَا يَرْجِعُ عليه وَهَلْ لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْعَامِلِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ ذَكَرَ الْقَاضِي فيه احْتِمَالَيْنِ. أَحَدُهُمَا نعم ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَامِلُ على الْغَاصِبِ بِمَا قَبَضَهُ على الثَّمَرَةِ على الْمَشْهُورِ وَبِالْكُلِّ على الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَالثَّانِي لَا. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتْلَفَ الثَّمَرُ قبل الْقِسْمَةِ إمَّا على الشَّجَرِ وَإِمَّا بَعْدَ جَذِّهِ فَفِي التَّلْخِيصِ في مُطَالَبَةِ الْعَامِلِ بِالْجَمِيعِ احْتِمَالَانِ وَكَذَا لو تَلِفَ بَعْضُ الشَّجَرِ. قال ابن رَجَبٍ وهو مُلْتَفِتٌ إلَى أَنَّ يَدَ الْعَامِلِ هل تثبت [يثبت] على الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ أَمْ لَا وَالْأَظْهَرُ أَنْ لَا لِأَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَنَا لَا يَنْتَقِلُ في الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ على شجرة بِالتَّخْلِيَةِ. وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً بِثَمَرِهَا فَهَلْ تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ في ضَمَانِهِ تَبَعًا لِلشَّجَرَةِ قال ابن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ لَا تَدْخُلُ. قال ابن رَجَبٍ وَالْمَذْهَبُ دُخُولُهَا تَبَعًا. الْيَدُ التَّاسِعَةُ يَدٌ قَابِضَةٌ تَمَلُّكًا لَا بِعِوَضٍ إمَّا لِلْعَيْنِ بِمَنَافِعِهَا كَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ أو لِلْمَنْفَعَةِ كالموصي له بِالْمَنَافِعِ وَالْمَشْهُورُ أنها تَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْهُ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا ما يَحْصُلُ لها بِهِ نَفْعٌ فَفِي رُجُوعِهَا بِضَمَانِهِ الرِّوَايَتَانِ. وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ أنها لَا تَضْمَنُ ابْتِدَاءً ما لم يَسْتَقِرَّ ضَمَانُهَا عليه. وَذَكَرَ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ رِوَايَةً أنها لَا تَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْهُ بِحَالٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في مَحَلِّ الرِّوَايَتَيْنِ في الرُّجُوعِ بِمَا انْتَفَعَتْ بِهِ على طُرُقٍ ثَلَاثٍ. إحْدَاهُنَّ أَنَّ مَحَلَّهُمَا إذَا لم يَقُلْ الْغَاصِبُ هذا مِلْكِي أو ما يَدُلُّ عليه فَإِنْ قال ذلك فَالْقَرَارُ عليه بِغَيْرِ خِلَافٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ إنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْقَابِضَ ابْتِدَاءً فَفِي رُجُوعِهِ على الْغَاصِبِ الرِّوَايَتَانِ مُطْلَقًا وَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ ابْتِدَاءً فَإِنْ كان الْقَابِضُ قد أَقَرَّ له بِالْمَلَكِيَّةِ لم يَرْجِعْ على الْقَابِضِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي. وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ الْخِلَافُ في الْكُلِّ من غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. الْيَدُ الْعَاشِرَةُ يَدٌ مُتْلِفَةٌ لِلْمَالِ نِيَابَةً عن الْغَاصِبِ كَالذَّابِحِ لِلْحَيَوَانِ وَالطَّابِخِ له فَلَا قَرَارَ عليها بِحَالٍ وَإِنَّمَا الْقَرَارُ على الْغَاصِبِ قَالَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَالْأَصْحَابُ. قال ابن رَجَبٍ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ بِالْقَرَارِ عليها مِمَّا أَتْلَفَهُ كَالْمُودِعِ إذَا تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَأَوْلَى لِمُبَاشَرَتِهَا لِلْإِتْلَافِ. قال وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ لَا ضَمَانَ عليها بِحَالٍ من نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَنْ حَفَرَ لِرَجُلٍ بِئْرًا في غَيْرِ مِلْكِهِ فَوَقَعَ فيها إنْسَانٌ فقال الْحَافِرُ ظَنَنْت أنها في مِلْكِهِ فَلَا شَيْءَ عليه وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ في كِتَابِ الْجِنَايَاتِ. وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَتْهُ على وَجْهٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا عَالِمَةً بِتَحْرِيمِهِ كَالْقَاتِلَةِ لِلْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَالْمُحْرِقَةِ لِلْمَالِ بِإِذْنِ الْغَاصِبِ فِيهِمَا فَفِي التَّلْخِيصِ يَسْتَقِرُّ عليها الضَّمَانُ لِأَنَّهَا عَالِمَةٌ بِالتَّحْرِيمِ فَهِيَ كَالْعَالِمَةِ بِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ. وَرَجَّحَ الْحَارِثِيُّ دُخُولَهَا في قِسْمِ الْمَغْرُورِ انْتَهَى كَلَامُ بن رَجَبٍ في الْقَوَاعِدِ مُلَخَّصًا وَلَقَدْ أَجَادَ فَرَحِمَهُ اللَّهُ. قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا أو بَنَى فيها فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً فَقَلَعَ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِمَا غَرِمَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْقِسْمَةِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ على الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْقَلْعِ. وَأَفَادَنَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لِلْمَالِكِ قَلْعَ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ. هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا أَعْنِي من غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ وَلَا الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وقال هو الْأَصَحُّ. قال في الْقَوَاعِدِ هذا الذي ذَكَرَه ابن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَتَبِعَهُ عليه الْمُتَأَخِّرُونَ. وَعَنْهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهُ إنْ ضَمِنَ نَقْصَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ على الْبَائِعِ قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وقال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَقَعُ بَلْ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ وَذَكَرَ النَّصَّ من رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَقَدَّمَهُ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ في غَرْسِ الْمُشْتَرِي من الْغَاصِبِ وقال نَقَلَهُ عنه حَرْبٌ وَيَعْقُوبُ بن بُخْتَانَ وَذَكَرَ النَّصَّ وقال وَكَذَلِكَ نَقَلَ عنه محمد بن حَرْبٍ الْجُرْجَانِيُّ وقال هذا الصَّحِيحُ وَلَا يَثْبُتُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ سِوَاهُ وَنَصَرَهُ بِأَدِلَّةٍ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على بَعْضِ ذلك في أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ غَرْسِ الْغَاصِبِ وَبِنَائِهِ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ هُنَا أَعَمُّ.
|